السبت , 7 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

السلطان الملك الظاهر بيبرس البندقداري
(658-676هـ / 1260-1277م)

السلطان الملك الظاهر بيبرس البندقداري 
(658-676هـ / 1260-1277م)
عدد : 01-2023
بقلم دكتور/ عمرو الشحات


كانت معركة المنصورة ضد جيوش الحملة الصليبية السابعة بمثابة ميلاد لدولة سلاطين المماليك, حيث برزت خلال هذه المعركة قوة جديدة أثبتت قدرتها على التصدي للصليبيين وقيادة المنطقة العربية الإسلامية في مواجهتهم, هذه القوة هي فرسان المماليك.
فقد جاءت الدولة المملوكية امتداداً للدولة الأيوبية في بنائها وطبيعتها العسكرية وأيضا الأسس الاقتصادية التي قامت عليها.

وكانت أحداث الحملة الصليبية السابعة التي انتهت سنة 648هـ\250م, وما حققه فرسان المماليك البحرية من انتصار مثل فارس الدين أقطاي, وعز الدين أيبك, وركن الدين بيبرس البندقداري .. وغيرهم هي البداية الحقيقية لدولة المماليك.

“من قتل السلطان؟
فقال بيبرس: أنا قتلته

فقال الأمير أقطاي: يا خوند اجلس في مرتبة السلطنة مكانه.

بعد مقتل السلطان سيف الدين قطز اتفق الأمراء على الأمير بيبرس فعينوه سلطاناً عليهم وحلف له الجند وبايعه الأمراء وركب بيبرس في موكب النصر الذي كان معداً للسلطان قطز, ودخل القاهرة وصعد القلعة وتسلمها وفى اليوم التالي نودي في القاهرة أن ترحموا على الملك المظفر قطز وادعوا لسلطانكم الملك القاهر ركن الدين بيبرس ثم تلقب بالملك الظاهر.

وقد تمتعت الدولة المملوكية في عهد الظاهر بيبرس بجبهة داخلية قوية ومتماسكة تميزت بالأمن والاستقرار والقدرة على صد الأخطار الخارجية المحيطة بدولته وحماية العالم الإسلامي، وذلك بفضل نجاح سياسته الداخلية التي قام برسمها وتحديد أبعادها منذ اليوم الأول لتوليه الحكم.

فعمل على توحيد الجبهة الداخلية في المنطقة العربية الإسلامية وتوطيد الأمن وتثبيت أقدامهم في السلطة وإعطاء دولته صفة الشرعية وبالتالي ضمان استقرارها وبقائها بالإضافة إلى تحصين الدولة عسكرياً.

ولما كان وصول الظاهر بيبرس إلى السلطة لم يرضِ عامة الناس فقد سارع إلى اتخاذ أفضل الحلول والوسائل السلمية لتهدئة مخاوف الشعب وبث عوامل المحبة والثقة في نفوسهم له ولدولته، فلجأ إلى تخفيف الضرائب وإلغاء الكثير منها وقام بالعفو عن السجناء السياسيين والإفراج عنهم وكان من بينهم الملك المنصور علي وأمه وأخوه، وقام بإحضار المماليك البحرية الذين تفرقوا ببلاد الشام حيث جعلهم حرسه الخاص ورصد الرواتب لهم ولأهالي المتوفين منهم.

أما بالنسبة لكبار رجال الدولة والأمراء في القاهرة فقد حرص كل الحرص على إرضائهم واستقطابهم حوله ليحول بينهم وبين تدبير المؤامرات وليدعموا حكمه، فكان لكل هذه الإجراءات عظيم الأثر في نفوس العامة والخاصة واستطاع بفضلها أن ينال محبتهم وثقتهم وكان ذلك من أهم العوامل التي ساعدت على استقرار الأحوال في الدولة علي الصعيد الداخلي.

ولما كان مبدأ “الحكم لمن غلب” هو الذي جاء بالظاهر بيبرس إلى الحكم يحرك الطامعين في العرش، لذلك عانى في بداية حكمه من هذا المبدأ حيث ظهرت بعض الحركات الداخلية المعارضة لحكمة في كل من بلاد الشام ومصر كانت أولها: ثورة الأمير سنجر الحلبي نائب سلطنة دمشق الذي استاء لمقتل قطز ورفض الاعتراف بسلطنة بيبرس وأعلن نفسه سلطاناً في دمشق وتلقب بالملك المجاهد وخطب له على المنابر وضرب السكة باسمه فبادر بيبرس بإرسال جيش استطاع أن يقضى على التمرد وعاد بنائب دمشق مكبلاً بالحديد بعد شهر واحد من ثورته.

أما الثورة الثانية فقد قادها رجل شيعي يعرف بالكوراني وجمع حوله بقايا الجنود الذين كانوا موالين للشيعة وأخذ يحرضهم على الإطاحة بحكم بيبرس السني واستبداله بحكم شيعي فأرسل بيبرس من الجند ما يكفل القضاء على المتمردين وخمدت الثورة وأمر بصلب الكوراني وباقي زعماء الثورة على باب زويلة.

وكان لقضاء بيبرس علي المشكلات والثورات الداخلية الخطوة الأولى والأهم فى توطيد سلطانه وتدعيم دولة المماليك ولم يعد ينقص حكمه سوى السند الشرعى والحصول علي تقليد صاحب الحق الشرعى في حكم المسلمين وهو الخليفة العباسي ولذا جاء قرار السلطان الظاهر بيبرس بضرورة إعادة إحياء الخلافة العباسية فى مصر مرة أخري بعد أن أسدل الستار على المأساة الأليمة التى درات أحداثها فى دار الخلافة العباسية ببغداد حين قتل الخليفة العباسي وأهل بيته وولده علي يد هولاكو وخربت بغداد سنة 656هـ\ 1258م وغربت شمس الخلافة العباسية فى بغداد لتشرق مرة أخرى فى القاهرة علي يد السلطان بيبرس.

وللحقيقة لم يكن الظاهر بيبرس أول من فكر فى نقل الخلافة العباسية إلى مصر ولكنه كان أول من نجح فى تحقيق هذا فقط فالتاريخ تصنعه الأفعال لا النيات.

فقد سبقه إلى التفكير في ذلك الأمير أحمد بن طولون سنة 269هـ\ 882م أثناء صراعه مع ولى عهد الخلافة الأمير أحمد الموفق, ففكر في إستدعاء الخليفة العباسي المعتمد لللإقامة في مصر وكاد الخليفة أن ينجح في الفرار من بغداد والوصول إلى مصر لكن الأمر اكتشف وقبض عليه رجال الموفق وأعيد إلى العاصمة تحت الحراسة.

وكان أحمد بن طولون يهدف من ذلك تدعيم دولته الجديدة التي أسسها في مصر والشام وأن يمتنع عن إرسال الجزية السنوية إلى دار الخلافة بالإضافة إلى تحطيم منافسيه في بغداد.

وكذلك حاول محمد بن طغج الإخشيدي نفس المحاولة عندما ذهب إلى الشام سنة 333هـ\ 944م, لإغاثة الخليفة المتقي من ظلم الحمدانيين بحلب واستبداد الأمراء الأتراك به في بغداد, وطلب منه أن يصحبه إلى مصر ولكن الخليفة عز عليه أن يترك عاصمته ومقر أسرته فرفض هذا العرض وعاد الإخشيد إلي مصر دون تحقيق هدفه ولاشك أنه كان يهدف من ذلك تقوية دولته في مصر.

ويقال أن الملك الناصر صاحب حلب ودمشق فكر في إحياء الخلافة العباسية أوائل سنة 658هـ\ 1260م عندما علم أن أميراً عباسياً إسمه أبو العباس أحمد موجود بالقرب من العراق ويريد أن يأتي إلى دمشق ولكن الناصر فوجئ بقدوم التتار ففشل مشروعه.

أما السلطان المظفر سيف الدين قطز فقد فكر في إعادة الخلافة العباسية إلى بغداد فبعد انتصاره في عين جالوت علم وهو في دمشق بوصول أحد أمراء البيت العباسي وهو أبو العباس أحمد الذى حاول الذهاب للناصر يوسف من قبل, فقال لأحد الأمراء الأعراب بالحدود العراقية ووعده بأنه إذا رجعنا إلي مصر أنفذه إلينا لنعيده إن شاء الله, ولكن السلطان قطز لم يمهله القدر لينفذ مشروعه بإحياء الخلافة العباسية في بغداد.

ومما سبق يتضح لنا حكام المسلمين قبل بيبرس رغبوا وحاولوا في نقل الخلافة العباسية إلى القاهرة وإحيائها وتلك الرغبة ظلت قائمة حتى تولي بيبرس السلطنة في مصر فشرع في إخراج هذا المشروع إلى حيذ التنفيذ في السنه التالية لحكمه, وكان له من الأسباب ما دفعه إلى ذلك أولها أن إعتراف الخليفة العباسي بالحاكم هو من الأمور التي كان يحرص عليها كل حاكم جديد ليضفى علي حكمه الصبغة الشرعية وهو أحوج ما يكون لهذا الاعتراف بسبب نظرة المعاصرين له والتي تري فيه مغتصباً لمنصب السلطة من الملك قطز بعد قتله بالإضافة إلى أصله غير الحر, من هنا كانت فكرة إعادة الخلافة العباسية ليؤمن لحكمه الغطاء الشرعى ويحميه من خطر الطامعين في حكم مصر من أمراء الشام الأيوبيين أو من قبل أمراء المماليك في مصر الذين إعتادوا الوصول إلى الحكم عن طريق المؤامرات متخذين مبدأ "الحكم لمن غلب".

وثانيها أن يظهر أما العالم العربي والإسلامي بمظهر الحامي للخلافة وتنظر إليه الشعوب الإسلامية نظرة حامي الإسلام.
وثالثها أن وجود الخليفة العباسي في مصر يضفى علي سلطان المماليك مكانه أعلى من مكانة الأمراء والملوك في البلاد الإسلامية الأخرى.

ورابعها التوسع السياسي ببسط سيطرته وبمساعدة الخليفة وتأييده على البلدان المجاورة لمصر وبخاصة بلاد الحجاز وتأمين حدود مصر الشرقية ومدها حتى نهر الفرات .

ولتحقيق كل ما سبق شرع بإتخاذ عدد من الإجراءات تمثلت بإستدعاء الأمير العباسي أبو القاسم أحمد إلى القاهرة وعقد مجلساً عاماً بالديوان الكبير في القلعة بحضور العلماء والقضاة وجميع رجال الدولة وكبار التجار ووجوه الناس, كما حضر شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام لإثبات نسب أبا القاسم وصحته وبعد شهادة العربان الذين قدموا معه حكم قاضي القضاة تاج الدين بن بنت الأعز بصحة شهادتهم وصحة نسبه فبايعه بالخلافة ثم تبعه بيبرس فبايعه على العمل بكتاب الله وسنة رسوله وضرورة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والجهاد في سبيل الله, ثم أدى الحاضرون جميعاً وفقاً لتسلسل مراتبهم يمين البيعة للخليفة ولُقب أبو القاسم بلقب الخليفة المستنصر بالله, ثم قام الخليفة العباسي بدوره فقلد بيبرس السلطنة لا على مصر فحسب بل على كل الأراضى العائدة لدار الإسلام وما سيفتحه الله على يديه, على هذا النحو تم إعادة إحياء الخلافة العباسية في القاهرة وأصبح لسلاطين المماليك المقام الأسمى على كل ملوك وحكام العالم الإسلامي بإعتبارهم حماة الخلافة والمتمتعون ببيعتها, وكذلك أصبح للقاهرة مكانه سياسية ممتازة تفوق كل عواصم العالم لأنها مقر الخلافة التي يدين لها بالولاء الروحي لكل العالم الإسلامي. وقصدها الصناع ورجال السياسة والباحثين عن الأمن والإستقرار من شتى أرجاء دنيا العرب والمسلمين, ونتج عن ذلك حركة علمية نشطة ونحن نعرف أن القاهرة كانت مقراً للخلافة الفاطمية قبل ذلك ولكن كانت هناك خلافتان أخريان تعاصرانها وتنافسانها وتطعنان في نسبها وشرعيتها وهما الخلافة العباسية في بغداد والخلافة الأيوبية في قرطبة أما في العصر المملوكي فلم يكن هناك في العالم الإسلامي سوى خلافة واحدة هي الخلافة العباسية في القاهرة, وحتى الخلافة الأموية في الأندلس كانت قد زالت ولم يدين لها بالولاء أحد في قوتها إلا الأندلس وحدها.

وبالتالي فإن إعادة إحياء الخلافة العباسية في القاهرة أكسب الدولة المملوكية شرعية ما كانت لتكسبها من أي مصدر آخر, وبذلك يكون بيبرس قد نجح بإرساء أهم الأسس السياسية التي قامت عليها دولته أي الإستعانة بالخلافة العباسية كواجهه دينية وشرعية دون أن يكون لها أي دور سياسي أو ديني فهى لم تكن إلا خلافة صورية وقد عبر المقريزي تعبيراَ صادقاً عنها وعن وضعها الجديد بعد إعادة إحيائها بالقاهرة بقوله: " وليس فيها أمر ولا نهي وحسبه أن يقال له أمير المؤمنين".

إضافة إلى ذلك تمتعت القاهرة بشهرة دينية وثقافية وتجارية واسعة إذ أصبحت بمنزلة المعقل والحصن للحضارة العربية الإسلامية منذ منتصف القرن السابع الهجرى \ الثالث عشر الميلادي.