السبت , 14 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

تماضر بنت عمرو بن الحارث

تماضر بنت عمرو بن الحارث
عدد : 01-2023
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا"

تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد السلمية وهذا الأخير كان من سادات وأشراف العرب وملوك قبيلة بني سليم في الجاهلية وهي صحابية وشاعرة من أشهر وأفصح شعراء العرب وقد أدركت الجاهلية والإسلام وأسلمت وإشتهرت بإسم الخنساء وذلك بسبب قصر أنفها وإرتفاع أرنبتيه وهي تلتقي مع نسب النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم في الجد السابع عشر مضر بن نزار بن معد وكان النبي محمد صلي الله عليه وسلم يعتز بهذا النسب فكان يقول أنا إبن الفواطم من قريش والعواتك من سليم وفي سليم شرف كثير وكان عمرو بن الحارث أبو تماضر من وفود العرب على كسرى ملك الفرس وكان يأخذ بيدى إبنيه معاوية وصخر في موسم الحج حتى إذا توسط الجمع قال بأعلی صوته أنا أبو خيرى مضر فمن أنكر فليغير فلا يغير عليه أحد وكان يقول من أتى بمثلهما أخوين من قبل فله حكمه فتقر له العرب بذلك وقد إشتهرت الخنساء أيضا برثائها لأخويها صخر ومعاوية اللذين قتلا في الجاهلية في الحرب المعروفة بإسم حرب الفجار وكان ميلاد الخنساء علي الأرجح في عام 675م قبل بعثة الرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم وقبل بعثته بحوالي 35 عاما وكانت ذات حسب ونسب وجاه وشرف وكانت أيضا ذات جمال أّخاذ وتقاسيم متناسقة لذا شبهوها بالبقرة الوحشية أو المهاة وكان العرب إذا تغزلوا في الأنثى وأرادوا التعبير عن جمالها شبهوها بذلك ولم يكن هذا التشبيه لتماضر في معرض غزل طارئ وإنما كان تشبيه صار لها لقبا غالبا على إسمها وكنيتها وفضلا عن ذلك فقد كانت ذات جاذبية طاغية أطلقت الألسن فواجهتها بحقيقتها فعرفت ما تملك في يدها من سلاح كما عرفت قيمة ذلك السلاح ولم يكن في حياتها ما يقلقها ويقض مضجعها شأن مثيلاتها في أول العمر ومقتبل الشباب فقد أضفى عليها مركز قبيلتها ومكانة أسرتها وسيادة وثراء أبيها كل أسباب الطمأنينة كما أفاض عليها جمالها وحسنها ما محا من حياتها القلق وأزال عنها الإضطراب فكانت العاقلة الحازمة حتى لقد عدت من أشهر النساء ولا يجرؤ أحد علي التهجم عليها أو التحدث عنها لذا لم يتكلم عنها أحد ولم يتفوه شاعر بشئ يمكن أن ينقل وتحمله الألسن وعرفت أيضا بحرية الرأى وقوة الشخصية وظهر ذلك أول ما ظهر حين تقدم لخطبتها دريد بن الصمة حيث ساقت المقادير سيد بني جشم وفارسها المظفر دريد بن الصمة وذلك بعد أن أناخ بنو جشم قوم دريد رواحلهم طلبا للراحة من عناء السفر الطويل إلى مكة المكرمة في وقت موسم الحج وكانت ديارهم في بادية الحجاز قريبة من ديار بني سليم فينطلق دريد على فرسه في رياضة قصيرة وما كان يخاف شيئا فقد شارك في نحو مائة معركة ما أخفق في واحدة منها وأصبح له من سمعته ما يكفل له الأمن والأمان والإكرام وبينما دريد في رياضته تلك القصيرة لفت نظره مشهد فتاة تهنأ بعيرا لها فسأل من تكون تلك الفتاة ليعرف أنها تماضر بنت عمرو شقيقة صديقه الحميم معاوية ولما أصبح الصبح أخذ طريقة إلى منزل صديقه معاوية بن عمرو الذى تلقاه بالترحاب وجلس دريد في مجلس أبيه عمرو وقال له جئت أخطب إبنتك تماضر الخنساء فقال له عمرو مرحبا بك يا أبا قرة وإنك لكريم لا يطعن في حسبك والسيد لا يرد عن حاجته والفحل لا يقرع أنفه ولكن لهذه المرأة في نفسها ماليس لغيرها وأنا ذاكر لها وهي فاعلة ثم دخل على إبنته وقال لها يا خنساء أتاك فارس هوازن وسيد بني جشم دريد بن الصمة يخطبك وهو من تعلمين فقالت وكان دريد يسمع حديثهما يا أبت أتراني تاركة بني عمي مثل أعواد الرماح وناكحة شيخ بني جشم فخرج إليه أبوها وقال يا أبا قرة قد إمتنعت ولعلها تجيب فيما بعد فقال دريد قد سمعت قولكما وإنصرف ويبدو أن اخاها معاوية أراد ان يجاور صديقه دريد فحاول معها ولكنها أصرت على موقفها من الرفض وكان من الواضح أن أباها عمرو قد عرف فيها رجاحة العقل وإتزان الفكر فأبي ألا ان يكون زواجها إلا بعد موافقتها ولم يكن ذلك آنذاك حقا لكل إبنة وإنما كان أمر خاص يمنح لمثيلات الخنساء .


وبعد أن رفضت تماضر الخنساء الزواج من دريد بن الصمة سيد بني جشم تزوجت من رجل من قبيلتها يسمي رواحة بن عبد العزى والذي كان مقامرا وقد ضحت في سبيل الحفاظ عليه بالكثير من طبيعتها وكبريائها كي تجعله يتعلق بها غير أنه غالى في إنحرافه وأولت الخنساء أن تمسك عليها زوجها فضحت في سبيل ذلك بالكثير حيث غيرت من طبيعتها وكبريائها بل إنها بالغت في ذلك لدرجة جعلته يشعر بتعلقها به فغالى في إنحرافه وإستغل حرصها عليه أسوأ إستغلال وإنتهز مالها ومال أخيها صخر وكلما فرغت يده أظهر لها الضيق بحياته معها فيهم بالرحيل عنها ولكنها تتشبث به وتقول له أقم وأنا آتي صخرا فأسأله ويقيم زوجها تكرما منه وعطفا بينما تذهب هي إلى أخيها صخر تشكو إليه حالها وما تلقى من ضيق العيش فكان يشطر ماله نصفين يعطيها خيرهما فتقوم بإعطاء المال إلي زوجها والذى يستمر علی ذات الحال وبعد أن يأخذ ما حملت معها من أخيها يضيعه ثم يجيئها صفر اليدين وقد زاد عليها جرأة فيلجأ إلى الطلب بدلا من التهديد بالترك وذات مرة تدخلت زوجة صخر وكان إسمها سلمى وطلبت منه أن يكف عن مساعدة هذا الزوج المقامر وأن يعطي أخته القليل على قدر حاجتها فأنشد شعرا يؤكد فيه أن مساعدتها واجبة عليه لأن أخته أولا صانت شرفه بعفتها وسيرتها الطيبة وتخاف عليه وهو على قيد الحياة وستحزن عليه إذا مات وإستمر صخر يعطي نصف ماله إلى أخته وقالت والله لا أخلف ظنه ما حييت وفيما بعد وفت بالفعل بعهدها وفي النهاية إنفصلت الخنساء عن زوجها المقامر وكانت قد أنجبت منه إبن إسمه عبد الله ولم يطل الوقت بالخنساء حتى تقدم إليها مرداس بن أبي عامر السلمي الملقب بالفيض لسخائه وكان مرداس بالإضافة لكرمه رجل جد وعمل وكان لا يترك فرصة إلا ويقتنصها ليوفر لأسرته أسباب الحياة الكريمة لكنه لم يطل به العمر وتوفاه الله تاركا للخنساء أربع أبناء هم العباس وزيد ومعاوية وعمرو وبنت إسمها عمرة كما قيل إن العباس كان إبنا لمرداس من امرأة أخرى غير الخنساء وتهتز الخنساء لفقد مرداس إهتزازة شديدة وقد رثته لتفصح عن مدى الأسى والحزن لفراقه حيث كان مرداس في رأيها أفضل الناس حلما ومروءة وشجاعة وكانت قصيدتها في رثائه وإن لم تصل إلى أغوار نفسها لتفصح عن الأسى والحزن لفراق زوج عاش معها فترة من حياتها وسجلت له الأحداث ذكريات إلا أنها تعتبر في ميزان شعرها من أحسن مراثيها فهي لا تبعد عن نهجها العام في مراثيها التى تنتقل خلالها بين الندب والبكاء والتأبين فتعدد المناقب وتذكر المآثر .


وفي عام 612م قتل هاشم ودريد إبنا حرملة أخاها معاوية فقامت بتحريض أخيها الأصغر صخر بالثأر وإستطاع الأخير قتل دريد إنتقاما لأخيه ولكنه أصيب بطعنة أسكنته فراشه ومرض بسببها وباتت حياته مملة حتى أن زوجته حينما سؤلت عنه أجابت بأنه لا حي فيرجى ولا ميت فينعى ومكث صخر في مرضه هذا حتى مات عام 615م فإنهارت الخنساء إثر موته وأقامت على قبره زمانا تبكيه وتندبه وترثيه وقد قيل بأن الخنساء رثت أخاها صخرا أكثر من أخيها معاوية ولكن في حقيقة الأمر فإن رثاءها لأخيها معاوية لم يكن قليلا غير أنه اذا ما قورن برثائها لأخيها صخر بدا قليلا وذلك بسبب حبها وتعلقها الشديد بأخيها صخر حيث كان أكثر عطفا وحنانا عليها ورعاية لها فضلا عن أنها كانت تشعر بالذنب حيث كانت هي من حرضته على الثأر لأخيه معاوية الذى مات مقتولا مما تسبب في إصابته إصابة خطيرة أدت في النهاية إلى موته ولم يقف الأمر لدى الخنساء عند حزنها علي فشل زواجها الأول ثم وفاة زوجها الثاني ثم مقتل أخويها معاوية وصخر حيث تعرضت لمحن أخرى بسبب إبنها العباس بن مرداس وإبنها من زوجها الأول عبد الله المعروف بإسم أبي شجرة حيث كان لإبنها العباس موقفان بعد إسلامه لا يشرفان مسلما ولا يشرفان من يتصل به من المسلمين حتى أعلن قومه مخالفته وهو السيد المطاع بينما ظلت الأم صامتة لم يسمع لها في ذلك الحين صوتا ولا نعرف لها رأيا وكان الأجدر بالخنساء ان نسمع صوتها عند ذلك أما الموقف الأول فكان حين قرر الرسول صلي الله عليه وسلم رد سبايا قبيلة هوازن بعد إنتصار المسلمين في غزوة حنين التي وقعت في شهر شوال في العام الثامن للهجرة بعد فتح مكة بأسابيع قليلة وتقسيمها وذلك بعد أن أسلمت هوازن وبدأ بنفسه وببني عبد المطلب وإنصاع لذلك القرار المهاجرون والأنصار أما الأقرع بن حابس عن تميم وعيينة بن حصن عن فزارة فرفضا ورفض أيضا العباس إبن الخنساء لكن قومه بني سليم لم يقروا العباس على رفضه وأما الموقف الثاني فحينما قسم رسول الله صلي الله عليه وسلم غنائم غزوة حنين وزاد بتوزيع الخمس نصيبه على الذين كانوا إلى أيام قليلة أشد الناس عداوة له نصيبا فوق نصيبهم تأليفا لقلوبهم فاعطى العباس عددا من الإبل لم يرضه وعاتبه على أنه قد فضل عليه عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وغيرهما فقال النبي صلي الله عليه وسلم إذهبوا به فإقطعوا عني لسانه فاعطوه حتى رضي وإذا ما إنتقلنا إلي إبنها البكر عبد الله فبعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم وتولي أبي بكر الصديق الخلافة بدأت فتنة الردة عن الإسلام فكان إبنها أبو شجرة واحدا من حاملي لواء الإرتداد وكان يحرض بشعره المرتدين على المسلمين وشارك في قتالهم فلما رأى تحريضه على المسلمين لم يثمر ورأى الناس يعودون إلى الإسلام عاد هو كذلك إليه وقد قبل منه أبو بكر عودته وعفا عنه فيمن عفا لكن يبدو أن عودته إلى الإسلام لم تكن عن صدق فقد أتى عمر بن الخطاب في خلافته وهو يعطي المساكين من الصدقة ويقسمها بين فقراء العرب فقال يا أمير المؤمنين أعطني فإني ذو حاجة فقال له عمر ومن أنت قال أبو شجرة بن عبد العزى السلمي فرد عليه عمر قائلا أبو شجرة أى عدو الله قم وجعل يعلوه بالدرة في رأسه حتى سبقه عدوا فرجع إلى دابته فإرتحلها راجعا إلى أرض بني سليم .


ويروى عن الخنساء أنه في أحد الأعوام في سوق عكاظ كان شاعر المعلقات النابغة الذبياني يجلس تحت قبة حمراء ويستمع إلى قصائد الشعراء ويحكم بينهم ويحدد مراتبهم وحدث أنه بعد مقتل صخر شقيق الخنساء أنشدت الخنساء أمامه قصيدتها الرائعة في رثاء أخيها صخر التي تقول في مطلعها قذى بعينيك أم بالعين عوار أم أقفرت إذ خلت من أهلها الدار كأن عيني لذكراه إذا خطرت فيض يسيل على الخدين مدرار وقد أعجبت القصيدة النابغة وقال لها لولا أن الأعشى أنشد قبلك لفضلتك على شعراء هذه السنة فغضب شاعر الخزرج حسان بن ثابت وقال أنا أشعر منك ومنها فطلب النابغة من الخنساء أن تجادله فسألته أى بيت هو الأفضل في قصيدتك فقال لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما فقالت له إن في هذا البيت سبعة من مواطن الضعف فقال حسان كيف فقالت الخنساء الجفنات دون العشر ولو قلت الجفان لكان أكثر وقلت الغر والغرة بياض في الجبهة ولو قلت البيض لكان البياض أكثر إتساعا وقلت يلمعن واللمعان إنعكاس شئ من شئ ولو قلت يشرقن لكان أفضل وقلت في الضحى ولو قلت في الدجى لكان المعنى أوضح وأفصح وقلت أسيافنا وهي دون العشرة ولو قلت سيوف لكان أكثر وقلت يقطرن ولو كانت يسلن لكان أفضل فلم يجد حسان بن ثابت كلمة يرد بها فقال عنها النابغة الذبياني مادحا إياها الخنساء أشعر الجن والإنس كما قيل للشاعر الأموى المعروف جرير من أشعر الناس قال أنا لولا هذه الخبيثة يعنى الخنساء وقال بشار بن برد لم تقل إمرأة قط شعرا إلا تبين الضعف فيه فقيل له أو كذلك الخنساء فقال تلك فوق الرجال وحين إنتشر الإسلام في الجزيرة العربية صحبت الخنساء بنيها وبني عمها من بني سليم في عام 8 هجرية الموافق عام 630م وافدة إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم بالمدينة المنورة ليعلنوا دخولهم في الدين الجديد وكانت حينذاك في طلائع شيخوختها حيث كانت قد بلغت من العمر حوالي 55 عاما ومضت الخنساء في رحلتها في الإسلام فنجدها قد نسيت كثيرا من عادات وتقاليد الجاهلية وتحول الكثير من شعرها من الرثاء والبكاء إلي الدفاع عن الإسلام ونبيه الكريم محمد صلي الله عليه وسلم والمسلمين دون أن تنسي السادات من بني سليم ومضر ولا يفارقها الوجد عليهم والبكاء من أجلهم .


وقد تأثرت الخنساء في هذه الفترة بآيات القرآن الكريم فكانت بعض أبياتها تتضمن مقاطع منها وقد روى في طبقات الصحابة وفي السيرة النبوية أن الرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم كان يستنشدها شعرها ويستزيدها وهو مصغ إليها بقوله هيه يا خناس ويومئ بيده لها وقد أبى عليه قلبه الكبير أن يزجرها أو أن يلومها ولقد وفد عدى بن حاتم الطائي على رسول الله صلي الله عليه وسلم مبايعا في السنة السابعة للهجرة على رأس قومه بني طئ فقال يا رسول الله إن فينا أشعر الناس وأسخى الناس وأفرس الناس فلما سأله الرسول صلي الله عليه وسلم أن يسميهم أجاب أما أشعر الناس فإمرؤ القيس بن حجر وأما أسخى الناس فحاتم بن سعد يعني أباه وأما أفرس الناس فعمرو بن معديكرب فقال الرسول صلي الله عليه وسلم ليس كما قلت يا عدى أما أشعر الناس فالخنساء بنت عمرو وأما أسخى الناس فمحمد وأما أفرس الناس فعلي بن أبي طالب وكان لها فيما بعد أثناء خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه موقف يدل على وفائها ونبلها مفاده أنها وفدت إليه في المدينة المنورة مع بني عمها وكانت لم تزل تبكي على أخويها صخرا ومعاوية فقال بنو عمها لعمر يا أمير المؤمنين هذه الخنساء قد قرحت مآقيها من البكاء في الجاهلية والإسلام فلو نهيتها لرجونا أن تنتهي فقال لها عمر إتقي الله وأيقني بالموت فقالت أنا أبكي أبي وخيرى مضر صخرا ومعاوية وإني لموقنة بالموت فقال عمر أتبكين عليهم وقد صاروا جمرة في النار فقالت ذاك أشد لبكائي عليهم فكان أن رق لها عمر وقال خلوا عجوزكم لا أبا لكم فكل إمرئ يبكي شجوه ونام الخلي عن بكاء الشجي وكان ردها علي عمر دليل على عظمتها ورأفتها بأخويها وفى الوقت ذاته تغلغل الإسلام وتمكنه من قلبها مما جعلها مدركة لخواتيم العباد والجزاء فى الآخرة بناءا على ما قدموه لأنفسهم فى الحياة الدنيا وقد أدت الخنساء رضي الله عنها فريضة الحج في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وعندما لامها على إرتداء ملابس الحداد للنساء في الجاهلية وهي خمار ممزق وصدار من الصوف حزنا على أخويها فأنشدت قصيدة تعجب منها عمر لبلاغتها وقال لأصحابه دعوها فإنها لا تزال حزينة علي مقتل أخويها معاوية وصخر ومما يروى عنها أيضا أن الخنساء دخلت يوما على السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وهي ترتدى اللباس السابق وصفه فقالت لها السيدة عائشة يا خنساء فردت عليها قائلة لبيك يا أماه فقالت لها السيدة عائشة أتلبسين هذا الرداء وقد نهى عنه الإسلام فردت قائلة لم أعلم بهذا فسألتها السيدة عائشة وما الذي دفعك إلى هذه الحال فردت عليها قائلة موت أخي صخر .

ولما إستنفر أمير المؤمنين الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب المسلمين لقتال الفرس في القادسية بغرب ببلاد العراق في أواخر عام 13 هجرية إلتحق أبناؤها العباس وزيد ومعاوية وعمرو بجيش المسلمين الذى كان يقوده الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرين بالجنة وكانت مهمته إستكمال فتح بلاد العراق وتحريرها من الإمبراطورية الفارسية من خلال معركة محورية فاصلة وسار هذا الجيش في سبيل الله تعالى حتى وصل إلى القادسية وضرب معسكره هناك وإلتقى الجيشان في منتصف شهر شعبان عام 15 هجرية جيش المسلمين وقائدهم سعد بن أبي وقاص وجيش الفرس وقائدهم رستم وكان مع جيش الفرس آلة قتال رهيبة لم يعهدها المسلمون من قبل ولم يألفوها وعدد كبير من الفيلة يقال إنه ثلاثون فيلا أو أكثر وكان اليوم الأول من المعركة يوما شديدا على المسلمين حيث جعلت الخيول تفر بسبب رؤيتها للفيلة وسماعها لصوتها ورافقت الخنساء جيش المسلمين إلي ميدان المعركة لتكون مع نساء المسلمين الذين كانوا يرافقون الجيش ويخدمون جنوده ويداوون الجرحي ويسعفونهم ويسقون العطشي ويدفنون الشهداء وقد ذكر الزبير بن بكار عن محمد بن الحسن المخزومي عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه عن أبي وجزة عن أبيه قال حضرت الخنساء بنت عمرو السلمية حرب القادسية ضد الفرس عام 15 هجرية الموافق عام 637م ومعها بنوها أربعة رجال فذكر موعظتها لهم وتحريضهم على القتال وعدم الفرار فقد حرضت أبناءها الأربعة على الجهاد ورافقتهم مع الجيش زمن الخليفة عمر بن الخطاب وقد أوصتهم يا بني إنكم أسلمتم وهاجرتم مختارين والله الذى لا إله غيره إنكم لبنو رجل واحد وإمرأة واحدة ووالله ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب غير المؤمنين وإعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية يقول الله تعالي في سورة آل عمران يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وإتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ فإذا أصبحتم غدا إن شاء الله سالمين فإغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين وبالله على أعدائه مستنصرين وإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها وإضطرمت لظى على سياقها وجللت نارا على أوراقها فتيمموا وطيسها وجالدوا رئيسها عند إحتدام خميسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة .


وهكذا كانت وصية الخنساء الأم المسلمة المؤمنة لفلذات كبدها قبل المعركة وصية خالدة تجسد قوة إيمانها وصبرها وحبها لأولادها وفي الصباح الباكر كان الأولاد الأربعة في مقدمة الصفوف ينفذون وصية الأم الحكيمة دفاعا عن الدين والوطن والكرامة فلما بلغ إليها خبر وفاة إستشهادهم جميعا لم تجزع ولم تبك ولم تحزن وكان الأبناء الشهداء نعم الأبناء فقد ضحوا بأرواحهم في سبيل دينهم وقالت الأم المكلومة قولتها المشهورة الحمد لله الذي شرفني بإستشهادهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته وكان عمر بن الخطاب يعطي الخنساء أرزاق أولادها الأربعة حيث كان يصرف لها عن كل منهم مائتي درهم حتى قبض وهنا نلمس التغير الكبير الذى حدث في شخصية الخنساء فهذه المرأة تسلل إلى قلبها أمر غـير حياتها وقلب أفكارها ورأب صدع قلبها فبإختصار نجدها قد دخلت في الإسلام الذى أعطى مفاهيم جديدة لكل شئ عن الموت والحياة والصبر والخلود فإنتقلت بالتالي من حال اليأس والقنوط إلى حال التفاؤل والأمل وإنتقلت من حال القلق والإضطراب إلى حال الطمأنينة والإستقرار وإنتقلت من حالة الشرود والضياع إلى حالة الوضوح في الأهداف وتوجيه الجهود إلى مرضاة رب العالمين وحقا فإن هذا هو الإسلام الذي ينقل الإنسان من حال إلى حال ويرقى به إلى مصاف الكمال فيتخلى عن كل الرذائل ويتحلى بكل الشمائل ليقف ثابتا في وجه الزمن ويتخطى آلام المحن وليحقق الخلافة الحقيقية التي أرادها الله للإنسان خليفة على وجه الأرض وأخيرا فقد كانت وفاة الخنساء في عام 24 هجر ية الموافق عام 664م في أوائل عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان عن عمر يناهز السبعين عاما وحقا لم يكتب الله لها شرف الشهادة في ميادين القتال لكن فبلا شك فقد كتب الله لها أجرا وثوابا يفوق أجر من ضحى بروحه فداءا لدينه أو وطنه أو دفاعا عن حرماته وكرامته جزاء ما صبرت على فراق أبنائها الأربعة الذين إستشهدوا واحدا تلو الآخر ومما يذكر أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد أنتجت في عام 2017م مسلسلا بإسم الخنساء يحكي قصة حياتها منذ مولدها مرورا بمرحلة شبابها وحزنها الشديد علي مقتل أخويها ورثاءها لهم ثم إدراكها الإسلام ودخولها في الدين الجديد ومبايعتها للرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم ثم وفاتها وقامت ببطولة المسلسل الفنانة السورية الشهيرة مني واصف في دور الخنساء والفنان المغربي محمد حسن الجندى في دور أخيها صخر والفنان الأردني أسامة المشيني في دور أخيها معاوية .
 
 
الصور :