الجمعة, 6 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

السلطان سليم الأول
-ج5-

السلطان سليم الأول
-ج5-
عدد : 07-2022
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”


أثار قتل الرسول العثماني غضب وسخط السلطان سليم الأول وجعله يعقد العزم على المضي قدما لضم الديار المصرية بالقوة إلى أملاك الدولة العثمانية وما أن حل فصل الشتاء حتى تجهز السلطان سليم الأول للخروج إلي مصر فوزع على الجند خمسمائة حمل من الدراهم زيادة على ما إستحقوه من رواتبهم الدورية وإشترى ألف قطيع من الجمال لحمل المياه للعساكر غير تلك التي خصصها لخاصته وحاشيته لتعين الجموع خلال زحفهم في الصحراء وكان الكثير من الأعيان والأُمراء يودون لو يمنعوا السلطان عن الزحف نحو مصر وأخذها إلا أن أحدا منهم كان لا يقدر على التفوه بخلاف رأيه خاصة في هذه النقطة وأرسل السلطان سليم بدايةً الصدر الأعظم سنان باشا الخادم في خمسة آلاف فارس إلى مدينة غزة للإستكشاف والإستخبار ولما وصلت الأخبار إلى القاهرة بتحرك العثمانيين أرسل السلطان المملوكي طومان باى الأمير جانبردي الغزالي وهو أحد قادة الجيش المملوكي في واقعة مرج دابق في ستة آلاف فارس إلى جانب غزة بعد أن عينه نائبا لِلسلطنة في دمشق ولما وصل المماليك إلى مدينة خان يونس هاجمهم ليلا سنان باشا وقاتلهم قتالا شديدا إمتد إلى اليوم التالي 26 ذي القعدة عام 922 هجرية الموافق يوم 21 ديسمبر عام 1516م وفي النهاية إنكسر المماليك ولم يفلت منهم إلا جمع قليل مع جانبردي الغزالي والذين فروا عائدين إلى مصر وقُتل وأُسر ما عداهم وأرسل سنان باشا الأسرى ورؤوس القتلى إلى السلطان سليم الأول الذى كان قد غادر دمشق حينذاك وتوجه لزيارة بيت المقدس حيث صلى صلاة الحاجة في المسجد الأقصى المبارك الذي أُنير ترحيبا بقدومه بنحو 12 ألف قنديل ومن بيت المقدس توجه السلطان إلى مدينة الخليل وزار الحرم الإبراهيمي ثم ذهب إلى غزة حيث إلتحق بسنان باشا وأدى في المدينة صلاة عيد الأضحى ومنها إتجه إلى سيناء وبدأ في إجتيازها مع جيشه العرمرمي ومن المعروف أن العثمانيين تمكنوا من إجتياز صحراء سيناء خلال ثلاثة عشر يوما فقط ومما هون عليهم ذلك كان هطول الأمطار في كل يوم تقريبا حيث تمكن الجيش من إجتياز المسافة الممتدة من قطية بمنطقة العريش الحالية إلى القنطرة البالغة حوالي 50 كيلو مترا في يوم واحد فقد ثبتت الأمطار الأرض الرملية تحت أرجل الجند والدواب فلم يتعبوا لا هم ولا دوابهم في المسير ولم يحدث لهم أي نقص في المياه وسرعان ما إجتاز العثمانيون برزخ السويس ودخلوا الديار المصرية ليبدأوا الإعداد للمعركة الحاسمة التي كتب لها أن تسدل الستار على حياة الدولة المملوكية .


وما أن أُشيع بين الناس أن العثمانيين دخلوا مصر حتي إضطربت أحوال البلاد وشرع أهالي القاهرة يحددون أماكن في أطراف المدينة وجوانبها ليختفوا فيها إذا ما جرى قتال بالمدينة بل إن بعض الناس عول على حمل أهله وعياله في مراكب وتوجه بهم إلى أعالي الصعيد ريثما تستقر الأوضاع وينادى بالأمان أما السلطان السلطان طومان باى فإنه رغب في التصدى للعثمانيين عند الصالحية قرب الإسماعيلية حاليا قبل أن يصلوا إلى موارد المياه والرعي وقبل أن يحصل مشاتهم وفُرسانهم على راحتهم من مسيرتهم السريعة عبر صحراء سيناء وكان ذلك إختيارا موفقا من الناحية الإستراتيجية إلا أن السلطان المملوكي لم يستطع تنفيذ ذلك إزاء معارضة كبار القادة والأُمراء الذين أصروا على الوقُوف عند صحراء الريدانية وهي قرب العباسية حاليا خارج القاهرة مباشرةً وهدف أُمراء المماليك من وراء هذا أن يهزموا العثمانيين ويجبرونهم على التراجع إلى الصحراء ومطاردتهم فيها وإبادتهم ثم إسترداد بلاد الشام منهم بيسر وعمل السلطان طومان باى ومن معه على تقوية تحصينات الريدانية على عجل فنصب قُرابة مائتي مدفع حول المعسكر وسلح بعض الجنود بالبنادق معتمدا على الإشتباك مع العثمانيين في معركة طويلة والحقيقة أن الجيش المملوكي حمل في طياته بذُور إخفاقه أمام الجيش العثماني فالمدافع التي نصبها طومان باى كانت مدافع ثابتة تستخدم في الدفاع عن القلاع ولا تستعمل في الحروب الميدانية بعكس المدافع العثمانية المتحركة التي برع العثمانيون في إستخدامها في الحروب كما عانى طومان باى من فُقدان التركمان والأكراد الذين كانت بلادهم قد أصبحت جزءا من الدولة العثمانية ولا يقاتلون إلا في جيوشها فلم يعد بإمكانه إلا الإعتماد على خيالته التركية والشركسية وفُرسان العربان وكان الأخيران لا يركن لهم لكرههم الحروب النظامية والميدانية ولعدم إنضباطهم وإنتظامهم وأرسل السلطان العثماني سليم الأول الصدر الأعظم سنان باشا للإستطلاع والإستعلام عن الإستعدادات المملوكية فعاد إليه يقول إن مدافع المماليك موجهة نحو طريق العادلية وهي قرية تتبع مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية حاليا على إعتبار أنها الطريق الملائم والمنطقي والمفتوح للوافدين إلى القاهرة وبِهذا فلا يمكن دخول المدينة قبل إجتياز الإستحكامات والتحصينات المملوكية وعندئذ رأى السلطان العثماني سليم الأول أن يباغت المماليك من موضعٍ آخر فإستشار من يعلم طبيعة تلك البلاد فإتفقت كلمتهم على النزول من جبل المقطم فقام في ميمنة الجيش الصدر الأعظم سنان باشا مع عسكر الأناضول ومعه كل من علي بك بن شهسوار وفرخشاد بك البايندري ومحمود بك الرمضاني وقام في الميسرة الوزير يونس باشا مع عسكر الروملي وأُمرائها وبين يدى السلطان الإنكشارية وسائر طائفة القپوقولية وفي يوم 29 ذي الحجة عام 922 هجرية الموافق يوم 23 يناير عام 1517م أمر السلطان العثماني سليم الأول عدة كتائب عثمانية بالتظاهر بالهجوم في حين سار هو ببقية الجيش ونزل من الجبل حسب الخطة فأصبح خلف المماليك ولما شاهد السلطان العثماني طومان باى العثمانيين خلفه أدرك حلول العاقبة التي كان يخشاها وإضطر إلى الخروج للصحراء المفتوحة ومجابهة أعداءه وبالتالي فلم يستفد من المدافع في شئ لعدم إمكان تحريكها من أماكنها وأمطر العثمانيون المماليك بالرصاص فحصدوهم حصدا وقتل منهم ما لا يحصى لكن فُرسانهم إستمروا يقاتلون بشجاعتهم المعهودة فهجم جانبردي الغزالي في نخبة من العسكر على الصدر الأعظم سنان باشا في الميمنة فغخترق الصفوف وحرك الجند من مواضعهم وفرقهم فإضطر سنان باشا إلى مباشرة القتال بنفسه فأصابه جانبردى الغزالي بجراحٍ بليغة ثُم إنسحب ولم تمهل تلك الجراح الصدر الأعظم طويلا فتوفي متأثرا بها لكن علي الرغم من ذلك لم يستفد المماليك من شجاعة أو بسالة فُرسانهم شيئا فسرعان ما إنكسروا وقُتل جمع عظيم من أُمرائهم وفر السلطان المملوكي طومان باى ناجيا بحياته في إتجاه الصعيد في حين فر جانبردي الغزالي نحو الصالحية وغنم الجنود العثمانيون الكثير من الأموال والأسلحة والدواب والأقمشة والأمتعة والذخائر مما تركه المماليك خلفهم وأمر السلطان العثماني سليم الأول بتتبع الهاربين وإعدام جميع الأسرى فقتل منهم عدد كبير وكان ممن قُتل من القادة والأُمراء العثمانيون في هذه المعركة محمود بك الرمضاني ويونس بك أمير عينتاب وعلي أغا الخازندار وغيرهم ويروى أن السلطان العثماني سليم الأول قد حزن حزنا شديدا لمقتل سنان باشا فبكاه وتأسف عليه قائلا نلت مصر وفَقدت يوسف الذى لا تعدله مصر وبعد إنتهاء المعركة عين السلطان سليم الأول الوزير يونس باشا صدرا أعظما وحدد رجال لضبط القاهرة في اليوم التالي وأمر بسرعة دفن القتلى .


وفي اليوم التالي لواقعة الريدانية أي الجمعة 30 ذي الحجة عام 922 هجرية الموافق عام 24 يناير عام 1517م أرسل السلطان العثماني سليم الأول الخليفة العباسي الشرفي المتوكل على الله ومعه القضاة الثلاثة كمال الدين الطويل الشافعي ومحيي الدين الدميري المالكي وشهاب الدين الفتوحي الحنبلي والأمير خاير بك وعدد من الوزراء وحشد غفير من الجنود العثمانيين فدخلوا جميعهم من باب النصر وعلى رأسهم الخليفة وأمامه المشاعلية الذين جعلوا ينادون للناس بالأمان والإطمئنان وبعودة البيع والشراء وأن لا أحد سيشوش على غيره من الرعية وقد أغلق باب الظلم وفُتح باب العدل وأن على كل من يحمي مملوكا من مماليك السلطان المملوكي طومان باى أن يسلمه للجند العثمانيين وإلا شنق على باب داره والدعاء للسلطان العثماني سليم الأول بالنصر فضج له عوام الناس بالدعاء وفي ذلك اليوم خطب بإسم السلطان على منابر مساجد مصر القديمة والقاهرة ووصف بعدة ألقاب منها السلطان إبن السلطان مالك البرين والبحرين وكاسر الجيشين وسلطان العراقين وخادم الحرمينِ الشَريفين والملك المظفر وأرسل السلطان سليم الأول جماعةً من الإنكشارية وأوقفهم على أبواب المدينة ليمنعوا سائر طوائف الجند العثماني من النهب والسلب ولإخافة اللصوص الذين قد يستغلُّون فترة الإضطرابات المرافقة لإنتقال السلطة فيعيثون فسادا في البلد وأمر السلطان أيضا بالبحث عن المماليك الهاربين والمختبئين فلاحقتهم العساكر العثمانية ووجدوا بعضهم مختبئا في المقابر وفي أطراف القاهرة فأتوا بهم إلى السلطان الذي أمر بضرب أعناقهم جميعا دون تفرقة بين الأمير المقدم أو المملوك العادى وأقام السلطان سليم الأول في بولاق على شاطئ النيل طيلة ثلاثة أيام جرى خلالها الإستمرار في تتبع المماليك وقتلهم وفي يوم الإثنين 3 محرم عام 923 هجرية الموافق يوم 27 يناير عام 1517م دخل موكب السلطان من باب النصر أحد أبواب سور القاهرة الفاطمية وشق المدينة بموكبه الحافل وإصطف الناس للتفرج عليه وإرتفعت الأصوات بالدعاء له بحسب شهادة إبن إياس وسلمت له مفاتيح قلعة الجبل مقر السلاطين المماليك السابقين لكنه قرر أن لا يمكث فيها فعاد إلى بولاق بعد أن ترك في القاهرة حاميةً صغيرة وعلم طومان باى بأمر الحامية هذه فجمع جمعا من بقية المماليك والعربان ودخل بهم القاهرة وقتل من وجد فيها من الجنود العثمانيين وسد مداخلها ومخارجها وإستعد للقتال مجددا فإتخذ من عمارة الشيخونية مركزا لعملياته الحربية وحفر عدة خنادق في الشوارع ليعيق تقدم العثمانيين ولما وصل الخبر إلى السلطان العثماني سليم الأول عين الصدر الأعظم يونس باشا والبكلربك مصطفى باشا وإياس أغا الإنكشارية والعلمدار فرحات أغا في نخبة العسكر لقتال طومان باى فساروا إليه ودار بين الطرفين قتال وضرب عنيف من وراء السدود التي أقامها المماليك فإمتد القتال نحو ثلاثة أيام قتل فيه من الجمعين خلق كثير فما كان من السلطان سليم الأول إلا أن ركب بنفسه في اليوم الثالث وبين يديه الإنكشارية فوجد طريقا للإلتفاف حول المماليك من جهة عمارة السلطان حسن وصعد الإنكشاريون إلى أسطح الأبنية وأطلقوا نيرانهم على الأعداء فتقهقر المماليك وإحتموا في الزوايا والمنازل والإسطبلات خوفًا من سطوة العثمانيين الذين فجروا المدافع الصغيرة وأطلقوها على تلك الأبنية فهدموها على رؤوس المقاتلين وإمتد القتال إلى آخر الليل دون أن ينقطع ساعة حتى كان يوم الجمعة 7 محرم عام 923 هجرية الموافق يوم 31 يناير عام 1517م حين إنكسرت شوكة المماليك فتفرقوا وهرب طومان باى إلي مصر القديمة ومنها إلي الصعيد وتم أسر نحو 800 فرد منهم فأمر السلطان سليم الأول بضرب أعناقهم وإمتلأت شوارع القاهرة وأزقَّتها بجثث الجنود وجيف الدواب بحيث كان لا يمكن العبور منها وخيف من إنتشار الأوبئة والأمراض نتيجة ذلك فأمر السلطان بإحراق البيوت التي تحصَ فيها المماليك وبسرعة التخلص من الجثث والجيف للحيلولة دون فساد الهواء .


وبهذا الإنكسار للمماليك تم حسم النصر العثماني عليهم ولم يجد الأمير المملوكي جانبردي الغزالي أي فائدة من المقاومة فأرسل إلي السلطان العثماني سليم الأول يستأمنه ويطلب منه العفو ويعلن خضوعه وتبعيته فأجابه السلطان إلى مطلبه وعفا عنه وأكرمه بخلعٍ فاخرة وفي يوم السبت 23 محرم عام 923 هجرية الموافق يوم 15 فبراير عام 1517م دخل السلطان سليم الأول القاهرة مرة أخرى بمراسم هائلة بعد أن نظفت شوارعها وأزقَّتها من الجثث والجيف وأمر بضرب سكك نقدية ذهبية بإسمه في دار السك القاهرية وفي الجمعة التالية صلى السلطان العثماني في مسجد السلطان المؤيد شيخ القريب من باب زويلة ويروى أنه لما سمع تلقيبه بخادم الحرمين الشريفين نزع عمامته وقلب سجادته ثم سجد على الأرض باكيا شكرا لله تعالي لحصوله على هذا الشرف الرفيع وبعد الفراغ من الصلاة منح الخطيب مائتي دينار وألبسه ثلاث خلع وأقام السلطان سليم الأول في قلعة الجبل هذه المرة وإحتجب فيها عن الناس ولم يظهر لأحد بحسب ما يروى إبن إياس وأمر بإغلاق أبواب القاهرة ودروبها وقت صلاة الجمعة خوفًا من أن يهجم المماليك على المدينة ويدخلونها على حين غفلة من أهلها لا سيما وأن الأخبار كانت قد بدأت ترد من الصعيد ومفادها أن السلطان المملوكي السابق طومان باى قد قويت شوكته وإلتف حوله جمع من العربان والشراكسة وأّنه يعقد العزم على متابعة القتال وتمكن من أن يجمع نحو ثلاثة آلاف من بقية المماليك وقبائل العربان بغية إسترداد ملكه المفقود وحاول أولا مفاوضة السلطان العثماني سليم الأول لكي يسترجع منه البلاد سلما معلنا إستعداده أن يحكم مصر تحت جناح الدولة العثمانية كوال من ولاتها إذا جلا العثمانيون عن الديار المصرية وكتب إلى السلطان سليم الأول بذلك والذى إستقبل هذا العرض بجدية تامة وأرسل سفارة من كبار العلماء كان من بين أعضائها قُضاة مصر للمذاهب الأربعة ليتفاوضوا مع طومان باى وأرسل بصحبتهم أميرا من أُمرائه وجماعة من الجند العثمانيين ولما وصلت السفارة إلى معسكر طومان باى لم يوافق على شروط السلطان سليم الأول كما حال الأُمراء المماليك دون حصول أي تفاهم بين الجانبين فثاروا على الوفد العثماني وقتلوا أغلب أعضائه بما فيهم قاضي القضاة الحنفي محمود بن الشحنة وعبد السلام قاضي البهنسا وغضب السلطان سليم الأول غضبا شديدا وتأكد من أن طومان باي لا يريد إلا الحرب فأمر بضرب أعناق القادة المماليك الكبار الذين سجنهم وإستعد للقتال بعد أن رأى أن هذا وحده ما سيحسم الأمر بينه وبين نظيره المملوكي وتقدم طومان باي عن طريق نهر النيل وتقابل مع العثمانيين وجها لِوجه عند الجيزة في يوم 6 ربيع الأول عام 923 هجرية الموافق يوم 28 مارس عام 1517م وكان بين الفريقين وقعة مهولة قيل إنها كانت أشد من معركة الريدانية وتقدم المماليك في بدايتها وكسروا العثمانيين لكن هؤلاء سرعان ما تمكنوا من أعدائهم بفضل أسلحتهم وبنادقهم الحديثة وكفاءتهم القتالية فأمطروا المماليك بالرصاص فقتلوا منهم عددا كبيرا وهزموهم شر هزيمة وولى طومان باى هاربا إلى مديرية البحيرة .


وفي البحيرة إحتمى طومان باى عند مشايخ بني محارب وكان بين كبيرهم الشيخ حسن بن مرعي والسلطان المملوكي صداقة قديمة فأركن الأخير للشيخ حسن لا سيما بعد أن أقسم له على المصحف ألا يخونه أو يغدر به لكنه حنث بيمينه فأحاط رجاله بطومان باى من كل جانب وأمسكوا به ثم أرسل إلى السلطان سليم الأول يعلمه بذلك فأرسل السلطان جماعةً من عسكره قبضوا على نظيره المملوكي ووضعوه في الحديد وعادوا به إلى القاهرة ولما وقف طومان باى بين يدى السلطان سليم الأول أمر بإحضار عرش ووضعه بجانبه وأجلسه عليه وإحتفظ طومان باى بشجاعته وهيبته ووقاره في حضور السلطان سليم الأول فأُعجب به إعجابا كبيرا وقال له أَنا ما جئت عليكم إلا بفتوى علماء الأعصار والأمصار وأنا كنت متوجها إلي جهاد الرافضة والفجار فلما بغي أميركم الغورى وجاء بالعساكر إلي حلب وإتفق مع الرافضة وإختار أن يمضي إلي مملكتي التي هي مورث آبائي وأجدادى فلما تحققت تركت الرافضة ومشيت إليه ثم إستطرد قائلا والله ما كان قصدى إلحاق الأذى ونويت الرجوع من حلب ولو أطعتني منذ البداية وجعلت السكة بإسمي ما جئت لك ولا دست أرضك فرد عليه طومان باى قائلا إن الأنفس التي تربت في العز لا تقبل الذُل وإن الأسد لا يخضع للذئب وإن أحدا من فُرسان العثمانيين لا يقدر على مقارعته في حومة الميدان وزاد إعجاب السلطان سليم الأول بطومان باى لشجاعته وحجته ومنطقه وتردد في إتخاذ قراره النهائي بشأنه ويقال إنه كان يعتزم إطلاق سراحه وإكرامه لكن الأُمراء والقادة المماليك الذين كانوا قد إلتحقوا بالعثمانيين خافوا نقمة طومان باى فيما لو أطلقه السلطان وعينه واليا على الديار المصرية فأخبروا السلطان العثماني سليم الأول بأنه ما يزال يسعى وراء سلطنة مصر والإستقلال بها وشرحوا له ذلك بإسهاب وأقنعوه بوجوب قتله ويبدو أن السلطان سليم الأول رأى في إطلاق سراح طومان باى فسادا عظيما وتهديد لإستقرار ملك العثمانيين في الديار المصرية فأمر بشنقه علي باب زويلة وبقيت جثته معلقة عليه لمدة ثلاثة أيام حتي علم القريب والبعيد وبعد ذلك أقيم لطومان باى جنازة عظيمة حتي قيل إنه لو مات وهو علي العرش لما أقيمت له مثل هذه الجنازة وإكتنف السلطان سليم الأول نعشه وشارك أيضا في الجنازة جميع أعيان البلاد كما وزع السلطان النقود الذهبية على الفقراء والمحتاجين طيلة ثلاثة أيام صدقةً وتطييبا لِروح آخر سلاطين المماليك وبذلك أسدل الستار علي الدولة المملوكية والتي كانت تحكم مصر والشام وبلاد الحجاز وإمتد حكمها 267 عاما وتحديدا من عام 1250م خلفا لحكم الدولة الأيوبية وحتي عام 1517م .

ومن جانب آخر كان طبيعيا أن تكون بلاد الحجاز محط آمال السلطان سليم الأول المتطلع إلى توحيد ديار الإسلام والمسلمين تحت سلطنته حيث ظفر بلقب خادم الحرمين الشريفين دون أن تكون له السيادة الفعلية عليهما وبعد أن دخلت بلاد الشام ومصر تحت جناح الدولة العثمانية لم يبق من الأقاليم المملوكية السابقة خارجا عن نطاق السلطنة العثمانية سوى بلاد الحجاز واليمن وكان السلطان العثماني سليم الأول عندما تمت له السيطرة على مصر قد وجد كثيرا من العلماء والمشايخ والقضاة الحجازيين في القاهرة حيث كان السلطان المملوكي قنصوة الغورى قد إعتقلهم بعد الفوضى والإضطرابات التي حدثت في بلاد الحجاز وقادها الأشراف ضد المماليك وكان المعلوم أن الأشراف الهاشميين كانوا هم الحكام الفعليين للديار الحجازية ويدينون بالولاء للسلطان المملوكي بالديار المصرية والخليفة العباسي الشرفي المقيم بالقاهرة لكن العلاقة ساءت بينهم وبين السلطنة في مصر في أواخر عهد دولة المماليك بفعل فشل السلطان المملوكي قنصوة الغورى في إيقاف التحول التجارى الذى نتج عن النفوذ البرتغالي في مياه المحيط الهندى وما يتفرع عنه من بحار وفي مقدمتها الخليج العربي وخليج عدن وبحر القلزم أي البحر الأحمر مما أدى إلى حرمان بلاد الحجاز من مصدر مالي مهم ولما أفرج السلطان العثماني سليم الأول عن الأسرى الحجازيين أشاروا عليه بأن يكتب إلى شريف مكة المكرمة بركات بن محمد يدعوه إلى قبول السيادة العثمانية والدعاء له على منابر المساجد وتعهدوا له بأن يكتبوا للشريف بركات في هذا المعنى فقبل الأخير العرض العثماني لحاجته إلى دعم ومساندة دولة إسلامية كبرى كالدولة العثمانية في مواجهة الخطر البرتغالي في بحر القلزم حيثُ تعرضت الموانئ الإسلامية وعلى الأخص جدة لكثير من الهجمات البرتغالية الشرسة كما هدد البرتغاليون أيضا بمهاجمة بلاد الحرمين الشريفين والعبث بمقدسات الإسلام والمسلمين ولم يكن لدى شريف مكة المكرمة المال أو القوات والعتاد التي يستطيع بها صد تلك الإعتداءات المسيحية الصليبية كما كان يدرك أن الحجاز يعتمد من الناحية الإقتصادية على المخصصات الثابتة التي كانت تأتيه سنويا من مصر وفي مقدمتها الغلال ومرتبات الأشراف والعاملين على خدمة الحرمين الشريفين بمكة المكرمة والمدينة المنورة وأيضا خدمة حجاج وزوار بيت الله الحرام وبناءا علي ذلك أرسل شريف مكة المكرمة إبنه جمال الدين محمد أبا نمي إلى مصر حاملا إلى السلطان العثماني سليم الأول تهاني والده ومفاتيح الحرمين الشريفين بمكة المكرمة والمدينة المنورة وكان هذا إقرارا بِالسيادة العثمانية علي بلاد الحجاز وبذلك إنتقلت مسؤولية الإشراف علي الحرمين الشريفين من دولة المماليك إلي الدولة العثمانية .


ولما قدم إبن شريف مكة المكرمة إلي القاهرة أكرم السلطان العثماني سليم الأول وفادته وأعطاه تفويض بحكم والده لبلاد الحجاز ولما عاد أبو نمي إلى مكة المكرمة إحتفل به الناس وقُرأ عليهم التفويض الذى حصل عليه والده من السلطان العثماني وخطب بإسم السلطان العثماني سليم الأول في جميع مساجد مكة المكرمة والمدينة المنورة وبذلك دخلت الديار الحجازية سلما تحت جناح الدولة العثمانية وقد كسبت الحجاز كثيرا من وراء إرتباطها السريع بالدولة العثمانية القوية إذ كانت حملات البرتغاليين على بحر القلزم متتالية وموجهة في عام 1517م إلى جدة تحديدا ورد العثمانيون على ذلك بِإرسال قُوات إليها لكي تحميها من تكرار الإعتداءات كما فرضت الدولة العثمانية تقليدا يقضي بمنع دخول المراكب المسيحية في بحر القلزم بحجة أنه يطُل على الأماكن المقدسة للمسلمين وظل العثمانيون متمسكين بهذا التقليد حتي أواخر القرن الثامن عشر الميلادى وحافظ السلطان سليم الأول على الإستقلال الذاتي للحجاز وإعترف بوضعه الخاص وبالحقوق الموروثة للهاشميين ولم يتعرض للبناء الداخلي والإدارة الداخلية اللذين لم يصبهما أى تغييرات جوهرية وإكتفى العثمانيون بتولي حراسة الشواطئ البحرية وحماية قوافل الحجاج والمؤن والإعتناء بأحوال الطرق وصوامع الحبوب وآبار وخزانات المياه أما بالنسبة لليمن فقد كان حينذاك مرتعا للصراع بين طائفتي الطاهريين والزيديين وحلفائهم المماليك بقيادة أمير يدعى برسباى وكانت سواحل البلاد قد تضررت تضررا كبيرا من الحصار البرتغالي وأنيط بالمماليك المرابطين فيها بحماية الثغور من الإعتداءات الصليبية إلى جانب دعم الزيديين وتقليص قوة الطاهريين ولما علم المماليك بسقوط دولتهم في مصر والشام شاع الإضطراب في صفوفهم وزاد الطين بلة مقتل أميرهم برسباى لكن خليفته الأمير إسكندر الجركسي سرعان ما تدارك الوضع ورأى أن لا مفر من الإعتراف بالسيادة العثمانية لتقوية الدفاعات الإسلامية في اليمن وللقضاء على الخلافات التي ثارت بين صفوف جيشه وإعترف السلطان العثماني سليم الأول بدوره بالأمر الواقع في تلك البلاد وأرسل كتابا إلى إسكندر الجركسي يعلمه بتثبيته في حكم اليمن وبإقامة الخطبة له وبضرب السكة بإسمه فإمتثل إسكندر لهذه الأوامر وهكذا دخل اليمن سلما تحت جناح الدولة العثمانية كما الحجاز على أن السيادة العثمانية على الديار اليمنية بقيت متذبذبة في تلك الفترة لأن بعض القادة المماليك لم يذعنوا لأوامر السلطان العثماني سليم الأول وتمسكوا بإستقلالهم وخرجوا على من أعلن الطاعة منهم وإستمر الوضع على تلك الحال لعدة سنوات قادمة حتى عهد السلطان سليمان القانوني خليفة السلطان سليم الأول .


ولما صفت البلاد المصرية والحجازية واليمنية للسلطان سليم الأول أمر بإرسال كتب الفتح والتبشير إلى أطراف البلاد والدول المجاورة وبلغه من محمد باشا البيقلي خبر ضم ماردين وأخذها من أيدي الصفويين فزاد هذا من سروره ثُم أبحر السلطان عبر نهر النيل إلى الإسكندرية ليزورها ويتعرف عليها ومكث فيها أياما حيث قابل قائد الأُسطُول العثماني جعفر أغا الذي وصل حاملا ذخائر وعتاد من العاصمة العثمانية إسطنبول فأمر السلطان بتوزيعها على الجند وأثناء مكوثه بالإسكندرية وفد عليه أيضا الحاج حسين ريس وهو أحد أوثق رجال الإخوة بربروس فقدم للسلطان بضعة هدايا أرسلها عروج ومعها طلب بإمداد الإخوة بالرجال والسلاح في سبيل إعانتهم على حرب الأسبان فإستجاب السلطان وأرسل إلى المغرب الأوسط قُرابة ألفي جندى عثماني وعدد كبير من البنادق والمدافع وأمر أيضا بإعلان النفير في الأناضول الغربية وفتح باب التطوع أمام الجنود الراغبين في الجهاد في غرب البحر الأبيض المتوسِط فتطوع عدد كبير من هؤلاء كما تم إنتخاب عدد أربعة آلاف أرسلوا خصيصا للتدريب وتعلم إستعمال البنادق والمدافع وبعد ذلك عاد السلطان العثماني سليم الأول إلى القاهرة حيث منح الترقيات للجند وأمر ببناء قصر للحكم في جزيرة الروضة وشرع بعد ذلك في ترتيب أُمور الديار المصرية وتنظيم حكومتها وبلغت مدة مكوث السلطان في مصر نحو ثمانية أشهر قسم خلالها الحكومة إلى ثلاثة أقسام وجعل في كل قسم رئيسا وجعلهم كلهم منقادين للقرارات الصادرة عن الديوان الكبير في القاهرة المكون من الوالي المعين مباشرة من السلطان العثماني ومن أُمراء السبع أوجاقات وهي الوحدات العسكرية التي خصصت لضبط أمن الديار المصرية وجعل للوالي مزية توصيل أوامر السلطان العثماني إلى الديوان وحفظ البلاد وتوصيل الخراج إلى العاصمة العثمانية إسطنبول ومنع كلا من الأعضاء العلو علي صاحبه لكنه منحهم مزية نقض أوامر الوالي إذا وجدوا أسبابا تستلزم ذلك وعزله إذا لزم الأمر والتصديق علي جميع الأوامر التي تصدر منه في الأُمور الداخلية وقسم السلطان البلاد المصرية على أربعة وعشرين مديرية جعل على رأس كل منها حاكما من المماليك الذين أعلنوا ولائهم للسلطنة العثمانية وخصه بمزية جمع الخراج في البلاد وقمع العربان وصدهم عنها والمحافظة على ما في داخلها وكل ذلك بأوامر تصدر لهم من الديوان وجردهم من سلطة التصرف من تلقاء أنفسهم ولقب أحدهم المقيم بالقاهرة بشيخ البلد أما سبب إعتماد السلطان العثماني سليم الأول لهذه الإجراءات فكان تخوفه من بعد الديار المصرية عن العاصمة العثمانية إسطنبول وكثرة الأُمراء وأصحاب النفوذ فيها من المماليك الذين ورثوا ملكهم عن ساداتهم فهؤلاء وإن خضعوا للعثمانيين قد يأتي يوم ويستغلون نفوذهم ويخرج أحدهم عن الطاعة ويسعى للإستقلال عن الدولة نتيجة أى إضطراب قائم .


وعلاوة علي كل ماسبق رتب السلطان سليم الأول أمور الخراج وقسمه ثلاثة أقسام فخصص القسم الأول لدفع مرتبات عشرين ألف عسكرى مرابط في مصر من المشاة وإثني عشر ألفا من الخيالة وخصص القسم الثاني ليصرف منه على الحرمين الشريفين بمكة المكرمة والمدينة المنورة أما القسم الثالث فيتم إرساله إلى بيت المال بالعاصمة العثمانية إسطنبول وتقرر أن تحتل مصر الدرجة الأولى في قائمة تشريفات الإمارات العثمانية لتحل بذلك مكان إمارة الروملي وقد بقي هذا الوضع قائما حتي تم فصل مصر بواسطة بريطانيا عن الدولة العثمانية مع قيام الحرب العالمية الأولي وفرض الحماية البريطانية علي مصر في شهر ديسمبر عام 1914م وقرر السلطان سليم الأول في البداية إسناد ولاية مصر إلى الصدر الأعظم يونس باشا لكنه رأى أن يختبره قبل تثبيته في منصبه فولاه البلاد أياما وراقب أعماله وأحواله خلالها فوجد أنه صادر حريم الأُمراء المماليك الذين لقوا حتفهم خلال الحروب والمعارك مع العثمانيين وإستولى على أموالهم وكذلك طالب مشايخ العربان بتعويضات مالية بحجة أنهم أمدوا المماليك ودعموهم فسارع السلطان سليم الأول حينئذ إلى عزل يونس باشا وعين بدلا منه الأمير خاير بك ونصحهُ بالعدل والإخلاص وترك الظلم والطمع فإلتزم هذا المسار في البدايةً ثم عدل عنه لاحقا وصار من أشر من ولي البلاد المصرية أما على صعيد بحر القلزم فقد أسس السلطان العثماني سليم الأول إمارة السويس البحرية وسمي أميرها قبطان السويس أو قبطان الهند وجعل مقره ميناء السويس وأسس به ترسانة لصنع السفن ووضعها تحت إشرافه ولم يكن تابعا أو خاضعا لوالي مصر وإنما عليه أن يتعاون معه في سبيل ضبط الثغور ويرتبط بالصدر الأعظم مباشرة وقد عين السلطان العثماني سليم الأول سلمان ريس أول قبطان للثغر المذكور خلال عام 1517م وكلفه بصيانة وإغلاق مضيق باب المندب الذى يصل بحر القلزم بالمحيط الهندى ومنع أى سفينة لا ترفع الراية العثمانية من أن تمر من المضيق المذكور وتحاول أن تمخر عباب بحر القلزم كما فكر السلطان سليم الأول في شقِ قناة تربط بين بحر القلزم والبحر المتوسط وإعادة النشاط التجارى في البحر الأخير إلى ما كان عليه لكن لم يكتب له تحقيق هذا المشروع الضخم والذى تم تنفيذه بعد ذلك بحوالي ثلاثة قرون ونصف القرن علي يد المهندس الفرنسي فرديناند ديليسبس وكان السلطان العثماني سليم الأول قد أمر أيضا بتوسيع الترسانة البحرية في القاهرة وإنشاء سفن جديدة فيها وذلك بهدف حماية مجرى نهر النيل .


وبعدما فرغ السلطان العثماني سليم الأول من ترتيباته في الديار المصرية خرج منها يوم 22 شعبان عام 923 هجرية الموافق يوم 8 سبتمبر عام 1517م متوجها إلى بلاد الشام وإصطحب معه الخليفة العباسي الشرفي ولما وصل إلى الخطارة وهي قرية تتبع مدينة فاقوس بمحافظة الشرقية حاليا في يوم 6 رمضان عام 923 هجرية الموافق يوم 21 سبتمبر عام 1517م أمر السلطان العثماني الصدر الأعظم يونس باشا بأن يصاحبه في التنزه ثم قتله ولا يعرف حتي اليوم على وجه اليقين سبب قتل الباشا لكن يتفق أنه قال شيئا للسلطان سليم إثار غضبه وتهوره فمن المعلوم أن يونس باشا كان من جملة الساسة العثمانيين المعارضين للحرب ضد المماليك وضم بلاد الشام ومصر ويقال إنه لما خرج الباشا للتنزه مع السلطان سليم الأول قال له الأخير ما معناه إنه قد أتم ضم مصر للدولة خلافا لرأيه فأجابه يونس باشا بأن هذه الحملة لم تعد علي الدولة بشئ سوى فقدان نصف الجيش كما أنه قام بتسليم البلاد المصرية لخاير بك الخائن والذى كان غرضه التملك عليها لنفسه ورجل كهذا لا يؤمن ولاؤه للدولة فغضب السلطان سليم الأول من هذا الكلام الموجه إليه بصفة النقد واللوم فأمر الحراس الذين كانوا حوله بقتل الصدر الأعظم فضرب أحدهم عنقه وألقى جسده ورأسه في البرية ولم ينصب أحدا بعده إلى أن وصل السلطان العثماني مدينة دمشق في يوم 22 رمضان عام 923 هجرية الموافق يوم 7 أكتوبر عام 1517م فأرسل إلى محافظ إسطنبول پيري محمد باشا الجمالي يأمره أن يأتي إليه في بلاد الشام لتولي الصدارة العظمى ودخل السلطان مدينة دمشق يوم الجمعة 6 شوال عام 923 هجرية الموافق يوم 21 أكتوبر عام 1517م ونزل في المدرسة النورية وشرع في ترتيب شؤون الديار الشامية حيث قام بتعيين مجلس أناط به مهمة مسح وحصر جميع الأراضي بهدف تنظيم الخراج المفروض عليها علي أن يحتفظ لبيت المال بقسم كبير من مردود سهل البقاع الخصيب ووادي نهر العاصي المثمر ورأى الإبقاء على النظم والتدابير التى إعتمدها المماليك في تقدير الضرائب تقديرا تصاعديا وأبقى السلطان سليم الأول الدوائر الإدارية في بلاد الشام على ما كانت عليه في العصر المملوكي لكنه بدل بعض الشئ في نظام التسمية فأصبحت النيابة إمارة أو إيالة وعرف نائب السلطنة بالوالي وكما هو الحال في سائر أرجاء الدولة العثمانية صار لقب التعظيم الذى يلي إسم الوالي لقب باشا فصار للبشوية والولاية مدلول واحد وقد تم تقسيم الديار الشامية إلى إيالتين أو إمارتين هما حلب ودمشق وإشتملت الإيالة الأولى على سبعة سناجق بدايةً والإيالة الأُخرى على إثنا عشر سنجق وولي عليها الأمير جانبردي الغزالي .


ومن جانب آخر إعترف السلطان سليم الأول بمكانة الأُمراء الإقطاعيين في جبل لبنان من دروز ومسلمين وثبتهم في إقطاعاتهم وترك لهم الإمتيازات الإستغلالية التي طالما نعموا بها في عهد المماليك ومن ثم إستمر المعنيون يتولون بلاد الشوف واليمنيون بلاد الغرب والعسافيون بلاد كسروان أما التنوخيون الذين وقفوا في صف المماليك فقد أخذ شأنهم يتضاءل منذ ذلك الحين لصالح المعنيين ونزع السلطان سليم الأول إقطاعية البقاع من الأمير ناصر الدين محمد بن الحنش الذي إستمر يوالي المماليك وآوى كثيرا منهم ممن فر من موقعة مرج دابق وأعطاها لأمير آخر هو محمد أغا بن قُرقماز الجركسي وأضاف إليه حكم بيروت وصيدا وبالإضافة إلي ذلك عين السلطان سليم الأول على حسبة البلاد الشامية وأعمالها جماعةً من كبار القضاة والمحتسبين المشهود لهم بالأمانة وجعلهم كلهم خاضعين لقاضي حلب كمال چلبي جولمكجي زاده الذي عينه دفتردارا ففوض حسبة مدن طرابلس الشام وحمص وحماة إلى أبي الفضل بن إدريس البدليسي وحسبة مدينة دمشق إلى نوح چلبي الفناري وحسبة مدينة حلب إلى عبد الكريم چلبي بن عبد الله باشا وفي هذه الأيام خرج أول محمل عثماني للحج من مدينة دمشق ووفد رسول من عند الشاه إسماعيل الصفوي يلتمس الصلح فلم يلتفت إليه السلطان العثماني سليم الأول وزج به في السجن كونه كان ما يزال عازما على تسخير جميع الديار الفارسية ولولا قلة عدد عساكره وتعبهم بعد الحروب الطويلة التي خاضوها في بلاد الشام ومصر لكان سار مباشرة بهم من أرض الشام مباشرة إلي أرض فارس لكي يستكمل القضاء علي الدولة الصفوية الشيعية لكنه رأى إرجاء هذا المشروع للسنة القادمة وبعد أربعة أشهر من إقامته في مدينة دمشق خرج السلطان العثماني سليم الأول بجيشه نحو مدينة حلب وأقام فيها نحو شهرين ثم إرتحل منها ووصل العاصمة العثمانية إسطنبول يوم 17 رجب عام 924 هجرية الموافق يوم 24 يوليو عام 1518م وبحسب الرواية الكلاسيكية التي تجمع عليها الكثير من المصادر التاريخية .