الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

الشيخ محمود أفندى

 الشيخ محمود أفندى
عدد : 10-2022
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”


الشيخ محمود أفندى وإسمه بالكامل محمود أوسطي عثمان أوغلو هو أحد أبرز الشخصيات الدينية الصوفية التي ظهرت في تركيا ويعد علما من أعلام التصوف المعتدل في العالم الإسلامي وأحد أشهر العلماء خلال النصف الثاني من القرن العشرين والربع الأول من القرن الحادى والعشرين الميلاديين ويعد أيضا أحد أبرز من ساهموا في النهضة الدينية الحالية في تركيا ومنارة في العلوم الشرعية والقرآن الكريم وعلوم اللغة العربية وكان أيضا من كبار المرشدين الذين جمعوا بين التربية بالأقوال والأفعال والأحوال والهمة والنظر وهو زعيم جماعة إسماعيل أغا النقشبندية ويعود إسم هذه الجماعة إلي محمد بهاء الدين نقشبند البخارى مؤسسها والذى أعلن أن هذه الطريقة يرتبط نهجها الروحي مع منهاج النبي محمد صلي الله عليه وسلم من خلال سيرة ونهج الخليفة الأول أبو بكر الصديق وبمرور الزمن أصبح لها الكثير من المريدين والأتباع في كل من تركيا خاصة في منطقة الفاتح بإسطنبول في حي ياووز وفي ولاية قونية بوسط الأناضول والمعروفة بكونها معقلا للنفوذ الصوفي وفي ولاية طرابزون مسقط رأس الشيخ محمود أفندى وفي إقليم كردستان التركي والعراقي وقد إشتهرت مؤخرا بإسم جماعة محمود أفندى والتي يقدر عدد أتباعها حاليا داخل وخارج تركيا بالملايين وقد تصدر للدعوة وتدريس العلوم الشرعية مواجها مضايقات عديدة طوال حياته من جنرالات العسكر والعلمانيين فتعرض للسجن والضرب ومحاولة إغتياله إلا أن الأمر لم يثنه عن الدعوة وتدريس العلوم الشرعية حين أغلقت المدارس الدينية في تركيا وصار يذهب إلى البيوت يطلب منهم إرسال أبنائهم إليه ليدرسهم خفية ويقول إذا ماتت علوم الشريعة فسيموت الإسلام في تركيا وبسبب ذلك تعرض لعدة محاولات إغتيال فاشلة وكان يتميز بالذكاء والفطنة وحفظ القرآن الكريم والحديث الشريف من صغره وساهم في إنشاء جيل من حفظة القرآن الكريم في تركيا ولذلك فهو يعتبر أستاذا للعديد من المشايخ الذين مهدوا الدرب بعلمهم لأجيال لاحقة وتميزوا بحسن الخلق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتميزوا أيضا بإرتداء أزياء خاصة حيث يرتدى الرجال السروال العريض والجبة والعمامة ويطلقون لحاهم ويلبس أطفالهم مثلهم بينما ترتدي نساؤهم زيا أسود اللون فضفاض لا يظهر من الوجه سوى العينين والأنف وقد صار مظهر العمامة والجبة ولباس النساء الأسود الفضفاض مألوفا في إسطنبول وسائر ولايات تركيا بل صار ضمن الأزياء التركية المعروفة وله خياطون متميزون حيث أصبح من يرتديها يعدون بالملايين وقد عرف عن شيخنا محمود أفندى مواقفه المشرفة في الوقوف مع قضايا الأمة ومساندة المظلومين حول العالم وكان لأتباعه وتلامذته دور في كبير في إسقاط محاولة الإنقلاب الفاشلة في تركيا التي حاول فصيل من الجيش التركي القيام بها في شهر يونيو عام 2016م وسقط منهم شهداء أبرار وبذلك نجي الله تركيا بتضحيات هؤلاء وغيرهم من كارثة محققة كانت ستحل بها في حالة نجاح هذا الإنقلاب البغيض وفضلا عن ذلك كانت للشيخ محمود أفندى مؤلفات عديدة في العلوم الشرعية والدعوة منها كتاب تفسير للقرآن الكريم باللغة التركية سماه روح الفرقان والذى تمت طباعته في عدد 19 مجلدا وكتاب المحادثات الذي يشمل أحاديثه الشخصية في تسعة مجلدات ورسالة قدسية ويتكون من مجلدين وكتاب صحبة عمر وتفسير سورة الفاتحة كما إحتل الشيخ محمود أفندى المرتبة الرابعة والثلاثين في قائمة أكثر 500 شخصية تأثيرا في العالم الإسلامي لعام 2022م والتي يصدرها المركز الملكي للبحوث والدراسات الإسلامية في المملكة الأردنية الهاشمية سنويا وحصل أيضا في عام 2010م على جائزة الإمام محمد بن قاسم النانوتوي المقدمة من الندوة الدولية لخدمة الشؤون الإنسانية خلال حفل كبير أقيم في مدينة إسطنبول .



وكان ميلاد الشيخ محمود أفندى في قرية طوشانلي التابعة لمدينة أوف بولاية طرابزون التي تقع شمال شرقي تركيا عام 1929م لأسرة مهتمة بالعلوم الدينية وتتلمذ على يد والده الشيخ علي أفندى الذي كان إماما لجامع قريته ووالدته فاطمة هانم التي كانت أيضا مهتمة بالعلوم الدينية وعلوم القرآن الكريم الذي أتم حفظه وهو في سن العاشرة من عمره وذلك في وقت كانت قد إنتشرت العلمانية الأتاتوركية التي همشت دور الدين في الحياة في تركيا وإلتزم في هذه السن المبكرة بصلاة الجماعة وإهتم بها وحرص عليها ورأى أن النوافل هي من أهم الأسباب المقربة إلى الله عز وجل وتابع محمود عثمان أوغلو رحلته في التعليم الديني على يدي معلمه محمد روشتو ثم درس اللغة العربية في قرية بابلان على يدي المعلم عبد الوهاب أفندى وتلقى العلوم الدينية كالفقه والحديث وتفسير القرآن الكريم وقراءاته المختلفة على يدي معلمه دورسون فيضي جوفين وحصل على الإجازة في العلوم الدينية وبدأ في تعليمها للناس في مسجد قريته وفي مساجد القرى المحيطة وكان سنه حينذاك لم يتجاوز 16 عاما من عمره ثم ما لبث أن خصص ثلاثة أسابيع سنويا لجولة في المدن التركية لتعليم الناس ومساعدتهم على حل مشاكل حياتهم اليومية وفق منظور الشريعة الإسلامية وفي نفس الوقت إستمر في تلقى علوم الشريعة واللغة العربية عن كبار علماء عصره مثل شيخ الإسلام ومفتي المذاهب الأربعة الإمام علي حيدر أفندى كما تعلم اللغة الفارسية وفي عام 1951م وكان قد بلغ من العمر 22 عاما وفي عهد رئيس الوزراء عدنان مندريس تم تعيينه إماما وخطيبا لمسجد بمنطقة دويرجي بولاية سيفاس بوسط تركيا وجدير بالذكر أن مندريس كان أول زعيم سياسي منتخب إنتخابا حرا ديمقراطيا في تاريخ تركيا الحديثة ومن ثم تقلد منصب رئيس مجلس الوزراء التركي خلال الفترة من عام 1950م وحتي عام 1960م وذلك خلال عهد الرئيس التركي الثالث محمود جلال الدين بيار وخلال توليه منصبه خرج من معطف مصطفى كمال أتاتورك ليتحدى تشريعاته العلمانية فنجده قد أوفي بما تعهد به أثناء حملته الانتخابية وإتخذ قرارا في بداية عهده في يوم أول رمضان عام 1369 هجرية الموافق يوم 16 يونيو عام 1950م بأن يكون الأذان باللغة العربية بعد أن كان أتاتورك قد قرر رفعه باللغة التركية وأدخل الدروس الدينية إلى المدارس العامة وفتح أول معهد ديني عال بالإضافة إلي عدد 22 معهد ديني بالأناضول من أجل تخريج الوعاظ والخطباء وأساتذة الدين إلى جانب إنشاء العديد من مراكز تعليم القرآن الكريم بلغ عددها 25 ألف مركز وإعادة السماح للأتراك بأداء الحج والعمرة وإلغاء تدخل الدولة في لباس المرأة حيث كانت سياسة حزب اتاتورك تفرض حظر على الحجاب والتضييق على من يرتدونه وعلاوة علي ذلك فقد سمح بإصدار مجلات وكتب تدعو إلى التمسك بالإسلام والسير على هديه وأخلى المساجد التي كانت الحكومات السابقة تستعملها مخازن للحبوب وأعادها أماكن للعبادة وجدير بالذكر أيضا أن مندريس لم يعلن في أى من هذه الإجراءات أنه كان إسلاميا أو مؤيدا للإسلاميين وهي التهم التي وجهت له فيما بعد وبعد عامين وفي عام 1953م ترك الشيخ محمود أفندى مسقط رأسه وإتجه إلى إسطنبول مصطحبا معه زوجته وهي إبنة خاله والتي كان قد أنجب منها ثلاثة أبناء ولدين أحمد وعبد الله وبنتا واحدة حملت إسم والدته فاطمة ليقيم في منطقة الفاتح بجوار جامع إسماعيل أغا الذي كانت قد باعته الحكومة آنذاك لأحد التجار بوصفه مستودعا ليستخدمه الرجل في تخزين بضاعته من خضراوات ومواش وهو الأمر الذى أحزن الشيخ كثيرا فإشترى الجامع من الرجل ولجأ إلي معلمه الإمام والشيخ علي حيدر وطلب منه مشاركته في إحياء هذا الجامع لكن هذا الأخير لم يتحمس لهذه الفكرة نظرا لتجريم الدولة لأى فعاليات لها علاقة بالإسلام وحظرها إقامة أي شعائر دينية إلى جانب ما كان عليه المكان من إهمال واضح يجعله غير مناسب لإقامة أى شعائر لكن الشيخ محمود افندى أقنع معلمه الشيخ علي حيدر بالبقاء معه والبدء في تنظيف المكان وتطهيره مما علق به من أوساخ وقاذورات وإعادته إلى سابق عهده ليكون لائقا بأداء الشعائر وإلقاء الدروس الدينية وترك مسألة المصلين والراغبين في تلقي الدروس الدينية إلى الله وشيئا فشيئا بدأ الناس يتوافدون على الجامع الذي نال إعجابهم وإستحسانهم حتى وصل عدد المصلين به إلى حوالي خمسة عشر مصليا وفيما بعد أصبح هذا الجامع من المراكز الأساسية للصوفية النقشبندية وقد إستمر الشيخ محمود في إمامته له من عام 1954م حتى عام 1996م ومما يذكر عن الشيخ محمود أفندى أن هذا العام الذى تولي فيه إمامة جامع إسماعيل أغا كان عام الحزن عنده حيث بلغه خبر إنتقال والده إلى الرفيق الأعلى وهو يؤدي فريضة الحج وذلك بعد أن كانت والدته قد إنتقلت إلى جوار ربها في وقت سابق إلا أن أكبر عزائه كان أن والده قد دفن بالقرب من جده في مقبرة المعلاة في مكة المكرمة والأعظم من ذلك أنه دفن بجوار بل في كنف أمنا أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد رضوان الله عليها .


وبإستقرار الشيخ محمود أفندى في مدينة إسطنبول وإعادة إفتتاح جامع إسماعيل أغا بدأ يفكر بجدية في فتح مدرسة لمختلف الأعمار لتحفيظ وتعليم القرآن الكريم وعلومه وتعليم اللغة العربية وعلومها من نحو وبلاغة ونحو وصرف بوصفها لغة القرآن الكريم والتي يجب على كل مسلم تعلمها حتى يستطيع فهم الإسلام فهما صحيحا ومن أجل ذلك الغرض قام بزيارة جميع منازل المنطقة المحيطة بالجامع ومحالها التجارية وأسواقها مسلما على الناس ومعرفا نفسه وأنه جاء فقط لزيارتهم حبا في الله وهو ما جعل قلوب الناس تهوى إليه ويتعلق به الكثير منهم فبدأوا يتوافدون على الجامع لرؤيته وحضور دروسه أو يرسلون أبناءهم للتعلم وحفظ القرآن الكريم على يديه وشيئا فشيئا أصبح له الكثير من التلاميذ والمريدين الذين تخرجوا على يديه حافظين للقرآن الكريم ودارسين لعلومه وبدأ يرسلهم إلى العديد من المدن والقرى التركية لتعليم أهلها أمور دينهم وتعريفهم بما أحل الله لهم وما نهاهم عنه من المحظورات والمحرمات التي أباحها النظام العلماني السائد في ذلك الوقت كشرب الخمر ولعب الميسر وأكل لحوم الخنازير وإرتداء الملابس الكاشفة والفاضحة للنساء ومنح التراخيص لبيوت الدعارة وذلك بهدف محو الإسلام من صدور وعقول الأجيال الجديدة في تركيا وتأهيلها لممارسة نمط الحياة الغربية بكل موبقاتها ومحرماتها دون وجل ولا خوف وقد تصدى الشيخ محمود أفندي لهذا التغريب بإرادة من فولاذ رغم حداثة سنه آنذاك ونذر حياته لمنع تغلغله في النفوس وكانت تلك الفترة من أكثر فترات حياة الشيخ محمود نشاطا حيث إستطاع خلالها وضع الأسس المرتكزة على المذهب الحنفي الذي إنطلقت منه جماعته وإستطاع أن يضم الكثير من التلاميذ إلى صفوفه التعليمية ليزداد عدد مريديه وأتباعه ليس في إسطنبول وحدها بل في مختلف ربوع تركيا ومحافظاتها الإحدى والثمانين ومما يذكر عن هذه المرحلة في مسيرة الشيخ محمود بعض الطرائف منها أن تلاميذ الشيخ وجدوا صعوبة كبيرة في إيجاد تلاميذ يعلمونهم أو مستمعين لدروسهم فأرسل بعضهم شاكيا للشيخ ليرد عليهم قائلا كل منكم يبحث عن شجرة في القرية التي هو فيها ويجلس أمامها ويلقي عليها درسه الذي يريد أن يعلمه للناس والله سبحانه وتعالى سيتكفل بإيصال صوتكم ودعوتكم إلى الناس وبمرور الوقت بدأ الناس يقبلون عليهم ويستمعون إلى دروسهم ليتعلموا أمور دينهم ودنياهم بل أصبحوا حريصين أشد الحرص على حضور حلقات الدرس وحفظ القرآن الكريم وفي وقتنا الحاضر يفتخر تلاميذ الشيخ محمود أفندى كلما سمعوا الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان يتلو آيات من القرآن الكريم في بداية خطبه وفي المناسبات العامة والإجتماعات الجماهيرية وذلك لأن محفظ الرئيس أردوغان ومن كان يقرأ القرآن الكريم علي يديه كان من تلاميذ الشيخ محمود أفندى وهو الشيخ كمال أفندى وعلاوة علي ذلك فإننا تجد الغالبية ممن ينتمون إلي هذه الجماعة تشعر بأنها من أحفاد آق شمس الدين شيخ السلطان العثماني السابع فاتح القسطنطينية محمد الفاتح وفضلا عن ذلك كان هناك حدث هام في مسيرة الشيخ محمود أفندى حيث توجه في عام 2005م إلي المسجد الحرام بمكة المكرمة بصحبة عدد 30 ألف من مريديه وتلامذته إمتلأت بهم ساحة الطواف وجنبات المسجد الحرام والمسعي بين الصفا والمروة وهم يلبون ويتضرعون للمولي عز وجل .

وقد خلف الشيخُ محمود أفندي الشيخ علي حيدر في قيادة الطريقة النقشبندية وذلك بعد وفاة هذا الأخير في شهر أغسطس عام 1960م ومنذ توليه المسؤولية لهذه الجماعة الصوفية عمل على تنظيم صفوفها وترتيب كوادرها للعمل على مد جذورها في كل أنحاء تركيا وعمل على توفير التمويل اللازم لها للقيام بأعمالها الخيرية وأهدافها الدعوية من خلال الوقف الذى فيه يتم حبس الأصل وتسبيل الثمرة وبذلك حول هذا الشيخ الجليل الدعوة إلى سلوك على أرض الواقع ووفر لها التمويل اللازم بصورة علمية رشيدة بحيث يضمن إستمراريتها وهو ما يعد نموذجا حيا لمن يريد الإستمرارية في دعوته حتى بعد مماته من خلال الصدقة الجارية بالوقف ومصارفه الوقفية وكان من نتيجة ذلك أن أخذت دعوته في الإنتشار بصورة كبيرة لتصبح جماعته أكبر الجماعات الإسلامية في تركيا بفضل الله ثم التخطيط المالي والإدارى المتميزين حيث عمل على الإستفادة من ريع أوقاف الجماعة في إسطنبول وطرابزون وغيرهما من المدن التركية وتوجيهها نحو مصارف وقفية متعددة كان من أهمها التعليم حيث يلتحق الطالب لديهم بمراحل تعليمية ضمن بيئة خاصة تحقق له الجانب العلمي والتربوى وتتم كفالة الطالب مأكلا ومشربا وملبسا حتى يتم دراسته بل وتعيينه في تلك المدارس الدينية التي لا تقتصر على الذكور فقط بل على الإناث أيضا دون إختلاط ولم يقتصر هذا الأمر على تركيا فقط بل إمتد ليشمل إنشاء عشرات المدارس في أكثر من عدد 40 دولة في قارتي أفريقيا وآسيا وفي إقليم البلقان بالقارة الأوروبية وكان أيضا من التفكير الإقتصادي الواعي للشيخ محمود أفندى أنه جعل المنافع الإقتصادية مقدمة داخل جماعته بين أفرادها ومن يحملون الفكر الإسلامي مما أسهم في رواج النشاط الصناعي والتجارى والخدمي للمسلمين بحيث أصبحوا لا يشترون سلعهم وخدماتهم من أصحاب الأفكار العلمانية المعادية للإسلام بل أصبحوا يشترون سلعهم وخدماتهم من الشركات والمتاجر التي يتحلي أصحابها بالإلتزام بالإسلام أو المقربين لجماعتهم حتى لو كان المنتج أقل جودة وأغلى ثمنا وهو ما ساهم في الوقت نفسه في سعي أصحاب هذه الشركات والمتاجر لتحسين جودة منتجاتهم وتحقيق ميزة تنافسية في أسعارهم وفضلا عن ذلك كان لجماعة الشيخ محمود أفندى دور ملحوظ في أزمة اللاجئين السوريين في تركيا خاصة في فترة بداية النزوح إليها حينما فروا من سوريا مع تصاعد الأزمة السورية بحلول عام 2015م حيث عملت الجماعة على إستضافتهم وتأمين إحتياجاتهم الأساسية من مطعم ومأكل وملبس ومسكن وأعدت لهم العديد من الأوقاف للإستضافة لحين بحثهم عن منازل دائمة يسكنون فيها كما كان أفراد هذه الجماعة بصدورهم العارية في مقدمة الصفوف في مواجهة محاولة إنقلاب العسكر الفاشلة ضد الرئيس الشرعي للبلاد رجب طيب أردوغان في شهر يونيو عام 2016م .


وفي واقع الأمر لقد نجح الشيخ محمود أفندى في مسعاه حيث إستطاع بجهوده الفردية وبمساعدة عدد من علماء المسلمين في تخريج جيل جديد من الأتراك المتمسكين بثوابت دينهم والحافظين للقرآن الكريم والذين يتولون اليوم بهمة ونشاط مهمة تعليم وتحفيظ مئات الآلاف من التلاميذ القرآن الكريم وعلومه لتستمر مسيرة الشيخ في تحقيق أهدافها وقطف ثمار ما زرعه في القلوب والصدور إسلاما نقيا صحيحا لا يتغاضى عن ظلم ولا يقبل النفاق أو المداهنة ولا يسعى لتحقيق مصلحة دنيوية خاصة ونفوسا طاهرة نظيفة مفعمة باللين والتقوى لا تغرها الحياة المادية ولا تستهويها المباهج الزائفة الزائلة وفي الوقت الراهن يقدرعدد المنتسبين إلى الجماعة بالملايين لذا فهي تمتلك ثقلا كبيرا وتأثيرا عظيما في مجريات الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية في تركيا وهو الأمر الذي يدركه السياسيون الذين كانوا لا ينقطعون عن زيارة الشيخ محمود أفندى وطلب الدعاء لهم بالتوفيق خصوصا في أوقات الأزمات والإستحقاقات الإنتخابية حيث تمثل جماعته كتلة إنتخابية كبيرة لها تأثيرها الكبير علي نتائجها وبالطبع لم يكن الأمر سهلا وميسورا أمام الشيخ محمود أفندى في مسيرته حيث واجه خلال مسيرة حياته الكثير من العقبات والمعوقات وتعرض للإضطهاد والظلم على أيدى العلمانيين من الجمهوريين وأتباعهم وكان من ذلك الحكم عليه بالنفي إلى مدينة أسكي شهر بوسط الأناضول ثم إتهامه بالضلوع في حادث إغتيال مفتي أسكودار عام 1982م في عهد رئيس الوزراء بولنت أولوسو إلا أن المحكمة برأته من تلك التهمة بعد محاكمة إستمرت عامين ونصف العام ولم تتوقف محاولات الجمهوريين التخلص من الشيخ خصوصا مع ذيوع صيته وزيادة أعداد مريديه ومحبيه وأتباعه وتلامذته ففي عام 1985م في عهد رئيس الوزراء تورجوت أوزال والذى صار رئيسا للجمهورية فيما بعد تم إتهامه بتهديد علمانية الدولة المنصوص عليها في الدستور من خلال ما يلقيه على طلابه والمستمعين إليه لتتم إحالته إلى محكمة أمن الدولة إلا أن المحكمة حكمت أيضا ببراءته ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد حيث لم يتوقف العلمانيون عن الكيد للشيخ محمود أفندى بل إمتدت مؤامراتهم إلى أقاربه وتلاميذه إذ إغتيل صهره وتلميذه الشيخ خضر علي مراد أوغلو داخل جامع إسماعيل أغا عام 1998م في عهد رئيس الوزراء مسعود يلماز وكان في هذه الحادثة المفجعة إشارة واضحة على مدى خطورة الأعداء وحجم القضية الملقاة على عاتق الشيخ محمود أفندى والذى تأثر تأثرا شديدا بسببها مما أدى إلى مرضه ولذلك فقد تخلف عن درسه الأسبوعي المتواصل الذى إستمر لمدة أربعين عاما والذي كان يقيمه يومي الأحد والإثنين للرجال والنساء ولم يكن هناك شئ يذهب الحزن من القلب ولم يكن هناك شئ يشفي تلك الجروح والآلام سوى الطواف حول الكعبة المشرفة الطاهرة ورؤية بيت الله الحرام وزيارة قبر النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم والجلوس أمامه عليه الصلاة والسلام في الروضة الشريفة الطاهرة لإلقاء التحية والسلام عليه ولقد كانت هذه الزيارة إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة والتي إستمرت أربعين يوما شفاءا لآلامه وصرفا لأحزانه التي كانت قد ملأت نفسه وإستمرت في القلب وتوجه بعدها إلى بخارى وسمرقند وطشقند على عادته لزيارة العلماء والأولياء في الجمهوريات الإسلامية السوفيتية السابقة .


وبعد مرور حوالي 6 سنوات علي الحادث المفجع الذى تحدثنا عنه في السطور السابقة وفي يوم 29 من شهر ديسمبر عام 2004م تعرض الشيخ محمود أفندى لصدمة جديدة أعادت له الآلام والأحزان والتي ما رضيت بهجرته وفراقه حيث توفيت إبنته فاطمة رحمها الله والتي حزن عليها حزنا شديدا وبعد حوالي شهرين من وفاتها وفي شهر فبراير عام 2005م قام برحلة إلي الهند لزيارة علمائها وصالحيها وخصوصا شيوخ ومصابيح سلسلة الطريقة النقشبندية وعلى رأسهم الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي وفي العام التالي وفي يوم 3 سبتمبر عام 2006م تعرض الشيخ محمود أفندى لصدمة أخرى مجددا حيث تم إغتيال صهره وأكبر طلابه ومعيد دروسه الشيخ بيرام علي أوزتورك داخل جامع إسماعيل أغا أيضا وهو جالس على كرسي الوعظ والإرشاد يلقي درسه وينقل علمه للحاضرين ولم يرقب منفذو هذه الجريمة الشنعاء فيه إلا ولا ذمة ولا حرمة للمكان ففاضت روحه الطاهرة الشهيدة وعرجت إلى أبواب السماء المفتوحة في اللحظات التي كانت الأيدي ممتدة إلى السماء تدعو ربها ولم يفت هذا الحادث المؤلم في عضده بل زاده ثباتا وتصميما على إستمرار الرسالة ورضاءا وتسليما لأمر الله تعالى وقد عبر عن هذا قائلا عزاؤنا إن رسالة الإسلام مستمرة وعلاوة علي ذلك فقد تعرض الشيخ محمود أفندى نفسه في عام 2007م لمحاولة إغتيال قرب محل إقامته بمدينة إسطنبول حيث عادت الأيدي الغادرة التي إمتلأت نفوسها حقدا وغلا على الشيخ ودعوته وقامت بإطلاق الرصاص على سيارته وليتم نقله سريعا إلى المستشفى حيث لاحقه المتآمرون هناك في محاولة لإنهاء مهمتهم التي باءت بالفشل حيث حاولوا إطلاق الرصاص عليه مرة أخرى لكنه لم يصب بأذى وبلا شك كان هذا الحادث وما سبقه من الوقائع دليلا على عمق الصراع بين الحق والباطل وبين الإسلام والكفر وأن هذه المعركة لن تنتهي وأنها مستمرة إلى الأبد ومع وصول الأحداث إلي هذا الحد الذى أصبحت فيه حياة الشيخ محمود أفندى مهددة بالخطر إلا أنه أصر علي مواصلة ومتابعة حمل لواء الدعوة والتربية والتبليغ والإرشاد وقال إن ذلك أمر لا حياد عنه لأن هذه الطريق هو طريق الأنبياء والمرسلين والعلماء العارفين المجددين المكلفين من الله سبحانه وتعالي بتوصيل رسالة الإسلام السمحة للناس جميعا ولذا فهو يعتبر نفسه أحد خدام هذا الطريق في هذا الزمن الصعب المرير ولذا فلن يمل ولن يتعب ولن ييأس من تقديم هذه الخدمة وأنه سيستمر سائرا في مهمة الإصلاح والإرشاد في جميع أنحاء البلاد حتي لو كلفه الأمر التضحية بحياته .



وفي عام 2010م توجه عدد ثلاثمائة وخمسين عالما وشخصية فاضلة إلى مدينة إسطنبول ينتمون إلي عدد إثنين وأربعين دولة تدفقوا جميعا إليها بنور علمهم وبياض ثيابهم وهيبة عمائمهم ووافدين بلباس العزة والوقار بما يحملونه من علم ومعرفة وقادمين من أجل المشاركة في حفل تكريم الشيخ محمود أفندى وتقديم جائزة الإمام محمد بن قاسم النانوتوي المقدمة من الندوة الدولية لخدمة الشؤون الإنسانية له وقد إستضافهم جميعا وضمهم إلى صدره والذين حرصوا أيضا علي زيارة مسجد وضريح الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصارى الراقد عند أسوار القسطنطينية القديمة وكان قدوم هؤلاء العلماء وإجتماعهم حدثا إسلاميا عظيما لم تشهده إسطنبول منذ عقود طويلة وإجتماع لمن غسل القرآن الكريم قلوبهم ورفع العلم منزلتهم وكانت فرصة كبيرة للبحث ومناقشة أحوال العالم الإسلامي والتأكيد علي أهمية إتباع السنة النبوية الشريفة وإعلان أن الحرية الحقيقية لا تكون إلا في ظل التمسك بدين الإسلام الحنيف والإعتصام بحبل الله وكانوا جميعا تنطق أفواههم بحكمة العلم والدين والجميع يستمع بمتعة وإنصات إلى هذه الكلمات الطاهرة التي تخرج من القلب فتدخل في الفؤاد وفي السنوات الأخيرة من حياة الشيخ محمود أفندي عاني من أمراض الشيخوخة حيث كان قد وصل إلي سن التسعين من عمره وفي يوم 5 يونيو عام 2022م نقل إلي وحدة العناية المركزة في إحدى مستشفيات مدينة إسطنبول والتي ظل يتلقى فيها العلاج حتى فارق الحياة فجر يوم الخميس 23 يونيو عام 2022م عن عمر يناهز 93 عاما وبعد أن أنفق أكثر من 70 عاما من عمره في خدمة الإسلام ونشر الحساب الرسمي لمؤسسة العلوم والخدمات في جامع إسماعيل أغا في تويتر بيانا جاء فيه إنتقل الشيخ محمود أفندي إلى دار الآخرة خالص تعازينا لأمة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم جمعاء وأشار الحساب إلي أن جثمان الشيخ محمود أفندى سيدفن بعد مراسم الجنازة التي ستقام في جامع السلطان محمد الفاتح بعد صلاة الجمعة في اليوم التالي 24 يونيو عام 2022م ونعى أيضا الإئتلاف الوطني السورى الشيخ محمود أفندي ببيان جاء فيه لقد كان الشيخ الراحل منارة في العلوم الشرعية والقرآن الكريم وعلوم اللغة العربية وكان أحد زعماء النهضة الإسلامية وكبار العلماء في تركيا وعرف عنه المواقف القوية والمشرفة في الوقوف مع قضايا الأمة ومساندة ودعم الشعب السورى في ثورته ضد الطغاة كذلك نعى المجلس الإسلامي السورى الشيخ محمود أفندى وأصدر بيانا قال فيه كان للشيخ الراحل دور كبير في حفظ الدين الإسلامي في المجتمع التركي وناله بسبب ذلك أذى كثير وتعرضت حياته للخطر أكثر من مرة فصبر وثبت ولم يتنازل عن الدعوة إلى الله ونشر العلم الشرعي وقد تم تشييع جنازته التي حضرها الآلاف من محبيه ومريديه واتباعه في اليوم المذكور الجمعة 24 يونيو عام 2022م عقب صلاة الجمعة من مسجد الفاتح بإسطنبول حيث تمت الصلاة علي جثمانه وشارك في الجنازة الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان وعدد من الوزراء والذين شاركوا أيضا في حمل نعش الراحل الكريم .

 
 
الصور :
الرئيس التركي أردوغان يستقبل الشيخ محمود أفندى الشيخ محمود أفندى وسط تلامذته ومريديه الرئيس أردوغان أثناء مشاركته في تشييع جنازة الشيخ محمود أفندى