بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
وكانت معركة الفراض هي آخر أعمال خالد بن الوليد الكبيرة في العراق إذ تلقي أمرا من الخليفة أبي بكر الصديق بالتوجه ومعه نصف الجيش إلى بلاد الشام لنجدة الجيوش الإسلامية الأربعة المرابطة هناك ويبقي النصف الآخر من الجيش تحت قيادة المثني بن حارثة الشيباني فترك الحيرة متوجها إلي الشام بعد أن إستخلف عليها عمرو بن حزم الأنصارى مع المثنى بن حارثة الشيباني وكان هذا القرار من الخليفة أبي بكر الصديق بسبب تأزم أوضاع جيوش المسلمين الأربعة التي كان قد أرسلها لفتح بلاد الشام وكان تقديره للموقف أن جبهة بلاد العراق مستقرة بعد أن سيطر المسلمون علي جميع الأراضي غربي نهر دجلة وشرقي نهر الفرات وإستقرارهم بها بالإضافة إلي أن الوضع السياسي في بلاط الفرس لم يكن مستقرا بعد وفاة كسرى أردشير دون أن يكون له عقب يرث حكمه ومن ثم كان الفرس مشغولين بالصراع علي الحكم وكان كل أفراد البلاط الحاكم يرى أنه الأحق بحكم بلاد فارس وقد أدى هذا إلي إنشغالهم عن المسلمين وعدم قدرتهم علي حشد جيش قوى لمواجهتهم وبالفعل خلال الفترة التي أعقبت إنصراف خالد بن الوليد ومعه نصف جيش العراق إلي الشام في شهر صفر عام 13 هجرية وحتى وفاة الخليفة أبي بكر الصديق في شهر جمادى الآخرة عام 13 هجرية لم تقع معارك كبيرة بين المسلمين والفرس حيث إنهمك الفرس في الصراعات الداخلية والتنافس على الحكم مما أدى إلى ركود الجبهة العراقية كما كان تقدير الخليفة أبي بكر ووقعت فقط في سواد العراق عدة غارات ومناوشات عديدة بين المسلمين وبين الفرس ومن ساندهم من العرب المتنصِرة القاطنين هناك وعجز هؤلاء عن وقف هجمات المسلمين وإستمرت الفرق الإسلامية تجوب أراضي السواد مغيرة على هذه القرية أو تلك حتي لا يظن الفرس أن المسلمين قد ضعفوا وخارت قواهم بعد إنصراف خالد من جبهتهم ومن ناحية أخرى حتي لا يخلد جيش المسلمين إلي الراحة والإسترخاء ومن ثم تعرضهم لهجمات الفرس وبالفعل فقد حشد الفرس جيش صغير مكون من حوالي عشرة آلاف مقاتل بقيادة هرمز جاذويه في أواخر شهر ربيع الأول عام 13هجرية الموافق لأواخر شهر مايو عام 634م فخرج المثني من الحيرة متجها نحو هذا الجيش وعلى مجنبتيه المعنى ومسعود أخواه فأقام ببابل وأقبل هرمز نحوه وإلتقي المثني وهرمز ببابل فإقتتل الجيشان قتالا شديدا وكان مع جيش الفرس فيل أخذ يفرق المسلمين فإنتدب له المثنى عدد من الفرسان فقتلوه وإنهزم الفرس وتبعهم المسلمون يقتلونهم وبعد ذلك عاد المثني إلي الحيرة وتحصن بها إلا أنه إحتفظ بكل ما غنمه المسلمون من سواد العراق وكان لا بد للمسلمين إن رغبوا في التقدم نحو العاصمة كتسفون أن يعززوا قواتهم العسكرية المرابطة في العراق فغادر المثنى الحيرة متجها إلى المدينة المنورة ليبحث مع الخليفة أبي بكر في الوضع الميداني على الجبهة العراقية ويقدم له مشروعا جديدا للتعبئة العامة من واقع تجنيد من ظهرت توبته من أهل الردة والذين كانوا يرغبون في التكفير عن ذنبهم عن طريق الجهاد في سبيل الله وعندما وصل إليها وجد الخليفة أبا بكر الصديق مريضا ولما أفضى إليه بما جاء من أجله إستدعى عمر بن الخطاب وأوصاه بندب الناس مع المثنى إلي العراق إذا توفاه الله وطلب من المثني سرعة العودة إلي الحيرة وإنتظار المدد ومات الخليفة أبو بكر بعد ذلك بأيام قليلة وتولي عمر الخلافة وما كاد يفرغ من دفن أبي بكر بعد وفاته حتى دعا الناس إلى التطوع لحرب الفرس مع المثنى بن حارثة في بلاد العراق من أجل تكثيف حملات المسلمين على أراضي السواد إذ لا بقاء لهم في تلك البلاد إذا لم تعزز قواتهم هناك بمدد قوى وقد أحجم معظم المسلمين عن الإستجابة لنداء الخليفة الجديد عمر بن الخطاب إذ كانت قبائل العرب تهاب الفرس وجيوشهم وتخاف الخروج لقتالهم فكانت حدود بلاد فارس تبدو صعبة في نظرهم وخطرة ورهيبة كما كانت تثير الكثير من الإحترام في نفوسهم ويتجنبون تجاوزها خشيةً من ملوك الفرس لإعتقادهم بأنهم على قدر من القوة يكفل لهم إدخال شعوب سائر الدول والبلاد المحيطة بهم تحت سلطانهم .
وقد أدرك عمر من واقع الوضع الميداني عظم المهمة ورأى في المقابل ضآلة حجم الإستجابة فكان لا بد وأن يوافق علي مقترح المثني بإشراك كافة المسلمين ودفعهم لمواجهة الفرس فقام برفع الحاجز بين القبائل التي إستمرت على إسلامها بعد وفاة النبي محمد صلي الله عليه وسلم وبين القبائل التي إرتدت فدعا من إرتد وحسن إسلامه للإشتراك في جيوش الفتوحات وكان صدى هذه الدعوة عند قبائل الردة من نوع آخر تماما قياسا بباقي القبائل حيث إستجابت القبائل العائدة من الردة لدعوة الخليفة وكأنها كانت تنتظرها وسارعت بإرسال جموعها إليه لتلبية النداء وأخذت هذه القبائل تتدفق على المدينة المنورة بتسارعٍ مذهل طالبة الإشتراك في الفتوحات وإختار عمر أبا عبيد بن مسعود الثقفي قائدا لجيش المسلمين بالعراق لأنه كان أول من لبى النداء متزا المثنى الذي كان قد عاد للعراق لتهيئة الأجواء وإستنفار من حسن إسلامه من أهل الردة وفي نفس هذا الوقت كان الصراع على ملك فارس قد إستقر على تمليك بوراندخت وهي من الأسرة الساسانية والتي إعتلت العرش بمساعدة القائد العسكرى الفا رسي الشهير رستم فرخزاد وقد رأت في شخصه القائد الذى في إستطاعته أن ينقذ بلاد فارس من كبوتها ومن التردي الداخلي والتقهقر العسكرى أمام المسلمين فملكته وعينته قائدا عاما علي جيوش بلاد فارس وأطلقت يده في السلطة وأمرت ولاة الإمبراطورية الساسانية وأعيانها بطاعته فإستجابوا لها وبذلك أنهى الفرس صراعاتهم وإتحدوا لمواجهة الزحف الإسلامي وإستردت الإمبراطورية قوتها السابقة وأقدم رستم على خطوة أولى وهي خلق وعي قومي فارسي في المدن والقرى التي فتحها المسلمون وإثارة سكانها ضد حكامهم الجدد فأرسل العمال والنقباء إلى جميع مدن العراق ليثيروا الحمية الدينية والقومية فإندلعت نتيجة ذلك الثورات ضد المسلمين في جميع مدن الفرات وكانت النتيجة نقض الكثير من المناطق لعهودها مع المسلمين وتم تجهيز جيش كبير بِقيادة نرسي وكان قريبا لملوك الفرس وجابان وهو أحد أثرياء العراق المعروف بعدائه الشديد للمسلمين وسلك هذان القائدان طريقين مختلفين تحسبا من أن ينقض عليهما المسلمون فوصل نرسي إلى كسكر بوسط العراق بين نهرى الفرات ودجلة وعسكر فيها بناءا علي أوامر رستم وتخطى جابان الحيرة ونزل في موقع متقدم في النمارق وهي تقع بين الحيرة والقادسية وطلب القائدان مزيدا من القوات تعزيزا لصفوفهما وكان المثني متواجدا في هذا الوقت بالحيرة ولما علم بالإستعدادات الفارسية الضخمة أدرك أنه لا قبل له بلقاء من عبأهم الفرس فآثر أن يأخذ إحتياطات الحيطة والحذر وإنسحب من الحيرة إلى موضع يسمي خفان يقع قرب مدينة الكوفة الحالية وأدركه أبو عبيد بن مسعود فيها والذى تولي القيادة بدلا منه والذى عبأ جيش المسلمين البالغ عشرة آلاف مقاتل وزحف من خفان نحو النمارق وعسكر بمواجهة جابان وفي المعركة التي دارت بين الطرفين يوم 8 شعبان عام 13 هجرية الموافق يوم 8 أكتوبر عام 634م هزم الفرس ووقع جابان في الأسر ولم يكن يعرفه المسلمون فتمكن بدهائه من خديعة آسره ففدى نفسه وهرب كما أُسر القائدان جوشن شاه ومردان وقتل الثاني على يد آسره وتوجه من نجا من جنود الفرس إلى كسكر لكي ينضم إلى جيش نرسي فطاردهم المثنى ووصلت في ذلك الوقت أنباء هزيمة جابان إلى رستم فجهز جيشا آخر بقيادة الجالينوس ودفعهُ إلى أرض المعركة مددا لنرسي وتمنى هذا الأخير أن يدركه قبل الإشتباك مع المسلمين فراح يناور ويتمهل في خوض المعركة غير أن أبا عبيد لم يمهله كثيرا وإصطدم بِقواته في السقاطية الواقعة جنوبي كسكر قرب مدينة واسط الحالية بوسط العراق وذلك في يوم 12 شعبان عام 13هجرية الموافق يوم 12 أكتوبر عام 634م وإنتصر عليه وفر نرسي في جو الهزيمة القاتم وقد رفعت هذه الإنتصارات الروح المعنوية للمسلمين وحفزتهم على تكثيف حملاتهم في أرض السواد فأرسل أبو عبيد مجموعات صغيرة من الجيش لمطاردة فلول الفرس والإغارة على قرى السواد وشعر أهل هذه القرى بعجزهم عن مواجهة غارات المسلمين والحد منها وبخاصة أن القوات الفارسية قد إنسحبت من المنطقة فإضطروا إلى مهادنتهم على أن يؤدوا لهم الجزية ويدخلوا في ذمتهم وعسكر الجالينوس في موضع يسمي باقسياثا وتقوى بمن إنضم إليه من فلول جيش جابان فإصطدم به أبو عبيد في يوم 17 شعبان عام 13 هجرية الموافق يوم 16 أكتوبر عام 634م وهزمه وفر القائد الفارسي من أرض المعركة وعاد إلى العاصمة الفارسية كتسفون وإنتشر المسلمون في قرى السواد وسيطروا عليها وعاد أبو عبيد بجيش المسلمين إلي الحيرة .
وأمام تلك الهزائم المتتالية التي تعرض لها الفرس في النمارق والسقاطية وباقسياثا ومقتل العديد من قواده تملك رستم الغيظ من تلك الهزائم المتتالية التي تعرض لها الفرس في ثمانية أيام وأمام هذا الموقف السئ أدرك الفرس مقدار الخطر الحقيقي الذي يهددهم فجهزوا جيشا قوامه إثنا عشر ألف مقاتل ومعهم عدد من الفيلة المدربة علي القتال وأرسلوه إلى الحيرة بقيادة بهمن جاذويه الملقب بذى الحاجب وهو أشد العجم على المسلمين ورافقه الجالينوس ويبدو أن رستم أراد أن يكسب معركةً أمام المسلمين تعيد إلى دولته موازنة الموقف ولحكومته هيبتها ولجيوشه ثقتها بنفسها وروحها المعنوية المفقودة ورأى أبو عبيد عندما علم بالإستعدادات الفارسية الضخمة أن يتمهل وأن يتحصن في الحيرة ومنها يسنطيع مراقبة تحركات الجيش الفارسي وعندما تناهى إلى أسماعه أن وجهة الفرس هي الحيرة قرر أن يصطدم بهم خارجها فخرج منها وتوجه إلى قس الناطف وعسكر علي الضفة الغربية لنهر الفرات قرب الكوفة حاليا ومعه تسعة آلاف رجل ولما وصل بهمن جاذويه إلى قس الناطف عسكر على الضِفَّة المقابلة وفصل نهر الفرات بين الجيشين وتحدى أبا عبيد الفرس بالعبور إلى المسلمين أو يعبر المسلمون إليهم وفي النهاية قرر أن يعبر بالمسلمين فنهاه المثنى بن حارثة فإعتبر ذلك جبنا وتخاذلا وتحكمت به عواطفه وأخذه الحماس وقال لا يكونون أَجرأَ على الموت منا بل نعبر نحن إليهم وبلا شك كان هذا القرار قرارا خاطئا من جانب أبي عبيد ويخالف الخط الإستراتيجي الذى رسمه منذ البداية الخليفة أبو بكر الصديق حتي لا يتعرض المسلمون للتطويق او الحصار بأرض السواد المليئة بالمجارى والمسطحات المائية التي من المؤكد أنها ستعيق تحركاتهم وإنسحابهم إذا سارت الأمور في غير صالحهم وذلك لكي يعيدوا تجمعهم وتنظيم صفوفهم وخاصة أنهم في هذه الحالة قد يتعرضون للغرق في نهر الفرات حيث كان أغلبهم لا يجيد السباحة وهو ما كان قد إلتزم به خالد بن الوليد والمثني بن حارثة منذ بداية فتوحات العراق وفي النهاية نفذ أبو عبيد قراره وعبر المسلمون نهر الفرات فوق جسرٍ قديمٍ ردمهُ أبو عبيد وكان بهمن قد ترك لهم مكانا ضيقا خاليا من مجال الكر والفر أجبرهم على النزول فيه مما أققدهم حرية الحركة والإنتشار وميزة المناورة ففرض عليهم بذلك المعركة وأُسلوب القتال ودارت بين الطرفين رحى معركة ضارية أدت الفيلةُ فيها دورا كبيرا بل إنها حددت نتائجها مبكرا حيث كانت نخيف خيل المسلمين وكنتيجة لإنحشار المسلمين في مكان ضيق فقد أمطرهم الفرس بالسِهام ومزقوا صفوفهم وحاول أبو عبيد قتل قائد الفيلة وكان فيلا أبهت لونا من بقية الفيلة عرف بالفيل الأبيض إلا أن ضربته طاشت ثم وطئه الفيل فمات شهيدا وتولي المثني قيادة جيش المسلمين وأدرك المثنى حرج الموقف وأن المعركة خاسرة فأعلن الإنسحاب لكن عبد الله بن مرثد الثقفي قطع الجسر على المسلمين ليرغمهم على الصمود فوقع المسلمون في مصيدة القتل والغرق وأعاد المثنى عقد الجسر بعد مجهود كبير وتحت ضغط الجيش الفارسي فتراجع عليه حوالي ثلاثة آلاف رجل نحو أُليس بعد أن قتل وغرق في الفرات حوالي أربعة آلاف من جيش المسلمين وأُصيب المثنى بجراح خطيرة ولم يتعقب بهمن جاذويه المسلمين لأن أخبارا وصلته عن نشوب ثورة ضد رستم في العاصمة الفارسية كتسفون فآثر العودة إليها حتى يكون قريبا من مجرى الأحداث كما أنه خشي أن يضل جنود الفرس طريقهم في صحر اء العرب إذا ما تعقبوا المسلمين وهم علي غير دراية بدروبها ومسالكها وكانت هذه المعركة التي سميت بمعركة الجسر أو المروحة أو قس الناطف هي المعركة الوحيدة التي هزم فيها المسلمون في حروب بلاد فارس ويقول المؤرخون إن المثني بن حارثة الشيباني كان هو الأجدر بتولي قيادة جيش المسلمين ببلاد العراق وليس أبو عبيد بن مسعود الثقفي نظرا لحنكته وبراعته العسكرية وخبرته في قتال الفرس إضافة إلي عمله مع عبقرى الحرب سيف الله المسلول خالد بن الوليد لمدة سنة كاملة عاشها معه علي ظهور الخيل مما أكسبه مزيد من الخبرة ويعلق المؤرخون أيضا أنه لولا تأثر الخليفة عمر بن الخطاب بإحجام المسلمين عن الإلتحاق بجيوش المسلمين في بلاد العراق لقتال الفرس ما كان قد إتخذ قراره بتولية أبي عبيد بن مسعود الثقفي القيادة بعدما أعلن أن قائد جيش المسلمين في العراق سيكون أول من يتقدم للإلتحاق به فكان أبو عبيد أول من بادر للإستجابة ومن ثم تم تعيينه قائدا بدلا من المثني بن حارثة الشيباني والذى لم يغضب ولم يتذمر وتلقي الأمر بكل روح رياضية وعمل تحت إمرة أبي عبيد ولم يبخل عليه برأى أو نصح وحاول أن يثنيه عن عبور نهر الفرات لقتال الفرس كما رأينا في معركة الجسر لكنه خضع في النهاية لرأى قائده .
وتلقى الخليفة عمر بن الخطاب نبأ هزيمة المسلمين في معركة الجسر بهدوء لافت ولم يؤنب الفارين من ساحة القتال بل نعى من قضى نحبه وراح يواسي الناس وأدرك أن المثنى بحاجة إلى مدد يرسل إليه على وجه السرعة كي يواجه هذا الموقف الدقيق الذى آلت إليه الأمور بعد معركة الجسر والتي ضيعت الكثير من المكاسب التي كان قد حققها المسلمون قبلها حيث ترتب عليها أن مناطق إقليم الحيرة التي كان قد تم فتحها ومصالحة أهلها على يد خالد بن الوليد في خلافة أبي بكر الصديق عادت إلى الخضوع لسلطة الفرس بعد الموقعة المشار إليها وقام عمر بتكثيف حملاته التعبوية بين قبائل الردة فأرسل رسله إليها يدعوها للسير نحو بلاد فارس لغزوها فإستجابت العديد منها لندائه وتوافدت على المدينة المنورة الحشود العظيمة من مختلف أنحاء شبه الجزيرة العربية فدفع بها علي وجه السرعة إلى أرض العراق مددا للمثنى بن حارثة وكان على رأسها جرير بن عبد الله البجلي وعِصمة بن عبدُ الله الضبي وإنضموا إلى جند المثنى في البويب غربي نهر الفرات ومن ناحية أخرى أرسل المثنى النقباء إلى جميع المناطق الحدودية يستفز العرب وكان من ضمنهم جموع من المسيحيين من بني النمر على رأسهم أنس بن هلال النمرى وقد آثر هؤلاء الإنضمام إلى المسلمين والقِتال تحت راية واحدة ضد العجم بعد أن جمعتهم الرابطة اللغوية والقومية وتناهت إلى أسماع الفرس أنباء الإمدادات الإسلامية التي كانت ترسل تباعا إلى العراق فهالهم أمرها وأدركوا أن إنتصارهم في معركة الجسر لم يكن حاسما وأنه لا بد من التغاضي عن الخلافات الداخلية وتوحيد الجهود لدفع الخطر الإسلامي عن البلاد ولذلك فقد بادر رستم بإنهاء الخلاف الذى كان قد نشب بينه وبين فيروز الطامع في إعتلاء عرش فارس وتم إعداد جيش قوامه إثنا عشر ألف مقاتل بقيادة مهران بن باذان الهمذاني ودفع به إلى ساحة القتال وعندما علم المثنى بأنباء خروج الفرس للقِتال سار بعساكره إلى البُويب وأرسل إلى جرير بن عبدُ الله البجلي أن يوافيه هناك ففعل وعسكر المسلمون على شاطئ الفُرات الغربي وعسكر الفرس مقابلهم لا يفصل بينهما سوى النهر وفي شهر رمضان عام 13 هجرية إشتبك الجمعان في رحى معركة طاحنة أدارها المثنى بحكمة بالغة ومهارة فائقة مما كفل له النصر وقتل مهران في المعركة وتشتت جيشه وفر أفراده في فوضى وإضطراب عارمين فطاردهم المسلمون طيلة يومين وقتلوا منهم وأسروا الكثير وسمي هذا اليوم بيوم الأعشار لأنهم أحصوا مائة رجل قتل كل منهم عشرة في المعركة وقد جعلت هزيمة البويب أشراف الفرس يجتمعون حول تولية ملك عليهم من السلالة الساسانية حيث أدركوا خطورة الموقف وأن ما بعد سقوط الحيرة وتكريت وساباط لن يكون إلا سقوط عاصمتهم كتسفون وتشاور أركان الحكم وعزلوا بوراندخت ونصبوا يزدجرد الثالث بن شهريار بن كسرى أبرويز وكان عمره إحدى وعشرين عاما ملكا علي الفرس وكان قد تم تهريبه بعيدا عن كتسفون بعد المذبحة التي قام بها عمه شيرويه حيث قام بقتل أخوته وأبناءهم بعدما تولي الحكم بعد وفاة كسرى أردشير وعين يزدجرد رستم قائدا عاما لجيش فارس وكلفهُ بأمر المسلمين فبدأ يعد العدة ويحشد الجند والسلاح من أجل خوض معركة فاصلة بين الفرس والمسلمين يترتب عليها إما طرد المسلمين من بلاد فارس في حالة إنتصار الفرس عليهم أو فتح الطريق أمام المسلمين للإستيلاء علي كتسفون العاصمة ومنها يبدأ الزحف للإستيلاء علي باقي أنحاء بلاد فارس .
وأمام هذه التحركات الفارسية تراجع المثنى إلى منطقة ذي قار قرب الكوفة فنقض أهل الذمة في العراق العهود والذمم والمواثيق التي كانوا قد أعطوها لخالد بن الوليد بإستثناء البعض منهم فأخذ المثنى يطلُب الإمدادات من الخليفة عمر بن الخطاب الذي قال والله لأضر بن ملوك العجم بملوك العرب وخرج بنفسه في شهر المحرم عام 14هجرية الموافق لشهر فبراير عام 635م ليعسكر في صرار على بعد ثلاثة أميال من المدينة على الطريق المتجه نحو العراق يريد قيادة الجيش الإسلامي بنفسه والذهاب للحرب لكن الصحابة أشاروا عليه أن يبقى في المدينة المنورة لأن ذهابه يتعارض مع المصلحة العامة وأشاروا عليه أن يعين قائدا للجيش يذهب بدلا منه وتقرر بعد التشاور تعيين الصحابي سعد بن أبي وقاص قائدا عاما للحملة والذى خرج في أربعة آلاف جندى من المدينة المنورة ثم لحق به بعد خروجه أربعة آلاف أخرى وإنضم إليه ثلاثة آلاف من بني أسد فيهم طُليحة بن خويلد الأسدى الذى تنبأ أيام الردة ثم عاد للإسلام وحسن إسلامه كما لحق به الأشعث بن قيس في ألف وسبعمائة من أهل اليمن وقبل وصوله بقليل توفي المثنى بن حارثة الشيباني بسبب الجرح الذى كان قد أصابه يوم الجسر وترك وصية لسعد بن أبي وقاص أن لا يقاتل العدو إذا إستجمع أمرهم وجندهم في عقر دارهم وأن يقاتلهم على حدود أرضهم على أدنى حجر من أرض العرب وأدنى حد من أرض العجم فإن يظهر الله المسلمين عليهم لهم ما ورائهم وإن تكن الأخرى فأووا إلى فئة ثم يكون أعلم بسبيلهم وأجرأ على أرضهم إلى أن يرد الله الكرة عليهم وبوفاته فقد المسلمون قائدا فذا من قواد المسلمين وبطلا مغوارا من أبطال فتوحات بلاد العراق وفارس وفي العصر الحديث وتكريما لذكراه وتخليدا لجهوده في تحرير بلاد العراق من الإمبراطورية الساسانية أطلق إسمه على محافظة السماوة جنوب العراق فصارت محافظة المثنى وجدير بالذكر أن سعد بن أبي وقاص وصل إلي شراف وهي تقريبا في منتصف الطريق بين المدينة المنورة وبلاد العراق حيث إنضمت إليه القوات الموجودة في العراق ثم سار بالقوات مجتمعة فنزل بها بين العذيب والقادسية غربي الكوفة حاليا وأخذت الإمدادات تتوالى عليه حسب أوامر الخليفة عمر بن الخطاب فإنضم إليه المغيرة بن شعبة الثقفي وجنده وعمرو بن معديكرب الزبيدى وقيس بن المكشوح وكان هؤلاء أخبر من غيرهم في حرب الفرس نظرا لأن أغلبهم كانوا مع خالد بن الوليد أيام الفتوحات الأولى للعراق كما إنضمت بعض القبائل العربية المسيحية إلى صفوف المسلمين وأعلنت أن نقضها العهد الذى كانت قد قطعته لِخالد بن الوليد عند مجئ رستم كان بضغط من الفرس الذين أخذوا منها الخراج ودخل الكثير من أبنائها في الإسلام ودارت المفاوضات بين المسلمين والفرس لكي يدخلوا في الإسلام أو يقبلوا الجزية أو يكون الخيار الأخير هو الحرب وإختار الفرس الحرب وكانت معركة القادسية في شهر شعبان عام 15 هجرية والتي إستمرت 4 أيام وإنتصر فيها المسلمون وبذلك فتح أمامهم الطريق نحو كتسفون عاصمة الفرس .
|