بقلم / محمود فرحات
نكمل معاً حديثنا حول الملوك العسكريون وفي حلقنا الخامسة نتكلم عن واحد من أهم ملوك مصر ويعد حجر الأساس لإستعادة قوة مصر وهيبتها الحقيقية في الشرق حيث نتناول سيرة الملك (سيتي الأول) ، وكما شاهدنا فقد توفى رعمسيس الأول والذي كان مسن حينما تولى ملك مصر، وترك خلفة على عرش مصر رجل قوي هو (سيتي الأول–من ماعت رع) والذي يبدو أنه لم ينجب سواه كما تدل الشواهد الأثرية..
وكوالدة لم يكن سيتي ذو دم ملكي ولكنه كان جندي مصري من جنود مصر المخلصين، حيث كان مثل ابيه وجده التحق بالجيش وتدرج في الوظائف وحمل عدة القاب عسكرية منها (رئيس الرماة، رئيس المجاي، المشرف على حصن ثارو، رئيس الفرسان،..) نعلم أنه حينما تولى والده السلطة خلفاً لـ(حورمحب) ولكبر سنه جعل سيتي شريكة في الحكم وكان حينها يبلغ من العمر 40 سنه، وقد حمل عدة ألقاب مهمة خلال تلك الفترة منها (الأمير الوراثي، عمدة المدينة، حامل المروحة اليمنى للملك، الكاتب الملكي، المشرف على البلاد الاجنبية، الكاهن الاول لست ...وغيرها)
وتدل الألقاب التي حملها سيتي سواء العسكرية أو المدنية على إنه كان جندياً حازماً وادارياً يعتمد عليه، لذلك كان الرجل الذي تطلبه مصر في تلك المرحلة من تاريخها، حيث سار على سياسة حور محب ونهجة في استعادة مصر لمكانتها وإنهاء رذائل عهد الزيغ المنصرم..
جلس (سيتي من ماعت رع) على عرش المحروسة واتخذ لنفسه إسم (وحم مسوت) والذي يعني مجدد الميلاد وهو إسم يعني الكثير حيث ينطوي على إصرار وعزم سيتي على إستعادة مصر لمكانتها كقوة إقليمية يخشى جانبها مرة اخرى، وقد آمن سيتي أنه لكي يتم ذلك فلابد لمصر من حكومة ثابتة موطدة الأركان في الداخل، وإعادة فتح إمبراطورية مصر التي كانت قد مزقت أوصالها شر ممزق.. وكما عرضنا في الحلقات السابقة أن حور محب تمكن من تحقيق جزء كبيرة من القضاء على الفوضى وسن القوانين لإستعادة النظام في ربوع البلاد، ولكنه توفى فكانت الأقدار تخبئ لمصر رجلها القوي سيتي والذي سجل التاريخ له أنه شن ثلاث حملات تأديبية على البلاد المحيطة بمصر لإستعادة سلطان مصر مرة أخرى بها وإيقاظهم بأن بمصر ملكاً ذو سطوة..
الحملة الأولى كانت على (شاسو) وهم البدو الأسيويين في فلسطين والذين كانوا يسعون لتوطيد أقدامهم، والتخلص من تسلط مصر على بلادهم. وقد وصلت التقارير إلى الملك سيتي الاول بأن الثورات قد إندلع لهيبها، وأن قوانين القصر قد أصبحت لا قيمة لها، حينها هب الملك لغرس الخوف من مصر في قلوب تلك القبائل المتمردة.. وتحدثنا نقوش الكرنك وقوائم البلاد المقهورة التي خلفها لنا على أنه بعد أن أخترق جبال الكرمل استولى على مدن (باهيريا وبيت شائيل ورحوبو وينعم)
يقول سليم حسن : "وبعد هذا النصر وفي طريق العودة لأرض الكنانة لم ينسى الملك التزود بالأخشاب اللازمة لسفينة الإله ودخل مصر دخول الملك الظافر الفاتح، ولم يفته أن يصور لنا هذا النصر المبين على الأعداء الشاسو..."
الحملة الثانية كانت على الحدود الغربية حيث قبائل اللوبيين، و تدل النقوش التي بقيت لنا على جدران معبد الكرنك على قيام الملك سيتي بحملات تأديبية لسكان البلاد الغربية لإستعادة الإستقرار على الحدود الغربية لمصر.. يقول سليم حسن : "ليس لدينا أية تفاصيل عن هذه الحروب.." ويضيف أحمد فخري "أن الحملات التأديبية التي قادها سيتي الأول على الحدود الغربية كانت بعد الإستيلاء على قادش وقبل عودته لمحاربة خيتا" ولا توجد أية تفاصيل عن تلك الحملات التأديبية إلا ما سجله الملك على جدران الكرنك وربما كانت تلك الحملات ليست ذات أهمية أو بقوة حملاته على الحدود الشرقية والجنوبية لذلك لا توجد لها تفاصيل..
الحملة الأخيرة، كانت ضد العدو الأخطر لمصر في تلك المرحلة وهى خيتا-الحيثين والتي كانت تحرض الساحل السوري دوماً على مصر لكسر النفوذ المصري، ويرى أحمد فخري أن سيتي الأول أدرك جيداً أن خيتا لن تتوقف عن الإستمرار في دسائسها لتأليب سوريا وفلسطين على مصر خصوصاً بعد أن تغلبت على بلاد ميتاني في أعالي الفرات وأصبحت وجه لوجه أمام مصر، وأن لديها تطلع للسيطرة على الساحل السوري.. وتدل المصادر التاريخية والأثرية على أن الجيشان إلتقيا شمال قادش، وتشير المصادر الخيتية إلى أن ملك خيتا كان يخشى لقاء جيش مصر، وقد حاول تجنب وقوع المعركة..
لكن المؤكد أن جيش مصر عاد منتصراً ومحمل بالغنائم والأسرى، وأستطاع سيتي الأول أن يوصل الرسالة للأعداء في الخارج، بأن مصر بيحكمها رجل قوي ولن تترك أحد يعبث بأمنها ونفوذها في الساحل السوري
حكم (سيتي-من ماعت رع) مصر لمدة ثلاث عشر عام حاول خلالها أن يعيد مصر كقوة إقليمية مهابه ثم ذهبت روحه للعالم الأخر تاركاً على عرش مصر أحد أعظم وأشهر ملوكها هو إبنه رعمسيس الثاني..
وللحديث بقية .. |