كتبت/ ريهام البربري
Rehamelbarbary2006@yahoo.com
فى الذكرى ال 49 لانتصارنا فى حرب أكتوبر المجيدة تستحضرنى روح الانتصار وعبور حاجز اليأس واسترداد الثقة في قدرتنا على تحقيق المعجزات مهما بلغت التحديات .. فالذين عاصروا حرب اكتوبر وما قبلها من أيام نكسة 67 يعرفون جيدا أن انتصارنا لم يكن على الجيش الإسرائيلى فقط وإنما على أنفسنا أيضاً .. ففى اليوم التالى لرفضنا الهزيمة قام الجيش والشعب باستنفار ارادتهما لتبدأ عملية التصحيح الذاتى والتضحية بكل غال ونفيس حتى عبرنا القناة ورفعنا رايات النصرعلى أرض سيناء عام ١٩٧٣.
واليوم نحن بحاجة الى الاستدلال عن "الخطوة التالية" التى يلزم أن يتخذها كل منا للحفاظ على مكتسبات هذا النصر العظيم في عصر اختفت فيه الأسلحة والمعدات واستراتيجيات الحروب واندلعت فيه حرب التكنولوجيا التى نجحت في سنوات قليلة ببرامجها مثل الفيسبوك وتويتر واليوتيوب في تشكيل العقل البشري؛ وتهيئة وجدانه لخوض مراحل وتجارب بشرية جديدة وغريبة عليه.
ففى السنوات الاخيرة لاحظنا أن مشاعر الضيق والتوتر والغضب والإحباط واليأس والقنوط والاكتئاب هى الأكثر شيوعاً بين الشياب، بل قادت بعضهم لارتكاب جرائم بشعة غامضة الدوافع مثل ذبح طالب جامعى لزميلته أمام الحرم الجامعى ، وأخر يطعن جاره ويرديه قتيلاً أثناء سجوده في بيت الله المقدس!!. وغيرها من الجرائم التى تتنافي تماما مع طباع المودة والمحبة والتسامح المعروف بهم الانسان المصري منذ قديم الأزل.
هذا الخلل المجتمعى أحد أبرز أسبابه تداول منشورات وفيديوهات عبثية وبلهاء وتحريضية تسىء لأنفسنا وللآخرين يومياً عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
لذا، نحن بحاجة إلى لحظة تأمل واسترخاء مجتمعي، تقوم على القراءة الهادئة العميقة بطريقة موضوعية وعقلانية ونتسائل كيف ننتصر لأنفسنا في ساحة حرب الشبكة العنكبوتية التى تستهدف تسطيح الأفكار وتعميق السلوكيات الغير أخلاقية والعدوانية بيننا، وخلق نظرات دونية وسودوية تجاه أى فكر أو طموح قد يمضى بالمجتمع قدما للأمام؟
الإجابة ، باختصار تبدأ من التعليم الذي يُعيد صياغة الإنسان ، فقد كان هو أول مهام الأنبياء والرسل، وكانت أول مؤسسة يقيمها رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو إمام المصلحين وقدوتهم - مؤسسة تعليمية ، تمثلت في دار الأرقم بن أبى الأرقم، لانه أدرك أن إصلاح الناس وتغيير فساد واقعهم يكون بتعليمهم، فالتعليم أساس الثقافة والفكر والسلوك وهوية المجتمع، ونحن مع الاسف في أشد الحاجة لاصلاح المنظومة التعليمية في مصر إصلاحا عميقا شاملا ، فلابد من تطوير المناهج الدراسية لتتوائم مع متطلبات العصر ومستجداته ، واستعادة كرامة المعلم وهيبته ومكانته، وربط الطالب بالمدرسة وتحفيز قدراته واكتشاف موهبته وصقلها من خلال الأنشطة الرياضية والثقافية ، والقضاء على مافيا الدروس الخصوصية الحاجبة لفرص التعلم الحقيقي والمستنزفة لموارد الاسرة، وتضييق الفجوة بين المدرسة والأسرة بعقد اجتماعات دورية مع أولياء الامور للوقوف على شئون الطلبة أول بأول ، وتربية الطلاب على المصالحة مع النفس ومع الغير لبناء شخصيات مؤثرة ومتوازنة منفتحة مع العالم .. ونجاحنا في كل ذلك يعتمد بالدرجة الأولى على ما لدينا من خبرات ومهارات، والحمد لله نحن أهل لها.
وتنتهى الإجابة بتعظيم القيم الدينية، والممارسات الأخلاقية، والعودة للمفاخر التاريخية، وشحذ الهمم وإثارة المشاعر الوطنية ، وتطبيق المساءلة والشفافية والنزاهة والعدالة والأمن المجتمعي على أرض الواقع دون تحيز او اختلاف.
صحيح قد تعرقل المؤامرات والصدف والمفاجآت مسيرة انتصاراتنا لكن يقينًا لن ينتصر إلا كل ذى صبر عظيم ، وكله هين أمام صدق العزيمة والارادة والتوكل على الله تعالي .. ليبقى الانتصار على النفس هو الأعظم .. فمبروك لمصر نصر 73 ، وتحيا مصر بأبنائها ليقودونها من نصر لنصر.
|