بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
أبو طالب محمد طغرل بك بن میکائیل بن سلجوق والملقب بركن الدين والدنيا وإختصارا يطلق عليه طغرل بك والمولود عام 385 هجرية الموافق عام 995م ومعني الإسم هو طائر نسر العقاب القوى كان زعيما تركمانيا وهو مؤسس الدولة السلجوقية وأول سلاطينها وقد تأسست هذه الدولة في عام 429 هجرية الموافق عام 1037م بعدما إستولى طغرل بك على مدينة مرو وهي بدولة تركمانستان حاليا وخطب له على منابرها وتسمى بملك الملوك وبعدها قاد طغرل بك حربا مع الدولة الغزنوية في إقليم خراسان الكبرى وهو الإقليم المتسع الممتد حاليا في شمال غرب دولة أفعانستان وبدولة تركمانستان وبإيران وهي معركة داندقان التي وقعت في شهر رجب عام 432 هجرية الموافق شهر مايو عام 1040م وكانت من المعارك الحاسمة والفاصلة في تاريخ كل من الغزنوية والسلاجقة حيث نتج عنها هزيمة الدولة الغزنوية في عهد السلطان مسعود بن محمود الغزنوي على يد السلاجقة الذين كانوا آنذاك يوسعون حدود دولتهم في هضبة إيران وكانت الدولة الغزنوية إحدى الدول الإسلامية التي حكمت شمال الهند وخراسان وبلاد ما وراء النهر في الفترة ما بين عام 961م وعام 1187م وقد قام الغزنويون بتسمية عاصمتهم بإسمهم وهي مدينة غزنة التي تقع الآن داخل حدود دولة أفغانستان وقد تمكن السلاجقة على إثر المعركة المشار إليها من إنتزاع مدن نيسابور عاصمة إقليم خراسان وجرجان بشمال إيران حاليا وكرمان بوسط إيران حاليا وإقليم طبرستان بشمال إيران حاليا وبلاد الديلم بشمال الهضبة الإيرانية بمنطقة القوقاز وبعد أن شعر طغرل بك بالإطمئنان على دولته إثر إعتراف الخليفة العباسي القائم بأمر الله بها والذى تولي الخلافة من عام 422 هجرية الموافق عام 1031م حتي عام 467 هجرية الموافق عام 1075م توجه أمراء السلاجقة بناءا علي تكليفات طغرل بك كل إلى المنطقة المخصصة له وشرع في تنفيذ ما تبقى من خطته الرامية إلى إتمام سيطرة السلاجقة على بلاد فارس ومن ثم التوجه منها للسيطرة على بلاد العراق ففي عام 433 هجرية الموافق عام 1041م تحرك طغرل بك على رأس جيش كبير من أجل تحقيق ذلكَ الهدف وكان الديالمة يسيطرون انذاك على معظم أجزاء بلاد فارس والعراق ولكنهم مع ذلكَ كانوا في نزاع مستمر مما أضعفهم وسهل على السلطان السلجوقي طغرل بك التغلب عليهم وإنهاء حكمهم ومن ثم فقد كان النصر حليفه في كافة حروبه معهم والتي إنتهت بسيطرته على بلاد فارس والعراق حيث دخل حاضرة الخلافة العباسية بغداد وكان طغرل بك قد بدأ بالهجوم أولا على جرجان وطبرستان من أجل القضاء على حكم أنوشروان الزياري الديلمي الذي كان يسيطر على هذين الإقليمين وإدراكا من هذا الأخير لقوة السلاجقة وإنه لا طاقة له بقتال طغرل بك قرر أن يخضع له وأعلن تعهده بطاعته وأداء جزية سنوية له وبذلكَ ضم طغرل بك هذين الإقليمين إلى دولة السلاجقة ثم لم يلبث أن أزال حكم الزياريين الديالمة منها وعين عليها واليا من قبله فكان هذا إيذانا بسقوط الدولة الزيارية وإنتهاء نفوذها في بلاد فارس وبعد ذلكَ توجه طغرل بك إلى خوارزم لفتحها وكان ذلكَ عام 434 هجرية الموافق عام 1042م وما أن تم له ذلك حتى سيطر على ما يجاورها من المناطق فأصبح السلاجقة أكبر قوة في بلاد فارس وبلاد ما وراء النهر وهي البلاد التي يفصلها نهر جيحون عن إقليم خراسان وتقع هذه البلاد وراء النهر المذكور من جهة الشرق والشمال وتعرف الآن بإسم آسيا الوسطى الإسلامية وتضم عدد خمس جمهوريات إسلامية كانت خاضعة للإتحاد السوفيتى السابق ثم من الله عليها فإستقلت بعد إنهياره بداية من عام 1991م وهذه الجمهوريات هي أوزباكستان وطاجيكستان وكازاخستان وتركمانستان وقرغيزيستان وهذا النهر المذكور يمثل حاليا الحد الفاصل بين كل من دول أفغانستان وطاجيكستان وأوزباكستان ويصب في الساحل الجنوبي لبحر آرال وهو بحر داخلي يقع بين كازاخستان شمالا وأوزباكستان جنوبا وكان هذا سبباً في مسارعة حكام أقاليم المناطق المذكورة إلى إعلان طاعتهم وولائهم لهم وموافقتهم على دفع جزية سنوية للسلاجقة .
وقد أتاحت كل هذه الأحداث الفرصة لطغرل بك للتوجه إلى وسط بلاد فارس وغزو مدينة الرى فسار على رأس جيش كبير نحوها في العام نفسه فدخلها فاتحا وجعلها عاصمة له ومقرا لحكومته وكان لهذه الانتصارات التي حققها السلاجقة بزعامة السلطان طغرل بك في بلاد فارس وفي بلاد ما وراء النهر إنعكاساتها على الخليفة العباسي القائم بأمر الله في بغداد فما كان منه إلا أن بعث رسولا من قبله إلى مدينة الرى يحمل رسالة منه للسلطان السلجوقي يدعوه فيها لزيارة بغداد وأبلغ مبعوث الخليفة السلطان السلجوقي بأن الخليفة قد سر برسالة السلاجقة إليهِ كثيرا ورد عليها برد حسن أرسله مع مبعوث منه تضمن موافقته على قيام دولة السلاجقة وأن الخليفة يسره أن يستقبل سلطان السلاجقة في بغداد عاصمة الخلافة كضيف عزيز كريم وإستقبل السلطان طغرل بك مبعوث الخليفة العباسي أحسن إستقبال ورحب بدعوتهِ إياه لزيارة بغداد ووعد بالقيام بها في الوقت المناسب ومن جهة أخرى فقد بقي مبعوث الخلافة في الرى مدة ثلاث سنوات من أجل مرافقة طغرل بك عند توجهه لزيارة بغداد ولكنه إضطر في النهاية إلى الرجوع وحده إلى بغداد بعد أن أكد له طغرل بك حرصه على هذه الزيارة وإنه سيلبيها بعد فراغه من غزو الأقاليم الغربية والجنوبية من بلاد فارس وبعد ذلكَ توجه طغرل بك بجيشه لتفقد المناطق الشمالية الغربية من بلاد فارس وتوطيد سيطرة السلاجقة عليها فسار في عام 446 هجرية الموافق عام 1054م إلى إقليم أذربيجان ودخل عاصمته تبريز وشمل نفوذه جميع أجزاء أذربيجان فضلا عن بعض أجزاء من بلاد الروم المتاخمة لأذربيجان في إقليم الأناضول وكان هو أول من حمل الراية الحمراء ذات الهلال والنجمة والذي أصبح فيما بعد علما لتركيا وقد علا شأن طغرل بك جدا عندما نقل صراعه إلى بلاد الروم بإقليم الأناضول وإستطاع أن يحقق النصر تلو النصر عليهم فى معارك كبيرة وأصبح على مسافة قريبة من العاصمة البيزنطية القسطنطينية وحينذاك إرتجت دول قارة أوروبا الصليبية حيث أنه في عام 440 هجرية الموافق عام 1048م قام إبراهيم ينال شقيق طغرل بك من أمه بغزو الروم حيث ظفر بهم وغنم غنائم كثيرة وكان السبب في ذلكَ أن جموعا كبيرة من الغزنويين في بلاد ما وراء النهر قد جاؤوا إليهِ يريدون الإستقرار في بلاده لكنه رفض ذلك وحاول إفهامهم أن بلاده ومصادرها تعجز عن حاجتهم ونصحهم بالتوجه إلى غزو الروم والجهاد في سبيل الله فضلاً عن حصولهم على الغنائم كما أخبرهم أنه سيلحق بهم ويساعدهم فإستجابوا له وساروا أمامه فتبعهم فلما وصلوا إلى ملاذكرد وقاليقلا بشرق الأناضول وطرابزون بشمال شرق الأناضول لقيهم جيش كبير من الروم والأبخاز الذين كانوا يحكمون مناطق القوقاز تذكر المصادر أن عدده كان ثمان وخمسون ألفا فدار بينهم قتال شديد تبادل فيه الفريقان النصر والهزيمة لكن كان النصر في النهاية للمسلمين بعد أن قتلوا عددا كبيرا من الروم وأسروا العديد كان من بينهم كثير من البطارقة وكان من بين الأسرى قاريط ملك الأبخاز الذى إفتدى نفسه بثلاثمائة ألف دينار وبهدايا قدر ثمنها بمائة ألف دينار .
وكنتيجة لهذا النصر علا شأن طغرل بك جدا بعد أن نقل صراعه إلى بلاد الروم وانتصر عليهم وأصبح على مسافة قريبة من عاصمتهم القسطنطينية وإرتجت دول قارة أوروبا الصليبية من هول المفاجأة فآثر ملك القسطنطينية الصليبي الصلح مع طغرل بك فوافق طغرل بك شريطة إعادة إفتتاح المسجد القديم في القسطنطينية وكان قد بناه مسلمة بن عبد الملك أيام الأمويين وأن يخطب لطغرل بك فيه يوم الجمعة وسارت الركبان بهذا الخبر العجيب فعظم طغرل بك في أعين ملوك الأرض فخطبوا له على منابرهم وإستمر إبراهيم ينال يغزو تلك البلاد ويحصل علي الكثير من الغنائم حيث كان من نتيجة هذه الغارات والغزوات أَن غنم المسلمون الكثير وسبوا ما يزيد على مائة ألف رأس فضلا عما لا يحصى عدده من البغال والدواب والأموال حتى قيل إن الغنائم كانت قد حملت على عشرة الاف عجلة وأنه كان من جملة الغنائم تسعة عشر ألف درع وكان لهذه الغزوات آثار كبيرة فقد ألحق السلطان طغرل بك بالروم خسائر كبيرة في الأرواح والأموال والعتاد وتلا وفاة الإمبراطور الرومي قسطنطين التاسع عام 446 هجرية الموافق عام 1055م ثورة قام بها أنصار السلالة المقدونية في بلاد الروم للحيلولة دون إنتقال العرش إلى دوق بلغاريا المدعو نقفور فروتيون الذى كان يسعى النبلاء إلى توليته أُمور البلاد فأخرج الثوار الإمبراطورة العجوز السابقة تيودورا من عزلتها وكانت قد بلغت من العمر الرابعة والسبعين عاما ونصبوها على العرش فإستغل طغرل بك هذه الإضطرابات وحمل على أرمينيا حتى وصل إلى أرضروم بشمال شرق الأناضول وحاصر مدينة ملاذكرد وضيق على أهلها وإستولي علي ما جاورها من البلاد وغنم مغانم عظيمة ثم إنسحب عائدا إلى أذربيجان بجنوب القوقاز لما حل فصل الشتاء من غير أن يملك تلك النواحي وفي عام 449 هجرية الموافق عام 1057م قامت الإضطرابات مجددا في بلاد الروم عندما ثار النبلاء والأعيان والقادة ضد الإمبراطور ميخائيل السادس وإلتفوا حول قائد جيوش الشرق إسحٰق كومنين الذى أمر بسحب العساكر البيزنطية من المناطق الأرمنية لتسانده في ثورته وتدعم وصوله إلى العرش فشغرت المراكز الحدودية من أية مقاومة جدية مما أغرى السلاجقة فإجتاحوا قبادوقية بوسط الأناضول وهاجموا ملطية بشرقه وأغاروا على الأقاليم الواقعة عند ملتقى فرعي نهر الفرات وتوغل قتلمش بن إسرائيل إبن عم طغرل بك في جوف آسيا الصغرى ففتح قونية وآق سراى بوسط جنوب الأناضول ونواحيهما وجدد السلاجقة هجماتهم على الديار البيزنطية في عهد الإمبراطور قسطنطين العاشر دوكاس ففي السنة الأولى من حكمه توغلوا في عمق بلاد الروم وبلغوا مدينة سيواس بوسط الأناضول وتقع قرب العاصمة التركية أنقرة حاليا فقاتلوا جماعة من أهلها ممن قاومهم وعادوا محملين بِالغنائم بعد أن أحرقوا المدينة وكان من الواضح أن غارات السلاجقة ظلت حتى وفاة طغرل بك تستهدف غالبا تحقيق أكبر قدر ممكن من الغنائم دون محاولة الإستقرار فكانت خطوة تمهيديةً إستطلعت خلالها الجيوش السلجوقية أوضاع وطبيعة المنطقة وبعد تحقيق طغرل بك الإنتصارات المذكورة عاد إلى عاصمته الري عام 447 هجرية الموافق عام 1055م بعد أن شمل نفوذ السلاجقة أكثر أجزاء بلاد فارس فضلا عن أجزاء من الدول المجاورة لها وأجزاء من إقليم الأناضول وبهذا أصبح طغرل بك مستعدا لدخول العاصمة العباسية بغداد بناءا على دعوة الخليفة العباسي له وبعد ذلكَ تمت سيطرة السلاجقة على معظم أنحاء بلاد العراق.
ولايفوتنا هنا أن نذكر أن طغرل بك كان قد أرسل أخاه من أمه إبراهيم ينال إلى همدان بشمال غرب إيران حاليا والأجزاء الغربية المجاورة لها من أجل تثبيت نفوذ السلاجقة فيها فتوجه إليها عام 437 هجرية الموافق عام 1046م فرحل من كرمان إليها وهناك حدثته نفسه بالتمرد وإتخاذها قاعدة له مما أجبر طغرل بك على التوجه نحوه بنفسه وذلكَ عام 441 هجرية الموافق عام 1050م وما أن إقترب منها حتى أرسل إلى أخيه يطلب منه أن يسلم القلاع التي في يده إليه غير أنه رفض ذلكَ فخرج إليه طغرل بك فتحصن إبراهيم ينال بقلعة سرماج وكانت تلك القلعة من أحصن القلاع وأمنعها وإمتنع ينال على أخيه فحصره طغرل بك فيها وكانت عساكره قد بلغت مائة ألف وقاتله فملكها في أربعة أيام وإستنزل ينال منها مقهورا بعد أن إستسلم له ثم عفا عنه طغرل بك ولم يعاقبه على تمرده هذا بل أكرمه وأحسن إليه ورد عليه كثيرا مما أخذ منه وخيره بين أن يقطعه بلادا يسير إليها وبين أن يقيم معه فإختار المقام معه وهكذا تمكن طغرل بك من أن يحقق الظهور القوى للدولة السلجوقية وقد إستمرت هذه الدولة قائمة حتي عام 552 هجرية الموافق عام 1157م حينما تم قتل السلطان السلجوقي أحمد سنجر الذى تفككت الدولة بعده إلى ولايات منفصلة وقد حكم طغرل بك دولته لمدة 26 عاما من عام 1037م إلى عام 1063م والتي ضمت بلاد العراق وإقليم خراسان والهضبة الإيرانية والأراضي المجاورة كجنوب القوقاز وجزء من إقليم الأناضول وجزء من أرمينيا الكبرى بالإضافة إلي بلاد ما وراء النهر وهكذا فقد مدت الدولة السلجوقية سلطانها حتى صارت أكبر قوة في العالم الإسلامي وبذلك نجد أن طغرل بك قد أحال الخلفاء العباسيين إلى رؤساء صوريين للدولة وتولى بنفسه قيادة جيوش الخلافة في هجمات عسكرية ضد الإمبراطورية البيزنطية والفاطميين في محاولة لتوسيع حدود دولته وتوحيد العالم الإسلامي وفي عام 447 هجرية الموافق عام 1056م وفد طغرل بك إلي الخليفة العباسي ببغداد فإستعان به على إزالة دولة بني بويه الشيعية التي أضاعت مكانة الخلافة وكرامة الخلفاء وكان قدومه رحمة بهذه الأمة الإسلامية حيث وافق قدومه خروج البساسيرى التركي الذى كان يستهدف نقض الخلافة السنية وإقامة الخلافة العبيدية الباطنية الشيعية وكان العبيديون الشيعة يحاولون منذ إقامة خلافتهم بمصر الكيد والتربص بالخلافة العباسية وإزالتها عن الوجود وجاءتهم الفرصة المناسبة عند ظهور البساسيري الذى إستطاع أن يجمع حوله الطامعين وطلاب الدنيا وأن يستولي على العديد من البلدان والمدن فراسل الخليفة العبيدي المستنصر البساسيري ودعمه في سعيه الخبيث لإزالة السنة وإقامة البدعة ولكن جهودهم تعطلت لأن طغرل بك قدم إلى بغداد بجيوشه الجرارة وكان البساسيرى حينذاك قد عظم شأنه وهابته أمراء العرب والعجم ودعي له على المنابر وظلم وخرب القرى وإنقهر معه الخليفة القائم بأمر الله وتم إبعاده إلي الموصل وأرسل طغرل بك أخاه الغير شقيق إبراهيم نيال لقمع ثورة البساسيرى والذى خرج مع قريش بن بدران صاحب الموصل ودبيس بن مزيد صاحب الحلة وسار طغرل بك إليهم من العاصمة العباسية بغداد ولحقه أخوه إبراهيم ينال فلما ملك الموصل سلمها إليه وجعلها تحت إمرته مع سنجار والرحبة وسائر تلك الأعمال التي لقريش ورجع إلى بغداد عام 449 هجرية الموافق عام 1058م ثم بلغه في العام التالي أنه سار إلى بلاد الجبل بشمال غرب إيران حاليا فإستراب به وبعث إليه يستقدمه بكتابه فقدم معه وفي خلال ذلك قصد البساسيرى وقريش بن بدران الموصل فملكاها وجفلوا عنها فإتبعهم طغرل بك إلى نصيبين وخالفه أخوه إبراهيم ينال إلى همدان في شهر رمضان عام 450 هجرية الموافق شهر نوفمبر عام 1058م ويقال إن الخليفة الفاطمي المستنصر العلوى صاحب مصر والبساسيري كاتبوا إينال وإستمالوه وأطمعوه في السلطنة فسار طغرل بك في أتباعه من نصيبين ورد وزيره عميد الملك الكندى وزوجته خاتون إلى بغداد ووصل إلى همدان ولحق به من كان ببغداد من الأتراك فحاصر همدان في قلعة من العسكر وإجتمع لأخيه خلق كثير من الترك وحلف لهم أن لا يصالح طغرل بك ولا يدخل بهم العراق لكثرة نفقاته وجاءه محمد وأحمد إبنا أخيه أرباش بأمداد من الغز فقوى بهم وكاتب إلى ألب أرسلان إبن أخيه داود وقد كان ملك خراسان وبلاد ما وراء النهر بعد وفاة ابيه داود عام 451 هجرية الموافق عام 1059م فزحف إليه في العساكر ومعه أخواه ياقوت وقاروت بك ولقيهم إبراهيم ينال فيمن معه فإنهزم وجئ به وبإبني أخيه محمد وأحمد أسرى إلى طغرل بك فقتلهم جميعا وعاد إلى العاصمة العباسية بغداد لإسترجاع الخليفة العباسي القائم بأمر الله الذى كان قد نفاه البساسيرى إلي الموصل كما ذكرنا في السطور السابقة .
ولم يعمر طغرل بك بعد ذلك طويلا حيث توفي عن عمر ناهز السبعين عاما وذلك في يوم الثامن من شهر رمضان المبارك عام 455 هجرية الموافق يوم 3 سبتمبر عام 1063م بمدينة الرى عاصمة مملكته وكان طغرل بك على الرغم من سعة الملك وكثرة الأتباع لم يكن له أولاد ولا عقب يحملون ويرثون مجد هذا السلطان الكبير الذى جاء به الله عز وجل في الوقت المناسب قبل ضياع الخلافة العباسية إلى الأبد ومعها أهل السنة والجماعة وتولى السلطنة من بعده إبن أخيه ألب أرسلان والذى عمل علي إستكمال مسيرة عمه الراحل في توسيع رقعة الدولة ونشر الإسلام في الممالك والمناطق المتاخمة للدولة الإسلامية شمالا وغربا لاسيما بلاد الأرمن والأناضول الأمر الذي أكسب السلاجقة وحروبهم صبغة وطابع الجهاد الديني ودفن طغرل بك في ضر يح له طراز معمارى متميز مما جذب الإهتمام به على مدى العصور بسبب هندسته المتميزة وقد عرف باللغتين العربية والفارسية بإسم برج طغرل بك وهو برج دائرى يبلغ إرتفاعه 22 مترا بقطر خارجي يبلغ 16 مترا أقيم على قطعة أرض تحيط بها حديقة تبلغ مساحتها 3 آلاف متر مربع وجدران البرج الداخلية تحتوى عدد 193 تجويفا تسمح بإنعكاس الصوت وسماع أى همسة بوضوح في أى نقطة داخل البرج فضلا عن إحتوائه على نظام تهوية متميز بفضل ثلاث فتحات تهوية موجودة بالبوابة الشمالية للبرج وفضلا عن ذلك فقد كان برج طغرل بك يستخدم كساعة يعرف من خلالها الوقت بفضل الركائز الثلاثية المحيطة به وفي الوقت الحاضر يوجد نقش أعلى مدخل الضريح يشير إلى أن البرج جرى ترميمه في عهد الشاه ناصر الدين القاجارى الذى حكم بلاد فارس ما بين عام 1848م وعام 1896م ويستطيع الزوار الذين يدخلون إلى البرج ملاحظة وجود صورة ظلية لأسد مجرد نظرهم إلى الأعلى من جهة المدخل الشمالي كما يمكن للزوار رؤية خطوط أشعة الشمس من سقف البرج المكشوف لحظة ملامستها للجدار الداخلي المزين بقطع الخزف الأزرق السماوى في صورة تختلط فيها الظلمة مع النور وأشعة الشمس مع اللون الأزرق وقبل أن نختم مقالنا عن السلطان العظيم طغرل بك لا يفوتنا أن نذكر بعض مناقبه التي إشتهر بها حيث كان طغرل بك خيرا مصليا محافظًا على الصلاة في أول وقتها في جماعة على الرغم من كثرة جهاده وغزواته الكثيرة منذ نعومة أظافره كما كان أيضا كثير الصيام يديم صيام يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع حليما عمن أساء إليه كتوما للأسرار يبالغ في تعظيم مقام الخلافة وكان هو أول من أعاد هيبة الخلفاء وإحترمهم ووقرهم وبالغ في ذلك حتى إنه كان يأخذ بيد الخليفة القائم بأمر الله فيقبلها مرتين ثم يمسح بها وجهه توقيرا وإحتراما وفضلا عن ذلك كان طغرل بك صاحب عقيدة صحيحة وقد أمر بلعن كل الطوائف المخالفة للسنة على المنابر ومنها المعتزلة والأشعرية فغضب علماء الأشعرية وتركوا بلاده وهاجروا منها فأرسل طغرل بك إليهم وجمعهم عنده وإستفسر عن سبب خروجهم فقالوا له إن الأشعرى لم يقل هذا الكلام الذي تلعنونه بسببه فقال لهم طغرل بك إنما نأمر بلعن الأشعرى الذي قال هذه المقالة فإن لم تدينوا بها ولم يقل الأشعرى شيئا منها فلا عليكم مما نقول ولأجل توطيد الروابط بين الخليفة العباسي القائم بأمر الله وبين زعيم الدولة السلجوقية طغرل بك فإن الخليفة تزوج من إبنة جغرى بك الأخ الأكبر لطغرل بك وذلك في عام 448 هجرية الموافق عام 1059م وخطب لطغرل بك بنت الخليفة القائم فزوجه بها ثم قدم طغرل بك بغداد للعرس ونفذ طغرل بك مائة ألف دينار برسم نقل الجهاز وكان العرس في شهر صفر عام 455 هجرية الموافق شهر فبراير عام 1063م وأجلست على سرير مذهب ودخل السلطان عليها فقبل الأرض ولم يكشف المنديل عن وجهها وقدم لها تحفا سنية وخدم وإنصرف ثم بعث إليها عقدين مجوهرين وقطعة ياقوت عظيمة ثم دخل من الغد فقبل الأرض ايضا وجلس على سرير إلى جانبها ساعة وخرج وبعث لها فرجية نسيج مكللة بالجوهر ومخنقة أى قلادة مثمنة هذا ولم تطل مدة زواج طغرل بك من إبنة الخليفة لدنو أجله بعد الزواج حيث توفي بعده بحوالي سبعة شهور .
|