الأحد, 15 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

السلطان عثمان الثاني

السلطان عثمان الثاني
عدد : 12-2022
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”

السلطان عثمان الثاني هو سلطان الدولة العثمانية السادس عشر وهو إبن السلطان أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح بن مراد الثاني بن محمد الأول جلبي بن بايزيد الأول بن مراد الأول بن أورخان غازى بن عثمان غازى بن أرطغرل مؤسس الدولة العثمانية وهو شقيق كل من السلطان مراد الرابع والسلطان إبراهيم الأول وقد تولي عرش السلطنة في عام 1618م بعد عزل عمه السلطان مصطفي الأول وكان قد تلقى في طفولته تربية راقية متميزة وعرف عنه أنه كان متدينا ومحبا للشريعة وأيضا إشتهر بأنه كان شاعرا موهوبا وكان يجيد عدة لغات وكان طموحه عاليا وأفكاره الإبتكارية الإصلاحية كانت سابقة لعصره وكان ميلاده في يوم 3 نوفمبر عام 1604م بالعاصمة العثمانية إسطنبول وبعد وفاة والده السلطان أحمد الأول كان من المفترض أن يتولى عثمان الحكم بإعتباره أكبر أولاده إلا أن قائممقام الوزارة الوزير صوفو محمد باشا إقترح وذلك بتحريض من حليمة سلطان أم الأمير مصطفى وكوسم سلطان زوجة السلطان الراحل أحمد الأول على شيخ الإسلام أسعد أفندي تولية مصطفى عم عثمان والمولود في عام 1591م وكان آنذاك قد بلغ من العمر 26 عاما فوافق شيخ الإسلام بإعتبار أن مصطفى كان هو الأكبر سنا وكان أخوه السلطان أحمد الأول قد قرر عدم إعدامه عند توليه الحكم كما فعل أسلافه وسمح له ولأمه بالعيش في السراى القديم ونتيجة لتغيير السلطان أحمد الأول لقانون الوراثة بحيث يكون أكبر أفراد السلالة العثمانية سنا هو الأحق بالعرش فقد فتح هذا الباب لمصطفى لتولي السلطنة بدلا من أبناء أخيه لأول مرة في تاريخ الدولة العثمانية وعموما لم يلبث السلطان مصطفى الأول كثيرا علي عرش السلطنة إذ تبين أنه غير قادر على تحمل أعباء الحكم فأصدر شيخ الإسلام فتوى بعزله بعد أن تولي العرش لمدة 3 أشهر تقريبا وتولية السلطان عثمان الثاني بدلا منه والذى كانت ردة فعله قاسية على من حرموه حقه في السلطنة وعلي رأسهم شيخ الإسلام المشار إليه في السطور السابقة فكان مما أصدره تقليل صلاحياته وإعطاء معظم صلاحياته لمعلمه لالا عمر أفندى وعندما إعتلى السلطان عثمان الثاني الحكم كان لم يكمل الرابعة عشرة من عمره وكان على الرغم من صغر سنه شخصية فذة وصاحب قدرات قيادية ومهارية تفوق عمره بكثير وكان من الممكن أن يكون نموذجا مشابها للسلطان العثماني السابع العظيم محمد الفاتح رحمه الله أو قريبا منه غير أن البيئة العثمانية كانت قد إختلفت كثيرا في زمن السلطان عثمان الثاني عن زمن سلفه محمد الفاتح وأيضا كان من الممكن للدولة العثمانية أن تنتقل مع السلطان الشاب نقلةً نوعية للأمام لولا أن فترة حكمه تميزت بوجود بعض المشكلات الكبرى التي حالت دون ذلك فلم يظهر أثر جيد لأفكاره وتوجهاته خلال فترة حكمه حيث علي العكس حدثت الإضطرابات الشديدة في عهده والتي وصلت إلى درجة لم تصل إليها قبل ذلك في التاريخ العثماني حتى هذه اللحظة وكان من نلك المشكلات عدم وجود عنصر نسائي يكون داعما للسلطان عثمان الثاني في قصر الحريم وقد يعتقد البعض أن هذه المشكلة كانت بسيطة ولكن بدراسة الحقبة الزمنية التي نحن بصددها يتبين لنا عكس ذلك حيث كانت النساء هن المتصرفات في الأمور السياسية كلها تقريبا من خلف الستار وذلك منذ عهد السلطان سليم الثاني الذى تولي السلطنة ما بين عام 1566م وعام 1574م وخاصةً السلطانة الوالدة أى أم السلطان الجالس علي العرش ولم يكن هذا أمرا خافيا على أحد أو يستحي منه أحد إنما كان أمرا شبه رسمي إلى درجة أن السلطانة الوالدة كانت تتقاضى راتبا مجزيا على ذلك .

وكان الوضع الإجتماعي والإقتصادى المرموق للسلطانة الوالدة وكذلك لزوجات السلطان يجعل التنافس على هذا المركز محموما بين نساء القصر السلطاني ومن ثم كثرت الفتن والمؤامرات والدسائس التي كانت تؤثر بالسلب على مسيرة الدولة دون شك خاصةً في حالة ضعف شخصية السلطان وقد كسر السلطان أحمد الأول والذى تولي الحكم عام 1603م وإستمر عهده حتي عام 1617م حلقة سيطرة النساء لكنه لم يمحها بالكلية بل ظل النساء يترقبون الفرصة لممارسة المهمة التي إعتادوا عليها في القصر منذ عقود متتالية وبوفاة السلطان أحمد الأول تجدد نشاط النساء في القصر وكان السلطان الجديد عثمان الثاني فاقدا للدعم النسائي لكونه يتيم الأم فقد ماتت أمه وهو في السادسة من عمره ولم يكن قد تزوج بعد فصارت مؤامرات قصر الحريم كلها ضده لا معه ولم تكن هذه المؤامرات تافهةً أو سطحية لأنه في ظل الفساد الذى إنتشر في دواليب الحكومة صار لكل إمرأة من نساء القصر داعمون من الوزراء وقادة الجيش وخاصةً الإنكشارية وكذلك الصدور العظام وأحيانا العلماء وكانت الحرب بين النساء في هذه الفترة على السلطة يمكن أن تحدث فتنةً حقيقيةً في الدولة يتقاتل فيها أكبر رموز الحكم وفي هذا التوقيت الذى إستلم فيه السلطان عثمان الثاني وجدت إمرأتان قويتان في قصر الحريم هما السلطانة حليمة والسلطانة كوسم أما الأولى فهي والدة السلطان المريض المخلوع مصطفى الأول وأما الثانية فهي زوجة السلطان الراحل أحمد الأول وهي في الوقت نفسه أم لخمسة من أبنائه الذكور ليس منهم البكر عثمان الثاني وعندما تولى السلطان مصطفى الأول الحكم كانت السلطانة حليمة تحكم البلاد في ظل وجود إبنها المريض وكانت تحمل وظيفة وصية العرش بشكل رسمي تماما وكان عزل إبنها في شهر فبراير عام 1618م يعني عزلها عن المنصب المرموق وحرمانها من المال الذى تتحصل عليه من ورائه ولما تولى السلطان عثمان الأول الحكم كانت السلطانة كوسم ترغب في المنصب المرموق كوالدة للسلطان وترغب أيضا في الأموال المتحصلة من ورائه وعلاوة علي ذلك كانت ترغب في الحفاظ على حياة أبنائها الذين من الممكن أن يتعرضوا للقتل إذا رغب في ذلك السلطان الجديد عثمان الثاني وهي من الأصل تحب السلطة والقيادة وكانت تتمتع بمهارات التأثير والتواصل فكانت كما سماها زوجها الراحل السلطان أحمد الأول قائدة القطيع وبلا شك في أن هذا الوضع المعقد سيخلق للسلطان عثمان الثاني أثناء فترة حكمه أجواء غير عادية من الإضطراب .

وكان أيضا من ضمن المشاكل التي برزت في فترة حكم السلطان عثمان الثاني مشكلة القوات الإنكشارية وهي المشكلة التي برزت بشكل كبير خلال القرن السابع عشر الميلادى وتمثلت في إنفلات الإنكشارية نتيجة عوامل كثيرة فبعد أن كان الإنكشاريون معروفين بكفايتهم القتالية ووفرتهم العددية وضراوتهم في الحرب والقتال ومن ثم كانوا أداة رهيبة في يد الدولة العثمانية في كل حروبها التاريخية وكان لنشأتهم العسكرية الخالصة وتربيتهم الجهادية على حب الشهادة وإسترخاص الحياة أثر في إندفاعهم الشجاع في الحروب وإستماتتهم في النزال وتقدمهم الصفوف في طليعة الجيش فكانوا يأخذون مكانهم في القلب ويقف السلطان بأركان جيشه خلفهم وقد إستطاعت الدولة العثمانية بفضل هذه الفرقة أن تمد رقعتها وتوسع حدودها بسرعة ففتحت بلادا في قارة أوروبا كانت خارج حوزة الإسلام غير أن هذه الأهمية الكبيرة لفرقة الإنكشارية تحولت منذ أواخر القرن السادس عشر الميلادى بعد ان توقفت حركة الفتوحات والتوسعات وفقدانهم ما كانوا يحصلون عليه من الغنائم إلى مركز قوة نغص حياة الدولة العثمانية وعرضها لكثير من الفتن والقلاقل وبدلا من أن ينصرف زعماء الإنكشارية إلى حياة الجندية التي جبلوا عليها راحوا يتدخلون في شؤون الدولة ويزجون بأنفسهم في السياسة العليا لها وفيما لا يعنيهم من أمور الحكم والسلطان فكانوا يطالبون بخلع السلطان القائم ويولون غيره ويأخذون العطايا عند تولي كل سلطان جديد وصار هذا حقا مكتسبا لا يمكن لأى سلطان مهما أوتي من قوة أن يتجاهله وإلا تعرض للمهانة على أيديهم ومن ثم صار قادة الإنكشارية يتصرفون كدولة داخل الدولة وقد أعطتهم قوة السلاح وأهمية المناصب التي يحتلونها وكثرة علاقاتهم مع الوزراء وحكام الولايات ونساء القصر هيمنةً كبيرة على الأمور ومما زاد من إنفلاتهم ضعف شخصيات السلاطين في العقود التي تلت عهد السلطان العثماني العاشر العظيم سليمان القانوني وقد أثر ذلك سلبيا بدرجة كبيرة علي الموقف والآن يتولى الحكم فتي لم يكمل الرابعة عشرة من عمره ومن ثم فمن غير المنتظر من مراكز القوى المتوحشة في الإنكشارية أن تقبل بطاعته بسهولة وكان من المشاكل أيضا التي برزت في عهد السلطان عثمان الثاني مشكلة خاصة بالسلطان نفسه فعلى الرغم من قدراته الفائقة فإنه كان متسرعا في خطواته حيث كانت أفكاره الإبتكارية والإصلاحية تحتاج إلى سنوات طويلة أو عقود لتنفيذها ولكنه كان يريد إتمام كل شئٍ في أقرب وأسرع وقت وقد أدت هذه العجلة وهذا التسرع إلي كوارث كبرى كان هو أول ضحاياها وكان هذا التسرع من جانبه بلا شك نتيجة شبابه وقلة خبرته كما أنه قد إفتقد إلى الناصح الأمين من رجال حكومته فلم يكن عهده مشهورا بالحكماء السياسيين أو لعله لم يحسن إختيار بطانته لنقص خبرته .

وإذا ما نظرنا إلي الأوضاع العسكرية للدولة العثمانية عندما إستلم السلطان عثمان الثاني الحكم فسوف نجد أن الأمور كانت مستقرة على الجبهة الأوروبية بل ستنشغل دول أوروبا بنفسها مع توليه الحكم عندما تندلع فيها الحرب المريرة المعروفة بحرب الثلاثين عاما والتي إستمرت من عام 1618م وحتي عام 1648م أما علي الجبهة الشرقية حيث الدولة الصفوية الشيعية فم يكن الوضع كذلك إذ كان الشاه عباس الأول الصفوى ممتنعا عن دفع ضريبة الحرير إلى الدولة العثمانية التي تم الإتفاق عليها بموجب معاهدة نصوح باشا المبرمة عام 1612م في عهد السلطان أحمد الأول مما أثار القلاقل بين الدولتين قبيل وفاة هذا الأخير أما على المستوى الداخلي فكان الوضع يبدو هادئا لإنتهاء تمردات إقليم الأناضول والشام والعراق وإن كانت ولاية السلطان الصغير عثمان الثاني ستثير أطماع مراكز القوى دون شك وفي السنة نفسها التي إستلم فيها السلطان عثمان الثاني الحكم أخرج جيشا لإجبار الدولة الصفوية على تنفيذ إتفاق معاهدة نصوح باشا المشار إليها في السطور السابقة وحاول القائد الأعلى العثماني الصدر الأعظم أوكوز قرة محمد باشا أن يستولي على أريفان بأرمينيا الحالية التي كان قد أخلاها منذ فترة قصيرة طبقا لمعاهدة نصوح باشا وفرض عليها الحصار إلا أنه إضطر أن يفك الحصار عنها بعد 44 يوما بعد أن تعرض الجيش لكمين صفوى وتكبد بسببه عدة خسائر لكنه في النهاية أكمل الطريق وهدد أردبيل بشمال غرب إيران بشكل مباشر فطلب الشاه الصفوى عباس الأول الصلح مرة ثانية ووافق العثمانيون فعقدت معاهدة سيراڤ نسبةً إلى المدينة التي عقدت فيها والتي تقع بمحافظة بوشهر بجنوب إيران وتطل علي الخليج العربي في يوم 26 سبتمبر عام 1618م وكانت بنود هذه المعاهدة مشابهة لبنود معاهدة نصوح پاشا مع العديد من التعديلات الصغيرة في خط الحدود بين الدولتين وقد خفضت في هذه المعاهدة الضريبة على الدولة الصفوية إلى مائة بالة من الحرير سنويا بدلا من مائتين وقد كشفت هذه المعاهدة عن حالة التوازن التي وصلت إليها القوتان العثمانية والصفوية آنذاك والتي ستظل دائمةً بعد ذلك وقد تعلو أحيانا القوة الصفوية فيسيطرون على بغداد أو بعض مدن الأناضول وقد تعلو القوة العثمانية أحيانا فيسيطرون على تبريز أو بعض مدن أذربيچان لكن سيكون هذا دوما بشكل مؤقت وغير مستديم وسيظل هذا التوازن قائما حتي حلول القرن العشرين الماضي .

وفي عام 1620م تدخلت دولة بولونيا وهي بولندا حاليا في شؤون إمارة البغدان التابع للدولة العثمانية والمعروفة حاليا بمولدوفا وقدمت الدعم للقوزاق في هجماتهم على الأراضي العثمانية ثم عبرت بولندا بجيوشها إلى إقليم البغدان وكان أمير البغدان جاسبار جرازياني قد غير ولاءه من العثمانيين إلى البولنديين بعد أن عزله العثمانيون قبل ذلك بقليل وتواصل العثمانيون مع جابور بيثلين أمير ترانسلڤانيا التابع لهم وإتفقوا على السيطرة عسكريا على البغدان وتحركت الجيوش العثمانية بقيادة إسكندر باشا إلى البغدان في شهر سبتمبر عام 1620م ولحق بها جيش ترانسلڤانيا ووقعت عدة معارك بين الجيش العثماني وجيش بولندا في الفترة من يوم 17 سبتمبر إلى يوم 7 أكتوبر عام 1620م في البغدان بالقرب من مدينة توتورا وتعرف أيضا بسيكورا وحقق فيها العثمانيون نصرا حاسما وقتلت أعداد كبيرة من الجيش البولندى وتقدر المصادر التركية قتلى البولنديين بسبعين ألفا هذا غير الأسرى وكانت حسابات العثمانيين في هذه المرحلة التاريخية آنية بمعنى أنها كانت لا تملك النظرة العميقة التي تقدر موازين القوى وترصد التغيرات العالمية ومن ثم تأخذ الخطوات التي تنفعها في مستقبلها حيث كان ينبغي علي الدولة العثمانية أن تحاول حل المشكلة البولندية سلميا لا عسكريا بل وأن تحاول أن تكسب بولندا حليفا لها لا عدوا حيث أن بولندا لم يكن لها تاريخ طويل من العداء مع العثمانيين وكان من الممكن نظريا أن يتحالفا سويا ضد الأعداء المشتركين وكان أخطرهم في هذا الوقت روسيا والتي كانت من ألد أعداء بولندا وكان لها أطماع واضحةٌ في أرضها وكانت الحروب بينهما متصلة وفي الوقت نفسه كانت روسيا من أكبر الأعداء الظاهرين للدولة العثمانية وكانت لها أطماع توسعية في إقليمي القوقاز والقرم بل كان من الممكن آنذاك أن تطالب بحق الحماية للأرثوذكس الذين يمثلون الجانب الأعظم من نصارى الدولة العثمانية في بلغاريا واليونان ومقدونيا والأفلاق وغيرها من مناطق البلقان التابعة للدولة العثمانية وعلي هذا فقد كانت روسيا بالفعل عدو شرس وإمكاناته ضخمة وكان من الأولى للعثمانيين أن يضعوا أيديهم في أيدى البولنديين لمواجهة الروس ولو لاحقا ولعل الذى صرف هذا الأمر عن أذهان رجال الحكومة العثمانية في ذلك الوقت هو الحالة المتردية على المستويين السياسي والإقتصادى التي وصلت إليها القيصرية الروسية في بدايات القرن السابع عشر الميلادى لكن الذى لم يلحظه العثمانيون هو إستقرار الوضع في روسيا بداية من عام 1613م أى قبل الحرب العثمانية البولندية بسبعة أعوام عندما تولت أسرة رومانوف القوية حكم روسيا وأنه في خلال سنوات قليلة ستكون روسيا شوكةً حادة في حلقي الدولتين العثمانية والبولندية ومن ثم فقد كان الأولى لهما أن يتعاونا ضدها لا أن يتقاتلا سويا ويضعف كل منهما الآخر وبالتالي تترسب العداوة بينهما وكان الأمر يحتاج أمام هذه الحقائق والإعتبارات إلى بعض الدبلوماسيين المحنكين المحترفين لا إلى الجنود الأشداء لكن هكذا للأسف جرت الأمور .


ومع حلول فصل الشتاء في أواخر عام 1620م توقفت حرب العثمانيين مع بولندا وقد حمست الإنتصارات التي حققها العثمانيون السلطان عثمان الثاني فعقد النية علي إعادة الكرة على بولندا في صيف العام التالي 1621م وحدثت بعض الإضطرابات الداخلية في إسطنبول خلال فترة توقف القتال في فصل الشتاء عكرت من صفو هذا الإنتصار حيث تم تدبير مؤامرة لخلع السلطان عثمان الثاني فكان رد فعله عنيفا حيث أعدم أخاه وليَ العهد الشاهزادة محمد في يوم 12 يناير عام 1621م وقد ترك هذا الإعدام أثرا سيئا عند الشعب لكن الأسوأ من ذلك أنه هيج السلطانة كوسم والدة القتيل التي سيكون لها ردة فعل تناسب الحدث ولم يكن السلطان عثمان الثاني راغبا في محاربة السلطانة كوسم أو غيرها ولم يكن راغبا في السير حذو أجداده السلطانين مراد الثالث ومحمد الثالث واللذين قتلا إخوتهم تأمينا لعروشهم وإكتفي بقتل محمد فقط وترك إخوته السبعة الآخرين وكان منهم أربعةٌ من أولاد السلطانة كوسم ولذلك فمن الأرجح أنه قد دبرت مؤامرة من بعض الإنكشارية أو رجال الدولة وإستخدم ولي العهد الشاهزادة محمد في هذه المؤامرة وللأسف فإن المعلومات حول هذه الحادثة نادرة وبعد إعدام الشاهزادة محمد صار ولي العهد بعد ذلك الأمير مراد وكان عمره تسع سنوات آنذاك وهو إبن السلطانة كوسم وفي صيف عام 1621م قرر السلطان عثمان الثاني إستئناف الحرب ضد بولندا من أجل قهر تلك الدولة وضمها لأملاكه وكان مما عزز هذا التوجه رغبة السلطان عثمان الثاني في الوصول لبحر البلطيق وتطويق عدوته النمسا من الشرق والجنوب وقرر أيضا أن يخرج بنفسه على رأس الجيش العثماني وكان هذا نادرا في هذه الفترة التاريخية حيث لم يحدث منذ عام 1566م أى منذ خمسة وخمسين عاما منذ أواخر عهد السلطان سليمان القانوني إلا مرة واحدةً عندما خرج السلطان محمد الثالث عام 1596م لحرب النمسا وكان خروج السلطان بنفسه ملهبا لحماس الشعب خاصة أنه كان في السادسة عشرة فقط من عمره وكان خروج السلطان في هذه الحملة في يوم 21 مايو عام 1621م وكان الجيش العثماني قوامه مائة ألف مقاتل وإخترق البغدان كلها ووصل إلى قلعة خوتين في الأراضي التابعة لبولندا وهي في أوكرانيا الآن وكان من الواضح أن السلطان يريد فتح بولندا أو بعض أراضيها وليس مجرد تأمين البغدان وكان هذا يعد طموحا زائدا لا يتناسب مع الإمكانات المعاصرة وضرب السلطان الحصار حول قلعة خوتين بدايةً من يوم 2 سبتمبر عام 1621م وكان موعد هذا الحصار متأخرا جدا لأته كان قريبا من حلول فصل الشتاء البارد جدا في هذه المناطق وكان ينبغي للجيش العثماني أن يأتي مبكرا عن ذلك التوقيت بشهرين أو ثلاثة ولعل قد تعطل بسبب الإضطرابات التي كانت قد حدثت في إسطنبول كما أن حركة الجيش كانت بطيئة إذ قطع المسافة من إسطنبول إلى خوتين في ثلاثة شهور كاملة وفي أثناء الحصار حدثت مشاكل داخليةٌ في الجيش العثماني حيث كانت هناك تنافسات غير مقبولة بين القيادات ولم تكن الروح جهادية وإضطر السلطان إلى عزل الصدر الأعظم أوهريلي حسين باشا في يوم 7 سبتمبر عام 1621م أثناء الحصار لعدم مساعدته لمنافس له في الوزارة مما ضيع على المسلمين فرصة تحقيق النصر وتولى الصدارة العظمى ديلاور باشا الذى لم يكن كفئا لهذا المنصب ودارت عدة معارك أثناء الحصار وتزايد عدد القتلى من الطرفين وبدأت الثلوج في التساقط مبكرا في هذا العام وظهرت حالات تذمر في الجيش خاصةً من الإنكشارية وبلغ عدد الشهداء من الجيش العثماني خلال شهر واحد فقط ما يقرب من أربعين ألف شهيد وكثر القتل أيضا في صفوف البولنديين ولكن صمدت القلعة وطلب البولنديون الصلح ورأى السلطان أن حالة الجيش وكذلك حالة الطقس لن تمكناه من إسقاط القلعة فقبل مرغما وعلي مضض وجرت المباحثات فورا والتي أسفرت عن توقيع معاهدة خوتين في يوم 6 أكتوبر عام 1621م وفي هذه المعاهدة أقر الطرفان على ثبات الحدود بين الدولتين على ما كان قبل الحرب وأقرت بولندا بتبعية إقليم البغدان للدولة العثمانية ووقف تدخلها في شئونه وهو ما كان قبل الحرب كذلك أى أن الحرب لم تؤد إلى أى تغيير جيوسياسي وكانت هذه هي طبيعة الصراع في القرن السابع عشر الميلادى قرن الثبات حيث كانت إنتصارات العثمانيين على بولندا في عام 1620م موازية لخسائرهم في عام 1621م كما وافقت بولندا بموجب هذه المعاهدة على وقف دعمها لهجمات القوزاق والسماح للقوات العثمانية بالمرور في الأراضي البولندية في حالة الحرب مع أى دولة أوروبية أخرى لكن دون حدوث أى تخريبات منها وقد إعتبر العثمانيون أن محصلة الحرب هي النصر لهم لأنهم أجبروا بولندا على الإقلاع عن فكرة ضم البغدان بينما إعتبر البولنديون أن النصر كان حليفهم لأنهم صدوا الجيوش الغازية ومنعوها من دخول بولندا وأجبروها على كثرتها أن توقع على معاهدة سلام مناسبة وأيا ما كان الأمر لم يكن السلطان عثمان الثاني راضيا عن النتيجة حيث سقطت طموحاته من فتح بولندا وتحقيق ما لم يحققه الأولون وإضطر مرغما علي توقيع معاهدة أبقت الوضع على ما كان عليه .


وعاد السلطان عثمان الثاني إلى العاصمة إسطنبول في يوم 25 يناير عام 1622م ومنذ لحظة رجوعه اخذ يحمل قيادات الجيش وخاصة الإنكشارية مسئولية الموقف المتعادل الذى وصلت إليه الحرب مع بولونيا والتوقيع الإضطرارى علي معاهدة خوتين ولم يقف لوم السلطان عثمان الثاني للإنكشارية على الكلام فقط ولكنه بدأ في إتخاذ خطوات عملية سريعة لإصلاح الوضع الذى وصل إليه الجيش وكان وراء فكرة تنفيذ هذا الإصلاح معلم السلطان ومربيه آماسيالي لالا عمر أفندى حيث تقرر إحلال فرقة جيش جديدة مكان الإنكشارية الذين أطغتهم القوة وأخرجتهم عن طبيعة الجيش المجاهد ولم يكن إعلانه عن عزمه هذا صريحا إنما حاول أن يعمل في الخفاء قدر ما يستطيع فراسل السلطان سرا عددا من حكام الولايات وخاصة في الأناضول والشام وكذلك بعض قيادات الجيش المقربين له وأخبرهم بعزمه وبدأ في تجميع الجنود للجيش الجديد معتمدا في ذلك على الفلاحين الأتراك والتركمان ومجمعا إياهم في عدد من المدن العثمانية الكبرى أهمها مدينة بورصة وفي بلد يموج بالأحزاب المتعارضة لا يبقى أمر كهذا سرا حيث علمت القوات الإنكشارية بالأمر فأعلنوا إعتراضهم على تكوين الجيش الجديد وبدأوا في عقد الإجتماعات المضادة وصعد السلطان الأمر وأغلق المقاهي التي يستخدمها الإنكشارية في التباحث والتآمر خارج ثكناتهم فبدأت الثورات المسلحة تتحرك في شوارع العاصمة إسطنبول وفضلا عن ذلك فقد كان الشارع في العاصمة إسطنبول متبرما ويموج بالغليان حيث تسبب قرار السلطان عثمان الثاني بإعدام أخيه الشاهزادة محمد قبل حملة بولونيا في بث الكراهية ضده وزادت الأوضاع سوءا بحلول فصل شتاء قاسي وشديد البرودة بالعاصمة إسطنبول حيث تجمد مضيق القرن الذهبي بشكل لم يسبق له مثيل ومن ثم شحت المواد الغذائية وإرتفعت أسعارها وتفشت حوادث السرقة والنهب وتسامع الناس أيضا بقرارات السلطان الجديدة حول القوات المزمع إنشاؤها مما زاد في قلقهم وكانت طائفة العلماء أيضا في ضيق نتيجة تحجيم السلطان لصلاحيات شيخ الإسلام وأدرك السلطان عثمان الثاني أمام كل هذه الظروف السيئة أن الأمر قد يتطور فأراد أن ينتقل إلى مدينة بورصة حيث التجمع الأكبر للجنود الجدد الذين يجمعهم ولكنه لم يعلن وجهته الصريحة إنما أعلن أنه ذاهب لأداء فريضة الحج ومما يذكر أنه لم يحج قبل ذلك ولا بعد ذلك أى سلطان عثماني وإفترض البعض أن السلطان عثمان الثاني كان متوجها إلى مصر أو الشام لجمع الجنود لمقاومة الإنكشارية وإعترض الإنكشارية على خروج السلطان للحج وأتوا بفتوى قديمة من شيخ الإسلام بأن بقاء السلطان في العاصمة إسطنبول لإدارة شئون الدولة والعمل علي قضاء مصالح الناس أعلى من أداء فريضة الحج وقام السلطان بتمزيق الفتوى في وجوه الإنكشارية وأعلن عن تصميمه للخروج فحاصر الإنكشارية القصر الحاكم في يوم 18 مايو عام 1622م ثم إقتحموه في اليوم التالي 19 مايو عام 1622م ليقتلوا الصدر الأعظم ديلاور باشا ثم تفاقم الأمر في اليوم الذى يليه 20 مايو عام 1622م حين أمسك المتمردون العسكريون بالسلطان الشاب عثمان الثاني وقتلوه وكان لم يبلغ سن الثمانية عشر عاما .

وكان بذلك السلطان عثمان الثاني هو أول سلطان عثماني يموت مقتولا نتيجة ثورة داخلية حيث أن من كان قبله من السلاطين إما أنهم ماتوا لأسباب طبيعية أو قتلوا في معارك ولا شك أنه كان وراء أمر مقتل السلطان عثمان الثاني عدد كبير من المتآمرين حيث كانت قوات الإنكشارية آنذاك لا تمتلك الجرأة التي تدفعهم لقتل سلطان لولا أنهم كانوا مدعومين بقوى كثيرة مناهضة لحكم السلطان عثمان الثاني وقد تمثلت هذه القوى في السلطانة الوالدة كوسم التي قتل ولدها ولي العهد محمد والتي هي في الوقت نفسه أم لولي العهد الجديد مراد وكانت هناك أيضا السلطانة الوالدة الأخرى حليمة أم السلطان السابق مصطفى الأول الذي عزل منذ أربعة أعوام لجنونه وكانت تحكم البلاد فعليا من ورائه وعلاوة علي ذلك كانت هناك قيادات عسكرية تتوقع إزاحتها في القريب العاجل بل كان هناك علماء لا يوافقون السلطان الشاب على إجراءاته الإصلاحية ومن ثم إجتمع كل هؤلاء وغيرهم على الجريمة الآثمة وقتلوا رجلا كان يسعى لإنقاذ البلاد من شر مستطير سيعصف بها في العقود القادمة وهو شر الجنود التي تمتلك القوة ولا يحكمها دين ولا خلق ولا منطق وستكون معاناة الدولة العثمانية كبيرة مستقبلا من الإنكشارية وليتهم ساعدوا السلطان عثمان الثاني في إصلاحاته بدلا من السكوت على قتله والذى كان متفانيا في خدمة الدولة العثمانية لكنه للأسف لم يكن ناضجا بعد حيث أدت خطواته الإصلاحية المتسارعة إلى هذه النتيجة المفجعة ولعله لو كان قد تروى لحقق الأفضل له وللأمة حيث أنه ليس من الصواب أن يقوم المصلح بالإصلاح الشامل بشكل كامل وسريع إنما الحكمة والعقل يقتضيان إتخاذ الخطوات المتأنية ولو إستتبع ذلك ترك بعض المنكرات أو المفاسد وما أروع أن نسترجع في هذا الموقف الحوار الذى دار بين عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموى العظيم وبين إبنه عبد الملك الذى كان يحثه على سرعة الإصلاح حيث قال عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز لأبيه يا أبت مالك لا تنفذ الأمور فو الله ما أبالي لو أن القدور غلت بي وبك في الحق فقال له عمر لا تعجل يا بني فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين وحرمها في الثالثة وأنا أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة فيدفعونه جملة ويكون من ذلك فتنة ولقد حمل السلطان عثمان الثاني رحمه الله لقلة خبرته الناس على الحق جملة فدفعوه جملة فكانت الكارثة وجدير بالذكر أنه في هذا الموقف يذكرنا السلطان عثمان الثاني بالسلطان محمد الفاتح في ولايته الأولى عندما تنازل أبوه السلطان مراد الثاني له عن العرش وهو في الثانية عشرة من عمره فكان أداؤه مخيبا وتصاعدت الثورات ضده وكان من الممكن أن تحدث كارثة لولا عودة السلطان مراد الثاني إلى الحكم وسيطرته على الأمور حيث كان السلطان الفاتح في ولايته الأولي عظيم الأهداف وواضح الرغبة في نفع الأمة لكنه كان قليل الخبرة متسرعا لكن بعد ذلك بأعوام عندما إستلم الحكم مرة أخرى بعد وفاة أبيه وكان قد بلغ التاسعة عشرة من عمره رأينا رجلا آخر حكيما حازما هادئا يختار الأصلح ولو لم يكن الأمثل لكن للأسف لم يكن إلى جوار عثمان الثاني رجل كالسلطان مراد الثاني يمكن أن يصلح الأوضاع فأفضى الأمر في النهاية إلى هذه الخاتمة المؤسفة .


وجدير بالذكر أنه لم تكن هذه الحادثة عابرة في التاريخ العثماني وقد أعطى الشعب للسلطان عثمان الثاني لقب الشهيد وكان قد حاز قبل ذلك لقب الغازى لكونه جاهد بنفسه ضد بولندا وظل الناس يتذاكرون قصته بشكل لافت بل زاد الحديث عنه في القرن التاسع عشر الميلادى أى بعد وفاته بأكثر من قرنين وذلك حين بدأت حملات الإصلاح في الدولة العثمانية فكان السلطان عثمان الثاني مثالا للمصلح الذى دفع حياته ثمنا لمحاولاته الإصلاحية وبذلك فمن الممكن أن نقول إنه كان قد فتح الباب لغيره من المصلحين الذين جاءوا بعده وقد ذكر بعض المؤرخين أن قرة داود باشا والذى كان وزيرا في عهد السلطان أحمد الأول وقائدا للبحرية ثم تزوج من السلطانة ديلربا إبنة السلطان محمد الثالث وتحالف معها ومع أمها حليمة سلطان من أجل إعادة تنصيب شقيقها مصطفى الأول كسلطان بدلا من عثمان كان أحد محركي الأحداث التي أدت للثورة عليه ومن ثم مقتله ويعتقد أن داود باشا هو من أعطى الأمر بعد نجاح الثورة بقتل السلطان عثمان المخلوع كما قام بقطع إذنه وإصبع من يده وإعطائهم للسلطانة حليمة دليلا على قتله وبعد إنتشار الفوضى في إسطنبول نتيجة هذه الحادثة إستغل داود باشا الفرصة وسرق كافة حاجيات السلطان عثمان من قصر الباب العالي بما فيها سيوفه وخيوله الثمينة وقد عين صدرا أعظم بسعي من حليمة سلطان لكن ما لبث أن تزايد الغضب ضده من الناس والبشوات وكانوا يلقبونه بقاتل السلطان فعزل ثم أعدم لاحقا وقد تولي عرش السلطنة من بعد السلطان عثمان الثاني مرة أخرى السلطان مصطفي الأول إبن السلطان محمد الثالث والذى كان قد تولي العرش قبل ذلك لمدة ثلاثة أشهر من شهر نوفمبر عام 1617م وحتي شهر فبراير عام 1618م وكانت الإنكشارية تقف وراء ذلك لسببين الأول أن تطمئن أن الدولة بيد سلطان ضعيف مما يتيح لها تحقيق مآربها والسيطرة على الدولة والثاني أنها تعلم بجنونه فما يلبث أن يعزله العلماء ويعينوا سلطانا آخر وبذلك يتحقق لهم الحصول على إكراميتي جلوس التي يعطيها كل سلطان جديد عند تولي الحكم للجيش وقد بقي السلطان مصطفى الأول في الحكم هذه المرة ما يقارب السنة وأربعة أشهر من شهر مايو عام 1622م وحتي شهر سبتمبر عام 1623م وكان لا يزال مختلا وكان يسير في ردهات القصر ينادي إبن أخيه المقتول السلطان عثمان الثاني ويندبه ولم يكن العلماء راضين على بقائه خصوصا وأن والدته حليمة سلطان كانت هي التي تدير البلاد من وراء الستار بالإضافة لقيام كوسم سلطان والدة ولي العهد مراد الرابع بتحريض البشوات على عزله وتولية إبنها وبالفعل فقد تم عزل السلطان مصطفى الأول بعد وعد لأمه بإبقائه حيا حيث أقام بجناح مخصص له في قصر طوب قابي حتى وفاته في عام 1639م وكان يبلغ آنذاك من العمر 48 عاما .
 
 
الصور :
السلطان أحمد الأول السلطان محمد الثالث السلطان مصطفي الأول السلطانة كوسم سلطان قرة داود باشا