الجمعة, 6 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

السلطان محمود الثاني
-ج2-

السلطان محمود الثاني
-ج2-
عدد : 11-2022
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”


وكما ذكرنا في صدر هذا المقال لم تخل سنة من سنين سلطنة السلطان محمود الثاني من الإضطرابات والفتن الداخلية والخارجية كان أولها الحركة الوهابية في شبه الجزيرة العربية ومن ثم كان يتعين عليه إعداد حملة من أجل تأديب الوهابيين الذين سيطروا على بلاد الحجاز مما أفقد العثمانيين السيطرة على الحرمين الشريفين وهدد السلطة الدينية لهم وإستعان السلطان محمود الثاني بوالي مصر محمد علي باشا والذى تلقي أمرا سلطانيا من السلطان العثماني مصطفي الرابع بإعداد هذه الحملة وبالفعل جهز محمد علي باشا هذه الحملة وجعل علي قيادتها إبنه طوسون باشا وقبل أن يخرج طوسون إلى الحجاز دبر محمد علي مذبحة المماليك في شهر مارس عام 1811م وتخلص منهم نهائيا حتي يأمن شرهم وخاصة أن جزء من جيشه وجنوده سيكون خارج مصر وكانت الحركة الوهابية في الحجاز آنذاك قد حققت نجاحا كبيرا في نجد وعسير ووصلت إلى اليمن جنوبا وإلى حدود العراق والشام شمالا كما إستطاع الوهابيون أن يستولوا علي مدن مكة المكرمة والطائف والمدينة المنورة وبذلك هددت كيان الدولة العثمانية التي أدركت أن نجاح الحركة الوهابية في الحجاز سوف يؤدى إلي فقدانها زعامة العالم الإسلامى كنتيجة مباشرة لخروجه من سلطتها وإنفصاله عنها وبالتالي خروج الحرمين الشريفين من إشرافها عليهما خاصة وأن الحركة الوهابية كانت في ذلك الوقت قد بدأت تلعب دورا هاما في تنمية وتطور وتجديد الفكر الإسلامي الحديث وتعد حقا أول حركة سلفية إصلاحية تجديدية في العصر الحديث وكان السلطان محمود الثاني في البداية قد حاول الإستعانة بولاة الشام والعراق لكنهم فشلوا في مواجهة الحركة الوهابية فلجأ الي والي مصر محمد علي باشا والذى إستجاب كما وضحنا وأخرج حملته العسكرية بقيادة إبنه طوسون في شهر شعبان عام 1226هجرية الموافق شهر سبتمبر عام 1811م وكان خط سير الحملة أن تتحرك السفن بالجنود المشاة من ثغر السويس إلى ميناء ينبع أما الفرسان وعلى رأسهم طوسون باشا فيسيرون برا مع مواشيهم وجمالهم المحملة بالمؤن والسلاح عن طريق برزخ السويس فالعقبة حتى يبلغوا ميناء ينبع فيلتقوا بالمشاة بها ومن هناك يزحف الجميع إلى المدينة المنورة وإستطاعت الحملة دخول منطقة ينبع وبدر بالقرب من المدينة المنورة إلا أنها تعرضت لهزيمة في معركة تسمي وادى الصفراء ولم يستثمر الوهابيون إنتصارهم في سحق الحملة والقضاء عليها بل إتخذوا موقف الدفاع مما أعطي الفرصة لطوسون باشا أن يعيد تنظيم صفوفه وأن يطلب مددا من القاهرة وأخذ يغرى القبائل التي تسكن بين ينبع والمدينة المنورة بالمال والهدايا وبذلك تمكن من الإستيلاء علي مكة المكرمة والطائف والمدينة المنورة إلا أن الوهابيين أعادوا تنظيم صفوفهم وقطعوا طرق المواصلات مابين مكة المكرمة والمدينة المنورة وتزامن هذا مع إنتشار الأمراض بين جنود طوسون كما كان قد أصابهم التعب الشديد والإعياء نتيجة الحر الشديد وقلة الماء والمؤن فتحرج موقف طوسون فلزم جانب الدفاع وأرسل لوالده في مصر يطلب المدد والمساعدة وهنا قرر محمد علي باشا الخروج بنفسه إلى الحجاز للقضاء علي الوهابيين وبسط نفوذ مصر علي تلك البلاد فغادر مصر يوم 17 شعبان عام 1227 هجرية الموافق 26 أغسطس عام 1812م وتوجه إلى جدة ومنها إلى مكة المكرمة وهاجم معاقل الوهابيين وحقق بعض التقدم إلا أن الوهابيين إستطاعوا إعادة تنظيم صفوفهم وهاجموه مما تسبب له في خسائر فادحة جعلته يطلب العون والمدد من مصر .


وعند وصول الإمدادات من مصر وفي أثناء إستعداد وتأهب محمد علي باشا لمواصلة الزحف والهجوم علي معاقل الوهابيين جاءه نبأ وفاة كبيرهم الأمير سعود الكبير زعيم الوهابيين وكان ذلك يوم 6 جمادى الأولى عام 1229 هجرية الموافق 27 أبريل عام 1814م وخلفه في الزعامة ولده الأمير عبد الله الذى لم يكن علي القدر الكافي من الخبرة والكفاءة العسكرية مثل أبيه الراحل فكان ذلك في صالح محمد علي وإبنه طوسون حيث تمكنا من التغلب علي الوهابيين وتحقيق إنتصارات أعادت اليهما السيطرة علي نجد وعلي ميناء القنفذة علي البحر الأحمر والذى يعد موقعا إستراتيجيا هاما لمن يكون تحت سيطرته وعند هذه المرحلة إضطر محمد علي إلي العودة إلى مصر نظرا لحدوث حركة تمرد ضده وضد نظام حكمه وتمكن من القضاء علي هذه الحركة ثم قرر إستئناف الحملة علي الحجاز للقضاء على الوهابيين فقام بإرسال حملة أخرى إلي الحجاز بقيادة إبنه الأكبر وأبرع قواده القائد إبراهيم باشا خرجت من مصر يوم 12 شوال عام 1231 هجرية الموافق 5 سبتمبر عام 1816م وتمكن إبراهيم باشا من تحقيق إنتصارات متتالية مما مهد الطريق إلى عقد مفاوضات بين الطرفين المتحاريين أسفرت عن الإتفاق علي إعادة ما كان الوهابيون قد إستولوا عليه من تحف ومجوهرات عندما دخلوا المدينة المنورة وألا يتعرض الجيش المصرى للأهالي في المناطق التي دخلها في مكة المكرمة والطائف والمدينة المنورة وينبع والقنفذة وأرسل محمد علي باشا عبد الله بن سعود الكبير لإسطنبول مكبلا بالأغلال وأمر السلطان محمود الثاني بقتله بعد أن طاف به الجند شوارع العاصمة حتى وصلوا به إلى ميدان السلطان بايزيد حيث قتل وصدرت فتوى من مشايخ الإسلام في إسطنبول بمنح السلطان محمود الثاني لقب الغازي عرفانا بإنتصاره علي الوهابيين وإسترداده للحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة وبذلك إنتهت حملة الجيش المصرى في بلاد الحجاز وعاد القائد إبراهيم باشا إلى مصر وكافأه السلطان العثماني محمود الثاني بتعيينه واليا علي بلاد الحجاز بعد ذلك .


وبعد إضطرابات بلاد الحجاز كانت إضطرابات بلاد اليونان والتي كانت جزءا من الدولة العثمانية والتي كانت قد بدأت منذ بداية القرن التاسع عشر الميلادى حيث بدأت تحدث ثورات وحركات تمرد فيها مثلما حدث في الحجاز تماما فكانت ثورة الوهابيين ضد الحكم العثماني وبالمثل بدأت تتكون في اليونان حركات سرية وجمعيات سياسية علنية وسرية بداية من عام 1820م وجعلت لها مراكز قيادة في كل من روسيا والنمسا لتكون علي إتصال وثيق بالدول الأوروبية الأخرى وتكون في نفس الوقت بعيدة عن إضطهاد وتعقب الحكام العثمانيين وكان ضمن هذه الجمعيات جمعية تسمي بالجمعية الأخوية وكانت تدعو لإحياء الإمبراطورية البيزنطية من جديد وضرورة الإستيلاء على إسطنبول عاصمة الخلافة العثمانية وطرد المسلمين من أوروبا ودفعهم إلى قارة آسيا ولذلك أخذت الثورة في إقليم المورة اليوناني طابعا دينيا رافعة شعار الإيمان والحرية والوطن وواجهت الدولة العثمانية مصاعب جمة في مواجهة تلك الثورات وحركات التمرد خاصة وأن اليونان معروف عنها كثرة الجزر ووعورة مسالكها ودروبها مما كان يمثل صعوبات عديدة في مواجهة تلك الثورات مما دفع السلطان العثماني محمود الثاني إلي الإستعانة مرة أخرى بمحمد علي باشا والي مصر وجيشه للقضاء عليها وكانت لتلك الثورات وحركات التمرد عدة أسباب أولها كان التطور الذى حدث في المجتمع اليوناني بفعل الرخاء الإقتصادي إلي جانب إنتشار أفكار ومبادئ الثورة الفرنسية والتي تدعو إلى حرية الشعوب وحقها في تقرير مصيرها وحكمها لنفسها طبقا لنظام الحكم الذى تختاره بإرادتها الحرة دون أى ضغوط أو إملاءات من خارجها وبالإضافة إلى ذلك كانت مواجهة الدولة العثمانية لتلك الأفكار ولمن يدعون إليها تتسم بالشدة والعنف وأخيرا كان هناك تأييد ودعم أوروبي مباشر وغير مباشر لتلك الحركات الثورية قواها وجعلها في موقف ومركز قوة ودعمها في مواجهة الدولة العثمانية ولبي محمد علي باشا نداء السلطان العثماني خاصة وأن الخطر موجه ضد دولة الإسلام والمسلمين وخليفة المسلمين وهناك تهديدات بطردهم من قارة أوروبا فأرسل أولا حملة عسكرية بقيادة أحد قواده إسمه حسن باشا نزلت جزيرة كريت بالبحر المتوسط وأخمدت الثورة فيها كما أرسل حملة أخرى بقيادة إبنه القائد إبراهيم باشا لإخماد ثورة إقليم المورة عام 1825م إستطاعت النزول علي شواطئه بعد معارك تصادمية عنيفة وشرسة مع الأسطول اليوناني وأنقذ بذلك الجيش العثماني الذى كان محاصرا في ميناء كورون منذ مدة كما حاصر ميناء نافارين وهو أهم موقع في الإقليم وتمكن من دخوله كما فتح كلاماتا وتريبوليستا في شهر يونيو عام 1825م وطارد الثوار وإستولى على معاقلهم فيما عدا مدينة نوبلي عاصمتهم وميسولونفي ولكنهما ما لبثا أن سقطتا في قبضة الجيش المصرى وكنتيجة مباشرة لهذه الإنتصارات المتتالية قام اليونانيون بتحريك ومناشدة الرأى العام الأوروبى من أجل إنقاذ ثورتهم وقام الشعراء والأدباء بدور كبير في تحريك الرأى العام في دول قارة أوروبا لإنقاذ ثورتهم وحث الدول الأوروبية علي التدخل المباشر والسريع لصالحهم .


وفعلا إتفقت بريطانيا وروسيا علي التفاوض وبحث الأمر بهدف الوصول إلى إتفاق بشأن مستقبل بلاد اليونان وتكللت تلك المفاوضات بتوقيع ماسمي ببروتوكول سان بطرسبرج والذى إنضمت إليه فرنسا أيضا والذى ينص علي ضرورة مطالبة السلطان العثماني محمود الثاني بعقد هدنة مع اليونانيين ومنحهم حكما ذاتيا علي أن يظلوا إسميا تابعين للدولة العثمانية ولكن سقوط ميسولونفي غير الموقف تماما فلجأت الدول الثلاثة إلى العنف للتعامل مع الموقف فأرسلت روسيا سفنها إلي البحر الأبيض المتوسط من أجل منع السفن المصرية والعثمانية من الوصول إلى شواطئ وموانئ اليونان ومنع وصول المساعدات والمؤن والعتاد إليها وإنضمت إليها سفن بريطانيا وفرنسا وقامت بضرب الأسطولين المصرى والعثماني في ميناء نافارين اليوناني بدون سابق إنذار وعلي حين غرة مما أدى إلى إغراق وتدمير أغلب سفنهما وكان ذلك يوم 20 أكتوبر عام 1827م وقبل معركة نافارين البحرية التي دمر فيها الأسطولين المصرى واليوناني كانت وجهات النظر مابين السلطان العثماني محمود الثاني ومحمد علي باشا والي مصر متطابقة ولكن بعد ان حدث هذا الأمر الخطير بدأت وجهات النظر بينهما تختلف وتتباين فقد رأى محمد علي باشا بعد أن فقد أسطوله وإنقطعت طرق المواصلات البحرية بينه وبين جيشه أنه لا فائدة من مواصلة القتال وأنه لابد من فصل سياسته عن الإرتباط بالدولة العثمانية وإتخذ قرارا بسحب الجيش المصرى من بلاد اليونان وعودته إلى مصر دون الرجوع للسلطان العثماني محمود الثاني ومما عجل بتنفيذ هذا القرار نزول قوة عسكرية فرنسية في إقليم المورة وتلقيه مذكرة من الدول الأوروبية المتحالفة تهدده بإستهداف مصر إذا ما إستمر في إتباع سياسة الدولة العثمانية والسلطان العثماني محمود الثاني لذا سارع محمد علي باشا بسحب جيشه وما بقي من سفن أسطوله من بلاد اليونان وترك أمرها للسلطان العثماني محمود الثاني وبدأ فعلا في الإنسحاب يوم 7 سبتمبر عام 1828م وإنتهي الأمر بإستقلال بلاد اليونان وكان محمد علي باشا يطمع في أن يكافئه السلطان العثماني محمود الثاني بمنحه أحد الولايات الكبيرة إلى جانب ولاية مصر نظير الخدمات والمساعدات التي قدمها له إلا أن السلطان العثماني محمود الثاني إكتفي بمنحه جزيرة كريت بالبحر الأبيض المتوسط ليضمها إلى ملكه الأمر الذى لم يرض به محمد علي باشا حيث كان من الصعب جدا أن تحكمها مصر نظرا لشهرة أهلها في إثارة القلاقل والتمرد والعصيان وكذلك صعوبة المواصلات إليها ولذلك قرر محمد علي باشا ان يوجه حملة عسكرية إلى بلاد الشام للإستيلاء عليها وضمها إلي المناطق التي يحكمها بالإضافة إلي مصر وبلاد السودان .


وكان من النتائج السيئة التي ترتبت علي حرب الإستقلال اليونانية والتي إستمرت لعدة سنوات وقوع الحرب بين روسيا والدولة العثمانية فحدثت مناوشات كبيرة بين الطرفين إنتهت بتقدم الروس ببطء في الأراضي العثمانية برومانيا وبلغاريا وكان سبب هذا التقدم الروسي إستخدام العثمانيين للتنظيمات العسكرية الجديدة بدلا من الإنكشارية والتي لم تكن قد تم إعدادها بشكل كامل حينذاك ولذا فقد إنتهت القصة بهزيمة العثمانيين وسيطرة الروس على مدن عديدة في كل من بلغاريا ورومانيا كما تدخلت الدول الكبرى من جديد لتوقف تنامي القوة الروسية مما يهدد مصالحها وجرت العديد من المناقشات السياسية والمفاوضات التي إنتهت بعقد معاهدة بوخارست مع روسيا والتي نصت على بقاء الأفلاق والبغدان وبلاد الصرب تابعة للدولة العثمانية وبسارابيا لروسيا وقد رفض الصرب معاهدة بوخارست وثاروا على الدولة العثمانية فأخضعتهم القوات العثمانية فأظهر أحد قادة الصرب الولاء للدولة العثمانية ولكن بقى يعمل سرا ضدها فألب الناس وأعلن العصيان فإندلعت المعارك بينه وبين الدولة لمدة سنتين ثم أعلن خضوعه للدولة ولكنه كان يتصرف في صربيا دون مشورة الوالى العثمانى وكأنه ملك متوج وعموما فبموجب معاهدة بوخارست تم إنسحاب روسيا من المناطق التي إحتلتها مقابل دفع الدولة العثمانية لغرامة حربية كبيرة على ثلاثة دفعات وبالطبع كان من نتائج ذلك إضعاف سلطة الدولة على ولاياتها الأوروبية وكان الهدف من هذا كله إثقال كاهل الدولة العثمانية فلا تستطيع توفير المال لتحديث جيشها وإعادة بناء أساطيلها البحرية والتأكد من حدوث القلاقل في البلقان حتى تبقي الدولة العثمانية مستنزفة ماليا وعسكريا ولإبقاء نافذة للدول الكبرى للتدخل في شؤون الدولة العثمانية مستقبلا ومن جانب آخر كان من نتائج الضعف المتعمد الذى أصبحت تعاني منه الدولة العثمانية ولا سيما في الجانب البحري بعد تدمير جزء كبير من أسطولها البحري في معركة نافارين أن إستغل الفرنسيون الفرصة وقاموا بإحتلال بلاد الجزائر التي كانت تابعة إسميا للدولة العثمانية في عام 1247 هجرية الموافق عام 1830م بالتعاون والدعم من القوى الأوروبية بحجة التخلص من أعمال الجهاد البحرى التي كان يقوم بها مسلمو دول شمالي قارة أفريقيا منذ طرد المسلمين من بلاد الأندلس والتي كانوا يسمونها القرصنة ولم تقو الدولة العثمانية على فعل أي شئ وأصبح الشعب الجزائرى وجها لوجه مع الفرنسيين وجيشهم فبدأت المقاومة الشعبية الجزائرية الباسلة حيث كان الشعب الجزائري رافضا الإستعمار الفرنسي جملة وتفصيلا ومن ثم واجهت فرنسا ثورات شعبية عديدة منها ثورة أحمد باي بن محمد الشريف في الشرق وثورة الأمير عبد القادر الجزائري في الغرب وما كانت تخمد واحدة حتى تثور الأخرى حتي منتصف القرن العشرين الماضي ثم أتت ثورة التحرير الجزائرية في عام 1954م التي حررت الجزائر من الإستعمار الفرنسي وإستطاعت الحصول علي إستقلالها عام 1962م وبعد أن فقد الشعب الجزائرى أكثر من مليون شهيد هذا ولم تقف أطماع الفرنسيين عند هذا الحد بل تمكنوا أيضا من إحتلال تونس فيما بعد في عام 1881م والمغرب العربي في عام 1912م .



وكان من نتائج إندلاع حرب الإستقلال اليونانية أيضا وإنشغال الدولة العثمانية بها أن تشجعت الدولة الصفوية الشيعية والتي تحكم منطقة شرق الأناضول وهي إيران الحالية علي إقتحام الحدود الشرقية للدولة العثمانية في عام 1821م وذلك بتشجيع وتحريض من روسيا وكان التوتر بين الدولتين في الأصل قائما بسبب إيواء الدولة العثمانية والسلطان محمود الثاني رجال القبائل المتمردة من أذربيجان المحتلة من قبل الصفويين ولذا كانت الدولة الصفوية تنتظر أن تسنح لها الفرصة بمهاجمة الحدود الشرقية للدولة العثمانية وكان ولي عهد الشاه الصفوى الأمير عباس ميرزا قد قام بالتعاون مع الإنجليز بتحديث الجيش الصفوى على النسق الأوروبي وأسماه النظام الجديد مثلما كان السلطان العثماني سليم الثالث يريد أن يفعل وكما يريد أن يفعل آنذاك السلطان محمود الثاني ولكنه كان كما رأينا يواجه مقاومة قوى الإنكشارية وقد أدى تحديث الجيش الصفوى إلي تفوقه علي الجيوش العثمانية في هذه الحرب حيث تمكن ثلاثون ألف جندي صفوى من إيقاع الهزيمة بخمسين ألف جندي عثماني في عمق أرضهم عند مدينة إرضروم كما أنهم إخترقوا العراق وقصدوا العاصمة بغداد لكنهم لم يصلوها بفعل الأوبئة وهجمات القبائل المحلية وقد إستمرت هذه الحرب مدة سنتين أي حتي عام 1823م حيث توافق الطرفان على الصلح وتم إبرام معاهدة إرضروم في العام المذكور والتي بموجبها إتفقا علي عودة الوضع إلى ما كان قد تصالح عليه الطرفان في معاهدة قصر شيرين عام 1639م وإتفق أيضا في هذه المعاهدة علي ضمان وصول الحجاج الصفويين إلى الأماكن المقدسة داخل الإمبراطورية العثمانية وعلاوة علي ذلك فللأسف الشديد كان المستفيد الأكبر من هذه الحرب روسيا وحلفائها بإقليم البلقان الأوروبي وذلك بإضعاف قوى العثمانيين ومن جانب آخر كان من حسنات هذه الحرب أنها لفتت نظر السلطان محمود الثاني وكبار رجال الدولة بشكل عملي إلى أهمية تحديث الجيش العثماني وإلى النتائج السلبية الكبيرة لتصلب فرق الجنود الإنكشارية وإصرارهم على الإبقاء على تشكيلاتهم وتسليحهم بالطرق القديمة ذاتها وأصبح الكثيرون الآن مقتنعين بوقوف الإنكشارية عائقا أمام تقدم الدولة أو على الأقل ثباتها وأيضا لفتت هذه الحرب النظر إلى الضعف الشديد الذى تعاني منه ولاية العراق في ظل حكم المماليك المتدهور لها وإن إنفصالها عن الدولة العثمانية بهذه الصورة سيجعلها عرضةً دوما للإختراقات الصفوية وإذا كان الصفويون لم يفلحوا في هذه المرة في إسقاط بغداد فإن المستقبل قد يحمل غير ذلك وهذا من شأنه إحداث خلل كبير في توازن القوى بين العثمانيين والصفويين .


وبعد إنتهاء الحرب في بلاد اليونان وعودة الجيش والأسطول المصرى من هناك دون إخطار السلطان العثماني محمود الثاني وغضب محمد علي باشا منه لعدم تقدير خدماته ومساعداته من جانب السلطان العثماني قرر محمد علي باشا شن حملة عسكرية علي بلاد الشام لضمها إلي البلاد التي يحكمها وكان وراء هذا القرار عاملان أساسيان أحدهما سياسي وثانيهما إقتصادي أما العامل السياسي فهو إتخاذ بلاد الشام حاجزا وقائيا يقى مصر من الضربات العثمانية في المستقبل وإنشاء دولة إسلامية عربية قوية كما أن مد نفوذه إلى بلاد الشام سيمكنه من زيادة أعداد جيشه عن طريق تجنيد ما يمكن تجنيده من سكانها وأما الجانب الإقتصادي فهو إستغلال موارد الشام من الثروات الطبيعية ممثلة في الخشب والفحم الحجرى والحديد والنحاس وهي خامات لم تكن متوافرة في مصر علاوة على وجود علاقات تجارية ضخمة لبلاد الشام ببلاد وسط قارة آسيا وإقليم الأناضول وكذلك وقوع بلاد الشام في طريق قوافل التجارة القادمة من قارة آسيا إلى قارتي أوروبا وأفريقيا وبالعكس وفي حقيقة الأمر كان محمد علي باشا يطمع في ضم الشام منذ عام 1810م وبموافقة ورضا السلطان العثماني محمود الثاني وطلب منه ذلك عام 1813م بحجة أنه يريد تدعيم جيشه بجنود وموارد بلاد الشام من أجل إخماد الثورة الوهابية في الحجاز ووعده السلطان العثماني بذلك حيث كان في حاجة إليه لإنهاء ثورة الوهابيين والقضاء عليهم ولكنه بعد أن تحقق له ذلك أخلف وعده وخشي علي كيان السلطنة نفسها من تواجد محمد علي باشا في الشام وبدأ محمد علي يمهد لتحقيق هدفه في ضم الشام إلي ملكه بتوطيد علاقاته مع أهم وأقوى رجلين في المنطقة وهما عبد الله باشا والي عكا وبشير الشهابي الكبير امير لبنان وكلاهما كان مدين له بالبقاء في منصبه حيث كان عبد الله باشا والي عكا قد إختلف مع والي دمشق عام 1821م وتوسط له محمد علي باشا وناصره عند السلطان العثماني وأمده بالمال أثناء معاركه مع والي دمشق أما بشير الشهابي فقد ناصر والي عكا وأعد جيشا حارب به والي دمشق وهزمه فلما علم بذلك السلطان العثماني اعد جيشا للتوجه إلي دمشق فإضطر بشير الشهابي إلي القرار إلى مصر ولجا إلى محمد علي باشا ليتوسط له لدى السلطان العثماني وبالفعل نجح محمد علي ان يسترضيه ويجعله يوافق على إعادة بشير الشهابي إلي منصبه وبداية من عام 1825م بدأت تتبلور فكرة ضم الشام في ذهن محمد علي باشا وتكلم في ذلك مع الجنرال الفرنسي بوابيه بأنه سوف يعمد بعد أن تنتهي الحرب في بلاد اليونان إلي ضم الشام ولن يهنأ له بال إلا بعد أن يصل إلى ضفاف نهرى دجلة والفرات وأن يشمل ملكه مصر والسودان وشبه الجزيرة العربية والشام وأن يكون هو المدافع عن حقوق الشعوب العربية التي تعاني من ظلم الدولة العثمانية وبحلول عام 1829م أصبح ضم الشام ضمن السياسة الإستراتيجية لمحمد علي باشا هذا وتعد حروب محمد علي باشا في بلاد الشام من الناحية العسكرية حروبا هجومية ودفاعية في نفس الوقت فكونها حروب هجومية فلأن الهدف منها الإستيلاء على بلاد الشام وضمها إلى ملكه واما كونها حروب دفاعية فلأن محمد علي باشا كان يدرك تماما أن السلطان العثماني محمود الثاني لن يقف موقف المتفرج وهو يراه يصول ويجول في بلاد الشام دون أن يتحرك لمواجهته ونستطيع أن نقول إن حروب محمد علي باشا في بلاد الشام قد مرت بمرحلتين الأولى منهما هو ما إنتهت بما سمي بإتفاقية او تسوية كوتاهية عام 1833م والثانية هي ما إنتهت بمؤتمر لندن برعاية الدول الأوروبية الأربعة بريطانيا وفرنسا وألمانيا والنمسا عام 1840م بعد وفاة السلطان العثماني محمود الثاني قبل ذلك بحوالي عام أي في عام 1839م وتولي إبنه السلطان عبد المجيد الأول السلطنة .


وبدأت حملة محمد علي باشا علي بلاد الشام مع حدوث خلاف بينه وبين والي عكا عبد الله باشا والذى كان من المقربين جدا من محمد علي والذى كان له فضل في بقائه كوالي لعكا إلا أن خلافا حادا حدث بينهما حيث طلب محمد علي من عبد الله باشا إعادة الفلاحين المصريين الذين فروا من مصر إلى فلسطين هربا من دفع الضرائب والخدمة الشاقة في الزراعة فلما ماطل وسوف عبد الله باشا في تنفيذ هذا الطلب إتخذ محمد علي من ذلك ذريعة للزحف بجيشه إلي الشام وجعل إبنه الأكبر القائد إبراهيم باشا علي رأس هذا الجيش وكان ذلك في يوم 14 أكتوبر عام 1831م وإستطاع الجيش أن يدخل جميع المدن الفلسطينية دون مقاومة تذكر فيما عدا عكا التي فرض عليها إبراهيم باشا الحصار برا وبحرا حتي لا تأتيها المؤن والمساعدات عن طريق البحر فيفشل الحصار كما فشل أيام نابليون لما حاصرها أثناء الحملة الفرنسية في عام 1799م وفي نفس الوقت كان أبناء الأمير بشير الشهابي الكبير أمير لبنان وبمعاونة الجنود المصريين يسيطرون على مدن بيروت وصور وصيدا وجبيل وكانت طرابلس هي ما صمدت أمامهم فأسرع إبراهيم باشا لمساعدتهم فسقطت هي الأخرى بين أيديهم وكان نتيجة ذلك أن إضطربت وإنزعجت بشدة الدولة العثمانية واعتبر السلطان العثماني محمود الثاني ذلك خيانة من محمد علي فقرر التصدى له وأعد جيشا بقيادة عثمان باشا والي حلب إصطدم بوحدات من الجيش المصرى جنوبي حمص ولكنه إنهزم وفي الوقت نفسه تمكن إبراهيم باشا من إقتحام عكا فدخلها فاتحا يوم 28 مايو عام 1832م وتم أسر واليها عبد الله باشا وإرساله إلى مصر وتابع إبراهيم باشا السير شمالا مع حلفائه الأمير بشير الشهابي وأبنائه وجيشه ففتحوا دمشق ورحب بهم سكانها حيث كانت لديهم الرغبة في الخلاص من مساوئ وظلم الولاة العثماتيين وترتب علي ذلك أن زاد إنزعاج السلطان العثماني لتلك الإنتصارات التي حققها الجيش المصرى في الشام وخاصة بعد السيطرة بالكامل علي جنوب الشام وسقوط كل من عكا ودمشق وخشي أن يهتز مركزه وتضيع هيبته فحشد جيشا بقيادة السر عسكر حسين باشا لمواجهة الجيش المصرى وإجباره علي الإنسحاب من الشام والعودة إلى مصر وفي الوقت نفسه أصدر فرمانا أعلن فيه خيانة محمد علي باشا وإبنه إبراهيم باشا للسلطة الشرعية المتمثلة في السلطان العثماني وتلاقي الجيشان عند حمص يوم 29 يونيو عام 1832م وتغلب الجيش المصرى علي الجيش العثماني ودخل حمص ومن بعدها حماة وحلب وواصل الزحف شمالا مما إضطر حسين باشا إلي التقهقر والتمركز في ممر بيلان وهو أحد أهم الممرات الفاصلة بين بلاد الشام وإقليم الأناضول ولكن القائد إبراهيم باشا هاجمه وتغلب عليه وأجبره علي الإنسحاب عن طريق ميناء الإسكندرونة وسيطر علي ممر بيلان .


وإحتل إبراهيم باشا أيضا ميناء إياس شمالي الإسكندرونة ودخل ولاية أضنة وطرطوس بما يعني بدء توغله في بلاد الأناضول وشجعت هزيمة العثمانيين إبراهيم باشا وماحققه من إنتصارات عليهم علي مواصلة طريقة فتوغل أكثر في بلاد الأناضول حتي وصل مدينة قونية بوسط إقليم الأناضول التي لم تصمد أمامه وسقطت في قبضته يوم 20 ديسمبر عام 1832م وتم أسر قائد الجيش العثماني الذى كان يدافع عنها محمد رشيد باشا وبذلك أصبح الطريق ممهدا للوصول إلى إسطنبول عاصمة العثمانيين وبدا للعالم كله حينذاك أن الدولة العثمانية علي وشك السقوط وإرتعدت فرائص السلطان العثماني محمود الثاني خوفا من أن يقتحم القائد إبراهيم باشا بجيشه إسطنبول فأسرع يستنجد بالدول الأوروبية فلم تنجده سوى روسيا حيث كانت بريطانيا مشغولة بمشاكلها الداخلية وكانت فرنسا شبه مؤيدة لمحمد علي باشا خاصة وأن في جيشه كان يوجد قادة وضباط فرنسيون ووقفت المانيا والنمسا علي الحياد فقامت روسيا بإرسال أسطول بحرى للدفاع عن إسطنبول وما أن قامت روسيا بذلك حتي هبت كل من بريطانيا وفرنسا منزعجتين من الوجود الروسي في مياه البحر الأسود وفي مضيق البوسفور خوفا علي مصالحهما ومن أن تسيطر روسيا علي الممرات البحرية بمضيقي البوسفور والدردنيل وهي الممرات التي تصل بين البحر المتوسط والبحر الأسود فتهدد بذلك مصالحهما فسارعتا إلى عرض ان يساعدا الدولة العثمانية بشرط أن يتخلى السلطان العثماني عن المساعدات الروسية ولكن روسيا رفضت التخلي عن السلطان العثماني إلا إذا خرج الجيش المصرى من الأناضول وعند هذه النقطة نشط ممثلو بريطانيا وفرنسا لعمل وساطة بين محمد علي والسلطان العثماني وبالفعل بدأت الأجواء تتلطف بينهما وتبادلا الرسائل وحاولت فرنسا إستخدام علاقاتها الطيبة مع محمد علي لإقناعه بتسوية خلافاته مع السلطان العثماني وعدم التشدد في مطالبه وأن ينسحب من الأناضول ويكتفي بضم صيدا وطرابلس والقدس ونابلس ويترك دمشق وحمص وحماة وحلب ولكن محمد علي رفض هذا الأمر وأصر علي ضم كل بلاد الشام وولاية أضنة وان تكون جبال طوروس هي الحد الفاصل بين ممتلكاته وممتلكات الدولة العثمانية وطلب من القائد إبراهيم باشا مواصلة التقدم لكي يضغط على الدولة العثمانية وبذلت فرنسا جهودا مضنية للتوفيق بين محمد علي باشا والسلطان العثماني محمود الثاني وهددت محمد علي باشا لما رأت منه تشددا وعنادا وإصرارا علي مطالبه بقطع العلاقات معه ومعاداته ومحاربته إن لزم الأمر وأخيرا نجحت الجهود الفرنسية وتم توقيع صلح او إتفاقية كوتاهية يوم 4 مايو عام 1833م بين الجانبين المصرى والعثماني والتي تقضي بتنازل الدولة العثمانية لمحمد علي باشا عن بلاد الشام بالكامل اى أضنة وسوريا ولبنان وفلسطين إلى جانب ولايته لمصر وجزيرة كريت مع تعهد محمد علي باشا بأن يؤدى إلى السلطان العثماني الأموال التي كان يؤديها له الولاة العثمانيون من قبل وبذلك إنسحب القائد إبراهيم باشا من الأناضول تنفيذا لتلك الإتفاقية وبدا أن الأمر قد إنتهي وهدأت الأمور علي ذلك إلا أن الأمر لم يكن إلا تسوية مؤقتة ولتنتقل حروب الشام او الحملة العسكرية لمحمد علي باشا علي بلاد الشام إلي مرحلتها الثانية .


ومع أن الأمور قد هدأت فعلا بعض الشئ بين محمد علي باشا والدولة العثمانية وبدا في الأفق أن الأزمة بينهما قد إنفرجت إلا أن واقع الأمر كان غير ذلك فلم تكن تلك التسوية إلا تسوية مؤقتة فمحمد علي باشا لم يوافق عليها إلا خشية من تهديدات الدول الأوروبية بحرمانه من فتوحاته وكذلك السلطان العثماني محمود الثاني لم يرضخ لتلك التسوية إلا مضطرا ورغما عنه نظرا لتحرج موقفه السياسي والعسكرى وخوفه من إنهيار الدولة العثمانية وهو يضمر في نفسه إستئناف القتال لإستعادة نفوذه في بلاد الشام في ظروف أفضل وإذا كان التفكير السياسي لكل من محمد علي باشا والسلطان العثماني هكذا وعلي هذا القدر من التناقض كان حتميا إستئناف الحرب بينهما لحسم الأمر بصفة نهائية لصالح أحدهما ولتبدأ بذلك المرحلة الثانية من حروب بلاد الشام بين محمد علي والدولة العثمانية وبدأ السلطان العثماني ينفذ خطته لإستعادة بلاد الشام بأن أخذ يحرض سكان بلاد الشام ضد الحكم المصرى لهم ومن ناحية أخرى أخذ يحشد قواته لضرب الجيش المصرى في الشام وإرغامه علي الخروج منسحبا إلي مصر وبمساعدة بريطانيا بالذات من الدول الأوروبية وأدرك محمد علي من سير الأمور أن موقف الدول الأوروبية كان في غير صالحه وأن تحقيق أحلامه في توسيع ملكه صعب المنال لكنه لم يفقد الأمل في ذلك وحاول إجراء مفاوضات مع السلطان العثماني الذى أرسل له مبعوثا يدعي صارم أفندى للتفاوض معه بإسم السلطان العثماني إلا أن هذه المساعي لم تنجح وفشلت فشلا ذريعا نظرا لعناد وتشدد وتمسك كل من الطرفين بموقفه وهنا وبعد أن تأزمت الأمور أصبحت الحرب وشيكة الوقوع بين الطرفين مرة أخرى وحشد السلطان العثماني قواته وإنتهز فرصة ثورة سكان الشام علي الحكم المصرى لهم وفي ربيع عام 1839م دفع بجيش كبير بقيادة حافظ باشا نحو الشام وراقب إبراهيم باشا قائد الجيش المصرى الموقف وكانت التعليمات الواردة له من أبيه ألا يبدأ القتال حتي لا يظهر بأنه هو المعتدى وأصدر السلطان العثماني أوامره لقائده حافظ باشا بمهاجمة جيش إبراهيم باشا المتحصن في حلب شمالي سوريا فأصبح هو البادئ بالقتال وهنا أصدر محمد علي باشا أوامره لقائده إبراهيم باشا بصد الهجوم وبالفعل نفذ إبراهيم باشا الأمر ودارت معركة تسمي معركة نسيب بحوض نهر الفرات أقصي شمالي سوريا يوم 15 يونيو عام 1839م مني فيها الجيش العثماني بهزيمة فادحة وكاد أن يفني عن آخره وتم أسر حوالي 15 ألف جندى منه كما غنم الجيش المصرى كمية كبيرة من الأسلحة والمؤن وفي هذه الظروف الحرجة تعرض السلطان العثماني محمود الثاني للإصابة بعدوى مرض السل ولما إشتدت عليه أعراض المرض تم نقله إلى إحدى ضواحي العاصمة إسطنبول للإستشفاء بهوائها النقي ثم لم يلبث أن عاجلته المنية وتوفي في يوم 19 ربيع الآخر عام 1255 هجرية الموافق يوم 2 يوليو عام 1839م وهو في الرابعة والخمسين من العمر وتولي إبنه السلطان عبد المجيد الأول السلطنة والخلافة وكان صبيا صغيرا لم يبلغ بعد سن الثمانية عشر عاما .



وسرعان ما سارع السلطان الجديد إلى إجراء مفاوضات مع محمد علي باشا والذى تمسك بطلبه في أن يكون حكم مصر والشام حقا وراثيا في أسرته من بعده وكاد السلطان العثماني الجديد عبد المجيد الأول أن يوافق على ذلك لولا أنه تلقى رسالة من الدول الأوروبية الأربعة المتحالفة ضد محمد علي باشا وهي بريطانيا وروسيا وألمانيا والنمسا تطلب منه قطع المفاوضات مع محمد علي وذلك خوفا من أن يحل مكان الدولة العثمانية الضعيفة في حكم المشرق العربي ويهدد بذلك مصالح الدول الأوروبية في المنطقة كما أن هذا من شأنه التحكم في طريق التجارة مع بلاد شرق آسيا وخاصة الهند وبخصوص فرنسا فقد وقفت موقف المؤيد لمحمد علي طمعا في أن يكون لها مكانة متميزة في المنطقة وما لبثت الدول الأوروبية الأربعة المتحالفة أن عقدت مؤتمرا في لندن عام 1840م دعت إليه الدولة العثمانية لبحث ما تم تسميته بالمسألة الشرقية ونتج عنه توقيع معاهدة سميت بمعاهدة التحالف الرباعي أو معاهدة لندن والتي بموجبها عرضت علي محمد علي أن يكون له ملك مصر وراثيا وأن تكون له ولاية عكا مدى حياته وأمهلته 10 أيام لقبول العرض فإذا مرت الأيام العشرة دون إجابة منه سحبت ولاية عكا من العرض ويتم منحه مهلة 10 أيام أخرى للموافقة على قبوله أن يكون له ملك مصر وراثيا فإذا مرت الأيام العشرة الثانية دون رد أيضا يترك أمره للسلطان العثماني يقرر بشأنه ما يشاء وتم إبلاغه بهذا العرض إلا أنه كان متمسكا ببنود إتفاقية كوتاهية وكان يراهن على مساعدة فرنسا له فأخذ يتلكأ في الرد علي العرض حتي مرت الأيام العشرة الأولى فتم إبلاغه بسحب ولاية عكا من العرض ثم مرت الأيام العشرة الثانية دون رد منه أيضا فكان أن أصدر السلطان العثماني فرمانا بعزله عن ولاية مصر أما الدول الأوروبية المتحالفة فقد إتخذت خطوات تصعيدية ضد محمد علي باشا فقطعت علاقاتها مع مصر ووجهت بريطانيا أسطولها في البحر المتوسط بغية قطع المواصلات البرية والبحرية بين مصر والشام مع ضرب الموانئ في كل منهما مع تحريض أهل الشام ضد الحكم المصرى بواسطة سفيرها في العاصمة العثمانية إسطنبول وفي مصر إستقبل محمد علي باشا نبأ عزله بأعصاب هادئة متمسكا بالأمل في الخروج من هذه الأزمة منتصرا لكنه ما لبث أن جنح إلى السلم عندما ظهر قائد الأسطول البريطاني قرب الإسكندرية مهددا بضربها كما أنه وجد أن التأييد الفرنسي له غير كافي فلن تستطيع فرنسا الوقوف في وجه دول أوروبا كلها وقام بتوقيع إتفاقية مع قائد الأسطول البريطاني بمقتضاها وافق علي شروط الدول الأوروبية المتحالفة بالإكتفاء بولاية مصر مدى الحياة وعلي أن يكون الحكم فيها حقا وراثيا لأسرته من بعده إلا أن الدولة العثمانية لم تقبل بهذا وتشددت بإيعاز من بريطانيا بضرورة التمسك بقرار عزل محمد علي باشا إلا أن دولة فرنسا ساعدته وبدا في الأفق بوادر أزمة أوروبية تهدد بنشوب حرب بين دولها مما دعا كل من المانيا والنمسا إلي التدخل من أجل الضغط على بريطانيا وروسيا والدولة العثمانية بقبول ما وافق عليه محمد علي باشا ورضي به وبالفعل نجحت مساعيهما ونجا بذلك محمد علي باشا من مأزق خلعه من ولاية مصر وأصدر له السلطان العثماني الجديد عبد المجيد الأول فرمانا يجعله واليا علي مصر فقط مدى حياته وأن يكون حكمها حقا وراثيا في أسرته من بعده وإنتهت بذلك الأزمة المصرية العثمانية وإنسحب الجيش المصرى من بلاد الشام .

 
 
الصور :
محمد علي باشا السلطان مصطفي الرابع السلطان سليم الثالث