بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
وتتلخص قصة إحتلال حلب في أنه في شهر ربيع الأول عام 351 هجرية الموافق شهر أبريل عام 962م إستطاع نقفور أن يستولي على الحصون والمدن التابعة لِإمارة حلب في خطوة مبدئية تمهيدا للوثوب علي حلب حيث سقط في يديه وأيدي قادته من المدن دلوك ورعبان ومرعش وعينتاب وأرسل قوة عسكرية بقيادة إبن أُخته تيودور إستطاعت أن تستولي على منبج وأسرت أميرها الشاعر أبا فراس الحمداني الذي كان خارجها وأرسله نقفور إلى القسطنطينية حيث ظل في الأسر مدة أربعة أعوام حتي إفتداه سيف الدولة وقد رد سيف الدولة علي الإعتداءات البيزنطية بأن أرسل جيشا من أهل طرسوس الذين أعلنوا ولاءهم له بقيادة حاجبه قرعويه فأغار على الأراضي البيزنطية كما بعث غلامه نجا إلى ميافارقين ليطمئن أهلها فإصطدم أثناء عودته بقوة بيزنطية عند حصن زياد يوم السبت 24 شعبان عام 351 هجرية الموافق يوم 27 سبتمبر عام 962م وإنتصر عليها وإستأمن خمسمائة من أفرادها وأراد نقفور أن يباغت سيف الدولة الحمداني فأحاط حملته بالكتمان وتقدم في إتجاه حلب في أوائل شهر ذي القعدة عام 351 هجرية الموافق أوائل شهر ديسمبر عام 962م وإستطاعت كشافته أن تجتاز نهر القويق الذى يخترق حلب على الرغم من حرص المسلمين على حراسة مخاضاته وذلك بفعل براعة نائبه يوحنا تزيميسكس ولما وصلت هذه الأنباء إلي سيف الدولة تعجل في الخروج بنفسه للتصدي لِلجيش البيزنطي بدون أن يستكمل إستعداداته حيث جمع ما تيسر من الجند فبلغوا أربعة آلاف بين فارس وراجل وسار إلى أعزاز شمال غرب حلب غير أنه عندما شاهد ضخامة الجيش البيزنطي عاد إلى حلب وعسكر بظاهرها وعلم في غضون ذلك بأن البيزنطيين قد توجهوا نحو العمق قُرب أنطاكية فأرسل غلامه نجا على رأس ثلاثة آلاف مقاتل كطليعة لِلتصدي لهم ثم لحق به بعد الظهر ونادى في الناس بأن من لحق بالأمير فله دينار هذا على الرغم من إدراكه بأن المعركة خاسرة وما أن سار فرسخا حتي لقيه بعض الأعراب فأخبروه بأن البيزنطيين وصلوا إلي قرية جبرين التي تقع شرقي حلب وأنهم سوف يصبحون في حلب فعاد أدراجه إلى المدينة وأمام تلك المستجدات خرج سيف الدولة خارج حلب وجمع أهلها وقال لهم عساكر الروم ستصل اليوم وعسكري قد خالفها والصواب أن تغلقوا أبواب المدينة وتحفظوها وأمضي أنا ألتقي عسكري وأعود إليكم وأكون من ظاهر البلد وأنتم من باطنه فلا يكون دون الظفر بالروم شئ أي أنه أراد حصر الجيش البيزنطي بين فكي كماشة فنصح الحلبيين بإغلاق أبواب المدينة والدفاع عنها من الداخل عندما يحاصرها الجيش البيزنطي في حين يحاصره هو من الخارج فيضطر أفراده للقتال على جبهتين لكن عامة أهل حلب رفضوا هذه الفكرة رفضا قاطعا فقال لهم إثبتوا فإني معكم وفي هذه الأثناء نزل عسكر سيف الدولة في جبل بانقوسا عند باب اليهود وهو الباب الشمالي من أبواب حلب ثم إستنفر أهل المدينة للقتال فخرج منهم مائة ألف رجل وجدير بالذكر أن من أبرز الأسباب التي دفعت الأهالي إلى رفض خطَّة سيف الدولة أن فيهم من كان يعجز عن السير إلى بلاد الروم للغزو وقد قربت الآن المسافة فلما رأى إصرارهم بذل خزائن السلاح لهم وفي يوم 18 ذى القعدة عام 351 هجرية الموافق يوم 18 ديسمبر عام 962م وصل البيزنطيون بقيادة نقفور إلي حلب بجيش ضخم فاق بعناصره وعتاده حجم الجيش الحمداني ونزلت عسكر البيزنطيين في حي الهزازة شمال غربي المدينة في ثمانين ألف فارس فوقع القتال في أماكن متفرقة ثم قدمت مؤخرة الجيش البيزنطي في أربعين ألف راجل مزودين بالرماح وإتخذ الجيش مواقعه وأحاط أفراده بجيش سيف الدولة وهاجموه وجرى قتال ضار بين الطرفين ولم يستطع سيف الدولة الصمود بجيشه القليل العدد فإنهزم وفر متجها إلي قنسرين شمالي حلب وحوصرت حلب بداية من يوم السبت 20 ذي القعدة عام 351 هجرية الموافق يوم 20 ديسمبر عام 962م فخرج شيوخ حلب بعد مرور يومين يطلبون من نقفور أن يفك حصاره فإشترط تسليم سيف الدولة له فأخبروه أنه قد فر من المدينة فطمع في الإستيلاء عليها عنوة وأرسل يومها رسولا إلى شيوخ حلب يعرض على المدينة الأمان مقابل أموال وعلي أن يمكنوا جيشه من الدخول من باب والخروج من باب آخر وينصرف عنهم فطلبوا مهلة لِلتشاور فقبل ذلك .
وفي اليوم التالي خرج شيوخ حلب إلي نقفور بقبول العرض لكن هذا الأخير تشكك في نوايا أهل حلب وأنهم ربما قد أعدوا كمينا لقواته حين يدخلون المدينة فأنكر بعض الحاضرين ذلك وأقسموا أنه لم يبق بالمدينة من يحمل السلاح فأدرك نقفور ضعف دفاعات المدينة وصرفهم على أن يأتوه في اليوم التالي وفي المساء هاجم البيزنطيون أسوار المدينة وإعتلوا أقصر بقعة في السور بالقرب من باب قنسرين وحاولوا هدمها فواجههم أهل المدينة ببعض المقاومة وأصلحوا السور وكبروا فتراجع البيزنطيون إلى جبل جوشن وإستغل بعض أوباش الناس واللصوص إنشغال أهل حلب بالدفاع عن المدينة فهاجموا منازل الناس وخانات التجار لينهبوها فإنشغل شيوخ البلد عن الدفاع عن السور ولحقوا بمنازلهم فلما رأى البيزنطيون السور دون دفاع نصبوا السلالم عليه ودخلوا المدينة وذلك في ليلة الثلاثاء 22 ذي القعدة عام 351 هجرية الموافق ليلة 22 ديسمبر عام 962م وتمكنوا من إقتحام المدينة وقام الروم بإرتكاب مجزرة كبيرة وعدة فظائع بها حيث أعملوا السيف في أهلها وأحرقوا البيوت والدور والمساجد والأشجار والمزروعات والمعالم الحضارية من أسواق وقصور بما فيها قصر سيف الدولة الحمداني وأطلقوا سراح الأسرى البيزنطيين وسبوا عدد 10 آلاف شخص معظمهم من الشباب وبعد فترة أفرج عنهم وعادوا إلى العاصمة القاحلة والمحطمة حيث كانت قد إستحالت حلب وأعمالها خرابا وجدير بالذكر أن الروم لم يفلحوا فقط في إقتحام قلعة المدينة التي إستعصت عليهم حيث تمكنت حاميتها من دفعهم في كل مرة حاولوا إقتحامها على الرغم من سوء أوضاع المعتصمين بها وما تعرضوا له من الشدة والجوع بسبب قلة المؤونة حتى أنهم كانوا يتسللون ليلا للبحث عن الأقوات ومثلت حاميتها مصدر خطر على الجنود البيزنطيين المحاصرين لها حيث كان جنود الحامية ينقضون عليهم من حين إلى آخر مما أثار تيودور إبن أُخت نقفور والذى أصر على الإستيلاء على القلعة بأى ثمن على الرغم من معارضة القائد نقفور الذي رأى أن ينصرف عن القلعة حيث أن من في القلعة ليس أمامهم حل سوى الإستسلام في النهاية حيث أنهم لا يجدون قوتا لكن تيودور صمم علي الهجوم علي القلعة وعندما إقترب من بابها رماه أحد الجنود بسهم فقتله وحملت جثته إلى نقفور دون رأس فطلب من حامية القلعة تسليم من قتل إبن أخته فرمى المدافعون عن القلعة إليه برأس تيودور .
وأخيرا فقد إضطر نقفور أن ينسحب من المدينة بعد بضعة أسابيع من إحتلالها بعد أن بلغته أنباء مؤامرة تحاك ضده في البلاط البيزنطي في القسطنطينية وأن المسلمين قد إحتشدوا في دمشق والعراق ومصر وتنادوا لنصرة حلب والزحف إليها والثأر من الروم وفي واقع الأمر كان سقوط حلب يعد صدمة كبيرة في العالم الإسلامي لا سيما وأن الجميع قد توقع أن تكون الحملة البيزنطية علي حلب مقدمة لِحملات أُخرى سيقوم بها البيزنطيون على الجزيرة الفراتية والموصل وفي الأخيرة كان الناس ثائرون غاضبون فأغلق الأهالي الأسواق وإجتمعوا في المسجد الجامع من أجل ذلك كما إجتمعوا بالأمير ناصر الدولة الذي وعدهم بالمضي في الجهاد وكان سيف الدولة قد أقام في قنسرين حتي إنسحب البيزنطيون من حلب يراقب تطور الأحداث وما كاد الجيش البيزنطي ينسحب من حلب حتى عاد إليها ليجدها خرابا فإنصرف إلى إزالة آثار العدوان وإعادة تعميرها وحرص علي أن يعيد إليها ما تفرق من سكانها وعلى الرغم من ذلك فقد ظل سكانها قليلي العدد فنقل إليها من إستطاع جمعه من سكان مدينة قنسرين المجاورة والتي كانت قد تعرضت هي الأُخرى للحرائق على أيدى الجنود البيزنطيين فأعاد سيف الدولة عمارة أسوارها وشيد من جديد ميناء أنطاكية ثم إلتفت إلى إعادة تجميع وتنظيم قواته من جديد للرد على التعديات البيزنطية فقام بعدة حملات على إقليم الأناضول للإقتصاص من الروم والثأر لمن قتل من المسلمين فدارت بينه وبين البيزنطيين عدة معارك لم يكن فيها النصر حاسما لأى طرف منهما إلى أن قرر نقفور الذي أصبح إمبراطورا للدولة البيزنطية أن يجمد القتال علي الجبهة الإسلامية لكي يتفرغ للجبهة الأوروبية وإلى قتال البلغار العاصين لدولته .
ولأن المصائب لا تأتي فرادى ففي عام 963م قاد إبن ناصر الدولة شقيق سيف الدولة الحمداني وحاكم حران هبة الله حركة تمرد وعصيان بعد قتله الأمين المسيحي لسيف الدولة ثأرا لأبيه ناصر الدولة وتم إرسال قائد سيف الدولة ناديا الشركسي لإخضاع التمرد مما أجبر هبة الله للفرار إلى المناطق التي يحكمها والده لكن بعد ذلك تمرد ناديا نفسه وهاجم مدينة ميافارقين التي دافعت عنها زوجة سيف الدولة الحمداني فباءت محاولة ناديا بالفشل وتراجع إلى أرمينيا حيث تمكن من الإستيلاء على العديد من القلاع والحصون حول بحيرة وان أكبر البحيرات التركية والتي تقع بشرق إقليم الأناضول وعلي الرغم من مرضه وإنتشار المجاعة في منطقته في عام 963م شن سيف الدولة الحمداني ثلاث غارات في آسيا الصغرى حيث إمتدت إحدى هذه الغارات لقونية بوسط إقليم الأناضول لكن القائد البيزنطي يوحنا تزيميسكس كان رده على ذلك أن قام بغزو بلاد كليكيا في فصل الشتاء ودمر الجيش العربي في ساحة الدماء قرب أضنة بجنوب الأناضول وحاصر مدينة المصيصة القريبة من أضنة لكنه إضطر إلي فك هذا الحصار وذلك بسبب قلة الأسلحة والإمدادات العسكرية وفي خريف عام 964م إشترك نقفور الثاني بعد أن إعتلي عرش الإمبراطورية البيزنطية في حملة عسكرية في الشرق وواجه القليل من المقاومة وحاصر منطقة الموبسيستا لكنها ظلت صامدة حتى إضطر البيزنطيون إلى التراجع بسبب المجاعة وفي نفس الوقت تقريبا حاول هبة الله الإستيلاء على ميافارقين مرة أخرى لكنه إضطر للتخلي عن ذلك لإخضاع تمرد في أقاليم أرمينيا التابعة له وسافر سيف الدولة بنفسه إلى أرمينيا لمقابلة إبن شقيقه وإستطاع إخضاع وإعادة ناديا تحت سلطته من غير مقاومة .
وفي العام التالي 965م عاد نقفور الثاني وإقتحم منطقة الموبسيستا وقام بترحيل سكانها وفي نفس العام وفي عام 965م قتل ناديا الشركسي في مدينة ميافارقين ويعتقد أن ذلك قد تم بناءا على تدبير من زوجة سيف الدولة الحمداني وفي يوم 16 أغسطس عام 965م أصبحت مدينة كيلكيا مقاطعة للبيزنطيين وشرع نقفور إلى إعادة التنصير فيها كما شهد عام 965م أيضا حركتي عصيان وتمرد واسعي النطاق ضمن نطاق سيف الدولة وكان على رأس التمرد الأول المحافظ السابق للساحل مروان العقيلي والذى كان متقدما لحلب وحمص هازما جيشا أُرسل ضده لكنه أصيب وتوفي بعد فترة وجيزة وبذلك إنتهي هذا التمرد أما التمرد الثاني فقد إندلع في أنطاكية وكان أكثر خطورة وكان بقيادة الحاكم السابق لطرطوس رشيق بن عبد الله النسيمي الذى كون جيشا بقيادته لمحاصرة حلب وبعد ثلاث أشهر من الحصار إستولى سيف الدولة علي جزء من المدينة السفلى عندما قتل رشيق والذى خلفه ديزبار والذى إستطاع أن يستولي علي حلب لكنه بعد ذلك ترك المدينة ليسيطر على بقية شمال سوريا وفي نفس العام تأثر سيف الدولة بشكل كبير بسبب وفاة إثنين من أبنائه وفي أوائل عام 966م طلب سيف الدولة من البيزنطيين هدنة يتم خلالها تبادل للأسرى وتم الاتفاق علي هذه الهدنة في سميساط وإفتدى العديد من الأسرى المسلمين بتكلفة كبيرة وقد منحت هذه الهدنة الفرصة لسيف الدولة لكي يواجه المتمردين فعاد إلى حلب وإستطاع أن يهزم جيش المتمردين والذين عوقب من ظل حيا منهم بشدة ومع ذلك كان سيف الدولة عندما إستأنف تقدمه غير قادر على مواجهة نقفور ولذا فقد هرب إلي قلعة شيزر التي تقع بشمال سوريا قرب مدينة حماة في حين داهم البيزنطيون الجزيرة الفراتية قبل أن ينتقلوا إلى شمال سوريا حيث شنوا هجمات على منبج وحلب وحتى أنطاكية التي كان يحكمها حديثا تقي الدين محمد بن موسى الذي ذهب إليهم بخزانة المدينة وفي أوائل شهر فبرايرعام 967م عاد سيف الدولة إلى حلب حيث توفي بعد بضعة أيام وتم تحنيط جثته ودفنها في ضريح في ميافارقين بجوار والدته وشقيقته وقيل إنه قد تم جمع قرميد مصنوع من غبار تم تجميعه من درعه بعد حملاته ووضعت تحت رأسه وقد خلفه إبنه الوحيد الباقي على قيد الحياة أبو المعالي الشريف المعروف بإسم سعد الدولة .
وبوفاة سيف الدولة الحمداني أـسدل الستار علي حياة رجل عربي إحتهد في مواجهة البيزنطيين وكما ذكرنا فقد كانت تلك المواجهات تتأرجح بين النجاح والفشل وبوجه عام ظل سيف الدولة حتى وقتنا الحاضر يعد أحد القادة العرب الأكثر شهرة في العصور الوسطى وذلك لشجاعته وقيادته للحرب ضد البيزنطيين على الرغم من الصعاب التي واجهها ولنشاطاته الأدبية ورعايته للعلماء والأدباء والشعراء التي جعلت لبلاطه تألقا ثقافيا لا مثيل له وللأحداث التي تسببت في نهايته مثل الهزيمة والمرض والخيانة فكل هذا جعل منه حتى يومنا هذا تجسيدا لشخصية العربي الشهم المثالي في جانبه الأكثر مأساوية ومع ذلك فإن الصورة المقدمة من معاصريه عن أثر سياسات سيف الدولة الحمداني كانت أقل إستحسانا حيث رسم مؤرخ القرن العاشر الميلادى إبن حوقل والذي تنقل في أنحاء الدولة الحمدانية صورة قاتمة للقهر الإقتصادي ولإستغلال السكان المحليين والتي ترتبط بمصادرة الحمدانيين الواسعة النطاق للعقارات في المناطق الأكثر خصوبة وإستغلال زراعة الحبوب الغذائية المتجهة لإطعام السكان المتزايدين من بغداد وإقترن كل هذا بفرض الضرائب الثقيلة وقيل إن الأخوين سيف الدولة وناصر الدولة قد أصبحا من الأمراء الأكثر ثراءا في العالم الإسلامي وقد سمح لهم ذلك بالمحافظة على مجالسهم السخية ولكن رخاءهم كان بثمن غال وطويل الأجل فوفقا لهوف كينيدي يبدو أن العاصمة حلب كانت أكثر إزدهارا تحت حكم سلالة بني مرداس مما كانت عليه في حكم الحمدانيين في حين قال بيانكويس إن كلا من سياسات سيف الدولة السياسية والإقتصادية على حد سواء قد ساهمت في التغيير الدائم في المناظر الطبيعية وذلك عن طريق تدمير البساتين وحدائق السوق المحيطة بالمدن وإضعاف أنواع متعددة من المحاصيل وإخلاء السهول والتضاريس المسكونة على الحدود كما ساهم الحمدانيون في تعرية الأراضي التي أزيلت منها الغابات ومن بعدهم إستولت القبائل شبه البدوية على الأراضي الزراعية من هذه المناطق في القرن الحادي عشر الميلادى وقد إستمر التقدم البيزنطي بعد مماته وتوج هذا التقدم بسقوط انطاكية عام 969م كما ان حلب قد تحولت إلى ولاية تابعة للبيزنطيين حيث كانت تدفع الضرائب لهم وخلال الخمسين عاما التالية شكلت حلب نقطة وصل بين البيزنطيين وقوة عربية جديدة في منطقة الشرق الأوسط ألا وهي الخلافة الفاطمية في مصر وجدير بالذكر أن هزيمة الجيش الحمداني كانت أمرا حتميا حيث أن قوة وموارد وإمكانيات هذه الدولة كانت محدودة خاصة وأنه قد زامن ذلك فشل ناصر الدولة في مساعدة اخيه في حربه ضد البيزنطيين نظرا لإنشغاله في القضاء على الثورات الداخلية وحركات التمرد والعصيان التي كانت تستنزف موارده وموارد سيف الدولة أيضا مما كان يضعف من سلطتهم في الأراضي التي كانت تحت أيديهم وكما قال المؤرخ مارك ويتو لقد كانت سمعة سيف الدولة الحمداني في الدفاع عن نفسه تحجب حقيقة أن سلطته كانت كنمر مصنوع من الورق حيث كان ينقصه المال والجنود ومن ثم فقد فقد تباعا معظم المناطق التي كانت تحت سلطته وخرجت من تحت يده .
ومن جانب آخر نستطيع أن نقول إن سيف الدولة الحمداني كان له إرث ثقافي لا يمكن إنكاره حيث أنه أحاط نفسه بعدد من الشخصيات الأدبية والفكرية البارزة والذين كان من أهمهم الشعراء الكبار أبو الطيب المتنبي وأبو فراس الحمداني والذي كان إبن عم سيف الدولة والواعظ ابن نباتة والفيلسوف الكبير الفارابي ويمكن القول بأن فترة المتنبي في بلاط سيف الدولة هي ذروة حياته المهنية كشاعر فخلال السنوات التسع التي قضاها في البلاط الحمداني قام بكتابة عدد 22 قصيدة في مدح سيف الدولة ووفقا لما قالته المستشرقة مارجريت لاركن إن هذه القصائد قد أظهرت قدرا من المودة الصادقة يرافقها المديح التقليدي في الشعر العربي وعلاوة علي الأسماء المذكورة فقد كان الشاعر والمؤرخ الشهير أبو الفرج الأصفهاني أيضا من رواد البلاط الحمداني حيث قام بإهداء موسوعة الشعر والأغاني بعنوان كتاب الأغاني إلى سيف الدولة والذى كان يمنح الشعراء الهِبات الخاصة وفضلا عن ذلك كان بلاطه يشتمل أيضا على علماء الدراسات الدينية والتاريخ والفلسفة بالإضافة إلى علم الفلك وكما علق همفريز بقوله في زمن سيف الدولة الحمداني كان من الممكن لحلب أن تجاري أي بلاط في إيطاليا في عصر النهضة وكان إهتمام سيف الدولة بالشعراء له فائدته السياسية أيضا حيث كان من واجب شاعر البلاط تجاه سيده أن يحتفي به في شعره فمن خلال شعر هؤلاء شاع نفوذ سيف الدولة في جميع أنحاء العالم الإسلامي ومما يذكر عن سيف الدولة أيضا أن مناصرته لشيعة الأئمة الإثني عشر في دولة سنية قوية كانت ملحوظة وإستفاد مؤسس الطائفة العلوية الخصيبي في سوريا من رعاية سيف الدولة خلال حكمه وتمكن الخصيبي من تحويل حلب إلى مركز مستقر لطائفته الجديدة وأرسل دعاة بتعاليمه من هناك إلى قرب إيران ومصر وخص سيده سيف الدولة الحمداني بعمله الكبير كتاب الهداية الكبرى وكان من نتائج جهود سيف الدولة النشطة في رعاية الشيعة والترويج للتشيع إلى أن ينتشر المذهب الشيعي الإثني عشرى في سوريا بحيث أصبحت سوريا تضم عددا كبيرا من الشيعة بحلول القرن الثاني عشر الميلادى وأخيرا فقد لعب سيف الدولة الحمداني دورا مهما في تاريخ مدينتي حلب وميافارقين وذلك لأن إختياره لهاتين المدينتين كعاصمتين له حولهما إلى مراكز حضارية كبرى بعد أن كانت مجهولة الذكر وقد جذب سيف الدولة الإنتباه إلى عاصمتيه بالمباني الجديدة التي شيدها كما إهتم بتحصينهما وقد إستفادت حلب خاصة من حماية سيف الدولة وتحولت إلى مدينة رئيسية في شمال سوريا خلال فترة حكمه وكان من آثاره بها القصر المنيف الذي شيده بها والذى أسماه الدارين والذى تم وصفه بأنه تحفة معمارية فذة وذلك بالإضافة إلى الحدائق والمسال وهي القناطر المائية المرفوعة التي زينت بالكامل بأنواع الذهب والفضة والجواهر ولا يفوتنا في النهاية أن نذكر أن شخصية سيف الدولة الحمداني كان لها وجود في السينما المصرية من خلال فيلم تم إنتاجه عام 1966م بإسم فارس بني حمدان عن قصة بنفس الإسم للأديب والشاعر علي الجارم وأخرج الفيلم المخرج الكبير نيازى مصطفي وقام فيه الممثل الكبير عماد حمدى بدور سيف الدولة الحمداني والممثل الكبير فريد شوقي بدور إبن عمه أبو فراس الحمداني .
|