بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
محمد بن الحنفية هو أبو القاسم محمد بن الإمام علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي القرشي أي أن أبوه هو الإمام علي بن أبي طالب إبن عم الرسول صلي الله عليه وسلم والذى تربي في بيت النبوة وزوجه النبي من إبنته الصغرى من زوجته الأولي أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد السيدة فاطمة الزهراء وأمه هي خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية نسبة إلي قبيلتها بني حنيفة والتي ينتهي نسبها إلي بكر بن وائل وهو من نسل ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان من بني نبي الله إسماعيل عليه السلام ولذا فهو ينسب إليها تمييزا عن أخويه الأكبرين إبني الإمام علي بن أبي طالب من السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها الإمام الحسن والإمام الحسين رضي الله عنهما وقد كني بأبي القاسم حيث كان رسول الله صلي الله عليه وسلم قد أذن للإمام علي بن أبي طالب بأنه يمكنه من بعده أن يسمى أحد أولاده بإسمه وأن يكنى بكنيته ففي ذات يوم كان الإمام علي كرم الله وجهه في جلسة مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال له يا رسول الله أرأيت إن ولد لي ولد من بعدك أفَأسميه بإسمك وأكنيه بكنيتك فقال الرسول نعم ودارت الأيام فلحقَ النبي صلى الله عليه وسلّم بالرفيق الأعلى وتلته بعد أشهر قليلة إبنته وريحانته السيدة فاطمة الزهراء فكان للإمام علي أن يتزوج بعد وفاتها وبالفعل تزوج من امرأة من بني حنيفة هي خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية كما ذكرنا في السطور السابقة فولدت له مولودا سماه محمدا وكناه بأبي القاسم طبقا لإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعتبر من الطبقة الأولي من التابعين الذين ولدوا بعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم لكنهم أدركوا الكثير من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم وسمعوا منهم وتعلموا منهم الكثير ورووا عنهم الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة وقد إشتهر بأنه كان ورعا تقيا واسع العلم ثقة وله عدة أحاديث في كتابي صحيح البخارى وصحيح مسلم وفضلا عن ذلك فقد كان من الأبطال الصناديد الأشداء فكان قائدا كبيرا من قادة معركة الجمل التي وقعت قرب البصرة علي الأرجح في شهر جمادى الأولي عام 36 هجرية بين أنصار الإمام علي وأنصار الصحابيين الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله ومعركة صفين التي وقعت قرب الحدود العراقية الشامية في شهر صفر عام 37 هجرية بين أنصار الخليفة الراشد الرابع أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب وأنصار الصحابي معاوية بن أبي سفيان واللتين خاضهما أبوه الإمام علي رضي الله عنه حيث حمل الراية فيهما وأبلى بلاءا حسنا وكان أبوه يعتمد عليه كثيرا في هذه الحروب رغم صغر سنه ومن ثم فقد ساعدت هذه المرحلة كثيرا على صقل وتقوية شخصيته وقيل له ذات مرة في محاولة من البعض لإستثارته والوقيعة بينه وبين ابيه وأخويه الأكبرين الإمامين الحسن والحسين لم يزج بك أبوك في المعارك ويغرر بك في الحروب ولا يغرر بأخويك الحسن والحسين فقال لهم إنهما عيناه وأنا يمينه فهو يدفع عن عينيه بيمينه ومما يذكر أيضا أنه قد وقعت بين محمد بن الحنفية وأخيه الأكبر الإمام الحسن بن علي رضي الله عنه ذات يوم خصومة وجفوة فأرسل إبن الحنفية إلى أخيه الإمام الحسن بن علي رسالة قال له فيها إن الله فضلك علي فأُمك هي السيدة فاطمة الزهراء بنت النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وأمي إمرأة من بني حنيفة وجدك من أمك رسول الله وصفوته من خلقه وجدى لأمي جعفر بن قيس فإذا جاءك كتابي هذا فتعال إلي وصالحني حتى يكون لك الفضل علي في كل شئ فما إن بلغت رسالته الإمام الحسن رضي الله عنه حتي صفت نفسه تجاه أخيه إبن الحنفية ونسي ما بينهما من خصومة وبادر مسرعا إلى بيته وصالحه .
وكان ميلاد محمد بن الحنفية علي الأرجح في أوائل عام 14 هجرية بعد أشهر قليلة من وفاة الخليفة الراشد الأول أبي بكر الصديق وفي أوائل عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب وبذلك فهو لم يدرك النبي محمد صلي الله عليه وسلم إلا أنه قد تعلق به تعلقا شديدا وتعلق أيضا بالقرآن الكريم وله تفاسير في العديد من الآيات وقال عن ذلك إبن إبن شقيقه الإمام محمد الباقر بن علي بن الإمام الحسين رضي الله عنه وهو الإمام الخامس من أئمة الشيعة الإثني عشر ان محمد بن الحنفية يقول إن إسم الله الصمد يعني أنه القائم بنفسه الغني عن غيره وقد نقل معنى منبسطا عن أبيه الإمام علي حول معنى الصمد يطول بيانه وفي تفسير الآية القرآنية فأذَّنَ مؤذّنٌ بينهم أنْ لَعنةُ الله على الظالمين روى الإمام الحنفي الحافظ أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحاكم الحسكاني النيسابورى بإسناده عن محمد بن الحنفية عن الإمام علي أنه قال أنا ذلك المؤذن وروى عن أبيه في ظل الآية القائلة إنّا عَرَضْنا الأمانةَ علَى السَّماواتِ والأرضِ والجبالِ فأبَيْنَ أن يَحملنَها وأشفَقْنَ منها وحَمَلَها الإنسانُ إنّه كان ظَلُوماً جَهُولاً أنه قال عرَض الله أمانته وإمامته وولايته على السماوات السبع بالثواب والعقاب فقلن ربنا لا نحملها بالثواب والعقاب ولكن نحملها بلا ثواب ولا عقاب وإن الله عرض أمانته على الأرض فكل بقعة آمنت بولايته وأمانته جعلها الله طيبة مباركة زكية وجعل نباتها وثمرها حلوا عذبا وجعل ماءها زلالا ثم قال وحملها الإنسان يعني أمتك يا محمد بما فيها من الثواب والعقاب وإنه كان ظلوما لنفسه جهولا لأمر ربه من لم يؤدها بحقها فهو ظلوم غشوم وفي الآية ورَجُلاً سَلَماً لرجل روى المنذر بن يعلي الثورى الكوفي عن محمد بن الحنفية عن أبيه أنه قال أنا ذلك الرجلُ السلم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي ظل الآية الله يَستهزئُ بهم بين إبن الحنفية أن هؤلاء وهم من بني أُمية قالوا إنما نحن مستهزئون بعلي بن أبي طالب فجاءت هذه الآية وهي تعني يجازيهم في الآخرة جزاء إستهزائهم بالإمام علي وروى عن أبيه الإمام علي قوله كنت عاهدت الله ورسولَه صلى الله عليه وسلم أنا وعمي حمزة وأخي جعفر وإبن عمي عبيدة بن الحارث على أمر وفينا به لله ولرسوله فتقدمني أصحابي وخلفت بعدهم لما أراد الله عز وجل فأنزل الله سبحانه فينا مِنَ المؤمنينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدوا اللهَ عليه فمِنهُم مَن قضى نَحْبَه حمزة وجعفر وعبيدة ومنهم مَن ينتظر وما بَدَّلوا تبديلاً أنا المنتظر وما بدلت تبديلا وروى أيضا أن محمد بن الحنفية قال في تفسيره للآية الكريمة إن الذين آمَنُوا وعَمِلوا الصالحاتِ سيجعلُ لَهمُ الرحمنُ وُدّاً أنه لا يبقى مؤمن إلا وفي قلبه ود للإمام علي وأهل بيته وقال إبن الحنفية أيضا عن الآية وهم يَنْهَون عنه إنهم كفار مكة والذين كانوا يدفعون الناس عنه أى عن النبي محمد صلي الله عليه وسلم ولا يستجيبون له ولا يطيعونه وفي مجال الحديث النبوى الشريف فقد سمع محمد بن الحنفية من أبيه الإمام علي بن أبي طالب الكثير والكثير ولذا فقد روى جملةً من الأحاديث النبوية الشريفة عنه كما روى عنه شئ من أحداث يوم فتح مكة المكرمة والتي سمعها من أبيه وفي ذلك يقول الإمام والفقيه المحدث حبيب بن أبي ثابت حدثني منذر الثورى إن محمد بن الحنفية قال لما أتى الرسول صلي الله عليه وسلم القوم يقصد أهل مكة من أعلى الوادى ومن أسفله وملأ الأودية كتائب إستسلموا حتى وجدوا أعوانا وقد رأى محمد إبن الحنفية الخليفة الراشد الثاني الفاروق عمر بن الخطاب وروى عنه أيضا كما رأى أيضا الخليفة الراشد الثالث ذو النورين عثمان بن عفان وروى عنه وعن الصحابيين الجليلين أبي هريرة وعمار بن ياسر وغيرهم وقال في ذلك الإمام والفقيه والمحدث إبراهيم بن الجنيد لا نعلم أحدا أسند عن الإمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه أكثر ولا أصح مما أسند محمد بن الحنفية وقد روى عنه بنوه عبد الله والحسن وإبراهيم وعون وأيضا روى عنه الإمامان محمد الباقر ومنذر الثورى والإمام المحدث والتابعي الكوفي سالم بن أبي الجعد والتابعي والمحدث الحافظ عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب والتابعي والفقيه والمحدث عمرو بن دينار وآخرون .
وإذا ما إنتقلنا إلي سيرة محمد بن الحنفية مع أبيه الإمام علي بن أبي طالب فسنجد أنه عاش جل عصره معه وإرتوى من عذب سيرته وكان المطيع لأمره وفي خدمته وقد روى عن أبيه الكثير من المواقف منها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعث عليا رضي الله عنه في غزوة بدر أن يأتيه بالماء حين سكت أصحابه عن إيراده فلما أتى القليب فملأها جاءت ريح فأهرقت الماء وهكذا في الثانية والثالثة فلما كانت الرابعة ملأها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أما الريح الأُولى فجبريل في ألف من الملائكة سلموا عليك والريح الثانية ميكائيل في ألف من الملائكة سلموا عليك والريح الثالثة إسرافيل في ألف من الملائكة سلموا عليك وروى الإمام والعالم والمفسر أبو القاسم الزمخشرى أن إبن الحنفية قال كان أبي يدعو قنبرا بالليل فيحمله دقيقا وتمرا فيمضي به إلى أبيات قد عرفها ولا يطلع عليها أحدا فقلت له يا أبت ما يمنعك أن تدفع إليه نهارا فقال يا بني إن صدقة السر تطفئ غضَب الرب ولما تولي الإمام علي خلافة المسلمين خلفا للخليفة عثمان بن عفان وكان قد بلغ أوائل العشرينيات من عمره بعثه أبوه إلى الكوفة برفقة ربيبه محمد بن أبي بكر وكان على الكوفة آنذاك الصحابي أبو موسى الأشعرى وذلك بعد أن بايع كبار الصحابة الإمام علي بن أبي طالب لخلافة المسلمين بعد حدوث الفتنة ومقتل الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان ثم إنتقل الإمام علي إلي الكوفة ونقل عاصمة الخلافة إلى هناك وبعدها إنتظر بعض الصحابة أن يقتص الإمام علي من قتلة عثمان لكنه أجل هذا الأمر ويرى أهل السنة أن الإمام علي بن أبي طالب لم يكن قادرا على تنفيذ القصاص في قتلة عثمان مع علمه بأعيانهم لأنهم سيطروا على مقاليد الأمور في المدينة النبوية وشكلوا فئة قوية ومسلحة ولذا فقد كان من الصعب القضاء عليها لذلك فضل الإنتظار ليتحين الفرصة المناسبة للقصاص لكن بعض الصحابة وعلى رأسهم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام رفضوا هذا التباطؤ في تنفيذ القصاص ولما مضت أربعة أشهر على بيعة الإمام علي دون أن ينفذ القصاص خرج طلحة والزبير إلى مكة المكرمة وإلتقوا بأم المؤمنين السيدة عائشة التي كانت عائدة من أداء فريضة الحج وإتفق رأيهم على الخروج إلى البصرة ليلتقوا بمن فيها من الخيل والرجال وكان ليس لهم غرض في القتال بل أرادوا جمع الكلمة والقصاص من قتلة عثمان بن عفان والإتفاق مع الإمام علي بن أبي طالب في الكيفية التي يمكن بها تنفيذ القصاص في مكان بعيد عن المدينة المنورة التي كانت قد صارت في تلك الأيام معقلا لقتلة عثمان ووصل طلحة والزبير وأيضا السيدة عائشة إلى البصرة والتي كان بها نفر من دعاة الفتنة الذين خرجوا على عثمان بن عفان فعمل هؤلاء النفر من دعاة الفتنة على التحريض ضد طلحة والزبير وأنصارهم فقرر عثمان بن حنيف والي البصرة من قبل الإمام علي بن أبي طالب أن يمنع طلحة والزبير وأنصارهم من دخول البصرة وأرسل إليهم حكيم بن جبلة العبدى من أجل ذلك فقام طلحة ثم الزبير يخطبان في أنصار المعسكرين فأيدهما أنصارهما ورفضهما أصحاب والي البصرة عثمان بن حنيف ثم قامت السيدة عائشة تخطب في المعسكرين فثبت معها أنصار طلحة والزبير وإنحازت إليها فرقة من أصحاب عثمان بن حنيف وبقيت فرقة أخرى مع إبن جبلة وإختلف الفريقان وكثر بينهما اللغط ثم تراموا بالحجارة ثم قام حكيم بن جبلة العبدى بتأجيج الفتنة والدعوة إلى القتال وقام بسب السيدة عائشة وقتل كل من أنكر عليه ذلك ودعا الكثير من أنصار طلحة والزبير إلى الكف عن القتال فلما لم يستجب حكيم بن جبلة العبدى وأنصاره لدعوى الكف عن القتال كر عليهم أنصار طلحة والزبير فقتل حكيم بن جبلة العبدى ثم اصطلح أنصار طلحة والزبير مع عثمان بن حنيف على أن تكون دار الإمارة والمسجد الجامع وبيت المال في يد إبن حنيف وينزل أنصار طلحة والزبير في أي مكان يريدونه من البصرة .
وكنتيجة لهذه الأحداث الخطيرة تحرك الإمام علي بن أبي طالب من الكوفة إلي البصرة وبصحبته أنصاره وإبنه محمد بن الحنفية ولما وصل علي بن أبي طالب إلى البصرة مكث فيها ثلاثة أيام والرسل بينه وبين طلحة والزبير والسيدة عائشة لا تنقطع فأرسل القعقاع بن عمرو إليهم فقال لعائشة أى أماه ما أقدمك هذا البلد فقالت أي بني الإصلاح بين الناس وأرسلت السيدة عائشة إلى الإمام علي تعلمه أنها إنما جاءت للصلح وسعى القعقاع بن عمرو بين الفريقين بالصلح وإستقر الأمر على ذلك وقرر الفريقان الجنوح للسلم والكف عن القتال والتشاور في أمر قتلة عثمان بن عفان وقام الإمام علي في الناس خطيبا فذكر الجاهلية وشقاءها وأعمالها وذكر الإسلام وسعادة أهله بالألفة والجماعة وأن الله جمعهم بعد نبيه صلي الله عليه وسلم على أبي بكر ثم بعده على عمر بن الخطاب ثم على عثمان بن عفان ثم حدث هذا الحدث الذي جرى على الأمة أقوام طلبوا الدنيا وحسدوا من أنعم الله عليه بها وعلى الفضيلة التي من الله بها وأرادوا رد الإسلام والأشياء على أدبارها والله بالغ أمره ثم قال ألا إني مرتحل غدا فإرتحلوا ولا يرتحل معي أحد أعان على قتل عثمان بشئ من أمور الناس فلما قال هذا إجتمع من رؤوسهم جماعة كـالأشتر النخعي وشريح بن أوفى وعبد الله بن سبأ المعروف بإبن السوداء وغيرهم في ألفين وخمسمائة وليس فيهم صحابي ولله الحمد حيث أنهم شعروا أن هذا الصلح سينتهي بتوقيع القصاص عليهم فخافوا على أنفسهم وقرروا أن يشعلوا الحرب بين الجيشين ويثيروا الناس ويوقعوا القتال بينهما فيفلتوا بهذا وفي اليوم التالي ومع طلوع الفجر نفذ قتلة عثمان خطتهم وكان عددهم نحو ألفي رجل فإنصرف كل فريق إلى قراباتهم فهجموا عليهم بالسيوف فثارت كل طائفة إلى قومهم ليمنعوهم وقام الناس من منامهم إلى السلاح فقالوا طرقتنا أهل الكوفة ليلا وبيتونا وغدروا بنا وظنوا أن هذا عن ملأ من أصحاب الإمام علي والذى بلغه الأمر فقال ما للناس فقالوا بيتنا أهل البصرة فثار كل فريق إلى سلاحه وركبوا الخيول وقامت الحرب على ساق وقدم وتبارز الفرسان وجالت الشجعان فنشبت الحرب وتواقف الفريقان وقد إجتمع مع الإمام علي عشرون ألفا وإلتف على السيدة عائشة ومن معها نحوا من ثلاثين ألفا وأخذ منادي علي ينادى ألا كفوا ألا كفوا فلا يسمع أحد وبذلك فرض القتال نفسه بين الفريقين وأعطي الإمام علي الرايةَ في هذه المعركة والتي سميت بمعركة الجمل نسبة إلي الجمل الذى كانت السيدة عائشة تمتطيه وقال له يا بني هذه رايةٌ لا ترد قط وهي راية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصاه قائلا له تزول الجبال ولا تزل عض على ناجذك أعر الله جمجمتك ثبت في الأرض قدمك إرم ببصرك أقصى القوم وغض بصرك وإعلم أن النصر من عند الله سبحانه وتعالي وكان يومذاك على ميمنة جيش علي مالك الأشتر وعلى ميسرته الصحابي الجليل عمار بن ياسر رضي الله عنه .
وسار جيش الإمام علي حتى وقف موقفا ومما يذكر أنه بعد إعطاء الإمام علي الراية لولده محمد قال هذا الأخير فأخذتها والريح تهب عليها فأردت أن أمشيَ بها فقال الإمام علي قف يا بني حتى آمرك ثم نادى أيها الناس لا تقتلوا مدبرا ولا تجهِزوا على جريح ولا تكشفوا عورة ولا تهيجوا إمرأة ولا تمثلوا بقتيل وبينما هو يوصي قومه إذ أظلهم نبل القوم فقتل رجل من أصحاب الإمام علي فلما رآه قتيلا قال اللهم إشهد ثم قال محمد فقال لي أمير المؤمنين رايتك يا بني قدمها ويروى العالم والمؤرح أبو عبد الله الواقدى لما صف الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه صفوفه أطال الوقوفَ والناس ينتظرون أمره فإشتد عليهم فصاحوا حتي متى يا أمير المؤمنين فصفق بإحدى يديه على الأخرى ثم قال يا عباد الله لا تعجلوا فإني كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب أن يحمل إذا هَبت الريح فأمهل حتى كان الزوال وصلي ركعتين ثم قال إدعوا إبني محمدا فدعي له محمد فوقف بين يديه ودعا بالراية فنصبت فحمد الله وأثنى عليه وقال أما هذه الراية لم ترد قط ولا ترد أبدا وإني واضعها اليوم في أهلها ودفعها إلى ولده محمد وقال له تقدم يا بني فلما رآه القوم قد أقبل والراية بين يديه فتضعضعوا فما هو إلا أن الناس نظروا إلى عزة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه والذى كان يتألم كثيرا مما يحدث من إراقة دماء المسلمين وروى إبن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح عن الحسن بن علي قال لقد رأيته يعني عليا حين إشتد القتال يلوذ بي ويقول يا حسن لوددت أني مت قبل هذا بعشرين حجة أو سنة وكان علي يتوجع على قتلى الفريقين ويقول ياليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة وروى إبن أبي شيبة أيضا أن عليا قال يوم الجمل اللهم ليس هذا أردت اللهم ليس هذا أردت فقد كان أعدل وأكثر إيمانا من أن يحتمل مقتل أحد من المسلمين ظلما وكانت المعركة الحاسمة وفيها أبلى محمد بن الحنفية بلاءا حسنا وقد أخذ منها دروسا وعبر كبرى وإنتهى القتال وقد قتل طلحة بن عبيد الله بعد أن أصابه سهم في ركبته وقيل في نحره ولا يعترف السنة بالروايات التي ذكرت أن مروان بن الحكم هو قاتل طلحة لأنها روايات باطلة لم يصح بها إسناد وقد حزن الإمام علي كثيرا لمقتله فحين رآه مقتولا جعل يمسح التراب عن وجهه ويقول عزيز علي أبا محمد أن أراك مجندلا تحت نجوم السماء ثم قال إلى الله أشكو عجرى وبجرى وبكى عليه هو وأصحابه وقتل أيضا الزبير بن العوام ولما جاء قاتل الزبير لعله يجد حظوة ومعه سيفه الذى سلبه منه ليقدمه هدية للإمام علي حزن عليه حزنا شديدا وأمسك السيف بيده وقال طالما جلى به الكرب عن وجه رسول الإسلام محمد صلي الله عليه وسلم ثم قال بشر قاتل إبن صفية بالنار ولم يأذن له بالدخول عليه أما عن السيدة عائشة فقد قال الرسول محمد صلي الله عليه وسلم للإمام علي سيكون بينك وبين عائشة أمر فقال علي فأنا أشقاهم يا رسول الله قال لا ولكن إذا كان ذلك فردها إلى مأمنها وقال المؤرخ والفقيه أبو بكر بن العربي المالكي ولما ظهر الإمام علي جاء إلى السيدة عائشة فقال غفر الله لك فقالت ولك ما أردت إلا الإصلاح ثم أنزلها دار عبد الله بن خلف وهي أعظم دار في البصرة وزارها ورحبت به وبايعته وجلس عندها فقال رجل يا أمير المؤمنين إن بالباب رجلين ينالان من عائشة فأمر القعقاع بن عمرو أن يجلد كل منهما مائة جلدة ففعل ثم ردها إلى المدينة المنورة معززة مكرمة كما أمر الرسول صلي الله عليه وسلم .
وبعد أقل من عام وفي شهر صفر عام 37 هجرية كانت معركة صفين وتعود خلفية هذه المعركة إلي أنه عندما إستلم الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب الحكم إمتنع والي الشام معاوية بن أبي سفيان وأهل الشام عن مبايعته خليفةً للمسلمين حتى يقتص من قتلة الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان فأرسل علي بن أبي طالب الصحابي جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية يدعوه للمبايعة وعند قدوم جرير إلى الشام إستشار معاوية الصحابي عمرو بن العاص السهمي فأشار إليه بجمع أهل الشام والخروج نحو العراق للمطالبة بالقصاص من قتلة عثمان بن عفان فلما بلغ هذا الخبر إلي الإمام علي خرج بجيشه لمواجهة جيش معاوية وإلتقي الجيشان في صفين وهي تقع علي الحدود بين العراق والشام ودارت بين الجيشين معركة طاحنة إستمرت تسعة أيام وفي الأيام السبعة الأولي من المعركة من يوم 1 صفر حتي يوم 7 صفر عام 37 هجرية جرى القتال بين الجيشين بإخراج فرقة من جيش الإمام علي تتقاتل مع فرقة من جيش الشام وكانت النتيجة أن النصر لم يتحقق لأحد الفريقين وتبين للطرفين أن هذا الأسلوب سيأتي على المسلمين بالهلاك ولن يحقق المقصود وهو إنهاء هذه الفتنة وكان الإمام علي بن أبي طالب يفعل ذلك ليجنب المسلمين خطر إلتقاء الجيشين الكبيرين بالكامل ولئلا تراق دماء كثيرة فكان يخرج مجموعة من الجيش لعلها أن تهزم المجموعة الأخرى فيعتبروا ويرجعوا عن ما هم عليه من الخروج عليه وكذلك كان معاوية بن أبي سفيان يخرج مجموعة من جيشه فقط دون الجيش كله ليمنع بذلك إراقة دماء المسلمين وكان محمد بن الحنفية هو قائد الفرقة التي خرجت للقتال من جيش الإمام علي في اليوم الرابع للمعركة وإستعد محمد بن الحنفية لمواجهة عسكر معاوية بن أبي سفيان وقبل أن يتحرك نحو القوم أوصاه والده أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بقوله يا بني إمشِ نحو هذه الراية مشيا وئيدا على هيئتك حتى إذا شرعت في صدورهم الأسنة فأمسك حتى يأتيك رأيي ودار القتال يومذاك بين الفريقين من الصباح إلى المساء وسقط العديد من القتلى من الطرفين ثم تحاجزا مع غروب الشمس ولم تتم الغلبة لأحد على الآخر وفي اليوم الثامن للقتال قرر الإمام علي بن أبي طالب أن يخرج بجيشه كله لقتال جيش الشام لعله يستطيع حسم المعركة وكذلك قرر معاوية بن أبي سفيان وبقي الجيشان طوال ليلة اليوم الثامن يقرأون القرآن الكريم ويصلون ويدعون الله أن يمكنهم من رقاب الفريق الآخر جهادا في سبيل الله وبايع جيش الشام معاوية بن أبي سفيان على الموت فكان ليس عندهم تردد فيما وصلوا إليه بإجتهادهم وأنهم علي الحق وهم مستعدون للقاء الله تعالى على الشهادة في سبيله ومع أنهم يعلمون أنهم يقاتلون فريقا فيه العديد من كبار الصحابة رضوان الله عليهم علي رأسهم الإمام علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وعمار بن ياسر وهاشم بن عتبة بن ابي وقاص وغيرهم إلا أنه كان معهم أيضا الكثير من كبار الصحابة منهم معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وعبد الله بن عمرو بن العاص والذى كان من أفقه الصحابة ولم يكن يرغب على الإطلاق أن يقاتل في صف معاوية ولا في صف علي ولم يشترك في هذه المعركة إلا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد أوصاه بألا يخالف أباه وقد أمره أبوه أن يشارك في القتال فإشترك في الحرب غير أنه لم يقاتل ولم يرفع سيفا في وجه أحد من المسلمين .
|