بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
وبعد فتح طنجة إستأنف يوسف بن تاشفين توسعه نحو الشرق لمطاردة زناتة التي لجأت إلى منطقة تلمسان بشمال غرب بلاد الجزائر حاليا وبدأ يوسف بن تاشفين قتاله في تلمسان التي كان يحكمها الأمير العباس بن بختي من ولد يعلى بن محمد بن الخير المغراوي وأرسل يوسف بن تاشفين قائده مزدلي لغزوها في عشرين ألف جندى وإستطاع جيش المرابطين هزيمة جيش تلمسان وأسر قائده معلي بن يعلي المغراوي الذي قتل على الفور وتم ضرب تجمع زناتة ثم عاد جيش المرابطين إلى مراكش ومن الواضح أن معركة تلمسان السريعة لم تكن تهدف إلى الفتح والتمركز في المدينة بل كان هدفها ضرب الزناتيين الفارين من فاس ومما يدل على ذلك عودة القائد مزدلي المبكرة دون أن يثبت أقدام المرابطين في تلك المنطقة وبعد عملية تلمسان إتجه يوسف بن تاشفين نحو منطقة الريف ببلاد المغرب الذي كان يحكمه بيت أبي العافية وكان قد تركه ولم يأخذ منه إلا منطقة تازة فغزاها عام 473 هجرية الموافق عام 1079م وفتح أكرسيف ومليلة بغرب بلاد المغرب وضرب مدينة تكرور بجنوب البلاد ولم تعمر بعد ذلك لمدة طويلة وكان الدافع إلى ذلك حتى لا تتخذها زناتة حصنا لمقاومة المرابطين وبعد الإستيلاء على الريف عاد المرابطون للقضاء على زناتة تلمسان وإخضاعها حيث سار يوسف بن تاشفين نحوها وفي طريقه فتح وجدة بشرق المغرب علي الحدود المغربية الجزائرية حاليا وبلاد بني يزناسن بشمال شرق المغرب وذلك عام 474 هجرية الموافق عام 1080م ثم وصل إلى عاصمة المغرب الأوسط وضرب عليها الحصار حتى إستسلمت فقتل أميرها العباس بن يعلى وولى عليها محمد بن تنيغمر وصارت ثغرا للمرابطين بدلا عن ثغر تازة ثم تتبع يوسف زناتة شرقا فإستولى على مدن وهران وتنس وجبال وانشريش ووادي الشلف بشمال غرب بلاد الجزائر حتى دخل مدينة الجزائر وتوقف عند حدود مملكة بجاية بشرق بلاد الجزائر والتي كان يحكمها بنو حماد وهم فرع من قبيلة صنهاجة وشيد يوسف بن تاشفين في مدينة الجزائر جامعا لا يزال موجودا إلى اليوم ويعرف بالجامع الكبير أو المسجد العتيق أو المسجد الجامع وهو يعد أقدم المساجد في بلاد الجزائر وبعد أن أمن يوسف بن تاشفين حدوده الشرقية عاد إلى مراكش عام 475 هجرية الموافق عام 1081م وفي العام التالي 476 هجرية الموافق عام 1082م وجه يوسف إبنه المعز في جيش إلى مدينة سبتة لفتحها حيث كانت المدينة الوحيدة التي لم تخضع له فحاصرها المعز برا وبحرا ودارت بين الجيشين معركة بحرية كانت سجالا إلى أن أرسل المعتمد بن عباد آخر ملوك بني عباد بأشبيلية وقرطبة ببلاد الأندلس سفينة حربية ضخمة رجحت كفة المعركة لصالح المرابطين وإنهزم والي سبتة ضياء الدولة يحيى ثم تم قتله وكان هذا الفتح لمدينة سبتة في شهر ربيع الآخر عام 477 هجرية الموافق شهر أغسطس عام 1084م .
وبخلاف بلاد المغرب العربي كانت ميادين الجهاد أمام دولة المرابطين متعددة حيث كانت هناك جبهات الجنوب وأفريقيا ولكنهم تغاضوا عن الجهاد في هذا الإتجاه بسبب وجود الأمير أبي بكر بن عمر الذي إختار الصحراء ميدانا لجهاده وكان هناك ميدان آخر للجهاد نحو الشرق حيث توقف الفتح عند حدود بجاية التي كان يحكمها بنو حماد الصنهاجيين ولكن يوسف آثر ألا يتقدم شرقا بسبب العلاقات الطيبة والقرابة التي تربطه ببني حماد وبعد أن أطلت دولة المرابطين على شواطئ البحر الأبيض المتوسط التي كانت عرضة لغارات الفرنجة كان لا بد من إتخاذ إجراءات وقائية لصد هذه الغارات ويضاف إلى ذلك أوضاع الأندلس المضطربة بعد سقوط الخلافة الأموية وقيام دويلات ملوك الطوائف مما تسبب في آن آلت أوضاع الأندلس إلى السوء وأصبح لا حول لها ولا قوة مما شجع النصارى على توجيه الضربات المتتالية للمسلمين في تلك البلاد وإستمرت حالة التردي في الأندلس حتى إستطاع الملك الأسباني ألفونسو السادس الإستيلاء على مدينة طليطلة عام 478 هجرية الموافق عام 1085م ثم واصل غاراته حتى إستطاع الإستيلاء على المدن والقرى الأندلسية ما بين مدينة وادي الحجارة بوسط أسبانيا إلى مدينة طلبيرة بمقاطعة طليطلة بوسط أسبانيا أيضا ثم بدأ ألفونسو في الضغط على مملكتي بطليوس بغرب أسبانيا قرب الحدود الأسبانية البرتغالية حاليا وإشبيلية بجنوب أسبانيا وأرسل إلى المتوكل بن الأفطس أمير بطليوس يطلب إليه تسليم بعض الحصون والقلاع المتاخمة لحدوده مع تأدية الجزية وأمام هذه الأحداث أرسل أمير بطليوس المتوكل بن الأفطس رسالة إلى يوسف بن تاشفين يرثي إليه حالهم وما آل إليه أمرهم ولما وصلت الرسالة ليوسف بن تاشفين أكرم حامليها وطمأنهم ووعدهم بالإمداد والعون والمساعدة والعبور لبلاد الأندلس وفتح باب الجهاد في سبيل الله عندما تسنح الفرصة وتزول العوائق التي تقف في طريق المرابطين وبخلاف إستنجاد أمير بطليوس بيوسف بن تاشفين كان أيضا هناك إجتماع تم عقده في مدينة قرطبة حيث عقد بها مؤتمر شعبي شارك فيه مجموعة من أمراء وأعيان الأندلس وإجتمعوا بالقاضي عبيد الله بن محمد بن أدهم وقالوا له ألا تنظر ما فيه المسلمون من الصغار والمذلة وإعطائهم الجزية بعد أن كانوا يأخذونها وقد غلب على البلاد الفرنج ولم يبق إلا القليل وإن دام هذا عادت نصرانية وقد رأينا رأيا نعرضه عليك فقال وما هو قالوا نكتب إلى عرب أفريقية ونبذل لهم إذ وصلوا إلينا شطر أموالنا ونخرج معهم مجاهدين في سبيل الله فقال إبن أدهم إن المرابطين أصلح منهم وأقرب إلينا فقالوا كاتب أمير المسلمين يوسف بن تاشفين وإسأله العبور إلينا وإعانتنا بما يتيسر من الجند وفي غرة شهر جمادى الأولى من عام 479 هجرية الموافق شهر أغسطس عام 1086م أرسل المعتمد بن عباد حاكم إشبيلية وقرطبة رسالة لإبن تاشفين قال فيها إلى حضرة الإمام أمير المسلمين إنا نحن العرب في هذه الأندلس قد تلفت قبائلنا وتفرق جمعنا وتوالى علينا هذا العدو المجرم اللعين أذفونش القشتالي يقصد الملك ألفونسو السادس أسر المسلمين وأخذ البلاد والقلاع والحصون وليس لنا طاقة على نصرة جاره ولا أخيه وقد ساءت الأحوال وإنقطعت الآمال وأنت أيدك الله ملك المغرب إستنصرت بالله ثم بك وإستغثت بحرمكم لتجوزوا لجهاد هذا العدو الكافر والسلام على حضرتكم السامية ورحمة الله تعالى وبركاته ولما وصل الكتاب لإبن تاشفين أكرم حامليه ثم إستشار قادته وأمراءه وأشاروا عليه بالعبور إلي بلاد الأندلس من أجل نجدة المسلمين في تلك البلاد .
ورد الأمير يوسف بن تاشفين علي المعتمد بن عباد برسالة قال فيها من أمير المسلمين يوسف بن تاشفين إلى المعتمد بن عباد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد فإنه وصل خطابكم المكرم فوافقنا على ما تضمنه من إستدعائنا لنصرتك وما ذكرته من كربتك فنحن يمين لشمالك ومبادرون لنصرتك وحمايتك وإنه لا يمكننا الجواز إلا أن تسلم لنا مدينة الجزيرة الخضراء تكون لنا لكي يكون إليك على أيدينا متى شئنا فإن رأيت ذلك فأشهد به نفسك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ووافق المعتمد بن عباد على تسليم المدينة للمرابطين وبذلك وافق المرابطون على العبور للأندلس فأعطي يوسف بن تاشفين أمره لخمسمائة فارس بالتجهز للعبور إلى الأندلس كمقدمة لبقية الجيش وبدأ الفرسان بالتوافد على الجزيرة الخضراء ونزلوا بدار الصناعة وضرب بها معسكر للفرسان وأخذ الفرسان بالتوافد حتى إكتمل عددهم وقد أحاطوا بالجزيرة من كل جهة وأحدقوا عليها يحرسونها بقيادة داود بن عائشة ثم إنطلقت كتائب المرابطين تجوز البحر متوجهة إلى الأندلس وركب يوسف بن تاشفين البحر متوجها للأندلس العبور الأول ودعا الله اللهم إن كنت تعلم أن جوازى هذا خيرا وصلاحًا للمسلمين فسهل علي جواز هذا البحر وإن كان غير ذلك فصعبه علي حتى لا أجوزه وكان يوسف بن تاشفين قد أمر بعبور الإبل من المغرب إلى الأندلس لأغراض عسكرية فعبر منها ما أغص الصحراء وإرتفع رغائها إلى عنان السماء ولم يكن أهل الجزيرة قد رأوا جمالا قط ولا كانت خيلهم قد رأت صورها ولا سمعت أصواتها وكانت تذعر منها وتقلق وكان هذا قصد يوسف بن تاشفين في عبورها فلما كانت المعركة كانت خيل الإفرنج تحجم عنها وبهذا تكون قوة المرابطين قد أكملت عبورها إلى الأندلس وحلت في الجزيرة الخضراء وأصبحت قريبة من أرض المعركة ولم يعد يفصلها بين القتال فاصل فالقوات القشتالية المسيحية كانت تغير على أي مكان في الأندلس وتعيث وتخرب ثم تعود إلى الملك الأسباني ألفونسو ولهذا أمر إبن تاشفين بتقوية حصون الجزيرة الخضراء وشحنها بالسلاح والذخيرة والطعام وتشديد الحراسة عليها لتكون قاعدة حصينة ونقطة إتصال أمينة بين دولتي الأندلس والمغرب وما إن علم المعتمد بوصول إبن تاشفين الجزيرة الخضراء حتى أرسل إبنه للقائه بينما إنشغل هو في تأمين مؤن الجيش ثم أمر المعتمد بن عباد جنده بالتجهز والإستعداد للحاق بجيش المجاهدين وسار لإستقبال إبن تاشفين وإلتقيا في معسكر إبن تاشفين ولم يبق أحد من ملوك الطوائف في الأندلس إلا بادر وأعان وخرج وأخرج ولما إكتملت الإستعدادات وتهيأ الجند للتحرك يقودهم إبن تاشفين أشار عليه إبن عباد بالسير لإشبيلية ليستريح من وعثاء السفر فأبى وقال إنما جئت ناويا جهاد العدو فحيثما كان العدو توجهت نحوه .
وتولي يوسف بن تاشفين قيادة الجيوش الإسلامية المتجمعة في الجزيرة الخضراء والتي وهبها المعتمد بن عباد للأمير والقائد يوسف بن تاشفين لتكون مقرا لجنده ومركز إتصال وإمداد للمجاهدين وخطا مأمونا للعودة وإنضمت قوات المعتمد بن عباد أمير إشبيلية وبعض قوات إبن صمادح أمير ألمرية وعبد الله بن بلقين أمير غرناطة وأخوه تميم أمير ملقة إلى معسكر المرابطين وقدم القادر بن ذي النون أمير طليطلة والمتوكل بن الأفطس أمير بطليوس فأمرهم أمير المسلمين إبن تاشفين أن يكونوا في معسكر إبن عباد فأصبح المسلمون معسكرين معسكر الأندلس ومعسكر المرابطين وأصبح القائد العام لقوات الأندلس المعتمد بن عباد ثم وزع المسلمون جيشهم كالتالي المقدمة ويقودها المعتمد بن عباد ويؤازره أبو سليمان داود بن عائشة في عشرة آلاف فارس من المرابطين والميمنة ويقودها المتوكل على الله عمر بن الأفطس أمير بطليوس والميسرة فيها أهل شرق الأندلس والساقة وفيها سائر أهل الأندلس والقوة الإحتياطية وكان يقودها أمير المسلمين يوسف بن تاشفين وهي مؤلفة من نخبة من أنجاد المرابطين وأهل المغرب وحرسه الخاص ثم إنطلق جيش المسلمين بإتجاه العدو وإستمر في سيره حتى وصل مدينة بطليوس وإستقبلهم المتوكل بن الأفطس على مقربة منها وقدم لهم المؤن والضيافات اللازمة وإنتهى إلى سهل يقع شمال بطليوس على مقربة من الحدود الأسبانية البرتغالية الحالية تسميه المراجع الإسلامية الزلاقة ووصلت أنباء عبور المرابطين إلى الملك ألفونسو السادس وهو يشدد الحصار على مدينة سرقسطة بشمال شرق أسبانيا مما إضطره لرفع الحصار عنها والتفرغ لإعداد الخطط وتجميع القوى فأرسل إلى إبن ردمير الذي كان يحاصر مدينة طرطوشة بمنطقة كاتالونيا شرقي أسبانيا وإلى ألبار فانيث القائد القشتالي الذي كان يحاصر مدينة بلنسية التي نقع شرقي أسبانيا أيضا علي ساحل البحر المتوسط فأتياه بجيشيهما وبعث إلى قشتالة وجليقية وليون بشمال أسبانيا فأتت من تلك البلاد حشود كبيرة وإستمر ألفونسو في الإستنفار والحشد من أرجاء قارة أوروبا وأخذت التعزيزات والنجدات تتوافد إلى قشتالة حتى إستكمل ألفونسو إستعداداته العسكرية كاملة فسار في عدة وعتاد كبيرين وخير إبن تاشفين ألفونسو بين الإسلام أو دفع الجزية أو الحرب عملا بالسنة وجاء في رسالة بعث بها يوسف إلى ألفونسو بلغنا يا أذفونش أنك دعوت إلى الإجتماع بنا وتمنيت أن تكون لك سفن تعبر بها إلينا فعبرنا نحن إليك وقد جمع الله تعالى في هذه الساحة بيننا وبينك وسترى عاقبة دعائك وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ولما وصل كتاب يوسف إلى ألفونسو لم يستجب لدعوته وقال للرسول الذي حمل الرسالة إن صاحبكم يوسف بن تاشفين قد تعنى من بلاده وخاض البحور وأنا أكفيه العناء فيما بقي ولا أكلفكم تعبا سأمضي إليكم وألقاكم في بلادكم رفقا بكم وتوفيرا عليكم وكان معتادا في مثل هذه الحالات وإستنادا لبعض الأعراف المتبعة في تلك العصور أن يحدد يوم المعركة بموافقة الطرفين وكان وصول ألفونسو أرض المعركة في شهر رجب من عام 479 هجرية الموافق لشهر أكتوبر من عام 1086م فلما أصبح يوم الخميس التالي لوصوله أرسل ألفونسو رسالةً يقترح فيها تحديد يوم الإثنين التالي اى بعد أربعة أيام ميعادا للمعركة بين الطرفين وكان المسلمون ومع إحساسهم بأن ألفونسو إنما أراد من يوم الإثنين الغدر والخديعة إلا أنهم وافقوا على إقتراحه بعد أن ضاعفوا الحراسة وأخذوا الإحتياطات اللازمة وبثوا عيونهم وطلائعهم يترصدون أي حركة للعدو وهذا ما أثبته يوسف بن تاشفين في رسالته إلى المعز بن باديس صاحب أفريقية وذلك بعدما إنتصر في الزلاقة فوقع الإتفاق بيننا وبينه على الملاقاة يوم الإثنين وقال ألفونسو الجمعة عيد المسلمين والسبت عيد اليهود وفي معسكرنا منهم خلق كثير والأحد عيدنا فإفترقنا على ذلك وأضمر اللعين خلاف ما شرطناه وعلمنا أنهم أهل خداع ونقض عهود فأخذنا أهبة الحرب لهم وجعلنا عليهم الطلائع والعيون .
وكان كل من الجيشين الإسلامي والقشتالي يعسكران كل تجاه الآخر ولا يفصلهما سوى نهر وادي بيرا وهو فرع صغير من نهر وادي يانة الممتد ما بين مدينة بطليوس ومدينة ماردة التابعة لإمارة بطليوس بغرب أسبانيا وكان الجيشان في حالة إستنفار كبير وإنتهى المسلمون من ترتيب قواتهم وجعلوا وحدات من الفرسان الثقيلة في المقدمة التي كان لها دور فعال وأساسي في سير المعركة وإمتصاص زخم هجوم ألفونسو العنيف أما جيش قشتالة المسيحي فبعد أن جاء المتطوعون من الفرسان التابعين لدول أوروبا من جنوبي فرنسا وإيطاليا وفرسان الكنائس فضلا عن فرسان أراجون وجليقية وفرسان أستورياش وبسكونية تم تجميع قوات ألفونسو السادس فوضع خطته العسكرية وقسم جيشه إلى قسم أول يقوده الكونت جارسيا والكونت زودريك وهذا القسم كلف بمهاجمة قوات مقدمة المسلمين وقسم ثان يتألف من جناحين يقودهما سانشو راميريث ملك أراجون والكونت ريموند والقلب ويقوده ألفونسو السادس بنفسه أما المقدمة فكان يقودها قائده ألبارهانس ومعظمها من جنود مملكة أراجون وكان قد تم الإتفاق بين يوسف بن تاشفين وألفونسو السادس على أن تكون المعركة في يوم الإثنين التالي لوصوله إلي ميدان المعركة كما ذكرنا في السطور السابقة ولكن ألفونسو بحسب رأي المؤرخ الألماني يوسف أشباخ كان يرى وفقًا لمبدأ ذميم أنه يحق له أن يلجأ في الحرب إلى كل خدعة وأن ينكث بالعهد المقطوع فيقاتل قبل اليوم المفروض ليفاجئ العدو وليتمكن من هزيمته ومن ثم فقد إعتزم أن يلجأ إلى مثل هذه الخدعة وأن يختار للقتال يوم الجمعة وهو يوم المسلمين وكان المسلمون قد إحتاطوا لمثل هذه الخدعة ولم يدخروا وسعا في التحوط ضد أي مفاجأة حيث أنهم إرتابوا في نيات ملك قشتالة فأكثروا من العيون حول معسكر ألفونسو وبثوا طلائع تترصد حركة جيشه وإستمر الحال على ما هو عليه حتى جاء يوم الجمعة 12 رجب عام 479 هجرية الموافق يوم 23 أكتوبر عام 1086م فإرتدت الطلائع سريعا إلى المعتمد بن عباد يخبرونه بأنهم قد سمعوا ضوضاء الجيوش وإضطراب الأسلحة متحققين من تحرك ألفونسو وقالوا إسترقنا السمع فسمعنا الأذفونش يقول لأصحابه إن إبن عباد مسعر هذه الحروب وهؤلاء الصحراويون وإن كانوا أهل حفاظ وذوى بصائر في الحرب فهم غير عارفين بهذه البلاد وإنما قادهم إبن عباد فإقصدوه وإهجموا عليه وإصبروا فإن إنكشف لكم هان عليكم أمر الصحراويين من بعده ولا أرى المعتمد إبن عباد يصبر لكم إن صدقتموه الحملة عندها بعث إبن عباد رسالة لأمير الجند يوسف بن تاشفين يخبره بتحرك ألفونسو السادس فقال له هذا الأخير إني سأقرب منه إن شاء الله وكانت تكمن قوة خطة جيش المسلمين في القوة الإحتياطية التي كان يقودها أمير المسلمين يوسف بن تاشفين إذ كانت هذه القوة تحتوى على أشجع مقاتلي المرابطين وكانت الخطة الموضوعة لها تعتمد علي نصب كمين للجيش القشتالي حيث سيتم إخفاؤها وبحيث لا تشارك في المعركة عند بدايتها علي أن تنقض على جيش ألفونسو في الوقت المناسب بناءا علي إشارة من أمير المسلمين القائد يوسف بن تاشفين بعد أن يكون التعب والإعياء قد بلغ منهم مبلغه وبذلك تضمن هذه القوة الإحتياطية التغلب على العدو بالمفاجأة وكان إتباع تكتيك الكمين في هذه المعركة يتناسب مع طبيعة أرض المعركة حيث ساعدت عليه طبيعة أرض بلاد الأندلس ووعورتها بما يتناسب مع هذا النوع من أنواع وتكتيكات القتال .
وقام ألفونسو السادس بدفع القسم الأول من جنده بقيادة الكونت جارسيا والكونت زودريك لقتال المعتمد بن عباد قائد معسكر الأندلسيين وقصد ألفونسو من هذا الهجوم المفاجئ بث الإضطراب والفزع بين المسلمين ولكنه إصطدم قبل وصوله لمعسكر الأندلسيين بقوات المرابطين التي قوامها عشرة آلاف فارس بقيادة القائد المرابطي داود بن عائشة ولم يستطع إبن عائشة أن يصمد أمام زحف جيش قشتالة وكان إعتماده على قوة كبيرة من رماة السهام والنبال وأرغمهم ذلك على الإرتداد إلى خط دفاعهم الثاني لكن خسر المرابطون خسائر بشرية كبيرة في صد هجوم الجيش القشتالي وفي هذا الوقت كانت مقدمة المعتمد بن عباد تخوض معركة غير متكافئة في العدة والعتاد ونظرا لكثافة الهجوم إرتدت المقدمة عن موقعها وفر بعض الأمراء الأندلسيون بعد أن أيقنوا بالهزيمة إلى مدينة بطليوس وإستطاع المعتمد بن عباد ومعه فرسان إشبيلية الصمود في مواقعهم بعد أن وجدوا مؤازرة من فرسان المرابطين بقيادة داود بن عائشة الذين صمدوا أمام هجوم جيش قشتالة الأول وكان ألفونسو قد أحس بالنصر القادم عندما شاهد مقاومة المعتمد بن عباد تضعف أمام هجمات جيشه المتواصلة ورأى حركة الفرار والهرب تتسع بين مسلمي الأندلس شيئا فشيئا ولكن جيش المرابطين بقيادة يوسف بن تاشفين كان يرابط خلف أكمة عالية تحجبه عن أنظار عدوه ولم يكن قد إشترك في المعركة بعد وعند ذلك قرر ألفونسو السادس مهاجمة قوات المرابطين المؤازرة للمعتمد بن عباد بقيادة داود بن عائشة وكان ضغط النصارى يزداد على إبن عائشة وفرسانه فما كان منه إلا أن أخبر أمير المسلمين يوسف بن تاشفين بحرج الموقف وما حل بهم فأمدهم هذا الأخير بكتيبة يقودها أقوى قادته الأمير سير بن أبي بكر على رأس قوة من المرابطين إستطاعت أن تنفذ إلى قلب جيش النصارى وأن تتصل بقوات المعتمد بن عباد فخف الضغط على الأندلسيين الذين أخذوا يستعيدون ثباتهم إلا أن ألفونسو السادس أخذ يواصل ضغطه على قوات داود بن عائشة ويزيد من تقدمه حتى أصبح أمام خيام المرابطين وإقتحم الخندق الذي يحميها وكان ألفونسو يدفع بجنوده في غمرة المعركة إلى الأمام حتى إستطاع أن يوقع الهزيمة بالمعتمد وجيش الأندلس وإطمأن القشتاليون إلى نهاية مرضية لهم بهزيمة جيش الأندلس والمرابطين وإنشغلوا بمواصلة تقدمهم أمام تراجع المعتمد والأندلسيين عندها قرر يوسف بن تاشفين الدخول في المعركة فرتب خطة تمثلت في مفاجأة العدو من جهة لا يتوقعونها فتقدم بقواته الإحتياطية وهاجم معسكر القشتاليين مستفيدا من هلع خيل القشتاليين من إبله التي جلبها معه من المغرب وأضرم فيه النار وأحرقه وقتل حماته من الفرسان والرجال وفر الباقون منهزمين نحو ألفونسو فأقبلت عليه خيله من معسكره فارين وإبن تاشفين في أثرهم فلما علم بما حل بمعسكره وحاميته توقف ألفونسو عن مطاردة المعتمد بن عباد وجيش الأندلس وإرتد من فوره لينقذ محلته من الهلاك وأدرك أمير المسلمين يوسف بن تاشفين بن عباد من إنسحاب ألفونسو إلى معسكره أن بوادر الهزيمة قد بدت على القشتاليين فأمر أصحابه بمهاجمتهم وحمل القائد سير بن أبي بكر بمن معه على قوات ألفونسو فزاد الضغط عليهم وبدأوا ينهزمون وفي ذلك الحين تراجع الجند الذين فروا إلى بطليوس في بداية الهجوم وشاركوا في القتال فإشتد الهجوم على ألفونسو وقواته حتى أيقنوا بالهزيمة والفناء ولما إشتد القتال على جيش ألفونسو ودام القتال لساعات أصبح ألفونسو وجيشه بين مطرقة إبن عباد وسندان إبن تاشفين وكانت الضربة القاضية التي أنهت المعركة حين أمر يوسف إبن تاشفين حرسه الخاص المكون من أربعة آلاف فارس بالنزول إلى قلب المعركة فإستطاع أحدهم الوصول لألفونسو وطعنه في فخذه طعنة نافذه بقي يعرج منها طوال حياته وكانت حينها الشمس قد قاربت على المغيب فبادر مع قليل من أصحابه وإعتصموا بتل قريب من موقع المعركة ومن ثم إنسل تحت جنح الظلام منهزما إلى جزيرة قورية وبهذا النصر إنتهت معركة الزلاقة التي لم تستمر إلا يوما واحدا وذاع خبر إنتصار المسلمين في الزلاقة في كل الأقطار الأوروبية والإسلامية وأمر الأمير يوسف بن تاشفين فكتب عنها بلاغا أرسل إلى أفريقية ليعلن في المساجد وفي كل مدن دولة المرابطين .
وبقدر ما كانت الزلاقة نصرا كبيرا للمسلمين كانت في نفس الوقت هزيمة ساحقة لمسيحيي شبه الجزيرة الأيبيرية وكانت أولى نتائج الزلاقة هي إنقاذ الأندلس من حركة الإسترداد التي رفع شعارها ألفونسو السادس وإرغام ألفونسو على رفع الحصار الذى كان مفروضا على أمهات مدن الأندلس وقد أكد المؤرخون الأسبان على أن هزيمة ألفونسو السادس كانت هزيمة مروعة وقاسية وأنه إستطاع الفرار بمنتهى الشفقة مع نفر قليل من أصحابه ولكن قواه وقواته لم تتضعضع كما يتصور بدليل أنه لم يمضِ سوى القليل حتى غدا في ظروف تسمح له بالهجوم ولكن الحظ كان ضده دائما وعلى الصعيد السياسي فقد أظهر أهل بلاد الأندلس الكثير من التيمن لأمير المسلمين يوسف بن تاشفين وأكثروا من الدعاء له على المنابر وفي المساجد وقد كانت الأندلس قبله مسلمة لإستيلاء الممالك المسيحية عليها وأخذهم الجزية من ملوكها فلما إنهزموا أمام يوسف بن تاشفين أظهر الناس إعظامه ونشأ له الود في صدورهم وبذلك ترسخت زعامة يوسف بن تاشفين على الصعيد السياسي في الأندلس والمغرب بدون منازع كما أدرك ألفونسو وجيرانه من حكام شمال أيبيريا قوة المرابطين وهو ما وصفه إبن بلقين صاحب غرناطة في قوله إن الروم أشربوا منذ تلك الوقعة خوفا وإنكماشا بعد المعركة والتي بعد أن إنتهت أقام يوسف بن تاشفين مع قواته بظاهر إشبيلية ثلاثة أيام ولكنه عاد بشكل سريع للمغرب بسبب وفاة إبنه وولي عهده أبي بكر المكلف بإدارة أمور المغرب فخاف من أن تضطرب الأوضاع في المغرب خاصة أن هناك الكثير من الأمراء الأقوياء أمثال والي سجلماسة إبراهيم بن أبي بكر بن عمر أمير المرابطين الذي إستخلفه إبن تاشفين على إمارات المغرب إضافة إلى أن خطر تحرشات إمارة بني مناد المجاورين لدولة المرابطين كان قد تزايد فحاولوا إغتنام فرصة إنشغال أمير المسلمين بالأندلس والإستعانة بقبائل بني هلال والإنقضاض على المغرب الأوسط وقام يوسف بن تاشفين بإتخاذ تدابير وإجراءات مستقبلية لدعم الأندلس والإطمئنان على مستقبله وكان أول ما قام به هو دعوة أهل الأندلس وأمرائه إلى الوحدة ورص الصفوف وتوحيد الجهود ونبذ خلافاتهم التي آلت بالأندلس وأهله لما كان قبل معركة الزلاقة ويقول إبن بلقين صاحب غرناطة ولما إنقضت غزوته تلك جمعنا في مجلسه أعني رؤساء الأندلس وأمرنا بالإتفاق والإئتلاف وأن تكون الكلمة واحدة وأن النصارى لم تفترسنا إلا للذي كان من تشتتنا وإستعانة البعض بهم على البعض فأجابه الكل أن وصيته مقبولة ثم ترك ثلاثة آلاف مقاتل من المرابطين دعما للمعتمد بن عباد يعملون تحت إمرته وتوجيهه برئاسة القائد المرابطي أبي عبد الله بن الحاج وقد ساهمت هذه القوة في الحفاظ على روح النصر عند أهل بلاد الأندلس ثم ولى يوسف بن تاشفين قيادة جيش المرابطين في الأندلس للقائد سير بن أبي بكر الذي زحف مع أمير بطليوس المتوكل بن الأفطس إلى أواسط البرتغال مما يلي نهر تاجة الذى يمر بكل من أسبانيا والبرتغال ويعد أطول الأنهار في شبه الجزيرة الأيبيرية أما أمير إشبيلية المعتمد بن عباد فزحف بجيشه ومعه قوة من جيش المرابطين نحو طليطلة بوسط أسبانيا وإستطاع فتح عدة حصون منها حصن أقليش بمنطقة قشتالة بوسط أسبانيا أيضا ولكنه تهور عندما توغل في أرض مرسية بجنوب شرق أسبانيا فتراجع أمام فرسان القائد القشتالي الشهير والمعروف بمهاراته العسكرية الكمبيادور رودريجو دياث أما إبن تاشفين فقد وصل البحر وعبر مضيق جبل طارق عائدا إلى بلاد المغرب .
وللأسف الشديد ما إن أَمن أهل بلاد الأندلس وأمراؤها حتى عادوا إلى ما كانوا عليه من فرقة وإنقسام وتناحر وإنصراف لمجالس اللهو واللعب وعاد القشتاليون للإغارة على الإمارات الإسلامية ببلاد الأندلس ثم العودة للتحصن في حصن لييط والذى كان يمثل قاعدة تتوسط هذه الإمارات وإطمأن ألفونسو بعد أن علم أن الأمير يوسف بن تاشفين قد عاد إلى بلاد المغرب وأخذ يطلب العون والمساعدة والمدد من الممالك والإمارات المسيحية في قارة أوروبا لتعويض خسائره الكبيرة بعد معركة الزلاقة فوصلته من إمارتي بيزا وجنوة الإيطاليتين إمدادات ضخمة في نحو أربعمائة سفينة فحاصر بلنسية التي تقع علي ساحل البحر المتوسط شرقي أسبانيا وهاجم السواحل الأندلسية ووجه ألفونسو هجماته على أمير إشبيلية المعتمد بن عباد وأصبح لموقع حصن لييط أهمية كبرى في هذه المرحلة للقشتاليين فزادوا في بنيانه وتحصينه ليكون قاعدة متقدمة لهم في أرض المسلمين وشحن بالذخائر والمقاتلين حتى أصبح عدد قوات الحصن ثلاثة عشر ألف مقاتل بين فارس وراجل والذين شنوا غاراتهم على سرقسطة وجاراتها وتمادوا إلى مدن بلنسية ودانية وشاطبة ومرسية بشمال شرق وشرق أسبانيا وتمكنوا من الإستيلاء علي عدد من الحصون فأخذت الوفود الأندلسية بالتوجه تباعا نحو العاصمة المرابطية مراكش لطلب العون والمساعدة مرة أخرى من أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ومناشدته من أجل صد العدوان والإستيلاء علي حصن لييط وقد إستجاب يوسف بن تاشفين لهذه المناشدة وقرر العبور إلى بلاد الأندلس العبور الثاني وأخذ يعد العدة والعتاد من الجيوش وآلات الحصار وإجتاز البحر مرة أخرى في عام 481 هجرية الموافق عام 1088م فلما وصل الجزيرة الخضراء أعدها مرة أخرى لكي تكون نقطة إمداد وإتصال وأرسل إلي ملوك الطوائف يطلب منهم الإستعداد للجهاد فوصلته كتائب إبن عباد من إشبيلية ثم تحرك الجيش وبدأ حصار حصن لييط وإستخدمت المجانيق والعرادات ولكن الحصن أظهر منعة ضد الهجمات ولما طال الحصار تخاصم ملوك الطوائف فيما بينهم وشكا المعتمد إبن عباد من عبد الرحمن بن رشيق صاحب مرسية وإتهمه بأنه يتعاون سرا مع ملوك قشتالة المسيحيين فعضب قواده وإنسحبوا إلي مرسية وقطعوا مددها عن القوات المحاصرة لحصن لييط وكانت هي أقرب المدن للحصن وكنتيجة للنقص الشديد في الإمدادات الذى ترتب علي ذلك إنسحب المرابطون نحو مدينة لورقة بجنوب شرق أسبانيا بمنطقة مرسية بعد حصار لحصن لييط دام أربعة أشهر وما إن علم ألفونسو السادس بإنسحاب المرابطين حتى تسلل مسرعا للحصن وإكتشف كثرة القتلى في صفوف المدافعين عنه حيث لم يبق منهم سوى عدد 100 فارس وعدد 1000 راجل فقط فأخلى حاميته التي كانت تغير على المدن والإمارات الإسلامية ثم أحرقه وعاد مسرعا إلى مدينة طليطلة فإستولى المعتمد بن عباد على الحصن وبذلك تخلص أهل بلاد الأندلس من خطر وغارات هذا الحصن وقرر الأمير يوسف بن تاشفين العودة إلى بلاد المغرب بعد أن أردف أربعة آلاف مقاتل من المرابطين إلى بلنسية .
وبعد مرور عامين وفي عام 483 هجرية الموافق عام 1090م عبر يوسف بن تاشفين بجيشه البحر للمرة الثالثة متجها نحو الأندلس وكان عبوره هذه المرة دون طلب إستغاثة أو نجدة كما حدث في المرتين السابقتين وكان الهدف من هذا العبور إنهاء سلطة ملوك الطوائف الذين كانوا يتناحرون ويتنازعون فيما بينهم ويقاتل بعضهم بعضا والأدهي من ذلك أنهم كانوا يستعينون بالنصارى ضد بعضهم البعض وكانوا يؤدون الجزية لبعضهم في سبيل إحتفاظهم بملكهم وسار إبن تاشفين في البداية نحو طليطلة مجتاحا أراضي قشتالة وكان يرغب في إستعادة هذه المدينة فضرب الحصار حولها وكان فيها الملك ألفونسو السادس ملك قشتالة ولكنه تراجع أمام أسوارها المنيعة وإرتد نحو الجنوب وقد حدث كل ذلك ولم يتقدم أحد من الأندلسيين لمساعدته ضد عدوهم المشترك ألفونسو السادس وإتجه يوسف بن تاشفين نحو غرناطة وكان بها الأمير عبد الله بن بلقين الذي عمد بعد حصار لييط إلى تشييد الحصون والإستعداد لحصار طويل الأجل إستعدادا لمقاومة المرابطين وقسم الأمير يوسف بن تاشفين جيشه إلى فرق أرسل أحدها إلى غرناطة للإستيلاء عليها وضربت بقية الفرق شبه حصار على المناطق المحيطة بها لمراقبة الحصون من تغلغل قوات النصارى إليها لمساعدة حليفهم وبعد حصار دام شهرين أرسل صاحبها عبد الله بن بلقين يطلب الأمان من الأمير يوسف بن تاشفين فأمنه وإستلم منه غرناطة فملكها وبعث بعبد الله وأخيه تميم بن بلقين أمير ملقة إلى العاصمة المرابطية مراكش مع حريمهما وأولادهما فأقاما بها وأجرى عليهما الإنفاق ولما خلع إبن تاشفين بني باديس وملك غرناطة وملقة خاف المعتمد بن عباد على ملكه ولما عاد إبن تاشفين إلى عاصمته مراكش ولى على الأندلس القائد سير بن أبي بكر فسار نحو مدينة إشبيلية فراسل إبن عباد على أن يسلم إليه البلاد ويدخل في طاعة يوسف إبن تاشفين فإمتنع إبن عباد ففرض سير الحصار على مدينة إشبيلية وبعث بعض قواده إلى مدينة قرطبة وكان أميرها المأمون بن المعتمد بن عباد فوقع بين الطرفين معركة إنتهت بمقتل المأمون وفتح قرطبة وكان ذلك عام 484 هجرية الموافق عام 1091م ثم فتح المرابطون بياسة وأبدة وحصن البلاط وحصن المدور وكلها تقع في نطاق إمارة قرطبة ولم ينقض شهر حتى لم يبق للمعتمد بن عباد ما يملكه من أرض سوى إشبيلية ولما إشتد الحصار على إبن عباد بعث إلى ألفونسو يطلب منه العون لقتال المرابطين فبعث إليه قائده القومس في جيش من عشرين ألف فارس وأربعين ألف راجل وإلتقى الجيشان قرب حصن المدور وكان النصر فيها حليفا لجيش المرابطين فرجع سير وشدد الحصار على إشبيلية حتى دخلها عنوة في نفس العام 484 هجرية الموافق عام 1091م وقبض على المعتمد وأهله وحملوا إلى أن وصلوا لإبن تاشفين في مراكش والذي أمر بنفيه إلى أغمات فسجن بها وإستمر سجنه إلى أن مات عام 488 هجرية الموافق عام 1095م ثم ملك المرابطون بعد ذلك ما بقي من بلاد الأندلس ولم يبق لملوك الطوائف ذكر بها وأصبحت الأندلس تحت سلطة المرابطين وإنتهى بذلك عصر ملوك الطوائف في بلاد الأندلس . وبعد مرور حوالي عام إضطربت الأحوال شرق الأندلس بعد أن تجددت رغبة النصارى في الإستيلاء عليها فهاجموا مناطق غرسية وألمرية ومرسية وشاطبة بشرق الأندلس وهنا قرر إبن تاشفين مواجهة الأمر بتعيين إبنه محمد واليا على شرق الأندلس فسار محمد نحو مرسية وإلتقى بالنصارى في معركة إنتهت بنصر المرابطين ثم إتجه محمد إلى مدينة وبرة وإستولى عليها وواصل مسيره إلى دانية وكان يحكمها إبن مجاهد العامري الذي فر منها ولجأ إلى مملكة بجاية فدخلها محمد ثم إستولى على شاطبة بعد أن فر منها أميرها إبن منقذ وكان ذلك في عام 485 هجرية الموافق عام 1092م وبعد حملة إبن تاشفين على حصن لييط إحتدم الخلاف بين ألفونسو السادس والكمبيادور لتخلف الأخير عن مساعدة الأول فإنعكس ذلك على مدينة بلنسية التي كانت مسرحا لصراع الإثنين وإستغل قاضي المدينة جعفر المعافري الوضع القائم وإتصل بالمرابطين وإجتمع بمحمد بن عائشة وطلب منه إرسال المعونة إلى بلنسية فأوفد إبن عائشة كتيبة من الفرسان عدد أفرادها أربعين فارسا وفتح أهل بلنسية أبواب المدينة للمرابطين وإستطاعوا إخضاع المدينة بالتعاون مع أهلها وفي عام 486 هجرية الموافق عام 1093م هَجم الكمبيادور على مدينة بلنسية وفرض عليها حصارا طويلا طلب بعدها سكان المدينة الصلح وقَبل الكمبيادور الصلح بشروط أهمها خروج المرابطين من المدينة وفي عام 487 هجرية الموافق عام 1094م سقطت بلنسية بيد الكمبيادور فأجلى المسلمين عنها وأحل محلهم النصارى وكرد فعل علي ذلك سير إبن تاشفين جيشا بقيادة إبنه محمد بن عائشة لإستعادة مدينة بلنسية وإنضمت إليه قوات أندلسية وحاصر جيش المرابطين المدينة عشرة أيام قاوم فيها الكمبيادور الحصار وإستطاع أن يهزم المرابطين ويبعدهم عن الأسوار وقد إستمر الحصار قائما حتى وفاة الكمبيادور عام 492 هجرية الموافق عام 1099م وحاولت زوجته شيمين متابعة الصمود في المدينة وطلبت النجدة من ألفونسو الذي جاء لنجدتهم وأقام في المدينة شهرا وفي هذه الأثناء جهز إبن تاشفين جيشا مرابطيا بقيادة مزدلي بن تيلكان ونزل بلنسية وإلتقى الجيشان ودارت بينهما معركة إنسحب منها ألفونسو بعد أن قام بحرق المدينة ودخل مزدلي بلنسية في شهر رمضان عام 495 هجرية الموافق عام 1102م وإستمر مزدلي في التقدم شرقا نحو الحصون القريبة من بلنسية وإستولى على مربيطر والمنارة والسهل بشرق أسبانيا ثم سقطت البونت في يديه عام 496 هجرية الموافق عام 1103م وتقدم شمالا حتى دخل شنتمرية بشرق أسبانيا أيضا وخلع حاكمها إبن رزين وقد أدى توسع المرابطين شمالا إلى مهاجمة برشلونة بشمال شرق أسبانيا فغزاها مزدلي ولكنه سرعان ماعاد إلى بلنسية ومن جانب آخر كان ألفونسو قد هاجم ثغور المرابطين في الأندلس وإحتل قلعة أيوب فأمر إبن تاشفين بتجهيز جيش بقيادة إبن الحاج وإلتقى المرابطون بجيش ألفونسو في عام 492 هجرية الموافق عام 1099م ودارت معركة بينهما إنتهت بنصر المرابطين ولجأ ألفونسو إلى مدينة طليطلة فحاصرها المرابطون سبعة أيام ثم إنصرفوا ثم أرسل إبن تاشفين جيشا إلى كنكة بقيادة محمد بن عائشة فهزم البرهانس وحلفاءه الأراجونيين ثم سار إلى جزيرة شقر وفتحها بمساعدة الأسطول المرابطي وقام إبن تاشفين بضم كل البلاد والنواحي التي كانت زمن الدولة الأموية في بلاد الأندلس ولم يبق خارج سلطته إلا إمارة سرقسطة التي كان يحكمها المستعين أحمد بن هود والذى كانت تربطه علاقات ودية وطيبة مع أمير المسلمين إبن تاشفين وعندما بسط المرابطون سيادتهم على شرق بلاد الأندلس إقتربوا من حدود إمارة سرقسطة فأرسل إبن هود رسالة إلى إبن تاشفين نحن بينكم وبين العدو سد لا يصل إليكم ضرر وقد قنعنا بمسالمتكم فإقتعوا منا بها إلى ما نعينكم به من نفيس الذخر وإستقبل الأمير يوسف بن تاشفين الرسالة بالترحاب وإستجاب لما طلبه منه إبن هود وزاد ذلك من توطيد العلاقات بين الأميرين المسلمين وأهدى المستعين أحمد بن هود إلى الأمير يوسف بن تاشفين آنية ثمينة من الفضة توثيقا للعلاقات الطيبة القائمة بينهما .
وبعيدا عن الحروب والصراعات التي خاضتها دولة المرابطين سواء في بلاد المغرب أو في بلاد الأندلس تعالوا بنا نلقي نظرة علي علاقات دولة المرابطين بدول الجوار حيث أنه لما قامت الدولة المرابطية كان هناك خلافتان تسيطران على العالم الإسلامي وهما خلافة سنية عباسية وخلافة شيعية فاطمية ولم يفكر المرابطون في الإعتراف بالدولة الفاطمية بسبب الخلاف المستحكم بين السنة والشيعة حيث كان المرابطون يعتنقون المذهب السني المالكي بينما كان الفاطميون يعتنقون المذهب الشيعي الإسماعيلي الإثني عشرى ولذا لم تقم بين الدولتين علاقات طيبة وإعتبر المرابطون أن محاربة الشيعة في مدينة تارودانت جهادا في سبيل الله وبالإضافة للعامل المذهبي كان هناك العامل السياسي الذي كان يباعد بينهما فقد كانت الخلافة الفاطمية وهي في مصر قريبة من المرابطين ومن ثم فقد كانت تتدخل في شؤون المرابطين الداخلية مما زاد العلاقات بين الدولتين سوءا حتى أنهم عدلوا عن طريق مصر في الذهاب إلى الحجاز لأداء فريضة الحج بالرغم من المحاولات التي بذلها الوزير الفاطمي بدر الجمالي لإستمالتهم وسلكوا طريقا آخر يمتد عبر الصحراء إلى أعالي السودان حيث لا سيادة للفاطميين هناك أما بالنسبة لعلاقات المرابطين مع الدولة العباسية فقد كان المرابطون ينظرون إلى الخلافة العباسية السنية نظرة أسمى من الخلافة الفاطمية لأنها أقرب إلى مذهبهم ولبعدها عنهم ومن ثم فكانوا لا يخشونها خاصة بعد أن تطرق إليها الفساد ودب فيها الوهن والضعف فأصبحت لا تشكل أدنى خطر عليهم لذلك إعترفوا بها ونقشوا إسم الخليفة العباسي على نقودهم في منتصف القرن الخامس الهجري الموافق لمنتصف القرن الحادى عشر الميلادى وبعد أن بسط إبن تاشفين سيادته على الأندلس طلب منه الفقهاء أن تكون ولايته من الخليفة العباسي لتجب طاعته على الكافة فقرر الإتصال بالخليفة العباسي أبو العباس أحمد المستظهر بالله وأرسل إليه بعثة ضمت عددا من أمرائه وفقهائه وزودهم بهدية ثمينة وبكتاب يذكر فيه ما فتح الله على يده من البلاد في بلاد المغرب والأندلس ويطلب تقليدا بولاية البلاد التي بسط نفوذه عليها وقد أدت البعثة مهمتها بنجاح فتلطفت في القول وأحسنت البلاغ وعادت إلى المغرب بتقليد الخليفة وعهده للأمير يوسف بن تاشفين . ومن جانب آخر وبخلاف علاقة دولة المرابطين بالدولتين الفاطمية والعباسية كانت فتوحات يوسف بن تاشفين في المغرب قد توقفت من جهة الشرق عند حدود بجاية حيث بنو حماد الصنهاجيين ورغم القرابة التي تربطهم به فلم يكونوا مرحبين بفتوحاته وأخذوا يتحينون الفرص للوثوب على أطراف مملكة دولة المرابطين وقد جاءت لهم الفرصة عندما عبر إبن تاشفين الأندلس عام 479 هجرية الموافق عام 1086م فتحالفوا مع عرب بني هلال الذين كانوا يسكنون بجوار بلادهم بالشمال الأفريقي وغزوا المغرب الأوسط وعادوا إلى بلادهم محملين بالغنائم وسكت يوسف بن تاشفين عن الإنتقام منهم وصالحهم مراعيا صلات القرابة معهم وأيضا لأنهم يشكلون حدا مانعا بينه وبين عرب بني هلال وكانوا لا يشكلون خطرا عليه كالهلاليين وفي عام 481 هجرية الموافق عام 1088م كانت وفاة الناصر بن علناس الحمادي أمير بجاية فبعث إبن تاشفين بكتاب تعزية إلى ولده وخليفته المنصور وقد دلت هذه الرسالة على نيات يوسف بن تاشفين السليمة تجاه بني حماد وقد إستمرت حالة السلم بين الطرفين أكثر من عشر سنوات حتى نشب الخلاف عندما هاجم أحد قادة جيش المرابطين وهو والي تلمسان تاشفين بن تنيغمر بدون إذن الأمير يوسف بن تاشفين بني حماد ولكنه فشل وتراجع أمام المنصور الذي هاجم تلمسان ولم يتوقف إلا بعد أن طلب منه إبن تاشفين السلم وقام بعزل والي تلمسان الذى أشعل الموقف بين الطرفين وعين مكانه الأمير مزدلي بن تيلكان وبعد أن ضم إبن تاشفين بلاد الأندلس أضحت مملكة بجاية ملاذا للفارين من الأندلس ومع ذلك لم يقم إبن تاشفين بأي تحرك تجاه بني حماد وبقي الأمر كذلك حتى وفاته .
|