الجمعة, 6 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

المثني بن حارثة الشيباني
-ج1-

المثني بن حارثة الشيباني
-ج1-
عدد : 07-2023
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"


المثني بن حارثة بن سلمة بن ضمضم الشيباني صحابي وكان قبل الإسلام سيد قومه بني شيبان أحد فروع قبيلة بكر بن وائل والتي كانت من أشهر القبائل التي تنتمي إلي ربيعة بن نزار بن معد من ولد عدنان بن نبي الله إسماعيل عليه السلام على الإطلاق في العصر الجاهلي وصدر الإسلام وفي عصور الخلافة الأموية والعباسية وتعد من أكبر القبائل العربية عددا وكانت تستوطن الجزيرة العربية ثم إنتقلت عدة فروع منها إلي تخوم بلاد العراق والتي كان يحكمها الفرس وإستوطنوا علي الحدود بين الجزيرة العربية والعراق كان منها بنو شيبان وفي ذلك يقول إبن حبان كان المثنى بن حارثة الشيباني سيدا في قومه في الجاهلية وكان المثني قد إلتقى بالنبي محمد صلي الله عليه وسلم في مكة المكرمة قبل الهجرة بحوالي 3 سنوات عام 618م مع نفر من قومه وعرض النبي عليهم الإسلام يومذاك وقرأ عليهم بعض من آيات القرآن الكريم فقال المثنى للنبي قد سمعت مقالتك وإستحسنت قولك وأَعجبني ما تكلمت به ولكن علينا عهد من كسرى الفرس لا نحدث حدثا ولا نؤوى محدثا ولعل هذا الأَمر الذى تدعونا إِليه مما يكرهه الملوك فإِن أَردتَ أَن ننصرك ونمنعك مما يلي بلاد العرب فعلنا فقال النبي محمد صلي الله عليه وسلم ما أَسأْتم إِذ أفصحكم بالصدق إنه لا يقوم بدين الله إِلا من حاطه من جميع جوانبه ومن ثم لم يدخل بنو شيبان في الإسلام يومها وعاد المثني مع قومه إلي قبيلتهم وبعد حوالي 12 عام عاد المثني إلي النبي محمد صلي الله عليه وسلم في المدينة المنورة في السنة التاسعة للهجرة هو وكبار قومه وأعلنوا إسلامهم وفض التحالف مع الفرس وفي ذلك قال هانئ بن قبيصة الشيباني لرسول الله محمد صلي الله عليه وسلم المثنى بن حارثة الشيباني شيخنا وصاحب حربنا ومنذ إسلامه صار المثني من كبار قادة المسلمين في فتوحات العراق في عهد الخليفتين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وكان مولد المثني بن حارثة في عام 53 قبل الهجرة وما أن بلغ سن الفتيان حتي بدأ يتعلم الفروسية وفنون القتال وبرع فيهما وأظهر صفات القيادة فكان قائدا شجاعا سواء في الجاهلية أو في الإسلام مقداما شهما غيورا مأمون النقيبة حسن الرأى راسخ العقيدة قوى الإيمان شديد الثقة بالنفس بعيد النظر يشارك أصحابه في السراء والضراء وفي الجاهلية شهد يوم ذى قار ضمن قومه بني شيبان الذين كانوا في ميسرة الجيش العربي وهو يوم هزمت فيه العرب من قبائل بكر بن وائل العجم الفرس قبل بعثة النبي محمد صلي الله عليه وسلم وكان علي الأرجح في عام 609م ووقع فيهِ القتال بين العرب والفرس ببطحاء ذي قار وهو ماء لبكر بن وائل قريب من موضع الكوفة في بلاد العراق وإنتصر فيهِ العرب وكان سببه أن كسرى أبرويز ملك الفرس كان قد غضب على حليفه النعمان بن المنذر ملك الحيرة والتي كانت تعد العاصمة الثانية للفرس بعد كتسفون التي يسميها العرب المدائن وكانت تعد عاصمة الفرس للعرب الموالين لهم في بلاد العراق وكان من أعمال المثتي في الجاهلية أيضا إغارته على قبيلة تغلب والتي كانت قد شاركت مع حلفائها في الحرب الجاهلية الشهيرة بإسم حرب البسوس ضد قومه بني شيبان والتي إستمرت سبع سنوات فظفر بهم فقتل من أخذ من مقاتلتهم وأغرق منهم ناس كثير في نهر الفرات وأخذ أموالهم وقسمها بين أصحابه .


وبعد إسلام المثني بن حارثة وعودته إلي قومه حدث أن توفي رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم وتولي الخلافة الخليفة الراشد الأول أبو بكر الصديق وحدثت حروب الردة حيث أعلنت العديد من القبائل في الجزيرة العربية ردتها بالكلية عن الإسلام وأعلن البعض الإمتناع عن دفع الزكاة وإدعي بعض زعماء القبائل النبوة وشجع ودعم كل من الفرس والروم وحلفاؤهم من قبائل العرب هذه الردة وأعلن الخليفة العظيم أبو بكر الصديق الحرب علي المرتدين بكافة أشكالهم وقد شارك المثتي في محاربة هؤلاء المرتدين فكان وإن لم ينل شرف الجهاد تحت لواء الرسول القائد محمد صلي الله عليه وسلم إلا أنه نال شرف الثبات على الإسلام وضيق الخناق علي المرتدين في شرقي شبه الجزيرة العربية ثم تابع طريقه شمالا يسير من نصر إلى نصر حتى بلغ مصب نهرى دجلة والفرات في الخليج العربي وكانت آخر حروب الردة معركة اليمامة ضد مسيلمة الكذاب وقومه من بني حنيفة في شهر شوال عام 11 هجرية وفي ذلك الوقت كان المثني بن حارثة يغِير هو ورجال من قومه على تخوم ممتلكات بلاد فارس فبلغ ذلك الصديق أبا بكر فقال عمر بن الخطاب له من هذا الذي تأتينا وقائعه قبل معرفة نسبه فقال له قيس بن عاصم التميمي أما إنه غير خامل الذكر ولا مجهول النسب ولا قليل العدد ولا ذليل الغارة ذلك المثنى بن حارثة الشيباني ولم يلبث المثنى أن قدم على المدينة المنورة وقابل الصديق وقال له يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إبعثني على قومي فإن فيهم إسلاما أقاتل بهم أهل فارس وأكفيك أهل ناحيتي من العدو ففعل ذلك أبو بكر فقدم المثنى العراق فقاتل وأغار على أهل فارس ونواحي السواد ثم بعث أخاه مسعود بن حارثة إلى أبي بكر يسأله المدد ويقول له إن أمددتني وسمعت بذلك العرب أسرعوا إلي وأذل الله المشركين مع أني أخبرك يا خليفة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أن الأعاجمَ تخافنا وتتقينا فقال عمر لأبي بكر يا خليفة رسول الله صلي الله عليه وسلم إبعث خالد بن الوليد مددا للمثنى بن حارثة يكون قريبا من أهل الشام فإن إستغنى عنه أهل الشام ألح على أهل العراق حتى يفتح الله عليه ووافق أبو بكر علي مشورة عمر وقرر بعد إستشارة كبار الصحابة وإستطلاع رأيهم علي أن يبدأ في الفتوحات ببلاد العراق والشام من أجل نشر دين الإسلام وتحرير هذه البلاد من الاحتلال الفا رسي والبيزنطي بعد أن أدرك أن كل من الفرس والروم لن يتركا دولة الإسلام الناشئة في حالها حيث أن كلتا الدولتين قد أدركتا أن هذه الدولة التي كانا يراقبانها عن كثب سوف تمثل خطرا داهما عليهما لو لم يتصديا لها ومن ثم قرر أبو بكر أن يبعث خالد بن الوليد إلى العراق فإستدعاه إلي المدينة المنورة وعينه قائدا لجيش المسلمين في العراق وعلي أن يضم إليه المثني بن حارثة ورجاله وأمره بألا يستفتح بمتكاره فالذى لا يريد أن يشارك في الفتوحات فليتركه ورسم له الخط الإستراتيجي الذى يجب عليه الإلتزام به حيث عليه أن يدخل بلاد العراق من الجنوب وأن يبدأ بمنطقة الكاظمة وهي بالكويت حاليا ثم يتجه نحو الأبلة علي شط العرب وهي بموقع البصرة حاليا وهي الميناء الرئيسي للفرس آنذاك علي الخليج العربي والذى كان يربطها ببلاد الهند وجنوب شرق قارة آسيا وبعد ذلك يلتزم بطريق نهر الفرات من علي ضفته الغربية أى يجعله علي يمينه وأن تكون صحراء العرب علي يساره وأن عليه أن يؤمن مؤخرته وبذلك لا يمكن تطويقه ويكون علي من سيحاربهم من الفرس أن يواجهوه من الأمام وأن يكون هدفه الرئيسي الحيرة العاصمة الثانية للفرس وشدد عليه بألا يغامر بعبور نهر الفرات إلي ضفته الشرقية حيث أرض السواد وهي أرض زراعية طينية مليئة بالمجارى والمسطحات المائية ويصعب علي المسلمين القتال في تلك البيئة وقد يضطرون للإنسحاب في حالة إذا سارت الأمور في غير صالحهم مما يعرضهم لخطر الغرق في نهر الفرات ومعظمهم لا يجيد السباحة بينما إذا ما تعرضوا لظروف في غير صالحهم وهم يحاربون غربي نهر الفرات فما عليهم إلا أن ينسحبوا غربا نحو صحراء العرب التي يعرفون دروبها جيدا ومعهم أدلاء مهرة يعرفونها شبرا شبرا ويعرفون مواقع عيون المياه بها وفي هذه الحالة لن يجرؤ الفرس علي تتبعهم خوفا من أن يتوهوا فيها ويتعرضوا لخطر الجوع وعطش حيث أنهم علي غير دراية بمسالكها ودروبها .

وفي نفس الوقت أمر الخليفة أبو بكر قائدا آخر من قواد المسلمين هو عياض بن غنم الفهرى بأن يسير أيضا إلى العراق وأن يسير في طريق دومة الجندل ويأتي العراق ويبدأه من المصيح شمالي العراق على أن تكون القيادة العامة لجيوش المسلمين بالعراق لمن يصل منهما أولا إلى الحيرة وكان هدف أبي بكر من ذلك خلق روح المنافسة الشريفة بين خالد وعياض وفي نفس الوقت تفريق وتشتيت جيوش الفرس علي جبهتين فسار خالد إلى العراق في شهر المحرم من عام 12 هجرية وكان معه عشرة آلاف جندى وإنضم إليه المثني برجاله وكانوا ثمانية آلاف جندى ليعمل تحت إمرته وجعله خالد قائدا لمقدمة الجيش وبالطبع فقد كان هذا الإختيار إختيارا ذكيا وصائبا من خالد نظرا لخبرة المثني في قتال الفرس علاوة علي إجادته للغة الفارسية إجادة تامة كما جعله خالد مسؤولا عن جهاز الإستخبارات والمعلومات نظرا لعلاقاته وصلاته الطيبة برجال من الفرس وحلفائهم من العرب ومن ثم كان قادرا علي الحصول علي أهم وأدق المعلومات عن تحركات الجيوش الفارسية وتشكيلاتها وأسماء قوادها وأسلوب حشدها وتعبئتها وكان مع عياض عدد يماثل تقريبا ما كانوا مع خالد إلا أن كل منهما أحس بحاجته إلي مدد فأرسلا إلي الخليفة أبي بكر يستمدانه فأرسل القعقاع بن عمرو التميمي لخالد وأرسل عبد بن غوث الحميري لعياض وإستنكر البعض أن يكون المدد برجل واحد فقال أبو بكر عن القعقاع والله لا يهزم جيش فيه مثل هذا وكذلك قال عن عبد الحميرى وكان خالد بن الوليد قد أرسل وهو في طريقه إلى العراق إلى هرمز حاكم العراق الفارسي يخيره بين الإسلام أو الجزية أو القتال فآثر هرمز القتال وأرسل إلى كسرى أردشير ملك الفرس يطلب المدد فأمده كسرى بإمدادات كبيرة تحرك بها إلى الكاظمة حيث كان يعسكر جيش المسلمين وقام خالد بعمل مناورة بارعة بأن تحرك بجزء من جيشه إلى الحفير ليجد هرمز الكاظمة شبه خاوية فتحرك هرمز إلى الحفير إلا أن خالد فاجأه بالعودة إلي الكاظمة مجددا وكان هدف خالد من ذلك إستغلال نقطة ضعف الجيش الفارسي والتي هي ثقل تسليحه مما يجعل أي تحرك للجيش مجهد ومرهق لأفراده ولما رأى هرمز ذلك إضطر للعودة إلي الكاظمة وهو في أشد حالات الغضب والغيظ وعسكر بالقرب من موارد الماء ليمنع الماء عن المسلمين فأثار ذلك حماسة المسلمين وخطب فيهم خالد قائلا أَلا إنزلوا وحطوا أثقالكم ثم جالدوهم علي الماء فلعمرى ليصيرن الماء لأصبر الفريقين وأكرم الجندين وأمر هرمز رجاله بربط أنفسهم بالسلاسل حتى لا يفروا من أرض المعركة وليستميتوا في القتال وبدأت المعركة بالمبارزة حين طلب هرمز مبارزة خالد وإتفق هرمز مع بعض فرسانه أن يفتكوا بخالد إن خرج للمبارزة وعند تنفيذ خطتهم فطن القعقاع بن عمرو التميمي للأمر وأدرك خالد وقتل خالد والقعقاع هرمز وفرسانه وبمقتل هرمز إضطربت صفوف جيش الفرس فإستغل المسلمون الفرصة وأوقعوا بالفرس هزيمة ثقيلة حيث قتل منهم الكثيرون وإستطاع قباذ وأنوشجان قائدي جناحي الجيش الفارسي الفرار فأمر خالد قائد مقدمة الجيش المثنى بن حارثة بمطاردة فلول الفرس فطاردهم المثنى حتى إنتهى إلى حصن أميرة ساسانية تسمي كاموزاد سماه العرب حصن المرأة فترك أخاه المعنى بن حارثة ليحاصره ثم واصل هو المطاردة ولما بلغت أنباء إنتصار المثنى للأميرة صالحته وتزوجت المعنى أما المثنى فقد واصل مطاردة فلول الفرس حتى بلغ الأُبلة وأثناء وجوده بها جاءته الأخبار بأن هناك جيش فارسي آخر بقيادة قارن بن قريانس يعسكر بالميزار والتي تقع علي نهر دجلة شمالي الأبلة فأرسل المثنى ليعلم خالد بالأمر .

ولما بلغ خالد بن الوليد خبر تمركز جيش قارن بن قريانس في الميزار أسرع بجيشه ليدرك المثنى وكان هرمز قد كتب إلى كسرى يطلب المدد فأمده بجيش بقيادة قارن بن قريانس وما أن وصل هذا الجيش إلى الميزار حتى بلغه خبر هزيمة هرمز في الكاظمة ثم ما لبث أن لحق بجيشه فلول جيش هرمز وفيهم قباذ وأنوشجان قادة جيش هرمز فجعلهما قارن قائدين لجناحي جيشه وأمام هذه الظروف قرر خالد بن الوليد الإسراع بعبور شط العرب وأخذ طريق نهر دجلة وإتجه شمالا نحو الميزار ونلاحظ هنا أن خالد بن الوليد قد خرج عن إستراتيجية الفتح التي رسمها له الخليفة أبو بكر وأخذ قراره بضرب جيش الفرس المتمركز في الميزار دون الرجوع للخليفة والذى كان يمنحه هذه الصلاحية طبقا للموقف في ميادين القتال وكان خالد بفطنته وعبقريته العسكرية قد أدرك أنه لو أخذ طريق نهر الفرات كما أمره أبو بكر دون ضرب جيش الفرس المتمركز في الميزار فسوف يمثل ذلك تهديدا خطيرا لقاعدته في الأبلة ويعرض مؤخرته لتهديد الفرس ومن ثم إتخذ قراره وخرج عن الخط الإستراتيجي للفتح حيث بدون ذلك لن يستطيع أداء واجبه الأساسي الذى رسمه له الخليفة ومالا يتم به الواجب فهو واجب وفي شهر صفر عام 12 هجرية بدأت المعركة التي سماها المسلمون بوقعة الميزار أو الثني بالمبارزة حيث طلب قارن من يبارزه فخرج له معقل بن الأعشى فقتل معقل قارن ثم بارز كل من عاصم بن عمرو التميمي وعدى بن حاتم الطائي قائدا ميمنة وميسرة المسلمين أنوشجان وقباذ فقتلهما عاصم وعدى وإنتهت المعركة بإنتصار المسلمين وقتلوا من الفرس يومئذ 30 ألفا وغرق منهم الكثير في نهر دجلة كما غنم المسلمون من المعركة الكثير وأمر خالد بسبي أبناء المقاتلين فيما أقر المزارعين على ما في أيديهم على أن يؤدوا الجزية عملا بوصية الخليفة أبي بكر الصديق وبعد المعركة بعث خالد بسويد بن مقرن المزني بجند إلى الحفير وإنتظر هو بالميزار وأرسل من يأتي له بأخبار الفرس فجاءته الأخبار بأن كسرى بعد الهزيمة في الميزار قد قام بحشد الجيوش لقتال المسلمين فوافاه أول الجيوش بقيادة أندرزغر حاكم خراسان إلى عاصمته كتسفون فأرسله لقتال المسلمين وبعث في أثره جيشا آخر بقيادة بهمن جاذويه وسلك كل منهما طريقا غير الآخر حيث كان مسير أندرزغر نحو الولجة علي نهر الفرات وإنضم موالي الفرس من العرب من بني بكر بن وائل إلى جيشه وهنا أمر خالد جيشه بسرعة الإستعداد للرحيل لقتال جيش الفرس في الولجة ولم يأخذ طريق أرض السواد ما بين الميزار والولجة إلي الغرب من الميزار حتي لا يتعرض لخطر التطويق أو أن تضرب مؤخرته ولذا عاد من نفس الطريق الذى جاء منه فإتجه جنوبا نحو الأبلة وعبر شط العرب ثم أخذ طريق نهر الفرات مرة أخرى وخلف سويد بن مقرن المزني مع حامية من جيش المسلمين وأمره بأن يلزم الحفير وأن يكون بمثابة مركز إنذار لتنبيه المسلمين بأى تحرك فارسي في المنطقة وعاين خالد أرض المعركة المرتقبة مع الفرس في الولجة ووجد أن الأرض مناسبة جدا لإتباع تكتيك الكمين وفي ليلة المعركة أمر خالد بن الوليد بسر بن أبي رهم الجهني وسعيد بن مرة العجلي بأن يسيرا بقوتين من الفرسان ويختبئا خلف التلال التي كانت في ظهر جيش الفرس وأن ينتظرا منه إشارته بالهجوم علي مجنبتي ومؤخرة الجيش الفارسي وقد دارت معركة الولجة أيضا في شهر صفر عام 12 هجرية وبدأت بالمبارزة فتقدم القائد خالد بن الوليد فبارزه رجل من الفرس وصفه الإمام الطبرى بأنه رجل بألف رجل فقتله خالد ثم بدأ القتال بهجوم المسلمين الذى إمتصه الفرس ثم بدأوا هجومهم المضاد وبدأ المسلمون في التراجع ببطء طبقا للخطة التي رسمها خالد والذى كان مدركا تمام الإدراك أنه كلما طال وقت صمود المسلمين أمام الفرس زاد ذلك من إرهاقهم وإنهاك قواهم ولما أحس أن خطته قد نضجت أطلق جناحي الكمين حيث أشار لقوات بسر وسعيد بمهاجمة جناحي جيش الفرس ومؤخرته وأطبق هو وجيشه على جيش الفرس من الأمام مطبقا تكتيك الكماشة لتنتهي المعركة بإنتصار ساحق للمسلمين وخسائر فادحة للفرس ومقتل أعداد كبيرة منهم والذين فر قائدهم أندرزغر نحو صحراء العرب والتي تاه فيها وعثر علي جثته في اليوم التالي للمعركة حيث كان قد مات جوعا وعطشا .

وكان من بين قتلى معركة الولجة عدد من أشراف نصارى بني بكر بن وائل فغضب لهم قومهم لمقتلهم وراسلوا الفرس للإنتقام من المسلمين وسار بنو بكر بجيش تحت قيادة عبد الأسود العجلي إلى أليس شمالي الولجة حيث وافى جيشا فارسيا وهو الجيش الثاني الذى كان كسرى أردشير قد أرسله لقتال المسلمين في الولجة بقيادة بهمن جاذويه مع جيش أندرزغر والذى عاد قائده في الطريق بعد فترة قصيرة إلى كتسفون بعد أن علم بهزيمة الفرس في الولجة وخلف محله جابان وأمره بأن يبطئ في طريقه حتى يعرف ما يجرى بالعاصمة ويعود ليلحق بالجيش ولما وصل بهمن لكتسفون وجد أن كسرى أردشير في مرض موته فتأخر عن اللحاق بجيشه فسار جابان بالجيش حتى وصل أليس حيث وجد حشودا من حلفائه العرب من بني عجل وتيم اللات وضبيعة وعرب الضاحية من أهل الحيرة وبالطبع أبلغت عيون وإستخبارات خالد التي كان مسؤولا عنها المثني تجمع الفرس والعرب في أليس فأمر بالتحرك لقتالهم وعند بداية المعركة بارز خالد مالكٓ بن قيس وقتله ثم إشتبك الفريقان في معركة شديدة إستمات فيها الفرس في القتال وهم على أمل أن يدركهم بهمن جاذويه بالمدد من عند كسرى إلا أنه في النهاية إنتصر المسلمون عليهم إنتصارا ساحقا ثم سار خالد بجيشه شمالا إلى أمغيشيا إحدى المدن الكبرى في المنطقة يومئذ فوجد أهلها قد جلوا عنها مخلفين ورائهم الكثير فأمر بهدمها لدورِ أهلها في معركة أليس حيث شارك الكثير منهم في صفوف جيش الفرس ووجد خالد أن أهل أمغيشيا قد تركوا الكثير من السفن بملاحيها في نهر الفرات فقرر إستخدامها في نقل الجنود والمعدات الخفيفة للإتجاه نحو الحيرة هدفه الأساسي وكان ذلك في شهر ربيع الأول عام 12 هجرية ليقاتل آزاذبة مرزبان الحيرة أي حاكمها الفارسي وفوجئ بعد ذلك بجنوح السفن وإنحسار الماء في نهر الفرات فأخبره الملاحون أن الفرس قد سدوا النهر وكان المرزبان قد عسكر خارج الحيرة وأمر إبنه بسد الفرات فأسرع خالد بفرسان له فأدرك إبن المرزبان عند محبس الماء فقاتله وهزمه وأجرى النهر مرة أخرى وتزامن خبر هزيمة إبن المرزبان مع وصول الأخبار بموت كسرى أردشير فأسرع المرزبان بالعودة إلى عاصمة الفرس تاركا الحيرة دون أن يقاتل المسلمين أما جيش المسلمين فقد واصل مسيرته حتى وصل إلي مشارف الحيرة فوجد خالد أهل الحيرة متحصنين في أربعة حصون وكان علي رأس كل حصن أحد زعماء الحيرة من العرب الموالين للفرس فأمر ضرار بن الأزور بحصار حصن القصر الأبيض الذي تحصن فيه إياس بن قبيصة الطائي وضرار بن الخطاب بحصار قصر العدسيين وكان فيه عدى بن عدى بن المقتول وضرار بن مقرن المزني بحصار حيرى بن أكال في حصن قصر بني مازن والمثنى بن حارثة الشيباني بحصار حصن قصر إبن بقيلة وكان علي رأسه عمرو بن عبد المسيح ودعا المسلمون المتحصنين في الحيرة لإحدى الثلاث الإسلام أو الجزية أو القتال وأمهلوهم يوما ثم أحكم المسلمون الحصار على أهل الحيرة فلم يصمدوا كثيرا وأعلنوا قبولهم الجزية وكان أول الحصون إستسلاما هو حصن إبن بقيلة حيث جاء القائد المحاصر له المثني بن حارثة الشيباني بعمرو بن عبد المسيح قائد الحصن لخالد بن الوليد وأعلن قبوله بالجزية ثم توالي حضور باقي أصحاب الحصون ليعلنوا قبولهم الجزية وبذلك تم فتح الحيرة العاصمة الثانية للفرس وكان لسقوطها دوى وأثر نفسي كبير لدى كل من المسلمين والفرس وبفتحها إتخذها خالد بن الوليد قاعدة للمسلمين ببلاد العراق منذ تلك اللحظة .

وبعد فتح الحيرة وإتخاذ خالد لها قاعدة في بلاد العراق توافد الدهاقين عليه في مقره بها ليدخلوا في طوع المسلمين ويعاهدوه على أداء الجزية وقام خالد بتوزيع حاميات على الأماكن التي ضمها وأعاد ترتيب قواته فجعل الأقرع بن حابس علي مقدمة الجيش حيث كلف المثني بن حارثة بقيادة حامية من المسلمين علي هيئة رأس سهم تعمل كنقطة مراقبة للطرق القادمة من كتسفون لحين ضم جميع الأراضي شرق نهر الفرات وغرب نهر دجلة قبل أن يقفز علي كتسفون العاصمة الأولي للفرس وفي ذلك الوقت كان عياض بن غنم الفهرى الذى كان قد كلفه الخليفة أبو بكر الصديق بدخول بلاد العراق من شمالها علي أن يقوم بفتح دومة الجندل أولا وهو حصن يتحكم في الطرق المؤدية للجزيرة العربية وبلاد العراق وبلاد الشام لكنه تعثر في فتحه ثم جاءت قبائل العرب المقيمة حول الحصن بحصاره ومن ثم قرر خالد بن الوليد أن يقوم بفك الحصار عن عياض وضمه هو وجنوده إلي جيش المسلمين فإستخلف القعقاع بن عمرو في الحيرة وخرج بجنده لضم المناطق التي بينه وبين دومة الجندل التي تعثر عياض بن غنم في فتحها وحتى لا يؤتى بعدو من خلفه إتجه خالد أولا صوب الأنبار شمالي الحيرة فوجد أهلها قد تحصنوا وخندقوا حولهم بقيادة شيرزاد حاكم ساباط فطاف خالد بالخندق وأوصى رماته بإستهداف عيون المدافعين عن الحصن فأصيب منهم نحو ألف عين فسماها المسلمون ذات العيون وعندئذ طلب شيرزاد الصلح فإشترط خالد أمورا إمتنع شيرزاد عن قبولها فعمد خالد إلى أضيق مكان في الخندق ونحر ضعاف الإبل وألقاها فيه وصنع جسرا مكن جنده من إقتحام الخندق ففر المدافعون إلى داخل الحصن وأرسل شيرزاد مجددا في طلب الصلح على أن يرحل بمفرزة من جنده دون أمتعة فقبل خالد ولحق شيرزاد ببهمن جاذويه في العاصمة كتسفون ثم صالح خالد أهل تلك المنطقة على أداء الجزية وإستخلف عليها الزبرقان بن بدر التميمي وتوجه إلى حصن يقع داخل الصحراء يسمي عين التمر حتي لا تتهدد مؤخرته عند توجهه إلي دومة الجندل وكانت إستخباراته قد أبلغته بأنه قد تجمع في عين التمر جيشان أحدهما فارسي بقيادة مِهران بن بهرام جوبين والآخر عربي من بني النمر وتغلب وإياد بقيادة عقة بن أبي عقة ولما جاءَتهم أنباء مسير خالد إليهم طلب عقة من مهران أن يترك له أمر قتالهم قائلا إِن العرب أعلم بقتال العرب فدعنا وخالد فوافق مهران وسار عقة بجيشه للقاء جيش خالد فيما بقي الفرس بعين التمر وإلتقى جيش خالد بجيش عقة فهزمه خالد ووقع عقة في الأسر وحين بلغ الخبر مهران هرب هو وجنوده بينما إعتصم فلول جيش عقة بحصن عين التمر فحاصرهم خالد ثم إقتحم الحصن فوجد فيه أربعين غلاما يتعلمون الإنجيل وعليهم باب مغلق فلم يتعرض لهم وقسمهم بين من أبلوا بلاءا حسنا في القتال وكان من بين هؤلاء الغلمان نصير أبو موسى بن نصير فاتح بلاد الأندلس مع طارق بن زياد وسيرين أبو محمد بن سيرين ويسار جد محمد بن إسحٰق صاحب السيرة وهكذا أمن خالد طريقه إلي دومة الجندل ووفر عنصر الأمن لتحركاته وضمن ألا يؤتي من خلفه أو من مجنباته وهكذا كان خالد بن الوليد في جميع تحركاته وإستخلف عويم بن كاهل الأسلمي على عين التمر وخرج يريد دومة الجندل .

ولما إنتشر خبر مسير خالد إلى دومة الجندل إجتمعت فرق من بني بهراء وكلب وغسان وتنوخ والضجاعم لمساندة أهل دومة الجندل أما أهل دومة الجندل فكانوا تحت قيادة أكيدر بن عبد الملك والجودى بن ربيعة ولما بلغهم قرب وصول خالد إليهم إختلفا فرأى أكيدر مسالمة خالد بينما أبى الجودى ذلك فترك أكيدر الحصن ولما بلغ خالد ذلك أرسل عاصم بن عمرو التميمي في طلب أكيدر فأسره وأتى به إلى خالد الذى أمر بضرب عنقه لردته عن الإسلام ونقضه عهد النبي محمد صلي الله عليه وسلم الذى كان قد عقده معه في العام التاسع للهجرة ولما بلغ خالد حصن دومة الجندل وجد الأحزاب التي إجتمعت لقتاله محيطة بالحصن الذي لم يسعهم فحاصر الحصن من جهة وعياض من جهة فإنقسم أهل دومة الجندل قسمين كل منهما يقاتل من يليه من المسلمين وفي النهاية كان النصر للمسلمين وأسر الجودى فضرب خالد عنقه وقتل المسلمون المقاتلين من أهل الحصن ثم أقام خالد بدومة الجندل لفترة ورد الأقرع بن حابس مع مقدمة الجيش إلى الأنبار وفي ذلك الوقت حاول الفرس وعرب الجزيرة وهي الأرض المحصورة بين نهرى دجلة والفرات إنتهاز فرصة خروج خالد لدومة الجندل وبدأوا يستجمعون قواهم وخرج جيش فارسي بقيادة زرمهر وروزبه يريدان الأنبار فكتب الزبرقان للقعقاع في الحيرة بالأمر فبعث القعقاع أعبد بن فدكي السعدي إلى الحصيد وعروة بن الجعد البارقي إلى الخنافس لقطع الطريق على الفرس فرأى روزبه وزرمهر أن ينتظرا حلفائهم من العرب حتى يوافوهم وكان خالد حينذاك قد عاد إلى الحيرة وبلغه الخبر فقرر مواجهتهم فأرسل خالد القعقاع وأبو ليلى بن فدكي لقتال الفرس فسبقا الفرس إلى عين التمر ثم أتى كتاب من إمرؤ القيس الكلبي إلى خالد بتجمع العرب في المصيخ والثني ثأرا لمقتل عقة بن أبي عقة فخرج خالد من الحيرة وإستخلف عليها عياض بن غنم وسار بجيشه قاصدا عين التمر ورأى القعقاع أن زرمهر وروزبه لا يتحركان فسار نحو الحصيد فتجمع الفرس لقتاله فقاتلهم القعقاع وهزمهم وقتل روزبه وزرمهر وفرت فلول الفرس إلى الخنافس فسار أبو ليلى بن فدكي يريد قتالهم ففر الفرس إلى المصيخ حيث يعسكر عرب الجزيرة وكانت فُلول الفرس الناجية من معركة الحصيد قد لجأت إلى الخنافس وهي أرض للعرب في طرف العراق قرب الأنبار فتسبب ذلك في إلقاء الرعب في قلوب سكانها ووهنت نفوسهم وفر بعضهم إلى المصيخ للإحتماء بها مما سهل مهمة أبي ليلى فدخلها دون قتال يوم 11 شعبان عام 12هجرية الموافق يوم 21 أكتوبر عام 633م وأتيح لخالد بعد هذه الإنتصارات أن يهاجم المصيخ في محاولة لِمنع الحلفاء من الفرس والعرب من إعادة تنظيم صفوفهم فإستدعى قادته وهاجموا البلدة من ثلاثة محاور وفاجأوا خصومهم وهم نائمون وذلك في يوم 19 شعبان عام 12هجرية الموافق يوم 29 أكتوبر عام 633م وبعد المصيخ وضع المسلمون موضعي الثني والزميل الواقعين بالجزيرة شرق الرصافة حاليا نصب أعينهم فإقتحموهما من ثلاثة محاور ونجحوا في دخولهما كما وقعت الرضاب وهي موضع الرصافة قبل بنائها في أيديهم وذلك في يوم 23 شعبان عام 12هجرية الموافق يوم 2 نوڤمبر عام 633م وبعد ذلك تحرك خالد ناحية الفراض بأعلي نهر الفرات على الحدود المشتركة بين الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية وعرب الجزيرة فبعد أن بسط سلطان المسلمين على سواد العراق أراد خالد أن يؤمن حماية مؤخرة جيشه حتى إذا إجتاز السواد متجها نحو العاصمة الفارسية كتسفون وسائر بلاد فارس كان مطمئنا لما يخلفه وراءه وكان الإندفاع الإسلامي حتى الفراض توغلا في أرض يحكمها البيزنطيون مما أثار هؤلاء كما حقد الفرس والعرب الموالون لهم على المسلمين قتنادوا للثأر مما حل بهم وبخاصة تغلب وإياد والنمر وزحفوا جميعا نحو الفراض وجرى بين الجانبين قتال دموى رهيب في يوم 15 من شهر ذي القعدة عام 12هجرية الموافق يوم 21 يناير عام 634م إنتهى بهزيمة الحلفاء الفرس والبيزنطيين والعرب المتنصرة شر هزيمه وإنصرف جيش المسلمين بعد المعركة عائدا إلي الحيرة .
 
 
الصور :