بقلم الدكتور/ محمود رمضان
مدير مَرّكَزُ الخَلِيجَ للبُحوثِ وَالدّرَاسَاتِ التَّارِيخيَّةِ
خبير الآثار والعمارة الإسلامية
تقع مدينة الزبارة المحصنة على الساحل الشمالي الغربي لشبه جزيرة قطر، فيما بين موقع فريحه الأثري ومنطقة رأس عشيرج (عشيرق) وتبعد عن الدوحة العاصمة حوالي 109 كم تقريباً، ويمكن الوصول إليها عبر طريق مرصوف يدخل إليه من خلال الطريق السريع الذي يربط بين مدينة الدوحة القطرية ومدينة الشمال وهو طريق سريع، تستغرق الرحلة للوصول إلى موقع مدينة الزبارة المذكور حوالي 60 دقيقة، وتعد قرى لشا وأم الشويل، وعين محمد، أقرب القرى إلى مدينة الزبارة التاريخية المذكورة، ويحيط بموقعها الأثري الحالي سبخة فـي الجهتين الشمالية والجنوبية الشرقية من المدينة. هذا وقد سجلت مدينة الزبارة التاريخية في عام 2013 ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، هذا واولت الدولة هذه المنطقة التاريخية جُل عنايتها لترميم مبانيها والحفاظ عليها وصيانتها، ومازالت منطقة الزبارة وقلعتها التاريخية في حاجة ماسة إلى تبني مشروعات أثرية وسياحية متطورة لجذب الزوار، وخاصة إعداد مشروع صوت وضوء ومحكي تاريخي عام لعرض تاريخ قطر ومنطقة الخليج العربي.
تاريخ مدينة الزبارة المحصنة التاريخية :
تشغل مدينة الزبارة التاريخية وأطلالها مساحة كبيرة تبلغ حوالي 60 هكتارًا أي ما يتراوح بين كيلو متر ونصف الكيلو متر، وهي تمتد من الغرب من ناحية سيف البحر باتجاه الجهات الثلاثة الرئيسية الشرق والجنوب والشمال ليشكل هذا التوسع العمراني ثلاثة أرباع دائرة ويحيط بالمدينة كلها سور خارجي مبني من الحجر فـي الثلاث جهات المذكورة، ويوجد به عدة أبراج مستديرة، يبلغ عددها 23 برجاً، بُنيت جميعها من الحجر، ووضعت على مسافات غير متساوية تتراوح ما بين 91م، 95م، 30م، 115م أيضاً.
المخطط العام :
ويضم المخطط العام لمدينة الزبارة التاريخية، مجموعة من الأطلال والشواهد الأثرية، تشتمل على منشآت دفاعية ومنها حصون، وقصور محصنة، وقلاع، وأسوار، وأبراج، ومنشآت مدنية كالمنازل، منشآت دينية كالمساجد، وكتاتيب، ومدارس، اندرست جميعها الآن، ومنشآت تجارية ومنها أسواق ومدابس، بالإضافة إلى أحياء، وفرجان وشوارع رئيسية.
وقامت بعثات التنقيب الوطنية بالكشف عن مساحات صغيرة من أطلال مدينة الزبارة التاريخية خلال مواسم التنقيب التي تمت بتلك المدينة، واسفرت تلك الأعمال عن الكشف عن بقايا أساسات وامتدادات القصر المحصن الشمالي، والقصر الجنوبي، وأحد المساجد، وجزء من السور الخارجي الذي يحيط بمدينة الزبارة، وبيان مراحل بنائها الأثرية والحضارية، وهي وفقاً للدراسة التاريخية والأثرية والمعمارية والحضارية التي قدمها الدكتور محمود رمضان في رسالته للدكتوراة بعنوان السمات المعمارية العامة للعمارة الدفاعية الإسلامية في دولة قطر عام 2005م، وكذلك في كتابه الأسرار الكامنة في أطلال مدينة الزبارة العامرة وأخبار أئمتها وعلمائها عام 2008م، ثلاثة مراحل (المرحلة الأولى (الزبارة القرية) (1153- 1188هـ/ 1740- 1774م)، المرحلة الثانية (منتجع الزبارة 1188هـ/ 1774م)، المرحلة الثالثة الزبارة المدينة (1189 – 1207هـ/ 1775- 1792م)، المرحلة الرابعة (مدينة الزبارة التجارية) (1207- 1209هـ/ 1792- 1794م).
المرحلة الأولى (الزبارة القرية) (1153- 1188هـ/ 1740- 1774م)
أمكن من خلال تحليل ما ورد فـي المصادر التاريخية (يأتي فـي مقدمة هذه المصادر مخطوط ابن سند: سبايك العسجد في أخبار أحمد نجل رزق الأسعد، ص 19 – 20)، الوصول إلى تصور أثري لقرية الزبارة الأولى التي سبقت تعمير أحمد بن محمد بن حسين بن رزق التاجر لها فـي سنة 1188هـ/ 1774م، كما أمكن للدكتور محمود رمضان الربط والدراسة والتحليل فيما ورد بالمصادر التاريخية، وما تبقى من شواهد أثرية فـي منطقة الزبارة الأولى، التي كانت تقع فـي أقصى الجهة الغربية من المدينة الحالية، حيث كانت تتوسط المساحة المطلة على ساحل البحر من الجهة المذكورة، ويبلغ عرضها حوالي 260م من الشرق إلى الغرب، وطولها حوالي 311م من الشمال إلى الجنوب. ويحيط بتلك المساحة من الثلاث جهات وهي الجنوب والشرق والشمال، سور حجري صغير، كان يتخلله 16 برجًا مستديرًا، وقد اندثرت جميعها الآن.
وتشير الشواهد الأثرية المتبقية بتلك الزبارة الأولى، أنها كانت قرية صغيرة، كان أهلها يشتغلون بصيد اللؤلؤ وتجارته، كما تدل الشواهد الأثرية علي أن المنشآت المعمارية فـي مرحلة الزبارة الأولى كانت بسيطة فـي تكوينها، حيث أن أغلبها كان يتكون من منازل صغيرة، يتكون معظمها من منزل مستطيل الشكل، يبلغ طوله 20م، وعرضه 16م، ويحتوي على حجرتين مستطيلتين، ويتقدمهما فناء مكشوف، ويوجد فـي أحد أركانه منافع ومرافق وحقوق خدمية للمنزل.
المرحلة الثانية (منتجع الزبارة 1188هـ/ 1774م)
تمثل هذه المرحلة خطوة مهمة فـي التطور العمراني والأثري لمنطقة الزبارة، حيث بدأ مع تلك المرحلة تحول قرية الزبارة الصغيرة الأولى من أرض قطر إلى مدينة تجارية، أقيم بها قصر محصن، فـي أقصى الجهة الغربية بالقرب من سيف البحر، ويتضح من التحليل الأثري لما تبقى من الشواهد الأثرية بالمساحة التي كانت تشغلها الزبارة فـي مرحلتها الثانية 1188هـ/ 1774م، أن عمرانها لم يمتد داخل السور الأول الصغير الذي سبق ذكره فـي اتجاه الشرق والجنوب والشمال على هيئة ثلاثة أرباع الدائرة، بل امتدت المدينة أيضاً تجاه الغرب، وبدأ فـي إنشاء ميناء صغير حمل اسم ميناء الزبارة لا تزال بقاياه موجودة حتى الآن.
وهذه الفكرة تقودنا إلى احتمالية اختفاء جزء كبير من مدينة الزبارة فـي مرحلتها الثانية فـي الجزء الغربي المواجه لسيف البحر بسبب حركة المد والجزر فـي مياه الخليج العربي، وليس أدل على ذلك إلا وجود امتدادين رئيسيين للسور الصغير الأول الذي كان يحيط بالزبارة فـي تلك المرحلة من الناحية الغربية والشمالية تجاه البحر، بحيث يشير إلى استمرار الامتداد داخل مياه الخليج العربي مخترقًا الحاجز الوهمي للسيف البحري للخليج المذكور.
وبناء على ذلك فإن جزءاً مهماً من الزبارة فـي المرحلة الأولى، قد أصبح غارقاً تحت مياه الخليج بسبب حركة المد والجزر ويمكن رؤية بعض الأحجار وبقايا أساسات تلك المرحلة عند حدوث الظاهرة المشار إليها، وقد أُتيح للباحث الدكتور محمود رمضان ملاحظة تلك الظاهرة أثناء العمل بمطقة الزبارة، وخرج بعمل تصور للتكوين العام الذي كانت عليه الزبارة فـي هذه المرحلة والمراحل الأخرى.
المرحلة الثالثة الزبارة المدينة (1189 – 1207هـ/ 1775- 1792م)
تحتل هذه المرحلة الامتداد العمراني والتوسع العام لمدينة الزبارة التاريخية، وشغلت المرحلة المذكورة المساحة التي تمتد من السور الأول الغربي1188هـ/ 1774م، إلى السور الخارجي لمدينة الزبارة المشار إليها، والذي تم الانتهاء منه فـي سنة 1202هـ/ 1787م. وفـي المرحلة التاريخية المذكورة عُمرت واتسعت الزبارة حتى وصلت إلى أقصى امتداد عمراني لها وبُني السور الخارجي كما جرى تحصين دفاعي لمدينة الزبارة التاريخية، ثم المرحلة الرابعة (مدينة الزبارة التجارية) (1207- 1209هـ/ 1792- 1794 م)، والتي تشمل التحصينات والإضافات التي تمت بمدينة الزبارة التاريخية أيضاً.
لم تكن الزبارة حاضرة تجارية فقط، بل كانت – على امتداد تاريخها – حاضرة ثقافية وعلمية، فقد شهدت مولد العديد من العلماء فـي فنون العلم والفقه والأدب المختلفة والمتنوعة، ولعل ما يمكن التركيز عليه وتسليط الضوء هم صفوة من العلماء والمشايخ والأئمة منذ الربع الأخير من القرن الثامن عشر الميلادي حينما كانت ترتع أوروبا فـي دياجير الظلام، وبدأت تفيق من سباتها العميق، كانت الزبارة معلماً علمياً، ومنارة حضارية، يستضئ بنور علمها الخليج، على اختلاف مدنه وإماراته، باديته وحاضرته.
ولعل أعمال البر هي التي سيطرت على علماء الزبارة، فقد أنشأوا التكايا والزوايا، وأوقفوا من مالهم ما يعينون به الفقراء والمحتاجين، ولم يحجبوا علمهم، بل نشروه على العامة والخاصة، لتعميم الفائدة ولبيان الجذور التاريخية الأصيلة للشعب القطري، ومن يطالع كتب التراث يجد الثراء المعرفـي والعلمي، واضحاً جلياً، لدى هؤلاء العلماء والمشايخ والفقهاء إذا ما قِيس بمقاييس البحث العلمي التي تبارى فيها المحدثون. ويعد مخطوط ابن سند ، (عثمان بن سند البصري)"سبايك العسجد فـي أخبار أحمد نجل رزق الأسعد" من أهم المخطوطات المعاصرة لتلك الفترة المذكورة.
ومن أشهر هؤلاء العلماء: الشيخ محمد بن فيروز، والشيخ إبراهيم العبد الرزاق، والشيخ راشد بن خنين، والشيخ حجي بن حميدان، والشيخ بكر لؤلؤ أحمد البصري القطري الزباري وغير هؤلاء من العلماء الأجلاء الذين ملأوا طباق الخليج علماً وورعاً، وبالنسبة لسيرة الشيخ بكر لؤلؤ أحمد البصري القطري الزباري ت: 1202هـ/ 1787م، فقد نشأ فـي البصرة، قرأ القرآن وأتقنه أتم الإتقان, وطلب الرزق فاتجر بالأموال فحسنت له الأحوال, وعمر المساجد للعبادة, وأرسل الصدقات إلى الحرمين الشريفين, هو من علماء الزبارة ومن سمّار أحمد بن رزق، وكان بيته موئلا للعلماء، وشهد حصار محمد كريم خان للبصرة فـي سنة 1188هـ/ 1774م، وانتقل منها إلى الزبارة وسكنها وهى فـي عنفوان العمارة فسلك فيها العدل, وأوسع فيها البذل, فعظمت له فيها الرتبة, وحسنت له فيها الآثار، وبنى فـي الإحساء من البحرين مدرسة أو مدرستين ومسجدًا في الزبارة, كالبدر فـي رأي العين. متى ذكر له عالم أرسل إليه, وأفاض عليه من بره وروي عنه, لا تلذ له المسامرة إلا بالمذاكرة, لا سيما بالفرائض والحساب.
————
للاِستزادة، أنظر :-
أولاً :
1- محمود رمضان ( دكتور ): السمات المعمارية العامة للعمارة الدفاعية الإسلامية فى دولة قطر، " دراسة آثارية حضارية "، رسالة دكتوراة غير منشورة، كلية الآثار - جامعة القاهرة ( 2005م ).
ثانياً :
1- محمود رمضان ( دكتور ): قطر فـي الخرائط الجغرافية والتاريخية من 150 –1931م، القاهرة، مركز الحضارة العربية للإعلام والنشر، الطبعة العربية الأولى، (2006م).
2- محمود رمضان ( دكتور ): القصة التاريخية... للخليج الحائر من 325 ق.م –1931م، القاهرة، مركز الحضارة العربية للإعلام والنشر، الطبعة العربية الأولى، (2008م).
3- محمود رمضان ( دكتور ): الأسرار الكامنة فـي أطلال مدينة الزبارة العامرة وأخبار أئمتها وعلمائها، القاهرة، مركز الحضارة العربية للإعلام والنشر، (2008م).
4- محمود رمضان ( دكتور ):
مساجد قطر تاريخها وعمارتها، صدر عن اللجنة المنظمة لإحتفالات اليوم الوطني، الدوحة، (18 ديسمبر 2009م).
5- محمود رمضان ( دكتور ): آل ثاني..مسيرة حكام وبناء دولة، مجلس شؤون العائلة، الدوحة، ( طبعة خاصة )، (2009م).
6- محمود رمضان ( دكتور ): الدور والقصور ومقار الحكم في قطر، الدوحة، طبعة خاصة،(2009م).
7- محمود رمضان ( دكتور ):
القلاع والحصون في قطر، الدوحة، مطابع رينودا الحديثة، الطبعة العربية الأولى، (1 يونيه 2010).
8- محمود رمضان ( دكتور ):
الأسلحة الإسلامية في قطر، الدوحة، مطابع رينودا الحديثة، الطبعة العربية الأولى، (1يوليو 2010م).
9- محمود رمضان ( دكتور ):
القلاع والحصون في قطر، الدوحة، مطابع رينودا الحديثة، الطبعة العربية الثانية، (أكتوبر 2010م).
10- محمود رمضان ( دكتور ):
القصة التاريخية للديوان الأميري بقطر، دراسة معمارية حضارية"، الدوحة، الطبعة العربية الأولى، طبعة خاصة،(2011م).
11- محمود رمضان ( دكتور ):
كتارا، الدوحة، الطبعة العربية الأولى، طبعة خاصة،(2011م).
12- .M. Ramadan :
Katara, Doha, (2011)
13- M. Ramadan :Castles & Fortresses in Qatar, Doha,(2012)
14- محمود رمضان ( دكتور ):
إستراتيجية الدولة العثمانية في منطقة الخليج العربي1869-1914م في إطار التنافس العثماني البريطاني على أقطار الخليج العربي.( المؤلفون: سعادة الأستاذ الدكتور/ رأفت غنيمي الشيخ أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر عميد كلية الآداب الأسبق مؤسس معهد الدراسات الآسيوية جامعة الزقازيق، سعادة الأستاذ الدكتور/ ناجي عبدالباسط هدهود أستاذ التاريخ الحديث والمعاص وكيل معهد الدراسات والبحوث الآسيوية جامعة الزقازيق والدكتور/ محمود رمضان عبدالعزيز خضراوي مدير مَرّكَزُ الخَلِيجَ للبُحوثِ وَالدّرَاسَاتِ التَّارِيخيَّةِ - خبير الآثار والعمارة الإسلامية)، القاهرة، مركز الحضارة العربية، الطبعة العربية الأولى،(25 يناير 2014م).
15- قلعة الزبارة (1357هـ/ 1938م)، قطر.. تراث وحضارة ( مقال 15/1000) بقلم د.محمود رمضان خبير الآثار والعمارة الإسلامية، بحث نشر بكتاب حلم أمة، الدوحة - دولة قطر، يناير 2011م.
تنويه:
( جميع حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف بموجب القانون رقم(7) لسنة 2002م وبموجب شهادة قيد بإيداع مصنف بمكتب حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة بمركز حماية حقوق الملكية الفكرية - وزارة العدل بدولة قطر بتاريخ 25/07/2010م - رقم الإيداع :706 / ح م ح م، اسم المصنف: مساجد قطر تاريخها وعمارتها ، مالك المصنف: محمود رمضان عبدالعزيز خضراوي.
=========
* ( تبسيط الثقافات والمعارف والتاريخ والحضارة والآثار والفنون والعلوم الإنسانية وروافدها واتاحتها للمجتمعات البشرية في هذا الكون- المعرفة ليست حكراً على أحد)
(الثقافة حق للجميع -لا حَجْر على فِكْر) |