الخميس, 5 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

أسد بن الفرات

أسد بن الفرات
عدد : 12-2022
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”

أسد بن الفرات هو الفقيه والعالم والمحدث والقاضي والمعلم والمدافع عن السنة وقامع البدع والقائد المجاهد وأمير أساطيل البحار والمرابط في سبيل الله حتي الشهادة أبو عبد الله أسد بن الفرات بن سنان قاضي القيروان وتلميذ الفقيه الإمام مالك بن أنس ولذا فقد كان أسد يقول عن نفسه أنا أسد وهو خير الوحوش وأبي فرات وهو خير المياه وجدى سنان وهو خير السلاح وكان مولد أسد بن الفرات رحمه الله عام 142هجرية الموافق عام 759م بحران من أعمال ديار بكر بجنوب شرق إقليم الأناضول وإنتقل إلى بلاد المغرب مع أبيه الفرات بن سنان وكان لم يكمل عمره العامين في عام 144هجرية الموافق عام 761م والذى كان قائدا للمجاهدين الذين خرجوا لنشر الإسلام في بلاد المغرب العربي وإستقر مع أبيه بمدينة القيروان والتي كانت رابع الحواضر التي أسسها المسلمون في البلاد المفتوحة بعد مدينتي البصرة والكوفة في العراق ومدينة الفسطاط في مصر وأول المدن الإسلامية التي تم تشييدها في بلاد المغرب العربي وكان لها دور إستراتيجي هام في الفتوحات الإسلامية في الشمال الأفريقي ومنه إنطلقت حملات الفتح نحو الجزائر والمغرب وبلاد الأندلس في أسبانيا بالإضافة إلى أنها تعد مرقدا لعدد من صحابة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ويعتبر موقعها إختيارا ذكيا من مؤسسها القائد عقبة بن نافع حيث تأسست بعيدا عن شاطئ البحر الأبيض المتوسط بإتجاه الصحراء وذلك لتكون بعيدة عن الهجمات البحرية للجيش البيزنطي ويطلق عليها الفقهاء رابعة الثلاث بعد مدن مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف ويعود تاريخها إلى عام 50 هجرية الموافق عام 670م وقد نشأ أسد بن الفرات منذ صغره على حب العلم وحفظ كتاب الله حتى أتمه في مرحلة الصبا وأصبح هو نفسه معلما للقرآن الكريم وهو دون الثانية عشر عاما وبعدما أتم أسد حفظ كتاب الله عز وجل بدأ في تحصيل العلوم الشرعية حتى برع في الفقه وكان محبا للنظر والمسائل المتفرعة وإعمال العقل فمال ناحية مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان وظل هكذا حتى إلتقى بعلي بن زياد الذى يعتبر أول من أدخل مذهب الإمام مالك بن أنس بالمغرب فسمع منه أسد كتاب الموطأ وتلقى منه أصول مذهب الإمام مالك وبعدها قرر أسد أن ينتقل إلى المشرق في رحلة علمية طويلة بداية من عام 172هجرية الموافق عام 788م وهو في ريعان الشباب حيث كان عمره حينذاك يناهز الثلاثين عاما ودخل أسد بن الفرات المدينة المنورة لسماع الموطأ من الإمام مالك بن أنس إمام أهل المدينة مباشرة وقال أسد عن ذلك لما خرجت إلى المشرق وأتيت المدينة فقصدت مالكا وكان إذا أصبح خرج خادمه فأدخل أهل المدينة ثم أهل مصر ثم عامة الناس فكنت أدخل معهم فرأى الإمام مالك رغبتي في العلم فقال لخادمه أدخل القروى مع المصريين فلما كان بعد يومين أو ثلاثة قلت له إن لي صاحبين وقد إستوحشت أن أدخل قبلهما فأمر بإدخالهما معي وبعدما إنتهى أسد من سماع الموطأ ونهل من علم الإمام مالك قرر الرحيل إلى العراق فدخل على الإمام مالك مودعا وشاكرا وسأله أن يوصيه فقال له أوصيك بتقوى الله والقرآن الكريم والنصيحة للناس ثم إرتحل إلى العراق وهناك إلتقى مع كبار تلاميذ الإمام أبي حنيفة والذين كان منهم محمد بن الحسن وكان من كبار رواة الحديث والقاضي أبي يوسف أخص تلاميذ أبي حنيفة وأفقههم ويقول أسد عن ذلك فلما أتيت الكوفة أتيت أبا يوسف فوجدته جالسا ومعه شاب وهو يملي عليه مسألة فلما فرغ منها قال ليت شعرى ما يقول فيها الإمام مالك قلت يقول كذا وكذا فنظر إلي فلما كان في اليوم التالي كان مثل ذلك وفي اليوم الثالث مثله فلما إفترق الناس دعاني وقال من أين أنت ومن أين أقبلت فأخبرته قال وما تطلب قلت ما ينفعني الله به فعطف على الشاب الجالس وقال ضمه إليك لعل الله ينفعك به في الدنيا والآخرة ثم خرجت مع هذا الشاب إلى داره فإذا هو محمد بن الحسن فقلت له أنا غريب والسماع منك قليل فقال إسمع مع العراقيين بالنهار وجئني بالليل وحدك تبيت معي وأسمعك فكان إذا رآني نعست نضح وجهي بالماء ولزمته حتى كنت من المناظرين من أصحابه وكان أن تعلم أسد بن الفرات منه أولا المذهب الحنفي وأكثر من سماعِ الثقات في الحديث وإستفاد منه إستفادة كبرى وكتب عنه الكثير من مسائل المذهب الحنفي المشهور .


وإستمر أسد في رحلته في بلاد العراق جامعا بين طلب الحديث والفقه حتي عام 179هجرية الموافق عام 795م وهو العام الذى توفي فيه الإمام مالك بن أنس فإرتجت بلاد العراق وبلاد الحجاز وسائر الأمصار لموته وأقبل الناس من كل مكان للسماع من تلاميذ الإمام مالك وعندها ندم أسد بن الفرات على أنه لم يبقَ بجواره وقال أسد عن ذلك ناعيا الإمام مالك فوالله ما كان آنذاك ببلاد العراق حلقة إلا وذكر مالك فيها كلهم يقول مالك مالك وإنا لله وإنا إليه راجعون فلما رأى أسد شدة وجدهم وإجتماعهم على ذلك ذكرت الإمام مالك بن أنس لمحمد بن الحسن وهو المنظور فيهم وقلت في نفسي لأختبره ما كثرة ذكركم للإمام مالك مع أنه يخالفكم كثيرا فإلتفت إلي وقال لي إسكت كان والله أمير المؤمنين في الآثار فندم أسد على ما فاته منه وأجمع أمره على الإنتقال إلى مذهبه وقال لنفسه إن كان قد فاتني لزوم الإمام مالك بن أنس في حياته فلا يفوتني لزوم أصحابه بعد مماته وبعد ذلك إرتحل أسد بن الفرات إلى مصر وكان بها أخص تلاميذ الإمام مالك بن أنس وأكثرهم علما وورعا وتقوى والذين كان منهم عبد الله إبن وهب وعبد الرحمن بن القاسم فدخل أسد أولا على عبد الله بن وهب وعرض عليه كتبه التي كتبها على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان وطلب منه أن يجيب عليها على مذهب الإمام مالك فتورع إبن وهب عن ذلك فدخل أسد على إبن القاسم فأجابه على هذه المسائل وتفرغ له ولقنه المذهب كله بأصوله وفروعه وقال أسد عن ذلك كنت أكتب الأسئلة بالليل على قياس قول الإمام مالك وأغدو عليه بها فأسأله عنها فربما إختلفنا فتناظرنا على قياس قول الإمام مالك فيها فأرجع إلى قوله أو يرجع إلى قولي وأخيرا عاد أسد بن الفرات إلى القيروان في عام 181هجرية الموافق عام 797م بعد غياب طويل دام حوالي 20 عاما صام نهارها وأحيا ليلها بالعلم والدرس فيها ولم ينفق لحظة في راحة ولا لعب ولم يصحب فيها إلا الأئمة والعلماء وكان قد قارب الخمسين من عمره وكان خلال هذه المدة الطويلة قد خاض رحلة علمية شاقة وحافلة بالفوائد حيث تنقل فيها بين مدن مكة المكرمة والمدينة المنورة وبغداد والكوفة والفسطاط في طلب العلم ومما يذكر عن أسد في ذلك أنه لما أراد الخروج من مصر والعودة إلي القيروان دفع إليه إبن القاسم سماعه من مالك وقال له ربما أجبتك وأنا على شغل ولكن أنظر في هذا الكتاب فما خالفه مما أجبتك فيه فأسقطه وكان هذا الكتاب الشهير بإسم الأسدية والذى صار المرجع الأول للفقه المالكي ببلاد المغرب وقتها وبعودته إلي القيروان صار أسد من كبار علماء المغرب وإماما من أئمة المسلمين الذين بلغوا درجة الإجتهاد فلا يفتي إلا بعد النظر والترجيح ولا يتقيد بمذهب معين وكانت القيروان حاضرة بلاد المغرب وقتها ومنارة العلم الأولى في الشمال الأفريقي بعلم جم في الحديث والفقه بمدرستيه الأوليتين الحنفية والمالكية وجلس بجامع عقبة بن نافع وأقبل عليه الناس من كل مكان من بلاد المغرب والأندلس وإشتهر أمره وظهر علمه وإرتفع قدره وإنتشرت إمامته وجاءته الأسئلة من أقصى البلاد ليجيب عليها ومما يذكر أن أسد بن الفرات كان على عقيدة أهل السنة والجماعة وهي عقيدة السلف الصالح لذلك كان من أشد علماء المغرب على أهل البدعة ومعروفا بنشر السنة حتى خارج أفريقية وهي تونس الآن وكان يكثر من تقريع المبتدعين وقرأ يوما من سورة طه قوله سبحانه وتعالي إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَإعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ثم قال يا ويل أهل البدع يزعمون أن الله عز وجل قد خلق كلامه آمنتُ بالله عز وجل وبأنه قد كلم نبي موسى تكليما وأن الكلام غير مخلوق ولكن لا أدرى كيفيته وكان من تلاميذه في هذه الفترة سحنون بن سعيد ومعمر بن منصور وسليمان بن عمر ثم تقلد القضاء مع أبي محرز فكان أبو محرز فيه لينا وأما أسد فكان شديدا في الحق ومتمكنا من علمي الحديث والفقه وعلاوة علي ذلك لم يكن أسد بن الفرات من النوع السلبي من العلماء الذين يقبعون خلف كتبهم ومصنفاتهم ومحابرهم ولا يتحركون بعلمهم بين الناس بل كان من العلماء العاملين وأيضا من كبار المجاهدين في سبيل الله عز وجل فلقد ورث حب الجهاد عن أبيه الذى كان أمير المجاهدين في حران كما أسلفنا والذى حمل ولده الصغير أسد بن الفرات وخرج به مجاهدا في سبيل الله فشب عالما وأيضا جنديا جريئا وبحارا مغامرا حتى إنه في سن الشباب وقبل أن يقوم برحلته العلمية المشهورة كان قد إشترك في العديد من المعارك البحرية في مياه البحر المتوسط ويقول العلامة عبد الرحمن إبن خلدون إن أسد بن الفرات هو الذى إفتتح جزيرة قوصرة وهي جزيرة صغيرة تقع شرقي تونس الآن حيث كانت تونس حينذاك واقعة تحت حكم دولة الأغالبة التي إستقلت بحكم البلاد منذ عام 184هجرية الموافق عام 800م ولكنها كانت تابعة للدولة العباسية وكانت هذه الدولة في بداياتها معنية بأمر الجهاد ونشر الإسلام فإتجه ولاة هذه الدولة بأبصارهم ناحية الجزر الكبرى الواقعة في منتصف البحر الأبيض المتوسط مثل جزيرة صقلية وجزيرة كورسيكا وجزيرة سردينيا وجزيرة كريت وغيرها ولكن التركيز الأكبر كان على جزيرة صقلية .


وكانت جزيرة صقلية تعد أكبر جزر البحر المتوسط مساحة وأغناها من حيث الموارد الإقتصادية وأفضلها موقعا وكان المسلمون قد تنبهوا لأهمية هذه الجزيرة مبكرا منذ عهد الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم حيث تعرضت صقلية لغزو المسلمين زمن الخليفة عثمان بن عفان عام 31 هجرية الموافق عام 652م ولكنهم لم يستمروا بها طويلا وتركوها ثم تم فتح قرطاج بتونس حاليا مما مكن المسلمين من بناء أسطول قوى وعمل قاعدة بحرية دائمة تجعلهم يتحكمون بالطرق البحرية بالبحر الأبيض المتوسط وفي عام 80 هجرية الموافق عام 700م دخل العرب جزيرة قوصرة وكان مايحدث من غارات الأساطيل الإسلامية على صقلية حتى النصف الأول من القرن الثامن الميلادى لم يؤد إلا إلى الحصول على بعض الغنائم ولم يستقر المسلمون بهذه الجزيرة إطلاقا وبعد ذلك غزاها عبد الله بن قيس الفزارى من قبل معاوية بن حديج والي أفريقية ثم محمد بن إدريس الأنصاري أيام الخليفة الأموى يزيد بن عبد الملك فغنم منها غنائم كثيرة ثم غزاها بشر بن صفوان الكلبي والي أفريقية في عهد الخليفة الأموى هشام بن عبد الملك عام 109هجرية الموافق عام 737م ثم حاول عبيد الله بن الحبحاب الفهرى والي أفريقية إرسال قائد جيوشه حبيب بن أبي عبيدة القيام بهجوم شامل على صقلية وسردينيا وذلك عام 122هجرية الموافق عام 740م فإستولى على سراقوسة على الساحل الشرقي للجزيرة ولكن بسبب الفتن الداخلية فقد حالت دون إكمال محاولة غزو صقلية ومن ثم تهيأت الفرصة للبيزنطيين تحصين الجزيرة وإعداد أسطول لحمايتها فلم تتعرض الجزيرة لهجمات المسلمين فترة تزيد عن 50 عاما ولكن صارت هناك إتفاقيات تجارية ما بين المسلمين والبيزنطيين والسماح لهم بإستخدام الموانئ الصقلية وفي هذه الفترة وقعت العديد من الإضطرابات بجزيرة صقلية حيث وقع نزاع على حكم الجزيرة بين رجلين أحدهما إسمه يوفيميوس وتسميه المراجع العربية فيمي والآخر إسمه بلاتريوس وتسميه المراجع العربية بلاطة وحدث أن إنتصر بلاطة على فيمي الذى فر هاربا إلى أفريقية في عام 212هجرية الموافق عام 827م وإستغاث بزيادة الله بن الأغلب حاكم أفريقية وطلب منه العون في إستعادة حكمه على الجزيرة فرأى زيادة الله فيها فرصة سانحة لفتح الجزيرة فإستنفر الناس للجهاد وفتحِ صقلية فهرعوا لتلبية النداء وجمعت السفن من مختلف السواحل وبحث إبن الأغلب عمن يجعله أميرا لتلك الحملة البحرية الكبيرة فلم يجد خير ولا أفضل من البطل المقدام أسد بن الفرات وذلك على الرغم من كبر سنه في هذه الفترة حيث كان قد بلغ من العمر 70 عاما وكان هذا الإختيار دليلا على فورة المشاعر الإسلامية في هذه الفترة والأثر الكبير لعلماء الدين الربانيين على الشعب المسلم وكان أسد بن الفرات قد طلب أن يكون مع المجاهدين في هذه الحرب كجندى ضد الروم في جزيرة صقلية فأبى الأمير زيادة الله خوفا عليه فألح أسد في طلبه وقال وجدتم من يسير لكم المراكب من النوتية أى الملاحين وما أحوجكم إلى من يسيرها لكم بالكتاب والسنة وكان يريد أن يكون جنديا متطوعا كما أسلفنا ولا يريد الإمارة فلما أعطيها تألم وقال للأمير أبعد القضاء والنظر في الحلال والحرام تعزلني وتوليني الإمارة فقال الأمير له ما عزلتك عن القضاء ولكن أضفت إليك الإمارة فأنت قاض وأمير وكان أول من جمع له المنصبين ولما تجهز الجيش إجتمع الناس لوداعه فقال أسد بن الفرات للناس والله يا معشر الناس ما ولي لي أب ولا جد ولاية قط وما رأى أحد من أسلافي مثل هذا قط وما بلغته إلا بالعلم فعليكم بالعلم أتعبوا فيه أذهانكم وكدوا به أجسادكم تبلغوا به الدنيا والآخرة وحقا كان أسد بن الفرات عالما بمعاني ومقتضيات آيات النفرة في سبيل الله ودور العلماء في ذلك وأيضا كان يكره الشهرة والرياء وكان هذا هو السبب في أن إبن الأغلب قد أصر على أن يتولى أسد بن الفرات قيادة هذه الحملة العسكرية وأن يكون أيضا قاضيا لها أى أنه جمع له القيادة الميدانية والقيادة الروحية نظرا لعلمه بمكانته وأثره في الناس وحبهم له .

وخرج القائد المسلم أسد بن الفرات رحمه الله من مدينة القيروان في حملة عسكرية كبيرة قوامها عشرة آلاف من المجاهدين المشاة وسبعمائة فارس بخيولهم في أكثر من مائة سفينة كبيرة وصغيرة خرجت من ميناء سوسة على البحر المتوسط بتونس حاليا وسط جمع عظيم من أهل البلد الذين خرجوا لتوديع الحملة المجاهدة وقد تحرك الأسطول الإسلامي يوم السبت 15 ربيع الأول عام 212 هجرية الموافق يوم 13 يونيو عام 827م متجها إلى جنوبي جزيرة صقلية وبالفعل وصلت الأساطيل المسلمة إلى بلدة مازر في طرف الجزيرة الغربي بعد 3 أيام من الإبحار أي يوم الثلاثاء 18 ربيع الأول عام 212 هجرية الموافق يوم 16 يونيو عام 827م ونفذ أسد بن الفرات على رأس جنده إلى شرقي الجزيرة وهناك وجد قوة رومية بقيادة الثائر فيمي الذي طلب مساعدة إبن الأغلب لإستعادة حكمه على الجزيرة وعرض فيمى على أسد بن الفرات الإشتراك معه في القتال ضد أهل صقلية ولكن القائد المسلم العالم بأحكام شريعته المتوكل على الله عز وجل وحده رفض الإستعانة بالمشركين تأسيا بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الذى رفض الإستعانة باليهود يوم أحد وإستولَّى أسد على العديد من القلاع أثناء سيره مثل قلعة بلوط والدب والطواويس حتى وصل إلى أرض المعركة عند سهل بلاطة نسبة إلى حاكم صقلية وعندها أقبل بلاطة في جيش عدته مائة ألف مقاتل أى عشرة أضعاف الجيش المسلم وعندها قام القائد أسد بن الفرات في الناس خطيبا فَذَكرهم بالجنة وموعود الله عز وجل لهم بالنصر والغلبة وهو يحمل اللواء في يده ثم أخذ يتلو آيات من القرآن الكريم ثم إندفع للقتال وإلتحم مع الجيش الصقلي الجرار وإندفع المسلمون من ورائه ودارت معركة طاحنة لم يسمع خلالها سوى صوت قعقعة السيوف وصهيل الخيول والتكبير الذى يخترق عنان السماء والأسد العجوز أسد بن الفرات الذى كان قد تجاوز السبعين من عمره يقاتل قتال الأبطال الشجعان حتى أن الدماء كانت تجري على درعه ورمحه من شدة القتال وكثرة من قتلهم بنفسه وهو يقرأ القرآن الكريم ويحمس الناس وتمادت عزائم المسلمين حتى هزموا الجيش الصقلي شر هزيمة وفر بلاطة من أرض المعركة وإنسحب إلى مدينة قَصريانة ثم غلبه الخوف من لقاء المسلمين ففر إلى إيطاليا وهناك قتل على يد بني دينه بسبب جبنه وإحجامه عن قتال المسلمين وبعد هذا الإنتصار الحاسم واصل أسد بن الفرات زحفه حتى وصل إلى مدينة سراقوسة ومدينة باليرمو العاصمة الحالية للجزيرة فشدد عليها الحصار وجاءته الإمدادات من تونس فإستطاع أن يحرق الأسطول البيزنطي الذي جاء لنجدة الجزيرة وأوشكت مدينة باليرموعلى السقوط لكن حدث ما لم يكن في الحسبان حيث حل بالمسلمين وباء شديد فتاك أغلب الظن أنه كان وباء الكوليرا أو الجدرى فهلك بسببه عدد كبير من المسلمين كان في مقَدمتهم القائد الشجاع المقدام أسد بن الفرات فلاقى الموت مرابطا مجاهدا في سبيل الله بعيدا عن أهله وبيته وحلقات دروس العلم مجافيا لفراشه وداره مؤثرا مرضاة ربه ونصرة دينه وذلك في شهر شعبان عام 213 هجرية الموافق شهر أكتوبر عام 828م ودفن بمدينة قصريانة وهكذا جمع الفقيه والقائد أسد بن الفرات بين صفات وخصال الخير كلها من علم وتقوى وورع وجهاد وشهادة فيا ليت علماء الأمة الإسلامية يتعلمون شيئا من سيرة هذا البطل العظيم والذى سقط للأسف الشديد من ذاكرة المسلمين الآن وتكريما وإحياءا لذكرى هذا الفقيه والقائد المسلم العظيم فقد تم إطلاق إسمه علي مسجد كبير بشارع التحرير بمحافظة الجيزة بجمهورية مصر العربية وأيضا علي بعض المدارس الإبتدائية والثانوية بتونس وسوريا والمملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية .

وكان لأسد بن الفرات إبنة وحيدة هي أسماء بنت أسد بن الفرات والتي نشأت بين يدى أبيها فأحسن تهذيبها وتأديبها فكان يعلمها القرآن الكريم والحديث والفقه ومن ثم فقد حفظت القرآن وروت الحديث فكانت بذلك من النساء الرائدات في زمانها في الفقه والحديث والحكمة وكانت تحضر بإستمرار في مجالس والدها العلمية في داره وتشارك في السؤال والمناظرة حتى إشتهرت بالفضيلة ورواية الحديث والفقه وتفتق ذهنها عن كثير من الحكمة وكانت مثالا رائعا وحيا عما كانت عليه المرأة من كمال العقل وجلال الشخصية في العصور الأولى للإسلام ولما تقلد والدها أسد بن الفرات إمارة الجيش المعد لفتح جزيرة صقلية على عهد زيادة الله الأول وهرع الناس لتوديعه وقد نشرت البنود والألوية وضربت الطبول والأبواق خرجت أسماء لوداع أبيها وأوصلته إلى سوسة حتى ركب الجنود الأساطيل العربية وبقيت معه إلى أن غادرت السفن المرسى بإتجاه الجزيرة المذكورة ولما أتاح الله للقاضي الأمير أسد بن الفرات النصر الكبير والفتح المبين في قلاع تلك الجزيرة وحصونها مما خلد له في التاريخ أعظم فخر وأشرف ذكر ثم أكرمه الله تعالى بالشهادة وهو محاصر لمدينة سراقوسة بصقلية واللواء بيده اليسرى والسيف مسلول باليمنى وهو يتلو قول الله تعالى إذا جاء نصر الله والفتح وبعد وفاته تزوجت أسماء بأحد تلاميذ أبيها وهو محمد بن أبي الجواد الذى خلف أستـاذه في خطة القضاء وتولى رئاسة المشيخة الحنفية بالبلاد الأفريقية عام 225هجرية الموافق عام 840م ثم تخلى عن القضاء ولحقته محنة من خليفته إذ إتهمه بمال الودائع وسجنه وبينما إبن الجواد في محبسه إذ جاءت زوجته أسماء للقاضي الجديد وقالت له أنا أهبه هذا المال المزعوم يقضيه عن نفسه فقال القاضي إن أقر أن ذلك هو المال أو بدل منه أطلقته فإمتنع إبن أبي الجواد من الإعتراف وأبى القاضي إطلاقه ثم بعد حين عزل ذلك القاضي وعاد زوج أسماء بنت أسد بن الفرات إلى منصبه الأول ولم يؤاخذ سلفه بما فعل معه منة منه وتكرما ولم تزل أسماء الأسدية معظمة ومعززة ومكرمة عند الخاص والعام من بيئة عصرها إلى أن توفّيت في حدود عام 250 هجرية الموافق عام 864م رحمها الله تعالى رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته ومما يذكر أن الكاتب محمد خير يوسف مؤلف كتاب فقيهات عالمات الذي ترجم لسيرة أسماء بنت أسد بن الفرات قال عنها في هذا الكتاب كانت أسماء القيروانية من النساء اللائي زينهن الله بالعلم وجملهن بالفقه في دينه العظيم فكانت من الأقمار التي زينت صفحة الزمان ومن النجوم التي تلألأت في كبد السماء ومن المنارات المشعة التي يهتدى بها ومن الحصون المنيعة من العلم التي يلجأ إليها .

 
 
الصور :