بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
أبو الحسن علي بن يوسف بن تاشفين اللمتوني الصنهاجي هو خامس حكام دولة المرابطين في المغرب والأندلس الذي بلغت في عهده الدولة المرابطية أوج قوتها وضخامتها والتي تسلمها عام 500 هجرية الموافق عام 1106م خلفا لأبيه أمير المسلمين يوسف بن تاشفين الذى كانت وفاته في يوم الإثنين الثالث من شهر المحرم عام 500 هجرية الموافق يوم 4 من شهر سبتمبر عام 1106م وكانت قد دانت حينذاك لدولة المرابطين بلاد الأندلس والمغرب وأجزاء واسعة من غرب قارة أفريقيا وإستمر حكمه لها حتي عام 537 هجرية الموافق عام 1143م وقد أمضى أبو الحسن علي بن يوسف سنوات حكمه الأولى في مجابهة ممالك قشتالة وأراجون والبرتغال وكاتالونيا المسيحية وبقايا ممالك الطوائف في شمال شبه الجزيرة الأيبيرية وإستطاع أن يحقق في البداية بعض الإنتصارات الهامة في معركتين كبيرتين وهامتين هما أقليش وإفراغة وكانت معركة أقليش قد وقعت في يوم الجمعة 16 شوال عام 501 هجرية الموافق يوم 29 مايو عام 1108م بين جيش المرابطين وقوات مملكة قشتالة بقيادة القائد القشتالي ألبار هانس يصاحبه ولي العهد الأمير سانشو إبن ألفونسو السادس ملك قشتالة وعدد من الكونتات أبرزهم جارسيا أردونيث كونت قبرة ومربي ولي العهد وإنتهت بإنتصار ساحق لجيش المرابطين أما معركة إفراغة فكانت قد وقعت في يوم 23 رمضان عام 528 هجرية الموافق يوم 17 يوليو عام 1134م تحت أسوار بلدة إفراغة في الثغر الأعلى بين قوات مملكة أراجون بقيادة الملك ألفونسو الأول والجيوش المرابطية التي أتت لنجدة بلدة إفراغة المحاصرة من قبل الملك ألفونسو الأول وأسفرت عن إنتصار المرابطين ووفاة ألفونسو الأول حسرةً بعد المعركة بوقت قصير وكان هذا الثغر الأعلى يمثل حدود دولة المرابطين مع مملكة نافارا التي تقع علي جانبي جبال البرانس شمالي أسبانيا كما كان الثغر الأعلى يضم مدينة لاردة بمنطقة كاتالونيا ومدينة تطيلة بشمال أسبانيا ووشقة بمنطقة أراجون بشمال شرق أسبانيا وطرطوشة بمنطقة كاتالونيا ومدينة سالم بمقاطعة سوريا بوسط شمال أسبانيا والتي كانت تنطلق منها الجيوش الإسلامية لباقي بلاد الأندلس وقلعة أيوب بشمال وسط أسبانيا وبربطانية بمنطقة أراجون وبربشتر بمقاطعة وشقة وعلاوة علي ذلك فقد إستطاع علي بن يوسف ضم سرقسطة آخر ممالك الطوائف الأولى في الأندلس خلال عام 503 هجرية الموافق عام 1110م قبل أن تشتد شوكة مملكة أراجون في عهد ملكها ألفونسو المحارب والذى إستطاع أن ينتزع كونتية برشلونة بمنطقة كاتالونيا بأقصي شمال شرق أسبانيا ومناطق واسعة من الثغر الأعلى لبلاد الأندلس من المرابطين بما فيها سرقسطة عاصمته وعلي الجانب الآخر ففي بلاد المغرب واجه أبو الحسن علي بن يوسف حدثا جلل أرق ملكه كانت بدايته في عام 515 هجرية الموافق عام 1121م وإستمر معه حتى نهاية عهده ووفاته وقد تمثل هذا الحدث في ظهور محمد بن تومرت وتأسيسه لحركة الموحدين التي ضعضعت ملك المرابطين وإنتزعت منهم مناطق واسعة من بلاد المغرب وقد توفي أبو الحسن علي بن يوسف وكانت الحرب ما زالت قائمة بين المرابطين والموحدين في بلاد المغرب على أشدها .
وكان ميلاد أبو الحسن علي بن يوسف بن تاشفين بمدينة سبتة شمالي المغرب والتي تحتلها أسبانيا حتي وقتنا الحاضر والتي يحدها البحر المتوسط من الشرق والشمال والجنوب في يوم 4 ربيع الأول عام 477 هجرية الموافق يوم 10 يوليو عام 1084م لأمير المسلمين يوسف بن تاشفين من أم رومية تدعى قمر وقيل أيضا إنها كانت تدعي فاض الحسن ومنذ نعومة أظفاره أشرف والده على تربيته وتكوينه وأحاطه بإهتمام كبير وعناية فائقة وقد خلف أباه أمير المسلمين يوسف بن تاشفين في نفس يوم وفاته الثالث من شهر المحرم عام 500 هجرية الموافق يوم 4 سبتمبر عام 1106م وفقا لعهد التولية الذي إستصدره أبوه قبل ذلك في مدينة قرطبة جنوبي أسبانيا بمنطقة أندلوسيا في شهر ذي الحجة عام 496 هجرية الموافق شهر سبتمبر عام 1103م ثم بعدها في عاصمة المرابطين مراكش مقدما إياه على أخيه الأكبر أبي الطاهر تميم بن يوسف الذي بايعه هو وشيوخ قبيلة لمتونة وباقي قبائل صنهاجة والأكابر والقادة قبل دفن أبيه ثم كتب علي بن يوسف إلى سائر قواعد المغرب والأندلس يعلمهم بموت أبيه وإستخلافه إياه ويأمرهم بأخذ البيعة له فأتته البيعة من كل محل إلا فاس التي أبي واليها إبن أخيه يحيى بن أبي بكر بن يوسف بن تاشفين أن يبايعه فسار علي بن يوسف علي رأس جيش إلى فاس بنفسه ففر يحيى منها إلى مدينة تلمسان بغرب بلاد الجزائر قبل أن يدخلها علي بن يوسف في يوم 8 ربيع الآخر عام 500 هجرية الموافق يوم 7 ديسمبر عام 1107م ثم تشفع مزدلي بن تيولتكان والي تلمسان لدى علي بن يوسف ليعفو عن يحيى فعفا عنه هذا ومما يذكر أنه بعد أن تولي علي بن يوسف الحكم سار على نهج أبيه أمير المسلمين يوسف بن تاشفين فقام بمواصلة الجهاد والتصدي للقوى المسيحية في بلاد الأندلس كما قام بتقريب العلماء والعناية بهم وبالإهتمام بتقوية الدولة ومؤسساتها وقد تميز عهده بالإستقرار والعدل ولم يكن علي بن يوسف يميل إلى الراحة بعد توليه الحكم فبمجرد وصوله إلى الحكم قام بإتخاذ إجراءات مهمة تمثلت في نقل الولاة وعزلهم ممن ثبت فيهم تقصيرا أو فسادا ونظرا للظروف والتوترات التي كانت سائدة ببلاد الأندلس آنذاك فقد قام بالعبور نحوها وذلك من أجل تفقد أحوالها وتنظيم أمورها وكان ذلك بعد شهور قليلة من توليه الحكم في عام 500 هجرية الموافق عام 1107م وقام آنذاك بتعيين أخيه الأكبر أبي الطاهر تميم على غرناطة وجعله قائدا أعلى للجيوش المرابطية فيما وراء البحر في بلاد الأندلس .
وبتعيين أبي الطاهر تميم قائد أعلي للجيوش المرابطية في الأندلس كلفه شقيقه علي بن يوسف بمواصلة الجهاد في الشمال وكانت قوات الملك القشتالي ألفونسو السادس قد أغارت في السابق في أواخر عهد يوسف بن تاشفين في عام 498 هجرية الموافق عام 1105م في 3500 مقاتل على أحواز إشبيلية وعاثت فيها وإستولت على الكثير من الغنائم والسبي فخرج لهم سير بن أبي بكر والي إشبيلية ومعه قوات محمد بن الحاج والي غرناطة حينئذ وردوهم على أعقابهم وقتلوا منهم نحو 1500 مقاتل وإنشغل المرابطون بعد ذلك حيث مرض قائدهم يوسف بن تاشفين مرض موته حتى وافاه أجله في اليوم الثالث من شهر المحرم عام 500 هجرية الموافق يوم 4 سبتمبر عام 1106م وخلفه ولده علي بن يوسف بن تاشفين والذى بعد أن نظم ورتب شئون دولته أمر أخيه تميم بن يوسف الذى كان قد اصبح قائدا للجيوش المرابطية بالأندلس بإستئناف الجهاد فخرج تميم من غرناطة في آواخر شهر رمضان عام 501 هجرية الموافق منتصف شهر مايو عام 1108م نحو مدينة جيان بمنطقة أندلوسيا بجنوب أسبانيا حتى وافته قوات قرطبة بقيادة محمد بن أبى رنق ثم سار إلى بياسة القريبة من جيان بمنطقة أندلوسيا أيضا ومنها إلى أراضي قشتالة وفي الطريق لحقته قوات مقاطعة مرسية والتي تقع بجنوب شرق اسبانيا بقيادة محمد بن عائشة وقوات مقاطعة بلنسية والتي تقع بشرق أسبانيا بقيادة محمد بن فاطمة ثم إتجهوا جميعا صوب بلدة أقليش الحصينة والتي تقع في منطقة قشتالة فوصلوها في يوم 14 شوال عام 501 هجرية الموافق يوم 27 مايو عام 1108م وحاصروها بقوة فسقطت في أيديهم في اليوم التالي وبعد أن دخل المرابطون المدينة فر المقاتلة إلى حصن أقليش المنيع وإمتنعوا به وإستنجدوا بالملك القشتالي ألفونسو السادس الذي لبى ندائهم بأن أرسل قوات يقودها قائده ألبار هانس ومعه ولي العهد سانشو الفتى الصغير ذي الأحد عشر عاما ومربيه جارسيا أردونيث وعدد من كونتات قشتالة وحين بلغ تميم بن يوسف خبر خروج جيش قشتالة لنجدة أقليش هم بالعودة والإنسحاب لولا أن ثبته القائدان محمد بن عائشة ومحمد بن فاطمة وشجعاه على القتال مهونين عليه أمر جيش قشتالة بأنه جيش صغير لا يزيد عدده عن ثلاثة آلاف فارس فثبت تميم إلا أنه بعد قدوم الجيش القشتالي فوجئوا بخطأ التقديرات ووجدوا أعداد القشتاليين تزيد عن ذلك بكثير ولم يجد تميم بدا من القتال وقد إختلفت الروايات الإسلامية في تقدير أعداد الجيش القشتالي فذهب إبن القطان في كتابه نظم الجمان لترتيب ما سلف من أخبار الزمان إلى أن قوام الجيش القشتالي كان عشرة آلاف فارس فيما قدره إبن عذاري بسبعة آلاف فارس بينما قدر المؤرخ الأسباني المعاصر فرانشيسكو جارسيا فيتث الجيش القشتالي بأكثر من ثلاثة آلاف مقاتل والمرابطون بنحو 2300 مقاتل وبدأت المعركة بين الجيش المرابطي والجيش القشتالي في يوم 16 شوال عام 501 هجرية الموافق يوم 29 مايو عام 1108م بهجوم من المرابطين بقيادة إبن أبى رنق وتبعته قوات مرسية وبلنسية ثم قوات تميم ودار قتال عنيف سرعان ما دارت فيه الدائرة على الجيش القشتالي وقتل ولي العهد الصبي ومربيه في المعركة وفر قائد القشتاليين ألبار هانس إلى مدينة طليطلة والتي تقع جنوب العاصمة الأسبانية مدريد بحوالي 75 كيلو متر بينما حاول الكونتات السبعة الذين صاحبوا الحملة الفرار إلى حصن يسمي حصن بلنشون القريب فلحقت بهم جماعة من المسلمين قتلتهم عن آخرهم وقد قدر إبن أبي زرع الفاسي في كتابه الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس عدد القتلى من القشتاليين في تلك الوقعة بأكثر من 23 ألف قتيل أما المؤرخ المعاصر محمد عبد الله عنان فقد نقل عن مخطوطة محفوظة في مكتبة الإسكوريال التي تقع حاليا شمال غرب العاصمة الأسبانية مدريد كتبها الوزير إبن شرف بأمر من تميم بن يوسف إلى أخيه أمير المؤمنين علي بن يوسف يبشره بالفتح وبالإنتصار علي القشتاليين ويعلمه بأنه أمر بجمع رؤوس القتلى فبلغ مجموع ما تم جمعه منها أكثر من ثلاثة آلاف راس غير الغنائم والأسلاب الكثيرة وقد خسر المسلمون في هذه المعارك عددا من القتلى أبرزهم أحد الأئمة كان يدعى بالإمام الجزولي .
وبعد هذه المعارك عاد تميم بن يوسف في قواته إلى قاعدته غرناطة وترك قوات مرسية وبلنسية تحت إمرة قائديها لحصار قلعة أقليش فحاصراها لفترة ثم تظاهرا بالإنسحاب وإرتدا بقواتهما ونصبا الكمائن فخرج المدافعون عن الحصن فهاجمهم المسلمون وأمعنوا فيهم القتل والأسر وإحتلوا الحصن ثم فتحوا بعض المناطق المجاورة وبذة بمنطقة قشتالة وقونكة بوسط أسبانيا وأقونية وكونسويجرا بمنطقة قشتالة وغيرها وفي يوم 15 محرم عام 503 هجرية الموافق يوم 14 أغسطس عام 1109م عبر علي بن يوسف للمرة الثانية إلى بلاد الأندلس بجيوشه من سبتة وسار إلى غرناطة ومنها إلى قرطبة فأقام بها شهرا يجمع الجيوش ويضع الخطط ثم عبر جبال الشارات وهي أحد السلاسل الجبلية الرئيسية في أسبانيا وهي تمتد لمسافة 450 كيلو متر من الشرق إلي الغرب عبر جنوب شبه الجزيرة الأيبيرية ومن جبال الشارات إتجه إلى أراضي طليطلة التي إجتاحها وإنتسف زروعها وخرب ديارها وسبى الكثير من أهلها وإستولى على الكثير من القلاع والحصون وإسترد طلبيرة بمقاطعة طليطلة بمنطقة قشتالة ورتب بها حامية قوية ثم إستولى على مجريط وهي مدينة مدريد الحالية ووادي الحجارة وهما تقعان بوسط أسبانيا ثم ضرب حصارا على طليطلة مدة شهر دون أن يفتتحها وبعد وفاة ألفونسو السادس ملك قشتالة إضطربت الشؤون الداخلية في مملكة قشتالة نتيجة الصراع على العرش بين أورّاكا إبنة ألفونسو وحربها مع زوجها ألفونسو الأول ملك أراجون من جهة وبينها وبين أشراف جليقية الذين ناصروا تنصيب ولدها ألفونسو ريمونديث ملكا من جهة أخرى وإنشغلوا فترة عن مهاجمة المرابطين وقد إستغل المرابطون هذا الوضع وأطلقوا حملة أخرى يقودها مزدلي بن تيولتكان والي قرطبة نحو قشتالة في عام 507 هجرية الموافق عام 1114م فإستولى على حصن أرجنة وقتل حاميته وسبى الكثير من النساء والأطفال ثم قصد طليطلة وضرب حولها الحصار مرة أخرى ودارت معركة كبيرة بين جيش المرابطين وجيش مملكة قشتالة بقيادة ألبار هانس قتل فيها من القشتاليين عدد 700 مقاتل إلا أن قوات القشتاليين إستطاعت ألأن تفك الحصار بعد أن نجحت في إحراق آلات ومعدات جيش المرابطين الثقيلة وفي شهر صفر عام 509 هجرية الموافق شهر يونيو عام 1115م خرج محمد بن مزدلي والي قرطبة بعد وفاة أبيه ليرد القوات القشتالية التي إقتربت من أراضي قرطبة ونشب قتال عنيف سقط فيه محمد بن مزدلي وعدد كبير من زعماء قبيلة لمتونة منهم القائد محمد بن الحاج شهداء ولما وصل هذا الخبر السئ إلى علي بن يوسف ولى إبن عمه يحيى بن تاشفين على قرطبة فحشد قواته وسار على أثر القشتاليين نحو بياسة ولحق به عبد الله بن مزدلي والي غرناطة ونشبت معركة جديدة بين المرابطين والقشتاليين في يوم 28 جمادى الآخرة عام 509 هجرية الموافق يوم 17 نوفمبر عام 1115م إنهزم فيها المرابطون مرة أخرى وقتل وجرح منهم عدد كبير .
وفي عام 520 هجرية الموافق عام 1126م عبر تاشفين بن علي بن يوسف بجيش مرابطي قوامه عدد خمسة آلاف فارس بهدف غزو أراضي مملكة قشتالة فغزا أراضي طليطلة وإلتقى بالقشتاليين في منطقة تسمي فحص الضباب وهزمهم هزيمة شديدة وإفتتح ثلاثين حصنا وفي عام 522 هجرية الموافق عام 1128م إلتقى تاشفين بالقشتاليين عند قلعة رباح وهزمهم وفي شهر رمضان عام 524 هجرية الموافق عام 1130م خرج تاشفين في جيشي غرناطة وقرطبة إلى حصن السكة وإفتتحه عنوة وقتل به عدد 180 مقاتل ثم حصن بارجاس من أحواز مجريط بوسط أسبانيا فقتل فيه عدد 50 رجل ثم عاد أدراجه في شهر ربيع الأول عام 526 هجرية الموافق شهر يناير عام 1132م ونما إلى علم تاشفين بن علي بن يوسف أن القشتاليين يتجهون صوب قرطبة فهرع إليها فوجد القشتاليون قد إستولوا على حصن شنت إشتيبن بمنطقة سوريا وساروا إلى براشة وهناك وقعت معركة عنيفة هزم فيها المرابطون القشتاليين وقتلوا وأسروا عددا كبيرا منهم ثم بلغه تقدم جيش قشتالي آخر بقيادة الكونت ردريجو جونثالث دي لارا للإغارة على أراضي إشبيلية فقاتلهم والي المدينة عمر بن الحاج اللمتوني في معركة طاحنة عنيفة نشبت في يوم 15 رجب عام 526 هجرية الموافق يوم أول يونيو عام 1132م قتل فيها عمر بن الحاج ومعظم جنده فأغلقت المدينة أبوابها حتى أدركها جيش تاشفين بن علي فإنسحب الجيش القشتالي بغنائمه وفي عام 528 هجرية الموافق عام 1134م حشد ألفونسو السابع جيشا كبيرا وإتجه نحو بطليوس قرب الاحدود الأسبانية البرتغالية فسار إليه جيش تاشفين حتى إلتقيا في شهر جمادى الأولى عام 528 هجرية الموافق شهر مارس عام 1134م بالقرب من الزلاقة شمالي شبه الجزيرة الأيبيرية ودارت معركة كبيرة إنتصر فيها المرابطون ثم عاد تاشفين بن علي بن يوسف في شهر ذي الحجة عام 528 هجرية الموافق شهر أكتوبر عام 1134م وخرج بقوات غرناطة وقرطبة وإشبيلية لغزو أراضي مملكة قشتالة فكمن لهم القشتاليون عند موضع يدعى البكار وهاجموهم بألفي مقاتل فإضطرب المرابطون لكنهم ثبتوا بعد ذلك وهزموا القشتاليين بعد أن خسر الفريقان عددا كبيرا من القتلى والجرحي .
وكانت هذه حلقات الصراع بين المرابطين ومملكة قشتالة ومن جانب آخر كانت هناك حلقات صراع أيضا بين المرابطين ومملكة أراجون الأسبانية ففي عام 504 هجرية الموافق عام 1111م حاول عماد الدولة بن هود إسترداد ملكه في سرقسطة بدعم من ألفونسو المحارب ملك أراجون فخرج محمد بن الحاج والي سرقسطة في قواته ولحقته قوات مرسية بقيادة محمد بن عائشة فلما رأى ألفونسو تفوق المرابطين إنسحب إلى بلاده فطاردته عساكر المرابطين فترة وسارت قوة منهم بقيادة علي بن كنفاط اللمتوني نحو قلعة أيوب بمقاطعة سرقسطة وحاصرت بعض حصون عماد الدولة فإستغاث إبن هود مجددا بألفونسو المحارب فأرسل قوة لنجدته هزمت جيش المرابطين وأسرت قائده إبن كنفاط والذى بقي في أسر إبن هود فترة من الزمن وفي عام 512 هجرية الموافق عام 1119م ألمت بالمسلمين فاجعة بسقوط سرقسطة في يد ألفونسو الأول ملك أراجون بعد أن حاصرها شهورا دون أن يتمكن جيش مرابطي كان يقوده تميم بن يوسف من إنقاذ المدينة وبعد أن نظم ألفونسو المحارب شئون سرقسطة تابع غزوه في عام 513 هجرية الموافق عام 1120م لباقي مدن الثغر الأعلى فسار إلى طرسونة بمقاطعة سرقسطة فإفتتحها ومنها إلى برجة بمقاطعة سرقسطة أيضا فضمها أيضا مع عدد من الحصون الأخرى ثم زحف على قلعة أيوب وبلغت تلك الأنباء مسامع علي بن يوسف أرسل إلى أخيه إبراهيم بن يوسف والي إشبيلية بتجهيز الجيوش ودعوة الناس للجهاد فإجتمع له قوات من قرطبة وغرناطة ومرسية وعدد كبير من المتطوعين ودارت بين الفريقين معركة كتندة بالقرب من دروقة بمقاطعة سرقسطة في يوم 24 ربيع الأول عام 514 هجرية الموافق يوم 22 يونيو عام 1120م وإنتهت بهزيمة منكرة ومريرة للمرابطين مما فتح الطريق أمام ألفونسو المحارب للإستيلاء على مدينتي قلعة أيوب ودروقة وخسر المرابطون في هذه المعركة نحو 20 ألف فرد من المتطوعين وعدد من الفقهاء كان أبرزهم أبو علي الصدفي وأبو عبد الله بن الفراء قاضي ألمرية بجنوب شرق أسبانيا وإنسحب إبراهيم بن يوسف مع فلول الجيش إلى بلنسية مما فتح الطريق أمام ألفونسو المحارب لضم قلعة أيوب ودروقة وفي يوم أول شعبان عام 519 هجرية الموافق يوم أول سبتمبر عام 1125م خرج ألفونسو المحارب من سرقسطة في عدد خمسة آلاف فارس يصاحبهم عدد 15 ألف من المشاة وبعد أن راسله مسيحيو منطقة غرناطة يستدعونه لغزو قلب أراضي المسلمين ودخول بلدهم غرناطة فإخترق أراضي لاردة بمنطقة كاتالونيا وإفراغة بمنطقة أراجون وإنتهبهما ثم سار جنوبا صوب بلنسية فوصل إلي أحوازها في يوم 20 رمضان عام 519 هجرية الموافق يوم 19 أكتوبر عام 1125م فقاومته في بلنسية قوة مرابطية بقيادة أبي محمد يدّر بن ورقاء فغادرها إلى جزيرة شقر شرقي الأندلس ومنها إلى دانية بجنوب شرق أسبانيا فقاتلها في يوم 30 رمضان عام 519 هجرية الموافق يوم 29 أكتوبر عام 1125م ثم مر بشاطبة ومرسية وبرشانة بشرق وجنوب شرق أسبانيا ثم سار إلى بسطة وإفتتحها ومنها إلى وادي آش بشمال شرق غرناطة في اليوم الأول من شهر ذي القعدة عام 519 هجرية الموافق يوم 28 نوفمبر عام 1125م فقاتلها أياما ثم إقترب من غرناطة فتسرب مسيحيوها من المدينة وإلتحقوا بقوات ألفونسو وأمام هذه الحشود جمع تميم بن يوسف والي غرناطة قواته وأرسل إلى أخيه أمير المسلمين علي بن يوسف يطلب منه مددا فأمده بجيش كبير من المغرب على وجه السرعة وإنضمت إليه قوات مرسية وإشبيلية أما جيش ألفونسو فقد لبث بالقرب من غرناطة يتأهب يمنعه عنها توالى سقوط الأمطار والجليد وكان آنذاك مسيحيو غرناطة يمدونه بالمؤن ثم رحل عن غرناطة بعد أن رأى وفرة الجيوش المدافعة عنها وسلك طريق مرسانة بمقاطعة غرناطة إلى بيش ومنها إلى قلعة يحصب فقبرة واللسانة بجنوب أسبانيا بمنطقة أندلوسيا وجيوش المسلمين تطارده حتى بلغوا فحص الرينسول بمقاطعة غرناطة بمنطقة أندلوسيا جنوبي أسبانيا فوقعت بينه وبين المسلمين معركة إنتصر فيها المسلمون في أول يوم وفي المساء قرر تميم بن يوسف نقل خيمته من موقعها المنخفض إلى ربوة عالية فظن الجيش أنه ينسحب فإختل معسكره فإنتهز ألفونسو الفرصة وأوقع بالمسلمين الهزيمة .
وعبر ألفونسو بعد ذلك جبل الثلج الذى يقع بجنوب أسبانيا وعاد إلى بلاده يصحبه عشرة آلاف من مسيحيي الأندلس الذين إنضموا إلى جيشه في حملته خوفا من إنتقام المسلمين وهو ما حدث حيث أمر علي بن يوسف بإجلاء قطاع كبير من مسيحيي الأندلس إلى المغرب لما كان منهم من نقض العهد والخروج على الذمة بعد أن أفتاه علماء مسلمون منهم أبو الوليد بن رشد بذلك وتم ذلك في شهر رمضان عام 521 هجرية الموافق شهر سبتمبر عام 1127م وفي عام 523 هجرية الموافق عام 1129م هاجم ألفونسو المحارب القلعة بالقرب من جزيرة شقر جنوبي بلنسية وهزم قوة من المسلمين بقيادة إبن مجور وخسر المرابطون نحو 12 ألف فرد بين قتيل وجريح وأسير ثم حاصر ألفونسو بلنسية دون أن يتمكن من إقتحامها وبعد ذلك أغارت على غليرة الواقعة على البحر المتوسط جنوبي بلنسية وإكتسحها ثم إنشغل ألفونسو المحارب بضعة أعوام بالحرب مع منافسه ملك قشتالة الفتى ألفونسو السابع الذى كان قد خلف والده ألفونسو السادس وإنتهت هذه الحرب بعقد الهدنة بين قشتالة وأراجون في عام 524 هجرية الموافق عام 1130م وبعد الهدنة شن ألفونسو المحارب حملة لإنتزاع الأراضي الواقعة في مثلث ما بين نهري سينكا وسغرى اللذان ينبعان من جبال البرانس شمالي أسبانيا وحتى مرفأ طرطوشة بمنطقة كاتالونيا مصب نهر إبرة والذى يعد أطول أنهار أسبانيا في البحر الأبيض المتوسط بمنطقة كاتالونيا بشرق أسبانيا فبدأ بالزحف على مدينة مكناسة والتي تقع بمقاطعة سرقسطة بمنطقة أراجون بشمال شرق أسبانيا ودخلها بعد مقاومة عنيفة في شهر شعبان عام 527 هجرية الموافق شهر يونيو عام 1133م ثم توجه منها إلى إفراغة بمنطقة أراجون وحاصرها فهرعت إليها نجدات المرابطين وصمدت حامية إفراغة بقيادة سعد بن محمد بن مردنيش حتى أدركته النجدات ودارت معركة حامية تحت أسوار إفراغة بين قوات المرابطين وقوات قشتالة في يوم 23 رمضان عام 528 هجرية الموافق 17 يوليو عام 1134م إنهزم فيها القشتاليون هزيمة نكراء وقد مات بعدها بأيام الملك ألفونسو كمدا وحسرة .
وبالإضافة إلي الحروب التي حاضها أبي الحسن علي بن يوسف بن تاشفين مع مملكتي قشتالة وأراجون كانت له حروب أيضا مع البرتغال وبرشلونة ففي عام 504 هجرية الموافق عام 1111م أطلق علي بن يوسف حملة نحو الغرب يقودها سير بن أبي بكر والى إشبيلية صوب قلمرية بوسط البرتغال لقتال أميرها هنرى كونت البرتغال فسار نحو بطليوس ومنها إلى يابرة بجنوب البرتغال فإفتتحها ثم إستولى على أشبونة وهي مدينة لشبونة العاصمة البرتغالية الحالية والتي تقع بوسط البلاد وشنترة والتي تقع علي مقربة من لشبونة ثم سار شمالا فإستولى على شنترين والتي تقع شمالي لشبونة كما إفتتح برتقال بشمال البرتغال وهي مدينة بورتو الحالية وفي شهر المحرم عام 511 هجرية الموافق شهر مايو عام 1117م عبر علي بن يوسف للأندلس للمرة الثالثة وسار في قواته صوب إشبيلية ومنها نحو أراضي البرتغال وغزا قلمرية ولم تستطع قوات تيريزا كونتيسة البرتغال والإبنة غير الشرعية للملك القشتالي ألفونسو السادس أن تقاومه فدخل قلمرية بعد أن حاصرها في يوم 18 صفر عام 511 هجرية الموافق يوم 22 يونيو عام 1117م ثم غادرها محملا بالغنائم بعدما أدرك صعوبة الدفاع عنها وفيما بعد وفي عام 533 هجرية الموافق عام 1138م ردت حاميتا شنترين ويابرة قوات برتغالية غزت الأراضي الإسلامية وقتلت وأسرت منها عددا كبيرا وإستولت على ما كانت قد جمعته من غنائم وأسلاب ومن الجهة الشرقية لبلاد الأندلس وفي شهر صفر عام 508 هجرية الموافق شهر يوليو عام 1114م خرج إبن الحاج في قواته من سرقسطة وإنضم إليه في لاردة محمد بن عائشة في قواته وسارا شرقا وإخترقا أراضي كونتية برشلونة وإستوليا على قدر كبير من السبي والغنائم حتى وصلوا حدود برشلونة فبعث إبن الحاج الغنائم والسبي مع بعض قواته للعودة جنوبا وإتجه بباقي قواته غربا لكنه فوجئ بكمين كبير إشتبك معه بقواته في معركة كبيرة إنهزم فيها المرابطون وفر فيها إبن الحاج وإبن عائشة في عدد قليل وعندما علم على بن يوسف بتلك الهزيمة عين زوج أخته أبا بكر بن إبراهيم بن تافلوت والي مرسية على بلنسية وطرطوشة وسرقسطة وأمره بالسير للغزو وسار قائده إبن تافلوت شمالا نحو برشلونة وحاصرها عشرين يوما حتى خرج إلى لقائه ريموند برانجيه الثالث كونت برشلونة ونشبت معركة كبيرة إنتصر فيها المرابطون ولكنهم خسروا فيها نحو 700 قتيل فإنسحبوا نحو أراضيهم ولما إشتدت المعارك بين المرابطين وألفونسو المحارب ملك أراجون عقد المرابطون هدنة مع ريموند برانجيه الثالث يؤدي فيها المرابطون جزية قدرها 12 ألف دينار سنويا لبرشلونة نظير عدم مساندتهم لألفونسو المحارب في معاركه مع المرابطين .
وعلي صعيد الأحوال الداخلية في بلاد الأندلس ففي عام 503 هجرية الموافق عام 1110م ثار أهل سرقسطة على عماد الدولة بن هود آخر ملوك الطوائف في مرحلتهم الأولي بسرقسطة لإرتمائه في أحضان القشتاليين وكتبوا إلى علي بن يوسف يدعونه لإمتلاك بلادهم فأرسل علي بن يوسف قائده محمد بن الحاج والي المرابطين على بلنسية بقوات دخلت المدينة في يوم 10 من شهر ذي القعدة عام 503 هجرية الموافق يوم 31 من شهر مايو عام 1110م ودخل إبن الحاج قصر الجعفرية مقر عماد الدولة وهو قصر محصن بناه المقتدر بن هود في القرن الخامس الهجرى الموافق للقرن الحادى عشر الميلادى ففر عماد الدولة بأهله وماله قبل قدوم المرابطين إلى حصن روطة لينتهي بذلك حكم بني هود لسرقسطة وتنتهي إستقلالية طائفة سرقسطة آخر ممالك الطوائف الأولى ببلاد الأندلس لتغدو إحدى ولايات دولة المرابطين وفي أواخر عام 509 هجرية الموافق عام 1116م إسترد المرابطون الجزر الشرقية والمعروفة حاليا بجزر البليار من يد قوات جمهوريتي بيزا وجنوة الإيطاليتين وكونتية برشلونة التي كانت تحكم برشلونة وما حولها وبعض أجزاء من منطقة كاتالونيا والتي كانت قد إحتلتها قبل عام بأسطول مكون من عدد 300 سفينة يقودها إبن تفرتاش لكن دون أن يشتبكوا مع البيزيين وحلفائهم الذين فروا بغنائمهم قبل وصول المرابطين فعين علي بن يوسف وأنور بن أبي بكر اللمتوني واليا عليها وفي عام 515 هجرية الموافق عام 1121م عبر علي بن يوسف إلى الأندلس مرة أخرى بعد ثورة أهل قرطبة ضد واليها المرابطي أبي يحيى بن روادة ونهبهم لقصر الوالي ودور المرابطين غضبةً لإمرأة من أهل قرطبة تجرأ عبد من عبيد الوالي وأمسك يدها ووصل علي بن يوسف قرطبة في شهر ربيع الآخر عام 515 هجرية الموافق شهر يوليو عام 1121م فأغلق أهلها الأبواب وإستعدوا للقتال فأقام علي بن يوسف خارجها فترة حتى جاء إليه وفد يضم أعيان قرطبة لكي يفاوضه فتجاوز علي بن يوسف عما حدث عملا بوصية والده بالعطف على من أحسن من أهل قرطبة والتجاوز عن من أساء منهم وصالحهم على أن يعوض أهل قرطبة المرابطين عما نهب منهم ثم جاءته أنباء عن قيام السياسي والداعية الإسلامي محمد بن تومرت في منطقة السوس الأقصى بجنوب بلاد المغرب بمناهضة دولة المرابطين وإستفحال أمره فعاد مسرعا إلى عاصمته مراكش وفي عام 520 هجرية الموافق عام 1126م ثار أهل الجزر الشرقية على وأنور بن أبي بكر عندما أراد أن يرغمهم على ترك جزيرة ميورقة أكبر هذه الجزر وإنشاء مدينة أخرى داخل الجزيرة تكون بعيدة عن ساحل البحر فغضبوا عليه وبعثوا إلى علي بن يوسف يشكونه فإستجاب لهم وعين محمد بن علي بن غانية المسّوفي بدلا منه وكان أيضا من الأحداث الداخلية التي تعرضت لها دولة المرابطين خلال فترة حكم أبي الحسن علي بن يوسف في عام 529 هجرية الموافق عام 1135م حادث وقع بقرطبة حيث ثار أهلها وهاجوا هياجا شديدا ضد قاطنيها من اليهود بعد مقتل مسلم في أحد أحيائهم بالمدينة فإقتحموا منازل اليهود ونهبوها وقتل خلال ذلك عدد منهم .
وعن بلاد المغرب وشؤونها الداخلية ففي عام 514 هجرية الموافق عام 1120م وفد على مراكش السياسي والداعية الإسلامي محمد بن تومرت قادما من بلاد السوس الأقصى جنوبي المغرب كما ذكرنا في السطور السابقة وإتخذ هذا الداعية من منهج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طريقه في دعواه وعكف على تطبيق هذا المنهج بيده ما إستطاع إلى ذلك سبيلا وتشدد في ذلك حتى أنه دخل المسجد الجامع في مدينة مراكش في يوم جمعة وجلس على مقربة من المحراب بالقرب من الموضع المخصص لجلوس علي بن يوسف ولما إنتهت الصلاة بادر بالسلام عليه وقال له غير المنكر في بلدك فأنت المسؤول عن رعيتك وبكى فأعرض عنه علي بن يوسف وإستمر محمد بن تومرت في حملته حتى ذاع صيته وإنتشرت دعوته بين العامة فرأى علي بن يوسف أن يناظر الفقهاء هذا الرجل لعلهم يبطلون دعواه إلا أن إبن تومرت تفوق على مناظريه فأيقن علي بن يوسف خطورته وأشار عليه بعض خواصه بقتل إبن تومرت إلا أن عليا رفض هذا الرأي ورأى إخراجه من مدينة مراكش فغادرها إبن تومرت إلى مدينة أغمات العاصمة الأولي للمرابطين والتي تقع بجنوب وسط بلاد المغرب بالقرب من مدينة مراكش وأخذ يدعو الناس فإجتمع له أتباع ومريدون كثيرون ثم أعلن إبن تومرت بطلان بيعة علي بن يوسف ودعا أصحابه لخلع طاعة أمير المسلمين إلى أن بلغه أن هناك من يضمر قتله فقصد وصحبه بلاد السوس وأخذ يتنقل ويدعو بين قراها فإنضم إليه الكثير من الأتباع والمريدين حتى بلغ قرية في جبال المصامدة تدعى إيجليز ونزل في مكان منيع لا يصل إليه أحد إلا من طريق لا يسلكها أحد إلا فرادى وإتخذها مقرا مختارا له وفي يوم 15 رمضان عام 515 هجرية الموافق يوم 28 نوفمبر عام 1121م أعلن إبن تومرت في أصحابه أنه المهدى المنتظر الذى ينتظر المسلمون ظهوره في آخر الزمان ليشيع العدل ويرفع الظلم عن الناس وإستمر في نشر تعاليمه وقويت شوكته وفي تلك الأثناء كان علي بن يوسف قد عبر إلى الأندلس إثر ثورة أهل قرطبة وبلغته أثناء ذلك أنباء حركة محمد بن تومرت والذى كان قد قرر الإنتقال بدعوته إلى الكفاح المسلح والعمل على إسقاط دولة المرابطين والتي كان قد حل بها الضعف والوهن وظهرت بها المعاصي والمفاسد رغم أنها كانت دولة جهادية سلفية العقيدة ونشرت الإسلام في وسط وغرب قارة أفريقيا وبالإضافة إلي ذلك كانت أيضا قد خدمت الإسلام في بلاد الأندلس خدمة عظيمة يوم معركة الزلاقة والتي نشبت يوم الجمعة 12 رجب عام 479 هجرية الموافق يوم 23 أكتوبر عام 1086م وإنتصر فيها جيش المرابطين بقيادة أمير المسلمين يوسف بن تاشفين يسانده جيش أندلسي بقيادة المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية علي الجيش القشتالي المسيحي الذى كان يقوده ألفونسو السادس ملك قشتالة وهي تعد أول معركة كبيرة تشهدها شبه الجزيرة الأيبيرية في العصور الوسطى وإحدى أبرز المعارك الكبرى في التاريخ الإسلامي وأمام الخطر الموحدى علي المرابطين عاد علي بن يوسف أدراجه سريعا إلى عاصمته مراكش وجهز جيشا بقيادة أبو بكر بن محمد اللمتوني ووجهه الي بلاد السوس فلقي أتباع إبن تومرت عند جبل إيجليز في يوم 6 شعبان عام 516 هجرية الموافق يوم 9 أكتوبر عام 1122م فإنهزم المرابطون وغنم أتباع إبن تومرت ما كان معهم من متاع وسلاح وكان لذلك أثره الكبير في أن قويت شوكته أكثر وذاع صيته في تلك الأنحاء وإنضم الكثيرون إلى دعوته وأدرك علي بن يوسف خطورة الموقف فأرسل جيشا آخر إلي إبن تومرت بقيادة أخيه الأصغر إبراهيم بن يوسف فإنهزم أيضا أمام أتباع إبن تومرت الذين سماهم الموحدين فأرسل علي بن يوسف جيشا ثالثا يقوده سير بن مزدلي اللمتوني فلم يكن حظه أفضل من سابقيه وباء أيضا بالهزيمة ولم يأت عام 518 هجرية الموافق عام 1124م إلا وكانت سائر بلاد السوس قد دانت لإبن تومرت بحد السيف وفي ذلك العام إختار إبن تومرت الإنتقال إلى تينمل وهي موقع حصين يبعد نحو 100 كيلو متر جنوب شرقي مراكش على الطريق المؤدية إلى تارودانت بجنوب بلاد المغرب لتكون قاعدته الجديدة وفي عام 520 هجرية الموافق عام 1126م زحف جيش للموحدين يقوده البشير الونشريشي على أراضي قبيلة لمتونة فبعث علي بن يوسف لردهم جيشا بقيادة أخيه تميم فلحقت الهزيمة بالمرابطين وواصل الموحدون الزحف نحو أغمات فهزموا جيشا مرابطيا آخر يقوده أبو بكر بن علي بن يوسف وفي تلك الأثناء كان إبن تومرت قد جمع جيشا آخر قوامه 40 ألف مقاتل بينهم 400 فارس فقط ألحقه بجيش الونشريشي فبلغوه في عام 524 هجرية الموافق عام 1130م وتقدموا نحو أسوار مراكش وحاصروها 40 يوما صمدت خلالها المدينة حتى جاءتها الإمدادات من كل صوب حتى بلغ عدد جيش المرابطين مائة ألف مقاتل فخرج أميرهم علي بن يوسف بن تاشفين بنفسه على رأس جيش جرار في يوم 2 جمادى الأول عام 524 هجرية الموافق يوم 12 أبريل عام 1130م وإصطدم مع جيش الموحدين عند بستان كبير أمام أحد أسوار مراكش والبستان باللغة المحلية البربرية يسمى بالبحيرة ولذلك عرفت هذه المعركة بمعركة البحيرة والتي كانت معركة كبيرة إنتهت بهزيمة ساحقة للموحدين ولم ينج منهم سوى نحو 400 مقاتل فقط وكان في جملة من قتلوا قائدهم الونشريشي وعدد كبير من زعمائهم وفر أحد قادتهم وهو عبد المؤمن بن علي الكومي بفلول الموحدين إلى تينمل فوجد إبن تومرت في مرض الموت وسرعان ما توفي في يوم 25 رمضان عام 524 هجرية الموافق يوم 31 أغسطس عام 1130م وخلفه عبد المؤمن بن علي الكومي والذى كان بمثابة المؤسس الثاني لدولة الموحدين وتخليدا لذكراه ولإرتباط قرية تينمل به أمر خلفه عبد المؤمن بن علي الكومي في عام 1153م ببناء مسجد تينمل القائم حتي وقتنا الحاضر لكنه يحتاج إلي عملية إصلاح وترميم شاملة .
وبعد هذه الهزيمة الساحقة التي تعرض لها الموحدون في معركة البحيرة ووفاة زعيمهم محمد بن تومرت بعدها مريضا أمضى خليفته عبد المؤمن بن علي الكومي عاما ونصف العام ينظم صفوفه ويحشد الأتباع حتى إجتمع له عدد 30 ألف مقاتل خرج بهم للغزو فبدأ بغزو وادي درعة والذى يشمل عدد ست واحات متصلة تمتد وراء جبال الأطلس الكبير وغزا أيضا قلعة مدينة تازاجورت بجنوب شرق المغرب وقام بإقتحامها والإستيلاء عليها وعلي سائر بلاد درعة ثم عاد إلى تينمل وأمضى السنوات التالية يفتتح بلاد درعة والسوس ويخضع قبائلهما مما جعل علي بن يوسف يستشعر بالخطر مجددا ويرسل إلى ولده تاشفين بالعودة من الأندلس في عام 532 هجرية الموافق عام 1137م لمواجهة خطر الموحدين المحدق ووقع الصدام بين المرابطين والموحدين في أوائل عام 533 هجرية الموافق الربع الأخير من عام 1138م حين إلتقى جيش المرابطين بقيادة تاشفين بن علي وحليفه الربرتير وجيش الموحدين بقيادة عبد المؤمن بن علي الكومي في أراضي حاحة ودارت معركة كبيرة بينهما هزم فيها المرابطون وقتل منهم عدد كبير ثم تجدد اللقاء بين الجيشين مرة أخرى في شهر شوال عام 534 هجرية الموافق شهر يونيو عام 1140م وإنهزم المرابطون فيه مرة أخرى ثم هزم عبد المؤمن بن علي جيشا مرابطيا ثالثا كان يقوده هذه المرة الربرتير بالقرب من تارودانت بجنوب بلاد المغرب وفي أواخر عام 535 هجرية الموافق منتصف عام 1141م بادر الموحدون بالهجوم وإقتربوا من سجلماسة والتي تقع في واحة واسعة جنوبي جبال الأطلس الكبير فبادر واليها المرابطي أبو بكر بن صارة بالإستسلام للموحدين وواصل عبد المؤمن مسيره حتى بلغ وادي ورغة شمالي المغرب فواجهته قوة مرابطية يقودها الربرتير في معركة عنيفة قتل فيها الكثير من الفريقين ثم إنسحب المرابطون وسار الموحدون بعدئذ إلى الشمال فلاحقهم الربرتير إلى تيطاوين بمنطقة الريف الكبير شمالي المغرب فإرتد الموحدون إلى المزمة والتي تقع بمنتصف الشريط الساحلي المتوسطي لبلاد المغرب ومنها إلى تمسامان بالريف الشمالي الشرقي بالمغرب وكانت القبائل التي يمر بها الموحدون أثناء تلك المسيرة تدخل في طاعتها حتى تضخم جيش الموحدين وتزايد عدده تزايدا كبيرا بينما إرتد المرابطون إلى مدينة فاس في إنتظار إنقضاء فصل الشتاء ولم يعمر أبو الحسن علي بن يوسف بن تاشفين بعد ذلك طويلا حيث توفاه الله في يوم 7 رجب عام 537 هجرية الموافق يوم 25 يناير عام 1143م بالعاصمة المرابطية مراكش وقد ترك من الذكور أحد عشر ولدًا كان منهم أبو بكر وسير الذى كان وليا لعهد أبيه علي بن يوسف منذ عام 522 هجرية الموافق عام 1128م وتاشفين الذي عقدت له البيعة بولاية العهد في يوم 8 ربيع الآخر عام 533 هجرية الموافق يوم 12 ديسمبر عام 1138م في حالة وفاة سير وقد خلف تاشفين بن علي أباه علي بن يوسف بعد وفاته ليصبح الأمير السادس لدولة المرابطين في الفترة بين عام 537 هجرية الموافق عام 1143م وحتي إنتهاء عهده في عام 539 هجرية الموافق عام 1145م إنخرط خلالها في خوض العديد من المعارك ضد الموحدين حيث كانت وفاته في مدينة وهران بشمال غرب الجزائر عندما توجه جيش تاشفين إلى وهران وتبعه جيش الموحدين الذي عسكر على الجبل المطل على المدينة وفي أوائل شهر رمضان عام 539 هجرية الموافق أواخر شهر فبراير عام 1145م هاجم الموحدون قلعة المرابطين في وهران ودارت الدائرة على المرابطين ونجح تاشفين الفرار بفرسه إلى الجبل لكن فرسه تردى به ليلا من فوق مرتفعات الجبل فمات لفوره هو وفرسه وكان ذلك ليلة 27 رمضان عام 539 هجرية الموافق يوم 22 مارس عام 1145م وفي صباح اليوم التالي وجد الموحدون جثته فإحتزوا رأسه وأرسلوها إلى عبد المؤمن الذي أرسلها إلى تينمل بشرى لأتباعه .
وفي النهاية لا يفوتنا أن نذكر بعض السمات والصفات الشخصية وبعض أعمال أبي الحسن علي بن يوسف بن تاشفين حيث كان أبيض اللون مشربا بحمرة حسن القد صبوح الوجه أفلج أقنى أكحل العينين سبط الشعر ووصفه لسان الدين بن الخطيب في ترجمته لعلي بن يوسف في كتابه الإحاطة في أخبار غرناطة قائلا كان ملكا عظيما عالي الهمة رفيع القدر فسيح المعرفة عظيم السياسة كما كان ورعا متعبدا يحب العلماء ويؤثر مجالسهم ويشاورهم في أمره حتى إشتد نفوذ الفقهاء بالمغرب والأندلس في عهده خاصة إبن حمدين قاضي قرطبة حتى أصبح لا يقطع في أمر من الأمور صغيرا كان أو كبيرا إلا برأيهم وكان من أعماله شروعه في عام 520 هجرية الموافق عام 1126م في بناء سور حول عاصمة المرابطين مدينة مراكش عملا بنصيحة أبي الوليد بن رشد بعد أن إشتد أمر محمد بن تومرت حيث أن أمير المسلمين يوسف بن تاشفين عند تأسيسه لها لم يكن قد أحاطها بسور وقد تم بناء السور فيها حول المسجد والقصر وأنفق في البناء 70 ألف دينار كما أرسل علي بن يوسف إلى أمراء بلاد الأندلس يأمرهم بإصلاح وترميم الأسوار حول مدنها فإجتهد كل أمير منهم في إصلاح أسوار مدينته كما وسع علي بن يوسف عاصمته مدينة مراكش حتى تضاعف حجمها عما كانت عليه عند إنشائها وأنشأ بها الجامع والقصر المرابطي وأسس نظام للسقاية وبالإضافة إلي ما سبق كان هناك حدث جلل بارز ضمن الأحداث البارزة في عهد أبي الحسن علي بن يوسف بن تاشفين وهو حدوث سيل عظيم بمدينة طنجة المطلة علي مضيق جبل طارق شمالي المغرب في عام 532 هجرية الموافق عام 1138م إكتسح وخرب معظم دورها وقتل فيه عدد عظيم من الناس والدواب وفضلا عن ذلك كان أيضا من الأحداث الهامة في أواخر عهد علي بن يوسف حدوث حركة هجرة لأعداد كبيرة من أهل المغرب إلى الأندلس عام 535 هجرية الموافق عام 1141م بعدما إنتشرت أخبار الإنتصارات المتوالية للموحدين وتهديدهم وحصارهم لمدينة مراكش أكثر من مرة .
|