الأحد, 15 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

عبد الرحمن الداخل

عبد الرحمن الداخل
عدد : 08-2022
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”


الأمير عبد الرحمن الداخل هو أبو المطرف عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي القرشي أي أنه حفيد الخليفة الأموى العاشر هشام بن عبد الملك بن مروان والذى كان يعد من أهم وأبرز خلفاء بني أمية والذى بلغت الدولة الأموية في عهده أوج عظمتها وسلطانها وقد عرف في المصادر العربية بلقب صقر قريش وفي المصادر الأجنبية بلقب عبد الرحمن الأول وهو من أسس الدولة الأموية في بلاد الأندلس عام 138 هجرية الموافق عام 756م والتي كان قد تم فتحها في عهد الخليفة الأموى السادس الوليد بن عبد الملك وذلك بعد أن فر من بلاد الشام إلى تلك البلاد في رحلة طويلة إستمرت ست سنوات ظل خلالها مطاردا من العباسيين وذلك علي إثر سقوط الدولة الأموية في دمشق علي يد العباسيين عام 132 هجرية الموافق عام 750م بعد هزيمة ثم مقتل مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين والذى كان يتنقل حينذاك بين الأقاليم التابعة للدولة الأموية ويقمع الثورات والإضطرابات وحركات التمرد والعصيان التي ضربت إستقرارها في ذلك الوقت في معركة الزاب والتي وقعت في يوم 11 من شهر جمادى الآخرة عام 132 هجرية الموافق يوم 25 يناير عام 750م في منطقة الزاب بين الموصل وأربيل قرب نهر الزاب الكبير وهو أحد روافد نهر دجلة ويقع في شمال بلاد العراق وكان يقود العباسيين فيها القائد العباسي عبد الله بن علي وإنهزم في هذه المعركة جيش الخليفة الأموى الأخير مروان بن محمد والذى فر إلى مصر حيث طارده العباسيون وقتلوه في منطقة أبو صير التابعة لمركز البدرشين بمحافظة الجيزة والتي كان مختبئا في كنيستها وبذلك كانت نهاية الدولة الأموية في المشرق العربي بعد أن دام حكمها لمدة 91 عاما وترتب علي ذلك أن تتبع العباسيون أمراء بني أمية بهدف التخلص منهم وتقتيلهم حتي لا ينازعونهم الحكم والذين كان منهم الأمير عبد الرحمن الداخل والذى فر كما ذكرنا في السطور السابقة إلي بلاد الأندلس وكان دخوله إليها وهي تتأجج بالنزاعات القبلية والتمردات على الولاة ولذا فقد قضى في فترة حكمه التي إستمرت 33 عاما في إخماد الثورات وحركات التمرد والعصيان المتكررة على حكمه في شتى أرجاء الأندلس تاركا لخلفائه الذين جاءوا من بعده إمارة قوية إستمرت لنحو ثلاثة قرون كاملة .


وكان ميلاد عبد الرحمن الداخل بشمال بلاد الشام في عام 113 هجرية الموافق عام 731م في خلافة جده الخليفة هشام بن عبد الملك في قرية تعرف بدير حنا من أعمال قنسرين وقيل ولد بالعليا من أعمال تدمر وقد توفي أبوه شابا في عام 118 هجرية في خلافة أبيه هشام بن عبد الملك فنشأ عبد الرحمن في بيت الخلافة الأموي بدمشق حيث كفله وأخوته جدهم هشام بن عبد الملك وكان جده يؤثره على بقية أخوته ويتعهده بالصلات والعطايا في كل شهر حتى وفاته ويروى أن عم أبيه الفارس مسلمة بن عبد الملك بن مروان والذي كان له باع طويل في علم الحدثان قد وصلته نبوءة تقول بأن عدوا سيأتي من الشرق ويقضي على الحكم الأموى إلا أن فتى أمويا سوف يتمكن من إقامته من جديد في بلاد الأندلس وعندما نظر مسلمة إلى عبد الرحمن لأول مرة في قصر الخلافة بعد وفاة أبيه رأى في وجهه العلامات التي تدل على أنه الأموى المقصود وعندما أقام العباسيون دولتهم على أنقاض الدولة الأموية قاموا بتعقب الأمويين من أجل القضاء عليهم خشية أن يحاولوا إسترداد ملكهم فقتلوا بعضهم مما جعل الباقين منهم يهربون ويختفون عن أعين العباسيين والذين لجأوا إلي المكر والخديعة حيث أظهروا الندم على ما كان منهم وأشاعوا أنهم أمنوا من بقي من الأمويين حتى إجتمع منهم بضع وسبعون رجلا منهم أخ لعبد الرحمن يدعى يحيى فأفنوهم وحين بلغ عبد الرحمن ذلك هرب من منزله بقرية دير حنا وأوصى بأن يتبع بولده سليمان وأختيه أم الأصبغ وأمة الرحمن حتى بلغ قرية تقع على نهر الفرات إختبأ بها وذات يوم إشتكى فيه عبد الرحمن الرمد فلزم ظلمة داره وإذا بإبنه الصغير سليمان وهو إبن أربع سنين يدخل عليه فزعا باكيا فتوجس عبد الرحمن وإذا برايات العباسيين في القرية ودخل عليه أخ له صغير يخبره الخبر فعمد عبد الرحمن إلى دنانير تناولها ثم أعلم أختيه بمتوجهه وفر هو وأخوه وبعد ذلك وشى به عبد من عبيده فكان أن تعقبته فرسان العباسيين فلم يجد عبد الرحمن وأخوه أمامهما مهربا إلا عبور النهر وبينما هما في منتصف النهر أغرتهما الشرطة أن يرجعا ولهما الأمان فرجع أخوه خشية الغرق وغرر به وقتله العباسيون وكان عمر أخيه ثلاث عشرة عاما بينما نجح عبد الرحمن في الوصول إلى الضفة الأخرى ثم ألحقت به أخته أم الأصبغ مولاه ويدعي بدر ومولاها ويدعي سالم بمال وشئ من الجواهر فتوجه عبد الرحمن بالموليين صوب أفريقية وهي المنطقة الممتدة من ليبيا وحتي تونس حاليا .

وكان عبد الرحمن بن حبيب الفهري والي أفريقية قد إستغل سقوط الدولة الأموية ليستقل بحكم ولايته وخشي الفهري من ظهور الأمويين الفارين من المشرق على ولايته فتتبعهم بالقتل فقتل منهم إبنين للوليد بن يزيد بن عبد الملك لذا ظل عبد الرحمن يتنقل من مكان إلى مكان مدة خمس سنين منذ نزوله على أخواله بني نفزة وهم من بربر طرابلس ثم نزل على قبيلة مكناسة ببلاد المغرب وقيل مغيلة حيث آواه أبو قرة وانسوس المغيلي لحمايته من متعقبيه ثم إنتقل منها إلى قوم من قبيلة زناتة كانت منازلهم قرب البحر في مدينة سبتة التي تقع شمالي المغرب وفي عام 136 هجرية الموافق عام 754م أرسل عبد الرحمن مولاه بدر إلى موالي بني أمية في بلاد الأندلس يطلب عضدهم والتمهيد لدخوله تلك البلاد فعرض بدر رسالة عبد الرحمن على أبي عثمان عبيد الله بن عثمان وعبد الله بن خالد وأبي الحجاج يوسف بن بخت زعماء موالي بني أمية في الأندلس فأجابوه وعرضوا الأمر على الصميل بن حاتم وكان من زعماء المضرية ببلاد الأندلس غير أن الصميل خشي على نفوذه من مجئ عبد الرحمن فإستقر على ألا يجيبه وكانت بلاد الأندلس حينئذ تغلي بسبب النزاعات والمعارك المتواصلة بين القبائل المضرية واليمانية فوافقت دعوة عبد الرحمن رغبة اليمانية المدفوعين بالرغبة في الثأر لهزيمتهم أمام الفهرية والقيسية في موقعة شقندة والتي كانت قد وقعت ببلاد الأندلس عام 130 هجرية الموافق عام 747م بين يوسف بن عبد الرحمن الفهري وحلفائة القيسية بقيادة الصميل بن حاتم واليمانية بقيادة أبو الخطار الكلبي وإنتهت بإنتصار القيسية على اليمانية ومقتل أبو الخطار الكلبي فإحتشدوا لنصرة ومؤازرة عبد الرحمن ثم أرسل زعماء الموالي مركبا تعبر به من بلاد المغرب إلى بلاد الأندلس فوصل إلى ثغر المنكب جنوبي بلاد الأندلس بمقاطعة غرناطة في شهر ربيع الثاني عام 138 هجرية الموافق شهر أكتوبر عام 755م وأطلق عليه حينذاك عبد الرحمن الداخل نظرا لأنه قد هاجر إلي بلاد الأندلس ودخلها وبعد أن دخلها أتاه أبو عثمان وعبد الله بن خالد وسارا به إلى حصن طرش والذى يقع في نطاق مقاطعة ملقة جنوبي بلاد الأندلس والذى كان يعد المنزل المختار لأبي عثمان وكان قد أصبح أيضا حينذاك مركزا لتجمع أنصار وأتباع عبد الرحمن والذى كان قد بلغ خبر وصوله وتجمع الناس حوله إلي يوسف بن عبد الرحمن الفهري وأن عامله على كورة إلبيرة التي كانت تابعة لمقاطعة غرناطة قد عجز عن تفريقهم فنصح الصميل بن حاتم يوسف بوجوب التوجه فورا لملاقاة عبد الرحمن فجمع يوسف جيشه وسار به لكي يواجه عبد الرحمن والذى علم بمسير هذا الجيش إليه فتحرك بجيشه وأخضع كافة المدن في طريقه حتى إشبيلية التي إستولى عليها وبايعه أهلها فتجمع له ثلاثة آلاف مقاتل ثم حاول مباغتة يوسف الفهرى ومهاجمة قرطبة ليستولي عليها وإلتقي الجيشان في موضع يبعد عن قرطبة نحو 45 ميلا وكان لا يفصلهما إلا نهر الوادى الكبير وحاول يوسف أن يغري عبد الرحمن لينصرف بجنده ووعده بالمال وبأن يزوجه من إحدى بناته إلا أن عبد الرحمن رفض وأسر خالد بن يزيد أحد رسل يوسف لإغلاظه له القول وفي الليل حاول عبد الرحمن أن يسبق بجنده جيش يوسف خلسة إلى قرطبة لكن يوسف علم بذلك فسار الجيشان بمحاذاة نهر الوادى الكبير صوب قرطبة إلى أن إنحسر الماء عند موضع يسمي المصارة يوم عيد الأضحى في يوم العاشر من شهر ذي الحجة عام 138 هجرية الموافق يوم 14 مايو عام 856م فعبر جيش عبد الرحمن النهر ودارت معركة إنتهت بإنتصار عبد الرحمن وخلال هذه المعركة أشيع بين الجنود أن عبد الرحمن كان يركب جوادا سريعا للفرار به لو تعرض جيشه للهزيمة فلما بلغ عبد الرحمن هذا الكلام ترك فرسه في الحال وقال إن فرسي قلق ولا أتمكن معه من الرمي ثم ركب بغلا ضعيفا كي يقنع جنوده بأنه لن يولي ظهره للأعداء وبعد إتتصاره دخل عبد الرحمن إلى قرطبة وأدى الصلاة في مسجدها الجامع حيث بايعه أهلها على الولاء والطاعة هذا وقد عرفت هذه الموقعة في المراجع الأسبانية بإسم معركة الاميدا .


وبعد الإنتصار الذى حققه عبد الرحمن وهزيمته ليوسف الفهري والصميل بن حاتم وفرارهما من موقعة المصارة توجه يوسف إلى طليطلة وهي إحدى بلديات مقاطعة قادس التي تقع في منطقة الأندلس جنوب أسبانيا وعلى بعد حوالي 20 كيلو متر من الشمال الشرقي لمدينة طريفة وحشد منها ما إستطاع من أنصاره بمساعدة عامله عليها هشام بن عروة الفهرى وتوجه الصميل إلى جيان بشمال غرب مقاطعة أندلوسيا بجنوب أسبانيا وجمع فيها أنصاره ومؤيديه ثم إجتمعت القوتان وتوجهتا إلى إلبيرة وكانت خطتهما أن يستدرجا عبد الرحمن الداخل من مركزه بمدينة قرطبة إلى مدينة جيان لقتالهما ثم يذهب عبد الرحمن بن يوسف الفهري ليحتل قصر الإمارة في مدينة قرطبة وبالفعل عندما علم عبد الرحمن الداخل بإجتماعهما توجه إليهما بعد أن ترك قوة صغيرة لحماية قرطبة بقيادة أبي عثمان وكان ذلك في عام 139 هجرية الموافق عام 756م لكنه ما أن إبتعد قليلا حتى هاجم عبد الرحمن بن يوسف الفهري قرطبة وإحتل قصر الإمارة وأسر أبا عثمان وكبله بالأغلال وعندما علم عبد الرحمن الداخل بما حل بقرطبة عاد مسرعا إليها ففر عبد الرحمن بن يوسف الفهري إلى أبيه في إلبيرة ومعه أبو عثمان فغادر عبد الرحمن الداخل قرطبة وتوجه إلى الصميل ويوسف في إلبيرة وحاصرهما فطلبا الصلح على أن يعترفا بإمارته ولا ينازعاه فيها وأن يؤمنهما على النفس والمال والأهل وأن يؤمن حلفاءهما وأعوانهما ويسمح لهما بسكنى قرطبة تحت رعايته ورقابته وقبل عبد الرحمن على أن يقدم يوسف ولديه عبد الرحمن وأبي الأسود محمد رهينتين عنده يعتقلهما في قصر قرطبة كضمان للوفاء بعهده وأن يفرج عبد الرحمن الداخل عن خالد بن زيد أحد قادة يوسف الفهري في مقابل أن يفرج يوسف عن أبي عثمان وتم الصلح بين الفريقين عام 140 هجرية الموافق عام 757م وإنتقل يوسف والصميل بن حاتم مع عبد الرحمن الداخل إلى قرطبة وإنفض جندهما ونزل يوسف بشرقي مدينة قرطبة في قصر الحر بن عبد الرحمن الثقفي الذى كان رابع ولاة الأمويين علي الأندلس بعد فتحها ونزل الصميل بداره التي كانت تقع بإحدى ضواحي قرطبة وعمل عبد الرحمن الداخل على إكرامهما وتقدير مكانتهما ولم يمض عام حتى حاول أنصار يوسف السابقين حمله على الثورة على عبد الرحمن الداخل فكاتب يوسف أهل مدينتي ماردة بغرب أسبانيا ولقنت بشرقها فأجابوه وكتبوا إليه فهرب من مقره بمدينة قرطبة لكي يلتحق بإحدى المدينتين عام 141 هجرية الموافق عام 758م ولما علم عبد الرحمن الداخل بهربه أتبعه الخيل وقبض على إبنه وإعتقل الصميل بن حاتم تحسبا لأى ثورة أو حركة عصيان قد يشارك فيها هذا الأخير وتقدم يوسف نحو مدينة إشبيلية وحاصرها وكان واليها عبد الملك بن عمر المرواني الذي طلب من إبنه والي مورور والتي تقع بمقاطعة إشبيلية بجنوب أسبانيا نجدته ففك يوسف الحصار ليتوجه إلى عبد الرحمن الداخل لكن عبد الملك وإبنه زحفا خلف يوسف الذي رأى التخلص منهما أولا ودارت بينهما معركة إنهزم فيها يوسف وتفرق من معه وفر يوسف متجها إلى طليطلة ليحتمي بها عند واليها هشام بن عروة الفهرى فأدركه عبد الله بن عمر الأنصارى قبل وصوله إلي مدينة طليطلة بأربعة أميال فقتله وبعث برأسه إلى عبد الرحمن الداخل والذى أمر بقتل عبد الرحمن بن يوسف المعتقل لديه كما خنق الصميل في سجنه وقتل جميع أنصار يوسف الفهرى وبذلك إنتهت هذه الفتنة التي كان أول ما واجهه عبد الرحمن الداخل من فتن وثورات بعد تأسيسه إمارته ببلاد الأندلس .


وفي أواخر عام 143 هجرية الموافق عام 760م ثار القاسم بن يوسف بن عبد الرحمن الفهرى وحليف أبيه رزق بن النعمان الغساني في الجزيرة الخضراء وهي أيضا إحدى بلديات مقاطعة قادس بجنوب أسبانيا على الأمير عبد الرحمن الداخل الذى وجه إليهما من هزمهما وفر القاسم وقتل الغساني ثم ثار هشام بن عروة الفهرى صاحب طليطلة فسار إليه عبد الرحمن الداخل وشدد عليه الحصار حتى إضطر إلى طلب الصلح مقابل أخذ إبنه كرهينة عند عبد الرحمن الداخل والذى قبل بذلك ثم عاد هشام بن عروة الفهرى إلى نقض العهد مرة أخرى فغزاه عبد الرحمن الداخل في العام التالي وشدد الحصار عليه ودعاه إلى الرجوع فلم يستجب له فلما يئس الأمير منه أمر بضرب عنق إبن هشام وقذف الرأس بالمنجنيق في المدينة ثم تركه لإنشغاله بثورة العلاء بن مغيث اليحصبي الذي ثار عام 146 هجرية الموافق عام 763م بعد أن راسل الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور الذي كان يطمع في إستعادة الأندلس وإستطاع أن يجمع حوله الناس والجند من أنصار الدولة العباسية فإستولى على شذونة بمقاطعة قادس جنوبي أسبانيا فأرسل له الداخل جيشا بقيادة مولاه بدر فسيطر على المدينة فتحرك العلاء بجيشه إلى إشبيلية ودخلها فخرج عبد الرحمن من قرطبة في جميع قواته إلى قرمونة بمقاطعة إشبيلية جنوبي أسبانيا وتحصن بها ومعه ثقات مواليه وخاصته فسار إليه العلاء وحاصره بها مدة شهرين وعندئذ خرج عبد الرحمن في عدد 700 من رجاله ليرد الهجوم بعد أن خارت قوى جيش العلاء فهزمهم وقتل العلاء وأمر عبد الرحمن بحز رأسه ورؤوس أشراف أصحابه ووضعت فيها صكوك بأسمائهم وحملوا بعضهم إلى أسواق مدينة القيروان التونسية ليلا والبعض الآخر وفيهم رأس العلاء إلى مكة المكرمة مع بعض التجار الثقات ومعه الرسالة واللواء الذي أرسله المنصور إلى العلاء فوضعوه أمام سرادق الخليفة المنصور الذي كان يؤدى فريضة الحج في ذلك العام فلما رأى المنصور رأس العلاء إنزعج وقال الحمد لله الذي جعل بيننا وبين هذا الشيطان بحرا وبعد ذلك بعث عبد الرحمن مولاه بدر وتمام بن علقمة عام 147 هجرية الموافق عام 764م في جيش كثيف إلى مدينة طليطلة فحاصرا هشام بن عروة الفهري حصارا شديدا ومنعا المؤن والطعام عن أهل المدينة حتى ضج أهلها من الحصار وإستثقلوا الحرب وكاتبوا تمام وبدر وسألوهما الأمان في مقابل تسليم إبن عروة وبعض قادته لهما فقبلا ذلك وحملوهم إلى مدينة قرطبة حيث تم تجريسهم حيث حلقت رؤوسهم ولحاهم وألبسوا جببا صوفية وحملوا على الحمر ودخلوا مدينة قرطبة على تلك الحال حيث أمر عبد الرحمن الداخل بقتلهم وبالتخلص منهم وكانت هذه نهاية حركة عصيان وتمرد هشام بن عروة الفهرى .


وفي عام 149 هجرية الموافق عام 766م ثار على عبد الرحمن الداخل سعيد اليحصبي في لبلة بمنطقة أندلوسيا بجنوب أسبانيا وسار إليه عبد الرحمن بنفسه وأخمد ثورته ومن بعده في نفس العام ثار أبي الصباح اليحصبي الذي نقم من عبد الرحمن أن عزله عن ولاية إشبيلية وهو الذي كان له عونا وسندا وجمع له اليمانية يوم المصارة فلجأ عبد الرحمن الداخل معه إلى الحيلة حيث بعث إليه عبد الله بن خالد لكي يؤمنه فلما دخلا قرطبة أمر عبد الرحمن الداخل بقتل أبي الصباح ومنذ ذلك الوقت لزم عبد الله بن خالد داره حتى مات لمرارة في نفسه من خداع عبد الرحمن الداخل له وإستعماله في إستدراج أبي الصباح وفي عام 153 هجرية الموافق عام 770م ثار البربر بزعامة رجل يقال له شقيا بن عبد الواحد المكناسي كان معلما للصبيان ثم إدعى بأنه فاطمي فقتل عامل الأمير على ماردة ثم إستولى على قورية وهي أكبر جزر أرخبيل قورية الذي يقع في الوسط التونسي شرق مدينة المنستير التونسية فسار إليه عبد الرحمن الداخل ففر منه الفاطمي إلى الجبال ولم يتمكن منه لعدة سنوات إلى أن إنكشف وإفتضح أمره لأصحابه فقتلوه وعند ذلك جاءته رسل مولاه بدر بثورة اليمانية بقيادة عبد الغافر اليحصبي وحيوة بن ملامس الحضرمي فسير إليهم الداخل جيشا هزمهم وقتل حيوة وفر عبد الغافر عبر البحر وتلا ذلك محاولة إبن أخيه عبيد الله بن أبان بن معاوية وبعض معاونيه الإنقلاب عليه في قرطبة وهو في نزهة خارجها فراسله مولاه بدر بالخبر وتمكن بدر من القبض عليهم وأمر عبد الرحمن بضرب أعناقهم جميعا ثم وجه الداخل عام 160 هجرية الموافق عام 777م قوة بقيادة تمام بن علقمة وأبي عثمان لقتال الفاطمي وإقتتلا وهزمهما الفاطمي إلا أن رجلين من أصحابه تآمرا عليه وقتلاه بعد ذلك لتنتهي بذلك ثورته وفي العام التالي 161 هجرية الموافق عام 778م نزل عبد الرحمن بن حبيب الصقلبي بجيشه ساحل كورة تدمير إحدى كورات الدولة الأموية بجنوب شرق أسبانيا فسارع الداخل بمهاجمته فإستغاث إبن حبيب بوالي برشلونة سليمان الأعرابي ولكن هذا الأخير لم ينجده وبذلك إستطاع عبد الرحمن الداخل أن يهزم إبن حبيب ويحرق سفنه عند ساحل تدمير ففر الصقلبي إلى كورة بلنسية والتي تقع علي ساحل البحر المتوسط بشرق أسبانيا حيث إغتاله رجل من البربر طمعا في عطية من الداخل وفي عام 164 هجرية الموافق عام 781م ثار عليه الماحس بن عبد العزيز الكناني والي الجزيرة الخضراء فسار إليه عبد الرحمن الداخل بنفسه علي رأس جيشه فلما إقترب آثر الماحس الهرب ففر بأهله عبر البحر المتوسط ولجأ إلى الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور في العاصمة العباسية بغداد وفي عام 168 هجرية الموافق عام 785م نما إلي علم عبد الرحمن الداخل أن إبن أخيه المغيرة بن الوليد بن معاوية وهذيل بن الصميل بن حاتم قد تحالفا معا ودبرا مؤامرة لكي يخلعاه فسارع وأمر بهما فإعتقلا ثم تم قتلهما وسخط بسبب ذلك على أخيه الوليد بن معاوية فنفاه هو وبنيه وسائر أهله خارج بلاد الأندلس إلى بلاد المغرب العربي ثم ثار عليه أبو الأسود محمد بن يوسف بن عبد الرحمن الفهري عام 169 هجرية الموافق عام 786م في ثغر قسطلونة الذى يقع علي ساحل البحر المتوسط بمنطقة بلنسية شرقي أسبانيا فخرج إليه عبد الرحمن الداخل وقاتله وهزمه كما قتل أربعة آلاف من أصحاب أبي الأسود الذي فر هاربا يومئذ وفي عام 170 هجرية الموافق عام 787م خرج عبد الرحمن الداخل لإخماد ثورة بربر قبيلة نفزة الأمازيغية وكانت هذه هي آخر غزواته وآخر ما واجهه من فتن وثورات وحركات تمرد وعصيان .


وبالإضافة إلي ما سبق كانت هناك محاولة من الملك الفرنسي شارلمان لغزو شرق بلاد الأندلس وكانت بداية خلفيات هذه المحاولة عندما ثار سليمان الأعرابي حاكم برشلونة ومعه الحسين بن يحيى الأنصاري زعيم سرقسطة عاصمة إقليم اراجون بشمال شرق أسبانيا على عبد الرحمن الداخل والذى قام بإرسال جيش بقيادة ثعلبة بن عبيد الجذامي إلا أنه هزم وتم أسر ثعلبة وأرسلا إلى شارلمان ملك الفرنجة المعروف في المراجع العربية بإسم قارلة يدعونه للتحالف معهم فإستجاب لهما وعبر بجيشه جبال البرانس التي تفصل بين فرنسا وأسبانيا وأغار على بنبلونة بشمال أسبانيا والتي كانت تتبع بلاد البشكنس أو بلاد الباسك والتي تقع حول الطرف الغربي من جبال البرانس على ساحل خليج جاسكونيا وتمتد على أجزاء من شمال وسط أسبانيا وجنوب غرب فرنسا ثم طمع في سرقسطة فسار إليها فإستقبله الأعرابي إلا أن الحسين بن يحيى وأهل المدينة أبوا إلا أن يقاوموه ولم يسلموا له وحاصر شارلمان المدينة لكنه لم يتمكن من فتحها فعاد إلى بلده وأخذ الأعرابي معه أسيرا لأنه ورطه في ذلك الأمر وفي طريق عودته وكان ذلك في عام 778م دبر إبنا سليمان وحلفاؤهم من البشكنس كمينا دمروا به مؤخرة جيش شارلمان في معركة باب الشرزي وتسمي أيضا معركة ممر رونسفال حيث أنها وقعت في ممر رونسفال الجبلي في جبال البرانس ومما يذكر أنه مع الوقت تناقلت الأجيال شفاهة القصص البطولية في هذه المعركة والصراع الذى دار بين المسيحيين والمسلمين على الرغم من أن الدين لم يكن هو الدافع وراء هذه المعركة أو حتى كان غالبية البشكنس الذين شاركوا في المعركة قد تدينوا بالمسيحية في ذلك الوقت وقد مجدت تلك القصص القائد البشكنسي رولاند وفرسانه وجعلت منهم أسطورة ورمزا للبطولة والفروسية في العصور الوسطى وقد تناول عدد من الأعمال المكتوبة المعركة وغير وضخم أحداثها وكان من أبرزها نشيد رولاند الذي يعد أقدم عمل أدبي فرنسي باقٍ حتي الوقت الحاضر والذي يرجع تاريخه للقرن الحادي عشر الميلادي كذلك تناولها أورلاندو فوريوسو أحد أبرز الأعمال الأدبية الإيطالية وأشهرها وحديثا تناولها العديد من الكتب والمسرحيات كما خلدت آثار في جبال البرانس ذكرها وكان من نتائج هذه المعركة تحرير الأعرابي والفرار به إلا أن الحسين بن يحيى ما لبث أن ترصد للأعرابي وقتله بعد ذلك بفترة قصيرة وفي هذا الوقت سار الداخل بجيشه نحو سرقسطة عام 165 هجرية الموافق عام 782م فحاصرها وشدد عليها الحصار فضاق أهلها من هذا الحصار ففاوض الحسين بن يحيى وكان يومئذ قائدهم وقبل عبد الرحمن الداخل فك الحصار وأن يأخذ إبنه سعيد رهنا إلا أن سعيد هرب بعد يوم واحد فقط فعاد الحسين إلى الثورة فحاصره جيش الداخل مجددا إلى أن مل أهل سرقسطة الحصار وسلموا الحسين إلى الداخل فقتله وقفل راجعا إلى قرطبة وأخيرا كانت وفاة عبد الرحمن الداخل في يوم 24 ربيع الآخر عام 172 هجرية الموافق عام 788م عن عمر يناهز 57 عاما بعد أن أسس إمارة قوية في بلاد الأندلس دامت لمدة 3 قرون وترك من الولد أحد عشر ولدا منهم سليمان وهو أكبر أولاده وهشام والمنذر ويحيى وسعيد وعبد الله وكليب ومن البنات تسع ودفن في قصر قرطبة بعد أن صلى عليه ولده عبد الله وخلفه من بعده ولده هشام الملقب بهشام الرضا بعهد من والده رغم أن أخاه سليمان كان أسن منه .


وبعيدا عن المعارك التي خاضها عبد الرحمن الداخل والمؤامرات التي تعرض لها من أجل خلعه وتقويض إمارته ببلاد الأندلس نجد أنه في سياسته قد إتبع سنة أسلافه من الأمويين في نظام الحكم فإتخذ حجابا ولم يتخذ وزراء وإحتفظ دوما بمجموعة من المستشارين أغلبهم ممن إستقبلوه عند وصوله إلي بلاد الأندلس وناصروه في بداية عهده وقاتلوا معه ضد من ناصبوه العداء وقد إهتم بجيشه الذي كان الدعامة الأساسية التي ساعدته على السيطرة على مقاليد الأمور طوال مدة حكمه فبلغ تعداد جيشه مائة ألف جندي من المتطوعين والمرتزقة لإسترابته من العرب بسبب نزعاتهم المستمرة للثورة والتمرد والعصيان إضافة إلى حرسه الخاص الذي بلغ أربعين ألفا من الموالي والبربر والرقيق كما أنشأ في أواخر عهده عددا من قواعد بناء السفن في موانئ قرطاجنة بتونس وطركونة وطرطوشة بمنطقة كاتالونيا بشرق أسبانيا كما كان من أهم أعماله بناء قصر الرصافة في أول حكمه وسماه بهذا الإسم تشبيها له برصافة جده هشام بن عبد الملك الذي بناه في الشام وأحاطه بالحدائق الزاهرة التي جلب لها الغروس والزروع والنوى التي لم تكن من قبل في الأندلس من الشام وأفريقية وفي عام 150 هجرية الموافق عام 767م أقام سور قرطبة الكبير الذي حصن به قرطبة وإستمر العمل به لعدة أعوام وفي عام 170 هجرية الموافق عام 786م أسس الأمير عبد الرحمن المسجد الجامع في قرطبة وأنفق على بنائه 100 ألف دينار وقيل 80 ألف دينار وكان المسلمون حين إفتتحوا قرطبة قد شاطروا أهلها كنيستهم العظمى فإبتنوا فيها مسجدا ولما كثرت عمارة قرطبة ضاق المسجد على مرتاديه فإبتاع الداخل الشطر الثاني من النصارى بمائة ألف دينار فأسس عليها الجامع وتمت أسواره في عام وأمر ببنائه على طراز المسجد الأموي بدمشق وقد بلغت مساجد قرطبة في عهده 490 مسجدا كما أنشأ دارا لسك العملة تضرب فيها النقود بحسب ما كانت تضرب في دمشق في عهد بني أمية وزنا ونقشا هذا ولم تحدث عبد الرحمن الداخل نفسه بالخلافة حيث كان يرى بأنه لا يستحقها إلا من ملك الحرمين ولم يقطع الخطبة للخليفة العباسي حتى عام 139 هجرية الموافق عام 756م بعد عشرة أشهر من حكمه بعد أن أشار عليه قادته بقطعها بل ألح بعضهم على ذلك حتى أن عبد الملك بن عمر المرواني هدده بقتل نفسه إن لم يقطعها أما فيما يتعلق بعلاقاته الخارجية فبعد أن فشلت حملة شارلمان على شرق الأندلس وهزيمة جيشه في معركة باب الشرزي دعاه عبد الرحمن الداخل إلى السلم والمصاهرة لتوطيد العلاقة بين الدولتين فأجابه شارلمان إلى السلم ولم يجبه إلى المصاهرة وبالإضافة إلي ذلك ففي زمنه دخل الغازي بن قيس الأندلس بموطأ مالك وبقراءة نافع بن أبي نعيم .


وعن الصفات والسمات الشخصية لعبد الرحمن الداخل فقد وصفه إبن زيدون بقوله إنه كان أصهب خفيف العارضين طويل القامة نحيف الجسم له ضفيرتين أعور أخشم وقال عنه إبن حيان القرطبي إنه كان كثير الكرم عظيم السياسة يلبس البياض ويعتم به ويعود المرضى ويشهد الجنائز ويصلي بالناس في الجمعة والأعياد ويخطب بنفسه وقد نقش خاتمه عبد الرحمن بقضاء الله راض وقيل بالله يثق عبد الرحمن وبه يعتصم وقد عرف بلقب صقر قريش ذلك أنه جلس الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور يوما في أصحابه فسألهم أتدرون من هو صقر قريش فقالوا له أمير المؤمنين الذي راض الملك وسكن الزلازل وحسم الأدواء وأباد الأعداء فقال لهم ما صنعتم شيئا فقالوا فمعاوية قال ولا هذا قالوا فعبد الملك بن مروان قال لا فقالوا فمن إذن يا أمير المؤمنين قال عبد الرحمن بن معاوية الذي تخلص بكيده عن سنن الأسنة وظبات السيوف يعبر القفر ويركب البحر حتى دخل بلدا أعجميا فمصر الأمصار وجند الأجناد وأقام فيه ملكا بعد إنقطاعه بحسن تدبيره وشدة عزمه وإن معاوية نهض بمركب حمله عليه عمر وعثمان وذللا له صعبه وعبد الملك ببيعة تقدمت له وأمير المؤمنين بطلب عترته وإجتماع شيعته وعبد الرحمن بن معاوية منفردا بنفسه مؤيدا برأيه مستصحبا عزمه وعموما فقد كان الأمير الأموى عبد الرحمن بن معاوية وافر العزم والدهاء والحزم والصرامة شديد الحذر قليل الطمأنينة فتمكن بحملاته المتوالية على المتمردين على سلطته سواء من العرب أو البربر التي إستخدم فيها كل الوسائل المتاحة لإقرار الأمر في يده بما في ذلك سلاح الإغتيال وإزهاق الأرواح لخصومه الذين يتمردون عليه دون تردد مكرسا بذلك مفهوم المكيافيلية بكل معانيه فغير بذلك فكرة الإندفاع وراء العصبية والقبلية التي كانت سائدة في ذاك الوقت إلى الخضوع والإنقياد للسلطة الحاكمة في قرطبة إلا أنه رغم تلك الطباع القاسية كان يجلس للعامة ويستمع منهم وينظر بنفسه فيما بينهم وكان من عاداته أن يأكل معه من أصحابه من أدرك وقت طعامه ومن وافق ذلك من طلاب الحوائج أكل معه كما كان لين الجانب متسامحا مع النصارى يسير معهم بسياسة الإعتدال والمهادنة فجعل لهم رئيسا منهم يسمى القمص يقيم إلى جواره في قرطبة ويستشيره في كثير من الأمور وإلي جانب ذلك كان عبد الرحمن شاعرا مجيدا له شعر مشهور عبر فيه عن شوقه لربوع الشام التي نشأ فيها وأخيرا فقد كانت لشخصية عبد الرحمن الداخل وجود في الدراما التليفزيونية حيث تم إنتاج مسلسل تليفزيوني سورى يحمل عنوان صقر قريش من إخراج المخرج السوري حاتم علي وقد تم تصويره مابين بلاد المغرب وسوريا وقد جسد دوره الممثل السوري المعروف جمال سليمان وشارك فيه نخبة من ألمع نجوم الدراما السورية والمغربية .


ولا يفوتنا هنا أن نذكر إن عبد الرحمن الداخل قد إستطاع كما ذكرنا أن يؤسس في عام 138 هجرية الموافق عام 756م ما تم تسميته بالدولة الأموية في الأندلس والتي كانت في البداية إمارة إسلامية ضمت إلي جوار بلاد الأندلس أجزاء من شمال قارة أفريقيا وكانت عاصمتها قرطبة وبتأسيس هذه الدولة دخل المسلمون في الأندلُس في عهد جديد قائم على أُسس سياسية بعيدة عن العنصرية والقبلية من واقع تحجيم نفوذ زعماء القبائل وإحلال سلطة الدولة ممثلةً في الأمير محل سلطة القبائل وبدأت بلاد الأندلس تسير في طريق إكتساب الحضارة وبذلك أضحى الأندلس بلدا إسلاميا مستقلا عن الخلافة العباسية في المشرق بعد أن كان خاضعا لمركز الخلافة في العهد الأُموى ولم تحاول الدولة العباسية جديا ضمه إلى حظيرتها ويبدو أن إنفصاله النهائي عنها لم يشكل خطرا حقيقيا مباشرا على كيانها وبالإضافة إلى أنه إستمر في حمل الرسالة الإسلامية ومن ثم فلم يكن هناك حاجة للمواجهة المباشرة غير أنه جرت محاولات عابرة قام بها العباسيون لضمه إلى حظيرة الخلافة لكنها لم تحقق شيئا وقد تحولت بلاد الأندلس فيما بعد إلى خلافة بإعلان عبد الرحمن الناصر لدين الله ثامن الحكام الأمويين بالأندلس نفسه في شهر ذي الحجة عام 316 هجرية الموافق شهر يناير عام 929م خليفةَ قرطبةَ بدلا من لقبه السابق أمير قرطبة وهو اللقب الذي حمله الأمراء الأمويون منذ أن إستقل مؤسس الدولة عبد الرحمن الداخل بالأندلس وقد خرج بعمله هذا عن الأصل النظري للمذهب الإسلامي السني للخلافة القائل بأن الخلافة كمؤسسة دينية ودنيوية لا يمكن أن تتجزأ حسب المفاهيم السائدة في ذلك الوقت إلا أنه وضع هذا العمل في موضع الإجتهاد فأجاز الفقهاء والعلماء السنة بتعدد الخلافة في حال وجود مصلحة عامة للمسلمين وإعترفوا بِشرعية وجود إمامين يتوليان حكم المسلمين في وقت واحد شرط أن تكون المسافة بينهما كبيرة حتي لا يحدث التصادم بينهما وكان من أهم الأسباب الواقعية التي دفعت عبد الرحمٰن الناصر إلى إعلان الخلافة الضعف الشديد الذى كان قد دب في أوصال الدولة العباسية وإنحدار سمعتها إلى الحضيض بالإضافة إلى إعلان الإمام عبيد الله المهدي الفاطمي قيام خلافة الفاطميين في أفريقية وربما كانت هذه الحادثة أكثر إلحاحا من تراجع نفوذ الخلافة العباسية في المشرق للإقدام على هذه الخطوة من جانب عبد الرحمن الناصر لاسيما أن الفاطميين كانوا قد أعلنوا الخلافة على أساس المذهب الشيعي الإسماعيلي وهو ما مثل تهديدا عسكريا ودينيا مباشرا للأُمويين بصفة خاصة وللأندلس بصفة عامة وجدير بالذكر أن عبد الرحمن الناصر قد عرف في الروايات الغربية بإسم عبد الرحمن الثالث تمييزا له عن جديه عبد الرحمن بن معاوية أو عبد الرحمن الداخل مؤسس الدولة وعبد الرحمن بن الحكم رابع الحكام الأمويين بالأندلس والذى عرف بإسم عبد الرحمن الأوسط .


وقد إستطاع عبد الرحمن الناصر إخماد التمردات الداخلية على سلطة الدولة فإستعاد هيبتها وبسط سلطته على كافة أنحاء دولته بعد أن كانت سلطة الدولة قد إنحصرت في عهد سابقيه في قرطبة ونطاق ضيق حولها كما حافظ على حدود الدولة الخارجية عن طريق تحقيق إنتصارات عسكرية على الممالك المسيحية المجاورة في الشمال مما أنهى أطماع تلك الممالك في التوسع جنوبا ولم تقتصر مساعي عبد الرحمن الناصر في الحفاظ على حدود دولته على مجابهة الممالك المسيحية في الشمال بل إستطاع تأمين حدوده الجنوبية عن طريق السيطرة على الموانئ المقابلة للأندلس في بر المغرب وتقديم الدعم المادى والعسكرى لبعض أمراء المغرب لصد مساعي الفاطميين للتوسع غربا وبفضل الإستقرار السياسي والمغانم العسكرية إنتعشت الأندلس في عهد عبد الرحمن الناصر إقتصاديا وعسكريا مما جعل الأندلس وجهة للبعثات الدبلوماسية من أقطار مختلفة تسعى لخطب ود أو طلب الدعم من عبد الرحمن الناصر ومن جانب آخر فقد تميزت الدولة الأموية في الأندلس بنشاط تجارى وثقافي وعمراني ملحوظ حتى أصبحت قرطبة أكثرَ مدن العالم إتساعا بحلول عام 323 هجرية الموافق عام 935م كما شهدت تشييد الكثير من روائع العِمارة الإسلامية في الأندلس ومنها الجامع الكبير في قرطبة كما شهدت فترة حكم الأمويين نهضة في التعليم العام جعلت عامة الشعب يجيدون القراءة والكتابة في الوقت الذي كان فيه علية القوم في دول قارة أوروبا لا يستطيعون ذلك وبسبب الإستمرار في الإتجاه الذي أرساه عبد الرحمن الداخل خطت الدولة الأموية في الأندلس خطوات واسعة في التقدم والرقي والإزدهار الحضارى ونافست قرطبةُ بغداد عاصمة الدولة العباسية والقسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية وقد أسهم العلماء الأندلسيون على إختلاف خلفياتهم العرقية والدينية في تقدم مختلف أنواع العلوم في العالمين الإسلامي والمسيحي وكان من هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر جابر بن أفلح في علم المثلثات وإبراهيم بن يحيى الزرقالي في علم الفلك وأبو القاسم الزهراوي في الجراحة وإبن زهر في الصيدلة وغيرهم وقد إستمرت الدولة الأموية في الأندلس رسميا حتى عام 422 هجرية الموافق عام 1031م حيث سقطت الخلافة وتفككت إلى عدد من الممالك بعد حرب أهلية نشبت بين الأمراء الأمويين الذين تنازعوا الخلافة فيما بينهم مما أدى بعد سنوات من الإقتتال إلى تفكك الخلافة إلى عدد من الممالك المستقلة وبدأت فترة تاريخية في الأندلس أطلق عليها فترة ملوك الطوائف حيث قام كل أمير من أمراء الأندلس ببناء وتأسيس دويلة منفصلة وتأسيس أسرة حاكمة من أهله وذويه وإنقسمت الدولة إلى عدد 22 دويلة منها غرناطة وإشبيلية وألمرية وبلنسية وطليطلة وسرقسطة والبرازين والبداجوز ودانية والبليار ومورور وبينما ورثت تلك الدويلات ثراء الخلافة كان الحكم فيها يتسم بعدم إستقرار الحكم والتناحر المستمر فيما بينها وقد جعل هذان السببان هذه الدويلات فريسة لمسيحيي الشمال ووصل الأمر إلى أن ملوك الطوائف كانوا يدفعون الجزية للملك الأسباني ألفونسو السادس ومن خلفه وكانوا يستعينون بهم على بعضهم البعض وهو الأمر الذى أدى في النهاية إلي سقوط بلاد الأندلس في أيدى الملوك المسيحيين الكاثوليك في عام 1492م وطرد المسلمين خارج الأندلس بعد التنكيل بهم وإجبار الكثيرين منهم علي إعتناق المسيحية علي المذهب الكاثوليكي .
 
 
الصور :
الدولة الأموية بالأندلس تمثال لعبد الرحمن الداخل بميناء المنكب جانب من حديقة قصر قرطبة مقر الحكم ةالأموى ببلاد الأندلس كتاب عبد الرحمن الداخل صقر قريش مدينة طليطلة مسلسل صقر قريش