الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

سيف الدولة الحمداني
-ج1-

سيف الدولة الحمداني
-ج1-
عدد : 08-2022
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”

سيف الدولة الحمداني ويعرف باللقب الأكثر شيوعا سيف الدولة العباسية هو علي بن أبي الهيجاء بن حمدان بن الحارث سيف الدولة التغلبي مؤسس إمارة حلب التي كانت تضم معظم شمال سوريا وأجزاء من الجزيرة الفراتية وهو الإبن الثاني لعبد الله أبي الهيجاء بن حمدان المتوفى عام 929م وشقيق حسان بن عبد الله المعروف بناصر الدولة الحمداني وكان من أكثر الأعضاء بروزا في الدولة الحمدانية وقد خدم تحت ولاية أخيه الأكبر في محاولات من أخيه للسيطرة على الدولة العباسية في بغداد والتي كان قد دب فيها الضعف في أوائل عام 940 م وبعد إخفاق هذه المحاولات تحول طموح سيف الدولة الحمداني تجاه سوريا حيث واجه طمع الإخشيديين الذين كانوا يحكمون مصر وإمتد نفوذهم حتي الحجاز والشام للسيطرة على المحافظة بعد خوض حربين معهم وكانت سلطته على شمال سوريا ومركزها في حلب والجزيرة الفراتية ومركزها ميافارقين والتي كانت من أشهر مدن الجزيرة الفراتية وقد تغير إسمها حاليا ليصبح سلوان وهي تقع في شمال شرق ديار بكر بين نهرى دجلة والفرات بجنوب شرق إقليم الأناضول وكان معترفا بها من قبل الإخشيديين والخليفة العباسي في بغداد وقد عانت مملكته من سلسلة من التمردات القبلية إستمرت حتى عام 955م لكنه نجح في التغلب عليها والمحافظة على ولاء أهم القبائل العربية وأصبحت دولة سيف الدولة في حلب مركزا للثقافة والحيوية وأصبحت عاصمة دولته حلب مقصدا للعلماء والشعراء العرب حيث كان راعيا للفنون والعلماء وتزاحم على بابه في حلب العلماء والأدباء والشعراء والمفكرون ففتح لهم بلاطه وخزائنه حتى كانت له عملة خاصة يسكها للشعراء من مادحيه وكان منهم أبو الطيب المتنبي الذي ساعد في ضمان شهرته للأجيال القادمة والنحوي المشهور إبن خالويه والفيلسوف الشهير أبو نصر الفارابي كما أنه إعتنى بإبن عمه وشقيق زوجته وأحد قواده أبي فراس الحمداني شاعر حلب وقال هو نفسه الشعر وله أبيات جيدة وكان لسيف الدولة الحمداني دورا كبيرا في الحروب الإسلامية البيزنطية في مواجهة الإمبراطورية البيزنطية في أوج قوتها والتي إستطاعت في بدايات القرن العاشر الميلادى السيطرة على بعض الأراضي الإسلامية وفي أثناء مصارعة عدو متفوق بكثير شن سيف الدولة الحمداني غارات في عمق الأراضي البيزنطية متمكنا من فتح بعض المناطق وإستمر ذلك حتى عام 955م وبعد ذلك قاد القائد الجديد للقوات البيزنطية نقفور الثاني ومساعدوه هجوما قصم قوات سيف الدولة الحمداني وإستولى البيزنطيون على قلقيلية بجنوب إقليم الأناضول كما إحتلوا مدينة حلب نفسها لفترة وجيزة في عام 962م وقد تميزت السنوات الأخيرة لسيف الدولة الحمداني بالهزائم العسكرية لعجزه المتزايد نتيجة المرض وإنخفاض سلطته التي أدت إلى ثورة أقرب مساعديه عليه وكانت وفاته في أوائل عام 967م تاركا دولة ضعيفة فقدت أنطاكية والساحل السوري لبيزنطة لتصبح مناطق تابعة للإمبراطورية البيزنطية في عام 969م .


وكان مولد سيف الدولة الحمداني في عام 916م بمدينة ميافارقين وقد كان الحمدانيون فرعا لبني تغلب القبيلة العربية التي سكنت في منطقة الجزيرة الفراتية منذ عصر ما قبل الإسلام وسيطروا تقليديا على الموصل شمالي العراق ومنطقتها حتى القرن التاسع الميلادى وعندما حاولت الدولة العباسية فرض سيطرة حازمة أكثر على المنطقة كان حمدان بن حمدون جد سيف الدولة أحد أكثر القادة التغلبيين رفضا لهذه الخطوة وجدير بالذكر أنه ضمن تحالف الأكراد الذين يعيشون في الجبال في شمال الموصل في جهوده لدرء العباسيين وهذه الحقيقة سيكون لها أهمية كبيرة على ثروات عائلته في وقت لاحق وقد تزاوج أفراد الأسرة مع الأكراد والذين كانوا بارزين في الجيش الحمداني وفي عام 895م هزم حمدان وسجن مع أقاربه لكن إبنه حسين بن حمدان تمكن من تأمين مستقبل العائلة حيث أعد جنودا للخليفة من تغلب في مقابل تخفيض الضرائب وأصبح له نفوذ وتأثير في الجزيرة بكونه أصبح وسيطا بين السلطات العباسية والعربية والسكان الأكراد وكانت هذه القاعدة المحلية القوية التي سمحت للعائلة أن تنجو من علاقتها المتوترة مع الحكومة المركزية العباسية في بغداد خلال بدايات القرن العاشر الميلادى وكان حسين قائدا ناجحا ميز نفسه ضد الخوارج والطولونيين ولكن مرتبته ومكانته أنزلتا بعد دعمه للمحاولة الفاشلة لنزع الحكم من الخليفة العباسي عبد الله بن المعتز عام 908م وقد كان أخوه الأصغر إبراهيم حاكم إقليم ديار ربيعة التى تقع علي مقربة من مدينة نصيبين بكردستان تركيا حاليا في عام 919م وبعد وفاته في السنة التالية خلفه شقيقه داوود وشغل والد سيف الدولة عبد الله منصب أمير الموصل من شهر أبريل عام 913م وحتي شهر أبريل عام 914م وقد أُنزلت مرتبته مرارا وأعيد تأهيله حتى عادت سيطرته للموصل في شهر مايو عام 925م متمتعا بعلاقة وطيدة مع الرجل القوي مؤنس الخادم أحد الذين كانوا في خدمة الخلفاء العباسيين ووصل إلي أعلي المراتب في البلاط العباسي والذى لعب لاحقا دورا قياديا في المحاولة القصيرة الأجل لنزع الحكم من الخليفة العباسي المقتدر وتولية الخليفة المقتدر عام 929م وقتل خلال قمع هذه المحاولة وعلى الرغم من الثورات الفاشلة ووفاته كان عبد الله قادرا على ضم الموصل تحت حكمه وأصبح هناك وجود فعلي للحكم الحمداني في تلك الإمارة وخلال غيابه الطويل في بغداد في سنواته الأخيرة عهد عبد الله بحكم الموصل إلى إبنه البكر الحسن والذي لقب مستقبلا بناصر الدولة وبعد وفاته كان موقع الحسن في الموصل مهددا بواسطة أعمامه لكن ذلك لم يستمر إذ أنه كان قادرا على أن يوطد الأمن في بغداد وأن يبسط سيطرته على الموصل وكامل الجزيرة الفراتية حتى الحدود المتاخمة للدولة البيزنطية في عام 935م .


وعاش علي بن عبد الله أو سيف الدولة بين ميافارقين والموصل ونصيبين ونشأ أديبا محبا للأدباء والشعراء كما نشأ فارسا أيضا وبدأ الشاب علي بن عبد الله الذى عرف فيما بعد بإسم سيف الدولة الحمداني مسيرته في عهد شقيقه الأكبر ناصر الدولة في عام 936م ودعا حسن شقيقه الأصغر علي لخدمته واعدا إياه بأن يحكم ديار بكر مقابل مساعدته ضد علي بن جعفر الحاكم المتمرد في ميافارقين وقد نجح علي بن عبد الله في منع إبن جعفر من تلقي المساعدة من حلفائه الأرمن وأيضا مراقبة الأجزاء الشمالية من المحافظة المجاورة لديار مضر وهي المنطقة الغربية من الجزيرة الفراتية بعد إخضاع القبائل القيسية في المنطقة المحيطة بمنطقة السروج شمالي سوريا ومن هذا الموقع أُطلقت حملات لمساعدة الإمارات المسلمة على منطقة الحدود البيزنطية التي كان يطلق عليها الثغور ضد الإمبراطورية البيزنطية فلم يكد يبلغ الخامسة والعشرين من عمره حتى إنطلق على رأس جيش مقتحما بلاد الروم البيزنطيين وتوغل إلى حصن زياد بأرض أرمينيا فخرج إليه إمبراطور الروم في مائتي ألف مقاتل وهو عدد لا قبل للأمير المغامر بملاقاته فأعمل فكره ولجأ إلى المراوغة والتقهقر المنتظم حتى يطمع فيه الجيش الرومي حتى إذا إستدرجه إلى الأرض التي يريدها إنقض الأمير عليهم وهزمهم شر هزيمة وأسر منهم عددا كبيرا من القادة وأخذ سرير القائد الأعلى للجيش وكرسيه وكان ذلك موافقا عيد الأضحى لعام 326 هجرية الموافق عام 937م كما أنه تدخل في أرمينيا لردع تأثير النمو البيزنطي هناك حيث لم يمض عامان على غزوته الظافرة لبلاد الروم حتى أقدم على غزوة جديدة بأرمينيا فإنطلق من نصيبين التي كان أخوه ناصر الدولة قد ولاه عليها إلى مدينة قاليقلا وهي من مدن أرمينيا وكان بالقرب منها مدينة جديدة يجد الروم في إنشائها وأطلقوا عليها إسم هفجيج فلم يكد الروم يحسون بمسير الأمير العربي إلى مدينتهم التي لم ينتهوا من إنشائها حتى خربوها وتخلوا عنها وتوغل سيف الدولة في أرض البيزنطيين ووطئت أقدامه مواطئ لم يصل إليها أحد من المسلمين قبله ومن جانب آخر كان في هذه الأثناء قد أصبح شقيقه حسان من المشاركين في مؤامرات البلاط العباسي بعدما إنهارت الحكومة العباسية منذ إغتيال الخليفة العباسي المقتدر في عام 932م وفي عام 936م إستحق محمد بن رائق حاكم واسط والتي تقع في وسط بلاد العراق لقب أمير الأمراء وأصبح مسيطرا علي الحكومة العباسية خاصة وأنه قد تم تصغير دور الخليفة العباسي الراضي بحيث أصبح حاكم من غير سلطة وحينما إستولى البريديون أصحاب البصرة على بغداد في عام 330 هجرية الموافق عام 941م وهي عائلة محلية كانت تريد أن تسيطر على الخلافة إستنجد الخليفة العباسي بالحسن والي الموصل وخرج هاربا في طريقه إليها فكتب الحسن إلى أخيه علي المقيم في نصيبين أن يهب لإنقاذ الخليفة فإصطحب الأمير الحمداني الخليفة على رأس جيش متجهين إلى العاصمة العباسية بغداد لإستردادها من البريديين ولحق بهم الحسن بن حمدان فترك البريديون بغداد وولوا الأدبار نحو البصرة في الجنوب وسجل إنتصارا على أبي الحسين البريدي في المدائن ودخل الخليفة العباسي إلى عاصمته وخلع على الحسن بن حمدان لقب ناصر الدولة وعينه في منصب أمير الأمراء وأمر أن تكتب أسماء الأخوين حسان وعلي على الدنانير والدراهم وسمي علي محافظ واسط ومنح لقب سيف الدولة الذي أصبح بعد ذلك مشهورا به وكانت هذه المنحة المزدوجة للأخوين الحمدانيين هي المرة الأولى التي تقوم بها الدولة بدمج لقبين مرموقين لأي شخص آخر غير الوزير المساعد الخاص للخليفة .


ولم يدم نجاح الحمدانيين طويلا حيث أصبحوا بعد فترة معزولين سياسيا ووجدوا تأييدا بسيطا من الإخشيديين من مصر والسمانيين في خراسان الكبرى وفي بلاد ما وراء النهر فيما يعرف اليوم بأفغانستان وأجزاء واسعة من إيران وطاجيكستان وتركمانستان وأوزباكستان وقيرغيزستان وأجزاء من كازاخستان وباكستان والذين كانوا من أقوى توابع الخليفة ونتيجة لذلك وبعد أن تخلي ناصر الدولة عن منصب أمير الأمراء عام 331 هجرية الموافق عام 942م عاد إلى الموصل ومكث سيف الدولة في نصيبين التي كانت مأمنه ومستقره وموطن أمواله وضياعه وعندما بلغته أخبار الشام وإضطراب الأمور فيها وأنها لم تستقم للإخشيد الذي كان قد مد نفوذه من مصر إلى بلاد الشام ودخل حلب عام 325 هجرية الموافق عام 937م إستأذن أخاه ناصر الدولة بالتوجه إلى حلب وتسلم مقاليد الأمور فيها فوافق بعد تردد وتحرك سيف الدولة نحو الشام ودخل حلب دون مقاومة في يوم 8 ربيع الأول عام 333 هجرية الموافق يوم 17 أكتوبر عام 944م وتم عقد إتفاق يسمح للحمدانيين بأن يحافظوا على الجزيرة الفراتية وأيضا إعطائهم السلطة الإسمية على شمال سوريا والتي لم تكن تحت السيطرة الحمدانية حتي ذلك الوقت في مقابل جزية كبيرة يتم دفعها من جانب ناصر الدولة لبغداد ولم يقبل الإخشيد بإستيلاء سيف الدولة على حلب وقام صراع بينهما بعد أن أثارت إنتصارات سيف الدولة على الروم البيزنطيين مخاوف الإخشيديين وخشوا من تعاظم نفوذه وقوة شوكته فتحركوا لقتاله وأرسلوا جيشاً إلى شمال بلاد الشام بقيادة أبو المسك كافور لمواجهة سيف الدولة الحمداني الذي حاصر مدينة حمص في بداية المعركة وحقق إنتصارا ساحقا ففتحت حمص بواباتها له وبعد ذلك وضع سيف الدولة نصب عينيه الإستيلاء علي دمشق وكان سيف الدولة قد إحتلها سابقا في أوائل عام 945م لكنه أجبر على التخلي عنها بسبب الغضب الشعبي وفي شهر أبريل عام 945م قاد الحاكم الإخشيدي نفسه جيشا إلى سوريا وفي نفس الوقت عرض على سيف الدولة أنه يقبل بحكم الحمداني في شمال سوريا والثغور لكن سيف الدولة رفض هذا العرض لكنه هزم في معركته مع الإخشيديين والتي جرت خلال شهرى مايو ويونيو عام 945م وأُجبر على التراجع إلى الرقة بشمال سوريا علي الضفة الشرقية لنهر الفرات علي بعد حوالي 60 كيلو متر شرقي حلب بينما واصل الجيش المصري مسيره حتي ضواحي مدينة حلب ومع ذلك ففي شهر أكتوبر عام 945م توصل الطرفان إلى إتفاقية كانت بصورة عامة مماثلة لعرض الإخشيد المشار إليه حيث إعترف حاكم مصر بسلطة سيف الدولة الحمداني في شمال سوريا وتأسيس إمارة حلب لتكون تحت حكم سيف الدولة وإبنه من بعده وبحيث تضم الإمارة حمص وأنطاكية وعلي ان تكون مدينة حلب مركزا لتلك الإمارة ويكون جندها هم جند قنسرين وحمص ومناطق الثغور الجزرية والشامية وديار مضر وبكر وفضلا عن ذلك فقد وافق الإخشيد على إرسال جزية سنوية إلى سيف الدولة مقابل أن يتخلى عن كل مطالباته بدمشق وتوجت الإتفاقية بزواج سيف الدولة من إبنة أخ الإخشيد وفضلا عن ذلك فقد حظي حكم سيف الدولة الحمداني بموافقة رسمية من الخليفة العباسي .


وإستمرت الهدنة بين سيف الدولة الحمداني والإخشيد حتى وفاة الأخير في شهر يوليو عام 946م في دمشق ولما سمع سيف الدولة بهذا الخبر سار فورا إلى الجنوب بهدف ضم دمشق إلي إمارته وإنتقل بعد ذلك إلى فلسطين حيث واجه كافور قائد الإخشيد مرة أخرى والذي هزم الأمير الحمداني في شهر ديسمبر عام 946م فإنسحب سيف الدولة إلى دمشق ومنها إلى حمص حيث جمع قواته بما فيها وحدات كبيرة من قبائل عربية وفي ربيع عام 947م حاول إستعادة دمشق مرة أخرى إلا أنه هزم مرة أخرى وتوجه القائد الإخشيدى نحو حلب وإحتلها في شهر يوليو عام 947م وبدلا من التقدم وإستغلال ما حققه من إنتصار بدأ المفاوضات مع سيف الدولة وكانت حلب أقل أهمية له من دمشق وجنوب سوريا وهي المنطقة التي تعد حصن مصر الشرقية وطالما أن سيطرتهم على هذه المنطقة لم يتعرض للخطر فلم يكن هناك مانع لدى الإخشيد بوجود الدولة الحمدانية في شمال سوريا وعلاوة على ذلك أدرك الإخشيد أنهم سيجدون صعوبة في التمسك والحفاظ على السيطرة على شمال سوريا وقلقيلية وهي مناطق لها إرتباط جغرافي وتقليدي وتاريخي أكثر بالجزيرة الفراتية والعراق خاصة وأن مصر في هذه المرة كانت مهددة من قبل الفاطميين من جهة حدودها الغربية وبالإتفاق مع سيف الدولة فإنها تكون غير مضطرة بالحفاظ على جيش كبير من جهة حدودها الشرقية بما يحملها تكاليف كبيرة يمكن توفيرها وبحيث ستكون الإمارة الحمدانية يمكنها القيام بدور مفيد للدولة ضد أي غارات قادمة من العراق والبيزنطيين ومن ثم أعيد تفعيل إتفاقية عام 945م مع فارق واحد وهو أن الإخشيديين توقفوا عن دفع الجزية لسيف الدولة وهكذا أنشئت الحدود بين الدولة الحمدانية شمال سوريا وبين مصر وهو الأمر الذى إستمر حتي إستولي المماليك على بلاد الشام في عام 1260م في عهد السلطان المملوكي سيف الدين قطز ومن بعده السلطان الظاهر بيبرس بعد دحر التتار في موقعة عين جالوت في العام المذكور وبذلك توطد حكم سيف الدولة الحمداني وأصبح سيدا لمملكة واسعة النطاق تشمل المحافظات السورية الشمالية ومعظم ديار بكر وديار مضر غربي الجزيرة الفراتية وبلدات الحدود البيزنطية في قلقيلية وكما قال المستشرق ماريوس كانار كانت سيادة سيف الدولة الحمداني علي دولة سوريا وبلاد مابين النهرين واسعة النطاق بما يكفي لأن تكون لها عاصمتان إلي جانب العاصمة الرئيسية حلب والتي أصبحت المقرالرئيسي لإقامة سيف الدولة كما تم إختيار ميافارقين كعاصمة لمقاطعة جازيران التي تقع شرقي نهر دجلة وتضم جزء من العراق وإيران حاليا .


وبعيدا عن مواجهته مع الإخشيديين فقد كانت المحافظة على علاقات جيدة مع القبائل العربية الأصليين تشكل تحديا كبيراً لسيف الدولة الحمداني من أجل توطيد مملكته وفي ذلك الوقت كانت المناطق الشمالية لسوريا واقعة تحت سيطرة عدد من القبائل العربية والذين كانوا يسكنون تلك المنطقة منذ العصر الأموي بل وقبل ذلك في كثير من الأحوال وكانت المنطقة حول مدينة حمص مستوطنة من قبل بنو كلب وبنو طي بينما كانت المنطقة الشمالية التي تشمل الشريط الطولي العريض والممتد من نهر العاصي حتى نهر الفرات تحت سيطرة قبائل القيسي البدوية والتي كان منها عقيل ونمير وكعب وكوشيار بالإضافة إلى بني كلاب أما المنطقة الجنوبية فكانت تضم قبائل تنوخ اليمنية وكانت تسكن حول معرة النعمان والتي تقع شمالي سوريا إلي الجنوب من إدلب التي تعد البوابة الشمالية لسوريا نحو تركيا بينما إستقرت قبائل الأكراد وبحرة على إمتداد المناطق الساحلية وفي علاقته معهم إنتفع سيف الدولة حقيقة من كونه عربيا أصيلا بخلاف معظم حكام الشرق الأوسط الإسلامي المعاصرين له حيث كان أغلبهم من أمراء الحرب الإيرانيين أو الأتراك والذين إرتقوا من رتبة العبيد في الجيش إلي رتب القادة وقد ساعده ذلك على نيل الدعم من القبائل العربية كما لعب البدو دورا بارزا في إدارته ووفقا لممارسات الدولة العباسية الأخيرة المعتادة والمألوفة لسيف الدولة والمشتركة مع جميع الولايات المسلمة في الشرق كانت الدولة الحمدانية تعتمد وبشكل كبير ومسيطر على غير العرب والذين كانوا غالبا من الغلمان الأتراك وكان هذا أكثر وضوحا في تشكيلة جيشه حيث مع سلاح فرسان القبائل العربية إستخدم القبائل الإيرانية المعروفة بإسم الديالمة بكثافة كمشاة والأتراك كرماة الأحصنة وقد بدأ سيف الدولة الحمداني سلسلة من الحملات لتوحيد البلاد وكان هدفه الأساسي هو إقامة حكم ثابت وراسخ ومستقر فوق الساحل السورى فضلا عن الطرق الموصلة للداخل وقد شملت العمليات هناك قمع تمرد قاطع الطريق الزعيم الكردشي الذي سيطر على وادي العاصي الأدنى في وسط سوريا وفي أواخر عام 949م إندلعت ثورة بقيادة معين بن الحيران آل الرماد وسيطر الثوار بنجاح على المناطق الحمدانية التي تحيط بمدينة حمص لكنها في النهاية سحقت سريعا وفي الشمال أسفرت محاولات المسئولين الحمدانيين للحفاظ على البدو من التدخل في المجتمعات العربية الأكثر إستقرارا وأخيرا وفي عام 955م إندلعت حركة تمرد كبيرة شملت جميع القبائل البدوية والمستوطنين بما في ذلك بنو كلاب حلفاء الحمدانيين وكان سيف الدولة قادرا على حل المواقف بسرعة فبدأ حملة عنيفة فلم يكن أمام القبائل المتمردة إلأ اللجوء للصحراء ومن ثم الموت جوعا وعطشا أو الإستسلام وقد إقترن في تلك الحملات الحل العسكرى مع دبلوماسية عبر اللعب علي وتر الإنقسامات بين رجال القبائل المتمردة وبالتالي حل السلام على بنو كلاب وعادوا إلى مكانتهم كحلفاء للحمدانيين كما تم منحهم أراضي إضافية ترضية لهم كما شجع إعادة التوطين في الجزيرة الفراتية حول مدينة حران بجنوب شرق تركيا حاليا وبوجه عام كان قمع الثورات القبلية عملا جليا وعظيما كما وصفه العالم الإسلامي هيو كينيدي بأنه كان قمة في النجاح مما وطد سلطة سيف الدولة الحمداني وفي وقت قصير خلال ذلك العام المذكور 955م تم الإعتراف بسلطته على أجزاء حول سلماس والتي تقع غربي إيران حاليا .


ولننتقل الآن لكي نلقي الضوء علي الحروب التي خاضها سيف الدولة الحمداني مع البيزنطيين والتي بدأها في عام 936م في فترة مبكرة من مسيرته ثم إستمرت بعدما تمكن من السيطرة على حدود الجزيرة الفراتية وبلاد الشام وبلدات الحدود مع البيزنطيين حيث ظهر كالأمير العربي الأعلى الذي يواجه الامبراطورية البيزنطية وأصبحت الحرب مع البيزنطيين هي هدفه الأساسي وشغله الشاغل وبالفعل فقد كانت السمعة التي حظي بها سيف الدولة الحمداني مستمدة من حروبه المتواصلة مع الامبراطورية البيزنطية ومن الناحية التاريخية ففي بداية القرن العاشر الميلادى كانت قد أصبحت اليد العليا للبيزنطيين على جيرانهم الشرقيين المسلمين وكانت بداية سقوط الخلافة العباسية في الفترة ما بين عام 861م وحتي عام 870م والتي أطلق عليها فوضي سامراء وهذا المصطلح مشتق من مدينة سامراء العاصمة ومقر بلاط الخلافة العباسية آنذاك وقد إتسمت هذه الفترة بعدم الإستقرار الداخلي والتعاقب العنيف للخلفاء الأربعة الذين أصبحوا كالدمى بيد القوات العسكرية القوية المتنافسة حيث كانت بداية هذه الفوضى مع مقتل الخليفة العباسي المتوكل على الله على يد الحراس الأتراك وفي يوم 3 سبتمبر عام 863م نشبت معركة لالاكون وتسمي أيضا معركة بوسون بين الإمبراطورية البيزنطية والجيوش الإسلامية العربية والتركية في بافلاجونيا في شمال تركيا اليوم وقاد الجيش العربي في هذه المعركة أمير إمارة ملطية التي تقع شرقي الأناضول عمر الأقطع والذى إستشهد في هذه المعركة مما أدى إلي إنكسار قوة الإمارة الحدودية الملطية وكانت هذه المعركة هي بداية تعدي الدولة البيزنطية على الحدود العربية وعلى الرغم من إحتفاظ إمارة طرسوس الحدودية جنوبي تركيا حاليا أيضا بقوتها وإستمرار ملطية بشرق الأناضول في مقاومة الهجمات البيزنطية فقد إستطاع البيزنطيون خلال النصف قرن التالي التغلب على حلفاء ملطية وتقدموا إلى أعلى نهر الفرات محتلين جبال شمال المدينة ثم كان سقوط ملطية بيد البيزنطيين في شهر مايو عام 934م وتم طرد سكانها المسلمين أو أجبروا على التحول للنصرانية وإستبدلوا بالمستوطنين اليونانيين والأرمن وهو حدث أثار الصدمة بين الإمارات المسلمة الأخرى وبعد عام 940م كانت هناك حالة سلام في الحدود البيزنطية ببلاد البلقان التي كانت تحت سيطرتهم مما مكن البيزنطيين من تحويل قواتهم للشرق وبدء سلسلة من الحملات تحت إمرة جون كوركاس فصقطت عدة ثغور منها آراساموسوتا في عام 940م وكاليكولا وهي أرضروم المعاصرة في عام 949م وقد تسببت هذه الحملات وسقوط العديد من الإمارات الإسلامية في إثارة رد فعل كبير في العالم الإسلامي حيث إحتشد المتطوعون مع الجنود والمدنيين للمشاركة في الجهاد ضد الامبراطورية البيزنطية حتى أن سيف الدولة الحمداني قد تأثر أيضا بالجو العام وأصبح مفعما بشدة بروح الجهاد لذلك يعتبر وصول الإخوة الحمدانيين إلي السلطة في مناطق الحدود مع البيزنطيين أمر في غاية الأهمية نظرا لتهديدات البيزنطيين بشن الحروب المتكررة وضرورة الوقوف ضدهم خاصة في ظل عجز العباسيين الواضح عن صد أي هجوم يشنه البيزنطيون وفي تعليق للبروفيسور هيو كينيدي على تلك الأحداث قال بالمقارنة مع تراخي ولامبالاة الحكام المسلمين الآخرين فإنه من غير المستغرب أن تكون شعبية سيف الدولة الحمداني قد ظلت ذائعة الصيت بشكل كبير فقد كان هو الرجل الوحيد في العالم الإسلامي الذي حاول الدفاع عن العقيدة وحماية المسلمين والدين الإسلامي لذلك فهو يعد البطل الحقيقي في تلك الحقبة من الزمن .


ولنبدأ الآن مع الحروب التي خاضها سيف الدولة الحمداني مع البيزنطيين وسنجد أنها تأرجحت بين النجاح أحيانا في تحقيق نتائج طيبة وبين الإخفاق أحيانا وكانت بداية حروب سيف الدولة الحمداني مع البيزنطيين في عام 936م حيث دخل معهم في نزاع عندما قاد حملة لمساعدة سميساط والتي تقع جنوبي الأناضول غربي نهر الفرات والتي كانت تحت حصار البيزنطيين في ذلك الوقت ولكن تمرد مؤخرة جيشه أجبره على التخلي عن الحملة وإكتفى بتنظيم إرسال بعض المعدات للمدينة التي سقطت في أيديهم لاحقا وبعد عامين وفي عام 938م أغار على منطقة حول ملطية وإستولى على معمورة العزيز البيزنطية بأرمينيا وهي تعرف في المصادر الإسلامية بحصن زياد ثم أعلنت بعض المصادر العربية أنه تم الإنتصار على كوركواس القائد البيزنطي لكن التقدم البيزنطي لم يتأثر بهذا الإنتصار وبعد ذلك كانت أهم حملات سيف الدولة الحمداني العسكرية ما بين عام 939م وعام 940م عندما غزا الجزء الجنوبي الغربي من أرمينيا وضمن عهدا بالولاء والطاعة مع خضوع وتنازل عن عدد من الحصون من أمرائها الذين إنشقوا عن الدولة البيزنطية وهم شعب كاساي المسلم في ملاذكرد بشرق الأناضول والباغراتونيون المسيحيون في تارون وآل ارتسروني ملوك فاسبوراكان أكبر مقاطعات أرمينيا وهذا قبل أن ينتقل إلى الجزء الغربي ويغير على الإقليم البيزنطي حتى كولونيا بجورجيا وقد كسرت هذه الحملة العسكرية الحصار البيزنطي مؤقتا حول مدينة قاليقلا ولكن إنشغال سيف الدولة الحمداني مع حروب أخيه ناصر الدولة في بلاد العراق في السنوات التالية منعه من متابعة حملاته ضد البيزنطيين وبذلك فقد ضاعت منه فرصة ذهبية لتحقيق المزيد من الإنتصارات عليهم وكانت هذه أكبر الفرص الضائعة منه لتحقيق العديد من الإنتصارات علي البيزنطيين ويعلق المؤرخ مارك ويذو علي كسر الحصار حول مدينة قاليقلا بقوله إن أكثر السياسة المدعومة آنذاك وضعت للإستفادة من عدم ثقة الأمراء الأرمنيين في التوسع البيزنطي لتكوين شبكة واسعة من الحلفاء تتسع لجميع البيزنطيين وبدلا من ذلك أعطوهم صلاحية تامة مما سمح للمسلمين من التقدم بسرعة والإستيلاء على مدينة قاليقلا ومن ثم توطيد وترسيخ سيطرتهم على المنطقة .


وفي عام 944م وبعد أن وطد سيف الدولة الحمداني أقدامه في إمارة حلب عاود حروبه مع البيزنطيين فيما بين عام 945م وعام 946م وإستمر في هذا المسار حتي وفاته وفي هذه الفترة عدته الدولة البيزنطية العدو الرئيسي لها في الشرق وحتي نهاية حياته كان قد خاض أربعين معركة ضد البيزنطيين لكن علي الرغم من هذه الحملات والغارات المتكررة والمدمرة ضد محافظات الحدود البيزنطية وحتى آسيا الصغرى وما حققه من إنتصارات في ساحات المعارك إلا أن نمط معاركه كان في جوهره دفاعيا وأنه لم يحاول تحدي السيطرة البيزنطية على الممرات الجبلية أو أن يعقد التحالفات مع الحكام المحليين لمحاولة دحض الفتوحات البيزنطية ويجب علينا أن نلاحظ أنه لم يكن في مقدوره ذلك فبالمقارنة مع الدولة البيزنطية كان سيف الدولة الحمداني حاكما لإمارة صغيرة ليس بإمكانها مجاراة الإمبراطورية البيزنطية وما تمتلكه من إمكانيات وقدرة علي حشد أعداد كبيرة من المقاتلين حيث أنه وفقا للمصادر العربية كان البيزنطيون قادرين علي حشد أكثر من 200 ألف مقاتل بينما كان أكبر عدد لقوات سيف الدولة الحمداني حوالي 30 ألف مقاتل وعلاوة علي ذلك فقد تأثرت نظرة سيف الدولة الإستراتيجية نظرا لأن أصله من الجزيرة العربية وخلافا لما إتبعه معظم حكام منطقة الشام منذ عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان فإن سيف الدولة الحمداني قد أهمل بناء أسطول بحري ولم يعط أي إهتمام لمنطقة البحر الأبيض المتوسط وعموما فقد كانت الحملة المشار إليها والتي خاضها سيف الدولة الحمداني بين عام 945م وعام 946م محدودة النطاق وأعقبها تبادل الأسرى بينه وبين الجانب البيزنطي مما جعل الحرب على الحدود هادئة لمدة عامين تقريبا حيث إستؤنفت في عام 343 هجرية الموافق عام 948م حينما غزا سيف الدولة الحمداني بلاد الروم فقتل وأسر وسبى وغنم وكان فيمن قتل قائد رومي يسمي قسطنطين بن الدمستق فعظم الأمر على الروم فجمع عساكره من الروم والروس والبلغار وغيرهم وقصد الثغور فسار إليه سيف الدولة وإلتقي الجيشان عند مدينة الحدث وكانت من أهم المعاقل الإسلامية الرئيسية في ثغور الفرات ودار بينهما قتال شديد ونصر الله تعالى المسلمين فإنهزم الروم وقتل منهم وممن معهم خلق عظيم وأسر صهر الدمستق وإبن إبنته وكثير من بطارقته وعاد الروم إلي بلادهم مهزومين وعلى الرغم من إنتصار سيف الدولة الحمداني في هذه الحرب إلا أنه لم يستطع منع نهب قلعة الحدث عن طريق ليو فوقاس أحد أبناء القائد العام للبيزنطيين برداس فاقوس وبعد ذلك كان مصير حملات سيف الدولة الحمداني في العامين التاليين الفشل أيضا ففي عام 949م قام سيف الدولة بالإغارة على قلعة ليوكاندس ولكنه إضطر للتراجع وقام البيزنطيون بإحتلال مرعش والإيقاع بأهل طرسوس وفي عام 950م قاد سيف الدولة قوة كبيرة نحو الأراضي البيزنطية للإطاحة بقلعة ليوكاندس وتشارسيانون ولكن عند عودته تعرض هو ورجاله لكمين محكم من قبل ليو فوقاس في الممرات الجبلية وسميت هذه الغزوة فيما بعد بغزوة المصيبة حيث خسر فيها سيف الدولة 8 آلاف رجل من رجاله وبالكاد إستطاع أن ينجو بنفسه وعلي الرغم من ذلك فقد رفض سيف الدولة الحمداني إقتراح السلام من قبل البيزنطيين وبدأ بشن غارة ضد ليوكاندوس وملطية وأصر على ذلك حتى أجبرته بداية فصل الشتاء على التراجع والإنسحاب وفي السنة التالية 951م ركز إهتمامه على إعادة بناء قلاع منطقة قلقيلية وشمالي سوريا بما فيها مدينتي الحدث ومرعش بجنوب الأناضول وفي هذه الأثناء شن برداس فوكاس حملة لإيقاف تلك الأعمال ولكنه هزم .


وفي عام 953م قاد برداس فوكاس حملة أخرى وعلى الرغم من أنه كان يملك جيشا أكبر بكثير من جيش سيف الدولة تحت إمرته إلا أنه هزم أيضا بصعوبة كبيرة بالقرب من مدينة مرعش في معركة تم الإحتفال بالنصر فيها من قبل مداحين من الشعراء والخطباء الذين كان يحتضنهم ويرعاهم سيف الدولة الحمداني ولم يخسر القائد البيزنطي هذه المعركة وحسب بل فقد أيضا إبنه الأصغر الذى وقع أسيرا في أيدي الحمدانيين وفي العام التالي 954م قاد برداس حملة أخرى وهزم فيها أيضا مما سمح لسيف الدولة بإنهاء إعادة التحصينات لمدينة سميساط ومدينة الحدث وحقق نجاحا آخر بصموده أمام هجمة أخرى للبيزنطيين في عام 955م وكنتيجة للإنتصارات التي حققها سيف الدولة الحمداني علي البيزنطيين إستبدلت القيادة البيزنطية برداس بإبنه الأكبر نقفور الثاني مما أحدث تغييرا ملموسا في موقف سيف الدولة في الصراع مع البيزنطيين بفضل عدد من المرؤوسين والمعاونين البارعين الذين إستعان بهم نقفور كان منهم أخوه ليو وإبن أخيه يوحنا تزيميسكس كما إستفاد القائد الشاب نقفور الثاني أيضا من الإصلاحات التي تحققت في الجيش البيزنطي والتي خلقت جيشا أكثر إحترافية وفي ربيع عام 956م سبق سيف الدولة تزيميسكس في هجوم مخطط على مدينة آمد في أقصي الجزيرة الفراتية وغزا الأراضي البيزنطيه أولا وبعد ذلك قام تزيميسكس بخداع سيف الدولة الحمداني وهاجمه أثناء عودته فكانت معركة حامية الوطيس وسط هطول الأمطار الغزيرة مما أدى إلى إنتصار المسلمين وهزيمة تزيميسكس وفي نفس الوقت غزا ليو فوكاس سوريا وهزم وأسر قريب سيف الدولة وهو أبو العشائر الذي تركه وراءه ولاحقا وفي نفس العام إضطر سيف الدولة إلي الذهاب إلى طرسوس للمساعدة في صد غارة شنها الأسطول البيزنطي وفي عام 957م إحتل نقفور مدينة الحدث ودمرها تماما ولم يستطع سيف الدولة التصرف حيال ذلك وإكتشف مؤامرة دبرها بعض ضباطه بتسليمه للبيزنطيين مقابل المال فقام بإعدامهم وفي الربيع التالي غزا زيمسكيس الجزيرة الفراتية وإستولى على مدينة درعا بجنوب سوريا قرب الحدود السورية الأردنية حاليا كما أنه إنتصر في آمد على جيش يبلغ 10 آلاف رجل يقوده أحد مساعدي سيف الدولة المقربين منه وهو ناديا الشركسي وإقتحم سميساط لكنه لقي هزيمة ثقيلة على يد جيش كان يقوده سيف الدولة الحمداني بنفسه وفي عام 348 هجرية الموافق عام 959م إستغل البيزنطيون نقاط ضعف الحمدانيين حيث قاد ليو فوكاس غارة وإجتاح مدينة طرسوس ووصلت حتى مدينة قورش أو النبي هورى والتي تقع شرق مدينة عفرين بمحافظة حلب السورية وإستولى على حصن الهارونية قرب مرعش يوم 1 شوال عام 348 هجرية الموافق يوم 5 ديسمبر عام 959م ثم توجه إلى ديار بكر فتصدى له سيف الدولة الحمداني فعاد إلى الشام وهو يقتل ويدمر ويهدم الحصون والقلاع وتوج حملته بأسر محمد بن ناصر الدولة الحمداني وفي العام التالي 960م حاول سيف الدولة الحمداني إستغلال غياب نقفور عندما قام بإرسال جيشه في حملة نحو جزيرة كريت ليستعيد رباطة جأشه فخرج في عام 349 هجرية الموافق عام 960م على رأس جيش كبير تعداده ثلاثون ألف مقاتل وتوغل في الأراضي البيزنطية حتي خرشنة وهو يقتل ويسبي ويحرق ويفتح الحصون وقام بالإستيلاء على قلعة كارسيانون أثناء عودته من دون أن يؤمن ظهره حيث لم يحفل بما خلفه وراءه حيث كان ليو فوكاس بجنده متواجدا في الشام وكان هذا خطأ عسكرى جسيم كلفه غاليا حيث تجنب ليو الدخول في معركة سافرة مع سيف الدولة الذى كان يتفوق عليه آنذاك في العدد والعتاد وفضل أن يكمن له في ممرات جبال طوروس فإحتل الدروب الرئيسية التي يتحتم على سيف الدولة أن يجتازها عند عودته وفعلا بلغ الجيش الحمداني بعد إنتصاره سفح جبال طوروس من الجهة الشرقية وإتخذ طريقه في درب صخرى ضيقٍ إشتهر بإسم مغارة الكحل والذى يعد من أهم الدروب التي كانت تسلكها الفرق العسكرية الإسلامية وإحتشدت القوات البيزنطية في هذا الدرب وقامت بنصب كمين محكم لسيف الدولة وقواته من أجل الإيقاع به حتى إذا تقدم بمن معه من الأسرى وبما يحمل من الغنائم إنقض عليه ليو بقواته فدارت بين الطرفين معركة في يوم 15 رمضان عام 346 هجرية الموافق يوم 8 نوفمبر عام 960م تعرض فيها سيف الدولة لخسارة جسيمة وصلت إلى حد الكارثة فقد وضع ليو السيف في قواته ونجا سيف الدولة مع ثلاثمائة مقاتل بمعجزة وعاد إلى حلب وإستطاع ليو أن يسترد الأسرى البيزنطيين والغنائم كما أنه إستولى على خزائن سيف الدولة وأسلحته ودوابه وتحطيم القوة العسكرية له فإضطر الحكام المحليون في المنطقة بطلب هدنة مؤقتة مع البيزنطيين .


وبمجرد أن عاد نقفور منتصرا من جزيرة كريت بدأ التحضيرات للحملة القادمة نحو الشرق وبدأ البيزنطيون هجومهم في أشهر فصل الشتاء بهدف إصطياد العرب ومباغتتهم على حين غرة وإستطاعوا أن يحتلوا مدينة عين زربة القريبة من قلقيلية بِفعل ضعف حاميتها فضلا عن صعوبة قدوم الإمدادات لنجدتها كما أنها تقع على الطريق المباشر القصير الذي يمتد من قيصرية بوسط الأناضول بإقليم كبادوكيا بتركيا إلى حلب التي كانت هي الهدف الأسمى له وإحتشدت العساكر القادمة من القسطنطينية ومن ثغور آسيا الصغرى في قيصرية وقد بلغ عددها مائة وستين ألف جندى مدعمين بالدروع وأدوات الحصار وتحركت هذه الجحافل بإتجاه عين زربة سالكةً الطريق المباشر الذي يربطها بقيصرية وعندما وصلت إليها ضربت حصارا مركزا عليها فتصدى لها حاكم طرسوس رشيق النسيمي إلا أنه تعرض للهزيمة وفقد نحو خمسة آلاف قتيل وأربعة آلاف أسير والواقع أن المدينة كان قد جرى تشييدها في موقعٍ منيعٍ في سفح جبل شديد الإنحدار وكان يحيط بها سور ذو حائط مزدوج وتتوقّف إستدارته عند الجهة الملاصقة بالجبل وتطل قمته على المدينة وبحيث كان كل من يريد أن يستولي عليها يصبح بإستطاعته الدخول إلى المدينة بسهولة فأرسل نقفور قوة عسكريةً من الفرسان إرتقت القمة وإحتلتها وتعرضت أسوار المدينة لقذائف المجانيق فأحدثت بها ثغرة ولما رأى سكان المدينة ما حدث من إحتلال البيزنطيين للجبل وأن نقفور قد ضيق عليهم ووصل إلى السور وشرع في إختراقه طلبوا الأمان وقبلوا أن يسلموا المدينة مقابل الإبقاء على حياتهم فأمنهم نقفور ففتحوا له باب المدينة فدخلها في شهر المحرم عام 351 هجرية الموافق شهر فبراير عام 962م وكان جنده الذين في الجبل قد سبقوه إليها فندم على منح السكان الأمان حيث كان بإستطاعة جنده الإستيلاء على المدينة في يسر وسهولة فنقض عهده وأصدر أوامره إلى سكانها بأن يجتمعوا في المسجد الجامع ومن تأخر في منزله قُتل ولما أصبح أنفذ رجاله إلى المدينة وكانوا ستين ألفا وأمرهم بقتل من يجدوه في منزله فتعرض للقتل كل ما صادفه الجند بشوارع المدينة ودورها ثم جمع السلاح وأمر من في المسجد بأن يخرجوا من المدينة إلى حيث يشاؤون وهدد من يبقى بالقتل غير أن عددا كبيرا منهم لقي حتفه بسبب شدة الزحام والبرد والجوع ومن نجا منهم لجأ إلى طرسوس وتعرضت المدينة للنهب والتخريب حيث قام البيزنطيون بهدم الدور والأسوار .


وبعد أن إنشغل نقفور بإصلاح الأراضي البيزنطية للإحتفال بعيد الفصح في عام 962م دخل سيف الدولة الحمداني مدينة قلقيلية وسيطر مباشرة عليها وبدأ في إعادة بناء مدينة عين زربة ولكنه تركها غير مكتملة عندما عاود نقفور هجومه في فصل الخريف مما أجبر سيف الدولة إلى مغادرة المنطقة وشرع البيزنطيون في الهجوم مع جيش قوامه يقارب 70 ألف جندي من أجل إحتلال مدن مرعش ومنبج والتي تقع شمال شرق محافظة حلب السورية وعينتاب بجنوب تركيا وبالتالي تمكن من تأمين الممرات الجبلية الغربية التي تقع على الناحية الأخرى من جبال طوروس بجنوب شرق إقليم الأناضول وبعد هذه الأحداث ظلت الإمبراطورية البيزنطية هادئة لفترة وجيزة وكان نقفور حينذاك يدبر مكيدة ويخطط لكي يعتلي العرش وفي المقابل كان سيف الدولة الحمداني آنذاك مضطربا بسبب بداية معاناته مع إصابته بالشلل النصفي إضافة إلى تفاقم إضطرابات الجهاز الهضمي لديه كما حد المرض من قدرته على تدخله شخصيا في شئون أمور وعلاقات ولايته حيث إنصرف عن حلب وجعلها مسؤولية حاجبه قرعويه كما قضى معظم سنواته الأخيرة في ميافارقين تاركا عبء القتال مع البيزنطيين لأكبر قواده وفضلا عن ذلك كانت هناك حركات عصيان وتمرد مختلفة إنبثقت في بعض المقاطعات وإقترن تدهور حالة سيف الدولة الجسدية مع فشله العسكري في آخر مواجهة له مع البيزنطيين ثم في النهاية كانت كارثة إحتلال حلب في أواخر عام 962م والذى كان أحد الأحداث المحورية المهمة في التاريخ الإسلامي عموما وتاريخ العصر العباسي الثاني خصوصا إذ كان لسقوطها في يد الروم البيزنطيين صدى هائل في مختلف أنحاء العالم الإسلامي نظرا لأهميتها الإقتصادية والبشرية والإستراتيجية كما دق سقوطها ناقوس الخطر في أرجاء البلاد الإسلامية معلنا قدرة الإمبراطورية البيزنطية على بلوغ أعماق بلاد الشام كما إستبشر البيزنطيون بهذا النصر الذي حققوه معتبرين أن بإمكانهم إستعادة أمجاد إمبراطوريتهم الغابرة وإعادة الحال كما كان عليه قبل الفتوحات الإسلامية لبلاد الشام والديار المصرية وأيضا إستعادة بيت المقدس من المسلمين وبخصوص سيف الدولة الحمداني فبإحتلال عاصمته حلب فإن هذا كان يعني كارثة كبرى بالنسبة له حيث أنه في حالة سقوط حلب فإن هذا يعني أن سلطته ستصبح متزعزعة ومتداعية بين أتباعه وحلفاءه حيث كان النجاح العسكري وتحقيق الإنتصارات علي البيزنطيين بالنسبة لهم شرطا لازما وأساسيا لتثبيت حكمه ومنحه الشرعية السياسية
 
 
الصور :
لوحة تعبر عن هجوم البيزنطيين علي حلب عام 962م لوحة تمثل سيف الدولة الحمداني جالسا يستمع في مجلسه إلي الناس