السبت , 7 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

موسي بن نصير
-ج1-

موسي بن نصير
-ج1-
عدد : 07-2023
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"


أبو عبد الرحمن موسي بن نصير قائد عسكرى عربي مسلم في عصر الدولة الأموية وكان ممن شاركوا في فتح جزيرة قبرص في عهد الخليفة الأموى الأول معاوية بن أبي سفيان ثم أصبح واليا على أفريقية والمقصود بها تونس من قبل الخليفة الأموى السادس الوليد بن عبد الملك وإستطاع ببراعته وفطنته العسكرية أن ينهي نزعات وثورات البربر المتوالية للخروج على حكم الأمويين كما أمر بفتح شبه الجزيرة الأيبيرية وهو الغزو الذى أسقط حكم مملكة القوط في أسبانيا الحالية وكان ميلاد موسي بن نصير علي الأرجح في عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب عام 19 هجرية الموافق عام 640م ونشأ في العاصمة الأموية دمشق حيث كان أبوه نصير على حرس والي دمشق حينذذاك معاوية بن أبي سفيان قبل خلافته في خلافة كل من عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وكان يحظى عنده بمنزلة عالية وقد ذكر بعض المؤرخين أن نصير كان مولى من موالي قبيلة لخم التي كانت تسكن قرب مدينة الحيرة ببلاد العراق وقيل من صلبها وهو الأرجح وأصبح نصير بعد ذلك وصيفا لعبد العزيز بن مروان فأعتقه وذكر آخرون أنه ينتسب إلى بني بكر بن وائل وإنه كان ضمن الأربعين غلاما الذين كانوا يتعلمون الإنجيل بحصن عين التمر الذى قام بفتحه سيف الله المسلول خالد بن الوليد عام 12 هجر ية في عهد الخليفة أبي بكر الصديق أثناء فتوحات بلاد العراق ودخل في الإسلام بعد ذلك وقد نشأ موسي بن نصير وترعرع في بيت قوة وبأس وكان شجاعا عاقلا كريما تقيا وتولي أعمالا عديدة في مقتبل عمره أثبت فيها كفاءته وبراعته ولما تولي قيادة الجيوش لم يهزم له جيش قط منذ كان عمره أربعين عاما وحتى وفاته وقد شارف الثمانين عاما وقد بدأت شهرة موسى بن نصير تعلو حين خرج معاوية بن أبي سفيان والي الشام لقتال الإمام علي بن أبي طالب في ضفين حيث لم يخرج معه فإمتعض معاوية من موقفه ثم رضي عنه وولاه غزو البحر بعد أن تولي الخلافة فغزا جزيرة قبرص بعد أن نقض سكانها العهد مع المسلمين بعد أن كان قد تم فتحها مرتين قبل ذلك في عهد الخليفة عثمان بن عفان عام 28 هجرية ثم في عام 32 هجر ية وبنى هناك حصونا وعندما إنتقلت الخلافة إلى بني مروان وفي عام 73 هجرية نقل عبد الملك بن مروان أخاه بشر بن مروان من قيادة جند مصر إلى البصرة وعينه واليا عليها فأخذ بشر موسى معه لمعاونته وعينه على خراج البصرة ولما تولي الحجاج بن يوسف الثقفي البصرة وقع خلاف شديد بينه وبين موسي بن نصير بخصوص أموال الخراج فغضب عليه الخليفة عبد الملك بن مروان وأغرمه ولم ينقذه سوى عبد العزيز بن مروان شقيق الخليفة الذى تحمل نصف الغرامة المالية وأخذه معه لولايته في مصر والتي إستمرت عشرين عاما أو يزيد ما بين عام 65 هجرية الموافق عام 685م وحتي عام 86 هجرية الموافق عام 705م حيث لزم موسي عبد العزيز بن مروان وكان من أقرب الناس إليه ومن كبار معاونيه وفي عام 84 هجرية الموافق عام 703م وجه عبدالعزيز بن مروان موسي بن نصير بحملة على برقة فغنم منها وسبى ثم ولاه على أفريقية خلفا لحسان بن النعمان وبعث بالغنائم إلى عبد العزيز بن مروان الذى أرسلها بدوره إلي الخليفة عبدالملك بن مروان فسكن غضب عبد الملك على موسى وفى عام 87 هجرية الموافق عام 706م في خلافة الخليفة الأموى السادس الوليد بن عبد الملك إستطاع موسى بن نصير أن يخمد ثورات البربر المتعاقبة ويعيد فتح المناطق التى كان البربر قد إنتزعوها من المسلمين بعد فتحها أول مرة وإهتم موسى بنشر الإسلام بين البربر ومسالمتهم وإستمالة رؤوسهم ليضمن ألا ينزعوا للثورة مجددا ودخل الكثير منهم في الإسلام وإنضم إلى جيشه الآلاف منهم .


ونظرا للجوء البيزنطيين للغزوات البحرية بعد أن خسروا معاركهم البرية شرع موسى بن نصير فى بناء دار صناعة قرب أطلال مدينة قرطاجنة وهي بتونس حاليا لبناء أسطول قوى لحماية الثغور الإسلامية وفى عام 84 هجرية الموافق عام 703م وجه موسى إبنه عبدالله لغزو جزر البليار شرقي شبه الجزيرة الأيبيرية وكانت تلك الجزر دوما هدفا لغزوات المسلمين لأهمية موقعها إستراتيجيا على حدود بلاد الأندلس الشرقية ولتأمين أراضي المسلمين في الشمال الأفريقي من هجمات القوط الأسبان وأطلقوا عليها إسم الجزائر الشرقية وهي تتألف من عدد أربعة جزر رئيسية وهي ميورقة أكبر تلك الجزر وفيها مدينة ميورقة عاصمتها ومنورقة ويابسة وفرمنتيرا بالإضافة لعدد من الجزر الصغيرة غير المأهولة لذا فقد أولاها موسى بن نصير والي أفريقية إهتماما خاصا فكان يرسل الغارات البحرية عليها من آن لآخر والتي بدأها بغارة بقيادة إبنه عبد العزيز عام 84 هجرية الموافق عام 703م تلتها غارة أخرى لعبد العزيز عام 86 هجرية الموافق عام 705م ثم بحملة ثالثة بقيادة إبنه عبد الله عام 90 هجرية الموافق عام 710م لغزو الجزائر الشرقية هاجم فيها ميورقة ومنورقة لكنها كانت تقتصر على إصابة بعض الأسرى والغنائم ولم تكن فتحا مستقرا وفي هذه الغزوات تم فتح كل من ميورقة ومنورقة بعدما وقعت الهزيمة بأهل الجزائر الشرقية وتم سبي عدد كبير من الأسرى وجدير بالذكر أنه قد ظلت الجزائر الشرقية في معزل عن هجمات المسلمين لفترة طويلة من الزمن بعد ذلك مما قوى شوكتهم ومع مرور الوقت أصبحوا يهددون سفن المسلمين من آن لآخر مما دعا الأمير عبد الرحمٰن الأوسط الناصر لدين الله رابع أمراء الدولة الأموية بالأندلس والتي تأسست علي يد عبد الرحمن الداخل المعروف بصقر قريش عام 138 هجرية الموافق عام 756م لتجهيز حملة بحرية مكونة من عدد 300 سفينة لتأديب أهل تلك الجزائر عام 234 هجرية الموافق عام 848م لإعتراضهم سفن المسلمين فأرسل أهل الجزائر الشرقية لعبد الرحمٰن الأوسط يطلبون الأمان ورضوا بدفع الجزية وتعهدوا بالولاء والطاعة وقد أرسل أيضا موسي بن نصير حملات لغزو جزيرة صقلية عادت محملة بالغنائم والسبي كما أرسل أيضا حملتين لغزو جزيرة سردينية الأولي عام 87 هجرية الموافق عام 706م بقيادة إبنه عبد الله الذى إستطاع أن يفتح فيها مدينة قولة والثانية بقيادة عبد الله بن حذيفة الأزدى التي عادت محملة بالغنائم والسبي كما ذكر ياقوت الحموى في كتابه معجم البلدان أن جيش موسى بن نصير غزاها مرة أُخرى عام 92 هجرية الموافق عام 711م وفضلا عن ذلك فقد إستطاع موسي بن نصير فتح مدينة طنجة حيث قام بإرسال حملتين إلى المغرب الأقصى بقيادة إبنه مروان الذى توجه إلى إقليم بلاد السوس والذى يمتد شمالا من وراء مدينة مراكش بوسط بلاد المغرب وحتى مصب نهر درعة جنوبا والذى يقع شمال مدينة طانطان بجنوب بلاد المغرب الأقصى وخلال ذلك عقد صلحا مع قبائل مصمودة وكتامة وزناتة وهوارة ثم تقدم موسى بن نصير بإتجاه مضيق جبل طارق وبعد قليل تمكن من إنتزاع مدينة طنجة المطلة علي مضيق جبل طارق من يد حاكمها يوليان القوطي وإسناد ولايتها لمولاه طارق بن زياد مكافأةً له على إخلاصه للإسلام والخلافة .


وكان طارق بن زياد قد إختاره موسي بن نصير قبل ذلك قائدا لجيشه فأبلى بلاءا حسنا في حروبه وأظهر أنَه قائد متميز وفارس شجاع مقدام وظهرت لموسى بن نصير قدرة تابعه هذا في خوض وإقتحام المعارك ومهارته في قيادة الجيوش فولاه على مقدمة جيوشه بالمغرب الأوسط وهكذا أتيح لطارق بن زياد أن يتولى قيادة جيوش موسى فسيطر الأمويون على ما تبقى من حصون المغرب الأقصى حتى المحيط الأطلسي كما شارك طارق في إرساء الأمن بالمغرب حتى بلغ مدينة الحسيمة قصبة بلاد المغرب وأم مدائنها فحاصرها حتى دخلها وأسلم أهلها وبهذا تم فتح شمال القارة الأفريقية بكامله وحول هذه الوقائع والأحداث الهامة يقول المؤرخ المراكشي المعروف أبو العباس أحمد بن محمد بن عذارى ثم خرج موسى بن نصير رحمه الله غازيا من أفريقية إلى طنجة فوجد البربر قد هربوا إلى الغرب خوفا من العرب فتبعهم حتى بلغ إقليم السوس الأدنى فلما رأى البربر ما نزل بهم إستأمنوا وأطاعوا فولى عليهم واليا وإستعمل مولاه طارق بن زياد على طنجة وما والاها في سبعة عشر ألف من العرب وإثني عشر ألف من البربر وأمر العرب أن يعلموا البربر القرآن الكريم وفرائض الإسلام وأن يفقهوهم في الدين ثم مضى موسى قافلا إلى قاعدته بمدينة القيروان وبذلك لم يبق فى المغرب الأقصى سوى مدينة سبتة التى كانت تحت حكم يوليان القوطي وكان هدف موسي بن نصير من الفتوحات المذكورة هو حماية فتوح بلاد المغرب العربي من هجمات الروم لأن الهجوم أنجع وسائل الدفاع وبقي على موسى فتح الأندلس لوضع حد نهائي لتهديد القوط الغربيين الذين يحكمون الأندلس لتأمين حاضر ومستقبل فتوح المسلمين وتثبيت أركانه في الشمال الأفريقي ولذا فقد أرسل إلي الخليفة الأموى السادس الوليد بن عبد الملك يستأذنه في البدء في فتح بلاد الأندلس فرد عليه الخليفة بأن يكون حذرا وأن يستطلع أولا الأمر بالسرايا ومن ثم فبعد موافقة الخلافة الأموية أرسل موسى بن نصير في شهر رمضان عام 91 هجرية الموافق شهرى أغسطس وسبتمبر عام 710م سرية إستطلاعية إلى جنوبي بلاد الأندلس مؤلفة من عدد خمسمائة مجاهد منهم عدد مائة فارس والباقي من المشاة بقيادة أبي زرعة طريف بن مالك وعبر هذا الجيش الزقاق وهو إسم يطلق أحيانا على المضيق بين بلاد الأندلس وشمالي أفريقيا من سبتة والمعروف حاليا بمضيق جبل طارق ونزل في جزيرة بالوما في الجانب الأسباني وهي الجزيرة التي عرفت فيما بعد بإسم هذا القائد حيث صارت جزيرة طريفة وهي تتبع بلدية مقاطعة قادس بجنوب بلاد الأندلس ومن ذلك الموقع الذي إتخذه طريف وسريته الإستطلاعية القتالية قاعدة أمامية متقدمة قام طريف وسريته بسلسلة من الغارات السريعة على الساحل الأندلسي الجنوبي وأغار طريف وسريته على الجزيرة الخضراء فأصاب غنيمة كبيرة وسبيا عديدا كما أنهم شهدوا كثيرا من دلائل خصب الجزيرة وغناها كما قوبلوا بالإكرام والترحيب من أهل الجزيرة المسالمين وذلك نتيجة حسن معاملة المسلمين لهم ثم عادت السرية سالمة غانمة قبل أن ينقضي شهر رمضان وبذلك فقد أدى طريف ورجاله واجبهم الإستطلاعي على أتم ما يرام وكان إستطلاعه تمهيدا لوضع خطة فتح الأندلس موضع التنفيذ العملي في ميادين القتال حيث أنه بعد عودته هو ورجاله قص علي موسى ما شاهده في رحلته وما حققته من نتائج فإستبشر موسي بالفتح ولما سمع الناس بذلك تسارعوا إلى الغزو والإلتحاق بجيش المسلمين وتشجعوا على فتح بلاد الأندلس وجد موسي بن نصير في عمل الإستعدادات والتجهيزات اللازمة للفتح وبدأ يحشد الجند والعتاد والسلاح والسفن من أجل إعداد حملة عظيمة تكون مهمتها الفتح المستديم لبلاد الأندلس .

وفي حقيقة الأمر فقد كانت مهمة سرية طريف الإستطلاعية في غاية الأهمية حيث كان هدفها الأساسي الحصول على المعلومات عن طبيعة الأرض والسكان في بلاد الأندلس وأساليب قتالهم ودرجة ضراوتهم وتفاصيل قيادتهم ومدى الثقة المتبادلة بين القيادة والسكان ومدى حرص السكان والقيادة على الدفاع عن أرضهم وكان لقيام طريف بعدة غارات في المنطقة دون أن يلاقي أية مقاومة معناه عدم حرص القيادة والسكان على الدفاع عن أرضهم كما ينبغي وكان هذا المعني على درجة عالية من الأهمية بالنسبة لخطط الفتح وبالنسبة لمخططات وتحركات المسلمين الفاتحين وإلي جانب ما سبق نجد أن مهمة طريف أيضا قد أسفرت عن نتيجة أخرى وهي إستطلاع حقيقة نوايا يوليان حاكم سبتة القوطي وقومه تجاه السلطة القائمة في الأندلس والمتمثلة في الملك لذريق ونظامه وحقيقة نواياه ومَن معه تجاه المسلمين الفاتحين وقد أثبتت سرية طريف الإستطلاعية أن يوليان ورجاله يحقدون على لذريق ولا يتأخرون عن التشبث بكل وسيلة ممكنة للقضاء عليه خاصة وأن لذريق كان قد سبى إبنة يوليان والذى أقسم قائلا ودين المسيح لأزيلن ملكه ولأحفرن ما تحت قدميه ومن ثم كان غرضهم هو التعاون والمعاونة وليس هدفهم خديعة المسلمين أو التغرير بهم بل إن تأييدهم لهم كان حقيقة لا غبار عليها وفي يوم 5 من شهر رجب عام 92 هجرية الموافق يوم 29 من شهر أبريل عام 711م عين موسى بن نصير طارق بن زياد على رأس جيش وصل تعداد أفراده إلى نحو 7000 رجل معظمهم من البربر وكانت هذه سابقة تحدث لأول مرة في تاريخ الفتوح الإسلامية وفي الواقع فقد كان هذا الإختيار إختيارا مقصودا ومحسوبا بدقة من جانب موسي بن نصير والي أفريقية حيث أن سياسته المرنة مع البربر كانت قد أثمرت ودفعت هؤلاء إلى مشاركة العرب في الجهاد وكان لهذه السياسة رد فعل إيجابي على الطرفين فقد رأى موسى بن نصير أن يستفيد من طاقات البربر العسكرية وأن يكسب مودتهم وتأييدهم ودعمهم ولم يكن البربر أقل تجاوبا ويضافُ إلى ذلك إن إختيار طارق بن زياد لقيادة الحملة كان إختيارا موفقا فقد كان طارق على معرفة وثيقة بأوضاع بلاد الأندلس بِفعل مجاورة البربر للقوط وتعاملهم التجارى معهم كما أنه كان قد تولى بنفسه جمع المعلومات عنها وأجرى المفاوضات الأولية مع يوليان حاكم سبتة القوطي وعبر طارق بن زياد بجيشه المضيق الفاصل بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي ونزل في رأس شبه الجزيرة الأيبيرية في الموضع الذى يعرف اليوم بجبل طارق وسيطر على ذلك الموقع بعد أن إصطدم بالحامية القوطية وقد أقام القائد المسلم عدة أيام في قاعدة الجبل نظم خلالها جيشه وأعد خطة لفتح القلاع القريبة والتوغل في عمق أسبانيا ونجح في فتح بعض القلاع والمدن منها قرطاجنة والجزيرة الخضراء ثم تقدم بإتجاه الغرب حتى بلغ خندة جنوبي غربي أسبانيا التي يقطعها نهر برباط عبر وادى برباط والذى يسمى أيضا وادى لكة وعسكر هناك .

ولما وصلت أنباء تقدم طارق بن زياد إلى لذريق وكان في الشمال لم يتهيب الموقف للمرة الأولى لإعتقاده أن المسألة لا تعدو أن تكون غزوة من غزوات النهب لن تلبث أن تتلاشى ولكن حين وصلته أنباء تقدم المسلمين ناحية قرطبة أسرع إلى طليطلة وحشد حشوده وأرسل قوة عسكرية بقيادة إبن أخته بنشيو وكان أكبر رجاله للتصدى لهم ووقع القتال بالقرب من الجزيرة الخضراء فكانوا عند كل لقاء يهزمون وقتل قائدهم بنشيو وفر من نجا من جنوده في إتجاه الشمال ليخبروا لذريق بما جرى وبفداحة الخطر القادم من الجنوب وحين وصلت رسالة الفارين المنهزمين إلى لذريق وقعت عليه هذه الأنباء وقع الصاعقة فجن جنونه وفي غرور وصلف جمع جيشا قوامه 100 ألف من الفرسان وجاء بهم من الشمال إلى الجنوب يقصد جيش المسلمين وكان طارق بن زياد في سبعة آلاف فقط من المسلمين جلهم من المشاة وعدد محدود جدا من الفرسان فلما أبصر أمر لذريق وجد صعوبة بالغة في أن يواجه جيش قوامه سبعة آلاف جيش أمامه قوامه 100 ألف فأرسل إلى موسى بن نصير يستنجده ويطلب منه المدد فبعث إليه طريف بن مالك على رأس خمسة آلاف آخرين من المشاة أيضا تحملهم السفن وبوصول طريف بن مالك إلى طارق بن زياد أصبح عدد الجيش الإسلامي 12 ألف مقاتل وبدأ طارق بن زياد يستعد للمعركة فكان أول ما صنع أن بحث عن أرض تصلح للقتال حتى وجد منطقة تسمى وادى برباط وتسميها بعض المصادر أيضا وادي لكة ولذا فإن المعركة التي ستقع بين الجيش الإسلامي وجيش لذريق تسمي معركة وادى برباط أو وادى لكة وأيضا يطلق عليها معركة شذونة وكان لإختيار طارق بن زياد لهذا المكان أبعاد إستراتيجية وعسكرية مهمة فقد كان من خلفه وعن يمينه جبل شاهق وبه حمى ظهره وميمنته فلا يستطيع أحد أن يلتف حوله أو يطوقه أو يوقعه في كمين وكان في ميسرته أيضا بحيرة ومن ثم فهي ناحية آمنة تماما ثم وضع على المدخل الجنوبي لهذا الوادى أى في ظهره فرقة قوية بقيادة طريف بن مالك حتى لا يباغت أحد ظهر المسلمين ومن ثَم يستطيع أن يستدرج قوات جيش لذريق من الناحية الأمامية إلى هذه المنطقة حيث سوف لا تكون هناك فرصة أمامهم سوى مواجهة جيش المسلمين من الأمام ونظرا لكونها جبهة ضيقة فلن يستطيع مواجهته إلا بنفس عدده وبلا شك كانت هذه فطنة حربية عسكرية من طارق بن زياد .


ووصل لذريق وجيشه وهو في أبهى زينة يلبس التاج الذهبي والثياب الموشاة بالذهب وقد جلس على سرير محلى بالذهب يجره بغلان فهو لم يستطع أن يتخلى عن دنياه حتى وهو في لحظات الحرب والقتال وقد قدم على رأس مائة ألف من الفرسان وجاء معه بحبال محملة على بغال متصورا أنه سوف يقيد بها أيدى المسلمين وأرجلهم بعد هزيمتهم المحققة في زعمه ثم يأخذهم عبيدا وهكذا صور له صلفه وغروره أنه قد حسم المعركة لصالحه قبل أن تقوم ففي منطقه وبقياسه أن جيش قوامه 12 ألفا يحتاج إلى الشفقة والرحمة وهو أمام جيش قوامه 100 ألف من أصحاب الأرض وفي يوم 28 من شهر رمضان عام 92 هجرية الموافق يوم 19 من شهر يوليو عام 711م بوادى برباط المشار إليه دارت معركة هي من أكبر وأشرس المعارك في تاريخ المسلمين وإن الناظر العادى إلى طرفي المعركة ليدخل في قلبه الشفقة حقا على المسلمين الذين لا يتعدى عددهم 12 ألف مقاتل وهم يواجهون 100 ألف كاملة فبمنطق العقل كيف يقاتلون هذا فضلا عن أن ينتصروا ولكن في حقيقة الأمر شتان بين الخصمين شتان بين فريق خرج طائعا مختارا راغبا في الجهاد وفي نشر دين الله وبين فريق خرج مكرها مضطرا مجبرا على القتال شتان بين فريق خرج مستعدا للإستشهاد مسترخصا الحياة من أجل عقيدته متعاليا على كل روابط الأرض ومنافع الدنيا أسمى أمانيه الموت في سبيل الله وبين فريق لا يعرف من هذه المعاني شيئا وأسمى أمانيه العودة إلى الأهل والمال والولد شتان بين فريق يقف فيه الجميع صفا واحدا كصفوف الصلاة الغني بجوار الفقير والكبير بجوار الصغير والحاكم بجوار المحكوم وبين فريق يمتلك فيه الناس بعضهم بعضا ويستعبد بعضهم بعضا فهذا فريق يقوده رجل يعرف ربه ويخشاه وهو طارق بن زياد والذى يجمع بين التقوى والكفاءة وبين الرحمة والقوة وبين العزة والتواضع وذاك فريق يقوده متسلط مغرور يعيش مترفا منعما بينما شعبه يعيش في بؤس وشقاء وقد ألهب ظهره بالسياط هذا جيش توزع عليه أربعة أخماس الغنائم بعد الإنتصار وذاك جيش لا ينال شيئا وإنما يذهب كله إلى الحاكم المتسلط المغرور وكأنما حارب وحده هذا فريق ينصره ويؤيده الله ربه خالق الكون ومالك الملك طالما كان هذا الفريق طائعا لله وذاك فريق يحارب الله ربه ويتطاول على قانونه وشرعه وبإيجاز فهذا فريق الآخرة وذاك فريق الدنيا فعلى من تكون الشفقة إذن .


وهكذا ففي اليوم المذكور بدأت معركة وادى برباط أو وادى لكة أو معركة شذونة غير المتكافئة ظاهريا والمحسومة بالمنطق الرباني وقد بدأت في شهر الصيام والقرآن الشهر الذي إرتبط إسمه بالمعارك والفتوحات والإنتصارات الخالدة مثل غزوة بدر الكبرى وفتح مكة ومعركتي البويب ونهاوند ضد الفرس وغيرها وعلى مدى ثمانية أيام متصلة دارت رحى الحرب وبدأ القتال الضارى الشرس بين جيش المسلمين وجيش لذريق حيث إنهمرت أمواج من قوات لذريق على المسلمين والمسلمون صابرون صامدون رجال صدقُوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر ومابدلوا تبديلا كما يقول الله سبحانه وتعالي في كتابه العزيز وعلى هذه الحال ظل الوضع طيلة ثمانية أيام متصلة إنتهت بنصر مؤزر للمسلمين بعد أن علم الله صبرهم وصدق إيمانهم حيث سطر المسلمون بقيادة طارق بن زياد ملحمة كبرى من ملاحم الجهاد التي لم تشهدها بلاد المغرب والأندلس من قبل ثمانية أيام تتلاطم فيها السيوف وتتساقط فيها أشلاء القتلى والشهداء لقد قاتل الجيش القوطي قتالا شديدا يعبر عن شدة بأس وقوة شكيمة ولكن هيهات أن تصمد تلك القوة أمام صلابة الإيمان وقوة العقيدة التي يتحلى بها الجيش المسلم واثقا بربه متيقنا النصر ويصف المؤرخ المراكشي إبن عذارى جيش المسلمين وهم في هذا الجو المتلاطم في المعركة فيقول خرج إليهم طارق بجميع أصحابه رجالة ليس فيهم راكب إلا القليل فإقتتلوا قتالا شديدا حتى ظنوا أنه الفناء وفي نفح الطيب يقول المقرى كانت الملاقاة يوم الأحد لليلتين بقيتا من شهر رمضان فإتصلت الحرب بينهم إلى يوم الأحد لخمس خلون من شوال بعد تتمة ثمانية أيام ثم هزمَ الله المشركين فقتل منهم خلق عظيم أقامت عظامهم بعد ذلك بدهر طويل ملبسة لتلك الأرض وأما لذريق فقيل إنه قتل وفي رواية إنه فر إلى الشمال لكن ذكره إختفى إلى الأبد وتشير بعض المصادر إلى أن طارق بن زياد هو من قتل لذريق بيده إذ رماه برمحه فأرداه قتيلا على الفور وجعل يصيح قتلت الطاغية قتلت لذريق وكانت الحقيقة التي أثبتتها هذه المعركة وغيرها من المعارك الحاسمة في التاريخ الإسلامي أن المسلمين لا ينتصرون بكثرة عدة أو عتاد بل ينتصرون بقوتهم الإيمانية حيث إن هذا الفتح وغيره من الفتوحات سواء في العراق أو الشام يعود إلى قوة المسلمين بتمكن العقيدة وتغلغل معانيها في نفوسهم وإن تفوق المسلمين مستمد دوما من إيمانهم بعقيدتهم وليس من سوء أحوال الآخرين كما أن الإسلام ينبع تفوقه وسبقه من ذاتيته القوية وعقيدته النقية وتشريعه المكين لأنه من وحي الله تعالى وجدير بالذكر أن من الأمور التي كانت محل الجدل فيما يرتبط بتاريخ طارق بن زياد مسألة حرقه للسفن التي عبر عليها للأندلس ليقطع طريق العودة على جنوده ويدفعهم للإستبسال في القتال أمام العدو وهي رواية محل شك كبير جدا نظرا لكونها غير منطقية ولا تتفق مع أى أصول أو قواعد عسكرية فلا يعقل أن يغامر قائد عسكرى محنك بقطع طريق العودة لجنوده إذا كانت المعركة في غير صالحه ورأى أن الأصوب هو الإنسحاب منها وإعادة تجميع وتعبئة جيشه إستعدادا لجولة أخرى كما أن هذه الرواية لم ترد إلا في مصدر وحيد وذلك خلال القرن الثالث عشر الميلادى أى بعد فتح الأندلس بحوالي 5 قرون .


وكان لهذه المعركة عدة نتائج هامة أولها أن بلاد الأندلس قد طوت صفحة من صفحات الظلم والجهل والإستبداد وبدأت صفحة جديدة من صفحات الرقيِ والتحضر كما غنم المسلمون في هذه المعركة غنائم عظيمة كان أهمها الخيول فأصبحوا خيالة بعد أن كانوا رجالة أو مشاة وذلك بالإضافة إلي أن هذه المعركة بدأها المسلمون وعددهم 12 ألف مقاتل وإنتهت المعركة وعددهم تسعةُ آلاف فكانت الحصيلة ثلاثة آلاف من الشهداء رووا بدمائهم الغالية أرض الأندلس فأوصلوا هذا الدين ونشروه بين الناس فجزاهم الله خيرا وهم في الجنة بإذن الله تعالي ومن الأمور المهمة التي يجب الإشارة إليها أيضا أن مهمة الفتح الإسلامي لا تنتهي أو تتوقف عند النصر الحربي بل بعده تبدأ مهمة أساسية كبرى وهامة تمثل الهدف الرئيسي من الفتوحات وذلك ببيان الإسلام والدعوة إليه وتوصيل رسالة الإسلام السمحة إلي أهل البلاد المفتوحة التي كان يمنع وصولها إليهم حكامهم الطغاة وهي مهمة ما بعد الفتح على لسان الفاتحين وتجسيد هذه الرسالة في سلوكهم وتصرفاتهم وتعاملاتهم مع أهل البلاد المفتوحة ومن يرد منهم أن يدخل في الإسلام فأهلا به ومرحبا ومن لا يريد ويفضل أن يبقي علي دينه فلا إكراه في الدين ولا ينتقص من حقوقه شئ وله ما للمسلمين وعليه ما عليهم وفي المقابل خسر القوط في معركة وادى لكة خسائر فادحة سواء في الأفراد أو العتاد كما كان إنتصار المسلمين في معركة وادي لكة بداية لإستكمال مسيرة الفتوحات الإسلامية ببلاد الأندلس حيث تمكن المسلمون بعد ذلك من أن تكون لهم السيادة على شبه الجزيرة الأيبيرية بأكملها ما عدا بعض المناطق والجيوب الصغيرة .
 
 
الصور :