الخميس, 5 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

السلطان محمد الخامس
-ج1-

السلطان محمد الخامس
-ج1-
عدد : 10-2022
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”

السلطان محمد الخامس أو محمد رشاد هو خليفة المسلمين السابع بعد المائة وسلطان العثمانيين الخامس والثلاثين والسابع والعشرون من آل عثمان الذين جمعوا بين الخلافة والسلطنة وهو إبن السلطان عبد المجيد الأول بن السلطان محمود الثاني وينتهي نسبه إلي السلطان عثمان غازى بن أرطغرل مؤسس الدولة العثمانية وقد تولي الحكم بعد خلع أخيه الأكبر السلطان عبد الحميد الثاني في يوم 27 أبريل عام 1909م وكان عمره 65 عاما وهو شقيق كل من السلطان مراد الخامس والسلطان عبد الحميد الثاني والسلطان محمد السادس وإبن شقيق السلطان عبد العزيز الأول وإبن عم السلطان عبد المجيد الثاني آخر الخلفاء العثمانيين وكان هو السلطان والخليفة الوحيد منذ عهد السلطان عبد العزيز الأول الذى تولي الحكم حتي وفاته في شهر يوليو عام 1918م حيث تم قبله طوعا أو كرها خلع السلاطين عبد العزيز الأول والسلطان مراد الخامس والسلطان عبد الحميد الثاني علي الترتيب كما تم بعده خلع السلطان محمد السادس وخليفته الخليفة عبد المجيد الثاني وفي عهده تزايدت سرعة إنهيار الدولة العثمانية وكان من الواضح بدراسة الظروف التي تولى فيها هذا السلطان الجديد الحكم أنه لن يكون له من الأمر شئ البتة وأنه سيتولى حزب الإتحاد والترقي القيادة بلا جدال أما هو فسيكون مجرد صورة نظرا لتحكم الإتحاديين في الجيش وثانيا لعدم خبرة السلطان محمد الخامس بالسياسة فقد قضى سنوات حكم شقيقه الأكبر عبد الحميد الثاني الثلاثة والثلاثين محبوسا في قصره وتعلم خلال هذه السنوات في تعلم اللغات الشرقية وفي دراسة الشعر الفارسي ولم يكن يخرج بأمر السلطان من قصره إلا نادرا خوفا من الإنقلاب عليه وعلاوة علي ذلك وحيث أنه نتيجة للضغوط التي تعرض لها سلفه السلطان عبد الحميد الثاني فقد أعلن في يوم 24 جمادى الآخرة عام 1326 هجرية الموافق يوم 23 يوليو عام 1908م المشروطية الثانية وإعادة العمل ن بالقانون الأساسي وإعادة العمل بدستور عام 1876م وأيضا إعادة البرلمان العثماني إلي الوجود وذلك بعد حوالي 30 عاما من الحكم المطلق من جانبه وفي الإنتخابات النيابية التي أجريت في عام 1330 هجرية الموافق عام 1912م حصل الإتحاديون على نصر ساحق ومن ثم فقد تمكن أعضاء الحزب المذكور من إحكام قبضتهم على السلطة وبدأت فكرة القومية تنمو تحت رعاية رجال الإتحاد والترقى تأسيا بالغرب علي حساب الرابطة الدينية مما سبب سخطا شعبيا كبيرا لعدم المساواة بين القوميات المختلفة بالإضافة إلى التوجه شبه العلماني الذي توجهوه وفضلا عن ذلك فقد بدأت الحرب العثمانية الإيطالية في عهده ما بين شهر سبتمبر عام 1911م وشهر أكتوبر عام 1912م وحاولت إيطاليا إحتلال ليبيا ونجحت في ذلك ودارت أيضا حرب البلقان في عهده خلال عام 1912م وعام 1913م والتي هزمت فيها الدولة العثمانية وأخيرا فعند قيام الحرب العالمية الأولي في عام 1914م إنضمت الدولة العثمانية إلى جانب المانيا لأنها لم يكن لها أطماع ظاهرة في الدولة العثمانية وقد إنتهت هذه الحرب في أواخر عام 1918م بهزيمة المانيا وحليفتها الدولة العثمانية وهذا كله يعني أنه قد حدثت أمور جسام في عهد السلطان محمد الخامس سواءا على مستوى الدولة العثمانية أو على مستوى العالم كله وخلال التسع سنوات التي تولي فيها منصب سلطان الدولة العثمانية فقد فيها معظم الأقطار المتبقية في حوزتها حتي لم يبق معها في آخر عهده سوى إقليم الأناضول فقط في قارة آسيا بالإضافة إلى تركيا الأوروبية حاليا وعموما يمكننا أن نقسم فترة حكمه إلى مرحلتين رئيسيتين الأولى مدتها خمس سنوات من عام 1909م إلى عام 1914م وفيها تحللت ولايات البلقان العثمانية كما فقدت الدولة العثمانية ليبيا لصالح إيطاليا والمرحلة الثانية كانت مدتها أربع سنوات من عام 1914م وحتي عام 1918م وهي السنوات التي دخلت فيها الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى وشهدت تحللا لولاياتها العربية المتبقية مثل مصر وفلسطين والشام والعراق والحجاز واليمن .


وكان ميلاد السلطان محمد الخامس في يوم 2 نوفمبر عام 1844م بالعاصمة العثمانية إسطنبول وتلقى تعليمه في المواد الإسلامية التقليدية والأدب الفارسي وأبدى إهتماما كبيرا بالتاريخ العثماني والإسلامي وعاش في عزلة معظم حياته والتي قضاها في الحبس الإنفرادي في قصر زنجيرلي كوي محاطا بالجواسيس الذين يرصدون حركاته ويقدمون التقارير المشوهة عنه خاصة في التسع سنوات الأخيرة قبل توليه السلطنة أثناء توليه منصب ولي العهد لأخيه السلطان عبد الحميد الثاني وخلال هذه الفترة درس الشعر على الطراز الفارسي القديم وفي عام 1908م بعد إعلان النظام الملكي الدستوري الثاني بالدولة العثمانية في أواخر عهد السلطان عبد الحميد الثاني بدأ في المشاركة في الإحتفالات والمناسبات الرسمية بصفته وليا للعهد مستخدما الإسم الفخرى دولتي نقابتي ولي عهد سلطانة رشاد أفندي وفقا للبروتوكول وبعد خلع السلطان عبد الحميد الثاني تولى السلطان محمد الخامس الحكم في يوم 27 أبريل عام 1909م وكان عمره آنذاك 65 عاما ليكون أكبر شخص يتولى العرش العثماني وبعد توليه الحكم وفي الخطاب الذي ألقاه بعد دعاء البيعة قال أنا أول سلطان للحرية وأنا مفتخر بهذا ولكي يطلق عليه بعد ذلك لقب سلطان المشروطية وكان من أول قراراته تغيير قصر الإقامة ومواكب الجمعة حيث غادر قصر يلدز الذى كان مقر إقامة السلطان عبد الحميد الثاني ليستقر في قصر ضولمة بهجة ووفقا لنظام الملكية الدستورية تنازل السلطان محمد الخامس عن كل صلاحياته لحزب الإتحاد والترقي ومن ثم كان إلى حد كبير سلطانا صوريا بلا سلطة سياسية حقيقية وفي بداية فترة سلطنته وبناءا علي توصية من أعضاء حزب الإتحاد والترقي ذهب السلطان في جولة ودية في تراقيا والبانيا والمدن الأوروبية التابعة للدولة العثمانية وذلك للتواصل مع السكان المحليين عن قرب وبشكل أفضل ولا نستطيع أن ننكر أنه في بداية حكم حزب الإتحاد والترقي كانت له أعمال إيجابية كان منها الإصلاحات الزراعية وذلك عن طريق تشجيع الفلاحين على إستصلاح الأراضي الزراعية وزيادة إنتاجية الفدان وفي مجال المحافظة علي الأمن والإستقرار في البلاد فقد وفقت الحكومة في جمع الأسلحة من الأشقياء الذين كانوا يلجأون إلى الجبال ويثيرون ثورات جديدة قاومتها الحكومة وأخمدتها فعادت السكينة في أنحاء الدولة العلية وعم الأمن وإنتشرت الطمأنينة في كافة أنحاء البلاد وفي المجال المالي وضعت الحكومة ميزانية كانت عبارة عن خمسة وعشرين مليونا واردات وثلاثين مليونا مصروفات وكانت الضرائب آنذاك لم يتم تحصيلها منذ سنين ولما وضعت الميزانية المذكورة لم يكن أحد يعتقد إمكانية تحصيل ٢٥ مليونا من بلاد الدولة لكن كان المتحصل الفعلي 26.5 مليونا في عام 1910م وفي العام التالي 1911م بلغ المتحصل ثلاثين مليونا كما زادت واردات جميع مصالح الحكومة وبالجملة فإن الموراد الأساسية لإيرادات الحكومة نمت وإزدادت إلى درجة كبيرة فعلي سبيل المثال كانت إيرادات الجمارك في عام 1910م 3.5 مليون فوصلت إلى 5 ملايين في العام التالي 1911م وكانت واردات العشور في عام ١٩١٠م مبلغ 6 ملايين فأصبحت في عام 1911م مبلغ 7.5 مليونا وكان أيضا من إنجازات حكومة حزب الإتحاد والترقي الإصلاحات العسكرية حيث أنشئت القوات الجوية العثمانية ووصل حجم الأسطول ذروته في شهر ديسمبر عام 1916م حين إمتلكت أسراب الطيران العثمانية عدد 90 طائرة كما إزداد التعاون العسكري مع إمبرطورية المانيا حيث إشترى العثمانيون قطعا بحرية عديدة ونظموا جيوشهم على نسق يشبه النسق الألماني وبرزت قيادات عسكرية عثمانية عديدة أمثال رؤوف بك وإسماعيل أنور ويوسف العظمة .


وكان من أهم الأحداث التي وقعت أثناء عهد السلطان محمد الخامس ما عرف بإسم الحرب الإيطالية العثمانية أو كما يطلق عليها الحرب الليبية أو حرب طرابلس الغرب والتي بدأت بين الجانبين الإيطالي والعثماني في يوم 29 سبتمبر عام 1911م بغرض إحتلال ولاية طرابلس الغرب إحدى الولايات العثمانية التي باتت تعرف اليوم بإسم ليبيا حيث بدافع المطامح الإستعمارية الإيطالية قررت إيطاليا أن تستولي على ولاية طرابلس الغرب إحدى الولايات العثمانية كجزء من التوسع للمملكة الإيطالية وقد بدأت هذه الحرب بوصول الأسطول الإيطالي إلى طرابلس عصر يوم 28 سبتمبر عام 1911م ولكن لم يبدأ الأسطول في قصف الميناء إلا في يوم 3 أكتوبر عام 1911م وبالفعل وقعت المدينة بيد 1500 جندي إيطالي الأمر الذي رفع معنويات الأقليات الإيطالية الداعية للحرب ورفضت القوات الإيطالية مبدأ الأرض مقابل السلام الذي عرض من قبل القوات العثمانية فصمم العثمانيون على إكمال الحرب والدفاع عن الأقاليم التي تحت سلطتهم حتى النهاية وفي يوم 10 أكتوبر عام 1911م نزل 20 ألف جندى إيطالي إلى البر وتم الإستيلاء بسهولة على كل من طبرق ودرنة والخمس بينما لم ينجح الإيطاليون في الإستيلاء على بنغازى وقد شكلت هذه الحرب خطوة مهمة نحو قيام الحرب العالمية الأولى حيث أنها كانت سببا في بعث النزعة الوطنية لدى المواطنين في ليبيا وكذلك نجح الإيطاليون بعد أن تمكنوا من هزيمة العثمانيين في هذه الحرب في أن يشعلوا النزعة الوطنية في بلاد البلقان ضد العثمانيين الأمر الذي أدى إلى إعلان البلقانيين الحرب على الدولة العثمانية قبل إنتهاء حربها مع إيطاليا وجدير بالذكر أن الحرب الإيطالية العثمانية كانت بمثابة مسرح كبير شهدت خلاله العمليات العسكرية توظيفا للتقدم التكنولوجي وخاصة في مجال العمليات الجوية ففي يوم 23 أكتوبر عام 1911م حلق الطيار الإيطالي الكابتن كارلو ماريا بياتزا فوق المواقع العثمانية في مهمة إستكشافية ونقل المعلومات الإستطلاعية إلى قيادته بواسطة جهاز لاسلكي وكان هذا التحليق أول إستخدام حربي للطائرات في تاريخ الحروب والفن الحربي وفي هذا اليوم تعرضت القوات الإيطالية إلى مقاومة حقيقية من المجاهدين في مدينة طرابلس وذلك عندما أحاط بهم الجنود العثمانيون سواء من عرب أو ترك وتلا ذلك أول قصف جوى قامت به طائرة ومناطيد إيطالية للمنشآت العسكرية العثمانية الواقعة في ولاية طرابلس الغرب وذلك في يوم 1 نوفمبر حيث قامت القوات الإيطالية بإسقاط قنبلة عبر قصف جوى على القوات العثمانية في ليبيا مما أدي إلى مصرع عدد كبير من جنود الدولة العثمانية وإعتبرت تلك العملية أول إستخدام للطائرات في قصف أهداف حربية أرضية وفي يوم 22 نوفمبر عام 1911م قامت بين الإيطاليين والعثمانيين معركة عرفت بإسم معركة طبرق إنتهت بإنتصار العثمانيين بقيادة مصطفى كمال وقد وصفت الصحف الإيطالية هذه المعركة بأنها كانت مظاهرة إلا أنها قد تسببت في خسائر فادحة للجانب الإيطالي ومن ثم فنتيجة لذلك قامت القوات الإيطالية بزيادة عدد جنودها إلى 100 ألف جندي لمواجهة عد 20 ألف ليبي وعدد 8 آلاف تركي غير مسلحين بأسلحة عصرية وتحولت المعركة إلي حرب جوية وحرب مواقع وقد إنتهت هذه الحرب في يوم 18 أكتوبر عام 1912م بضم إيطاليا لولايتي طرابلس الغرب و برقة بليبيا بالإضافة إلى جزيرة رودس وأرخبيل دوديكانس إحدى مجموعات جزر بحر إيجة وفي يوم 5 نوفمبر عام 1912م أعلنت إيطاليا سيادتها علي ليبيا وعلى بعض الأقاليم البحرية وإتخذت القوات الإيطالية بعض الإجراءات العنيفة ضد المجاهدين الليبيين مثل تنفيذ حكم الإعدام علنا في الميادين وبذلك أصبح لإيطاليا السيادة البحرية الكلية علي السواحل الليبية حيث إستطاعت إيطاليا في الفترة ما بين شهرى أبريل وأغسطس عام 1912 استطاعت إيطاليا أن تمد سيادتها على 2000 كيلو متر من الساحل الليبي وبعد أن توصلت إيطاليا إلى الحصول على موافقة القوات الأوروبية الأخرى قامت ببعض الهجمات ضد الممتلكات التركية في منطقة بحر إيجة وكان من العمليات الجديرة بالذكر التي قامت بها القوات الإيطالية خلال حرب بحر إيجة قصف العاصمة العثمانية إسطنبول حيث نجحت إحدى الكتائب البحرية في ذلك والعودة مرة أخرى دون حدوث أي خسائر علي الرغم من تعرضها لنيران الدفاع التركي وعلي الرغم من رفض غالبية الليبيين للغزو الإيطالي لبلادهم إلا أن السلطان العثماني محمد الخامس تنازل عن ليبيا إلى إيطاليا بعد توقيع معاهدة أوشي أو لوزان في عام 1912م والتي بدأت المفاوضات الخاصة بها في قلعة أوشي في ضاحية أوشي إحدى ضواحي مدينة لوزان بسويسرا في يوم 22 شوال عام 1330هجرية الموافق يوم 3 أكتوبر عام 1912م وبعد العديد من المفاوضات تم توقيع المعاهدة في يوم 18 أكتوبر عام 1912م والتي بموجبها تم سحب جميع الجنود والضباط والموظفين العثمانيين من طرابلس وبنغازي وسحب القوات العثمانية من سائر أنحاء ليبيا ومن ثم فقد تركت الدولة العثمانية أهلها وحدهم وجها لوجه أمام الإيطاليين وكان من بنود هذه المعاهدة أيضا أن يلتزم الخليفة والسلطان العثماني بمنح الإستقلال الذاتي لطرابلس وبنغازى وموافقة الحكومة الإيطالية علي أن يعين الخليفة العثماني القضاة في كل من بنغازى وطرابلس .


وقبل إنتهاء الحرب العثمانية الإيطالية في ليبيا وكنتيجة لموقف العثمانيين الضعيف في هذه الحرب وكانت كل من أقاليم بلغاريا وصربيا واليونان والجبل الأسود بحلول القرن العشرين الميلادى قد حصل على الإستقلال من الدولة العثمانية لكن ولتداعي الدولة العثمانية وإنهيارها فقد أراد كل منها أن يوسع سيطرته ويضم إليه القوميات العرقية المماثلة الباقية ضمن حكم العثمانيين في منطقتي تراقيا ومقدونيا ومن أجل ذلك تشكل إتحاد البلقان والذي ضم كل من بلغاريا وصربيا واليونان والجبل الأسود وشن هذا الإتحاد حربا ضد الدولة العثمانية إنتهت بإنتصارها وهزيمة العثمانيين وقد إندلعت هذه الحرب بإعلان الجبل الأسود الحرب على الدولة العثمانية في يوم 8 أكتوبر عام 1912م ثم إنضمت له على التوالي بلغاريا وصربيا في يوم 17 أكتوبر عام 1912م ثم اليونان في يوم 19 أكتوبر عام 1912م وإنتهت هذه الحرب والتي سميت حرب البلقان الأولي بعدها بسبعة أشهر إثر معاهدة لندن في يوم 30 مايو عام 1913م وكانت نتيجتها أن خسر العثمانيون أكثر من ثمانين في المائة من أراضيهم بالقسم الأوروبي وبسبب ذلك بدأ التدفق الكبير لنحو مليونين ونصف المليون مسلم من الأراضي العثمانية السابقة إلى داخل القائم من الدولة العثمانية وفي الدولة العثمانية إعتبرت نتائج حرب البلقان كارثة كبرى وإتهم رئيس الأركان ناظم باشا بمسؤوليته عن الهزيمة فيها وتم إغتياله في يوم 23 يناير عام 1913م أثناء الإنقلاب المعروف بإسم إنقلاب عام 1913م أو الغارة على الباب العالي ‏وهو إنقلاب نفذه عدد من أعضاء حزب الإتحاد والترقي بقيادة إسماعيل أنور باشا ومحمد طلعت باشا عندما شنت تلك المجموعة غارة مفاجئة على مباني الباب العالي وإضطر أمام هذه الأحداث الصدر الأعظم كميل باشا إلى الإستقالة وجدير بالذكر أنه بعد هذا الإنقلاب أصبح حزب الإتحاد والترقي يدير الحكومة بقيادة الثلاثي المعروف بإسم البشوات الثلاثة المكون من إسماعيل أنور باشا ومحمد طلعت باشا وأحمد جمال باشا وبمجرد إنتهاء حرب البلقان الأولي إندلعت رأسا حرب البلقان الثانية ولم تكتفِ بلغاريا بالمناطق التي إنتزعتها من حكم العثمانيين في تراقيا وإدعت حقوقا لها في مناطق العثمانيين السابقة في مقدونيا وكذلك رغبت صربيا واليونان في هذه المناطق وهي مناطق كانت قد وقعت تحت سيطرتهما عقب حرب البلقان الأولى وعندما إنهارت مفاوضات السلام في شهر يونيو عام 1913م هاجمت بلغاريا مواقع الصرب واليونانيين في مقدونيا وإنضمت رومانيا والجبل الأسود للحلف ضد البلغار وتدخلت الدولة العثمانية كطرف ثالث لإستعادة مدينة إدرنة والمناطق شرقي تراقيا وهي مناطق عثمانية ومما يذكر أن هذه كانت من المرات النادرة والمرة الأولي والتي لم تتكرر بعد ذلك خلال العصر الحديث التي تهاجَم فيها دولة من كل جوانبها الحدودية حرفيا وقد أسفرت هذه الحرب عن هزيمة البلغار والذين إضطروا لإعادة أغلب ما ظفروه خلال حرب البلقان الأولى حيث سلموا شرقي تراقيا ومدينة إدرنة للعثمانيين كما سلّموا جنوب إقليم دبروجة لرومانيا والذى يقع جنوب شرق رومانيا وشمال غرب بلغاريا .


وكانت حروب البلقان هي الفتيل الذي قاد إلى قيام الحرب العالمية الأولي حيث أن هذه الحروب قد خلفت توترا شديدا بين القوى العظمى في العالم إضافة إلى ظروف هزيمة وإنهيار الدولة العثمانية في هذه الحروب أمام قوى ضعيفة لا يعتد بها في العالم بأى حال من الأحوال حيث كانت قوى وليدة لم تتأسس دولها إلا منذ سنوات معدودات ومع ذلك إستطاعت إقتسام الأملاك العثمانية في غضون شهور قليلة ولولا تدخل القوى الكبرى لإحتلت هذه الدول الضعيفة إسطنبول بلا جدال وهنا رأى الكبار في العالم أن إهمالهم لمسألة تقسيم تركة رجل أوروبا المريض وهو اللقب الذى أطلقته دول قارة أوروبا علي الدولة العثمانية آنذاك قد سمح لهذه القوى الهزيلة أن تفرض واقعا لا يرضونه فهم كإمبراطوريات إستعمارية تسيطر جيوشهم على الممالك المختلفة في شرق العالم وغربه لا يقبلون بتقسيم الدولة العثمانية المتهالكة على غيرهم ومن ثم كان لابد للصراع أن يبدأ إذن وفي الوقت نفسه رأت بريطانيا وفرنسا أن نمو القوة الألمانية صار مخيفا حيث إقتربت قوتها في المجمل من قوة بريطانيا وفاقت قوة فرنسا وصار التنافس بين بريطانيا والمانيا صريحا بل كانت تعد القوات البرية الألمانية هي الأقوى في العالم وإن كانت البحرية الإنجليزية ترجح كفة بريطانيا وفي النهاية رأت بريطانيا وفرنسا كذلك أن التقارب الألماني العثماني صار كبيرا وأن تغلغل الشركات الألمانية في المشاريع العثمانية أصبح في كل المجالات تقريبا ولم يعد مقصورا على التسليح أو التدريب العسكرى فقط إنما تعداه إلى إنشاء السكك الحديدية ومشاريع التجارة والزراعة والمعمار وتوريد التقنيات العلمية الحديثة والبحث والتنقيب عن الآثار والتنقيب عن البترول وكان هذا التغلغل يجعل المانيا مرشحة بقوة لتسلم ميراث الدولة العثمانية عند إنهيارها خاصةً في ظل الدعم الألماني للنمسا القريبة من المنطقة وصاحبة الخبرة في التعامل مع العثمانيين وكان لهذين العاملين الإنهيار السريع للدولة العثمانية والنمو الألماني المتزايد الأثر السئ على بريطانيا وفرنسا وكذلك روسيا مما سيدفعهم إلى ترقُّب فرصة لحرب الألمان وإقتسام ما تبقى من الدولة العثمانية وقد جاءت هذه الفرصة في صيف عام 1914م علي إثر إغتيال ولي عهد النمسا الأرشيدوق فرانز فرديناند وزوجته من قبل طالب صربي يدعي غافريلو برينسيب أثناء زيارتهما لسراييفو عاصمة البوسنة بمملكة صربيا في يوم 28 يونيو عام 1914م وكان وراء هذا الإغتيال دوافع قومية وتسبب في عدد من جرائم إستهداف الصربيين في البوسنة في الأيام التالية ومن ثم إشتعلت قارة أوروبا على المستوى الدبلوماسي وتبادلت الدول الكبرى الرأى في جو من التوتر الشديد فيما عرف بأزمة يوليو وفي يوم 23 يوليو عام 1914م أرسلت المملكة النمساوية المجرية إنذارا شديد اللهجة إلى مملكة صربيا يتضمن عددا من المطالب تشمل إرسال محققين نمساويين إلى صربيا للتحقيق في حادث الإغتيال وقد تعمدت النمسا أن تكون الطلبات غير مقبولة لكي يكون رفضها من جانب صربيا حجة وذريعة قوية لإفتعال الحرب وبالطبع فقد رفضت صربيا الإنصياع للتهديد فكان أن حدثت أزمة دبلوماسية عنيفة وشديدة ترتب عليها إعلان الإمبراطورية النمساوية المجربة الحرب علي مملكة صربيا ثم توسع نطاق الحرب وإشتد أوارها وإنضمت بالتدريج بريطانيا وفرنسا وروسيا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة الأميريكية إلى مملكة صربيا وإنضمت المانيا وبلغاريا والدولة العثمانية للإمبراطورية النمساوية المجرية وكان أن نشبت بالفعل الحرب العالمية الأولي في يوم 28 يوليو عام 1914م .


وبلا شك كان كل من الفريقين المتحاربين حريصين على دخول الدولة العثمانية الحرب إلي جانبه خاصة مع وجودها بالقرب من روسيا بالإضافة إلى وجود مستعمرات إنجليزية وفرنسية كثيرة في داخل الدولة العثمانية نفسها فبريطانيا تحتل مصر والسودان وقبرص أما فرنسا فتحتل الجزائر وتونس وكانت أمام الدولة العثمانية خيارات ثلاثة إما الدخول إلى جانب الألمان أو الدخول إلى جانب الحلفاء أو البقاء على الحياد ويرى المؤرخون أن الإختيار الأخير كان هو الأفضل فالمعركة لا ناقة للدولة العثمانية فيها ولا جمل حيث أنها معركة بين قوى العالم الكبرى وميادينها حتى الآن بعيدة في شمال قارة أوروبا وغربها وستدوم فيما يبدو لعدة سنوات والدولة العثمانية منهكةٌ من حروب البلقان وقد يتيسر لها في هذا الوقت الذي تتقاتل فيه القوى العظمى أن تعيد بناء قوتها بدلا من الإنهاك الجديد في حرب ضد قوة عظيمة أيا كانت وحقا قد يملي المنتصر شروطه على القوى الضعيفة التي لم تشترك في القتال بعد إنتهاء الحرب لكن هذا سيكون في حدود وهي في كل الأحوال أقل جدا من الشروط التي سيمليها المنتصر على الخاسر في المعركة خاصة وإن الدخول في مثل هذه الصراعات الخطرة غير المحسومة هو نوع من المقامرة وينبغي ألا تقدم عليها الدول الحكيمة وعلي الرغم من كل هذه الحقائق لم يكن جنرالات الحرب العثمانيون يفكرون بهذه الطريقة إنما يبدو أنهم أرادوا صنع مجد شخصي لهم يمسح عار هزائم البلقان الفاضحة ولم يكن للسلطان العثماني محمد الخامس ولا لصدره الأعظم سعيد باشا حليم الذى كان قد تقلد منصبه في شهر يونيو عام 1913م رأى في المسألة بل لعلهم لم يعرفوا بالقرار إلا بعد إتخاذه وعندما علموا به عارضوه معارضة شديدة وحاول سعيد باشا حليم تقديم إستقالته إلا أنه بقي في منصبه تحت ضغوط حركة تركيا الفتاة الإصلاحية وقرر البشوات الثلاثة المذكورين في السطور السابقة دخول الحرب ولكنهم إختلفوا على الجانب الذي يدخلون في صفه مما يؤكد أن دخول الحرب لم يكن ضرورة إلزاميَة فكان أنور باشا يفضل الدخول إلى جانب الألمان وكان يرى أنه لا يوجد جيش في العالم يمكن أن يهزم الألمان ونقل شعوره هذا إلى طلعت باشا أما جمال باشا فكان يفضل الدخول إلى جانب الحلفاء وفرنسا تحديدا ونظرا إلى هيمنة أنور باشا على المجلس العسكري فقد إستقرت الدولة على الدخول إلى جانب المانيا وكان هذا عجيبا في الواقع وزاد من العجب التوقيت الذي قررت فيه الدولة العثمانية الدخول في هذه الحرب المدمرة إذ تم إتخاذ هذا القرار في شهر أكتوبر عام 1914م بعد هزيمة الألمان أمام الفرنسيين والبريطانيين في موقعة مارن التي وقعت ما بين يوم 6 إلي يوم 12 سبتمبر عام 1914م قرب العاصمة الفرنسية باريس مما يعني أن القادة العثمانيين كانوا يراهنون علي الطرف الخاسر كما أن التفوق العظيم للبحرية الإنجليزية والفرنسية والروسية على البحرية الألمانية سيجعل العاصمة العثمانية إسطنبول والدولة العثمانية كلها مهددة بشكل كبير وما زال المؤرخون متحيرين إلى زماننا هذا في السبب الحقيقي الذي دفع الدولة العثمانية إلى هذا الإنتحار العسكرى بإختيارها الخاطئ بالإنضمام إلي جانب المانيا وحلفائها خاصة بعد خسائرها الجسيمة في حروب البلقان وخاصة أيضا مع كونها آنذاك إمبراطورية زراعيةً في زمنٍ تفوقت فيه الإمبراطوريات الصناعية بشكل كبير وكان بداية تنفيذ قرار الجنرالات العثمانيين بدخول الحرب مع الألمان في يوم 29 أكتوبر عام 1914م بقصف متهور لموانئ روسية في البحر الأسود وبعدها بأسبوع وفي يوم 5 نوفمبر عام 1914م أعلنت روسيا وبريطانيا وفرنسا الحربَ على الدولة العثمانية وردت الدولة العثمانية بإعلان الحرب على الدول الثلاث في يوم 14 نوفمبر عام 1914م .



وتشير بعض الروايات إلى أن الألمان هم الذين ورطوا الدولة العثمانية عندما إستخدموا بارجتين عثمانيتين مصنعتين في المانيا لضرب الموانئ الروسية وهناك مصادر أخرى تكذب هذه الروايات وتنسب القصف للأسطول العثماني ذاته ويقول المؤرخون إنه حتى لو صحت هذه الروايات كان من الممكن للدولة العثمانية أن تعتذر بأن هذا القصف جاء عن طريق الخطأ وكانت المسألة ستمر على الأغلب بسلام لأن الحلفاء كانوا لا يرغبون في وجود عدو جديد في هذه المرحلة الحرجة ومما يذكر أنه قامت في العديد من المدن التركية منها إسطنبول وإزمير وبعض مدن شرق الأناضول كأرضروم مظاهرات حاشدة معارضةٌ للحرب لكنها قمعت بعنف وكانت النتيجة الطبيعية أن سحبت بذلك الدولة العثمانية إلى مصيرها المحتوم حيث كان قرار دخول الحرب إلي جانب المانيا خاطئا بشكل مركب وستكون عواقبه بلا جدال وخيمة لأن دخول العثمانيين في الحرب سيفتح عدة جبهات جديدة في البلقان وسيناء ومنطقة قناة السويس وفلسطين والشام والحجاز والعراق واليمن والقوقاز وإيران وجدير بالذكر أن السلطان العثماني محمد الخامس لم يعلن على الحلفاء حربا عادية إنما أعلن الجهاد في سبيل الله ودعا بصفته خليفةً للمسلمين أبناء الأمة للمشاركة في الحرب ضد بريطانيا وفرنسا الإستعماريتين وفي الواقع لم تكن دعوته مؤثرة أو ذات قيمة لا من قريب ولا من بعيد بل سنرى أن كثيرا من المسلمين سيحاربون إلى جوار الإنجليز ضد الدولة العثمانية لذا يرى بعضهم أن السلطان العثماني محمد الخامس قد أخطأ بإستعمال سلاح الحث على الجهاد في سبيل الله لأنه في حال عدم الإستجابة إليه ستكون النتائج أسوأ من عدم إستخدامه أصلا وكان من الأفضل أن يظل سلاحا للتهديد المستقبلي للحلفاء وكان من المفترض على السلطان محمد الخامس أن يعي ويدرك أن المسلمين في هذه الحقبة لن يشتركوا مع الدولة العثمانية في حرب خاصة أنها تدخلها لمساعدة المانيا في حرب أوروبية صرفة وقد أزعج الحلفاء دخول الدولة العثمانية الحرب ليس فقط لإضافة جنودها إلى المعادلة العسكرية ولكن لأنها ستضطرهم إلى سحب جانب كبير من قواتهم بعيدا عن الساحة الأوروبية وذلك في ميادين الدولة العثمانية الشرقية وكانت بريطانيا هي أكثر الحلفاء تضررا لقرب طرق التجارة إلى الهند من الدولة العثمانية وكانت أخطر المناطق هي مناطق الخليج العربي وقناة السويس لذلك حرصت بريطانيا على تأمين هاتين المنطقتين ولذا فقد حرك الإنجليز أسطولهم إلى الخليج العربي وقاموا بإنزال بحرى سهل في ميناء الفاو جنوبي العراق في يوم 6 نوفمبر عام 1914م دون أن يتعرضوا لمقاومة تذكر وشارك أمير الكويت مبارك الصباح التابع للدولة العثمانية في مساعدة القوات الإنجليزية وهاجمت قواته عدة مواقع عثمانية في أم قصر وصفوان والبصرة جنوبي العراق وجزيرة بوبيان بالخليج العربي في مقابل إعتراف بريطانيا بإستقلال الكويت تحت الرعاية الإنجليزية وفي الواقع لم تعط الدولة العثمانية أهمية عسكريةً كبرى لمنطقة الخليج العربي كأنها لم تتوقع أن يفتح الإنجليز جبهةَ قتال في هذه المنطقة البعيدة عن قارة أوروبا وكان هذا من أخطائها الجسيمة في الحرب فكان الجيش العثماني الرابع المسئول عنها هو أضعف جيوشها وهذا أدى إلى سهولة الإقتحام الإنجليزى ففي يوم 22 نوفمبر عام 1914م سقطت البصرة في يد الإنجليز فكانت أولى المدن المهمة ضياعا من العثمانيين في هذه الحرب المدمرة .


وأراد الإنجليز تأمين مصر بشكل أكبر فلم يكتفوا بدعم الحامية الإنجليزية هناك إنما قاموا بفصل مصر سياسيا عن الدولة العثمانية حيث كانت مصر قانونيا وفي عرف الدولة العثمانية والمصريين تابعة لها تحت إسم الخديوية ومحتلة من الإنجليز ومن ثم قامت بريطانيا في يوم 18 ديسمبر عام 1914م بعزل والي مصر آنذاك الخديوي عباس حلمي الثاني ونصبت مكانه الأمير حسين كامل إبن الخديوي الراحل إسماعيل وأعطته لقب سلطان وكانت بريطانيا تقصد بهذه الخطوة إعلان إنفصال مصر الرسمي عن الدولة العثمانية ولهذا أعطت حسين كامل لقب سلطان ليكون مكافئا للقب السلطان العثماني حيث أن هذا اللقب يعني عدم التبعية لأحد وفي نفس اليوم تم إعلان الحماية البريطانية علي مصر وكان الأمر يبدو كأنه أمر نظرى ولكنه في الواقع كان مهما للغاية لأن معناه عند الدولة العثمانية هو تمرد القيادة المصرية عليها وإنفصال الدولة عنها ولم يعد الأمر مجرد إحتلال إنجليزى سيزول عن الولاية التابعة لها في وقت ما وفي شهر يناير عام 1915م وبعد شهر واحد من إعلان إستقلال مصر عنها بتحريك جيشها في الشام إلى سيناء وإستطاع الجيش أن يخترق سيناء وهاجم التحصينات الإنجليزية في منطقة قناة السويس في الفترة من يوم 26 يناير إلى يوم 2 فبراير عام 1915م وفي ليلة 2/3 فبراير عام 1915م حاول العثمانيون عبور القناة عن طريق عمل جسر عند معبر طوسون على قناة السويس والذى يقع علي بعد 10 كيلو مترات تقريبا جنوبي مدينة الإسماعيلية وأحبط تلك المحاولة الضابط المصرى الملازم أول احمد أفندى حلمي بأن إنتظر حتي أتموا بناء الجسر وبدأوا يعبرون عليه وهم يظنون أنهم في مأمن فلما تجمعوا علي الجسر صب عليهم نيران مدفعيته وهزمهم هزيمة منكرة بعد أن كبدهم خسائر فادحة وكما يتضح لنا من هذه المعركة أن الجيش المصرى قاتل إلى جوار الإنجليز في هذه المعارك وحقق نصرا على العثمانيين فيما عرف في التاريخ بواقعة طوسون ويتعجب المؤرخون كيف قاتل المصريون إلى جوار الجيش الإنجليزي المحتل لأرضهم منذ عام 1882م ضد الدولة العثمانية المسلمة ولكن كان هذا هو الواقع المرير الذي تعانيه الأمة الإسلامية وعلى كل حال كانت هذه بداية تكوين جبهة جديدة للقتال ضد الحلفاء في منطقة قناة السويس وسيناء وفلسطين ستستمر إلى نهاية الحرب في عام 1918م .


وفي الوقت نفسه والذي كان الجيش العثماني يخترق سيناء وصولا إلي قناة السويس كان جيش عثماني آخر أعظم تتفاوت الروايات في تقدير حجمه ولكنه يتراوح بين ثمانين ألفا ومائة وخمسين ألف مقاتل تحت قيادة وزير الحربية العثماني إسماعيل أنور باشا يتجه إلى شرق الأناضول لحرب الروس في جبهة القوقاز وكان هدف الجيش العثماني إسترداد مدينة قارص بشرق الأناضول التي كان قد إحتلها الروس عام 1878م ثم التوغل في چورچيا وإخترق الجيش العثماني أرمينيا في منتصف شهر ديسمبر عام 1914م وإلتقى والجيش الروسي عند مدينة ساريكاميش على بعد خمسين كيلو مترا غرب قارص وتم تقديم النصح للوزير العثماني بمحاولة نجنب القتال إلى أن ينقضي وقت الشتاء لكنه أصر على القتال بغية مباغتة الروس وأحدث هذا الخلاف شقاقا في الجيش وصل إلى قيام وزير الحربية إسماعيل أنور باشا بعزل قائد الجيش الثالث حسن عزت باشا ودارت معارك شديدة لما يقرب من شهر في الفترة من يوم 22 ديسمبر عام 1914م إلى يوم 17 يناير عام 1915م هزم فيها العثمانيون هزيمةً كبيرة وتختلف المصادر في تحديد عدد الشهداء العثمانيين وكانت عدة مصادر قد أجمعت على أن الرقم قد وصل إلى تسعين ألفا وكان البرد الشديد أحد أسباب الموت في هذه المعركة المؤسفة وقد ذكرت بعض المصادر أن المتبقي من الجيش العثماني بعد الموقعة لم يتجاوز 12500 مقاتل ويرى بعض المحللين العسكريين أن الأداء العسكري للجيش العثماني كان منضبطا ولم يكن الطقس معوقا لأدائه ولكن لم تكن خطة أنور باشا محكمة كما لم يكن التواصل بين الوحدات جيدا ولعل هذا العامل الأخير كان بسبب الخلافات المحتدمة بين القادة على توقيت القتال وبسبب غضب كثير من القادة نتيجة عزل حسن عزت باشا قُبيل نشوب المعارك جعل إسماعيل أنور باشا سبب الهزيمة هو أن الأرمن التابعين للدولة العثمانية قد وقفوا إلى جوار الروس وكشفوا تحركات الجيش العثماني بينما تذكر المصادر الأرمينية أن هؤلاء الأرمن المشاركين للروس في المعركة كانوا من الذين يعيشون في روسيا وليسوا أتباعا للدولة العثمانية وعلى كلِ حال كانت هذه الموقعة سببا في حرص العثمانيين على سكون هذه الجبهة إلى آخر الحرب حيث يذكر أحد الضباط الألمان الذين شاركوا في هذه الموقعة إلى جوار العثمانيين أن الجيش الثالث العثماني تعرض في هذه الحرب لكارثة عسكرية غير مسبوقة في التاريخ العسكري من ناحية السرعة والإكتمال وأيضا ستكون هذه الموقعة سببا مباشرا لعملية ترحيل الأرمن من شرق الأناضول في صيف عام 1915م .


وفي واقع الأمر ففي حرب الدولة العثمانية مع الروس تضامن الأرمن مع القوات الروسية إما عن طريق كشف المعلومات والتسهيلات اللوجيستية أثناء القتال وإما عن طريق الإنضمام الفعلي للجيش الروسي وإستطاع الأرمن بمساعدة الجيش الروسي على السيطرة علي مدينة ڤان شرقي الأناضول في شهر مارس عام 1915م وبعد إنتهاء موقعة ساريكاميش التي تحدثنا عنها في السطور السابقة وفناء القوة العثمانية المدافعة عن شرق الأناضول صار الموقف حرجا للغاية وأصبح من المؤكد أن الروس سيستغلون الموقف ويقومون بالتعاون مع الأرمن في غزو شرق الأناضول وإقامة دولة للأرمن ومن ثم فسيصبح الطريق إلى إسطنبول مفتوحا من الناحية الشرقية للقوات الروسية وينبغي ملاحظة أن هذه التطورات كانت تحدث في الوقت الذي توجد فيه قوات الحلفاء في جاليبولي تحاول غزو إسطنبول من الناحية الغربية وسنتناول ذلك بالتفصيل في السطور القادمة بإذن الله وهكذا سيقع العثمانيون في العاصمة بين الروس في الشرق والإنجليز والفرنسيين في الغرب ولو سقطت العاصمة لإنتهت الحرب ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل سلح الروس قبائل الأرمن التي قامت بدورها بتنفيذ مذابح جماعية في المسلمين في شرق الأناضول وفي ظل هذه الظروف قررت الحكومة العثمانية ترحيل نصف مليون أرمني عثماني من ولايات الأناضول الشرقية إلى شمال الشام والعراق وقد صدر هذا القرار في شهر أبريل عام 1915م ونفذ في الشهور التالية مباشرة وكان هذا القرار على صعوبته تقنيا وإنسانيا هو الحل الوحيد أمام الدولة العثمانية لمنع الإجتياح الروسي لشرق الأناضول وللأسف فنظرا لظروف الطقس الحار في الصيف ولظروف الدولة السيئة أثناء الحرب توفي عدد كبير من الأرمن أثناء عملية الترحيل ويضاف إلى هذا قيام بعض الفرق الكردية بعمليات إنتقامية من الأرمن أثناء الترحيل حيث كان التوتر بين العرقيتين كبيرا منذ عقود وكانت النتيجة أن قتل الأرمن في أعقاب إنتصار الروس على العثمانيِين الآلاف من الأكراد فكان ما فعله الأكراد أثناء تهجير الأرمن رد فعل لما حدث معهم من إبادة ويرى المؤرخ الأميريكي چاستن مكارثي أن الأرمن والأكراد كانوا غير معنيِين بالحرب العالمية ولكن كان بينهم صراع محلي على السيادة في هذه المنطقة وقد قدرت المصادر التركية أعداد موتى الأرمن في عملية التهجير بالآلاف أو عشرات الآلاف وفي التقديرات الأرمينية والإنجليزية بلغت الأعداد ستمائة ألف وأحيانا تتجاوز المليون وجدير بالذكر أن هذه القضية مازالت إلي يومنا هذا متداولة في أروقة منظمة الأمم المتحدة على الرغم من عدم وجود دليل واحد يؤكد جريمة التطهير العرقي إنما كان الأمر تأمينا للدولة وهي في حالة حرب وتهجيرا لعدد من رعاياها الذين كانوا يتعاونون مع أعدائها وقد إعترف جل المؤرخين بقتال الأرمن إلى جوار الروس ضد العثمانيين بل يعترف المؤرخ والطبيب الأرمني زاره هوڤانسيان أنه بعد زيارة القيصر الروسي نيكولاس الثاني للأرمن في القوقاز أثناء الحرب ووعده لهم بتأسيس دولة مستقلَّة لهم مكونة من عدد ست ولايات عثمانية شرق الأناضول إشترك مائة وخمسون ألف أرمني في الجيش الروسي وعلى الرغم من هذا التجاوز الذى يهدد أمن الدولة العثمانية برمتها فقد حدث تهجير الأرمن داخل الدولة ذاتها ولم ينفوا إلى الخارج بل كان التهجير إلى أماكن أفضل في الدولة حيث كان المستوى الحضارى لبلاد الشام أفضل بكثير من شرق الأناضول ولم تكن نية القتل والإبادة موجودة لدى العثمانيين مع الإعتراف بأن عملية التهجير قد تمت علي عجل وبدون تخطيط أو إعداد جيد ولم تتم بأسلوب آمن وسليم وذلك لظروف الحرب الضارية التي كانت تعيشها الدولة العثمانية آنذاك .


وإذا ما إنتقلنا إلي الجبهة الإنجليزية العثمانية فعلى الرغم من الإنتصارات الإنجليزية على الدولة العثمانية في جبهتي العراق وقناة السويس والإنتصار الروسي عليها في جبهة القوقاز فإن الحلفاء شعروا أن الدعم الألماني سيطيل أمد الوجود العثماني في القتال لذلك قرروا حسم المسألة عن طريق إحتلال إسطنبول ذاتها كما أن السيطرة على المضايق البحرية ستفتح الطريق إلى روسيا التي كانت في حاجة ماسة لإمدادات الحلفاء ولم يكن القرار مجنونا إذ سبق للقوات الروسية في عام 1878م في عهد السلطان عبد الحميد الثاني أن إجتاحت الدولة العثمانية حتى كادت أن تصل إلى العاصمة العثمانية لولا التحذير الأوروبي ومرة أخرى كادت القوات البلغارية على ضعفها النسبي أن تصل إلى إسطنبول في عام 1912م لولا التحذير الروسي وفي يوم 17 فبراير عام 1915م بدأ الهجوم البحرى من جانب بريطانيا وفرنسا على مضيق الدردنيل بغية إختراقه والوصول إلى إسطنبول لكن محاولاتهم المتكررة فشلت ولذلك أراد الحلفاء ألا يضيعوا وقتا فقاموا بالإنزال البرى في يوم 25 أبريل عام 1915م على شبه جزيرة جاليبولي وهي شبه جزيرة تقع في تراقيا الغربية في الجزء الأوروبي من جمهورية تركيا حاليا وتطل على بحر إيجة في جهتها الغربية وعلى مضيق الدردنيل في جهتها الشرقية وذلك بهدف الزحف منها نحو إسطنبول وكانت الفرقة الأسترالية والنيوزيلندية من الجيش الإنجليزى هي أولى الفرق نزولا إلى جاليبولي وحيث أن هذه هي المشاركة الحربية الأولى في التاريخ لجيوش أستراليا ونيوزيلندا فإن هذه المعارك أيقظت عند الأستراليين والنيوزيلنديين روح الوطنية وهي التي يسمونها روح أنزاك وأنزاك هي الحروف الإنجليزية الأولى من إسم الفرقة العسكرية للبلدين في معارك الحرب العالمية الأولى وكانت هذه الروح سبب مباشر لسعي الدولتين إلى الإستقلال عن بريطانيا وعلى الرغم من أنهما لم تحققا الإنتصار في معارك جاليبولي لكن تضحياتهما كانت كبيرة لهذا فإن تاريخ هذا الإنزال العسكرى وهو 25 أبريل يعد عيدا قوميا في البلدين وقد شارك في معارك جاليبولي خمسون ألف أسترالي ومن أربعة عشر إلى سبعة عشر ألف نيوزيلندى وجدير بالذكر أن بريطانيا كانت تستخدم جيوش البلاد التي تحتلها في معاركها في العالم وقد رأينا في السطور السابقة إستخدامها للمصريين في حرب العثمانيِّين عند قناة السويس وهاهي تستخدم الأستراليين والنيوزيلنديين في جاليبولي وعلاوة علي ذلك فقد إستخدمت الهنود في إحتلال العراق وهكذا والحقيقة فإن الخطأ في هذا الإستخدام يقع على الشعوب المستعبَدة وحكامها الذين قبلوا أن يقاتلوا في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل بل أحيانا كانوا يقاتلون إخوانهم في الدين أو العرق وليس مقبولا في هذه الظروف أن تتعلل الشعوب بالإكراه الإنجليزى لها لأن الخنوع والخضوع ليس لهما مسوغات أو مبررات وعموما فأمام الهجوم الإنجليزى الفرنسي المشترك علي جاليبولي كون العثمانيون جيشا خاصا للدفاع عنها هو الجيش الخامس وكان بقيادة الجنرال الألماني أوتو ساندرس وكان هذا الجيش يضم عدة فرق منها الفرقة التاسعة عشرة وكانت تحت قيادة الضابط مصطفى بك كمال وعليها وقع العبء الأكبر في الدفاع عن جاليبولي في الفترة من يوم 25 أبريل عام 1915م إلى يوم 9 يناير عام 1916م أى أكثر من ثمانية شهور دارت خلالها عدة معارك طاحنة كانت من أشد حروب الحرب العالمية الأولى دموية ومع ذلك لم يتمكن الحلفاء قط من التقدم في شبه الجزيرة وكانت لتوقعات مصطفى كمال الدقيقة لأماكن إنزال الحلفاء لجيوشهم وتحركاتها الأثر الكبير في نجاح الجيش العثماني في مهمته وأيضا كان لجسارته ومشاركته للجنود في الصفوف الأولي الأثر العميق في ثبات الجنود ولا تزال كلماته القليلة التي قالها لفرقته محفورة في أذهان الأتراك حتي اليوم حيث قال لهم أنا لا آمركم أن تقاتلوا ولكن آمركم أن تموتوا وفي الوقت الذى سيمضي إلى أن تموتوا ستكون قواتنا الأخرى والقادة قد تقدموا ليأخذوا أماكننا وبهذه الروح ثبت الجيش بصورة لم نرها في معارك كثيرة وكان شهداء العثمانيين وجرحاهم في هذه المعارك بأعداد كبيرة وتذكر بعض المصادر أن إجمالي الضحايا العثمانيِين قد بلغ 250 ألف جندي ما بين شهيد وجريح ومفقود وفي المقابل سقط عدد مماثل من الحلفاء وفي حقيقة الأمر كانت الملحمة تاريخية وكان الدمار شاملا خاصة وأن هذه الخسائر الضخمة كانت في مدة ثمانية شهور فقط .


وفي يوم 8 يناير عام 1916م أيقن الحلفاء أنهم لن يتمكنوا من الوصول إلي إسطنبول فسحبوا معظم قواتهم ثم إستأنفوا الإنسحاب الكامل في يوم 9 يناير عام 1916م ولم تتكرر بعد ذلك محاولات غزو إسطنبول إلا بعد إستسلام الدولة العثمانية في آخر الحرب هذا وتعد معركة جاليبولي واحدة من أهمِ المعارك في التاريخ التركي الحديث ويعتبرها القوميون الأتراك النموذج الذي يريدونه للدفاع عن وطنهم ففي هذه الموقعة صد الجيش العثماني على الرغم من تسليحه الضعيف جيشين لدولتين من أعظم الدول الصناعية في ذلك الوقت هما بريطانيا وفرنسا كما تعتبر هذه المعركة هي الميلاد الحقيقي لمصطفى كمال أتاتورك وبداية ظهوره كبطل قومي يمكن أن يعول عليه للدفاع عن حقوق الأتراك وبالفعل فبعد سنوات قليلة أصبح أول رئيس لجمهورية تركيا الحالية ومن جانب آخر ففي يوم 14 أكتوبر عام 1915م دخلت بلغاريا الحرب في صف دول المركز المانيا والمملكة النمساوية المجرية والدولة العثمانية وكان الجيش البلغاري أصغر الجيوش في هذا الحلف حيث كان عدده ستمائة وخمسون ألف جندى ومع ذلك كان دخوله مؤثرا لأنه أولا أسهم بشكل مباشر بالإشتراك مع المانيا والنمسا في هزيمة صربيا في أقل من شهر وبالتالي أقصاها عن الحلفاء وثانيا لأنه فتح الطريق بين المانيا والدولة العثمانية لأن بلغاريا متوسطةٌ بينهما وكانت إسطنبول تحتاج إلى إمدادات مستمرة من برلين وثالثا لأنه حرم الحلفاء من مشاركة البلغار معهم وقد حاول الحلفاء ضم بلغاريا إليهم لكن بلغاريا كانت تطمع في ضمِ أجزاء من صربيا المنضمة للحلفاء ولذلك آثرت الإنضمام إلى الألمان ورابعا كانت بلغاريا تمثل خط دفاعٍ أول ضد اليونان التي كان متوقعا دخولها الحرب في الأغلب مع الحلفاء ومن زاوية أخرى كانت النتيجة السلبية الأساسية لدخول بلغاريا الحرب بالنسبة إلى الدولة العثمانية هي إضطرار العثمانيين إلى منح البلغار جزء من الأرض في البلقان حول نهر ماريتزا الذى ينبع من غرب بلغاريا ويسير نحو الجنوب الشرقي مخترقا إقليم البلقان حتي يصل إلي مدينة إدرنة التركية وهو الجزء الذي سيضمن لبلغاريا الوصول إلى بحر إيجة وكانت هناك نتيجة سلبية أخرى وهي عدم قدرة الدولة العثمانية على المطالبة بإقليم دبروچة الذي تسيطر عليه رومانيا وكانت الدولة العثمانية قد فقدته في حروب البلقان وطمعت في الحصول عليه أثناء الحرب ولكن دخول بلغاريا حال دون ذلك لأن المانيا وعدت البلغار بمنحهم هذا الإقليم في حال دخولهم في صفها وكانوا يتوقعون دخول رومانيا إلى جوار الحلفاء وقد صدق حدسهم وبالفعل إنضمت رومانيا إلى الحلفاء في عام 1916م .
 
 
الصور :
حشد من الناس أمام الباب العالي بعد إنقلاب عام 1913م إسماعيل أنور باشا محمد طلعت باشا لوحة دعائية لحرب البلقان عام 1912م الضابط مصطفي كمال في معركة طبرق ضد الإيطاليين