بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
أم سليم بنت مِلْحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار الأنصارية الخزرجية صحابية جليلة كانت من الأنصار السابقين إلي الإسلام هي وأختها أم حرام بنت ملحان وهما ينتميان إلي قبيلة الخزرج إحدى القبيلتين العربيتين الرئيسيتين الكبيرتين اللتان كانتا تسكنان المدينة المنورة قبل هجرة النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم إليها وهما الأوس والخزرج وقد إختلف في إسمها فقيل سهلة وقيل رميلة وقيل رميثة وقيل مليكة أو رملة أو أُنيفة أو أُنيسة أو أُثينة أما لقبها فقيل الغميصاء وقيل أيضا الرميصاء بينما أفاد شهاب الدين بن حجر العسقلاني أن لقب أم سليم الغميصاء أما الرميصاء فقد كان لقب أختها أم حرام وكان ميلاد السيدة أم سليم بنت ملحان في المدينة المنورة قبل بعثة النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم ثم هجرته إليها وغير معلوم بالتحديد عام ميلادها ولم يرد أى شئ عن أبيها ملحان بن خالد بن زيد غير ما ذكره صاحب الإصابة في تمييز الصحابة رضوان الله عليهم بأن النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم قال قتل أخوها وأبوها معي دون تحديد لتفاصيل قصة مقتلهما وهو ما ذكره الإمام أبو الحسين مسلم في صحيحه دون ذكر كلمة أبوها أما أمها مليكة أو أُنيقة بنت مالك بن عدى بن عمرو بن مالك بن النجار فقد أدركت الإسلام وأسلمت وكان لأم سليم من الإخوة أم حرام زوجة الصحابي الأنصارى الجليل عبادة بن الصامت رضي الله عنه والتي توفيت في غزو فتح جزيرة قبرص والتي وقعت في عام 28 هجرية خلال خلافة الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان عندما سقطت من فوق دابتها أثناء نزولها علي البر فماتت من أثر تلك السقطة وما يزال قبرها متواجدا في جزيرة قبرص ومعروف بإسم ضريح المرأة المؤمنة وقد ذكر محمد بن سعد البغدادى في طبقاته الكبرى أنه كان لأم سليم أختا أخرى غير أم حرام يقال لها أم عبد الله بنت ملحان ولم يزد على ذلك وقال عن أم سليم إنها قد أسلمت قبل هجرة النبي صلي الله عليه وسلم إلي المدينة المنورة ثم بايعته بعد هجرته إليها ومن يومها ظلت وفية لتلك البيعة وبعهد النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم فمما روته أم عطية رضي الله عنها قالت أخذ علينا النبي عند البيعة أن لا ننوح فما وفت منا غير خمس نسوة أم سليم وأم العلاء وإبنة أبي سبرة وإمرأة معاذ وإمرأة أخرى أما أخوتها الذكور فهما حرام وسليم اللذان شهدا بدرا في شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة وأحدا في شهر شوال في السنة الثالثة للهجرة وسرية بئر معونة في العام الرابع للهجرة وفيها قتلا وهذه السرية عرفت أيضا بإسم سرية المنذر بن عمرو وهي أحد سرايا الرسول صلي الله عليه وسلم والتي أرسل فيها الصحابي المنذر بن عمرو في أربعين رجلا إلى أهل نجد ليعلموهم القرآن الكريم فغدروا بهم وقتلوهم جميعا إلا واحد وهو الصحابي كعب بن زيد الذى جرح جراحا ثاخنة لكنه شفي من جراحه وإستشهد فيما بعد في غزوة الخندق في العام الخامس للهجرة ومما يذكر أن أخاها حرام قال فزت ورب الكعبة لما طعن بحربة من ورائه فخرجت من صدره رضي الله عنه وقد دعا النبي صلي الله عليه وسلم ثلاثين صباحا دعاء القنوت على قبائل نجد التي قتلت الصحابة الكرام وقد تزوجت أم سليم قبل إسلامها من رجل من الخزرج هو مالك بن النضر بن ضمضم الخزرجي فولدت له البراء بن مالك وأنس بن مالك وقد أسلمت أم سليم في بدايات الدعوة إلى الإسلام بالمدينة المنورة قبل هجرة الرسول صلي الله عليه وسلم إليها فغضب زوجها مالك وكان قد عشش الشيطان في رأسه ولم يقبل هدى الله وقال لها أصبوت فقالت له لا لقد آمنت وحاول أن يردها عن الدِين الإسلامي فلم يقدر وحذَّرها من إفساد إبنهما الصغير أنس من خلال إجباره على نطق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وقال لها لا تفسدى علي ولدى حيث كانت تلقنه الشهادة دائما حتي يرسخ الإيمان والإسلام في قلبه فأجابته أم سليم بحكمة وهدوء والإيمان يملأ قلبها إني لا أفسده بل أرشده ولم يستطع الرجل أن يقاوم الدعوة لأن المدينة المنورة كانت قد صارت آنذاك دار إسلام وخرج متوجها إلى بلاد الشام وتوعدها إلا أنه إلتقي بعدو له فقتل في سفره هذا .
وهكذا فقد كان إختيار أم سليم الأنصارية رضي الله عنها الإسلام على زوجها في ذلك الوقت المبكر ينبئ عن عزيمة أكيدة وإيمان راسخ في وقت كان الإعتماد في تدبير البيت والمعاش وغير ذلك من أمور الحياة على الرجل ولم تكن المرأة قبيل مجئ الإسلام تساوى شيئا فكونها أخذت هذا القرار بالإنفصال عن زوجها بسبب الإسلام الذى يعتبر في نظرها كل شئ في ذلك الوقت مما يعد دلالة على ما تمتاز به هذه المرأة المسلمة من الثبات على العقيدة والمبدأ مهما كلفها ذلك من متاعب ولما قدم النبي صلي الله عليه وسلم المدينة المنورة أخذ أهل المدينة يهادونه بما إستطاعوا من هدايا ولم تكن أم سليم تمتلك ما يمكنها أن تهديه للنبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم إلا إبنها الصغير أنس بن مالك والذى كانت قد ربته تربية سليمة وسخرت كل قدراتها لتحسن تربيته لكي تجعل منه رجلا يصلح لعبادة الرحمن ولخدمة الإسلام فكان لها ما أرادت ومن ثم أخذت أنس وسلمته للنبي صلي الله عليه وسلم ليكون له خادما ولكي يتعلم منه الدين وكان عمره آنذاك عشر سنين وقالت له يا رسول الله هذا أُنيس إبني غلام لبيب كاتب أتيتك به يخدمك فإدع الله له فقبله النبي محمد صلي الله عليه وسلم ودعا له قائلا اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره وإغفر ذنبه وبالفعل فقد عاش طويلا ورزقه الله العديد من الأبناء والأحفاد وكان أنس نظرا لكونه كاتب يمتلك ميزة عظيمة لم تكن متوفرة إلا في النفر القليل من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم مما يدل على فطنته وذكائه منذ الصغر وقد كان هذا الذكاء وهذه الفطنة من الأهمية بمكان إذ حفظ رضي الله عنه وفَقه وتعلم من رسول الله صلي الله عليه وسلم وروى عنه الكثير من الأحاديث وقد خدم أنس بن مالك النبي محمد صلي الله عليه وسلم مدة مقامه بالمدينة عشر سنين عامله فيها النبي محمد معاملة الولد وكناه أبو حمزة فكان يخصه ببعض أحاديثه وأحيانا كان يناديه يا بني وما عاتبه على شئ فعله وما ضربه قط وروى الترمذي بسنده عن أنس رضي الله عنه قال خدمت النبي صلي الله عليه وسلم عشر سنين فَما قَالَ لي أُف قط وما قال لشئ صنعته لم صنعته ولا لشئ تركته لم تركته وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم من أَحسن الناس خلقا ولا مسست خزا قط ولا حريرا ولا شيئا كان أَلين من كف رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا شممت مسكا قط ولا عطرا كان أَطيب من عرق النبي صلي الله عليه وسلم ونظرا لقربه من الرسول صلي الله عليه وسلم فقد حفظ تماما ما كان يفعله وبالتالي كان يقلده تمام التقليد وعن هذا قال أَبو هريرةَ رضي الله عنه ما رأيت أَحدا أشبه صلاة برسول الله صلي الله عليه وسلم منَ إبن أُم سليم وأيضا فقد قدم الإمام الذهبي ترجمته عن الصحابي أنس بن مالك بقوله الإمام المفتي المقرئ المحدث راويةُ الإِسلام خادم رسول الله صلي الله عليه وسلم وقرابته من النساء وتلميذه وتبعه وآخر الصحابة وفاة وكان أنس رضي الله عنه يفتخر بتلقيبه بخادم رسول الله صلي الله عليه وسلم وقد روى أنس بن مالك الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة عن النبي محمد صلي الله عليه وسلم وعن خلق كثير من الصحابة الكرام الكبار كأَبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ومعاذ بن جبل وأُسيد بنِ حضير وأَبي طلحةَ وأمه أم سليم بنت ملحان وخالته أُم حرام بنت ملحان وزوجها عبادة بنَ الصامت وأبي ذر الغفارى وأَبي هريرة ومالِك بن صعصعةَ وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين ولا يفوتنا هنا أن نذكر البراء بن مالك إبن أم سليم الثاني والذى ربته أيضا تربية سليمة حيث ربته على الإيمان والرجولة حتى بلغ الغاية فيهما فكان مؤمنا تقيا خفيا حتى قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فيه كم من أشعث أغبر ذى طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك والذى كان في الرجولة والجهاد أسدا هصورا ومقاتلا مغوارا مقتحما للمهالك لا يخشى في الله لومة لائم حتى كتب الخليفة عمر بن الخطاب إلى أمراء الجيوش لا تستعملوا البراء على جيش فإنه مهلكة من المهالك يقدم بهم وقد قتل وحده مائة فارس مبارزة غير الذين قتلهم في المعارك وكان له موقف مشهود يدل علي شجاعته وإقدامه في حروب الردة وتحديدا في يوم اليمامة ضد مسيلمة الكذاب في حديقة الموت التي تحصن داخلها جيش مسيلمة فقال ألبسوني الحديد وإرفعوني علي أسوارها ففعلوا فنزل وقاتل حراس الباب وتمكن من فتحه فدخلها المسلمون وإنتهي الأمر بإنتصارهم ومقتل الكذاب وفي فتوحات بلاد فارس كان له دور أيضا في فتح مدينة تستر عام 17 هجرية وفيه طلب منه المسلمون أن يدعو الله لهم بالفتح فدعا الله أن يفتح عليهم وأن يقبله في الشهداء فإستجاب الله دعوته ففتح للمسلمين ومات البراء شهيدا حميدا .
وبعد وفاة زوجها الأول ولحسنها وجمالها تقدم إلي أم سليم كثير من الرجال ولقد كانت دائما رافضة وكان على رأسهم أبو طلحة الأنصارى فكان ردها عليه أما إني فيك لراغبة وما مثلك يرد ولكنك رجل كافر وأنا إمرأة مسلمة ولا يمكن لمؤمنة الزواج من مشرك وأفلا تستحي يا رجل أن تعبد خشبة من نبات الأرض نجرها حبشي وأنا لا أريد ذهبا ولا فضة أريد الإسلام فإن تسلم فذاك مهرى لا أسألك غيره وقد قالت ذلك بكل كبرياء فأحس أبو طلحة بالهزيمة وكان رجلا ذا مكانة وذا مال في المدينة المنورة لكن لم تردها هذه المغريات عن دينها لأنها كانت تتمتع بدفء الإيمان وثبات العقيدة وحلاوة الإسلام وكانت أيضا فصيحة اللسان كما نرى في ردها علي أبي طلحة والذى عندما سمع منها ما قالته سألها ماذا إنني فاعل فأشارت عليه بالذهاب لرسول الله صلي الله عليه وسلم فذهب إليه وكان الرسول جالسا بين أصحابه فتبسم الرسول له وقال أتانا أبو طلحة وغرة الإسلام في عينه فجلس بجوار النبي صلي الله عليه وسلم وحكى له ما دار بينه وبين أم سليم ففهم الصحابة رضوان الله عليهم أن أم سليم إستطاعت بحنكتها وذكاءها وفصاحتها أن تدخل الإسلام إلى قلب أبي طلحه فأرسل النبي صلي الله عليه وسلم إلى أم سليم فأتت ومثلت بين يديه فأمر أبا طلحة بدفع مهرها فتقدم ونظر إليها نظرة إجلال وإحترام وأشهر إسلامه ونطق بالشهادتين فقبلت الزواج منه وبذلك كانت قصة زواجها منه هي العجب بعينه وكانت قصة لم تتكرر في التاريخ مثلها فكانت أول إمرأة جعلت مهرها إسلام زوجها حيث صارت سببا في دخول أبي طلحة في الإسلام فحازت بذلك على الفضيلة التي وعد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله فوالله لأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النَعم وبزواجها من أبي طلحة إنتقلت أم سليم لتعيش مع زوجها حياة ملؤها الإيمان والتقوى وكان أبو طلحة من أكثر أهل المدينة المنورة مالا وكانت له بئر على مقربة من مسجد الرسول صلي الله عليه وسلم وكان الرسول دائما ما يشرب من مائها وعندما نزلت آية في سورة آل عمران نصها لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَئٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ ذهب أبو طلحة للرسول وقال له أحب مال هذه البئر فهي لله ورسوله فإفعل بها ما شئت يا رسول الله فقال الرسول صلي الله عليه وسلم ذلك المال الرابح وإني أرى أن تجعلها من أهلك الأقربين فقسمها أبو طلحة بين أهله الأقربين وبني عمه .
وقد أنجبت أم سليم من أبي طلحة طفل سمي عمير والذى كانت له قصة مشهوره مع الرسول صلي الله عليه وسلم عندما مات له طائر كان يلعب به كان يسميه المغير فمر به الرسول فوجده حزينا مهموما فسأله لماذا هذا الحزن فقال له لقد مات المغير فأخذ الرسول يواسيه ويمسح علي رأسه وقد توفي عمير صغيرا فكان لأم سليم موقف مشهود مع زوجها عند وفاته يدل على تمتعها بعقل راجح وحكمة بالغة وصبر جميل مما دل علي أنها كانت رضي الله عنها من عقلاء النساء فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا طلحة وأمه أم سليم رضي الله عنهما كان لهما إبن صغير في سن الطفولة إسمه عمير كانا يحبانه حبا كبيرا وحدث أن مرض هذا الطفل مرضا شديدا جعله طريح الفراش فتأثر أبو طلحة بمرض طفله وفي يوم من الأيام خرج مع الرسول صلَّى الله عليه وسلم للصلاة فمات الغلام في ذلك الوقت فقالت أم سليم رضي الله عنها لا تخبروا أبا طلحة حتى أكون أنا من يخبره وسجت عليه ثوبا فلما جاء أبو طلحة رضي الله عنه وضعت بين يديه طعاما فأكل ثم تطيبت له فأصاب منها وقالت له يا أبا طلحة إن آل فلان إستعاروا من آل فلان عارية فبعثوا إليهم أن إبعثوا إلينا بعاريتنا فأبوا أن يردوها فقال أبو طلحة ليس لهم ذلك إن العارية مؤداة إلى أهلها فقالت له فإن إبنك كان عارية من الله وإن الله قد قبضه فإسترجع ويقول أنس فأخبر النبي فقال بارك الله لهما في ليلتهما وبالفعل فقد حملت السيدة أم سليم وأنجبت غلاما حنكه الرسول بتمرات وسماه عبد الله وببركة هذا التحنيك رزقه الله سبع أولاد كلهم حفظة قرآن وقد عاش حتى إستشهد في فتوح بلاد فارس في عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب وقد شاركت أم سليم أيضا في غزوة أحد في شهر شوال في العام الثالث للهجرة فقد روى الإمام البخارى عن أنس بن مالك أنه قال لما كان يوم أحد إنهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم ولقد رأيت السيدة أم المؤمنين عائشة وأم سليم بنت ملحان وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهن تنفران القرب وقال غيره تنقلان القرب على متونهما ثم تفرغانها في أفواه القوم ثم ترجعان فتملأنها ثم تجيئان فتفرغانها في أفواه القوم وفي شهر المحرم في السنة السابعة للهجرة شهدت أم سليم غزوة خيبر وكان معها عشرون إمرأة أخرى كانت منهن أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أمية زوجة النبي صلي الله عليه وسلم وبعد ذلك شاركت أم سليم أيضا في غزوة حنين وهي حامل في إبنها عبد الله بن أبي طلحة والتي كانت في شهر شوال في العام الثامن للهجرة بعد فتح مكة بأقل من شهر حيث كان لها دور مشهود في تحميس المقاتلين وفي مداواة الجرحى وسقاية العطشي وفي هذا الصدد تحدث محمد بن سعد البغدادى بسند صحيح أن أم سليم رضي الله عنها إتخذت خنجرا يوم غزوة حنين فقال أبو طلحة زوجها يا رسول الله هذه أم سليم معها خنجر فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا الخنجر فقالت إتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه .
وقد نزل في أم سليم قرآن يتلى إلى قيام الساعة عندما أتي إلي دارها ضيف فآثراه هي وزوجها بالطعام على أنفسهم وأولادهم وهم جياع حيث قال الله تعالي عنهم في سورة الحشر وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وعلاوة علي ذلك كانت أم سليم شديدة التعظيم للنبي محمد صلي الله عليه وسلم وتتبرك به فيروى إبنها أنس أن النبي محمد دخل بيتها يوما وهي ليست فيه فنام على فراشها ومن شدة الحر أصبح عرقه ينزل من جبينه بشدة فإنتظرت حتى إستيقظ وأخذت تنشف عرقه من على الفراش وتعتصره في قارورة لها فسألها النبي صلي الله عليه وسلم عما تصنع فقالت يا رسول الله إن بركته لصبياننا وكانت تخلط بها طيبها فهو أطيب الطيب وكان من مظاهر حب أم سليم للنبي صلي الله عليه وسلم وإقتفائها لأثره ما رواه إبنها أنس بن مالك حيث قال إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوما على أم سليم بيتها وكان في البيت قربة معلقة فيها ماء فتناولها فشرب من فيها وهو قائم فأخذتها أم سليم فقطعت فمها فأمسكته وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف حرصها على ذلك ويقدر لها ذلك ويمكنها من التبرك به كلما أمكن وكان من ذلك ما ثبت عنه أنه لما حلق شعره يوم النحر أشار بيده إلى الجانب الأيمن فقسم شعره بين من يليه ثم أشار إلى الحلاق وإلى الجانب الأيسر فحلقه ثم أعطاه أم سليم وهكذا فقد ساوى النبي محمد صلى الله عليه وسلم أم سليم بالناس حين أعطاها وحدها نصف شعر الرأس وأعطى بقية الناس النصف الآخر وما كان ذاك إلا تقدير منه لأم سليم على إعتنائها الشديد بتتبع آثاره وهو دليل على حبها الشديد للنبي صلى الله عليه وسلم وقربها منه وقد أورد الإمام البخارى حديثا عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله أن النبي صلي الله عليه وسلم قال رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء إمرأَة أَبي طلحة وسمعت خشفة أى صوت مشي فقلت من هذا فقيل لي ذا بلال ورأيت قصرا بفنائه جارية فَقلت لمن هذا فقيل لعمر فأَردت أَن أَدخله فَأَنظر إِليه فذكرت غيرته فقال عمر بأبي وأمي أنت يا رسول الله أمنك أغار ويعد هذا الحديث شهادة من النبي صلي الله عليه وسلم بأن أم سليم من أهل الجنة وكيف لا تدخل الجنة وهي الصحابيه الجليلة صاحبة المنزلة والمكانة السامية العالية رفيعة الشأن وهي الداعية المؤمنة والزوجة الصالحة والأم الحنون العطوف وأم حب النبي صلي الله عليه وسلم وربيب بيته الكريم .
وكان أيضا من مواقف أم سليم بنت ملحان مع النبي صلي الله عليه وسلم أنها جاءت رضي الله عنها إليه فقالت له والسيدة أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما عنده يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق ماذا تفعل المرأة التي ترى ما يرى الرجل في المنام فترى من نفسها ما يرى الرجل من نفسه فقالت لها عائشة يا أم سليم فضحت النساء تربت يمينك فقال النبي لعائشة بل أنت فتربت يمينك نعم فلتغتسل يا أم سليم إذا رأت ذلك وفي صحيح البخاري عن عكرمة أن أهل المدينة المنورة سألوا الإمام إبن عباس عن إمرأة طافت ثم حاضت فقال لهم تنفر قالوا لا نأخذ بقولك وندع قول زيد قال إذا قدمتم المدينة فسلوا فقدموا المدينة فكان فيمن سألوا أم سليم رضي الله عنها فذكرت حديث صفية رضي الله عنها عن قول النبي صلى الله عليه وسلم لحفصة عقرى حلقى إِنك لحابستنا أَما كنت طفت يوم النحر قالت بلى قال فَلا بأْس إنفرى وفضلا عن ذلك كانت أم سليم من أشد الصحابيات كرما مع رسول الله صلي الله عليه وسلم فقد روى البخارى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سليم فأتته بتمر وسمن فقال لها أعيدوا سمنكم في سقائه وتمركم في وعائه فإني صائم ثم قام إلى ناحية من البيت فصلى صلاة غير الصلاة المكتوبة ودعا لأم سليم ولأهل بيتها وكان من كرم أم سليم أيضا مع النبي محمد صلي الله عليه وسلم أنها كانت تتفقده وتبعث إليه بالهدايا والطعام ويقول إبنها أنس إنه كانت لها شاة فجمعت من سمنها في عكة وهي آنية السمن وأرسلتها إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال أفرغوا لها عكتها ففعلوا وعلقوها على وتد فأتت أم سليم وكانت غائبة فرأت العكة ممتلئة سمنا فلما أخبرت النبي بذلك قال أتعجبين إن كان الله أطعمك كما أطعمت نبيه كلي وأطعمي وقد إكتسبت أم سليم من ملازمتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم توجيهات جمة منها فقد روى أن النبي زارها وصلى في بيتها تطوعا وقال يا أم سليم إذا صليت الصلاة المكتوبة فقولي بعد أن تسلمي سبحان الله عشرا والحمد لله عشرا والله أكبر عشرا ثم سلي الله عز وجل ما شئت فإنه يقال لك نعم نعم نعم وهكذا كانت أم سليم العاقلة الفاضلة الحريصة على إكتساب العلم لاسيما ويذكر عنها إنها قد صحبت النبي في السفر والحضر وفي الحرب والسلم وكان صلى الله عليه وسلم يخصها بزيارات متكررة في بيتها وذكر عن نفسه إنه كان من محارمها وكان يجلس معها طويلًا فتسأله عن أحكام شرعية كثيرة ورأت منه السنن الفعلية وسمعت أيضا القولية حيث روت أحاديث كثيرة عنه كما أنها شهدت منه كيفية تطبيق كثير من الأحكام الشرعية والهيئات الفعلية وهكذا كان لأم سليم بنت ملحان رضي الله عنها فضائل كثيرة فلا يوجد باب من أبواب الخير إلا وكان لها فيه نصيب أضف إلى ذلك روايتها للحديث النبوى الشريف فقد روت عن النبي صلي الله عليه وسلم عدد 14 منها في الصحيحين تلك هي أم سليم الأنصارية وما تركته لنا من مواقف هي في الحقيقة بطولات في ميادين المنافسة بضروب من الطاعات ومشاهد من التضحيات مع ثبات على المبدأ في السراء والضراء وهذه المواقف تعد بمثابة عدة للصابرين وزاد يتزود بها السالك في دروب الخير وأخيرا كان وفاتها علي الأرجح عام 40 هجرية ودفنت بمقبرة البقيع بالمدينة المنورة .
|