السبت , 7 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

المؤرخ محمد بن سعد البغدادى

المؤرخ محمد بن سعد البغدادى
عدد : 03-2023
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"


المؤرخ والعالم المسلم محمد بن سعد بن منيع والمعروف بمحمد بن سعد الهاشمي البغدادى كان محدثا حافظا ولم تقتصر ثقافته على الحديث والأخبار والسير فقط بل كان له إهتمام واسع بالفقه والغريب واللغة وعلم القراءات وفضلا عن ذلك فقد كان عالما بالأنساب ومن ثم فقد تبحر في علم الأنساب حتى إن هشام الكلبي وهو من الرواة الذين أخذ عنهم إبن سعد الأنساب وكان علما فيه أخذ عنه وهو ما يدل على تمكنه من علم الأنساب وإطلاعه الواسع عليه وهو صاحب ومصنف كتاب الطبقات الكبير في بضعة عشر مجلدا والذى يعد أحد النماذج الأولى في موضوع التراجم التي تطورت منهجيته بعد ذلك وكتاب الطبقات الصغير وغيرهما وكانت له مكانة علية وحظى بالقبول والرضا لدى أهل العلم متقدمين ومتأخرين ووصفه الكثيرون منهم بأنه من أهل العلم والفضل وأحد المصنفين المجيدين وأحد الحفاظ الكبار وكان كتابه الطبقات الكبرى خير شاهد على ذلك وكانت مكانته عند المحدثين من حيث الجرح والتعديل مقبولة كما سنبين بالتفصيل في السطور القادمة وكان ميلاده علي الأرجح في عام 168 هجرية الموافق عام 784م بمدينة البصرة ببلاد العراق وفي الحقيقة لم نجد نص واضح موثق على تاريخ ولادته من المتقدمين وهذا التاريخ الذى ذكرناه مأخوذ عن قول المؤرخ والإمام شمس الدين الذهبي بأن محمد بن سعد البغدادى ولد في التاريخ المذكور وكان هذا الإستنتاج من المؤرخ والإمام شمس الدين الذهبي قد توصل إليه من تاريخ وفاة إبن سعد والذى قيل إنه قد توفي عام 230 هجرية الموافق عام 845م ومن المدة التي عاشها تم إستنتاج تاريخ مولده بالتقريب حيث نص تلميذه الإمام والمحدث الحسين بن محمد بن الفهم البغدادى على أنه مات عن عمر يناهز 62 عاما وأيضا لم يوجد شئ في مصادر ترجمته مما يتعلق بنشأته وأسرته وكيف كانت بدايته لطلب العلم ومن ذلك يمكننا أيضا أن نستنتج أن والده لم يكن من أصحاب الجاه والسلطان ولا من أرباب الرواية إذ لو كان كذلك لعرف به إبنه وقد خصص إبن سعد جزءا كبيرا من كتاب الطبقات الكبرى للتعريف بالعلماء من محدثين وفقهاء ولو كان أبوه من أصحاب الجاه والنفوذ لكان له ذكر في كتب التراجم وأيضا فمن خلال أسانيد محمد بن سعد البغدادى ومصادره في كتاب الطبقات الكبرى يتبين أنه تتلمذ علي يد بعض الشيوخ البصريين من أهل بلدته في نشأته الأولى بمدينة البصرة ومن أقدم هؤلاء وفاة الإمام وراوى الحديث الحافظ عبد الله بن بكر الباهلي السهمي المتوفي عام 188 هجرية مما يدل على تبكيره في طلب العلم ولذا قال الذهبي في السير طلب إبن سعد العلم في صباه ولحق الكبار وكان من أبرز شيوخه البصريين أيضا الإمام والمحدث الحافظ عفان بن مسلم المتوفي عام 220 هجرية والإمام وعالم الحديث الثقة عارم بن الفضل المتوفي عام 223 هجرية والعالم وراوى الحديث أبو الوليد الطيالسي المتوفي عام 227 هجرية وإنتقل إبن سعد بعد ذلك من البصرة إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسية التي كانت تعد أكبر المراكز العلمية آنذاك ومحط أنظار العلماء والشيوخ والفقهاء ونقطة إلتقائهم من مختلف أنحاء البلاد والأمصار الإسلامية .

وفي بغداد سمع إبن سعد البغدادى عن جمع من المحدثين من المقيمين بها أو الواردين عليها وبها إتصل بشيخه المؤرخ المعروف أبو عبد الله محمد بن عمر الواقدى الذى قدم بغداد عام 180 هجرية وإستقر بها حتى وافاه الأجل في عام 207 هجرية ولزمه ملازمة شديدة لفترة طويلة وكتب عنه حتى عرف به ونسب إليه فتم تلقيبه بكاتب الواقدى وكانت بغداد في هذه الفترة تزخر بجملة من خيرة العلماء وفحولهم أمثال الإمام والحافظ الثقة هشيم بن بشير المتوفي عام 183 هجرية والإمام العلامة والمحدث الحافظ إسماعيل بن علية المتوفي عام 193 هجرية ومن الفقهاء الإمام المجتهد والقاضي تلميذ الإمام أبي حنيفة النعمان يعقوب بن إبراهيم الأنصارى المشهور بأبي يوسف المتوفي عام 182 هجرية ومن النحويين عالم النحو واللغة والذى لقب بإمام النحاة الشهير عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي المعروف بإسم سيبويه المتوفي عام 183 هجرية ومن القراء عالم الدراسات الإسلامية المقرئ يعقوب بن إسحاق الحضرمي المتوفي عام 205 هجرية ومن أصحاب السيرة والمغازى المؤرخ وعالم السيرة والأنساب واللغة وأخبار العرب عبد الملك بن هشام المتوفي عام 208 هجرية ومن النسابين مصعب بن عبد الله الزبيرى المتوفي عام 233 هجرية وغيرهم الكثير ورحل بعد ذلك إبن سعد إلى الكوفة وإلي بلاد الحجاز حيث زار المدينة المنورة ومكة المكرمة ولم تكشف مصادر ترجمته عن الترتيب الزمني لهذه الرحلات ولا عن تاريخ كل منها إلا ما ذكره إبن سعد نفسه في الطبقات بخصوص رحلته إلي المدينة المنورة في ترجمة واحد من مشاهير أواخر تابعي التابعين أبي علقمة عبد الله بن محمد الفروى المدني حيث قال وكان قد لقي نافعا وسعيد بن أبي سعيد المقبرى ولكنه عمر حتى لقيناه عام 189 هجرية بالمدينـة المنورة وكانت وفاة الفروي عام 190 هجرية ومما يذكر أنه كان له العديد من الشيوخ المدنيين الذين أخذ عنهم منهم العالم الثقة المتوفي عام 198 هجرية معن بن عيسى القزاز راوى الحديث النبوى الشريف وأحد كبار أصحاب إمام أهل المدينة الإمام مالك بن أنس والعالم الثقة وراوى الحديث النبوى الشريف أبي إسماعيل محمد بن أبي فديك المتوفي عام 199 هجرية والعالم وراوى الحديث الثقة أنس بن عياض بن ضمرة الليثي المدني المتوفي عام 200 هجرية والعالم الثقة وراوى الحديث النبوى أبي بكر بن أبي أويس الأصبحي المدني المتوفي عام 202 هجرية وغيرهم ومن ذلك كله يتضح لنا أن زيارة إبن سعد للمدينة المنورة كانت قبل عام 200 هجرية بعدة سنوات مع إحتمال تردده عليها أكثر من مرة وهذا يدل على تبكيره في رحلات طلب العلم مقتديا في ذلك بأسلافه من العلماء الثقة والأئمة والفقهاء والحفاظ من رواة الحديث النبوى الشريف .

وبعد المدينة المنورة رحل إبن سعد إلي مكة المكرمة وبها سمع من المفسر والمحدث سفيان بن عيينة المتوفي عام 198 هجرية ولم يكثر عنه والمحدث مؤمل بن إسماعيل البصرى المتوفي عام 206 هجرية وغيرهما من الأئمة الحفاظ من أهل مكة المكرمة أو ممن قدمها لأداء مناسك الحج والعمرة حيث كانوا يعقدون أثناء وجودهم بها مجالس الحديث ويظهر أنه تكرر قدومه إلى مكة المكرمة فسمع ممن توفاهم الله بعد سفيان بن عيينة مثل راوى الحديث وأحد أصحاب الإمام مالك بن أنس عبد الله بن مسلمة القعنبي المتوفي عام 221 هجرية والعالم وراوى الحديث سعيد بن منصور المتوفي عام 227 هجرية وغيرهما وقد صرح إبن سعد في الطبقات أنه كان بمكة المكرمة وسأل أحد العارفين بأخبارها وهو راوى الحديث أبا بكر بن محمد بن أبي مرة المكي عن منزل الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب الذى كان في الجاهلية فذكره له وأما زيارته للكوفة فقد صرح بأنه كان فيها مع شيخه العابد والحجة وأحد علماء الحفاظ عبد الله بن إدريس الأودى الكوفي المتوفي عام 192 هجرية وكان يمشي معه في حاجة له فدله على دار التابعي وراوى الحديث الحكم بن عتيبة وجدير بالذكر أن علماء الكوفة قد شكلوا قسـما كبيرا من ثقافته وكان من أقدم شيوخه الكوفيين الذين أخذ عنهم ولم يذكروا له قدوما إلى بغداد راوى الحديث حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي المتوفي عام 189 هجرية وقد سمع بالكوفة ممن كان فيها من كبار المحدثين مثل عالم الحديث والعابد الحجة عبد الله بن إدريس وراوى الحديث النبوى وأول من صنف المسند على ترتيب الصحابة بالكوفة عبيد الله بن موسى العبسي المتوفي عام 213 هجرية وراوى الحديث النبوى والحافظ الثقة عبد الله بن نمير المتوفي عام 199 هجرية وغيرهم وفضلا عن ذلك كانت هناك طائفة من مشايخه الكوفيين ممن قدموا بغداد وحدثوا بها أو نزلوها لكن لا يمكن لنا الجزم بأن إبن سعد قد سمع منهم بالكوفة أو ببغداد مثل راوى الحديث الحافظ الثقة أبي معاوية الضرير محمد بن خازم المتوفي عام 195 هجرية والإمام الحافظ الثقة محمد بن فضيل بن غزوان المتوفي أيضا في نفس العام 195 هجرية والإمام الحافظ المحدث وكيع بن الجراح المتوفي عام 197 هجرية والإمام والمحدث أبي نعيم الفضل بن دُكين المتوفي عام 219 هجرية وغيرهم وقد عد المؤرخ والإمام الحافظ أبو القاسم علي بن عساكر محمد بن سعد البغدادى في تاريخه الحافل ممن دخل دمشق وسمع بها من الإمام والمحدث سليمان بن عبد الرحمن المتوفي عام 184 هجرية والفقيه والعالم وقاضي دمشق إسماعيل بن عبد الله السكرى والفقيه وراوى الحديث الثقة زيد بن يحيى بن عبيد والفقيه الواعظ والمحدث والمفسر عمر بن سعيد الدمشقي وراوى الحديث وعالم أهل الشام الوليد بن مسلم ولعل سماع محمد بن سعد البغدادى لبعض من كان ببلاد الشام ممن تقدمت أسماؤهم وغيرهم إنما كان بالعاصمة العباسية بغداد لكثرة من كان يرد عليها من العلماء والمحدثين في ذلك العصر أو في مواسم الحج حيث كان المسلمون يجتمعون فيها من كل مكان وفيهم العلماء من محدثين وفقهاء ومفسرين وقراء وقضاة وغيرهم وأخيرا يمكننا القول بأن كل الأمصار التي دخلها محمد بن سعد البغدادى وتلقف العلم من شيوخها وعلمائها وفقهائها وأهلها كانت تشكل في عصره أقوى مراكز النشاط العلمي وأزهى العصور الإسلامية نظرا لما برز خلالها وظهر فيها من فطاحل العلماء والفقهاء والمحدثين والقراء والقضاة في مختلف التخصصات العلمية المتنوعة مثل علم الحديث النبوى الشريف والتراجم والجرح والتعديل والعلل والسير والمغازى وغيرها من العلوم الأخرى كالفقه والتفسير واللغة ونحوها وبلا شك فقد إستفاد محمد بن سعد البغدادى من هذه العلوم وكانت مصنفاته وعلي رأسها كتابة الشهير الذى عرف به الطبقات الكبرى خير شاهد على ذلك .


وهذا الكتاب الذى يعد أشهر مصنفات إبن سعد ينقسم إلى قسمين رئيسيين القسم الأول منهما يتعلق بسيرة النبي محمد صلي الله عليه وسلم وقد أبدع إبن سعد في هذا القسم وظهر فيه بالإضافة إلى كونه من المحدثين بشخصية المؤرخ البصير المطلع حيث تناول فيه كل ما يتعلق بالسيرة النبوية وخدم هذا الموضوع بمقدمات وممهدات لفترة ما قبل النبوة والرسالة وأضاف فصولا وأبوابا يندر أن تجدها مجتمعة عند غيره بأسلوب سهل سلس محبوك الفصول والأبواب مدعوما بالروايات المسندة التي سمعها من شيوخه أو مما إستقاه من مصادر أخرى سبقته ويمكن إجمال موضوعات هذا القسم في عدة نقاط حيث بدأ بالأمور المتعلقة برسول الله قبل مولده من نسبـه الشريف وعلاقته بالأنبياء الذين سبقوه بداية من سيدنا آدم عليه السلام أبي البشر ثم من جاء بعده من الأنبياء ممن له صلة برسالة النبي محمد صلي الله عليه وسلم فذكر أنبياء الله إدريس ونوحا وإبراهيم وإسماعيل عليهم السلام ثم تكلم عن أسرة النبي صلي الله عليه وسلم وزواج والديه عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم والسيدة آمنة بنت وهب والحمل به ووفاة والده عبد الله وهو جنين في بطن أمه ثم ولادته وما تعلق بها من أسمائه وكنيته ومرضعاته ثم وفاة أمه السيدة آمنة بنت وهب وكفالة جده عبد المطلب بن هاشم له ثم وفاته وكفالة عمه أبي طالب بن عبد المطلب له ثم يذكر إبن سعد بعد ذلك في كتابه أحوال النبي صلي الله عليه وسلم قبل البعثة وما يتعلق بذلك من تواريخ وأحداث مرت به حيث ذكر رعيه الغنم بمكة المكرمة وحضوره حرب الفجار ثم حضوره حلف الفضول ثم خروجه إلى الشام بتجارة السيدة خديجة بنت خويلد ثم زواجه منها وإنجابها أولاده منها وتسميتهم كما ذكر أيضا إبنه إبراهيم من السيدة مارية بنت شمعون القبطية المصرية والذى توفي قبل أن يكمل السنتين وإنتقل إبن سعد بعد ذلك إلي ذكر حضور النبي هدم قريش الكعبة وإعادة بنائها وكان ذلك قبل البعثة بحوالي 5 سنوات ثم قصة بعثة النبي صلي الله عليه وسلم ونزول الوحي عليه بغار حراء وبداية الدعوة إلي الإسلام بمكة المكرمة وما تعرض له من أذى حتي هجرته وما تعلق بذلك من أحداث جرت له ولأصحابه في تلك المرحلة وذكر أيضا من تسموا في الجاهلية بمحمد رجاء أن تدركه النبوة حيث كانت هناك إشارات بظهور خاتم الأنبياء وبأن إسمه سيكون محمد وإنتقل بعد ذلك إبن سعد لذكر علامات النبوة بعد نزول الوحي سـواء ما كان في مكة المكرمة أو المدينة المنورة ثم ذكر أحداث هجرته وما وقع فيها من أحداث وما فعله حين قدم المدينة المنورة من مؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وبناء المسجد النبوى الشريف وما جرى في المدينة المنورة من نزول بعض الأحكام كصيام شهر رمضان المعظم وزكاة الفطر وصـلاة العيدين والأضحية والحج ونحوها ثم كتابته للملوك والعظماء ووجهـاء الناس في عصره يدعوهم للإسلام بداية من أواخر العام السادس الهجرى حتي أواسط العام الثامن للهجرة ووفادات العرب عليه خلال العام التاسع الهجرى وذكر منها عدد 72 وفدا وتحدث أيضا إبن سعد في هذا القسم من كتابه عن صفات وأخلاق النبي صلي الله عليه وسلم وأحواله في معيشته ونسائه وعبادته ولباسه وأدواته ودوابه وخدمه ومواليه وبيوته وصدقاته والآبار التي شرب منها ومغازيه وسراياه وعمراته وحجة الوداع ثم مرضه المرض الذى توفي فيه وما حدث أثناء ذلك من أمور مع ذكر من رثا النبي وكانت هذه السيرة المطولة بمثابة مدخل لكتاب الطبقات الكبرى وهي جزء أساسي لا ينفك عما يأتي بعد ذلك في القسم الثاني من الكتاب من أحداث منهجية وتقسيم الرجال والنساء إلى طبقات وتقديم بعضهم على بعض وإضفاء المصطلحات والألقاب المميزة لدرجاتهم حسب قربهم وبعدهم عن الرسول صلي الله عليه وسلم .

وأما القسم الثاني من كتاب الطبقات الكبرى فقد إشتمل علي طبقات الصحابة والتابعين وتابعي التابعين من بعدهم وقد أفصح عن ذلك مؤلف الكتاب حيث قال في أول الطبقات تسمية من أحصينا من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار وغيرهم ومن كان بعدهم من أبنائهم وأتباعهم من أهل الفقه والعلم والرواية للحديث وما إنتهى إليه من أسمائهم وأنسابهم وكناهم وصفاتهم طبقة طبقة وراعى إبن سعد في ترتيبه للطبقات عدة جوانب أولها الجانب النوعي وثانيها الجانب الزماني والمكاني وثالثها الجانب النسبي وعلو الرواية والإسناد وقام أيضا بتقسيم قسم تراجم الطبقات إلى قسمين قسم للرجال ويمثل معظم الكتاب وآخر للنساء وهو يمثل جزءا يسيرا من الكتاب وجعل الصحابة خمس طبقات مراعيا في تقسيمه هذا السبق في الإسلام والفضل ثم راعى في إيراد التراجم داخل كل طبقة عنصر النسب والشرف وقد شملت الطبقة الأولي من الصحابة أهل بدر وبدأهم برسول الله صلي الله عليه وسلم ثم الأقرب فالأقرب إليه في النسب فذكر من شهدها من بني هاشم ومواليهم مثل الإمام علي بن أبي طالب وسيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ثم من شهدها من بني عبد شمس وحلفائهم ومواليهم ثم من شهدها من بني أسد بن عبد العزى وحلفائهم ثم من شهدها من بني عبد الدار وعبد إبن قصي ثم من شهدها من بني زهرة وحلفائهم ثم من شهدها من بني تيم بن مرة ومواليهم وهكذا حتى أنهى بطون قبيلة قريش ثم بدأ بذكر الأنصار فبدأ بقبيلة الأوس قبل قبيلة الخزرج حتى أنهى بطون قبيلة الأوس ويذكر مع كل بطن مواليهم وحلفاءهم وكان ممن ذكرهم سعد بن معاذ سيد الأوس وأسيد بن حضير وبشير بن سعد ثم إنتقل إلي ذكر بطون الخزرج وحلفائهم ومواليهم وكان ممن ذكرهم سعد بن عبادة سيد الخزرج ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وعمرو بن الجموح وأبو أيوب الأنصارى والحباب بن المنذر وأبو دجانة وأبو الدرداء وأنهى الحديث عن الطبقة الأولى بالحديث عن النقباء الإثنى عشر في بيعة العقبة والذين كان منهم سعد بن الربيع واسعد بن زرارة وعبد الله بن رواحة وعبادة بن الصامت وعبد الله بن عمرو بن حيرام والد الصحابي وراوى الحديث جابر بن عبد الله أما الطبقة الثانية فقد شملت من لم يشهد بدرا ولهم إسلام قديم والذين هاجر عامتهم إلى الحبشة ثم شهدوا أحدا وما بعدها وسلك في ترتيبهم المسلك السابق الذى إتبعه في الطبقة الأولى ثم إنتقل إلي الطبقة الثالثة وهم من شهد الخندق وما بعدها وكان منهم سلمان الفارسي ومن أسلم فيما بين الخندق وفتح مكة مثل سيف الله المسلول خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة وإتبع في ترتيبهم نفس الترتيب السابق ثم إنتقل إلي الطبقة الرابعة وهم من أسلم عند فتح مكة المكرمة في شهر رمضان عام 8 هجرية مثل ابي سفيان بن حرب ومعاوية بن أبي سفيان وصفوان بن أمية وعكرمة بن ابي جهل وما بعد ذلك وفي النهاية جاءت الطبقة الخامسة وقد شملت من قبض رسول الله صلي الله عليه وسلم وهم حديثي السن ولم يغز منهم أحد مع الرسول وقد حفظ عامتهم ما حدثوا به عنه مثل الإمام عبد الله بن عباس ومنهم من أدركه ورآه ولم يحدث عنه شيئا وبعد إنتهاء إبن سعد من ذكر طبقات الصحابة والقائمة أساسا على العنصر الزماني أتبعهم بذكر طبقات التابعين ومن جاء بعدهم مراعيا في ذلك عنصرا آخر وهو العنصر المكاني حيث رتبهم بحسب البلدان التي نزلوها وإستقروا بها فبدأ بالمدينة النبوية بإعتبارها دار الهجرة وعاصمة الإسلام وكان منهم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير بن العوام بن خويلد وخارجة بن زيد بن ثابت وسليمان بن يسار والقاسم بن محمد بن أبي بكر ثم إنتقل إلي تابعي مكة المكرمة فالطائف فاليمن فاليمامة فالبحرين ثم الكوفة والبصرة وواسط والمدائن وبغداد وخراسان والرى وهمدان وقم والأنبار ثم الشام والجزيرة والعواصم والثغور ثم مصر وأيلة وأفريقية والأندلس.


وكان من مصنفات إبن سعد أيضا كتاب الطبقات الصغير وهو يقتصر في الأغلب على أسماء الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وذكر تواريخ الوفيات في الأعم الأغلب وهو مخطوط في متحف الآثار بإسطنبول تاريخه في القرن السادس الهجرى وكتاب خبر النبي وكتاب التاريخ وكتاب الزخرف القصرى في ترجمة الحسن البصرى وكتاب القصيدة الحلوانية في إفتخار القحطانيين على العدنانيين ومما لا شك فيه أن إبن سعد قد حاز مكانة علية ومنزلة سامية وحظى بالقبول والرضا لدى أهل العلم متقدمين ومتأخرين ووصفه الكثيرون منهم بأنه كان من أهل العلم والفضل وأحد المصنفين المجيدين وأحد الحفاظ الكبار وكان كتابه الطبقات الكبرى خير شاهد على ذلك والذى يخصنا بالدرجة الأولى في هذا المقام مكانته عند المحدثين من حيث الجرح والتعديل نظرا لما يترتب على ذلك من نتائج مهمة تتعلق بالحكم على حديثه قبولا أو ردا وإن كان من المقبول فهل هو من قبيل الصحيح أو الحسن ونحو ذلك من المسائل كالتدليس والإختلاط وغيرهما ولم نجد من تكلم فيه سوى الإمام وشيخ المحدثين الحافظ يحيى بن معين وهو من شيوخه المباشرين له غير أن العلماء والأئمة والمؤرخين لم يحملوا كلمات الإمام يحيى بن معين على ظاهرها ووجهوها توجيهات أخرى ودافعوا عن محمد بن سعد البغدادى رحمه الله بما يليق بحاله حيث قال عنه المؤرخ والمحدث والكاتب الخطيب البغدادى كان محمد بن سعد البغدادى عندنا من أهل العدالة وحديثه يدل على صدقه حيث أنه يتحرى الدقة والصحة في كثير من رواياته ولعل العالم بالحديث والأنساب مصعب بن عبد الله الزبيرى كان قد ذكر ليحيى بن معين عنه حديثا من المناكير التي رواها غيره فنسبه إليه وقد روى المؤرخ الخطيب البغدادى أيضا بسنده عن الحسين بن الفهم تلميذ إبن سعد قائلا كنت عند عالم الأنساب مصعب بن عبد الله الزبيرى فمر بنا يحيى بن معين فقال له مصعب يا أبا زكريا حدثنا محمد بن سعد الكاتب بكذا وكذا فقال له يحيى كذب وهذه العبارة من يحيى بن معين كادت أن تعكر على إبن سعد مكانته الحديثية ولا سيما أنها صدرت من إمام كبير له وزنه وقدره وعارف بأحوال الرجال غير أن العلماء لم يحملوا هذه العبارة على ظاهرها ووجهوها توجيهات أخرى ودافعوا عن إبن سعد بما يليق بحاله كما ذكرنا في السطور السابقة وفضلا عن ذلك فقد قال المؤرخ والفقيه والمحدث أبو السعد السمعاني لعل الناقل عن إبن معين قد أخطأ لأنه من أهل العدالة وحديثه يدل على أمانته وصدقه حيث أنه كان يتحرى في كثير من رواياته وأخيرا فقد قال عنه الإمام والمؤرخ شمس الدين الذهبي لقد ثبت لنا أن محمد بن سعد البغدادى صدوق ولعل إبن سعد البغدادى قد أُوتي من قبل شيخه الواقدى وإكثاره من الرواية عنه ومعلوم حال الواقدى عند المحدثين وقد أفصح الإمام والفقيه والمحدث أبو عمرو عثمان إبن الصلاح عن ذلك بقوله هو ثقة غير أنه كثير الرواية عن الضعفاء ومنهم الواقدى وقال المؤرخ والمحدث والكاتب شمس الدين السخاوى عند ذكره لإبن سعد البعدادى وهو في نفسه ثقة والمرء قد يضعف بالرواية عن الضعفاء ولا سيما مع عدم تمييزهم ومع الإستغناء عنهم بمن عنده من الثقات الأئمة وفي الجملة فإن كلام إبن معين في إبن سعد مجمل غير مفسر ومعلوم أن يحيي بن معين كان من أشد المتعنتين في الجرح وقد قابل كلامه توثيق أئمة ثقات ومعتبرين في هذا الشأن والذين كان على رأسهم عالم الجرح والتعديل والمحدث محمد بن إدريس بن المنذر المعروف بإسم أبو حاتم الرازى الذى قال لقد رأيت إبن سعد البغدادى قد جاء إلى المحدث عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريرى وسأله عن أحاديث فحدثه والقاعدة تقول إذا ضعف الناقد المتعنت راويا ووثقه آخر معتبر فلا يقبل منه جرحه إلا مفسرا وهي تنطبق تماما على ما نحن فيه وفي الحكاية التي ذكرها أبو حاتم عن إبن سعد مع عبيد الله بن عمر القواريرى دليل واضح على صدق محمد بن سعد البغدادى وتواضعه إذ أن القواريري كان من أقرانه فلم يستنكف إبن سعد أن يسأله عن أحاديث شيوخ قد شاركه في الرواية عن كثير منهم أو بعضهم وبوجه عام فقد شهد له الكثيرون بتحريه الدقة وصدقه في مروياته وأنه لا يستحل التدليس عن شيوخه مما يزيد من مكانة ومنزلة هذا الإمام .


ونظرا لمنزلة ومكانة الإمام محمد بن سعد البغدادى فقد أثني عليه العديد من العلماء الذين وثقوه أو أشادوا به وبعلمه حيث قال عنه تلميذه الحسين بن الفهم في ترجمته التي أضافها إلى كتاب استاذه وشيخه الطبقات الكبرى كان كثير العلم كثير الحديث والرواية كثير الكتب كتب الحديث وكتب الفقهوكتب التاريخ وقال عنه المؤرخ وكاتب السيرة محمد بن إسحق المعتزلي المعروف بإسم إبن النديم محمد بن سعد البغدادى كان ثقة مستورا عالما بأخبار النبي والصحابة والتابعين وتابعي التابعين وقال عنه الإمام والفقيه الشافعي والمحدث يحيي بن شرف النووي محمد بن سعد البغدادى هو ثقة وإن كان شيخه الذى لازمه الواقدى ضعيفا وقال القاضي والمؤرخ والمحدث والكاتب شمس الدين بن خلكان محمد بن سعد البغدادى كان أحد الفضلاء النبلاء الأجلاء وكان صدوقا ثقة وقال المؤرخ والإمام شمس الدين الذهبي البغدادى هو الحافظ العلامة الحجة وقال أيضا محمد بن سعد البغدادي كان من أوعية العلم ومن نظر في كتابه الشهير الطبقات الكبرى خضع لعلمه وقال الإمام الحافظ والملقب بشيخ القراء محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف المعروف بإسم إبن الجزرى محمد بن سعد البغدادى حافظ مشهور وقال العالم والإمام والفقيه والمحدث والمؤرخ الحافظ شهاب الدين بن حجر العسقلاني كان محمد بن سعد أحد الحفاظ الكبار الثقات المتحرين وقال المؤرخ والشاعر يوسف بن تغرى بردى محمد بن سعد كان إماما فاضلا عالما حسن التصانيف وقال المؤرخ والجغرافي العثماني مصطفي بن عبد الله المعروف بإسم حاجي خليفة مادحا كتابه الطبقات الكبرى إن هذا الكتاب هو أعظم ما صنف في طبقات الرواة وورد في دائرة المعارف أنه أهم تصانيفه وهكذا حظي هذا الكتاب بقسط وافر من ثناء العلماء حتى عرف محمد بن سعد البغدادى به وأخيرا فبخصوص وفاة إبن سعد البغدادى فقد ورد في وفاته ثلاثة أقوال أولها وأرجحها ما سطّره تلميذه الحسين بن الفهم حيث قال توفي بالعاصمة العباسية بغداد في يوم الأحد لأربع خلون من شهر جمادى الآخرة عام 230 هجرية ودفن في مقبرة باب الشام وهو إبن 62 عاما وكان هو أعرف الناس به لكثرة ملازمته له وتتلمذه علي يديه بالإضافة إلى أن أغلب المصادر التاريخية الأخرى ذكرت هذا التاريخ وقال الإمام والفقيه والمحدث الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر المعروف بإسم إبن أبي حاتم الرازى في الجرح والتعديل توفي عام 236 هجرية ويبدو أن ما في الجرح والتعديل وقع فيه تصحيح لأن إبن الجزرى في طبقات القراء نقل ترجمة محمد بن سعد البغدادى من الجرح والتعديل وصرح بذلك ثم حدد وفاته في عام 230 هجرية ولم يشر إلى خلاف في ذلك وقيل عام 222 هجرية وأما الإمام والعالم الصوفي محمد بن علي بن جعفر الكتاني المتوفي عام 322 هجرية فقد أضاف قولا رابعا في تاريخ وفاته حيث قال توفي بالعاصمة العباسية بغداد عام 230 هجرية أو 235 هجرية ولم يقل بهذا أحد غيره .
 
 
الصور :