بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
الخَلِيل بن أحمد الفراهيدى وإسمه بالكامل الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدى الأزدي اليحمدي وكنيته أبو عبد الرحمن ولقبه البصرى شاعر ونحوى عربي يعد عالما كبيرا بارزا ومتميزا وإماما من أئمة اللغة والأدب العربيين وهو واضع علم العروض وهو العلم الذى يعرف به صحيح أوزان الشعر العربي وواضع أول معجم للغة العربية والذى أسماه العين وقد درس الموسيقى والإيقاع في الشعر العربي ليتمكن من ضبط أوزانه وقد درس لدى عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي أحد الأئمة المشهورين في اللغة العربية والقراءات القرآنية المتعددة وقد تلقى العلم على يديه العديد من العلماء الذين أصبح لهم من بعده شأن عظيم في علوم اللغة العربية كان علي رأسهم عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي المعروف بإسم سيبويه النحوى الشهير والليث بن المظفر الكناني والأصمعي والكسائي وهارون بن موسى النحوى ووهب بن جرير وغيرهم وكان ميلاد الخليل بن أحمد بمدينة البصرة جنوبي بلاد العراق في العصر الأموى عام 100 هجرية الموافق عام 718م وتحديدا في خلافة الخليفة الأموى الثامن عمر بن عبد العزيز وقيل إن مولده كان بعمان ثم إنتقل في سن صغيرة إلي مدينة البصرة ودرس التقاليد الإسلامية وعلم اللغة على يد أبي عمرو بن العلاء مع أيوب السختياني وغيره ونشأ على ذلك حتّى صار مضرب المثل في الرغبة في طلب العلم وصار يطوف أرجاء بادية شبه الجزيرة العربية حتى يحصل على العلم الذي إستقاه مشافهة من أهل تهامة ونجد والحجاز ثم عاد إلي البصرة وبقي في داره يطالع من الكتب ما شاء الله له ذلك حتى قال فيه الزبيدى وهو الذى بسط النحو ومد أطنابه وسبب علله وفتق معانيه وأوضح الحجج فيه حتى بلغ أقصى حدوده وإنتهى إلى أبعد غاياته ثم لم يرض أن يؤلف فيه حرفًا أو يرسم منه رسما ترفعا بنفسه وترفعا بقدره إذ كان قد تقدم إلى القول عليه والتأليف فيه وكان الخليل بن أحمد في بداية حياته منتميا لفرقة الإباضية والتي تنسب لمؤسسها عبد الله بن إباض التميمي والذى كانت وفاته عام 89 هجرية وهي إحدى الفرق التي تنتسب إلى الإسلام وهم من فرق الخوارج بينما ينفي أصحابها هذه النسبة ويقولون إنهم ليسوا من الخوارج إذ يعدون مذهبهم مذهبا إجتهاديا فقهيا سنيا يقف جنبا إلى جنب مع مذاهب الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة ولذا يعمل أتباع الفرقة الإباضية على إثبات براءتهم من تهم الغلو والتكفير والضلال التي يلاحقهم بها أهل السنة منذ أكثر من ألف عام وكانت هذه الفرقة منتشرة في سلطنة عمان حيث كانوا يمثلون حسب بعض الإحصائيات ما يقارب 70% من العمانيين كما أنها إنتشرت أيضا في جبل نفوسة وفي زوارة في ليبيا ووادى مزاب في الجزائر وجربة في تونس وبعض المناطق في شمال أفريقيا وزنجبار وقد أقنعه أستاذه أيوب السختياني بالتخلي عن المذهب الإباضي والتحول إلى العقيدة السنية ولما بلغ سن الرجال أصبح رجلا يحتذى به ومثالا للعفة والتقوى والورع والخلق الحسن وصدق القول فكان فقيرا يفيد الجميع بعلمه ولا يأخذه سبيلا لكسب المال كباقي تلاميذه وكان لا يؤثر صحبة الملوك والأمراء ويرفض تلقي الهدايا السخية منهم كما أنه رفض الإنغماس في الكذب والإفتراء والنميمة على زملائه من العلماء العرب والفرس المنافسين وكان يؤدى فريضة الحج سنويا ومن ثم عرف عنه أنه كان إماما متواضعا واسع الحكمة ذا ثقافة متنوعة وعلم غزير .
وكان الخليل بن أحمد أيضا مطلعا على مختلف العلوم الأخرى منها علم الرياضيات والموسيقى التي ألف فيها كتاب النغم وكتاب النغم واللحون إضافةً لعلم العروض الذى شهد على براعته وعبقريته في علوم وأصول اللغة العربية والشعر وكان يعد كما أسلفنا مؤسس هذا العلم وكان يعيش في خص صغير من القصب في البصرة كما أسلفنا وكان يقوم بتدريس اللغويات وأصبح بعض طلابه معلمين أثرياء بينما ظل هو علي حاله وكان مصدر الدخل الرئيسي له حديقة موروثة عن والده وذلك إلي جانب عمله بالصقارة أي تربية الصقور والصيد بها إذ يتم بها صيد الحيوانات الصغيرة كالأرانب والطيور خصوصا طائر الحبارى وغيره وهذا العمل والذى يعد هواية أيضا كان يبدأ بصيد الصقر نفسه ثم إستئناسه وتدريبه والإعتناء به ومن ثم إستخدامه في الصيد وكان هذا العمل أو تلك الهواية من مهن وهوايات الثقافة العربية العريقة في شبه جزيرة العرب والعراق كما أنها إنتشرت في دول أوروبا ومناطق كثيرة أخرى من العالم وقد نقل إبن خلكان عن تلميذ الخليل النضر بن شميل قوله أقام الخليل في خص له بالبصرة لا يقدر على فلسين وتلامذته يكسبون بعلمه الأموال كما نقل عن سفيان بن عيينة قوله من أحب أن ينظر إلى رجل خلق من الذهب والمسك فلينظر إلى الخليل بن أحمد وحينما أرسل إليه والى فارس والأحواز سليمان بن حبيب بن أبي صفرة رسولا يدعوه إليه حيث كان سليمان يدفع له راتبا بسيطا يعينه به على شؤون الحياة فرفض القدوم إليه وقدم للرسول خبزا يابسا مما عنده قائلا مادمت أجده فلا حاجة بي إلى سليمان ولما عاد الرسول إلي سليمان شعر بالحرج وقرر أن يضاعف راتبه وهو ما تقبله الخليل بن أحمد بفتور وقد تجلت لامبالاته بالثروة المادية في عادته بإقتباس مقطع الأخطل الشهير عن أن الكنز الحقيقي هو السلوك القويم .
وعلاوة علي ما سبق فقد تميز الخليل بن أحمد بآرائه الفلسفية حيث إستنتج أن ذكاء الرجل يبلغ ذروته في سن الأربعين وهو العمر الذى بدأ فيه نبي الإسلام محمد صلي الله عليه وسلم دعوته ثم يبدأ بالتضاؤل بعد الستين وهو السن الذى مات فيه الرسول أيضا وكان يعتقد أيضا أن الناس يكونون في ذروة ذكائهم في الفجر وفيما يتعلق بمجال القواعد كان لدى الخليل بن أحمد وجهات نظر واقعية إشترك فيها مع اللغويين العرب الأوائل ولكن كانت وجهات النظر تلك نادرة في الأزمنة اللاحقة والحديثة وبدلا من التمسك بقواعد النحو كما هي كقواعد مطلقة رأى أن اللغة العربية هي عادات التحدث الفطرية الطبيعية للبدو فإذا إختلفت أوصاف العلماء أمثاله عن الطريقة التي يتحدث بها عرب الصحراء بشكل طبيعي فإن السبب هو نقص المعرفة من جانب العالم حيث أن الخطاب الطبيعي غير المعلن وغير المكتوب للعرب البدو هو المحدد النهائي وقد تميز مع ذلك برأيه بأن الأبجدية العربية تضمنت 29 حرفا بدلا من 28 وأن كل حرف يمثل خاصية أساسية للناس أو الحيوانات وكان إعتقاده بأن اللغة العربية تتكون من 29 حرف لإعتباره إجتماع اللام والألف كحرف ثالث منفصل عن كل حرف منهما وبه يكون عدد حروف الأبجدية العربية 29 حرفا وليس 28 حرفا كما هو متبع وعلي الرغم من هذا العلم الغزير والذكاء الحاد فقد ظل الخليل بن أحمد الفراهيدى زاهدا ورعا فلا يوجد عالم لغوى إتفق المؤرخون على نبل أخلاقه وسماحة روحه كما إتفقوا عليه فصار حقا إبن الأمة العربية التي أثر فيها فكرا وسلوكا وخلقا وتميز على سابقيه ولاحقيه وتفرد بهذا العلم بين أترابه ومعاصريه وللخليل بن أحمد مؤلف في علم النحو يسمي الجمل في النحو يضم فيه جملة الإعراب ومختصر النحو من الرفع وَالنصب والجزم والجر بالإضافة إلى جملة الألفات واللامات والتاءات والهاءات والهمزات والواوات وبين معنى كل منها في بابه مضيفا حججا من القرآن الكريم وشواهد من الشعر ويبدأ فيه بالنصب كونه أكثر الإعراب وجوها وطرقا وعلاوة علي هذا الكتاب كان الخليل بن أحمد قبل وفاته قد بدأ في وضع كتاب آخر يسمي العين وهو معجم منسق للغة العربية إعتمد في بنائه على ما قدمه علماء الصرف من قبل في حصر مصادر الكلمات بحسب حروفها ثنائية أو ثلاثيةً أو رباعية أو خماسيةً ووضعها مجردة دون زيادة ثم أعاد تصنيفها بحسب التقلبات والزيادات كما دعم شرح المادة اللغوية في الكتاب مستشهدا أيضا بشواهد من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والشعر الفصيح ويعتمد ترتيب هذا المعجم على مخرج الحرف من أعمق نقاط الحلق مرورا بحركة اللسان وإنتهاءا بأطراف الشفاه وأول حرف فيه هو العين وآخرها حرف الميم ويتبعها حروف العلة الجوفية ويعود أصل هذا الكتاب وحقوق تأليفه للإمام الخليل بن أحمد الفراهيدى لكنه لم يتمه قبل وفاته كما أسلفنا وأتم ترتيبه تلميذه الليث بن المظفر الليثي الكناني .
وفي أحد السنوات التي أدى فيها الخليل بن أحمد فريضة الحج قيل إنه دعا الله سبحانه وتعالي أمام الكعبة المشرفة أن يرزقه الله علما لم يسبق إليه وبعد عودته من رحلة الحج بفترة طرأت بباله فكرة وضع علم العروض عندما كان يسير بسوق الصفارين أى النحاسين فكان لصوت دقدقة مطارقهم على نغم مميز ومنه طرأت بباله فكرة العروض التي يعتمد عليها الشعر العربي فكان يذهب إلى بيته ويتدلى إلى البئر ويبدأ بإصدار الأصوات بنغمات مختلفة ليستطيع تحديد النغم المناسب لكل قصيدة وعكف على قراءة أشعار العرب وإستفاد من أعمال من سبقه في الجاهلية في هذا العلم ودرس الخليل بن أحمد أيضا الإيقاع والنظم ثم قام بترتيب هذه الأشعار حسب أنغامها وجمع كل مجموعة متشابهة ووضعها معا فتمكن من ضبط أوزان خمسة عشر بحرا يقوم عليها النظم حتى الآن وهي الطويل والمديد البسيط وتعرف بالممتزجة والوافر والكامل والهزج والرجز والرمل والسريع والمنسرح والخفيف والمضارع والمقتضب وتسمى السباعية لأنها مركبة من أجزاء سباعية في الأصل ووضعها وآخران وهما المتقارب والمتدارك واللذان يعرفان بالخماسيين إلا بحر المتدارك المحدث فإن واضعه هو الأخفش الأوسط تلميذ عالم النحو سيبويه وقد أصبح بذلك الخليل بن أحمد مؤسس علم العروض ومما يذكر أنه لم يفرض قط على باقي الشعراء العرب ضرورة إتباع قواعده دون سؤال حتى قيل إنه إنتهك القواعد التي وضعها بنفسه عن قصد في بعض الأحيان وقد رأى بعض النقاد أن الخليل بن أحمد قد إستفاد من أعمال غير عربية في تأسيس علم العروض حيث إستفاد من بعض العلوم الهندية في هذا المجال ووضع بعدها علم العروض .
وبالإضافة إلي ذلك يعد الخليل بن أحمد شيخ علماء المدرسة البصرية وتنسب له كتب معاني الحروف وجملة آلات الحرب والعوامل والعروض والنقط وفضلا عن ذلك فقد قام الخليل بن أحمد بتغيير رسم الحركات في الكتابة إذ كانت التشكيلات على هيئة نقاط بلون مختلف عن لون الكتابة وكان تنقيط الإعجام التنقيط الخاص بالتمييز بين الحروف المختلفة كالجيم والحاء والخاء قد شاع في عصره بعد أن أضافه إلى الكتابة العربية نصر بن عاصم الكناني ويحيى بن يعمر تلميذا أبي الأسود الدؤلي والذى كان من سادات التابعين وأعيانهم وفقهائهم وشعرائهم ومحدثيهم ومن الدهاة حاضرى الجواب كما أنه كان كذلك عالم نحوى وأول واضع لعلم النحو في اللغة العربية ولذا فهو يلقب بلقب ملك النحو فهو أول من ضبط قواعد النحو فوضع باب الفاعل والمفعول به والمضاف والمضاف إليه وحروف النصب والرفع والجر والجزم وكانت مساهماته في تأسيس النحو هي الأساس الذى تكون منه لاحقا المذهب البصرى في النحو وفضلا عن ذلك فقد كان هو من شكل أحرف المصحف الشريف على الإصطلاح القديم بوضع النقاط على الأحرف العربية التي أصبحت فيما بعد الضمة والفتحة والكسرة والسكون والشدة وكان ذلك بأمر من أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وذلك لما سمع أخطاء غير العرب في نطق اللغة فأراه أبو الأسود الدؤلي ما وضع فقال علي ما أحسن هذا النحو الذى نحوت ومن ثم سمي النحو نحوا فكان من الضرورى تغيير رسم الحركات ليتمكن القارئ من التمييز بين تنقيط الحركات وتنقيط الإعجام فجعل الفتحة ألفا صغيرة مائلة فوق الحرف والكسرة ياء صغيرة تحت الحرف والضمة واوا صغيرة فوقه أما إذا كان الحرف منونا كرر الحركة ووضع شينا غير منقوطة للتعبير عن الشدة ووضع رأس عين للتدليل على وجود الهمزة وغيرها من الحركات كالسكون وهمزة الوصل وبهذا يكون النظام الذى إتخذه الخليل بن أحمد قريبا من نواة النظام المتبع في الوقت الحالي في الكتابة باللغة العربية .
وهكذا صار الخليل بن أحمد الفراهيدى في العالم العربي علما معروفا وشهيرا وأصبح بنفس أسطورية شخصية أبو الأسود الدؤلي في فقه اللغة العربية ووصف بأنه عبقرية بارزة في العالم الإسلامي حيث كان أول من قنن المقاييس المعقدة للشعر العربي كما كان سيبويه والأصمعي من بين طلابه وكان الأول مديونا للفراهيدى أكثر من أي معلم آخر تعلم لديه ويقول إبن النديم كاتب السير البصرى الذى عاش في القرن الثالث الهجرى الموافق للقرن العاشر الميلادى إن كتاب سيبويه هو في الواقع عمل تعاوني إشترك فيه إثنان وأربعون من الكتاب وذكر أيضا أن المبادئ والمواضيع في هذا الكتاب إستندت على نظائرها في مؤلفات الخليل بن أحمد الفراهيدى ونقل عنه سيبويه 608 مرة أى أكثر من أى مصدر آخر وفي جميع أنحاء كتاب سيبويه يقول سألته أو قال دون تسمية الشخص المشار إليه بالضمير ولكن كان من الواضح أنه يشير إلى الخليل بن أحمد الفراهيدى ويعتبر هذان الإثنان تاريخيا أقدم وأهم الشخصيات في التسجيل الرسمي لقواعد واصول اللغة العربية وبالإضافة إلي ما قام به الخليل بن أحمد من إنجازات فيما يخص اللغة العربية فقد كان أيضا ضليعا في علم الفلك والرياضيات والشريعة الإسلامية ونظرية الموسيقى والأحاديث النبوية الشريفة حتي أنه قيل إن براعته في اللغة العربية مستمدة أولا وآخرا من معرفته الواسعة والعميقة بالأحاديث النبوية الشريفة وكذلك تفسير القرآن الكريم وفضلا عن ذلك كان للخليل بن أحمد كتاب يسمي علم التعمية والذى كان أول كتاب عن علم التشفير وتحليل الشفرات يكتبه عالم لغوى وكان هذا العمل يحتوى على العديد من الأوائل بما في ذلك أول إستخدام للتباديل والتركيبات لسرد جميع الكلمات العربية الممكنة مع وبدون حروف العلة ولاحقا لجأ علماء التعمية العرب إلى التحليل الصوتي للخليل بن أحمد الفراهيدى لحساب تكرار الحروف في أعمالهم وقد أثر عمله في علم التعمية على العلامة العربي الشهير الذى برع في علوم الفلك والفلسفة والكيمياء والفيزياء والطب والرياضيات والموسيقي وعلم النفس والمنطق والذى كان يعرف بعلم الكلام أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندى الذى كان رائدا في تحليل الشفرات وإستنباط أساليب جديدة لإختراق الشفرات بإستخدام خبرته الرياضية والطبية وإكتشف طريقة تحليل الشفرات عن طريق تحليل التكرار كما إشتهر أيضا بجهوده في تعريف العرب والمسلمين بالفلسفة اليونانية القديمة والهلينستية .
وكان مما روى عن الذكاء الحاد للخليل بن أحمد الفراهيدى والذى إنتشر بين الناس أنه ذات يوم مات كحال كان يصنع للناس كحلا ينفعهم فى جلاء الغشاوة عن العين ولم يعد أحد بعده يعرف مم يتركب هذا الكحل ولم يجدوا شيئا مكتوبا عن النسب التى يستعملها فجاءوا الى الخليل بن أحمد ليسألوه ماذا يفعلون فطلب منهم ان يأتوه بالإناء الذى كان الكحال يستعمله فلما أحضروه جعل الفراهيدى يشمه ويخبرهم بالعناصر عنصرا عنصرا حتى عرف 15 نوعا فلما جمعوها كما أخبرهم وجدوا الكحل المطلوب فإنتفعوا به ثم وجد أحد اصحاب الكحال ورقة فى بعض ثيابه يشير فيها الى العناصر التى يصنع منها الكحل فلما قارنوها بما أخبرهم به الخليل وجدوها عدد 16 عنصرا ووجدوا أن الخليل لم يغفل الا عنصرا واحدا فقط ووصلت أخبار الخليل الى ملك الروم حيث قص بعض العرب في مجلس الملك عن ذكاء هذا العربي فتعجب من ذلك حيث قال أحدهم أيها الملك لقد بلغ من ذكاء الخليل أنه يرد على الرسالة التي لا يعرف لغتها بالجواب المناسب فإتفقوا أن يكتب أحد العرب رسالة بالعربية ثم تنقل الى اليونانية القديمة المجهولة عند الكثيرين وحين وصلت الرسالة الي الخليل بن أحمد قالوا له هذه رسالة بعث بها أحد العرب في بلاد الروم وقد نقلت إلى اللغة اليونانية وهو يطلب الجواب فقال أمهلوني عدة ايام وأخذ الرسالة وبدأ يتفحصها ثم ترجمها الى اللغة العربية وكتب الجواب المناسب فتعجبوا من عمله وقالوا كيف فهمت ما تحويه الرسالة وكيف كتبت الجواب فقال الخليل حين قلتم إن مرسل الرسالة عربي أدركت انها ستكون بحسب عاداتنا وطريقتنا فقدرت أنه سيبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم فقابلت بین حروف البسملة فعرفت عشرة من الحروف اليونانية ثم تتبعت الحروف التي عرفتها وهكذا كلما عرفت كلمة أو أكثر حروفها مما أعرف أصل بعد تفكير الى بقية الحروف الي أن تعرفت على الحروف كلها فنقلتها الى العربية ثم كتبت الجواب المناسب فدهش الحاضرون من ذكاء الخليل ومضي حامل الرسالة إلي ملك الروم وحين وصل عنده أمر الملك بإحضار كاتب الرسالة بالحروف اليونانية وقارنوا بين الرسالة وجوابها فكان الجواب عليها مناسبا لما جاء فيها فإزدادوا عجبا وكان أشدهم تعجبا ملك الروم وكبار وزرائه الذين أدهشهم ذكاء العرب عموما وذكاء الخليل بن أحمد بصفة خاصة وبخلاف الذكاء الذى تمتع به الخليل بن أحمد فإنه كان يتمتع بسرعة البديهة فقد جاءه أعرابي ومعه إبنه يريد أن يعلمه الخليل علم الفلك والنجوم والنحو والفقه والطب فسأله الخليل كم عاما تنوى تركه معي فهتف الرجل في ذهول بأنه ينتظر مع حماره لحين إنتهائه فوضع الخليل يده على كتف الصبي وقال له فلتعلم يا بني أن الثريا في وسط السماء وهذا درس كاف في علم النجوم والفاعل مرفوع وهذه من أهم حقائق علم النحو وبها بدئ هذا العلم ولعله بها يختم وإن نبات الهليج الكابلي مفيد للصفراء وهذا يكفيك في الطب أما عن الفقه فحسبك أن تعرف أنه لو مات رجل تاركا إبنين فثروته تقسم بينهما بالتساوى وهذا يكفيك .
وقد توفي الخليل بن أحمد الفراهيدى في مدينة البصرة ببلاد العراق علي الأرجح بشهر جمادى الآخرة عام 174 هجر ية الموافق شهر أكتوبر عام 790م في عهد الخليفة العباسي الخامس هارون الرشيد في نفس يوم وفاة والدته الخيزران بنت عطاء وقال الإمام شمس الدين الذهبي في سبب وفاته في كتاب تاريخ الإسلام إن سبب وفاة الخليل أنه قال أريد أن أعمل نوعا من الحساب تمضي به الجارية إلى التاجر فلا يمكنه أن يظلمها فدخل المسجد وهو يعمل فكره فإصطدم بسارية وهو غافل فإنصرع فمات من ذلك وفي النهاية نختم مقالنا هذا بأن نقول إنه إحقاقًا للحق وإمتنانا بالفضل وعرفانا بالسبق فقد أثنى كثير من علماء المسلمين على الخليل بن أحمد الفراهيدى رحمه الله وأنزلوه المكانة اللائقة به حتى قال عنه حمزة بن الحسن الأصبهاني في كتاب التنبيه على حدوث التصحيف وبعد فإن دولة الإسلام لم تخرج أبدع للعلوم التي لم تكن لها أصول أو مبادئ عند علماء العرب من الخليل بن أحمد وليس على ذلك برهان أوضح من علم العروض الذى لا عن حكيم أخذه ولا على مثال تقدمه إحتذاه وإنما إخترعه من مرور عابر له بسوق الصفارين من وقع مطرقة على طست ليس فيهما حجة ولا بيان يؤديان إلى غير حليتهما أو يفيدان عين جوهرهما فلو كانت أيامه قديمة ورسومه بعيدة لشك فيه بعض الأمم لصنعته ما لم يضعه أحد منذ خلق الله الدنيا من إختراعه العلم الذى قدمت ذكره ومن تأسيسه بناء كتاب العين الذى يحصر فيه لغة كل أمة من الأمم قاطبة ثم من إمداده سيبويه في علم النحو بما صنف كتابه الذى هو زينة لدولة الإسلام ومما يذكر أنه تكريما لإسم الخليل بن أحمد الفراهيدى فقد سميت بإسمه مدرسة للتعليم الأساسي في الرستاق بسلطنة عمان كما تم في عام 1984م إنتاج مسلسل تاريخي ساهمت فيه مصر وسلطنة عمان بإسم الخليل بن أحمد الفراهيدى من إخراج عادل صادق عن قصة للكاتب طه شلبي يتحدث عن نشأته وعن حبه للعلم وإسهاماته في علوم اللغة العربية وإبتكارعلم العروض وتعليم الكثير من العلماء العرب الذين درسوا علي يديه ومنهم سيبويه والأصمعي كما يتعرض المسلسل للعديد من المواقف التي حدثت له أثناء حياته ومنها رسالة إمبراطور الروم إليه التي أراد من خلالها إختبار ذكائه وجسد شخصيته في هذا المسلسل الفنان أحمد مرعي .
|