بقلم الدكتور/ محمود رمضان
مدير مَرّكَزُ الخَلِيجَ للبُحوثِ وَالدّرَاسَاتِ التَّارِيخيَّةِ
خبير الآثار والعمارة الإسلامية
عرف التاريخ أصناف شتى للسفسطائيين وجُل ما نعتوا به أنهم اهتموا كثيراً باللغة والبلاغة وفنون الخطاب وإجادة فن اِستهواء الآخرين أي محاولة السيطرة على فكرهم بكل سهولة ويسر، تأخر السفسطائيون في بلوغ مكمن الحقيقة، بل فقدوا الوصول للدرجات الأولى منها، وبالتالي لم يتم تصحيح مسار أعوجاج فكرهم الذي يقوم على أساس أن الإنسان مقياس ومصدر كل شييء ، وأهملوا التأمل النظري وإمعان الفكر والعقل في دراسة التاريخ والقضايا الإنسانية للخروج بنتائج تعظم الذاكرة البشرية وبقاء الأحداث وتسجيلها واِستنباط النتائج وربط مصادر الحصول عليها واستدعاء المتشابه منها في الوقت المناسب كرافد من روافد المواعظ والعبر في تحليل الأحداث التاريخية وعلم تاريخ الإنسان ، بل سيطرت المادة وفنون تحصيل المال على عقولهم فصار أي شييء يملكونه أو يقدمونه حتى العلم عبارة عن سلعة مفادها الحصول على المال، وفي معظم الاحيان يظهر السفسطائيون على حقيقتهم ومؤداها أن الحقيقة نسبية غير مطلقة أي متغيرة تقوم على أساس تغير مصالح الإنسان ورغباته المختلفة بإعتباره مقياس الحقيقة التي يؤمنون بها والعمل على تطبيقها في علومهم الدنيوية.
وفي موازة هذا الاتجاه ظهر اتجاه آخر يدعم فكر السفسطائيين الكلاسيكي ويبرز طرحهم المعاصر هو أشتغال بعضهم بالسياسة -فن الحصول على مكاسب أكثر - على حساب الفضائل والأخلاق ، لأن هدفهم الأسمى هو إقنتاص فرص الفوز في مجالهم وتحقيق النجاح والتميز بسرعة الصوت او أسرع قليلاً منه دون وجه حق او أي عدل لا حسب معايير الشفافية والنقاء المعمول بها عبر التاريخ عند أهل الأرض وغاصت عقولهم في المنفعة بعيداً عن العدالة الحقة التي شرعها خالق الأرض والسماء.
ولما كان ذلك كذلك، فأن منهج السفسطائيين وطرحهم الفكري وفقا لمعايير المنهج التاريخي والمنطقي أصابته علل الهشاشة والضعف لاعتماده في بناء فكره على أساس اكثر هشاشة وإضمحلال، ولن يحقق الأخذ به أي فوز ونجاح ، وأن حدث وخالفت هذه الفرضية بعض نتائجها وحقق السفسطائي فوزاً سريعاً بمقياس إنسانيته ومنهجها ، إلا أنه سرعان ما يتلاشى النجاح المشار إليه، ليبرز على ساحة الشرف والتميز من له الحق في النجاح الحقيقي بالعدالة و اليقين وشهادة التاريخ.
=========
* ( تبسيط الثقافات والمعارف والتاريخ والحضارة والآثار والفنون والعلوم الإنسانية وروافدها واتاحتها للمجتمعات البشرية في هذا الكون- المعرفة ليست حكراً على أحد)
(الثقافة حق للجميع -لا حَجْرَ على فِكْر) |