بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
وإذا ما إنتقلنا إلي علاقات دولة المرابطين مع ملوك الطوائف ببلاد الأندلس فنجدها قد مرت بمراحل مختلفة حيث في البداية نجدها قد إتسمت بالحذر المشوب بالخوف ثم جاءت مرحلة التحالف ثم تلتها مرحلة العداوة التي أدت لضم بلاد الأندلس إلى دولة المرابطين فبعد أن أطلت دولة المرابطين على البحر المتوسط خشي حكام الأندلس من عبور إبن تاشفين إليهم وكرهوا أن يكونوا بين عدوين الأسبان من الشمال والمرابطين من الجنوب فسارع أمراء الطوائف إلى عقد مؤتمر للتشاور في أمر الخطر القادم من الجنوب وإستقر الرأي على أن يكتبوا لإبن تاشفين يسألونه عن الإعراض عنهم وأنهم تحت طاعته وأرسلوا إليه كتابا نصه أما بعد فإنك إن أعرضت عنا نسبت إلى الكرم ولم تنسب إلى عجز وإن أجبنا داعيك نسبتنا إلى العقل ولم تنسب إلى وهن وقد إخترنا لأنفسنا أجمل نسبتينا فإختر لنفسك أكرم نسبتيك فإنك بالمحل الذي لا يحب أن نسبق فيه إلى مكرمة وإن إستبقاءك ذوي البيوت ما شئت من دوام لأمرك وثبوت والسلام وبعد أن تشاور إبن تاشفين مع قادته ومستشاريه رأى آنذاك أن يسالم أهل الأندلس ورد إليهم بكتاب قال فيه من يوسف بن تاشفين سلام عليكم ورحمة الله وبركاته تحية من سالمكم وسلم عليكم وحكمه التأييد والنصر فيما حكم عليكم وإنكم مما في أيديكم من الملك في أوسع إباحة مخصوصين منا بأكرم إيثار وسماحة فإستديموا وفائنا بوفائكم وإستصلحوا إخاءنا بإصلاح إخائكم والله ولي التوفيق لنا ولكم والسلام وبعد ذلك بدأت مرحلة التحالف بين المرابطين وملوك الطوائف وذلك بعد إستيلاء الملك القشتالي ألفونسو السادس على طليطلة وتهديده للأندلس فسارع حكامها بالإتصال بالأمير يوسف وكان إتصالهم هذه المرة لطلب النجدة وليس للمسالمة فقد فوض مؤتمر قرطبة الشعبي قاضي المدينة إبن أدهم بإستدعاء أمير المسلمين يوسف بن تاشفين لإنقاذهم ونجدتهم وعندما إشتد الضغط على المتوكل بن الأفطس أمير بطليوس إتصل بيوسف يطلب النجدة وكذلك فعل المعتمد بن عباد وإنتهى الأمر بإستجابة إبن تاشفين لداعي الأندلس وبعد معركة حصار لييط عام 481 هجرية الموافق عام 1088م تغيرت الحالة بين يوسف بن تاشفين وملوك الطوائف وإنتقلت من التحالف إلى العداوة بعد أن رأى تخاذلهم وخيانتهم وإتصالهم بالعدو القشتالي المسيحي ضد المرابطين وأدت المعارك بين الفريقين إلى إسقاط مملكة المعتمد بن عباد في إشبيلية وقرطبة وأسره وسجنه في بلاد المغرب وكذلك الحال مع حكام غرناطة وملقة أما المتوكل بن الأفطس أمير بطليوس فقد أُعدم مع إبنيه.
وإذا ما إنتقلنا إلي سياسات دولة المرابطين في إدارة الدولة فسنجد أنه قد سيطر الطابع القبلي على الدولة من الناحية الإدارية فقد كان مؤسس الدولة يوسف بن تاشفين يعين الولاة على الأقاليم من قبيلته لمتونة بشكل خاص وصنهاجة بشكل عام فبعد أن أتم فتح المغرب قسمه على بنيه وأمراء قومه فولى سير بن أبي بكر على مكناس وبلاد مكلالة وبلاد فازاز وولى عمر بن سليمان المسوفي على مدينة فاس وولى داود بن عائشة على سجلماسة ودرعة وولى تميم بن يوسف على مدينة أغمات ومراكش وبلاد السوس وسائر بلاد الصامدة وتادلة وتامسنا وعندما عزم إبن تاشفين على ضم الأندلس أسند إلى القائد سير بن أبي بكر تلك المهمة وعينه حاكما على بلاد الأندلس وأوصاه بأن يعين على كل بلد يفتحه حاكما من لمتونة ثم عينه بعد ذلك على بطليوس ونواحيها وعين القائد مزدلي بن تيلكان وهو إبن عم يوسف على مدينة بلنسية بعد إستعادتها من النصارى ثم نقله وعينه على تلمسان بعد عزل تاشفين بن تنيغمر وعين على بلنسية إبن فاطمة وعلى سبتة الأمير يحيى بن أبي بكر وعين علي الحاج على غرناطة وكان هؤلاء الولاة يخضعون مباشرة لنائب الأمير وقد منح إبن تاشفين سلطات واسعة لهم منها حق التصرف في عزل وتعيين من دونهم من الولاة المحليين ومن يليهم من رجال السلطة وكذلك القيام بتحركات عسكرية داخل مناطق نفوذهم وكان إبن تاشفين يراقب ولاته مراقبة شديدة ويقوم بتبديلهم وعزلهم إذا أساؤوا التصرف وكان يخطر أهل الولاية بتعيين الوالي الجديد كما كان كثير الطواف في مملكته للإشراف على تنفيذ أوامره وتعليماته ومن جانب آخر كان لمنصب القاضي أهمية كبيرة في عهد يوسف بن تاشفين وخلفائه وكان يعينهم من كبار العلماء دون الإستناد على العصبية القبلية كما كان في تعيين الولاة حتى إن أكثر القضاة كانوا من غير قبيلة صنهاجة ومنح يوسف القضاة رتبة عالية في الدولة حتى كثرت أموالهم وإتسعت مكاسبهم وكانوا يستمدون نفوذهم من سلطة الدولة نفسها وكانوا يحكمون وفق المذهب المالكي ثم يقوم بتنفيذ الأحكام الولاة والحكام المحليون وقد شارك القضاة في معارك إبن تاشفين في الأندلس وإستشهد بعضهم في معركة الزلاقة ومنهم القاضي عبد الملك المصمودي قاضي مراكش .
ولم يتخذ يوسف بن تاشفين مجلس وزراء ولا وزراء بالمعنى المتعارف عليه ولم يمنح لقب وزير لأي شخص بل كان عنده هيئة إستشارية تشترك فيها طائفة من الفقهاء والأعيان والكتاب يلازمونه في قصره وفي تنقلاته ويبدون آراءهم في المشاكل المطروحة للبحث وتبقى الكلمة الفصل له كما أنه إتخذ كتابا يشرفون على ديوان الرسائل أو الإنشاء الذى قام بتأسيسه وفي الأمور المهمة كان يجمع زعماء المرابطين وأبناء عمومته من قببيلة لمتونة للتداول وإتخاذ الآراء ولم يتخذ حجابا لأن دولته إتسمت بالبساطة وكان ديوان الرسائل أو الإنشاء مسؤولا عن تحرير الرسائل وتولاه رجال من أشهر الأدباء في الحقبة الأندلسية كان أكثرهم من الذين يرزوا في ظل ملوك الطوائف إذ أن الحياة الأدبية بلغت أوجها في عهدهم وكان ما دفع يوسف بن تاشفين لإستقطاب الأندلسيين هو أن بلاد المغرب لم تكن قد أنجبت أدباء في تلك المرحلة بحيث يمكن الإستغناء عن الأندلسيين وكان يرأس الأدباء موظف كبير يسمى الكاتب ومن جانب آخر كانت إستعانة الأمير يوسف بن تاشفين بهؤلاء الأدباء هدفها توثيق العلاقات بين بلاد الأندلس وبلاد المغرب وبعد وفاة الكاتب إبن أسبط عام 487 هجرية الموافق عام 1093م حفل بلاط إبن تاشفين بطائفة من الكتاب رفعت من شأن الدولة المرابطية وقد شجعهم على ذلك أن سياسة إبن تاشفين الثقافية كانت بعيدة عن القبلية فأراد أن يشعر شخصيات الأندلس الأدبية بأنهم أهل البلاد وكان من أشهر الكتاب الأندلسيين الكاتب أبو بكر محمد بن سليمان القلاعي الإشبيلي المعروف بإبن القصير وبعد وفاة إبن أسبط إستدعاه يوسف بن تاشفين للرد على رسالة وردته من مصر كما كان أيضا من الكتاب العاملين في ديوان الإنشاء الفقيه أبو القاسم بن الجد والكاتب أبو عبد الله اللوشي ومن ناحية السياسة المالية لدولة المرابطين فقد أنشأ يوسف إبن تاشفين دورا لصك النقود في مراكش عام 464 هجرية الموافق عام 1072م وضرب فيها دراهم زنة الواحد درهم وربع من عشرين درهما للأوقية وهو المسمى الدرهم الجوهري كما ضرب الدينار الذهبي بإسمه عام 473 هجرية الموافق عام 1081م وكتب عليه في الوجه لا إله إلا الله محمد رسول الله ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين أمير المسلمين يوسف بن تاشفين وكتب على الظهر الإمام عبد الله أمير المؤمنين ضرب هذا الدينار بمراكش سنة ثلاثة وسبعين وأربعمائة وكانت الدنانير المرابطية تأتي في المرتبة الرابعة بين مثيلاتها بالنسبة للدنانير الفاطمية وكانت تنقص في الصب 15% بالإضافة إلى رسم الصكة وأجرة الضرابين 5% فيكون الباقي 80% من كل مائة مثقال وقيمة كل مثقال 32 درهما وقام الأمير يوسف بن تاشفين بإلغاء جميع الضرائب الغير مشروعة في مملكته والتي كان قد فرضها الزناتيون في المغرب وملوك الطوائف في الأندلس وكذلك المكوس والرسوم والضرائب في جبل طارق ولم يفرض في دولته طيلة حياته رسم أو معونة خراج لا في حاضرة ولا بادية وإتبع نظاما ماليا يقوم على قواعد الإسلام فلم يفرض إلا ما أوجبه حكم الكتاب والسنة من الزكاة والعشر والجزية وأخماس الغنائم .
وإذا ما إنتقلنا إلي المجال العسكرى فقد بدأ إبن تاشفين تنظيم الجيش المرابطي أيام نيابته على المغرب وعندما تنازل له إبن عمه الأمير أبو بكر بن عمر عن الحكم زاد إهتمامه به وقد بلغ تعداد جيش المرابطين عند فتح فاس مائة ألف مقاتل وقسم إبن تاشفين الجيش إلى فرقتين كبيرتين من الفرسان والمشاة ثم أنشأ فرقا من الرماة والأغزاز والسهام والنشاب ثم وسع دائرة التجنيد بإشراك القبائل المغربية المهزومة من زناتة ومصمودة وغمارة في الجيش وأطلق عليهم إسم الحشم وأصبح جيش المرابطين يتكون من قبائل وطوائف مختلفة وبعد فتح الأندلس أشرك يوسف بن تاشفين في الجيش إلى جانب المغاربة الأفارقة عرب بني هلال بالإضافة إلى الأندلسيين الذين شكلوا فرقة خاصة بهم غداة معركة الزلاقة وبعد ضم الأندلس جندهم وأمرهم بالإقامة في الثغور ومن جانب آخر فقد شكل إبن تاشفين حرسه الخاص من عبيد غانا حيث إشترى منهم حوالي ألفين وأطلق عليهم إسم العلوج هذا بالإضافة للصقالبة فقد كان عنده منهم حوالي مائتين وخمسين وسماهم الداخليين وهم من النصارى المعاهدين الذين إعتنقوا الإسلام وكانت قوى الحرس الخاص تشكل من أشجع الجنود وقد وضع إبن تاشفين شروطا خاصة لقبولهم كما درب فرقا من الفدائيين الزنوج كانوا يكلفون بالمهمات الصعبة وخاصة في نهاية المعارك لإنتزاع النصر كما عمد يوسف بن تاشفين لإصلاح نظام تسليح الجيش وطريقة إعداده وقتاله ففي البدايات كانت تستخدم الأسلحة اليدوية والجمال وهي تصلح لحروب الصحراء أما حروب المدن والحصون فتتطلب نوعيات من الأسلحة تتلاءم مع الوضع الجديد ومن ثم فقد سلح الجيش بأنواع الأسلحة المغربية والأندلسية والنصرانية وكان له الفضل في تنظيم قيادة جيشه فأثناء المعارك كان يرتب الجيش وفق نظام خماسي يشمل المقدمة وفيها جنود المشاة ووحدة الفرسان الخفيفة والجناحان الميمنة والميسرة وفيهما حملة العصي والنبال وكان أكثرهم من أهل الثغور والقلب وكان يتمركز فيه الفرسان المرابطون المزودون بالأسلحة الثقيلة والخفيفة وأخيرا تأتي المؤخرة وكان يقودها الأمير يوسف بنفسه وكانت تتألف من صفوة الجنود والحرس وبالإضافة إلي الجيش البرى ومع أن المرابطين كانوا بدو صحراويين ومن ثم كانوا يجهلون ركوب البحر لكن الحاجة فرضت عليهم الإهتمام بشؤونه لدى بلوغهم سواحل البحر المتوسط لحمايتها من الغزو الإفرنجي وقد بدأ إهتمام إبن تاشفين بالأسطول منذ ذلك الوقت والذى كان يتألف من سفن النقل أكثر من سفن الحرب وقد خاض الأسطول المرابطي أولى معاركه في سبتة عام 476 هجرية الموافق عام 1083م ضد معز الدولة بن سكوت البرغواطي وقد دفعت هذه المعركة الأمير يوسف بن تاشفين إلى زيادة الإهتمام به وبعد ذلك إستخدم إبن تاشفين الأسطول في عملية نقل الجنود للعبور إلي بلاد الأندلس غداة معركة الزلاقة وبعد أن ضم إبن تاشفين الأندلس لمملكته إستعان بخبرة الأندلسيين في هذا المضمار وكذلك بدور صناعتها وإستفاد من الطاقات البشرية والمادية في الشؤون البحرية مما أدى إلى بناء قوة بحرية ساهمت مساهمة فاعلة في تحرير شرق الأندلس من النصارى حيث إشترك الأسطول المرابطي في معارك بلنسية وجزيرة شقر بشرق بلاد الأندلس كما خاض أيضا معركة إستعادة جزر البليار والتي تقع بالبحر المتوسط شرقي الساحل الأسباني والني تشمل عدد 4 جزر كبيرة تتناثر حولها عشرات الجزر الصغيرة وعاصمتها هي جزيرة ميورقة أكبر هذه الجزر .
وبلا شك كان من أهم أعمال الأمير يوسف بن تاشفين تأسيسه لمدينة مراكش فبعد أن أقام إبن تاشفين مملكته في المغرب وإزداد نفوذه أراد أن يبني لمملكته عاصمة جديدة فإشترى مكانا من عجوز مصمودية عام 454هجرية الموافق عام 1062م يقع على بعد ستة كيلو مترات إلى الشمال من وادي تانسيفت بشمال غرب المغرب وإلى شرقه يجري فرع من وادي أسيل ويحده من الشمال مملكة سلا التي تقع غربي المغرب وجنوبا جبل درن وغربا المحيط الأطلسي وشرقا مناطق سجلماسة وفاس جنوبي جبال الأطلس الكبير وكان هذا المكان مكمنا للصوص يغيرون فيه على القوافل العابرة فكان المارة العابرون إذا إنتبهوا إلى ذلك المكان قالوا لبعضهم مركش أي إمش مسرعا بلهجة البربر ومنه إشتق إسم مراكش ونزل إبن تاشفين هذا المكان وشرع في بناء المسجد وكانت هذه هي الطريقة المتبعة عند تأسيس المدن الإسلامية ثم بنى قصبة أو قلعة صغيرة لحفظ أمواله وسلاحه وهو المكان أو الموضع المعروف الآن بإسم سور الحجر والذى يقع قرب جامع الكتبيين والذى يعرف بإسم السجينة وفي البداية أصبحت المدينة الناشئة مراكش شبيهة بالمعسكرات التي أنشأها العرب في البلاد المفتوحة والتي تحولت فيما بعد إلى حواضر مدنية ولم يشيد إبن تاشفين لعاصمته الجديدة سورا لأن قوة الدولة كانت تحمي المدينة وبقيت كذلك بلا سور حتى أقامه الأمير علي بن يوسف عام 527 هجرية الموافق عام 1133م وكانت مراكش خالية من المياه إذ كان لا يوجد بها لا عيون ولا ينابيع فإضطر يوسف بن تاشفين لجلب المياه إليها من مدينة أغمات عاصمته القديمة وأمر بحفر الآبار في عاصمته الجديدة وفي أوائل القرن الثامن الهجري الموافق للقرن الرابع عشر الميلادي زار الرحالة إبن بطوطة مدينة مراكش وقال عنها إنها من أجمل المدن وإنها فسيحة الأرجاء متسعة الأقطار كثيرة الخيرات بها المساجد الضخمة كمسجدها الأعظم المعروف بمسجد الكتبيين وبه الصومعة العجيبة ومما يذكر أن هذا المسجد قد بناه الخليفة الموحدى الأول عبد المؤمن بن علي الكومي عام 1147م والذى يعد من أهم وأشهر معالم مدينة مراكش بصفة خاصة وبلاد المغرب بصفة عامة .
وفي أواخر عام 498 هجرية الموافق عام 1104م مرض أمير المسلمين يوسف بن تاشفين مرضا شديدا وأصابه الضعف والوهن وإشتدت به العلة وإستمر هذا المرض عاما وشهرين وأخيرا توفي إبن تاشفين في نهار يوم الإثنين 3 من شهر المحرم عام 500 هجرية الموافق يوم 4 يوليو عام 1106م عن عمر يناهز المائة عام وحضر الوفاة ولداه أبو الطاهر تميم بن يوسف وولي عهده أبو الحسن علي بن يوسف ودفن بحاضرة قصره في مدينة مراكش وقبل وفاته ولما أدرك أن أجله قد إقترب إستدعى ولده وولي عهده عليا وأفضى إليه بوصيته الأخيرة وهي تحتوي على ثلاث خصال الأولى ألا يهيج أهل جبل درن ومن وراءه من المصامدة وأهل القبلة والثانية أن يهادن بني هود وأن يتركهم حائلا بينه وبين الروم والثالثة أن يقبل من أحسن من أهل مدينة قرطبة ويتجاوز عن مسيئهم ومما يذكر أن أمير المسلمين يوسف بن تاشفين كان في عام 496 هجرية الموافق عام 1102م قد عبر البحر متوجها لبلاد الأندلس العبور الرابع فقصد قرطبة وكانت مهمته تنظيم شؤون بلاد الأندلس والنظر في أمور الدولة هناك وبعد أن إطمأن لحسن سير العمل جمع القادة والولاة وفقهاء قرطبة وأفضى إليهم بما ينوي وهو أن يمنح ولاية العهد لولده علي بن يوسف فسارعوا لمبايعة عليا بولاية العهد وهنا عهد يوسف إلى كاتبه أبي محمد بن عبد الغفور أن يكتب نص ولاية العهد ولم تسجل توليته ولاية العهد أية معارضة من أي جانب على الرغم من أنه كان أصغر إخوته سنا وأصدر الأمير يوسف أوامره أن ينقش إسم ولي عهده إلى جانب إسمه على السكة فصدرت النقود تحمل في إحدى وجهيها لا إله إلا الله الأمير علي بن الأمير يوسف بن تاشفين وأُمر بالدعوة له في خطب يوم الجمعة وبذلك فبوفاة أمير المسلمين يوسف بن تاشفين إنتقل الحكم في سلاسة ويسر إلي ولي عهده علي بن يوسف بن تاشفين والذى ظل أميرا للمسلمين لمدة حوالي 37 عاما حتي عام 537 هجرية الموافق عام 1147م والذى إستكمل مسيرة أبيه وبلغت الدولة المرابطية في عهده اوج قوتها وضخامتها حيث دانت لها بلاد الأندلس والمغرب بالإضافة إلي أجزاء واسعة من غرب قارة أفريقيا .
وفي النهاية لا يفوتنا أن نذكر إنه في بداية تأسيس دولة المرابطين كان يوسف بن تاشفين يلقب بالأمير وكان يشترك معه في هذا اللقب عدة شخصيات من قبيلته لمتونة وبعد أن إستولى على المغرب وكبرت مملكته إجتمع إليه شيوخ قبيلته وعرضوا عليه أن يلقب بأمير المؤمنين لأن حقه أكبر من أن يلقب بالأمير فرفض ذلك وقال حاشا لله أن أسمى بهذا الإسم إنما يتسمى به خلفاء بني العباس لكونهم من تلك السلالة الكريمة وأنا راجلهم والقائم بدعوتهم ولكنهم قالوا له إنه لا بد من إسم يمتاز به على سائر الأمراء وإقترحوا عليه لقب أمير المسلمين ويقول العلامة عبد الرحمن بن خلدون عن ذلك إن يوسف بن تاشفين قد تسمي بأمير المسلمين وخاطب الخليفة العباسي ببغداد وهو أبو العباس أحمد المستظهر بالله العباسي آنذاك وبعث إليه عبد الله بن محمد بن العربي المعافري الإشبيلي وولده القاضي أبا بكر بن العربي الإمام المشهور فتلطفا في القول وأحسنا في الإبلاغ وطلبا من الخليفة أن يعقد لأمير المسلمين بالمغرب والأندلس فعقد له وتضمن ذلك مكتوب من الخليفة منقول في أيدي الناس وعادا إليه بتقليد الخليفة وعهده على ما إلى نظره من الأقطار والأقاليم وخاطبه الإمام الغزالي والقاضي أبو بكر الطرطوشي يحضانه على العدل والتمسك بالخير وقد تسمى يوسف بن تاشفين بأمير المسلمين دون أمير المؤمنين أدبا مع الخليفة العباسي حتى لا يشاركه في لقبه لأن لقب أمير المؤمنين خاص بخليفة المسلمين والخليفة من قريش كما ورد في الحديث النبوى الشريف وبعد أن تم ليوسف بن تاشفين إعتماد لقب أمير المسلمين أصبح العمل جاريا به في جميع بلاد دولة المرابطين وصدرت الكتب تحمل هذا اللقب بداية من منتصف شهر المحرم عام 466 هجرية الموافق منتصف شهر سبتمبر عام 1073م ولا يفوتنا أيضا قبل أن ننهي مقالنا هذا عن أمير المسلمين المجاهد العظيم يوسف بن تاشفين أن نذكر بعض السمات والصفات الشخصية التي تحلي بها حيث قال عنه إبن خلكان كان أمير المسلمين يوسف بن تاشفين حازما سائسا للأمور شديد الإهتمام والحرص علي مصالح مملكته ورعاياه مؤثرا لأهل العلم والدين كثير المشورة لهم وقال أيضا بلغني أن الإمام حجة الإسلام أبا حامد الغزالي رحمه الله لما سمع ما هو عليه من الأوصاف الحميدة وميله إلى أهل العلم عزم إلى التوجه إليه فوصل إلى الإسكندرية وشرع في تجهيز ما يحتاج إليه فجاء الخبر بوفاته فرجع عن ذلك العزم ويقول أيضا علي بن عبد الله بن أبي زرع الفاسي عن يوسف بن تاشفين إنه كان أسمر اللون نقيه معتدل القامة نحيف الجسم خفيف العارضين رقيق الصوت أكحل العينين أقنى الأنف وله وفرة تبلغ شحمة أذنيه مقرون الحاجبين جعد الشعر وكان رحمه الله بطلا نجدا شجاعا حازما مهابا ضابطا لشؤون ملكه متفقد الموالي من رعيته حافظا لبلاده وثغورها مواظبا على الجهاد مؤيدا منصورا لباسه الصوف ولم يلبس قط غيره وأكله الشعير ولحوم الإبل وألبانها مقتصرا على ذلك خطب له ببلاد الأندلس والمغرب على ألف وتسعمائة منبر وكان يرد أحكام البلاد إلى القضاء وأسقط ما دون الأحكام الشرعية كما كان حسن الأخلاق متواضعا كثير الحياء جامع لخصال الفضل وأخيرا يقول أبو القاسم محمد بن سماك العاملي عنه إنه كان رجلا فاضلا ذكيا فطنا حاذقا لبيبا زاهدا يأكل من عمل يده ينيب إلى الخير والصلاح كثير الخوف من الله عز و جل وكان أكبر عقابه الإعتقال الطويل وكان يفضل الفقهاء ويعظم العلماء ويصرف الأمور إليهم ويأخذ فيه برأيهم ويقضي على نفسه بفتياهم.
|