بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
محمد بن تومرت سياسي وداعية إسلامي عاش في بلاد المغرب الأقصى بين الربع الأخير من القرن الحادي عشر والثلث الأول من القرن الثاني عشر الميلاديين وهو يعتبر مؤسس الدولة الموحدية ببلاد المغرب والأندلس وقد إختلف المؤرخون في إسمه الكامل فحسب العلامة عبد الرحمن بن خلدون فهو محمد بن عبد الله بن وجليد بن يامصال بن حمزة بينما يعتقد مؤرخون آخرون منهم أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني وأبو الحسن علي إبن القطان الفاسي بأنه محمد بن تومرت بن تيطاوين بن سافلا وقد كانت مؤلفاته عامل أساسي في إنتشار الأشعرية ببلاد المغرب وهي مدرسة إسلامية سنية تنسب إلى إمامها ومؤسسها أبي الحسن الأشعرى الذي ينتهي نسبه إلى الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري والأشاعرة هم جماعة من أهل السنة لا يخالفون إجماع الأئمة الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل ولا يكفرون أحدا من أهل القبلة ويعتبر أتباعها أنفسهم منهجا بين دعاة العقل المطلق وبين الجامدين عند حدود النص وظاهره وعلي الرغم من أن الأشاعرة قدموا النص على العقل إلا أنهم جعلوا العقل مدخلا في فهم النص كما أشارت إليه الآيات الكثيرة التي حثت علي ذلك وقد مزج محمد بن تومرت في دعوته خصوصا فيما يتعلق منها بمحاربة التقليد والإحتكار المذهبي بين أفكار الإمام الحافظ والفقيه علي بن حزم الأندلسي محيي المذهب الظاهرى بعد زواله في الشرق والذى يعد من أكبر علماء الأندلس وأكبر علماء الإسلام تصنيفا وتأليفا بعد الإمام الطبرى وكان هدفه من ذلك التقليص من نفوذ فقهاء المالكية الذي كان قد إستفحل في عهد الدولة المرابطية وقد خصص محمد بن تومرت أجزاء من كتابه أعز ما يطلب وممارسة السياسة لتجسيد عقيدة قوامها التوحيد والتنزيه المطلقان الأمر الذي دعا إلى إعتماد وسائل متعددة منها وسيلة تعلم التوحيد وإكتسابه ووسيلة الحرب والتقتيل من أجل التوحيد وذهب إلى أبعد من ذلك حيث قرر وجوب العلم بالتوحيد وتقديمه على العبادة ثم قرر أن إثبات العلم بالتوحيد لا يكون إلا عن طريق العقل فأقر الموحدون بإمامة محمد بن تومرت والتي تشكل ركنا من أركان الدعوة الموحدية نفسها وكان قد بدأ دعوته عام 1121م ودعا قبائل مصمودة وهي القبيلة التي نشأ بها وتعد إحدى أكبر قبائل الأمازيغ البربر والذين يتواجدون اليوم بشكل أساسي في جبال الأطلس الكبير والصغير ومتوسط إلى إعلان الولاء له ومبايعته وكون منهم جيشا قويا جعل على رأسه عبد المومن بن علي الكومي للقضاء على المرابطين ولقب أتباعه بالموحدين ووضع بذلك أسس دولة جديدة هي الدولة الموحدية وعلاوة علي ذلك فهو يعتبر صاحب إختراع النقود الموحدية المربعة .
وكان ميلاد محمد بن تومرت في عام 473 هجرية الموافق عام 1080م في قبيلة مصمودة المذكورة في السطور السابقة ونشأ في بيت متدين وإشتهر منذ صغره بالتقوى والورع وإمتاز بمواظبته على الصلوات الخمس والدراسة إلى حد أنه إشتهر لدى قبيلته بإسم أسفو باللغة الأمازيغية أى المشعل وظل في هذا البيت حتي عام 500 هجرية الموافق عام 1107م وكان قد بلغ من العمر آنذاك 27 عاما وكان شغوفًا بالعلم وكانت عادة الطلاب في ذلك الزمان أن يتجولوا في سائر البلاد الإسلامية ليتعلموا من علماء المسلمين في مختلف الأقطار ولهذا فقد سافر محمد بن تومرت في عام 500 هجرية الموافق عام 1107م إلى قرطبة وتلقى العلم هناك ولم يكتفِ بذلك بل عاد وسافر إلى بلاد المشرق فذهب إلى الإسكندرية ثم إلى مكة المكرمة حيث أدى فريضة الحج وهناك تتلمذ على أيدي علمائها فترة من الزمان ثم رحل إلى بغداد وقضى فيها عشر سنوات كاملة يتلقى العلم على أيدي علمائها أيضا وكانت بغداد تموج آنذاك بتيارات مختلفة من علماء السنة والشيعة والمعتزلة وغيرهم الكثير ممن أخذ وتلقى على أيديهم العلم وذهب محمد بن تومرت بعد ذلك إلى المشرق وعاد بعد ذلك إلى الإسكندرية ثم إلى بلاد المغرب العربي ويصف العلامة عبد الرحمن بن خلدون محمد بن تومرت بعد عودته تلك في عام 512 هجرية الموافق عام 1118م وكان قد بلغ من العمر 39 عاما بأن محمد بن تومرت قد أصبح بحرا متفجرا من العلم وشهابا واريا من الدين يقصد أنه جمع علوما كثيرة وأفكارا جمة من تيارات إسلامية مختلفة وأصبح بالفعل من كبار علماء المسلمين في هذه الآونة وفي طريق عودته من بلاد العراق والشام مكث محمد بن تومرت فترة في الإسكندرية لكي يكمل فيها تعليمه وهناك بدأ يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ومن خلال سيرته ورغم أنه كما ذكرنا كان قد أصبح عالما كبيرا إلا أنه كان شديدا غاية الشدة في إنكار المنكر والأمر بالمعروف وكانت هذه الشدة تصل إلى حدِ التنفير فكان ينفر منه كثير من الناس حينما يأمرهم بالمعروف أو ينهاهم عن المنكر حتى إنه خرج من الإسكندرية مطرودا منها حيث طرده واليها بعدما خشي منه ثم توجه إلى طرابلس الغرب العاصمة الليبية الحالية ونشر بها العقيدة الأشعرية ثم ركب في سفينة متجهة إلى بلاد المغرب العربي وعلى السفينة أيضا ظل إبن تومرت على حدته في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فمنع الخمور على ظهر السفينة وأمر بقراءة القرآن الكريم وإشتد على الناس وإختلف معهم كثيرا فألقوه في عرض البحر وتركوه وساروا إلى بلاد المغرب وهو يسبح بإزاء السفينة نصف يوم كامل فلما رأوا ذلك إشفقوا عليه وأنزلوا من أخذه من البحر وعظم في صدورهم ولم يزالوا مكرمين له إلى أن نزل في تونس في مدينة تسمى المهدية .
وفي مدينة المهدية نزل محمد بن تومرت بمسجد مغلق إتخذه لدراسة العلم وركز على علم الأصول وكان يجلس في الشارع أمام المسجد وينظر إلى المارة وعندما كان يرى منكرا مثل أواني الخمر إلا نزل إليها وكسرها كما كان إذا رأى أي نوع من أنواع اللهو الغير المباح إلا إشتد علي من يفعلون ذلك مما تسبب في أحداث فوضى في البلاد بسبب أسلوبه الحاد والشديد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد تسامع الناس به في البلد فجاءوا إليه وقرأوا عليه كتبا من أصول الدين وبعد ذلك توجه مع من إتبعوا دعوته إلي مدينة بجاية بشرق بلاد الجزائر وإلتقي بعبد المؤمن بن علي الكومي الذى صار فيما بعد ذراعه الأيمن ورفيق دربه وخليفته والذى كان ينادى هو أيضا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو نفس ما كان ينادى به إبن تومرت وفي أول لقاء بين الرجلين سأله محمد بن تومرت عن سبب تركه لبلاده وسياحته في البلاد فأجابه بأنه يبحث عن العلم والدين فرد عليه بأن بضاعتك وما تبغيه لدى وأخذ محمد بن تومرت ينقل إليه علمه مما أثار إعجاب عبد المؤمن بن علي به ومن ثم تآخيا في الله وظلا معا في طريقهما لم يفترقا مطلقا حتى مات محمد بن تومرت كما سنرى بمشيئة الله في السطور القادمة وبعد ذلك توجها إلي مدينة تلمسان بشمال غرب بلاد الجزائر ثم إنتقلا إلي مدينة فاس ببلاد المغرب حيث جعل محمد بن تومرت مجلسه في أحد مساجدها وبدأ طلبته يهاجمون الحوانيت التي تبيع آلات الطرب ولما وصل خبره إلى والي المدينة جمع الفقهاء لمناظرته ولما كان هؤلاء على دراية بالفروع وليس بالأصول فإن خصيمهم غلبهم ولم يجد الوالي إلا أن يطرده من فاس وفي عام 514 هجرية الموافق عام 1120م توجه إلى مراكش عاصمة دولة المرابطين وكان يخرج مع تلامذته إلى الشوارع والأسواق للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومواجهة ما يرونه من مظاهر فساد وتشدد في ذلك حتى أنه دخل المسجد الجامع في مدينة مراكش في يوم جمعة وجلس على مقربة من المحراب بالقرب من الموضع المخصص لجلوس أمير المسلمين المرابطي أبي الحسن علي بن يوسف بن تاشفين ولما إنتهت الصلاة بادر بالسلام عليه وقال له غير المنكر في بلدك فأنت المسؤول عن رعيتك وبكى فأعرض عنه علي بن يوسف وإستمر محمد بن تومرت في حملته حتى ذاع صيته وإنتشرت دعوته بين العامة ومن معه وكانت المنكرات آنذاك قد كثرت بصورة لافتة في بلاد المرابطين حيث كانت الخمور قد تفشت حتى في مراكش عاصمة المرابطين وكانت ثغرا هاما من ثغور الإسلام كما كان الولاة قد بدأوا يظلمون الناس ويفرضون عليهم الضرائب الباهظة ويأكلون أموال اليتامى وعلاوة علي ذلك فقد كان أيضا السفور والإختلاط قد إنتشر وصار شيئا مألوفا بين الناس حتى أن إبن تومرت قد شاهد بنفسه امرأة سافرة وقد خرجت في فوج كبير وعليه حراسة بما يماثل أفواج الملوك وحينما سأل عن صاحبة هذا الفوج وتلك المرأة السافرة علم أنها أخت أمير المسلمين المرابطي علي بن يوسف فأنكر ذلك عليها إنكارا شديدا حتى إن بعض المصادر تثبت أنه وأصحابه كانوا يضربون وجوه مطاياها حتى أوقعوها من عليها فرأى أمير المسلمين علي بن يوسف أيضا مثلما رأى والي فاس أن يناظر الفقهاء هذا الرجل لعلهم يبطلون دعواه إلا أن محمد بن تومرت تفوق على مناظريه أيضا فأيقن علي بن يوسف خطورته وأشار عليه بعض خواصه بقتله إلا أن عليا رفض هذا الرأى ورأى إخراجه من مدينة مراكش فغادرها محمد بن تومرت إلى مدينة أغمات العاصمة الأولي للمرابطين والتي تقع بجنوب وسط بلاد المغرب بالقرب من مدينة مراكش العاصمة المرابطية وفي مدينة أغمات وما حولها أخذ محمد بن تومرت يدعو الناس إلي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإجتمع له أتباع ومريدون كثيرون ثم أعلن بطلان البيعة لأمير المسلمين المرابطي علي بن يوسف بن تاشفين ودعا أصحابه وأتباعه لخلع طاعة أمير المسلمين إلى أن بلغه أن هناك من يضمر قتله فقصد وصحبه بلاد السوس بجنوب بلاد المغرب .
وأخذ محمد بن تومرت يتنقل ويدعو بين قرى بلاد السوس فإنضم إليه الكثير من الأتباع والمريدين حتى بلغ قرية في جبال المصامدة تدعى إيجليز ونزل في مكان حصين ومنيع لا يصل إليه أحد إلا من طريق لا يسلكها أحد إلا فرادى وإتخذها مقرا مختارا له وفي يوم 15 رمضان عام 515 هجرية الموافق يوم 28 نوفمبر عام 1121م أعلن إبن تومرت في أصحابه أنه المهدى المنتظر الذى ينتظر المسلمون ظهوره في آخر الزمان ليشيع العدل ويرفع الظلم عن الناس وإستمر في نشر تعاليمه وقويت شوكته وإزداد عدد أتباعه ومريديه زيادة كبيرة وبايعه عبد المؤمن بن علي الكومي مع عشرة من رجاله بأنه المهدى المنتظر وذلك لأنه إدعى بأنه من نسل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب حفيد النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم وفي واقع الأمر كان محمد بن تومرت يريد تغيير المنكر كله تغييرا جذريا ودفعة واحدة وكان هذا هو المنهج الذي سلكه محمد بن تومرت قاصدا به الإصلاح والتغيير وهو بلا أدنى شك منهج مخالف تماما لسنن الله تعالى للنهج القويم ونهج رسول الله صلي الله عليه وسلم في العمل ذاته فحين بدأ الرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم دعوة الإسلام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة المكرمة لم يأمر بهذا التغيير الجذري المفاجئ ولا سعى إليه بل إن الأمور كانت تتنزل عليه من عند الله بصورة متدرجة فعلي سبيل المثال نزل أمر إجتناب الربا على درجات متسلسلة ومراعية للتدرج مع الناس وكذلك كان الأمر في تحريم الخمور وتجريمها والناس قبل ذلك لم تكن تعرف لكليهما حرمة حتى في أمر الجهاد والقتال في سبيل الله فلم يتنزل هذا التكليف دفعة واحدة تلك الأمور التي فقهها وتفهمها جيدا الخليفة الخليفة الأموى عمر بن عبد العزيز رحمه الله حين تولى الخلافة الأموية فقد كانت هناك كثير من المنكرات في دمشق وما حولها من البلاد وكان إبن عمر بن عبد العزيز رحمهما الله شديدا في الحقِ فأراد أن يغير كل هذه المنكرات مستقويا بسلطان أبيه إلا أنه وجد أباه عمر بن عبد العزيز يسير فيها بطريقة متدرجة فشق ذلك عليه فذهب إليه وقال له يا أبي أنت تملك الأمور الآن ولك هيمنة على بلاد المسلمين فيجب أن تقوم بتغيير هذا المنكر كله وتقيم الإسلام كما ينبغي أن يقام فقال له عمر بن عبد العزيز رحمه الله يا بني لو حملت الناس على الحق جملة واحدة تركوه جملة واحدة لكن محمد بن تومرت لم يكن ينحو مثل هذا المنحى إنما كان يريد أن يغير كل شئ تغييرا جذريا بل وبأسلوب فظ شديد وقد قال الله تعالي جل شأنه يخاطب نبيه الكريم محمد صلي الله عليه وسلم في سورة آل عمران فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ وكان هذا خطاب من المولي عز وجل موجه لشخصه الكريم وهو المؤيد بالوحي وأحكم الخلق وأعلم البشر جميعا بأنه إن دعوتَ إلى الله بفظاظة وغلظة فسوف تكون النتيجة أن ينفض الناس عنك فما بالنا بعموم الناس من دونه .
وإذا ما ألقينا نظرة متفحصة علي الأسس الأخلاقية التي بني محمد بن تومرت عليها دعوته فسوف نجد أن محور أفكاره الدينية كان يرتكز على الدعوة إلى التوحيد أي إثبات أن الله واحد وبأن صفات الله سبحانه وتعالي من الأسماء الحسنى ليست إلا تأكيدا لوحدانيته المطلقة ومن هنا إشتقت الدعوة الموحدية تسميتها فقد ورد في كتاب أخبار المهدي بن تومرت وبداية دولة الموحدين لأبي بكر الصنهاجي المكنى بالبيذق موجها حديثه للموحدين قائلا إشتغلوا أيها الموحدين بالتوحيد فإن هذا هو أساس الدين الإسلامي حتى تنفوا عن الخالق التشبيه والتشريك والنقائص والآفاق والحدود والجهات ولا تجعلوه في مكان ولا في جهة فإن الله موجود قبل الأماكن والجهات فمن جعله في جهة ومكان فقد جسمه ومن جسمه فقد جعله مخلوقا ومن جعله مخلوقا فهو كعابد وثن فمن مات على هذا فهو مخلد في النار ومن تعلم توحيده خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه فإن مات على ذلك فهو من أهل الجنة وعلاوة علي ذلك فقد ورد عن محمد بن تومرت في كتابه أعز ما يطلب قوله بأنه لا يصح قيام الحق في الدنيا إلا بوجوب إعتقاد الإمامة في كل زمان من الأزمان إلى أن تقوم الساعة ولا يكون الإمام إلا معصوما ليهدم الباطل لأن الباطل لا يهدم الباطل وأن الإيمان بالمهدى المنتظر واجب وأن من شك فيه كافر وإنه معصوم فيما دعا إليه من الحق وإنه لا يكابر ولا يضاد ولا يدافع ولا يعاند ولا يخالف ولا ينازع وأنه فرد في زمانه صادق في قوله وإنه يقطع الجبابرة والدجاجلة وإنه يفتح الدنيا شرقها وغربها وإنه يملأها بالعدل كما ملئت بالجور وإن أمره قائم إلى أن تقوم الساعة وقد بدأ محمد بن تومرت يدعو إلى المهدى المنتظر ويشوق الناس إليه فلما أدرك أصحابه فضيلة المهدى المنتظر إدعى ذلك لنفسه وأطلق علي نفسه إسم المهدى بن تومرت وقال أنا المهدي المعصوم أنا أحسن الناس معرفة بالله ورسوله وغير نسبه الأمازيغي إلى نسب الإمام الحسين بن علي حفيد النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم وبالتالي فإنه يلزم الإقتداء به في جميع أفعاله وأقواله وقبول أحكامه الدينية والدنيوية وتفويض الأمر إليه في كل شئ وقام محمد بن تومرت بنشر هذه المبادئ والأفكار على شكل خطب ومؤلفات مشروحة شرحا مستفيضا وفرض علي أتباعه قراءة جزء منها كل يوم بعد أداء صلاة الفجر وأدخل إلقاء خطبة الجمعة باللغة الأمازيغية حتى يسهل إستيعابها من طرف مختلف الشرائح الاجتماعية .
وإذا ما تركنا الأسس الدينية التي بني محمد بن تومرت عليها دعوته وألقينا نظرة علي الأسس الأخلاقية فسنجد أنه قد دعا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكان بذلك يطبق أوامر الله ورسوله فقد ورد عن النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم في الحديث الشريف أنه قال من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان وقد كان إبن تومرت يعمل علي تغيير المنكر بيده فقد ورد في كتاب المعجب لعبد الواحد المراكشي أنه وبينما هو في طريقه إذ رأى أخت أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين ومعها من الجواري الحسان عدد كثير وهن مسفرات أي كاشفات عن وجوههن وكانت هذه عادة المرابطين تسفر نساؤهم ويلثم الرجال فلما رآهن أنكر عليهن وأمرهن بستر وجوههن وضرب هو وأصحابه دوابهن فسقطت أخت أمير المسلمين عن دابتها وأما الأسس الاجتماعية التي بني عليها إبن تومرت دعوته فسنجده قد إعتمد على قبائل مصمودة المستوطنة بجبال الأطلس الكبير الغربي وبالأطلس الصغير جنوب المغرب الأقصى وكان المرابطون قد عملوا على تهميش المصامدة ومراقبتهم وذلك في إطار الصراع القبلي القائم آنذاك في بلاد المغرب بين مجموعة صنهاجة الصحراء التي ينتمي إليها المرابطون وباقي المجموعات القبلية الأخرى ومن أهمها المصامدة التي كان ينتمي إليها إبن تومرت وكما ذكرنا في السطور السابقة ففي عام 518 هجرية الموافق عام إنتقل إبن تومرت من مدينة أغمات الواقعة بالأطلس الكبير للإستقرار بتينمل معلنا الخروج عن طاعة المرابطين ومحتميا بالتضاريس الوعرة بمنطقة الأطلس الكبير وبقبائله المصمودية وأصبح الزعيم الروحي لقبائل مصمودة وتشبه المصادر الموحدية إنتقاله هذا بهجرة الرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلي المدينة المنورة .
ومن الناحية السياسية قام محمد بن تومرت بإنشاء مؤسسات سياسية مستمدا تسميتها من السيرة النبوية وهي مجلس العشرة على غرار صحابة الرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم العشرة المبشرين بالجنة وكان من إختارهم إبن تومرت لهذا المجلس من خيرة المساندين للحركة الموحدية وقد تميز هؤلاء الأعضاء العشرة بالعلم والقدرة على القيادة وروح التضحية وكان من أبرزهم عبد المؤمن بن علي الكومي وإلي جوار هذا المجلس أنشأ أيضا مجلس الخمسين وضم رؤساء خمسين قبيلة سباقة لمساندة الحركة الموحدية وكان هذا المجلس ذو طابع إستشارى وبالإضافة إلي هذين المجلسين أسس محمد بن تومرت جماعة أطلق عليها جماعة الطلبة وكان أعضاء هذه الجماعة من دعاة الحركة في البداية والذين مارسوا فيما بعد التربية والتعليم والإدارة وشئون الجيش وقد اتاحت هذه التنظيمات تلقينا مذهبيا وسياسيا مكثفا للقبائل وإتضحت بواسطتها الأهداف السياسية للحركة الموحدية وهي الإطاحة بحكم دولة المرابطي وفي عام 516 هجرية الموافق عام 1122م بدأت المواجهة المسلحة بين أتباع إبن تومرت والجيش المرابطي وفي ذلك الوقت كان أمير المسلمين علي بن يوسف قد عبر إلى بلاد الأندلس إثر ثورة أهل قرطبة وبلغته أثناء ذلك أنباء حركة محمد بن تومرت والذى كان قد قرر الإنتقال بدعوته إلى الكفاح المسلح والعمل على إسقاط دولة المرابطين والتي كان قد حل بها الضعف والوهن وظهرت بها المعاصي والمفاسد رغم أنها كانت دولة جهادية سلفية العقيدة ونشرت الإسلام في وسط وغرب قارة أفريقيا وبالإضافة إلي ذلك كانت أيضا قد خدمت الإسلام في بلاد الأندلس خدمة عظيمة يوم معركة الزلاقة والتي نشبت يوم الجمعة 12 رجب عام 479 هجرية الموافق يوم 23 أكتوبر عام 1086م وإنتصر فيها جيش المرابطين بقيادة أمير المسلمين يوسف بن تاشفين يسانده جيش أندلسي بقيادة المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية علي الجيش القشتالي المسيحي الذى كان يقوده ألفونسو السادس ملك قشتالة وهي تعد أول معركة كبيرة تشهدها شبه الجزيرة الأيبيرية في العصور الوسطى وإحدى أبرز المعارك الكبرى في التاريخ الإسلامي وأمام الخطر الموحدى علي المرابطين عاد أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين أدراجه سريعا إلى عاصمته مراكش وجهز جيشا بقيادة أبو بكر بن محمد اللمتوني ووجهه الي بلاد السوس فلقي أتباع إبن تومرت عند جبل إيجليز في يوم 6 شعبان عام 516 هجرية الموافق يوم 9 أكتوبر عام 1122م فإنهزم المرابطون وغنم أتباع محمد بن تومرت ما كان معهم من متاع وسلاح وكان لذلك أثره الكبير في أن قويت شوكته أكثر وذاع صيته في تلك الأنحاء وإنضم الكثيرون إلى دعوته وأدرك أمير المسلمين علي بن يوسف خطورة الموقف فأرسل جيشا آخر إلي إبن تومرت بقيادة أخيه الأصغر إبراهيم بن يوسف بن تاشفين فإنهزم أيضا أمام أتباع محمد بن تومرت الذين سماهم الموحدين فأرسل أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين جيشا ثالثا يقوده سير بن مزدلي اللمتوني فلم يكن حظه أفضل من سابقيه وباء أيضا بالهزيمة أمام الموحدين .
ولم يأت عام 518 هجرية الموافق عام 1124م إلا وكانت سائر بلاد السوس قد دانت لمحمد بن تومرت بحد السيف وفي ذلك العام إختار إبن تومرت الإنتقال إلى تينمل وهي موقع حصين يبعد نحو 100 كيلو متر جنوب شرقي مراكش على الطريق المؤدية إلى تارودانت بجنوب بلاد المغرب لتكون قاعدته الجديدة وفي عام 520 هجرية الموافق عام 1126م زحف جيش للموحدين يقوده البشير الونشريشي على أراضي قبيلة لمتونة فبعث علي بن يوسف لردهم جيشا بقيادة أخيه تميم فلحقت الهزيمة بالمرابطين وواصل الموحدون الزحف نحو أغمات فهزموا جيشا مرابطيا آخر يقوده أبو بكر بن علي بن يوسف وفي تلك الأثناء كان إبن تومرت قد جمع جيشا آخر قوامه 40 ألف مقاتل بينهم 400 فارس فقط ألحقه بجيش الونشريشي فبلغوه في عام 524 هجرية الموافق عام 1130م وتقدموا نحو أسوار مراكش وحاصروها 40 يوما صمدت خلالها المدينة حتى جاءتها الإمدادات من كل صوب حتى بلغ عدد جيش المرابطين مائة ألف مقاتل فخرج أميرهم علي بن يوسف بن تاشفين بنفسه على رأس جيش جرار في يوم 2 جمادى الأول عام 524 هجرية الموافق يوم 12 أبريل عام 1130م وإصطدم مع جيش الموحدين عند بستان كبير أمام أحد أسوار مدينة مراكش والبستان باللغة المحلية البربرية يسمى بالبحيرة ولذلك عرفت هذه المعركة بمعركة البحيرة والتي كانت معركة كبيرة إنتهت بهزيمة ساحقة للموحدين ولم ينج منهم سوى نحو 400 مقاتل فقط وكان في جملة من قتلوا قائدهم البشير الونشريشي وعدد كبير من زعمائهم وقوادهم وفر عبد المؤمن بن علي الكومي الذراع اليمني لمحمد بن تومرت بفلول الموحدين إلى تينمل فوجد هذا الأخير في مرض الموت وسرعان ما توفي في يوم 25 رمضان عام 524 هجرية الموافق يوم 31 أغسطس عام 1130م وخلفه عبد المؤمن بن علي الكومي والذى كان بمثابة المؤسس الثاني لدولة الموحدين ويقول المؤرخ المغربي عبد الواحد المراكشي في كتابه المعجب في تلخيص أخبار المغرب عن وفاة محمد بن تومرت إن هذا الأخير إستدعى قبل موته الرجال المسلمين بالجماعة وأهل الخمسين وثلاثة من كبار مريديه هم عمر أرتاج وعمر إينتي وعبد الله بن سليمان فدخلوا عليه فحمد الله ثم قال إن الله سبحانه وتعالي وله الحمد قد من عليكم أيتها الطائفة بتأييده وخصكم بحقيقة توحيده وقيض لكم من ألفاكم ضلالا لا تهتدون وعميا لا تبصرون قد فشت فيكم البدع وإستهوتكم الأباطيل فهداكم الله به ونصركم وجمعكم بعد الفرقة ورفع عنكم سلطان هؤلاء المارقين وسيورثكم أرضهم وديارهم ذلك بما كسبت أيديهم وبعد هزيمة الموحدين في معركة البحيرة سأل إبن تومرت أصحابه هل عبد المومن فيكم قالوا نعم قال قد بقي أمركم ما دام عبد المومن فيكم ثم دخل ولم يره أحد أبدا بعد ذلك .
وفي النهاية لا يفوتنا أن نذكر أن حركة محمد بن تومرت لم تستند إلى مذهب موجود وقائم بالفعل من قبلها بل إننا نجد أن إبن تومرت قد قام بإختلاق مذهب سياسي ديني جديد وهو ما عرف بالمذهب الموحدى وقام هذا المذهب على عدد من الإختيارات المعينة من المذاهب الإسلامية المشهورة فقد أخذ إبن تومرت من الشيعة الإمامية فكرة العصمة المطلقة للإمام وإقتبس من الخوارج إعتقادهم بحتمية قتال مخالفيهم وضرورة الثورة على الحكم الجائر وبطن ذلك كله بخلفية عقائدية أشعرية تقترب في الكثير من أبعادها من فكر شيخه الروحي أبي حامد الغزالي وسواء إتفقنا أو إختلفنا معه فهو يعد نموذجا فريدا وملهما للثورات القائمة على أسس دينية ومذهبية ويظل أحد أهم تجليات الإستجابة الإنبساطية لفكرة المهدي المنتظر عبر التاريخ الإسلامي الطويل وجدير بالذكر أيضا أن محمد بن تومرت كانت له العديد من المؤلفات كان منها ما عده الأستاذ الدكتور عبد الغني أبو العزم محقق كتاب أعز ما يطلب والتي وجدها في كتاب الموطأ منها العقيدة المرشدة وأعز ما يطلب وكتاب الطهارة وإختصار مسلم الصغير وكتاب الغلول وكتاب تحريم الخمر والكلام على العبادة والكلام في العلم وكتاب أدلة الشرع والكلام في العموم والخصوص والمعلومات والقواعد والإمامة والعقيدة الكبرى وأخيرا فتخليدا لذكرى محمد بن تومرت ولإرتباط قرية تينمل به أمر خلفه عبد المؤمن بن علي الكومي في عام 1153م ببناء مسجد تينمل القائم حتي وقتنا الحاضر لكنه يحتاج إلي عملية إعادة تأهيل وإصلاح وترميم شاملة وبعد هذه الهزيمة الساحقة التي تعرض لها الموحدون في معركة البحيرة ووفاة زعيمهم محمد بن تومرت بعدها مريضا أمضى خليفته عبد المؤمن بن علي الكومي عاما ونصف العام ينظم صفوفه ويحشد الأتباع حتى إجتمع له عدد 30 ألف مقاتل خرج بهم للغزو فبدأ بغزو وادي درعة والذى يشمل عدد ست واحات متصلة تمتد وراء جبال الأطلس الكبير وغزا أيضا قلعة مدينة تازاجورت بجنوب شرق المغرب وقام بإقتحامها والإستيلاء عليها وعلي سائر بلاد درعة ثم عاد إلى تينمل وأمضى السنوات التالية يفتتح بلاد درعة وبلاد السوس .
|