السبت , 7 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

المؤرخ والإمام شمس الدين الذهبي

المؤرخ والإمام شمس الدين الذهبي
عدد : 03-2023
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"


المؤرخ أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي والمعروف بشمس الدين الذهبي هو محدث وإمام حافظ جمع بين ميزتين لم يجتمعا إلا للأفذاذ القلائل في تاريخنا فهو يجمع إلى جانب الإحاطة الواسعة بالتاريخ الإسلامي حوادث ورجالا المعرفة الواسعة بقواعد الجرح والتعديل للرجال فكان وحده مدرسة قائمة بذاتها وهو من العلماء الذين دخلوا ميدان التاريخ من باب الحديث النبوى الشريف وعلومه وظهر ذلك في عنايته الفائقة بالتراجم التي صارت أساس كثير من كتبه ومحور تفكيره التاريخي وقد سمع بدمشق وحلب وحماة وبعلبك والقدس ونابلس والإسكندرية ودمياط وسمع منه الجمع الكثير وكان شديد الميل إلى رأى الحنابلة وقد دلت آثاره العلمية وإتجاهاته الفكرية على سعة أفقه وعلمه وحفظه وقدرته الفائقة على نقد الرجال وتصوير التاريخ حتى أصبحت أقواله فيمن يترجم لهم ويؤرخ تعتبر عند النقاد والمؤرخين الذين جاءوا بعده أقصى حدود الإعتبار وقد عرف عنه بأنه كان رأسا في معرفة الحلال والحرام قويا في السنة شديدا على أهل البدعة قائما بالحق لا تأخذه في الله لومة لائم وكان له مصنفات في الحديث وأسماء الرجال كما أنه قرأ القرآن الكريم بعدة روايات وبلغت مؤلفاته التاريخية وحدها نحو مائتي كتاب بعضها مجلدات ضخمة وقد عرف بإبن الذهبي نسبة إلى صنعة والده شهاب الدين أحمد بن عثمان والذى كان يمتهن صناعة الذهب المدقوق وقد برع فيها وتميز لذلك عرف عند بعض معاصريه بالذهبي فكان إذن أصل نسبته الذهبي إلى الذهب وتخليصه وتنقيته وإخراج الغش منه وكان هو يذكر إسمه لغيره ويعرف نفسه بأنه إبن الذهبي وقد جاء في أول كتابه معجم الشيوخ أما بعد فهذا معجم العبد المسكين محمد بن أحمد بن الذهبي ويبدو أنه كان قد إتخذ صنعة أبيه مهنة له في أول أمره مثلما ذكر الأمير المملوكي والمؤرخ والكاتب والأديب صلاح الدين الصفدى والعالم والفقيه والقاضي تاج الدين السبكي والمؤرخ والإمام إسماعيل بن كثير وغيرهم وقد صار المؤرخ والإمام الذهبي بحق ذهبي عصره كما شهد بذلك معاصروه ومن جاء بعدهم وقد قيل أيضا إنه سمي الذهبي لأنه كان يزن الرجال بميزان حساس مثلما يزن الجواهرجي الذهب وكان ميلاد شمس الدين الذهبي في كفر بطنا قرب مدينة دمشق في شهر ربيع الآخر عام 673 هجرية الموافق لشهر أكتوبر عام 1274م ونشأ في أسرة كريمة تركية الأصل كانت تسكن دمشق ثم سكنت مدينة ميافارقين وهي من أشهر مدن ديار بكر ويبدو أن جد أبيه قايماز قضى حياته فيها وكان ابوه رجلا صالحا محبا للعلم فعني بتربية ولده وتنشئته على حب العلم وكان كثير من أفراد عائلته لهم إنشغال أيضا بالعلم فشب الإبن يتنسم عبق العلم في كل ركن فعمته ست الأهل بنت عثمان كان لها رواية في الحديث وكذلك كان كل من خاله علي بن سنجر وزوج خالته من أهل الحديث وفي سن مبكرة إنضم شمس الدين الذهبي إلى حلقات تحفيظ القرآن الكريم حتى حفظه وأتقن تلاوته وهو في سن صغيرة ثم إتجهت عنايته لما بلغ سن الشباب وأصبح عمره الثامنة عشرة عاما إلى تعلم القراءات فتتلمذ على شيوخ الإقراء في زمانه والذين كان منهم شيخ القراء الإمام العسقلاني المتوفى عام 692 هجرية الموافق عام 1292م وشيخ القراء الإمام جمال الدين أبي إسحاق إبراهيم بن غال المتوفى عام 708 هجرية الموافق عام 1308م وقرأ عليهما القرآن الكريم بالقراءات السبع وقرأ على غيرهما من أهل هذا العلم حتى أتقن القراءات وأصولها ومسائلها وبلغ من إتقانه لهذا الفن وهو في هذه السن المبكرة أن تنازل له شيخه محمد عبد العزيز الدمياطي المتوفي عام 741 هجرية الموافق عام 1341م عن حلقته في الجامع الأموى حين إشتد به المرض وفي الوقت الذى كان يتلقى فيه القراءات مال الذهبي أيضا إلى سماع الحديث الذى ملك عليه نفسه فإتجه إليه وإستغرق وقته ولازم شيوخه وبدأ رحلته الطويلة في طلبه .


وكانت أولي رحلات الذهبي داخل البلاد الشامية حيث زار بعلبك عام 693 هجرية الموافق عام 1293م وروى عن شيوخها ثم إنتقل إلى حلب ومنها إنتقل إلي حماة ثم طرابلس ومنها إنتقل إلي فلسطين وزار الكرك ونابلس والرملة والقدس ثم إنتقل إلى مصر عام 695 هجرية الموافق عام 1295م وزار القاهرة والإسكندرية ودمياط وسمع من شيوخهما الكبار والذين كان علي رأسهم الفقيه والمحدث الحافظ محمد بن علي بن وهب المعروف بإبن دقيق العيد المتوفى عام 702 هجرية الموافق عام 1302م وشيخ الإسلام وقاضي القضاة في الشام ومصر وخطيب المسجد الأقصى والجامع الأزهر والجامع الأموى بدر الدين بن جماعة المتوفى عام 733 هجرية الموافق عام 1333م والفقيه العلامة شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي المتوفي عام 706 هجرية الموافق عام 1306م والإمام والفقيه والعلامة السكندرى أبي الحسن علي بن أَحمد الغرافي وَالإمام والفقيه والمحدث أبي الحسن يحيى بن أَحمد بن الصواف وقرأ على الكثير من الفقهاء والقراء المتقنين للقراءات المختلفة للقرآن الكريم بروايتي ورش عن نافع وحفص عن عاصم وكان منهم الفقيه المقرئ صدر الدين سحنون وكان يجهد نفسه في قراءة أكبر قدر ممكن على شيوخ تلك البلاد التي زارها وعاد بعد هذه الرحلات العلمية إلى دمشق وفي عام 698 هجرية الموافق عام 1298م وبعد وفاة والده رحل الإمام الذهبي إلى الحجاز لأداء فريضة الحج وكان يرافقه في هذه الرحلة جمع من شيوخه وأقرانه منهم العالم والفقيه والمحدث إبن الخراط الحنبلي الدواليبي شيخ دار الحديث بالمدرسة المستنصرية والتي أنشئت عام 625 هجرية الموافق عام 1227م على يد الخليفة العباسي المستنصر بالله في وسط مدينة العاصمة العباسية بغداد وهي تعد من أقدم المدارس العربية الإسلامية التي قامت بتدريس الفقه الإسلامي حسب المذاهب الأربعة وخرجت الكثير من فطاحل العلماء في مختلف المجالات منذ إنشائها حتى يومنا هذا وقد تغير إسمها حاليا من المدرسة المستنصرية إلى الجامعة المستنصرية وكانت تستقبل الطلبة من مختلف الأقطار العربية للدراسة فيها وإنتهز الإمام شمس الدين الذهبي فرصة وجوده بالحجاز فسمع الحديث من شيوخ مكة المكرمة والمدينة المنورة وعلي الرغم من أن تركيز الإمام شمس الدين الذهبي الرئيسي إنصب على الحديث النبوى الشريف فقد درس أصول وعلوم اللغة العربية والنحو على يد الشيخ المقرئ والمجود والمحقق العارف بالله أبي عبد الله بن أبي العلاء النصيبي والعالم اللغوى والنحوى أبي عبد الله بهاء الدين بن النحاس إمام أهل الأدب في مصر وإهتم كذلك بدراسة المغازى والفتوحات والسير والتراجم والتاريخ العام إضافة إلى سماعه لعدد كبير من مجاميع الشعر واللغة والآداب وفي الوقت نفسه إتصل بثلاثة من شيوخ العصر وترافق معهم وهم شيخ الإسلام الفقيه والمحدث والمفسر المجتهد الذى كان من علماء أهل السنة والجماعة وأحد أبرز العلماء المسلمين خلال النصف الثاني من القرن السابع والثلث الأول من القرن الثامن الميلاديين الإمام تقي الدين إبن تيمية والعالم المؤلف والمحدث جمال الدين أبي الحجاج المزى والشيخ والإمام والحافظ علم الدين القاسم البرزالي المزداد وقد جمع بين هؤلاء الأعلام طلب الحديث وميلهم إلى آراء الحنابلة ودفاعهم عن مذهبهم ويذكر الإمام شمس الدين الذهبي أن الإمام علم الدين البرزالي هو الذي حبب إليه دراسة وطلب الحديث النبوى الشريف .


وبعد أن أنهى الإمام الذهبي رحلاته في طلب العلم والأخذ عن ما يزيد عن الألف من العلماء إتجه إلى التدريس وعقد حلقات العلم لتلاميذه وإنغمس في التأليف والتصنيف وبدأت حياته العلمية في مسقط رأسه قرية كفر بطنا بغوطة دمشق حيث تولى الخطابة في مسجدها عام 703 هجرية الموافق عام 1303م وظل مقيما بها إلى عام 718 هجرية الموافق عام 1318م وفي هذه القرية ألف الإمام شمس الدين الذهبي أهم وأشهر كتبه وتعد الفترة التي قضاها بها هي أخصب فترات حياته إنتاجا ونستطيع القول من دراسة كتب الذهبي وإهتماماته أنه عني بالعلوم الدينية عموما والعلوم المساعدة لها كالنحو واللغة والأدب والشعر كما أنه إطلع على بعض الكتب الفلسفية ولم يهتم بدراسة الكتب المتخصصة في العلوم الصرفة لعدم إعتقاده بجدواها بالنسبة له وبعد ان إستقر الإمام الذهبي في دمشق تولى مشيخة دار الحديث بتربة أم صالح وكانت هذه الدار من كبريات دور الحديث النبوى الشريف بدمشق وقد تولاها عام 718 هجرية الموافق عام 1318م بعد وفاة شيخها القاضي الشافعي كمال الدين بن الشريشي وإتخذها سكنا له حتى وفاته ثم أضيفت إليه مشيخة دار الحديث الظاهرية الكائنة في باب البريد بجانب المسجد الأموى في دمشق القديمة عام 729 هجرية الموافق عام 1228م ومشيخة المدرسة النفيسية عام 739 هجرية الموافق عام 1338م بعد وفاة شيخها القاسم البرزالي ومشيخة دار الحديث والقرآن التنكزية في السنة نفسها والتي أنشأها وأوقفها الأمير سيف الدين تنكز الناصرى نائب دمشق المملوكي الشهير بالأمير تنكز نائب السلطان المملوكي ببلاد الشام عام ٧٢٨ هجرية الموافق عام 1327م وكان من خواص السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون وقد ذكرها المؤرخ إسماعيل بن كثير بإسم دار الحديث التنكزية وقال إنها إفتتحت رسميا عام ٧٣٩ هجرية الموافق عام 1308م وباشر مشيخة الحديث فيها المؤرخ والإمام الحافظ شمس الدين الذهبي وقرر فيها ثلاثين محدثا وثلاثين نفرا يقرأون القرآن الكريم ومما يذكر أن هذه المدارس كانت مهبط أفئدة طلاب العلم في الشرق والغرب لما يدرس فيها من علوم ولمكانة شيوخها وأساتذتها ومنزلتهم العلمية إذ لا يتولى التدريس فيها إلا من كان ذا قدم راسخة في العلم ومكانة ومنزلة عالية بين العلماء كسلطان العلماء الإمام العز بن عبد السلام وشيخ الإسلام إبن تيمية والحافظين المزى والذهبي وقد أتاحت هذه المدارس للذهبي أن يدرس عليه عدد كبير من طلبة العلم ووفد عليه لتلقي العلم كثيرون من أنحاء العالم الإسلامي بعد أن إتسعت شهرته وذاع صيته وإنتشرت مؤلفاته ورسخت مكانته لمعرفته الواسعة بالحديث وعلومه والتاريخ وفنونه فكان مدرسة قائمة بذاتها تخرج فيها كبار الفقهاء والحفاظ والمحدثين وتزخر كتب القرن الثامن الهجرى بمئات من تلاميذ المؤرخ الحافظ الذهبي النجباء وحسبه أن يكون من بينهم المؤرخ والحافظ إسماعيل بن كثير والفقيه الشافعي والمؤرخ العربي وقاضي القضاة في دمشق تاج الدين السبكي صاحب طبقات الشافعية الكبرى والمؤرخ والكاتب والأديب صلاح الدين الصفدى والإمام الحافظ العلامة زين الدين عبد الرحمن بن رجب الحنبلي وغيرهم .


وقد ترك الإمام شمس الدين الذهبي للمكتبة الإسلامية إنتاجا غزيرا من المؤلفات بلغ أكثر من مائتي كتاب شملت الكثير من ميادين الثقافة الإسلامية حيث تناولت القراءات والحديث النبوى الشريف ومصطلحه والفقه وأصوله والعقائد والرقائق غير أن معظم مؤلفاته في علوم التاريخ وفروعه ما بين مطول ومختصر ومعاجم وسير وكان ثلث هذا العدد تقريبا مختصرات كتبها الإمام الذهبي لأمهات الكتب التاريخية المؤلفة قبله فنجده قد إختصر تاريخ بغداد للمؤرخ العربي الخطيب البغدادى وتاريخ دمشق للإمام والعلامة والمحدث أبي القاسم بن عساكر وتاريخ نيسابور للمحدث والمؤرخ أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابورى وتاريخ مصر للمحدث والمؤرخ والكاتب عبد الرحمن بن أحمد بن يونس المصرى وكتاب الروضتين في أخبار الدولتين الصلاحية والثورية للمؤرخ والعالم والفقيه عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم عثمان المعروف بأبي شامة المقدسي والتكملة لوفيات النقلة للعالم والمحدث والمؤرخ زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوى المنذرى وأسد الغابة للمؤرخ والإمام عز الدين بن الأثير وقد حصر المؤرخ والأديب والباحث السورى شاكر مصطفى الكتب التي إختصرها شمس الدين الذهبي في عدد 367 عملا أما بخصوص أهم مؤلفات شمس الدين الذهبي فمن أهمها كتاب تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام والذى فرغ من إخراجه الأول عام 714 هـ الموافق عام 1314م ثم إستكمله عام 726 هجرية الموافق عام 1326م وهو يعد أشهر وأكبر ما ألفه الإمام الذهبي ويعتبر من أهم الكتب الموسوعية الضخمة التي صنفها المؤرخون المسلمون بوجه عام وهو يتميز بأنه كتاب تاريخ وتراجم معا وكما يستشف من العنوان فهو رصد للتاريخ الإسلامي بداية من الهجرة النبوية وحتى عام 700 هجرية الموافق عام 1300م مبنيا على عدد 70 طبقة أى 700 عام حسب التقويم الهجرى وكانت هذه الفترة تشكل إطارا زمنيا هاما في نشأة حضارة جديدة إتسعت جغرافيا لتلامس الشرق والغرب وتؤثر فيهما بجوانب أخرى وكانت أيضا فترة شهدت أحداثا عظاما وثقها الذهبي مع تراجم للمشهورين بلغ عددهم أربعين ألف شخصية في كل ناحية من نواحي الحياة وهو الأمر الذى ميز هذا الكتاب عن غيره من الكتب المماثلة له في موضوعاته وفضلا عن ذلك يتميز هذا الكتاب بإحتوائه علي مادة واسعة في التاريخ السياسي والإدارى والأحوال الإقتصادية للدولة الإسلامية إنتقاها من مصادر كثيرة ضاع معظمها فلم تصل إلى أيدينا ويصور الكتاب أيضا الحياة الفكرية في العالم الإسلامي وتطورها على مدى سبعة قرون ويبرز المراكز الإسلامية ودورها في إشعاع الفكر ومساعدة الناس وذلك من خلال حركة العلماء وإنتقالهم بين حواضر العلم المعروفة وغير المعروفة وهو الأمر الذي يظهر مدى إزدهار المراكز الثقافية في أنحاء الدولة الإسلامية ومن زاوية أخرى يبين الكتاب من خلال ترجمته لآلاف العلماء وعلى مدى القرون الطويلة التي تعرض لها إتجاهات الثقافة الإسلامية وعناية العلماء بعلوم معينة ويكشف عن طرقهم وأساليبهم في التدريس والإملاء والمناظرة ودور المدارس في نشر العلم والمذاهب الفقهية في أنحاء العالم الإسلامي ومما يذكر أن أسلوب الإمام الذهبي في تأليف هذا الكتاب تبعه فيه الكثيرون ولعل من المتأخرين منهم المؤرخ المعروف عبد الرحمن الجبرتي في كتابه عجائب الآثار في التراجم والأخبار حيث وضح تأثره بالأسلوب الخبرى في الرواية وهو الأسلوب الذى كان يتبعه الذهبي في مؤلفاته التاريخية وما بين عام 716 هجرية الموافق عام 1315م وعام 718 هجرية الموافق عام 1317م أخرج لنا الذهبي كتاب القراء الكبار على الطبقات والأعصار كما أخرج لنا كتابا آخر باسم تذهيب تهذيب الكمال خلال العام التالي 719 هجرية الموافق عام 1318م وفي العام الذى تلاه 720 هجرية الموافق عام 1319م أخرج لنا كتابا بإسم أسماء من عاش ثمانين سنة بعد شيخه أو بعد تاريخ سماعه ثم خلال نفس العام 720 هجرية الموافق عام 1319م أخرج لنا كتاب الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الحديث النبوى الصحاح الستة وهي صحيح البخارى وصحيح مسلم وسنن الترمذى وسنن أبي داود وسنن النسائي وسنن إبن ماجة .

وبخلاف كتاب تاريخ الإسلام وكتاب وفيات المشاهير والأعلام الشهيرين واللذان يعدان من أهم وأشهر كتب الذهبي كان له كتاب آخر لا يقل عنهما أهمية وهو كتاب سير أعلام النبلاء والذى فرغ منه عام 739 هـجرية الموافق عام 1339م وهو يعتبر من أمتع كتب التراجم التي يستفيد منها القارئ والباحث وهو ليس مختصرا لكتابه تاريخ الإسلام الذى تحدثنا عنه في السطور السابقة وإن كانت كل التراجم الموجودة فيه سبق أن تناولها الإمام الذهبي في تاريخ الإسلام تقريبا لكن ثمة فروق يلحظها المطالع للكتابين فتراجم كتاب سير أعلام النبلاء أغزر مادة من مثيلاتها في كتاب تاريخ الإسلام كما أنه ضمنه مجموعة من الكتب التي أفردها لترجمة البارزين من أعلام الإسلام مثل الأئمة الكبار أبي حنيفة النعمان والتابعي وراوى الحديث سعيد بن المسيب والإمام الأندلسي علي بن حزم وهذه المادة لا نظير لها في كتابه تاريخ الإسلام ولهذا الكتاب العديد من الفوائد منه الإطلاع على تراجم الصحابة والتابعين ومن بعدهم من العلماء وكذلك تراجم الخلفاء والملوك والسلاطين والأمراء والقادة السياسيين والقضاة والفقهاء والمحدثين واللغويين والنحاة والأدباء والشعراء والفلاسفة بل وحتى أرباب الملل والنحل الغير إسلامية بل وتجد فيه الكلام عن بعض من الزعماء السياسيين غير المسلمين الذين أثروا في التاريخ الإسلامي بشكل أو بآخر مثل الفاتح المغولي جنكيز خان وحفيده هولاكو خان وغيرهما غير أن عنايته بالمحدثين كانت أكثر ولذا جاءت معظم تراجم أهل العناية بالحديث النبوى الشريف من أكثر التراجم ثراءا كما إتسع الكتاب أيضا ليشمل تراجم الأعلام والفقهاء والأئمة الذين برزوا في العديد من العلوم والمعارف من مختلف أنحاء العالم الإسلامي دون أن تكون له عناية بمنطقة دون أخرى أو عصر دون آخر ومن فوائد هذا الكتاب أيضا معرفة بعض الوقائع التاريخية والأحداث السياسية التي حدثت عبر التاريخ الإسلامي حتى عصر المؤلف إلي جانب الإستفادة من علم الإمام الذهبي في العلوم الشرعية حيث تكلم على الكثير من المسائل العلمية في العقيدة والفقه والتفسير والحديث وغيرها من العلوم الشرعية والإستفادة أيضا من أحكامه على الأحاديث من حيث القبول والرد والشرح والتوجيه حيث أنه كان أيضا عالم كبير من علماء الحديث وقد حكم على كثير من الأحاديث في هذا الكتاب .


وبخلاف الكتب المذكورة في السطور السابقة كان للذهبي العديد من المؤلفات الأخرى التي أثرى بها المكتبة الإسلامية كما أسلفنا منها كتاب المغني في الضعفاء والذى أخرجه في عام 720 هجرية الموافق عام 1320م وهو كتاب صغير الحجم مختصر يحتوى على الضعفاء والكذابين والوضاعين فمنهم المتروكين الهالكين ومنهم الضعفاء من المحدثين والناقلين ثم يذكر الكثيرى الوهم من الصادقين ثم يذكر الثقات الذين فيهم شئ من اللين أو التعنت ثم يحتوى على المجهولين أيضا وهم كثر فقد ذكر الإمام الحافظ الذهبي منهم من نص على جهالته مثل أبي حاتم الرازى وقال هذا مجهول وذكر خلق منهم حالهم غير معروفة وممن روى عنه رجل واحد متنا منكرا وإختص هذا الكتاب بذكر من هم أدنى من الضعف فلم يذكر الثقات ومن قيل فيه محله الصدق أو لا بأس به أو يكتب حديثه وقد رتبه على ترتيب الحروف الأبجدية العربية وبعد أن أخرج هذا الكتاب أخرج كتابا آخر في عام 724 هجرية الموافق عام 1324م سماه ميزان الإعتدال في نقد الرجال وهو كتاب في الجرح والتعديل جامع لنقد رواة الآثار حاو لتراجم أئمة الأخبار وقد ألفه الذهبي بعد تأليفه كتابه المغني في الضعفاء الذى إعتمد فيه على كثير من المراجع وقد زاد في الميزان رجالا لم يكن ذكرهم في المغني وقد ذكر المؤلف في الكتاب الرواة الكذابين والمتروكين والضعفاء وعلى الحفاظ الذين في دينهم رقة وعلى من يقبل في الشواهد وعلى الصادقين أو المستورين الذين فيهم لين والمجهولين والثقات الذين تكلم فيهم من لا يلتفت إليه وقال الذهبي عن هذا الكتاب لقد إحتوى كتابي هذا على ذكر الكذابين والوضاعين ثم على المحدثين الصادقين أو الشيوخ المستورين الذين فيهم لين ولم يبلغوا رتبة الأثبات المتقنين ثم على خلق كثير من المجهولين ومما يذكر أن الإمام الحافظ الذهبي قد أشار في هذا الكتاب إلي بعض أسماء الكتب التي أخذ عنها تسلسل الرواة منها كتاب الضعفاء الكبير للإمام والمحدث أبي جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي المكي وكتاب المجروحين من المحدثين للإمام والمؤرخ محمد بن حبان البستي وكتاب الكامل في ضعفاء الرجال للإمام الحافظ أبي أحمد عبد الله بن عدى الجرجاني وكتاب الضعفاء للعالم وراوى الحديث محمد بن الحسين أبي الفتح الأزدى وبعد ذلك وفي عام 727 هجرية الموافق عام 1727م أخرج الذهبي للمكتبة الإسلامية كتاب بإسم معجم الشيوخ أو المعجم الكبير وهو يشتمل على ذكر من لقيهم أو من كتبوا له بالإجازة في صغره وعلى كثير ممن أجازوه في كبره وهو أحد معاجمه الثلاثة وهي المعجم الكبير والصغير والمختص بالمحدثين الذى إختصه بشيوخه في الحديث وكان منهجه في إخراج هذا الكتاب قيامه بترتيبه على حسب ترتيب حروف المعجم وختمه بباب الكنى ووضع فيه عدد 1040 ترجمة من تراجم شيوخه أو من أجازه في صغره أو كبره وقد أورد في كل ترجمة حديثا عن طريق ذلك الشيخ وقد تم طبع هذا الكتاب عدة مرات في العصر الحديث منها طبعة مكتبة الصديق بمدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية بإسم معجم الشيوخ المعجم الكبير تحقيق المؤرخ التونسي المعروف محمد الحبيب الهيلة في عام 1408هجرية الموافق عام 1988م وطبعة دار الكتب العلمية بالعاصمة اللبنانية بيروت بإسم معجم شيوخ الذهبي تحقيق وتعليق روحية عبد الرحمن السيوفي في عام 1410 هجرية الموافق عام 1990م .



وقد أخرج الذهبي أيضا كتاب مابين عام 731 هجرية الموافق عام 1331م وعام 732 هجرية الموافق عام 1332م بإسم تذكرة الحفاظ قال عنه هذه تذكرة بأسماء معدلي حملة العلم النبوى ومن يرجع إلى إجتهادهم في التوثيق والتضعيف والتصحيح والتزييف وقد قسم هذا الكتاب إلي إحدى وعشرين طبقة ذكر في الطبقة الأولي الخلفاء الراشدين وكبار الصحابة وفي الطبقة الثانية كبار التابعين مثل سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وفي الطبقة الثالثة الطبقة الوسطى من التابعين ورأسها هو الإمام والفقيه الحسن البصرى وغالب ذلك كان فيما بين عهد الخليفة الأموى الثاني يزيد بن معاوية والخليفة الأموى العاشر هشام بن عبد الملك وفي الطبقة الرابعة ذكر الطبقة الثالثة من التابعين ثم ذكر في الطبقات الآخرى الأئمة بعد التابعين وحفاظ العلم النبوى حتي ذكر في الطبقة الحادية والعشرين الأئمة تقي الدين بن تيمية وجمال الدين المزى وأحمد إبن فرح وشيخ الإسلام والمفسر والحافظ علي بن عبد الكافي ثم ذكر شيوخه بعد ذلك وقد أثنى العديد من العلماء ثناءا كثيرا علي المؤرخ والإمام الحافظ شمس الدين الذهبي وشهدوا على فضله وإمامته لا سيما في علم الحديث والتاريخ والرجال فقد قال عنه المؤرخ العربي وقاضي القضاة والفقيه الشافعي تاج الدين السبكي هو شيخنا وأستاذنا الإِمام الحافظ محدث العصر وقد إشتمل عصرنا على أَربعة من الحفاظ بينهم عموم وخصوص جمال الدين المزى وعلم الدين البرزالي والذهبي والشيخ الإِمام الوالد الفقيه تقي الدين السبكي ولا خامس لهؤلاء في عصرهم وأما أستاذنا الإمام الذهبي فَبصر لا نظير لَه وكنز هو الملجأ إِذا نزلت المعضلة إِمَام الوجود حفظا وذهب العصر معنى ولفظا وشيخ الجرح وَالتعديل ورجل الرجال في كل سبيل وقال المؤرخ والكاتب العربي محمد بن شاكر الكتبي هو حافظ لا يجارى ولافظ لا يبارى أتقن الحديث ورجاله ونظر علله وأحواله وعرف تراجم الناس وأبان الإبهام في تواريخهم والإلباس جمع الكثير ونفع الجم الغفير وأكثر من التصنيف ووفر بالإختصار مؤونة الإطالة في التأليف وقال المؤرخ والإمام والفقيه الحافظ والمفسر جلال الدين السيوطي هو الإمام الحافظ محدث العصر وخاتمة الحفاظ ومؤرخ الأعلام وفرد الدهر والقائم بأعباء هذه الصناعة طلب الحديث وله ثماني عشرة سنة فسمع الكثير ورحل وإعتني بهذا الشأن وتعب فيه وخدمه إلى أن رسخت فيه قدمه وتلا بالسبع وأذعن له الناس والذى أقوله إن المحدثين عيال الآن في الرجال وغيرها من فنون الحديث على أربعة العالم والمحدث جمال الدين المزى والإمام والمؤرخ شمس الدين الذهبي والإمام الحافظ عبد الرحيم العراقي والعالم والفقيه والمفسر شهاب الدين بن حجر العسقلاني وقال الإمام والفقيه والمفتي والشاعر والقاضي اليمني محمد بن علي الشوكاني إن جميع مصنفاته مقبولة مرغوب فيها رحل الناس لأجلها وأخذوها عنه وتداولوها وقرأوها وكتبوها في حياته وطارت في جميع بقاع الأَرْض وله فيهَا تعبيرات رائقة وألفاظ رشيقة غالبا لم يسلك مسلكه فِيهَا أهل عصره ولا من قبلهم ولا من بعدهم وبالجملة فالناس في التاريخ من أهل عصره فمن بعدهم عيال عليه ولم يجمع أحد في هذا الفن كجمعه ولا حرره كتحريره وقال العالم والفقيه والمحقق الحنبلي والمحدث والشاعر الفلسطيني مرعي بن يوسف الكرمى المقدسي الحنبلى الشيخ الإِمام الحافظ الهمام مفيد الشام ومؤرخ الإسلام ناقد المحدثين وإِمام المعدلين والمجرحين إِمام أهل التعديل والجرح والمعتمد عليه في المدح والقدح كان آية في نقد الرجال عمدة في الجرح والتعديل عالما بالتفريع والتأصيل إِماما في القراءات فقيها في النظريات له دراية بمذاهب الأئمة وأرباب المقالات قائما بين الخلف بنشر السنة ومذهب السلف وأخيرا فقد ظل الإمام الحافظ شمس الدين الذهبي يعمل بالتدريس في مدارس دار الحديث المختلفة بدمشق وفي أواخر حياته فقد بصره بالكامل وكانت وفاته بتربة أم الصالح بغوطة دمشق ليلة الإثنين الثالث من شهر ذى القعدة عام 748 هجرية الموافق ليلة 3 فبراير عام 1348م ودفن بمقابر باب الصغير أكبر مقابر مدينة دمشق وحضر الصلاة عليه جملة من العلماء كان من بينهم الإمام ن تاج الدين السبكي وقد رثاه كثير من تلامذته منهم الإمامان صلاح الدين الصفدى وتاج الدين السبكي
 
 
الصور :