بقلم الدكتور/ مصطقي عزمى
تعتبر البطالة، ظاهرة اقتصادية بدأت فى الظهور بشكل ملموس مع ازدهار الصناعة حيث لم يكن للبطالة معنى في المجتمعات الريفية التقليدية. وطبقا لمنظمة العمل الدولية فإن العاطل هو كل شخص قادر على العمل وراغب فيه، ويبحث عنه، ولكن دون جدوى. من خلال هذا التعريف يتضح أنه ليس كل من لا يعمل عاطل فالتلاميذ والمعاقين والمسنين والمتقاعدين ومن فقد الأمل في العثور على عمل وأصحاب العمل المؤقت ومن هم في غنى عن العمل لا يتم أعتبارهم عاطلين عن العمل.
هذا وتشير الدراسات التاريخية والأثرية إلى أن الملك خوفو هو أول من قام بتأمين العمال ضد خطر البطالة فى التاريخ. وقد اتسم عصر هذا الملك بأنه أزهى عصور الدولة القديمة من كافة النواحى وخاصة الناحية الاقتصادية حيث أطلق المؤرخون عليه "العصر الفيروزى" نسبة لمناجم الفيروز التى اكتشفها خوفو بسيناء. وقد أستغل الملك خوفو الفترات التى كان الفلاحين والعمال لا يعملون يها فى موسم الزراعة والحصاد للاستفادة بهم فى الأعمال الوطنية العظيمة وكذلك المشروعات الإنتاجية . وبهذا يصبح ما قاله المؤرخ الإغريقى "هيرودوت" عن بناء الاهرامات عن طريق السخرة غير صحيح، حيث كان بناء الهرم مشروعًا قوميًا وكذلك بيوت العبادة فى مصر القديمة قد تم تنفيذها بطريقة انسانية فى المقام الأول تم مراعاة العدالة فيها. ومن ثم، كان العمال يتسابقون طواعية فى العمل على قطع الأحجار من المحاجر ونقلها لمواقع البناء.
ولا يوجد دليل أعظم على احترام الدولة المصرية القديمة للعمال وحقهم فى المعاملة الحسنة أفضل من قيامها ببناء مدينة للعمال والفنيين وسوقًا للتموين ومخبزًا ومخازن للغلال. وذلك قبل بدء العمل فى تشييد الاهرامات. ولم يكتف الملك خوفو ببناء الاهرامات فقط بل قام بتشغيل هؤلاء العمال لتنفيذ أهداف قومية أخرى حيث أشركهم فى حملاته لاكتشاف مناجم الديوريت فى أسوان والذهب فى النوبة.
وقد اهتم المصرى القديم بالعمل حيث عرف قيمته وأعطاه من جهده ووقته الكثير حيث يذكر فى الأدبيات "اجتهد في كل وقت، افعل أكثر مما هو مطلوب منك، لا تضيع الوقت إذا كنت قادرا على العمل، مكروه كل من يسيء اغتنام وقته. لا تهدر فرصة تعزز ثروة بيتك، فالعمل يأتي بالثروة، والثروة لا تدوم إذا هجرت العمل"، يمثل هذا المقتطف أحد التعاليم الأدبية التي أعلت من شأن العمل وقيمته في الفكر المصري القديم، وأبرزت إيمان المصريين القدماء بأنه سبيل كل إنتاج ومصدر كل بناء على المستويين الاجتماعي والحضاري.
كان العمال يتسلمون أجورهم بصورة عينية منتظمة، ونرى من خلال نقش على لوحة تذكارية من معبد أيونو للملك رمسيس الثاني، مخاطبا عمال المحاجر: "ملأت المخازن بجميع الفطائر واللحوم والكعك لتأكلوها، وأنواع العطور لتعطروا رؤوسكم بها كل عشرة أيام، وصنادل تنتعلوها كل يوم، وملابس تلبسونها طوال العام. عينت لكم رجالا يحضرون لكم الطيور والأسماك، وآخرين يحسبون كم هو مستحق لكم، أمرت بتشييد ورشة فخار تصنع لكم الآواني الفخارية ليظل ماؤكم صافيا في الصيف، ومن أجلكم أبحرت السفن دوما من الجنوب إلى الشمال ومن الشمال إلى الجنوب تحمل لكم الشعير والحبوب والقمح والملح والخبز".
|