قراءة الدكتور/ محمود رمضان
مدير مَرّكَزُ الخَلِيجَ للبُحوثِ وَالدّرَاسَاتِ التَّارِيخيَّةِ
خبير الآثار والعمارة الإسلامية
صدر كتاب ملامح من حضارة الفيوم القبطية والإسلامية والطبيعية لسعادة الأستاذة الدكتورة عائشة عبدالعزيز محمد التهامي حفظها الله أستاذ الآثار والإرشاد السياحي قسم الإرشاد السياحي – كلية السياحة والفنادق جامعة الفيوم حالياً ضمن سلسلة العلوم الإجتماعية من مطبوعات مكتبة الأسرة في 2007م، يشتمل هذا الكتاب على 185صفحة من القطع الكبير، بالإضافة إلى كتالوج صور من 58 صفحة أيضاً، ويحتوي كتاب ملامح من حضارة الفيوم القبطية والإسلامية والطبيعية على مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة وقائمة المصادر والمراجع والصور، حيث درس الباب الأول من آثار الفيوم في العصر القبطي، وتمهيد، وظهور المسيحية في مصر، والقديس " مرقس الرسول " ( مار مرقس )، والرهبنة فر المسيحسة، والكنيسة القبطية : تخطيطها المعماري ومكوناتها، وتناول الفصل الأول : أديرة الفيوم :-
1 - دير الملاك ( غبريال )
2 - دير العزب ، أو دير دموشية ، أو دير الأنبا ( إبرام )
3 - دير السيدة العذراء والقديس أبي إسحاق
أما الباب الثانى ناقش من آثار الفيوم في العصر الإسلامى، وتمهيد، والعمارة الإسلامية، وبناء المساجد الجوامع بالفيوم :-
1 - مسجد ( خوند أصلباى )
2 - مسجد الشيخ ( علي الروبي )
3- الجامع المعلق ، أو جامع الأمير ( سليمان )
وبالنسبة للباب الثالث فقد درس المحميات والمواقع الطبيعية بالفيوم، وتمهيد، وهذه المحميات على النحو التالي:-
1 - محمية قارون
2 - محمية وادى الريان
3 - عين السليين
· المصادر والمراجع العربية
· الصور
هذا ويتصدر التقديم إفتتاحية الكتاب بقلم الناشر، وجاء فيه نصاً: الفيوم مدينة مصرية ترجع حضارتها إلى العصر الحجري الحديث , أسهمت بدور كبير في تشييد صرح الحضارة المصرية خلال العصور التاريخية المتعاقبة ، ولاسيما أثناء فترة الدولة الوسطى من التاريخ الفرعونى، حيث اتخذها ملوك تلك الدولة قاعدة أساسية لحكمهم وشيدوا بها الكثير من المعابد والأهرمات ، وازدادت أهميتها خلال العصر اليوناني الروماني ، إذ كانت صحراؤها ملجأ للمسيحيين الأوائل الذين فروا من الاضطهاد الروماني ، ومن ثم تعددت بها الأديرة والكنائس المسيحية 0 وخلال العصر الإسلامى احتلت الفيوم مكانة متميزة باعتبارها واحدة من أخصب الأقاليم المصرية فعنى بها الحكام والأمراء ، وأقاموا بها عدداً من المساجد والمنشآت الحضارية وخصوصاً في العهدين المملوكي والعثماني كما تمتاز الفيوم بالعديد من المواقع الأثرية والمحميات الطبيعية وهو ما يضفي عليها مكانة تاريخية وسياحية مهمة ومتميزة .
وقد استهلت د. عائشة التهامى كتابها بتتبع الاشتقاق الاصطلاحى لأصل التسمية في العصور القديمة بدءاً من " برسبك " أى دار أو مدينة التمساح عند الرومان وحتى " بيوم " أى قاعدة بلاد البحيرة عند القبط في القرن الأول الميلادي والتى عرفت فيما بعد باسم "فيوم" عند العرب وأضافوا إليها أداة التعريف . ويعرض الكتاب لملامح من حضارة الفيوم القبطية والإسلامية والطبيعية ، حيث يتناول دخول المسيحية إلى مصر على يد القديس مارمرقس ، وانتهاج حياة الرهبنة والتقشف وهجر المدن فراراً من الاضطهاد الرومانى ، وأهم السمات التى تتميز بها الكنيسة القبطية تخطيطها المعمارى ومكوناتها ، وذلك من خلال استعراضه لأهم أديرة الفيوم الأثرية كدير الملاك " غبريال " ودير العزب أو دموشية أو دير الأنبا "إبرام " ، ودير السيدة العذراء والقديس أبي إسحق الدفراوي المعروف بدير الحمام.
وفي العصر الإسلامى شهدت الفيوم نشاطاً معمارياً كبيراً في مجال بناء الجوامع والمساجد في العصور المختلفة بخاصة العصر الأموي ، وإن لم يصلنا منها إلا القليل نتيجة لعوامل الجغرافيا والفيضانات وإعادة تنظيم المدنية . والتى تعد الآن من أهم المعالم الأثرية لمدينة الفيوم في العصر الإسلامي كمسجد " خوند أصلباى " ومسجد الشيخ " على الروبي " والجامع المعلق أو جامع " الأمير سليمان " . كما يعرض الكتاب لأهم المعالم السياحية كالمواقع الأثرية والمحميات الطبيعية والتي تعد إحدى المصادر المهمة لجذب السياحة الداخلية والخارجية للإقليم كمحمية قارون ووادي الريان وعين السيليين . فضلاً عن العديد من الآثار الأخرى التى خلفها لنا المصريون القدماء من أهرمات ( هرم سيلا ، هرم هوارة ، هرم اللاهون ) ومعابد ( معبد مدينة ماضي ، معبد قصر الصاغة ، ومدينة كيمان فارس القديمة ) . وقد عنيت الكاتبة بإبراز القيمة التاريخية لبعض هذه الآثار والمعالم السياحسة بخاصة في العصرين القبطي والإسلامي باعتبارها تمثل جانباً مهماً من ملامح حضارة الفيوم .
أما المقدمة فقد لخصت فيها سعادة أ.د.عائشة التهامي حفظها الله بالمنهج العلمي الآثاري والسياحي الذي تميز بالمستوى الرفيع ووفق منهج البحث التاريخي التوثيقي ، ودقة اللغة وأصالتها وضبط معانيها ومدلولاتها اللغوية، والتوفيق في توظيف المصطلحات التاريخية والآثارية والسياحية وحسن ترتيبها، فأسست بذلك مدخلاً ومنهجاً علمياً متفرداً وباللبنات الأولى للتعريف بحضارة الفيوم وآثارها الفرعونية واليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية، بالإضافة إلى الحديث عن المحميات والمواقع الطبيعية بالفيوم أيضاً ، فلسعادة أ.د. عائشة التهامي حفظها الله جزيل الشكر والعرفان على هذا العمل العلمي المتميز الذي أرّخ لحضارة الفيوم وروج لها سياحياً وآثارياً، وجاء في مقدمة الكتاب نصاً :-
تعرف الحضارة عادة بأنها ( التمدن ) أو ( التمدين ) Civilization , وهو ما يشعر الإنسان بالفخر عندما يعرف المزيد عن حضارة أمته ويتعرف على أهم معالمها وآثارها ليضع نصب عينيه ما أنجزه الأجداد وشيده العظماء على مر العصور . وهذه هى نقطة البداية للانطلاق بحضارة تبنى على أيدى أبناء هذه الأمة ، وتكون البداية لاستعادة الشباب ثقتهم في أنفسهم وفي أمتهم وفي حضارتهم .
والفيوم مدينة مصرية قديمة ، كان اسمها ( برسبك ) أى ( دار التمساح ) فقد كان تمساح معبود أهل الفيوم القدماء , ولذا أسماها الرومان ( مدينة التمساح ) . وقد تألق نجم الفيوم في أواخر القرن الرابع ق.م ، فأطلق عليها اليونانيون حين ذاك اسم ( أرسينوى ) نسبة إلى زوجة حاكمهم ( بطليموس الثانى) الذي أهداها هذا الإقليم الغنى بخيراته . ثم سماها القبط في منتصف القرن الميلادي ( بيوم Piom )، أى : قاعدة بلاد البحيرة ، وهذه الكلمة هى التى عرفت فيما بعد باسم ( فيوم Phiom ) حيث إن الكلمة تتكون من مقطعين ، وهما : (Pi) التى تدل على المكان، والتعريف ( Im ) بمعنى اليَمّ أو البحر أو البحيرة . ومن ( Piom ) أخذ العرب كلمة (فيوم ) ثم أضافوا إليها أدات التعريف ، فصارت ( الفيوم ) .. وهو اسمها العربى المتداول إلى يومنا هذا .
وقد كان للفيوم دور كبير في بناء صرح الحضارة المصرية منذ أقدم العصور وحتى العصر الحديث ، فقد شهدت في العصر الحجرى الحديث حضارتين متواضعتين ومتعاقبتين ، شأنها في ذلك شأن منطقة حلوان ، وهما حضارتا الفيوم ( أ ) و (ب ) . كما برز بوضوح دور الفيوم في عصر الأسرات الفرعونية بعد عصر الإنتقال الأول عندما احتدم الصدام بين إهناسيا وطيبة من أجل توحيد قطري مصر ، ففي عصر الأسرة الفرعونية الثانية عشرة , انتقلت العاصمة من طيبة إلى ( إيثت تاوى ) ، أى القابضة على الأرضين ، والتى يظن كثير من العلماء أن موقعها القديم يقع على مقربة من مدينة ( اللشت ) الحالية .
ويعتبر عصر الدولة الوسطى أزهى عصور إقليم الفيوم ، فقد ازدهرت فيه جميع أنشطة الحياة من زراعة وعمارة ونسيج وتعدين ، وكان ذلك لاهتمام ملوك الدولة الوسطى المتعاقبين بهذا الإقليم المصري القديم الذى اتخذوا منه قاعدة قوية لحكمهم .
والفيوم من أكثر محافظات مصر ثراءً التي خلفها المصريون القدماء على أرضها عبر العصور التاريخية المختلفة ، فنجد من الآثار المصرية القديمة : ( هرم سيلا ) ويرجع تاريخه على الأرجح إلى عصر الأسرة الثالثة .
وهذا الهرم لم يفتح إلى الآن , وهو مشيد من الطوب اللبن . و( هرم هوارة ) الذى شيده الملك ( أمنمحات الثالث ) ، وهو مشيد من الطوب اللبن كذلك ، أما أجزاؤه الداخلية فمشيده من الأحجار الجيرية . و(هرم اللاهون ) الذى شيده الملك (سنوسرت الثانى). ومعبد (مدينة ماضى) الواقع في الجنوب الغربي من الفيوم ، وقد شيد في عصر الملك (أمنمحات الثالث) وخلفه (أمنمحات الرابع ) . ومعبد (قصر الصاغة). ومدينة (كيمان فارس ) القديمة ، والتى خصصت لعبادة الإله التمساح (سوبك).
وإلى جانب هذه الآثار المصرية القديمة (الفرعونية)، هناك معالم أثرية أخرى ترجع إلى العصر القبطي ، ومن أشهرها : دير الملاك (غبريال ) ، ودير العزب ( أو دير الأنبا إبرام ) ، ودير الحمام .. وهى من الأديرة المهمة ذات المكانة في تاريخ المسيحية بمصر.
كما توجد عدة مساجد أثرية على أرض الفيوم ترجع إلى العصرين الإسلاميين المملوكي والعثماني ، ومن أشهرها : مسجد السيدة (خوند أصلباى ) زوجة السلطان (قايتباي ) ، وقبة مسجد الشيخ (على الروبي)، ومسجد الأمير (سليمان) المشهور باسم (الجامع المعلق). وهذا غير ما تحويه أرض الفيوم من المحميات والمواقع الطبيعية الخلابة التي تميز هذه المحافظة عن غيرها من محافظات مصر.
تلك المواقع الأثرية والطبيعية المختلفة تمثل لا رَيْب مورداً مهماً لجذب السياحة الداخلية والخارجية إلى محافظة الفيوم , ومن ثم فقد عَنِيتُ في كتابي هذا بإبراز تاريخ بعض هذه الآثار النفيسة وأهم معالمها السياحية وقيمتها لأضعها بين أيدي أبنائي طلاب كلية السياحة والفنادق .. ولعلي بهذا أكون قد ساهمت في تعريفهم بالقيمة التاريخية والأثرية والسياحية لهذه البقعة العزيزة من أرض مصر : الفيوم .
للاِستيزادة ، أنظر:-
- التهامي، عائشة (دكتورة) : ملامح من حضارة الفيوم القبطية والإسلامية والطبيعية، إصدارات مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 2008م. |