الجمعة, 6 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

عبد الرحمن الناصر لدين الله
-ج1-

عبد الرحمن الناصر لدين الله
-ج1-
عدد : 09-2022
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”


عبد الرحمن الناصر لدين الله وكنيته أبو المطرف هو ثامن حكام الدولة الأموية التي تأسست في بلاد الأندلس علي يد عبد الرحمن بن معاوية المعروف بعبد الرحمن الداخل وأيضا بصقر قريش في تلك البلاد عام 138 هجرية الموافق عام 756م وذلك بعد سقوط الخلافة الأموية في العاصمة الأموية دمشق علي أيدى العباسيين عام 132 هجرية الموافق عام 750م وهو أول خلفاء مدينة قرطبة التي تقع بمنطقة أندلوسيا بجنوب بلاد الأندلس بعد أن أعلن الخلافة في المدينة المذكورة في مستهل شهر ذي الحجة من عام 316 هجرية الموافق منتصف شهر يناير عام 929م وقد عرف في المصادر والمراجع والروايات الغربية بإسم الفخليفة عبد الرحمن الثالث تمييزا له عن جديه عبد الرحمن بن معاوية صقر قريش أو عبد الرحمن الداخل وعبد الرحمن بن الحكم المعروف بعبد الرحمن الأوسط وقد تعرضت الدولة في عهده إلي حركات فتن وتمردات وعصيان داخلية عديدة لكنه إستطاع إخمادها والقضاء عليها مستعيدا هيبة الدولة وبسط سلطته على كافة أنحاء دولته بعد أن كانت قد إنحصرت هذه السلطة في عهد سابقيه في قرطبة ونطاق ضيق حولها وإتبع في ذلك سياسة كانت ترمي أولا إلى تركيز السلطة في يده وتوحيد بلاد الأندلس على مثل ماكانت عليه في عهد خلفاء بني أمية الأقوياء ومن ثم فقد إتخذ سياسة تقوم على الترغيب والترهيب حيث كاتب أمراء البلاد فبايعه بعضهم ومن خرجوا علي طاعته أعد لهم حملة خرج على رأسها لقهر هؤلاء الخارجين عليه وإفتتح ما يقرب من ثلاثمائة حصن خلال نصف شهر وقضى على أخطر المعارضين له ومن جانب آخر فقد إستطاع أن يحافظ على حدود الدولة الخارجية عن طريق تحقيق إنتصارات عسكرية على الممالك المسيحية المجاورة في الشمال مما أنهى أطماع تلك الممالك في التوسع جنوبا ولم تقتصر مساعي عبد الرحمن الناصر فقط في الحفاظ على حدود دولته على مجابهة الممالك المسيحية في شمال بلاد الأندلس حيث تمكن بعد معارك دامية من الإنتصار على مملكتي ليون ونبرة المسيحتين مما إضطرهما إلي مصالحته وعلاوة علي ذلك إستطاع تأمين حدوده الجنوبية عن طريق السيطرة على الموانئ المقابلة للأندلس في بر بلاد المغرب وتقديم الدعم المادي والعسكري لبعض أمراء المغرب لصد مساعي الفاطميين للتوسع غربا نحو بلاد الجزائر والمغرب ومن ثم غزو الأندلس فإنصرفوا إلي جهة الشرق حيث ليبيا ومصر وبفضل الإستقرار السياسي والمغانم العسكرية التي تحققت علي يد عبد الرحمن الناصر لدين الله إنتعشت بلاد الأندلس في عهده إقتصاديا وعسكريا وفضلا عن ذلك فقد إشتهرت قرطبة وجامعتها الشهيرة في زمانه بمنارة العلم والعلماء مما جعل بلاد الأندلس وجهة هامة لتلقي العلوم وأيضا وجهة للبعثات الدبلوماسية من أقطار مختلفة بهدف خطب ود أو طلب الدعم والعون والمساعدة من الخليفة عبد الرحمن الناصر لدين الله والتي كان من بينها وأعظمها سفارة بيزنطة عام 338 هجرية الموافق عام 949م ولذا فهو يعتبر أقوى أمراء بني أمية ببلاد الأندلس إلي جانب جده عبد الرحمن الداخل ويعتبر عصره من العصور الذهبية لتلك البلاد والذى إمتد لمدة 50 عاما .


وكان ميلاد عبد الرحمن الناصر لدين الله في مدينة قرطبة في شهر رمضان عام 277 هجرية الموافق شهر ديسمبر عام 890م لأبيه محمد بن الأمير عبد الله بن محمد سابع أمراء دولة بني أمية في بلاد الأندلس وكانت أمه مسيحية أوروبية تدعى مزنة أو ماريا كما تشير الروايات الأجنبية وكان أبوه أكبر أبناء الأمير عبد الله وولي عهده إلا أنه قتل بعد ولادة إبنه عبد الرحمن بنحو عشرين يوما بعد أن حسده أخوه المطرف لإختيار أبيهما لمحمد وليا للعهد فوشي به عند أبيه متهما إياه بالتواطؤ مع زعيم المتمردين على عرش الإمارة عمر بن حفصون والذى كان أشد المناهضين لحكم الدولة الأموية بالأندلس لمدة تزيد عن 30 عاما خلال عدد 4 من حكامها سيطر خلالها على مناطق كبيرة في جنوب الأندلس ولاقت حركته ترحيب من أعداد كبيرة من سكان تلك المناطق فإرتاب الأمير عبد الله في ولده محمد وأمر بإحتجازه في القصر ولم يمض وقت طويل حتى ثبتت براءته وقبل أن يهم الأمير عبد الله بإطلاق سراح إبنه بادر المطرف شقيقه إليه في سجنه وأثخنه طعنا حتى قتل وهناك رواية أخرى في هذا الأمر حيث ذكرت بعض الروايات أن محمدا قد فر بالفعل إلى إبن حفصون بعد وشاية أخيه المطرف عند أبيهما فظهر غضب الأمير على محمد إلا أن محمدا إستأمن أباه وعاد وما لبث أن جد المطرف في وشايته بأخيه فحبس الأمير إبنه محمدا في قصره وخرج الأمير في حملة وإستخلف إبنه المطرف فقتل المطرف أخاه في محبسه وعموما فبعد مقتل محمد أبي عبد الرحمن كفل الأمير عبد الله حفيده عبد الرحمن وأسكنه في قصره فنشأ مقربا إلى جده الذي آثره وأولاه عنايته وعني بتربيته وتعليمه فتعلم القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة كما درس الشعر والتاريخ والنحو وعلمه فنون الحرب والفروسية فكان محل ثقة جده الذي أوكل إليه القيام بالعديد من المهام بل وندبه للجلوس مكانه في بعض المناسبات والأعياد لكي تسلم الجند عليه وحين إشتد به المرض أشار إليه بخاتمه إشارة منه بإستخلافه وما أن لفظ الأمير عبد الله أنفاسه الأخيرة في غرة شهر ربيع الأول من عام 300 هجرية الموافق يوم 15 أكتوبر عام 912م حتى أُخذت البيعة لحفيده عبد الرحمن بن محمد في قصر قرطبة حيث بايعه في البداية أعمامه أبان والعاص وعبد الرحمن ومحمد وأحمد ثم أعمام أبيه العاص وسليمان وسعيد وأحمد وقد خطب في الحضور عمه أحمد بن عبد الله فقال والله لقد إختارك الله على علم للخاص منا والعام ولقد كنت أنتظر هذا من نعمة الله علينا أسال الله إيزاع الشكر وتمام النعمة وإلهام الحمد ثم بايعته حاشية القصر والوزراء ففقهاء قرطبة وأعيانها وعند الظهر صلى عبد الرحمن الناصر على جثمان جده ودفنه وبعد ذلك جلس جمع من وزرائه لتلقي البيعة عنه في المسجد الجامع في مدينة قرطبة ثم أُرسلت الرسل إلى عمال الأمير في سائر المدن لأخذ البيعة من الناس .


وجدير بالذكر أن بيعة عبد الرحمن الناصر حينئذ كانت أمرا غير معهود فقد كانت العادة أن ينتقل الأمر من الآباء إلى الأبناء أو إلى الإخوة وهو ما لم يحدث في حالتنا هذه رغم وجود عدد من أبناء الأمير عبد الله وإخوته على قيد الحياة عند وفاة الأمير وقد أرجع بعض النقاد والمؤرخين سبب هذا الإنتقال غير المعهود للسلطة من الجد إلى حفيده ومباركة البيت الأموى لذلك إلى تخوف أمراء بني أمية من ذلك الحمل الثقيل والمغامرة غير المأمونة العواقب بتحمل مسئولية الإمارة في ظل حالة التمزق التي كانت تسود بلاد الأندلس آنذاك بعد إشتعال نار حركات العصيان والتمرد والإنفصال في معظم جنبات دولة الأمويين في بلاد الأندلس ولم يعد للأمير سلطة فعلية إلا على مدينة قرطبة وبعض المناطق المحيطة بها ومن جانب آخر فقد رأى البعض من المؤرخين أن هذه البيعة كانت تعففا وإحتراما لمشيئة الأمير الراحل عبد الله ويستند هؤلاء المؤرخون في نظريتهم تلك إلى ما كان من بعض أعمام عبد الرحمن من محاولة للإنقلاب على حكمه بعد أن إستطاع هذا الأخير الوصول بالدولة إلى بر الأمان كما أن عبد الرحمن الذي ساكن جده الأمير في قصره قد أظهر همة ومهارة ونجاح في أداء المهام التي أوكلها له جده مما جعل الأمراء الأمويين يتوسمون في هذا الشاب المقدرة على تجاوز هذه المرحلة الصعبة في تاريخ دولتهم بينما يرى إبن عذارى أنه إنما جلس عبد الرحمن على عرش الإمارة إلا وفاءا لرغبة الأمير عبد الله بإستخلاف حفيده الذي كان محل ثقته وإيثاره وعموما فقد كانت الإمارة حين تولاها عبد الرحمن الناصر بن محمد مضطربة للغاية وكانت قد إنطلقت فيها الثورات والتمردات في كل مكان حتى أن إبن عذاري وصف بلاد الأندلس في تلك المرحلة بأنها جمرة تحتدم ونارا تضطرم شقاقا ونفاقا وكان على الأمير الشاب أن يسرع في تدبير أمور دولته ومجابهة العصاة والمتمردين قبل أن يفقد السيطرة على الأوضاع وتذهب دولة بني أمية بالكلية فبعد أن أخذت البيعة لعبد الرحمن بدأ الأمير الشاب في ترتيب الشأن الداخلي لإمارته فولى مولاه بدر بن أحمد الحجابة وأقر بعض الوزراء والقادة من ذوي الخبرة كان منهم القائد العسكرى أحمد بن محمد بن أبي عبدة الذي ولاه قيادة الجيش والذى كان قد واجه العديد من حركات التمرد والعصيان ببلاد الأندلس في السابق كما إستبدل البعض الآخر وسارع بعد ذلك بإرسال حملة عسكرية قوية بقيادة القائد العباس بن عبد العزيز القرشي لقتال الثائر البربري الفتح بن موسى بن ذي النون وحليفه محمد بن إدريس الرباحي المشهور بأرذبلش اللذان أعلنا التمرد في مقاطعة جيان بجنوب بلاد الأندلس فإلتقاهما في شهر ربيع الآخر من عام 300 هجرية الموافق شهر نوفمير عام 912م في منطقة قلعة رباح وهزمهما وقتل أرذبلش والكثير من أتباعهما وأرسل العباس رأس أرذبلش إلى قرطبة فوصلها في 10 ربيع الآخر من عام 300 هجرية الموافق يوم 23 نوفمبر عام 912م وعلق بباب السدة فكان رأس أرذبلش أول رأس لمتمرد ترفع في عهد الأمير عبد الرحمن وبذلك إنتهي التمرد في تلك المقاطعة .


وبعد ذلك أرسل عبد الرحمن الناصر حملة نحو الغرب لإسترداد إستجة وهي مدينة بمقاطعة إشبيلية بجنوب أسبانيا من أتباع إبن حفصون ثم خرج بنفسه في شهر شعبان عام 300 هجرية الموافق شهر مارس عام 913م بجيش توجه به نحو الجنوب الشرقي نحو مقاطعة ألبيرة جنوبي مقاطعة غرناطة إلا أنه غير وجهته نحو مقاطعة جيان فاستولى على حصن مرتش وأرسل قوة نجحت في إسترداد ملقة التي تقع علي ساحل البحر المتوسط بشرق جنوب أسبانيا ومن مرتش توجه عبد الرحمن الناصر بجيشه نحو حصن المنتلون بمنطقة قشتالة وليون بأسبانيا الذي تحصن به سعيد بن هذيل أحد زعماء المولدين الذين يعدون من أهل الأندلس والذين ولدوا بها وإعتنقوا الإسلام وحاصره إلى أن سلم سعيد بن هذيل الحصن بعد أن أمنه عبد الرحمن الناصر على حياته في شهر رمضان عام 300 هجرية الموافق شهر أبريل عام 913م ثم بدأ عبد الرحمن الناصر في إنتزاع الحصون التي إحتلها المتمردون الواحد تلو الآخر فإنتزع حصن شمنتان من عبد الله بن أمية بن الشالية وحصن منتيشة من إسحاق بن إبراهيم ثم سائر حصون مقاطعة جيان من أتباع إبن حفصون من زعمائها الذين دخلوا في طاعة الأمير بعد أن عفا عنهم وبعدئذ توجه عبد الرحمن الناصر بجيشه جنوبا نحو مقاطعة رية بمنطقة أندلوسيا جنوبي أسبانيا معقل إبن حفصون فأخضع سائر حصونها ومنها إلى مدينة وادي آش التابعة لمقاطعة غرناطة بمنطقة أندلوسيا فإستردها وأخضع حصونها وسائر حصون سلسلة جبل الثلج بجنوب أسبانيا وحاول إبن حفصون أن يخفف الضغط الذي سببته هجمات جيش الأمير عبد الرحمن الناصر على مناطق نفوذه بأن أرسل قوة لمهاجمة غرناطة إلا أن خطته فشلت بعدما نجحت حاميتها وأهل ألبيرة في صد ذلك الهجوم وواصل جيش الأمير إنتزاعه للحصون من أيدي الثائرين وإخضاعها حتى بلغ جملة ما إفتتحه عبد الرحمن الناصر في غزوته تلك سبعين حصنا من أمهات الحصون بالإضافة إلي توابعها من الحصون الصغيرة والأبراج والتي وصل عددها إلى ثلاثمائة ثم عاد إلى قرطبة يوم عيد الأضحى المبارك 10 من ذي الحجة عام 300 هجرية الموافق يوم 17 يوليو عام 913م مكللا بالنصر بعد ثلاثة أشهر من الغزو .

وبعد عودة عبد الرحمن الناصر إلى قرطبة سرعان ما لعبت الأحداث دورها لتساعد الأمير الجديد فجاءته أنباء وفاة إبراهيم بن حجاج زعيم إشبيلية وإقتسام ولديه عبد الرحمن ومحمد الحكم فتولى عبد الرحمن حكم إشبيلية بينما تولى محمد حكم قرمونة بمقاطعة إشبيلية بجنوب أسبانيا ثم توفي عبد الرحمن بن إبراهيم بن حجاج في شهر المحرم عام 301 هجرية الموافق شهر أغسطس عام 913م فطمع أخوه محمد في حكم إشبيلية إلا أن أهل إشبيلية اختاروا لهم زعيما آخر من بني حجاج أيضا يدعى أحمد بن مسلمة بن حجاج فغضب محمد بن إبراهيم من إختيار أهل إشبيلية لإبن مسلمة فلجأ محمد للأمير عبد الرحمن الناصر ودخل في طاعته فبعث له الأمير بجند حاصر بهم المدينة وضيق على أحمد بن مسلمة الذي إستنجد بإبن حفصون الذي سار إليه بنفسه تعضيدا له وتقاتل الفريقان في معركة دموية رهيبة إنتهت بهزيمة إبن مسلمة وحليفه إبن حفصون شر هزيمة فإنتهز الأمير عبد الرحمن تلك الفرصة وأرسل جيشا بقيادة حاجبه بدر بن أحمد الذي نجح في دخول إشبيلية دون إراقة دماء في شهر جمادى الأولى عام 301 هجرية الموافق شهر ديسمبر عام 913م إلا أن عبد الرحمن لم يول محمد بن إبراهيم حكم المدينة وعين لها سعيد بن المنذر القرشي حاكما لمقاطعة إشبيلية من قبله لينهي الأمير عبد الرحمن بذلك تمرد إشبيلية على سلطة الإمارة وفي هذه الفترة أيضا عاد إبن حفصون إلى مهاجمة حصون مقاطعتي رية والجزيرة الخضراء بجنوب أسبانيا فعادت تلك المناطق لسابق ثورتها على الأمير عبد الرحمن الناصر في قرطبة مما دعا عبد الرحمن أن يخرج بنفسه مرة أخرى في شهر شوال عام 301 هجرية الموافق شهر مايو عام 914م فتوجه إلى قلعة طرش بمقاطعة ملقة بمنطقة أندلوسيا بجنوب أسبانيا وحاصرها وإفتتحها وإفتتح أيضا العديد من الحصون والقلاع تباعا فإضطر عمر بن حفصون أن يخرج بقواته مع حلفائه من الممالك المسيحية في الشمال لقتال جيش الأمير عبد الرحمن فإلتقى الجيشان عند قلعة طرش ودارت معركة كبيرة إنتهت بهزيمة إبن حفصون وحلفائه ومقتل عدد كبير من جنودهم ففر إبن حفصون غربا وواصل عبد الرحمن ضغطه عليه فأرسل جزء من أسطوله لإعتراض السفن المحملة بالمؤن التي أرسلها الفاطميون حلفاء إبن حفصون لدعم هذا الأخير فإستولت سفن الأمير عليها وأحرقتها وبعد ذلك زحف عبد الرحمن إلى الجزيرة الخضراء ودخلها في شهر ذى القعدة عام 301 هجرية الموافق شهر يونيو عام 913م ثم سار إلى شذونة بمقاطعة قادس بمنطقة أندلوسيا بجنوب أسبانيا ومنها إلى قرمونة لإخضاع ثورة حبيب بن سوادة الذي ما أن وصل جيش الأمير إلى المدينة حتى طلب الأمان من الأمير فأمنه عبد الرحمن على أن ينتقل بأهله إلى قرطبة والتي عاد الأمير عبد الرحمن إليها في شهر ذي الحجة عام 301 هجرية الموافق شهر يوليو عام 913م بعد أن وجه ضربة موجعة للثائرين وفي العام التالي 302 هجرية الموافق عام 914م عمت مدينة قرطبة الأفراح مع مولد الحكم بن عبد الرحمن ولي عهد الأمير عبد الرحمن الناصر من جارية رومية تدعى مرجان فسر به الأمير عبد الرحمن وأجرى العطايا والهبات إحتفالا بتلك المناسبة وفي نهاية عام 302 هجرية الموافق منتصف عام 915م حلت مجاعة عظيمة بالأندلس إستمرت للعام التالي فإنتشرت الأمراض والأوبئة وعم الموت وأبدى الأمير عبد الرحمن حنكة في التعامل مع تلك الأزمة فأوقف حملاته العسكرية في ذلك العام ووزّع الصدقات والمؤن على الفقراء والمعوزين فحذا حذوه الأمراء وكبار رجال الدولة فأخرجوا الصدقات للفقراء مما ساهم في تخفيف وطأة المجاعة على الشعب إلى حد ما مما زاد من شعبيته بين أبناء شعبه ومع إنتهاء البلاء سير عبد الرحمن القائد أحمد بن محمد بن أبي عبدة في جيش لغزو الممالك المسيحية في الشمال والوزير إسحق بن محمد القرشي لغزو مقاطعتي تدمير وبلنسية بشرق الأندلس فإفتتح حصن أريولة بجنوب شرق أسبانيا ومدينة الحامة بجنوب شرق أسبانيا كما وجه الحاجب بدر بن أحمد لغزو لبلة بمنطقة أندلوسيا جنوبي أسبانيا ففتحها .


وفي عام 303 هجرية الموافق عام 916م طلب إبن حفصون من الأمير عبد الرحمن الناصر الصلح وسعى له في ذلك يحيى بن إسحاق طبيب الأمير وصديق إبن حفصون فقبل عبد الرحمن العرض وكف يحيى بن إسحاق بالتفاوض مع إبن حفصون على شروط الصلح فإتفقا على عدة شروط منها أن يقر الأمير لإبن حفصون سيطرته على عدد 162 حصنا على أن يدخل إبن حفصون في طاعة الأمير عبد الرحمن والذى وافق على هذه الشروط وسعد بذلك إبن حفصون وتبادلا الهدايا ولزم إبن حفصون هذا العهد حتى مماته في شهر ربيع الأول من عام 306 هجرية الموافق شهر أغسطس عام 918م وكان له أربعة من الأبناء سليمان وجعفر وعبد الرحمن وحفص وإبنة واحدة تدعى أرخنتا وإقتسم بني عمر بن حفصون الحصون التي كانت خاضعة لأبيهم فكانت قلعة ببشتر بمقاطعة ملقة بجنوب أسبانيا من نصيب جعفر فيما إتخذ عبد الرحمن من قلعة طرش معقلا له أما سليمان فدانت له أبدة بمقاطعة خاين بمنطقة أندلوسيا بجنوب أسبانيا ولم يمر وقت طويل حتى نقض جعفر بن عمر بن حفصون العهد الذي كان بين أبيه والأمير عبد الرحمن الناصر بل وطمع فيما في يد أخيه عبد الرحمن من حصون مما دفع عبد الرحمن بن عمر بن حفصون للجوء إلى الأمير عبد الرحمن والدخول في طاعته مسلما إياه قلعة طرش ثم أمر الأمير عبد الرحمن بعد ذلك بتوجيه حملة إلى أبدة فإحتلتها وتم أُسر سليمان بن عمر بن حفصون وسيق للأمير عبد الرحمن والذى قام بالعفو عنه فيما بعد وفي عام 308 هجرية الموافق عام 920م قتل جعفر بن عمر بن حفصون في مؤامرة دبرت ضده وخلفه أخوه سليمان الذي نكث عهد الطاعة للأمير عبد الرحمن فسار الأمير لقتاله وحاصر قلعة ببشتر ثم فك حصارها بعد أن إستعصت عليه إلا أنه عاد وحاصرها عام 311 هجرية الموافق عام 923م وشدد الحصار عليها فإضطر سليمان للفرار من القلعة إلى جبل ببشتر وإستولى الأمير عبد الرحمن على عدد من حصونه فإستسلم له سليمان على أن يترك له عددا من الحصون التي في يده للأمير وهو ما قبله عبد الرحمن وتصالحا على ذلك ثم عاد سليمان مرة أخرى إلى تمرده عام 314 هجرية الموافق عام 926م فبعث له الأمير جيشا بقيادة وزيره عبد الحميد بن بسيل الذي نجح في هزيمة سليمان والذى قتل فأرسل إبن بسيل برأسه إلى قرطبة وخلف حفص بن عمر بن حفصون أخيه سليمان إلى أن سار له الأمير في شهر ربيع الأول عام 315 هجرية الموافق شهر مايو عام 927م مصطحبا معه ولي عهده الحكم وحاصر قلعة ببشتر لعدة أشهر حتى طلب حفص الأمان من الأمير عبد الرحمن وسلم له القلعة في شهر ذي القعدة عام 315 هجرية الموافق شهر يناير عام 928م وأرسل الأمير للقلعة واليا من قبله لينهي بذلك حركة التمرد والعصيان التي قادها بنو حفصون لنحو نصف قرن في جنوب شرق الأندلس وفي شهر المحرم عام 316 هجرية الموافق شهر مارس عام 928م توجه الأمير ومعه ولده الحكم إلى مدينة ببشتر لتنظيم شئونها الداخلية والتي ظلت لأعوام طويلة خارج سيطرة الأمير عبد الرحمن الناصر فوجدها شديدة التحصين إضافة إلى موقعها الذى زادها منعة فأمر بادئ ذى بدء بدك أسوارها حتى يسهل السيطرة عليها إن تمردت مرة أخرى ثم طهر المدينة من آثار بني حفصون وأقام الصلاة في مساجدها وهدم الكنائس والأديرة التي كان قد شيدها عمر بن حفصون بعد أن إرتد عن الإسلام ثم أمر بالقبض على أرخنتا بنت عمر بن حفصون التي أصرت على تنصرها فأعدمها عبد الأمير الرحمن بحد الردة مما جعل المسيحيين يدرجونها في سلك قديسيهم وشهدائهم كما أمر بفتح قبر عمر بن حفصون ليتحقق من صحة كونه مات مسيحيا فوجد أنه مدفون على الطقوس المسيحية فأمر بصلبه في مدينة قرطبة إلى جانب أشلاء ولده سليمان وظلت أشلاؤهما معلقة حتى عام 331 هجرية الموافق عام 942م ليكونا عبرة لكل من تسول له نفسه التمرد على سلطان الأمير عبد الرحمن الناصر .


ومن جانب آخر ففي عام 314 هجرية الموافق عام 926م أرسل الأمير عبد الرحمن وزيره عبد الحميد بن بسيل إلى الثغر الأعلى وهو القسم من الأندلس العربي الذى كان يقع في شمالها ويمثل الحدود بينه وبين مملكة نافارا وكونتية برشلونة وكان يمثل معقل بني ذي النون فهاجم شنت برية التي تقع في مقاطعة قشتالة بوسط أسبانيا وفتحها وقتل محمد بن محمد بن ذي النون وأخضع مدينة سرية إحدى مدن المقاطعة وفي عام 317 هجرية الموافق عام 929م نجح درى بن عبد الرحمن صاحب شرطة الأمير أن ينهي تمرد عامر بن أبي جوشن في شاطبة بمقاطعة بلنسية شرقي أسبانيا وإسترد المدينة منه وبقي أمام عبد الرحمن عقبة أخرى في الثغر الأعلى وهي طليطلة المدينة التي ما إستكانت لوال أو أمير أندلسي إلا مرغمة ولا خضعت إلا صاغرة وما من أمير أموي إلا وإضطر لحمل السلاح لإخضاعها وإعادة أهلها إلى الطاعة ولجأ الأمير عبد الرحمن في البداية إلى مسايرة أهلها فأرسل إليهم في عام 318 هجرية الموافق عام 930م وفدا من وجوه أهل قرطبة وفقهائها ليدعوهم للدخول في طاعة الأمير فرفض أهل طليطلة ذلك فقد كان في ذلك إنتكاسة لهم فقد كانوا لا يؤدون جباية ولا يلتزمون طاعة فأرسل إليهم جيشا بقيادة سعيد بن المنذر القرشي فحاصرها عامين ونجح في صد جيش أتي من الممالك المسيحية في الشمال لنجدة المدينة بعد أن راسلهم أهلها قبل أن يخرج لها عبد الرحمن في جيش آخر عام 320 هجرية الموافق عام 922م مما إضطر قائد المدينة ثعلبة بن محمد بن عبد الوارث أن يطلب الأمان لأهل المدينة ودخولها في طاعة الأمير عبد الرحمن الناصر وهو ما تم قبوله من جانبه وكان الأمير عبد الرحمن بعد أن نجح في إستعادة السيطرة على جنوب وشرق الأندلس كان هناك تحديا آخر أمامه في غرب الأندلس ألا وهم بني مروان الجليقيين الذين كان موطنهم بشمال غرب أسبانيا وهم من المولدين الثائرين على سلطة قرطبة الذين سيطروا على مقاطعة بطليوس وما جاورها من مدن لنحو أربعين عاما ولذا ففي شهر ربيع الأول عام 317 هجرية الموافق شهر مايو عام 929م قرر الأمير عبد الرحمن الناصر أن يتوجه بجيشه غربا لينتزعها من يد صاحبها عبد الرحمن بن عبد الله الجليقي صاحب مقاطعة بطليوس التي تقع غربي أسبانيا قرب الحدود البرتغالية الأسبانية وإصطحب معه في تلك الغزوة ولداه الحكم والمنذر فحاصر بطليوس وضربها بالمجانيق فطلب الجليقي الأمان فوافقه الأمير على ذلك على أن ينتقل بأهله إلى قرطبة وجعل الأمير للمدينة واليا من قبله لينتهي بذلك تمرد آخر لأسرة أخرى مردت على التمرد على سلطة الأمير والذى توجه بعد ذلك إلى مدينة باجة وهي تقع بجنوب شرق البرتغال حاليا لإخضاع تمرد عبد الرحمن بن سعيد بن مالك الذي رفض الدخول في طاعة الأمير عبد الرحمن الناصر فحاصر المدينة حتى إستسلم له إبن مالك يسأله الأمان فأمنه الأمير عبد الرحمن وأمره بالإنتقال وأسرته إلى قرطبة وجعل لباجة واليا من قبله ومن باجة إنتقل عبد الرحمن إلى أكشونبة وهي مدينة فارو بجنوب البرتغال حاليا فبادر خلف بن بكر بالتسليم والخضوع للأمير فأقره الأمير عبد الرحمن الناصر على المدينة على أن يلتزم بحسن السيرة ويؤدى حصته من الجباية .


وإذا ما نظرنا إلي الجهة الشمالية من الأندلس حيث الممالك المسيحية وبالتحديد مملكتي ليون ونافارا حيث أنه مع تفكك عرى الدولة الأموية بالأندلس بسبب الثورات وحركات التمرد والعصيان على عرشها خاصة في عهد الأمير عبد الله بن محمد جد الأمير عبد الرحمن الناصر أصبحت الفرصة سانحة أمام الممالك المسيحية المشار إليها للتوسع جنوبا وضم أجزاء من الأراضي التي خضعت لسلطان المسلمين في بلاد الأندلس فقامت تلك الممالك بضم جميع الأراضي الواقعة شمال نهر دويرة بوسط أسبانيا وكان يسميه العرب في الأندلس الوادى الجوفي وهو ثالث أكبر انهار شبه جزيرة أيبيريا بعد نهرى التاجة وإبرة ويبلغ طوله 897 كيلو متر وهو ينبع من جبال اوربيون في أسبانيا ويصب في المحيط الأطلسي في البرتغال وقامت الممالك المسيحية المذكورة في السطور السابقة بتشييد العديد من القلاع شمالي النهر المذكور لتكون قاعدة لغزو أراضي المسلمين جنوب النهر وبذلك أصبحت مدن الإسلام الشمالية التي تقع بمقاطعة قشتالة وليون مثل أسترقة وسمورة وشقوبية وشلمنقة وميراندة معرضة على الدوام لهجمات الممالك المسيحية وفي ظل حالة الضعف تلك التي سادت المناطق الشمالية في غياب سلطة الدولة الأموية بالأندلس آثر الأمير الجديد عبد الرحمن الناصر إرجاء محاربة الممالك المسيحية حتى تقوى شوكته عن طريق إعادة السيطرة على البلاد وإنهاء التمردات والثورات على عرشه إلا أن الأمر لم يطل ففي عام 304 هجرية الموافق عام 916م بعث الأمير الجديد قائده أحمد بن محمد بن أبي عبدة في جيش إلى الشمال لمهاجمة أراضي مملكة ليون وعاد منها محملا بالسبي والغنائم وفي العام التالي رد أردونيو الثاني ملك ليون الهجوم عندما هاجم المناطق الشمالية من أراضي المسلمين فإستجار أهل تلك المنطقة بالأمير فأنجدهم بجيش كبير يقوده قائده إبن أبي عبدة معظم جنوده من البربر والمرتزقة الذين لا يمكن الوثوق في ولائهم فحشد لهم أردونيو جيشا كبيرا واجههم به عند قلعة شنت إشتيبن في يوم 14 ربيع الآخر عام 305 هجرية الموافق يوم 3 أكتوبر عام 917م ومع هجوم جيش أردونيو على جيش المسلمين إختلت صفوف المسلمين بعدما فر جند المرتزقة الذين كانوا يشكلون جزءا كبيرا من الجيش مما تسبب في إلحاق هزيمة كبيرة بجيش المسلمين في تلك المعركة والتي قتل فيها القائد أحمد بن محمد بن أبي عبدة ومع نهاية نفس العام تحالف أردونيو الثاني ملك ليون مع سانشو الأول ملك نافارا للهجوم على أراضي المسلمين فبعث الأمير جيشا قويا بقيادة حاجبه بدر بن أحمد ليجاهد بهم جيش التحالف المسيحي وإنضم لجيش الحاجب العديد من المتطوعين الراغبين في الجهاد خرج جيش الحاجب بدر من قرطبة في شهر المحرم عام 306 هجرية الموافق شهر يونيو عام 918م وإلتقى في شهر ربيع الأول عام 306 هجرية الموافق شهر أغسطس عام 918م بجيش المسيحيين على حدود مملكة ليون ودارت بين الفريقين معركة عظيمة إنتهت بنصر كبير لجيش المسلمين .


وبعد مرور عدة أشهر عادت الممالك المسيحية وهاجمت أراضي المسلمين فخرج الأمير عبد الرحمن الناصر بنفسه في شهر المحرم عام 308 هجرية الموافق شهر مايو عام 920م متجها إلى قشتالة وعبر نهر دويرة وهاجم مدينة وخشمة وقلعة إشتيبن وقلونية بمقاطعة سوريا بوسط شمال أسبانيا ودمرها جميعا وبعد ذلك توجه بجيشه لنجدة مدينة تطيلة بشمال أسبانيا التي كانت تتعرض لهجمات الممالك المسيحية وظل الأمير عبد الرحمن يكتسح المدن والقلاع حتى عبر نهر أبرة والذى يعد أطول أنهار أسبانيا ويبلغ طوله 928 كيلو متر طولي وهو ينبع من جبال القلاع بشمال شرق أسبانيا ويجرى نحو الجنوب الشرقى على طول جبال البرانس مارا بسرقسطة ليصب في البحر الأبيض المتوسط وإشتبك الأمير عبد الرحمن بجيشه مع جيش سانشو ملك نافارا وإستطاع أن يهزم جيش نافارا فإضطر سانشو إلى الفرار إلى الجبال وعند ذلك أرسل سانشو إلى أردونيو الثاني ملك ليون يطلب منه أن يساعده على قتال المسلمين فخرج أردونيو بجيشه لمعاضدة جيش نافارا وإستغل ملكا نافارا وليون مرور جيش المسلمين في منطقة جبلية وهاجما مؤخرة الجيش الإسلامي وألحقا به بعض الخسائر وحينئذ أمر عبد الرحمن جيشه بالإسراع في الخروج من تلك المنطقة إلى المنطقة السهلية المجاورة وطمع الملكان المسيحيان في تحقيق نصر كبير على جيش المسلمين بعدما وجدوا أن جيش المسلمين قد عسكر في منطقة سهلية مفتوحة يسهل مهاجمتها وفي يوم 6 ربيع الأول من عام 308 هجرية الموافق يوم 25 يوليو عام 920م هاجمت جيوش المسيحيين معسكر جيش المسلمين إلا أن الرياح لم تأت بما تشتهي السفن حيث إنتصر المسلمون وهزمت جيوش المسيحيين هزيمة ساحقة في معركة عرفت بمعركة خونكيرا والتي كان من نتائجها أسر إثنين من أساقفة أردونيو الثاني واللذان نقلا إلى قرطبة وتوجه بيلاجيوس القرطبي لفداء عمه أحد الأسيرين على أن يتم أسره بدلا منه في حين قام أردونيو بفداء الأسقف الآخر وكان من النتائج الأخرى لهذه المعركة أن تخلي المسيحيون عن أحد الحصون في قلونية التي كان الكونت القشتالي جونزالو فرنانديز قد أعاد تعميرها عام 912م وقد ظل هذا الحصن في أيدي المسلمين حتى عام 1007م وبعد عامين هاجم أردونيو مدينة ناجرة وإستولى عليها كما هاجم سانشو مدينة بقيرة وإستولى أيضا عليها بل وقتل زعماء المدينة فغضب الأمير عبد الرحمن حين علم بذلك وسيّر جيشا بقيادة وزيره عبد الحميد بن بسيل إلى مملكة نافارا حيث إشتبك مع جيش سانشو وألحق به عدة هزائم وإستولى إبن بسيل على تطيلة ثم خرج عبد الرحمن بنفسه في شهر المحرم من عام 312 هجرية الموافق شهر أبريل عام 924م إلى نافارا في جيش عرمرم فوقع الرعب في قلوب أعدائه وأخلوا معظم الحصون التي في طريقه فأمر عبد الرحمن بهدم وحرق تلك الحصون ثم زحف بجيشه على بنبلونة عاصمة نافارا والتي تقع بشمال أسبانيا فحاول جيش نافارا محاولة يائسة أن يوقف ذلك الجيش القوى لكن دون جدوى فدخل الأمير عبد الرحمن المدينة ودمرها ثأرا لأهل بقيرة فعاد سانشو محاولا مواجهة عبد الرحمن وجيشه إلا أن هذا الأخير تمكن من هزيمته في موقعتين أُخريين ثم عاد بجيشه إلى قرطبة محملا بالغنائم ومكللا بالنصر .


وفي عام 313 هجرية الموافق عام 925م مات أردونيو الثاني ملك ليون وتنازع أولاده الملك ودارت بينهم حرب أهلية إستمرت لنحو سبعة أعوام إنتهت بإعتلاء ولده راميرو الثاني العرش وإستغل الأمير عبد الرحمن تلك الأحداث المضطربة عند أعدائه فتفرغ لتوطيد ملكه والقضاء على التمردات والثورات الداخلية في الأندلس وبعد أن إستقر الملك لراميرو سار على نهج أبيه فإستغل تجدد الثورة في طليطلة على حكومة قرطبة وراسل قادة ذاك التمرد عارضا عليهم التحالف والدعم وما أن علم الأمير عبد الرحمن بذلك حتى أرسل جيشا إلى طليطلة في شهر ربيع الآخر عام 318 هجرية الموافق عام 930م وضرب ذلك الجيش حصارا على المدينة لنحو عامين قبل أن يسير عبد الرحمن نفسه بجيش آخر إلى طليطلة في عام 320 هجرية الموافق عام 932م وعندئذ حاول راميرو نجدة حلفائه في طليطلة إلا أن الأمير عبد الرحمن سارع بجيشه وواجهه قبل أن يصل إلى طليطلة وحال بينه وبين الوصول إلى المدينة فلم يجد زعماء التمرد في طليطلة بدا سوى التسليم لجيوش عبد الرحمن في شهر رجب عام 320 هجرية الموافق شهر يوليو عام 932م فأمر الأمير عبد الرحمن بهدم حصون المدينة حتى يصعب على زعمائها التمرد عليه مجددا وفي العام التالي 321 هجرية الموافق عام 933م هاجم راميرو مدينة وخشمة بمقاطعة سوريا وإحتلها فسار عبد الرحمن إليها بنفسه في شهر جمادى الأول عام 322 هجرية الموافق شهر مايو عام 934م إلا أنه عرج في طريقه على سرقسطة بشمال شرق أسبانيا لإخضاع ثورة محمد بن هاشم التجيبي فترك قوة لحصار المدينة ثم سار بجيشه إلى نافارا فقابلته رسل طوطة أرملة سانشو الأول ملك نافارا والوصية على عرش ولدها جرسية يطلبون الصلح والسلام ثم سارت طوطة بنفسها مقدمة لعبد الرحمن فروض الولاء والطاعة متعهدة له بالكف عن التعدى على أراضي المسلمين أو إلحاق الأذى بهم أو التحالف ضد المسلمين مع أعدائهم أو دعم المتمردين على سلطة قرطبة إضافة إلى إخلاء سبيل بعض أسرى المسلمين على أن يقر عبد الرحمن ولدها جرسية في ملكه وتم تسجيل معاهدة بذلك وبعد ذلك سار الأمير عبد الرحمن إلى قشتالة وإجتاحها مدمرا ما في طريقه من القلاع والحصون دون أى مقاومة تذكر من جانب راميرو ملك ليون أو أى من قواته حيث إكتفى بالتحصن في أحد حصونه المنيعة تاركا جيش الأمير عبد الرحمن حرا في أرضه يحصد منها ما شاء من الغنائم فزحف عبد الرحمن بجيشه على برغش عاصمة قشتالة ودمرها ثم عاد إلى قرطبة بعد أن فرض سطوته على المملكتين المسيحيتين وهو محمل بالغنائم وفي عام 323 هجرية الموافق عام 935م وبعد هذا النصر الساحق لعبد الرحمن جاءت رسل راميرو إليه تلتمس الصلح فأرسل عبد الرحمن معهم وزيره يحيى بن يحيى بن إسحاق لعقد شروط الصلح وبعد الإتفاق بين الطرفين وقع عبد الرحمن على معاهدة الصلح في شهر ربيع الآخر عام 323 هجرية الموافق شهر مارس عام 935م .


ولم تدم هذه المعاهدة طويلا حيث خرقها راميرو وخالف شروطها بعد أن تحالف مع محمد بن هاشم التجيبي صاحب سرقسطة الذي ثار على الأمير عبد الرحمن الناصر ومع طوطة وصية عرش نافارا ضده وفي مواجهة هذا التمرد والتحالف الثلاثي أرسل عبد الرحمن جيشا بقيادة الوزير عبد الحميد بن بسيل إلى سرقسطة ثم ألحقه بجيش آخر بقيادة سعيد بن المنذر القرشي لدعم جيش إبن بسيل ثم لحقهم هو بنفسه بجيش ثالث في شهر رجب عام 325 هجرية الموافق شهر مايو عام 937م وبينما كان عبد الرحمن في طريقه إلى سرقسطة بلغه أن المسيحيين وجهوا جيشا إلى طليطلة فتوجه بجيشه إليها فآثرت جيوش المسيحيين الإنسحاب شمالا دون مواجهة جيش الأمير عبد الرحمن والذى ترك قوة لحماية طليطلة وتوجه ببقية الجيش إلى سرقسطة وفي طريقه إنتزع عبد الرحمن قلعة أيوب بمقاطعة سرقسطة بشمال شرق أسبانيا من يد المطرف بن المنذر التجيبي المدعوم بقوة من المسيحيين فهزمهم عبد الرحمن وقتل المطرف ورأى عبد الرحمن أن يزحف بجيشه على قشتالة قبل أن يواصل زحفه نحو سرقسطة لضرب أعدائه في ديارهم تأديبا لهم على دعمهم لإبن هاشم التجيبي فإكتسح عددا من حصون قشتالة ودمرها ثم سار إلى نافارا ودمر عددا آخر من حصونها وأرسل فرقا من جيشه لغزو مناطق عدة من الأراضى المسيحية عادت كلها محملة بالغنائم وعند ذلك هرعت طوطة إلى الأمير عبد الرحمن الناصر معتذرة على خرقها للصلح الذي كان بينهما فقبل عبد الرحمن الناصر إعتذارها وسار الأمير عبد الرحمن الناصر بعد ذلك إلى سرقسطة ودعم الحصار الذي ضربه جيشا إبن بسيل وسعيد بن المنذر على المدينة ثم أمر إبن بسيل أن يتوجه بجيشه إلى مقاطعة بطليوس وأن يضم إليه قوات واليها أحمد بن محمد بن إلياس ثم يهاجم أراضي مملكة ليون المسيحية وشدد الأمير عبد الرحمن الناصر حصاره لسرقسطة حتى لم يصبح أمام محمد بن هاشم التجيبي سوى التسليم وطلب الصلح مع الأمير وذلك في يوم عيد الأضحى العاشر من شهر ذي الحجة عام 325 هجرية الموافق يوم 18 أكتوبر عام 937م وإشترط الأمير عبد الرحمن على إبن هاشم التجيبي أن يقدم عددا من أولاده وإخوته وكبار رجاله رهائن ليضمن بذلك نفاذ الصلح بينهما والإلتزام به وهو ما قبله التجيبي فدخل الأمير عبد الرحمن المدينة في شهر المحرم عام 326 هجرية الموافق شهر نوفمبر عام 937م ثم أمر بهدم أسوارها وحصونها حتي لا تعود المدينة للتمرد والعصيان وترك بها حامية كبيرة من رجاله للسيطرة عليها ثم سار الأمير عبد الرحمن الناصر بعدئذ إلى شنت إشتيبن وقاتل جيشا من المسيحيين في معركة عظيمة وإنتصر عليه وإنهزم الجيش المسيحي ثم عاد الأمير عبد الرحمن الناصر إلى مدينة قرطبة في شهر ربيع الأول عام 326 هجرية الموافق شهر يناير عام 937م بعد أن حقق إنتصارات واسعة وجمع قدرا كبيرا من الأموال والغنائم.


وفي العام التالي 327 هجرية الموافق عام 938م غزا الأمير عبد الرحمن الناصر مملكة ليون بجيش ضخم عبر به نهر دويرة وكان الأمير عبد الرحمن الناصر قد أرسل كتبه إلى ولاياته لجمع المتطوعين لقتال أهل جليقية الذين كانوا يسكنون في شمال غرب أسبانيا فوافته الجموع من شتى أرجاء مملكته حتى فاقت جموعه 100 ألف مقاتل مما أدخل روح الثقة في نفسه حتى أنه سماها غزاة القدرة وجعل قيادة جيشه للقائد نجدة بن حسين الصقلبي وقد ذكر إبن حيان القرطبي في السفر الخامس من كتابه المقتبس من أنباء الأندلس أن جيش الناصر خرج من قرطبة للغزو في يوم الجمعة 22 شعبان عام 327 هجرية الموافق يوم أول شهر يونيو عام 939م وبلغ طليطلة في يوم 23 رمضان عام 327 هجرية الموافق يوم 13 يوليو عام 939م وعبر نهر دويرة ومر بحصن شنت منكش في يوم 29 رمضان عام 327 هجرية الموافق يوم 19 يوليو عام 939م وإفتتحه ومنه سار إلى قشتالة في يوم 5 شوال عام 327 هجرية الموافق يوم 25 يوليو عام 939م بث الناصر السرايا في قشتالة أياما فوجد أهلها قد أخلوا معظم أرجائها مخلفين ورائهم الكثير من الأقوات فإستولى المسلمون عليها ثم تقدم في يوم 13 شوال عام 327 هجرية الموافق يوم 2 أغسطس عام 939م إلى حصن أشكر فخربه ثم حصن أطلة فحصن برتيل وفي تلك الأثناء كان راميرو الثاني ملك ليون قد جمع حشودا ضخمة بالقرب من سمورة بمنطقة قشتالة وليون بوسط شمال أسبانيا وإنضمت إليه طوطة النافارية وصية عرش مملكة نافارا التي نكثت وعدها مجددا مع الأمير عبد الرحمن الناصر وإلتقى الجيشان في معركة عرفها المسلمون بإسم معركة الخندق فيما عرفت في كتب التاريخ بمعركة سيامنقة وإنضم إلي راميرو أيضا فرنان جونثالث كونت قشتالة بالإضافة إلى حليفه أمية بن إسحاق القرشي الثائر على سلطة عبد الرحمن الناصر في شنترين الذي لجأ إلى راميرو الثاني بعدما سخط الأمير عبد الرحمن الناصر على شقيقه أحمد بن إسحاق القرشي وقتله في عقوبة شرعية فزوده أمية بنصائح ومعلومات ثمينة عن قدرات جيش المسلمين وللأسف فقد إنهزم المسلمون في هذه المعركة هزيمة كبيرة رغم تفوقهم العددي على عدوهم بعد أن توافرت عناصر الهزيمة في صفوف جيش المسلمين حيث أخطأ الأمير عبد الرحمن بتقريبه لقادته من الصقالبة وهم الذين كانوا يسكنون الأندلس قبل الفتح الإسلامي وأغلبهم كان في الأصل من المماليك والعبيد والأرقاء الذين جلبوا إلي تلك البلاد في العصور الوسطي وإستوطنوها وأصبحت لهم مع الوقت سطوة وقوة وتولوا العديد من المناصب الهامة في الدولة والجيش على حساب العرب والبربر وكان الهدف من ذلك التقليل من سطوة زعماء قبائل العرب والبربر الذين كانت لديهم دوما نزعات للثورة على السلطة المركزية للدولة في سبيل إحتفاظهم بسلطانهم المحلي مما جعل الغيرة تدب في صفوف هؤلاء وهو الأمر الذى جعلهم يبدون فتورا في القتال في هذه المعركة فإنتهز المسيحيون تلك الفرصة وهاجموا جيش المسلمين وهزموهم هزيمة ساحقة حيث تكبد المسلمون في هذه المعركة خسائر بشرية كبيرة تراوحت في بعض التقديرات بين 40 ألف إلي 50 ألف رجل كان من بينهم قائد جيش المسلمين نفسه نجدة بن حسين الصقلبي كما فر الأمير عبد الرحمن جريحا في عدد من فرسانه إلى قرطبة وتم أسر القائد محمد بن هاشم التجيبي والي سرقسطة في تلك الفترة وظل في الأسر لأكثر من عامين حتى إفتداه عبد الرحمن الناصر بالمال هذا وكان لتلك المعركة أثرا كبيرا في نفوس المسلمين حتى أن الأمير عبد الرحمن لم يخرج في أي غزوة منذ ذلك الحين وبعد أن عاد إلى مدينة قرطبة أمر بإصلاح الجيش وإعادة حشده وتسليحه وعاقب عددا من الفرسان لتخاذلهم في القتال في المعركة ورغم النصر الذي حققته الممالك المسيحية في تلك المعركة إلا أن تلك الممالك لم تكن قادرة على تطوير الموقف لصالحها فقد دارت حرب أهلية جديدة في مملكة ليون مما دعا ملكها راميرو إلى طلب عقد معاهدة جديدة مع الأمير عبد الرحمن وهو ما قبله كما طلب سونير كونت برشلونة الصلح مع عبد الرحمن أيضا فصالحه على ألا يتحالف مع أحد من أعدائه أو المتمردين على سلطانه وأن يفض تحالفه مع جرسية ملك نافارا ومن جانب آخر عاد راميرو مرة أخرى لنقض عهده مع الأمير عبد الرحمن مما أدى إلي إستمرار الغزوات المتبادلة من جانب كل طرف على أراضي الطرف الآخر لعدة أعوام عمل خلالها الأمير عبد الرحمن الناصر على تحصين مدينة سالم بمقاطعة سوريا أقرب مدن المسلمين إلى حدود ليون والتي كانت تنطلق منها جيوش المسلمين نحو الممالك المسيحية بشمال أسبانيا وشحنها بالرجال لتكون قاعدة وحائط صد لهجمات مملكة ليون على أراضي المسلمين إلى أن مات راميرو عام 339 هجرية الموافق عام 950م حيث تنازع أبناؤه الملك فإستغل الأمير عبد الرحمن الناصر تلك الفرصة وأرسل جيشا عظيما بقيادة أحمد بن يعلى إلى مملكة ليون وهزم جيوشها مما دعاهم لطلب الصلح مع الأمير عبد الرحمن وهو الصلح الذي دام حتى نهاية عهده .

 
 
الصور :
عبد الرحمن الناصر في مجلسه بمدينة الزهراء دراهم تم سكها في مدينة الزهراء في عهد عبد الرحمن الناصر إحدى أسواق قرطبة ببلاد الأندلس