بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
الإمام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار النسائي أحد أئمة الحديث النبوى الشريف خلال الثلاثة أرباع الأولى من القرن الثالث الهجرى وهو صاحب كتاب السنن الكبرى المعروف بإسم سنن النسائي والذى إشتهر به وهو أحد كتب الحديث النبوى الشريف الستة المشهورة وكانت الكتب الخمسة الأخرى هي صحيح البخارى وصحيح مسلم وسنن الترمذى وسنن أبي داود وسنن إبن ماجة وكانت الفترة التي عاش خلالها الإمام النسائي تعد عصر إزدهار علم الحديث إبان العصر الذهبي للدولة العباسية حيث كان ذلك القرن هو قرن الحديث النبوى الشريف بلا منازع ونشطت خلاله حركة الجمع والنقد وتمييز الأحاديث الصحيحة من الضعيفة والموضوعة ومعرفة الرجال ودرجاتهم من الضبط والإتقان وحالهم من الصلاح والتقوى أو الهوى والميل وذلك بعد أن كان الكذابون والوضاعون خلال القرن الثاني الهجرى قد أدخلوا في الحديث ما ليس من أحاديث وكلام النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وكان هذا مكمن الصعوبة ومن ثم كان الأمر يحتاج إلى مناهج غاية في الدقة والصرامة لتبين الحديث الصحيح من غيره وهذا ما قام به جهابذة وأئمة علم الحديث النبوى الشريف العظام ولذا ظهرت الكتب التي رأى أئمة الحفاظ أن تجمع الحديث النبوى الشريف الصحيح فقط وفق شروط صارمة ومناهج محكمة ومن ثم فقد ظهر فيه علماء وأئمة الحديث النبوى الشريف الذين بذلوا جهدا خارقا لا يمكن إنكاره في جمعه بكل دقة وكان علي رأسهم ومن أبرزهم غير الإمام النسائي أصحاب الكتب المذكورة في السطور السابقة وهم الإمام والفقيه محمد بن إسماعيل البخارى صاحب كتاب صحيح البخارى والإمام والفقيه مسلم بن الحجاج بن مسلم صاحب كتاب صحيح مسلم والإمام أبو داود السجستاني صاحب كتاب سنن أبي داود والإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة صاحب كتاب سنن إبن ماجة وكان ميلاد الإمام النسائي في عام 215 هجرية الموافق عام 830م في مدينة نسا بإقليم خراسان الواقعة اليوم علي بعد 18 كم جنوب غرب العاصمة التركمانستانية عشق آباد ومنها إكتسب لقبه النسائي مثلما كان معهودا في زمانه وهو نسب الأئمة إلي بلدانهم التي ولدوا بها وكان إقليم خراسان آنذاك والذى يشمل المنطقة الشاسعة التي تضم أفغانستان والقسم الجنوبي من تركمانستان وشرق إيران اليوم واحدا من أهم قلاع العلم والمعرفة ففيها تواجد كبار علماء وأئمة ورواة وفقهاء الحديث خلال القرن الثالث الهجرى وما بعده كان منهم الإمام مسلم بن الحجاج صاحب كتاب صحيح مسلم والإمام والفقيه الشافعي محمد بن نصر المروزى والإمام والفقيه أبو بكر البيهقي والإمام والفقيه أبو زيد البلخي والإمام والمحدث والفقيه أبو عبد الله الحاكم النيسابورى وغيرهم ومما يذكر أنه في بدايات القرن الثالث الهجرى برز الإمام البخارى علما لا نظير له في علم الحديث النبوى الشريف وكان قد طاف مدن إقليم خراسان وأخذ من أشياخها وفي وسط هذه البيئة التي جمعت مئات من كبار العلماء نشأ الإمام النسائي وحفظ القرآن الكريم في بلدته ثم لما شب عن الطوق ووصل إلي سن الخامسة عشرة من عمره وذلك عام 230هجرية الموافق عام 845م قرر التوجه إلى بلدة بغلان القريبة من نواحي بلخ شمال أفغانستان اليوم ليَلزم الإمام الراوية المحدث والحافظ قتيبة بن سعيد البلخي المتوفي عام 240 هجرية الموافق عام 855م وكان قتيبة من كبار الأئمة المحدثين وكان قد سمع على الإمام مالك بن أنس في المدينة المنورة والإمام الليث بن سعد في مصر كما سمع علي علماء وفقهاء العراق والشام ثم عاد إلى بلدته فكان منارة لأبناء خراسان وبلاد ما وراء النهر فتتلمذ عليه جمهرة من كبارهم على رأسهم الإمامان الجليلان البخارى ومسلم وظل الإمام النسائي عاما وشهرين لا يبرح شيخه قُتيبة يسمع منه كل ما كان في جعبته من علوم الحديث والرواية .
ومما لا شك فيه أن الإمام النسائي قد سمع من شيخه قتيبة بن سعيد عن رحلته إلى الجزيرة العربية والعراق ومصر وحلب والمصيصة بجنوب تركيا وغيرها وعن لقائه بأكابر علماء الأمة من الفقهاء والمحدثين وهو ما إستهوى لديه هذا الحس وهو ما يزال في ريعان شبابه فقرر السفر منطلقا إلى مدن إيران والعراق والجزيرة والشام والثغور ثم مصر التي إرتاحت نفسه بها وقرر سكناها منذ عام 243 هجرية الموافق عام 857م وحتى عام 302 هجرية الموافق عام 914م أى ما يقرب من ستة عقود علم فيها النسائي طلبة العلم الذين قصدوه من بقاع العالم الإسلامي كافة وجدير بالذكر أن الإمام النسائي وإن كان قد سمع في خراسان من أكبر علمائها الإمام قتيبة بن سعيد البلخي فقد أيضا قرأ على علامة المشرق الملقب بالإمام الكبير والفقيه إسحاق بن راهويه ومحدث الشام القاضي والإمام الحافظ عبد الرحمن بن إبراهيم بن الدمشقي المعروف بدحيم القرشي والإمام الحافظ المجود عمرو بن علي الفلاس البصرى وعلامة العراق الإمام والمحدث أبو كريب محمد بن العلاء بن كريب الكوفي وفي مصر إستوطن الإمام النسائي زقاق القناديل قُرب جامع عمرو بن العاص المعروف بالجامع العتيق في العاصمة الفسطاط وقصد مجلس الإمام والمحدث والفقيه الحارث بن مسكين عالم مصر وقاضيها الحافظ آنذاك وكان الإمام النسائي حينذاك يرتدى قلنسوة طويلة وقباء طويل وكان الحارث آنذاك بينه وبين السلطان خلاف فخاف أن يكون النسائي عينا للسلطان وجاسوسا له فمنعه من حضور درسه فلم يتراجع النسائي أو يمتنع عن المجلس بل كان يجئ ويجلس خلف باب المجلس ويسمع دون أن يراه الحارث ولذلك نجده يقول دائما أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع وإستمر النسائي علي ذلك حتي وفاة الحارث بن مسكين عام 250 هجرية الموافق عام 864م وكان قد تخطي عمره الستة والتسعين عاما وفي مصر ومع مرور الوقت إشتهر الإمام النسائي وذاع صيته داخل وخارج مصر وطوال ستة عقود ظل مجلسه في جامع عمرو بن العاص محط أنظار العالمين ولقد أخذ عليه آلاف من طلبة العلم بل من كبار العلماء والفقهاء وحفاظ الحديث ورواته منهم الإمام الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني وعالم مصر في زمنه الإمام عبد الرحمن بن أحمد بن يونس وشيخ خراسان الإمام والفقيه الحافظ أبو علي الحسين بن علي النيسابورى ومحدث مصر وفقيهها المتقن الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوى الحنفي ومحمد بن إسحاق الدينورى المعروف بإبن السني ومئات غيرهم وجدنا منهم أسماء عديدة جاءت من مشارق الأرض ومغاربها إلى مصر للسماع عليه والتتلمذ علي يديه في جامع عمرو بن العاص وجاء إليه أيضا طلبة المغرب والأندلس أفواجا مثل قاسم بن ثابت العوفي السرقسطي وإبن الأحمر البقرى الأندلسي الذى كان صديقا للنسائي ومئات غيرهم يضيق المقام عن ذكرهم كلهم حرصوا على النزول إلى مصر للسماع من علامة الحديث الإمام النسائي وكان أكبر دليل يكشف لنا عن المكانة المرموقة التي بلغها الإمام النسائي آنذاك أن أية مقارنة كانت تعقد بينه وبين غيره من أئمة الحديث في عصره كان كبار الحفاظ والعلماء والفقهاء يرجحون فيها كفة النسائي على الفور فقد سئل الحافظ وصاحب المؤلفات المتقنة في علوم القرآن الكريم والحديث الإمام أبي الحسن علي بن عمر الدارقُطني إذا حدث شيخ الإسلام والحجة والفقيه والمحدث محمد بن إسحاق بن خزيمة والإمام والمحدث والقاضي أحمد بن شعيب النسائي حديثا فمن تقدم منهما قال النسائي ولا أقدم عليه أحدا وإن كان إبن خزيمة إماما ثبتا معدوم النظير ويجب أن نعلم أن الدارقطني كان من أعلم رجال الحديث أيضا مما يبين لنا مكانة النسائي العظيمة في تلك الأزمان بين الأقران ولهذا السبب إختص به بعض التلاميذ الذين لم يريدوا أن ينطلقوا لسماع الحديث من الأقطار الإسلامية الأخرى ورأوا في شيخهم النسائي الكفاية والوفاية وعلى رأسهم العالم والإمام والفقيه الشافعي أبو بكر محمد بن الحداد المصرى الذى كان كثير الحديث ولم يحدث عن أحد غير أبي عبد الرحمن النسائي فقط وقال رضيت به حجة بيني وبين الله .
وعن الصفات الشخصية للإمام النسائي فقد كان مليح وحسن الوجه مشرق اللون ظاهر الدم حسن الشيبة وجهه كأنه قنديل وكان يأكل من الطيبات حيث كان يأكل في كل يوم ديكا ويشرب عليه نقيع الزبيب الحلال ويكتسي الحسن من الثياب وكان له أربع زوجات وسريتان وكان يعدل بينهم جميعا حيث كان يقسم للإماء كما يقسم للحرائر وفضلا عن ذلك فقد كان ناسكا متعبدا لربه مقيما للسنن المأثورة يصوم صيام نبي الله داود فكان يصوم يوما ويفطر يوما كما كان رحمه الله محبا لطلب العلم والترحال من أجل تحصيله فقد جال البلاد والأقطار الإسلامية وإستوطن مصر كما ذكرنا في السطور السابقة وعرف عنه أنه كان يجتهد في العبادة وقال عن ذلك الإمام الحافظ أبو الحسين محمد بن مظفر سمعت مشايخنا بمصر يعترفون له بالتقدم والإمامة ويصفون إجتهاده في العبادة بالليل والنهار ومواظبته على الحج والجهاد أما مكانته العلمية فقد وصف بأنه كان من بحور العلم مع الفهم والإتقان والبصر ونقد الرجال وحسن التأليف ولم يبق له نظير في هذا الشأن وفضلا عن ذلك كان الإمام النسائي يشارك في الجهاد في سبيل الله في مناطق الثغور في جنوب إقليم الأناضول وغيره من الثغور وكان يحرص على فداء الأسرى من حر ماله وقال عن ذلك الإمام إبن عساكر في تاريخ دمشق سمعت مشايخنا بمصر يعترفون للإمام أبي عبد الرحمن النسائي بأنه خرج إلى الفداء مع والي مصر فوصف من شهامته وإقامته السنن المأثورة في فداء المسلمين وإحترازه عن مجالسة السلطان الذى خرج معه والإنبساط بالمأكول والمشروب في رحلته وأنه لم يزل ذلك دأبه حتي وفاته وقد عرف عن الإمام النسائي في جمعه للحديث أنه لم يكن ممن يتهاونون في علم الرجال وتوثيقهم وتعديلهم وجرحهم ونقدهم والرجال هنا هم رواة الحديث النبوي الشريف منذ زمن النبي صلي الله عليه وسلم والصحابة الكرام وحتى عصره وقد عرف عنه أنه كان أكثر تحرزا من الإمامين البخارى ومسلم في تعديل الرجال والحكم عليهم حتى سئل إمام المسجد الحرام بمكة المكرمة العلامة أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني بمكة المكرمة عن حال رجل من رواة الحديث النبوى الشريف فوثقه فقلت إن الإمام النسائي ضعفَه فقال يا بني إن للإمام أبي عبد الرحمن في الرجال شروطا أشد من شروط الإمامين البخاري ومسلم ولهذا السبب وصفه المؤرخ شمس الدين الذهبي والإمام إبن حجر العسقلاني بالتشدد في قبول الرواة وتعديلهم وعلي الرغم من تشدد النسائي في هذه الشروط فقد إتفقوا على حفظه وإتقانه والإعتماد على قوله في الجرح والتعديل وقال فيه الإمام والمؤرخ شمس الدين الذهبي لم يكن أحد في رأس الثلاثمائة يقصد بداية القرن الرابع الهجرى أحفظُ وأحذق بالحديث النبوى الشريف وعلله ورجاله من الإمام أبي عبد الرحمن النسائي والإمام مسلم بن الحجاج والإمام أبي داود السجستاني والإمام أبي عيسى الترمذى وكان النسائي جار في مضمار الإمام والفقيه البخارى والإمام والمحدث أبي زرعة الرازى كما قال عنه الإمام والمحدث أبو عبد الله محمد إبن منده الذين أخرجوا الحديث الصحيح وميزوا الثابت من المعلول والخطأ من الصواب أربعة هم الإمام والفقيه البخارى والإمام والفقيه مسلم بن الحجاج وبعدهما الإمام والفقيه أبو داود السجستاني والإمام والفقيه أبو عبد الرحمن النسائي .
وقد أفاض الباحثون في ذكر منهج الإمام النسائي في الجرح والتعديل وجهوده في حفظ السنة النبوية حتى صنف كتابه السنن الكبرى ثم المجتبى منها وهي الأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة من هذا الكتاب المعروفة اليوم بالسنن الصغرى وقد أطلق بعض العلماء والفقهاء والمحدثون الكبار علي كتاب السنن الكبرى الصحيح تشبيها له بصحيحي البخارى ومسلم ولكن لم يخل هذا الكتاب من بعض الأحاديث الضعيفة ورغم ذلك قال عنه الإمام الحافظ إبن حجر العسقلاني وفي الجملة فكتاب الإمام النسائي السنن الكبرى أقل الكتب بعد الصحيحين حديثا ضعيفا ورجلا مجروحا ومن يقرأ كتاب السنن الكبرى سوف يجد فيه إقتصارا على أحاديث الأحكام مثل سنن أبي داود والترمذى وسيجد أيضا أن الإمام النسائي قد جمع فيه بين فوائد الإسناد وأبواب الفقه كما تكلم عن الأحاديث وعللها وبين ما فيها من الزيادات والإختلافات وسيجد قارئ هذا الكتاب أيضا أنه يشبه منهج الإمام البخارى في تدقيق الإستنباط والتبويب لما يستنبطه بحيث يكرر لذلك المتون ومن أمثلة ذلك قصة أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها في إتباعها سرا للنبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من عندها ليلا إلى البقيع فإننا نجد أنه ذكرها في الأمر بالإستغفار للمؤمنين من الجنائز ومن ثم فكتابه يعد واحدا من أمهات الكتب الستة الموثّقة والعالية في أحاديث النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ولذلك فقد إهتم بشرحه العديد من العلماء والفقهاء منها شرح الشيخ المحدث والإمام سراج الدين عمر بن علي بن الملقن الشافعي المتوفى عام 804 هجرية الموافق عام 1402م وهو شرح لزوائد سنن النسائي على ما جاء في الصحيحين البخارى ومسلم وأيضا منها شرح الحافظ والإمام والفقيه والمؤرخ جلال الدين السيوطي المتوفى عام 911 هجرية الموافق عام 1505م وهو عبارة عن تعليق على سنن النسائي كتعليقه على صحيح البخارى وعلاوة علي ذلك فإن للإمام النسائي مؤلفات أخرى غير كتابيه الشهيرين السنن الكبرى والسنن الصغرى أو المجتبي من أشهرها وأهمها كتاب في علم الجرح والتعديل إسمه الضعفاء والمتروكون جمع فيه الإمام النسائي الرواة الذين تم تجريحهم وبين حالهم ونسبتهم بإختصار فقد جمع فيه كل من كانت مرتبته ضعيف أو متروك أو ليس بشئ أو وضاع أو كذاب وهو من بين أهم الكتب التي صنفت في الجرح والتعديل التي يعتمد عليها المحدثون كالإمام إبن حجر العسقلاني والإمام والمحدث والحافظ والمؤرخ شمس الدين الذهبي والإمام والمحدث أبو عبد الرحمن الألباني وقد صنف الإمام النسائي هذا الكتاب بترتيب الحروف الأبجدية العربية وقسمه إلى أبواب وجمع فيه عدد 675 من رواة الحديث النبوى الشريف وكان من مؤلفات الإمام النسائي أيضا كتاب بعنوان خصائص أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو كتاب جمع فيه الإمام النسائي مناقب وفضائل وخصائص أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب وكان السبب في تأليفه لهذا الكتاب كما صرح بذلك صاحبه ومؤلفه الإمام النسائي قائلا دخلت دمشق والمنحرف بها عن الإمام علي رضي الله عنه كثير من أهلها فصنفت كتاب الخصائص راجيا من المولي عز وجل أن يهديهم إلي سواء السبيل وقال الإمام إبن حجر العسقلاني عنه لقد تتبع النسائي في هذا الكتاب ما خص به الإمام علي رضي الله عنه من دون الصحابة الكرام فجمع من ذلك شيئا كثيرا بأسانيد آكثرها جيد وفي واقع الأمر فقد كان للإمام النسائي مؤلفات أخرى عديدة لكن لم يكن لها نفس شهرة المؤلفات السابقة نذكر منها كتاب فضائل الصحابة وكتاب المناسك وكتاب تسمية مشايخ النسائي الذين سمع منهم ومعه ذكر المدلسين وكتاب عشرة النساء وكتاب الأغراب وكتاب المنتقى من عمل اليوم والليلة وكتاب فضائل القرآن الكريم وكتاب العلم وكتاب الإمامة والجماعة وكتاب النعوت والأسماء والصفات وكتاب الجزء والذى بين من خلاله من روى عنهم وكتاب الجمعة وكتاب صحيح وضعيف سنن النسائي وكتاب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وكتاب من لم يرو عنه غير واحد .
وقد أثني علي الإمام النسائي العديد من علماء وفقهاء عصره ومن جاءوا بعده أيضا حيث إستنطق هذا الإمام بجهده أفواههم وكان من هؤلاء الإمام والمحدث أبو عبد الله الحاكم النيسابورى حيث قال كلام الإمام النسائي على فقه الحديث كثير ومن نظر في سننه تحير في حسن كلامه وقال عنه المؤرخ عز الدين إبن الأثير الجزرى كان النسائي شافعيا له مناسك على مذهب الإمام الشافعي وكان ورعا متحريا وقال الإمام الحافظ أبو الحسن الدارقطني الإمام أبو عبد الرحمن النسائي مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره وقال وكان أفقه مشايخ مصر في عصره وأعلمهم بالحديث والرجال وقال أيضا كان العالم والفقيه أبو بكر بن الحداد الشافعي كثير الحديث ولم يحدث عن غير الإمام النسائي وقال رضيت به حجة بيني وبين الله تعالى وقال الإمام شمس الدين الذهبي هو أحفظ من الإمام مسلم بن الحجاج وقال الإمام والمحدث أبو أحمد بن عدى الجرجاني سمعت الشاعر والفقيه الشافعي منصور بن إسماعيل الفقيه والإمام والفقيه الحنفي أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوى يقولان كان الإمام أبو عبد الرحمن النسائي إمام من أئمة المسلمين وقال الحافظ والمحدث أبو عبد الرحمن السلمي النيسابورى الإمام أبو عبد الرحمن النسائي هو الإمام في الحديث بلا مدافعة وقال المحدث مأمون المصرى خرجنا إلى طرسوس مع الإمام النسائي فإجتمع جماعة من الأئمة عبد الله بن أحمد بن حنبل ومحمد بن إبراهيم وأبو الآذان وأبو بكر الأنماطي فتشاوروا من ينتقي لهم على الشيوخ فأجمعوا على أبي عبد الرحمن النسائي وكتبوا كلهم بإنتخابه وأخيرا نختم مقالنا بقصة وفاة الإمام ابي عبد الرحمن النسائي وتتلخص هذه القصة في أنه خرج من مصر في شهر ذى القعدة عام 302 هجرية الموافق شهر يونيو عام 915م قاصدا بلاد الشام وقيل إلى ناحية دمشق وقيل الرملة في فلسطين وغير معلوم على وجه الدقة سبب خروجه ربما كان للحج أو العمرة كما قيل إنه لما فاقت شهرته الآفاق فعند ذلك حسده الأقران وظهر ذلك منهم في قسمات وجوههم وفلتات ألسنتهم وهذا الحسد أزعج النسائي وضاقت به نفسه حتى عزم على الخروج من البلد كلها وكانت الشام حينذاك لا تزال إلى ذلك الحين تتعصب إلى الخليفة الأموى الأول معاوية بن ابي سفيان مثلما كانت الكوفة تتعصب للخليفة الراشد الرابع الإمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه ولما رأى الإمام النسائي ذلك صنف كتابا في فضائل الإمام علي والذى تحدثنا عنه في السطور السابقة وكان يريد من وراء ذلك كما هي عادة العلماء آنذاك التعريف بفضائل الصحابة الكرام في الأقاليم المخالفة لهؤلاء الصحابة وذات يوم أخذ النسائي في رواية أحاديث فضل الصحابة بمسجد مدينة الرملة في فلسطين فطلب منه الحاضرون أن يروى حديثا في فضل معاوية رضي الله عنه فإمتنع عن ذلك لأنه وبمنتهى البساطة لم يخرج حديثًا في فضل معاوية ومروياته كلها ليس فيها حديث واحد في ذلك فألحوا عليه فرفض بشدة وكان كعادته ضابطًا متقنا شديد التحرى لألفاظه ورواياته للأحاديث فألحوا عليه أكثر وشتموه فرد عليهم بكلام شديد أحفظهم إذ قال لهم أى شئ أخرج غير حديث اللهم لا تشبع بطنه وهو حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ولكن ليس لي سند في مروياته لكي أخرجه به ولأن الجهل والتعصب يعمي البصائر ويسود النفوس فقد إعتبر الجهلة والمتعصبين لبني أمية أن النسائي شيعيا رافضيا فقاموا بالإعتداء عليه وضربوا ضربا مبرحا وطردوه من المسجد وداسوه بنعالهم وقد أثر ذلك في صحته وهو الذى كان يبلغ آنذاك من العمر 88 عاما وما لبث أن توفي بعد ذلك في شهر صفر عام 303 هجرية الموافق شهر سبتمبر عام 915م ودفن في مكة المكرمة وقيل في الرملة أو في دمشق وذلك بعد رحلة طويلة في طلب العلوم ونشرها رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وقد عده كثير من أهل العلم من الشهداء ونعم الشهيد الذى يموت على يد الجهلة والأغبياء المتعصبين الذين لا يعرفون الحق من الباطل والعالم من الظالم وجدير بالذكر أنه في عام 2004م قامت الشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي بإنتاج مسلسل من عدد 33 حلقة تناول مسيرة الإمام النسائي منذ مولده وحتي وفاته من تأليف الكاتب عايد الرباط والذى إشتهر بتأليف المسلسلات الدينية ومن إخراج مصطفي الشال ولعب دور الإمام النسائي الفنان القدير حسن يوسف وشاركه البطولة الفنانون والفنانات الكبار أشرف عبد الغفور ومحمود الحديني وحلمي فودة ومديحة حمدى ومني عبد الغني وميار الببلاوى .
|