الخميس, 5 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

عروة بن الزبير بن العوام

 عروة بن الزبير بن العوام
عدد : 12-2022
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”

أبو عبد الله عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدى تابعي ومحدث ومؤرخ مسلم وأحد المكثرين في الرواية عن خالته السيدة أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق زوجة النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم والتي لزمها وظل إلي جوارها حتي قبل وفاتها بثلاث سنوات وتعلم منها الكثير من سنن النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم ونقلها إلينا وكان من الأوائل الذين سعوا إلى تدوين الحديث النبوى الشريف كما كان له مساهمات رائدة في تدوين مقتطفات من بدايات التاريخ الإسلامي إعتمد عليها من جاء بعده من المؤرخين والباحثين المسلمين كما عرف عنه أنه كان من أروى الناس للشعر وهو ينتسب إلي أسرة من سادات المسلمين في صدر الإسلام فهو إبن حوارى الرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم الصحابي الجليل وأحد العشرة المبشرين الجنة الزبير بن العوام بن خويلد رضي الله عنه إبن الصحابية الجليلة السيدة صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها عمة النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم وإبن شقيق أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد بن أسد رضي الله عنها أولي زوجات النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم وأمه هي السيدة أسماء بنت خليفة المسلمين الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنهما الملقبة بذات النطاقين وصاحبة الدور الكبير أثناء هجرة النبي بصحبة أبيها من مكة المكرمة إلي المدينة المنورة حيث كانت تحمل لهما الماء والطعام وتنقل إليهما أخبار مكة أثناء تخفيهما بغار ثور بعيدا عن أعين مشركي مكة كما كان عروة بن الزبير هو الأخ الأصغر لعبد الله بن الزبير بن العوام أول مولود من المهاجرين بالمدينة المنورة وفارس الإسلام الكبير المغوار صاحب البطولات الكبيرة في فتوحات أفريقية وهي تونس حاليا في عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان والذى لم يبايع الخليفة الأموى الثاني يزيد بن معاوية بن أبي سفيان علي الخلافة بعد وفاة أبيه في عام 60 هجرية الموافق عام 680م ثم تصارع علي الخلافة والحكم مع عبد الملك بن مروان الخليفة الأموى الخامس بعد توليه الخلافة في عام 65 هجرية الموافق عام 685م وبايعه أهل الحجاز والعراق بينما بايع عبد الملك بن مروان أهل الشام ومصر وإستمر الصراع بينهما حتي مقتله في مكة المكرمة في عام 73 هجرية الموافق عام 692م وفضلا عن ذلك كان عروة بن الزبير أحد فقهاء المدينة السبعة الذين كانوا من كبار التابعين وهم الذين كان قد إنتهى إليهم العلم والفتوى في المدينة المنورة ويسمون بالفقهاء السبعة وهم من إتخذهم عمر بن عبد العزيز بن مروان والذى أصبح فيما بعد الخليفة الأموى الثامن مستشارين له فيما يعرض عليه من قضايا وأمور عندما كان واليا على المدينة المنورة من عام 87 هجرية حتي عام 92 هجرية خلال عهد الخليفة الأموى السادس الوليد بن عبد الملك بن مروان وقد ذكرهم إبن القيم في كتابه أعلام الموقعين فقال عنهم كان المفتون بالمدينة سبعة من كبار التابعين هم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وخارجة بن زيد وسليمان بن يسار وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام .

وكان ميلاد عروة بن الزبير بن العوام بالمدينة المنورة في عام 23 هجرية الموافق عام 644م في أواخر عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب ونشأ بالمدينة وأدرك عددا كبيرا من الصحابة الكرام الذين عاصروا النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم فتفقه على أيديهم حيث كان عروة يستهدف طلب العلم منذ صغره ولا يشغله عن ذلك شاغل وقال عنه إبن سعد كان ثقة كثير الحديث فقيها عالما مأموما ثابتا وعرف عنه الإكثار من قراءة القرآن الكريم حتى أنه كان يقرأ كل يوم ربع القرآن ويقوم به الليل كما أنه كان يكثر من الصيام ومات وهو صائم كما كان عروة كثير التعبد وحدث أن إجتمع أمام الكعبة في حجر إسماعيل الأخوة الثلاثة مصعب وعبد الله وعروة أبناء الزبير وعبد الله بن عمر فقالوا لبعضهم تمنوا فقال عبد الله بن الزبير أما أنا فأتمنى الخلافة وقال مصعب أما أنا فأتمنى إمارة العراق والجمع بين عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين وأما عبد الله بن عمر فقال أتمنى المغفرة أما عروة فقد سكت ولم يقل شيئا فإلتفتوا إليه وقالوا وأنت ماذا تتمنى يا عروة فرد قائلا بارك الله لكم فيما تمنيْتم من أمر دنياكم أما أنا فأتمنى أن أكون عالما عاملا يأخذ الناس عني كتاب ربهم وسنة نبيهم وأحكام دينهم وأن أفوز في الآخرة برضا الله عز وجل وأن أحظى بجنته وفي صغره حاول عروة الإلتحاق بجيش أبيه الزبير وطلحة بن عبيد الله الذى شارك في موقعة الجمل ضد أنصار الإمام علي بن أبي طالب والتي وقعت بالبصرة ببلاد العراق في أواخر عام 36 هجرية الموافق أواخر عام 656م إلا أنه تم رده نظرا لصغر سنه حيث كان لم يكمل من العمر 14 عاما وبعد ذلك آثر إعتزال الفتن التي وقعت على الخلافة والسلطة والحكم في حياته في البداية بين الإمام علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان ثم بين أخيه عبد الله بن الزبير بن العوام والأمويين فلم يدخل في أى من تلك الفتن بل وظن أن تلك الفتن قد تجلب الشر والأذى والضرر للمسلمين ومن ثم رأى إعتزالها حيث روى عنه إنه يجلس كل ليلة مع علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب في مؤخرة المسجد النبوى الشريف بعد صلاة العشاء وفي إحدى الليالي تحدثا عن جور من جار من بني أمية ومن ناصروهم وأنهما لا يستطيعان تغيير ذلك ثم ذكرا ما يخافان من عقوبة الله لهم فقال عروة لعلي يا علي إن من إعتزل أهل الجور والله يعلم منه سخطه لأعمالهم فإن كان منهم على ميل ثم أصابتهم عقوبة الله رجي له أن يسلم مما أصابهم فخرج عروة فسكن وادى العقيق الذى يقع بجوار المدينة المنورة حيث إبتنى هناك منزلا ما زالت بعض آثاره باقية إلى اليوم كما حفر بئرا بالمدينة عرفت ببئر عروة بن الزبير وصفها الذهبي قائلا ما كان بالمدينة المنورة بئرا أعذب من مائها غير أن عروة أقام بمكة المكرمة 9 سنوات خلال إعلان أخيه عبد الله خليفة للمسلمين وصراعه مع الخليفة الأموى الخامس عبد الملك بن مروان وذلك منذ أوائل عام 65 هجرية وحتي إنتهاء الصراع المشار إليه ومقتل أخيه في أواخر عام 73 هجرية ولكن دون مشاركة منه في الأحداث بل ولم يشتغل خلال هذه الفترة بولاية أو قضاء .


وقد جعلت ملازمة عروة بن الزبير لخالته أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق وروايته عن بعض أمهات المؤمنين كأم سلمة وأم حبيبة وإدراكه لبعض الصحابة الكرام الذين شهدوا الغزوات والأحداث التي عاصرت بدايات الإسلام أن أصبح عروة العمدة الذي إعتمد عليه كثير ممن جاء بعده من المؤرخين للسيرة النبوية المشرفة والغزوات وهو الباب الذى سماه المسلمون قديما المغازى والسير ولذا فقد إشتهر عروة في عصره بسعة علمه بحوادث تلك الفترة مما دعا معاصريه من الخلفاء مثل عبد الملك بن مروان وإبنه الوليد إلى مراسلته لسؤاله عن بعض الحوادث التاريخية وكان عبد الملك بن مروان يقول من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى عروة بن الزبير وقد روى أن عمر بن عبد العزيز قال ما أجد أعلم من عروة بن الزبير وما أعلمه يعلم شيئا أجهله وقال الزهرى عنه جالست الإمام سعيد بن المسيب سبع سنين لا أرى أن عالما غيره ثم تحولت إلى عروة بن الزبير فإكتشفت فيه أنه بحر من بحور العلم وقال أيضا كان عروة بن الزبير بحرا لا يكدره الدلاء وقال أبو الزناد فقهاء المدينة أربعة هم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وقبيصة بن ذؤيب وعبد الملك بن مروان وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي العلم لواحد من ثلاثة لذى حسب يزينه به أو ذى دين يسوس به دينه أو مختبط سلطانا يتحفه بعلمه ولا أعلم أحدا أشرط لهذه الصفات والخلال من عروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز وقال العجلي عروة بن الزبير تابعي ثقة ورجل صالح لم يدخل في شئ من الفتن وقد عرف عن عروة بن الزبير أنه كان من أسخياء الناس بل كان أسخاهم يدا سمحا فيما يعطيه للناس ومما أثر عن جوده أنه كان له بستان من أعظم بساتين المدينة عذب المياه ظليل الأشجار باسق النخيل وكان يسور بستانه طوال العام لحماية أشجاره من أذى الماشية وعبث الصبية حتى إذا آن أوان الرطب وأينعت الثمار وطابت وإشتهتها النفوس كسر حائط بستانه في أكثر من جهة ليجيز للناس دخوله فكانوا يدخلونه ويأكلون من ثمره ما لذ لهم الأكل ويحملون منه ما طاب لهم الحمل وكان إذا دخل بستانه يردد قوله سبحانه تعالى من سورة الكهف وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا ولكل هذه الخلال والصفات التي تميز بها عروة بن الزبير رضي الله عنه فقد لقي من أهل عصره الكثير من التقدير والإحترام وذلك لما كان عليه من علم وعمل وتقوى وإيمان ومن ثم كانوا يحيطونه بالكثير من المدح والثناء .

وبالإضافة إلى كل ما سبق فقد حدث عروة بن الزبير بعض طلابه ببعض الحوادث التاريخية التي إرتبطت بعضها بتفسير وتوضيح بعض الآيات القرآنية والتي تناقلها عنه طلبته وإنساقت في كتب التاريخ لذا إعتبره الواقدى أول من صنف في باب المغازى ولم يكن ما جمعه عروة بن الزبير من الحوادث التاريخية تأريخا بمعناه المعاصر الحديث وإنما كان في صيغة روايات كروايات الحديث النبوى الشريف وقد نقلها عنه الكثير من المحدثين كان من أبرزهم إبنه هشام بن عروة بن الزبير وأبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي الذى نزل مصر وحدث بها بكتاب المغازى لعروة بن الزبير بن العوام وإبن شهاب الزهرى وتعد أشهر روايات مغازى عروة بن الزبير عن طريق رواية عبد الله بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير بن العوام ورواية الزهرى عن عروة وقد حفظ عبد الرزاق الصنعاني في كتابه المصنف في باب كتاب المغازى نسخة من مرويات معمر بن راشد عن الزهرى عن مغازى عروة بن الزبير وقد قطعها أبوابا بحسب الوقائع وحديثا بعض الجهود الحديثة لإستخلاص مغازى عروة بن الزبير حيث قام محمد مصطفى الأعظمي بإستخراج ما روى عن عروة في المغازى من طريق أبي الأسود فقط فوجدها تغطي فترة طويلة من حياة النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم منذ بداية نزول الوحي عليه في غار حراء بمكة المكرمة حتى وفاته وطبعت في العاصمة السعودية الرياض عام 1401 هجرية الموافق عام 1981م بإسم مغازى رسول الله صلي الله عليه وسلم لعروة بن الزبير برواية أبي الأسود عنه كما حصر المؤرخ عبد العزيز الدوري في كتابه نشأة علم التاريخ عند العرب الأحداث التاريخية التي نقلها المؤرخون عن عروة فوجدها تشمل حياة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في الفترة المكية وما ورد فيها من الإرهاصات التي سبقت نزول الوحي ومن أمثلتها تعبد الرسول صلى الله عليه وسلم في غار حراء وحادثة شق صدره عليه السلام ثم بدايات بعثة النبي محمد صلي الله عليه وسلم والهجرة إلى الحبشة وسبل مقاومة قريش لدعوة النبي محمد في مكة المكرمة والهجرة النبوية وماتلاها من أحداث كثيرة حصلت في الفترة المدنية منها قصة إصابة بعض المسلمين بالحمى وذلك بعد وصولهم إلى المدينة المنورة لإختلاف مناخها عن مكة المكرمة ودعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه بأن تدخل المدينة المنورة قلوبهم وسرية عبد الله بن جحش في شهر رجب في العام الثاني للهجرة وغزوة بدر الكبرى وإجلاء بني قينقاع عن المدينة في شهر رمضان في العام الثاني للهجرة وغزوة أحد وإجلاء بني النضير عن المدينة في شهر شوال في العام الثالث للهجرة وغزوة الخندق وغزوة بني قريظة وغزوة بني المصطلق وصلح الحديبية في السنة الخامسة للهجرة وغزوة مؤتة في شهر جمادى الأولي في العام الثامن للهجرة وفتح مكة في شهر رمضان في العام الثامن للهجرة وغزوة حنين وغزوة الطائف في شهر شوال في العام الثامن للهجرة وغزوة تبوك في العام التاسع للهجرة وبعض رسائل النبي محمد صلي الله عليه وسلم إلى كبار رجال قبائل الجزيرة العربية ثم وفاته وذلك بالإضافة إلي وفاة أولي أمهات المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد وزواج النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم من السيدة أم المؤمنين عائشة وبعض أحداث فترة الخلفاء الراشدين كإنفاذ بعث أسامة بن زيد في أوائل عهد الخليفة أبي بكر الصديق وتجهيز جيوش حروب الردة ومطالبة العباس بن عبد المطلب عم الرسول وإبنته السيدة فاطمة الزهراء من الخليفة أبي بكر ميراثهما من النبي محمد ورد أبي بكر الصديق عليهما بأنه سمع النبي يقول نحن معشر الأنبياء لا نورث ثم مرض أبي بكر ووفاته وذهاب عمر بن الخطاب لبيت المقدس وأحداث موقعة الجمل .

وقد تعرض عروة بن الزبير قبل نهاية حياته لإبتلاء شديد وقد إختص الله سبحانه وتعالى عباده المخلصين بالإبتلاء وعن النبي صلى الله عليه وسلم فيما ورد عن مصعب بن سعد عن أَبيه قال قلت يا رسول اللَّه أَى الناس أَشد بلاءا قال الأَنبياء ثم الأَمثل فالأَمثل فيبتلي الرجل علي حسب دينه فإن كان دينه صلبا إشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة إبتلي علي حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتي يتركه يمشي علي الأرض ما عليه خطيئة والبلاء في هذا الحديث عام يشمل كل أنواع البلاء فيشمل الإبتلاء بالسراء والضراء والإبتلاء بالمرض والطاعون ويشمل الإبتلاء بالحروب والفتن والإضطرابات ويشمل الإبتلاء بتولي المسؤوليات كما يشمل الإبتلاء بكثرة الفرق والبدع والضلالات وكثرة الشهوات والفجور وإنتشار الفساد في الأرض ونحو ذلك فليس البلاء إذن مقصورا على المرض أو الفقر أو نحو ذلك وقد قال الله تعالى في سورة الأنبياء وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ وحدث أن طلب الخليفة الأموى السادس الوليد بن عبد الملك عروة بن الزبير لزيارته في دمشق مقر الخلافة الأموية فتجهز عروة للسفر من المدينة المنورة إلى دمشق وإستعان بالله وأخذ إبنه محمد معه وكان أحب أبناؤه السبعة إليه وتوجه إلى الشام فأصيب في الطريق بمرض في قدمه أخذ يشتد ويشتد حتى أنه دخل دمشق محمولا لم يعد لديه قدرة على المشي فإنزعج الخليفة حينما رأى عروة بن الزبير يدخل عليه دمشق بهذه الصورة فجمع له أمهر الأطباء لمعالجته فإجتمع الأطباء وقرروا أن به الآكلة وهي ما يسمى في عصرنا هذا بالغرغرينا وليس هناك من علاج إلا بتر رجله من الساق فأخبر الخليفةُ عروةَ بقرار الأطباء فلم يزد على أن قال اللهم لك الحمد وإجتمع الأطباء على عروة وقالوا إشرب المرقد فلم يفعل وكره أن يفقد عضوا من جسمه دون أن يشعر به فقالوا له إذن فإشرب كاساً من الخمر حتى تفقد شعورك فأبى مستنكرا ذلك وقال كيف أشربها وقد حرمها الله في كتابه العزيز فقالوا له فكيف نفعل بك إذن فقال دعوني أصلي فإذا أنا قمت للصلاة فشأنكم وما تريدون وقد كان رحمه الله إذا قام يصلي سها عن كل ما حوله وتعلق قلبه بالله تعالى وبالفعل قام يصلي وتركوه حتى سجد فكشفوا عن ساقه وأعملوا مباضعهم في اللحم حتى وصلوا العظم فأخذوا المنشار وأعملوه في العظم حتى بتروا ساقه وفصلوها عن جسده وهو ساجد لم يحرك ساكنا وكان نزيف الدم غزيرا فأحضروا الزيت المغلي وسكبوه على ساقه ليقف نزيف الدم فلم يحتمل حرارة الزيت فأغمي عليه وبعد أن أفاق عروة أتى الخبر من خارج قصر الخلافة أن محمد بن عروة كان يشاهد خيول الخليفة وقد رفسه أحد الخيول فقضى عليه وصعدت روحه إلى بارئها فإغتم الخليفة كثيرا من هذه الأحداث المتتابعة على ضيفه وإحتار كيف يوصل له الخبر المؤلم بموت أحب أبنائه إليه بعد أن بترت ساقه وترك الخليفة عروة بن الزبير حتى أفاق ثم إقترب منه وقال أحسن الله عزاءك في رجلك فقال عروة اللهم لك الحمد وإنا لله وإنا إليه راجعون فقال الخليفة وأحسن الله عزاءك في إبنك فقال عروة والله لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا اللهم لك الحمد وإنا لله وإنا إليه راجعون أعطاني سبعة وأخذ واحدا وأعطاني أربعة أطراف وأخذ واحدا إن إبتلى فطالما عافا وإن أخذ فطالما أعطى وإني أسأل الله أن يجمعني بهما في الجنة ثم قدموا له طستا فيه ساقه وقدمه المبتورة فقال إن الله يعلم أني ما مشيت بك إلى معصية قط وأنا أعلم .

وقد ذكرنا في السطور السابقة أن عروة بن الزبير قد سكن في وادى العقيق الذى يقع غرب المدينة المنورة على إمتداد الطريق المؤدى إلى مسجد ذى الحليفة أو أبيار علي وهو ميقات أهل المدينة المنورة ويبعد عن المسجد النبوى الشريف حوالى 3.5 كم ويبلغ طول هذا الوادى 80 كم ويتراوح عمق مجراه بين 10 إلي 100 م بعرض يتراوح بين 100 م وبين 150 م وهو يعتبر مصرفا طبيعيا لمياه السيول والأمطار لمساحة تقدر بحوالي 4 آلاف كيلو متر مربع حيث تصب فيه روافد طبيعية من الأودية تزيد على 40 واديا ومما يذكر أنه في العصر العثماني كان خط سكة حديد الحجاز يمر على جسر يصل ضفتي هذا الوادى كما يقع على هذا الوادى سد عروة وسد الغابة وقد إبنتي عروة بن الزبير فيه منزلا يطلق عليه أحيانا إسم قصر عروة بن الزبير وهو يقع على ضفاف وادى العقيق وقد قام عروة بن الزبير ببنائه عندما علم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون في أمتي خسف وقذف وذلك عند ظهور عمل قوم لوط فيهم فقال آنذاك فبلغني أنه قد ظهر ذلك فتنحيت عن المدينة وخشيت أن يقع وأنا بها فنزلت العقيق وولي عروة عمر بن عبد الله بن عروة ببناء هذا القصر وقال له أنفق ولا تحسب فو الله لأبنيه بناءا لا يبلغونه إلا بشق الأنفس ثم قال بنيناه فأحسنا البناء بحمد الله في خير وادى العقيق يراه كل مرتفق وعندما إنتقل عروة للإقامة في قصره قال له الناس جفوت مسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال رأيت مساجدهم لاهية وأسواقهم لاغية والفاحشة في فجاجهم عالية فكان فيما هنالك عما هم فيه عافية وقد أقام فيه أيضا إبنه عبد الله بن عروة فقيل له لم تركت المدينة فقال لأني كنت بين رجلين حاسد على نعمة وشامت بنكبة هذا ومازالت بعض مباني هذا القصر قائمة حتى الآن وقد كشفت عملية التنقيب التي أجرتها وزارة السياحة السعودية عن أساسات هذا القصر كما كشفت أنه كان يحتوى على ثلاثة أفنية بمساحات مختلفة فناءان يطل على كل منهما ثلاث غرف أما الفناء الثالث فتفتح عليه غرفتان ومطبخ ويبلغ متوسط مساحات هذه الغرف 2,20 م في 3,70 م أما جدران القصر فبنيت بالحجارة بسمك 50 سم على بعضها طلاء من الطين وأخرى من الجص بينما الأرضيات مدكوكة بالحصى وعليها طبقة من الطين والجص إضافة إلى وجود بلاط من الأجر وعتبات مشذبة من الحجر البركاني وبالإضافة إلي ذلك يحتوي القصر على بئر حفرها عروة بن الزبير بعد أن شيد قصره وإستصلح ما حوله من أراض وعرفت هذه البئر بإسم بئر عروة وقد وصفها الذهبي كما أسلفنا قائلا ما كان بالمدينة المنورة بئرا ماؤها أعذب من ماء بئر عروة وقام عروة بن الزبير أيضا بحفر بئرين آخرين هما بئر العسيلة وبئر السقاية في ضفة الوادى ولا تزال بئرا القصر والسقاية موجودتين إلى اليوم كما أدت التنقيبات الأثرية بموقع القصر إلي العثور علي آثار متنوعة من الفخار والزجاج والأدوات الحجرية وأواني الحجر الصابوني منها كميات من الجرار والقدور والأزيار والأباريق والأواني الصغيرة كالأكواب والصحون المصنوعة كلها من الفخار بالإضافة إلي بقايا أواني خزفية ذات بريق معدني وعلي كسر من الفخار المزجج يحمل زخارف ذات ألوان متعددة على أبدانها بما يمثل تطورا في صناعة الخزف الإسلامي خلال القرنين الأول والثاني الهجريين كما تم العثور أيضا علي مجموعة من الأدوات الحجرية المكتملة وشبه المكتملة وأجزاء من أوان حجرية منها قواعد لآنية ورحى من الحجر البركاني وأخيرا كانت وفاة عروة بن الزبير علي الأرجح في عام 94 هجرية بمنزل له علي مقربة من مكة المكرمة ودفن هناك وقد أطلق الواقدى علي هذا العام عام الفقهاء حيث توفي خلالها عدد من فقهاء التابعين منهم سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعلي زين العابدين .
 
 
الصور :
منزل عروة بن الزبير بالمدينة المنورة