بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
وبعد معركة وادى لكة والنصر الذى حققه المسلمون إستمر بعد ذلك زحف جيش طارق بن زياد من أجل مزيد من الفتوحات ببلاد الأندلس وفي نفس الوقت تناهى إلى أسماع المسلمين في بلاد المغرب والشام ومصر أنباء إنتصار طارق بن زياد ببلاد الأندلس فتطوع الكثير من أهل تلك البلاد للحاق به والمساهمة معه في فتح باقي بلاد الأندلس ومن ثم فقد إزدادت قوة المسلمين بعد معركة وادى لكة وإرتفعت معنوياتهم بعد ذلك الإنتصار الذى تحقق في المعركة المذكورة ومن جهة أُخرى أصاب القوط الإرتباك والذعر الأمر الذى أتاح لطارق بن زياد أن يستغل هذا الوضع كي لا يتيح للجيش القوطي فُرصة لِإعادة التنظيم والتجمع ويدعم سيطرته على جنوبي الأندلس فبدأ ما يمكن تسميته بحرب المدن حيث تمكن المسلمون من فتح مدينة شذونة بمقاطعة قادس جنوبي الأندلس بعد إنتهاء معركة وادى لكة ثم توجهوا نحو مدينة إستجة بمقاطعة إشبيلية بجنوب بلاد الأندلس والواقعة على الطريق المؤدى إلى مدينة قرطبة والتي إحتشدت فيها فلول القوط الهاربة في محاولة لمنع المسلمين من دخولها وفتح طارق بن زياد في طريقه مدينة مورور في منطقة إشبيلية ولما وصل إلي إستجة ضرب الحصار عليها ونظرا لمناعتها إضطر إلى طلب المساعدة من يوليان الذى كان آنذاك في الجزيرة الخضراء فجاء سريعا وإشترك معه في الحصار وجرت مناوشات شديدة بين المسلمين وحامية المدينة وبعد مرور عدة أشهر من الحصار أدرك حاكم المدينة صعوبة الإستمرار في المقاومة فإستسلم ودخل المسلمون المدينة وفرضوا الجزية على سكانها بعد تأمينهم على حياتهم ودينهم وكنائسهم وأديرتهم وهربت فلول القوط إلى مدن أخرى وإنضم إلى طارق بن زياد في إستجة جمع غفير من الساخطين على النظام الملكي القوطي ممن فضلوا التحالف مع المنتصر على ذُل العبودية وقدم له اليهود العون العسكرى كأدلاء وأرشدوه إلى أيسر الطرق والمسالك عبر أراضي الأندلس الشاسعة بالإضافة إلى الخدمات المدنية مستبشرين بزوال حكم القوط ونجاتهم من إضطهادات رجال الحكم البائد من المسيحيين الكاثوليك فكان هذا الدور نابعا من موقفهم من النظام القوطي الذى أضر كثيرا بمصالحهم التجارية والمصرفية ومع ذلك فقد بولغ بالدور الذي ساهم به هؤلاء في الفتح لا سيما من قبل بعض المؤرخين الأسبان بهدف محاولة التلميح بأن المسلمين لم يتمكنوا من فتح بلاد الأندلس لولا مساعدة اليهود .
وبعد أن فتحت المدن القوطية الواحدة تلو الأخرى وصل الجيش الإسلامي إلى مشارف مدينة طليطلة عاصمة القوط الغربيين وبعد ذلك توغل طارق بن زياد في البلاد ففتح مدينة قرطبة في أوائل عام 93 هجرية الموافق أوائل عام 712م حيث وجد أن الطريق قد أصبح مفتوحا للزحف إلى قرطبة غير أنه في البداية عدل عن خطته وقرر التوجه نحو طليطلة عاصمة القوط بسبب ما إستجد فيها من أحداث حيث برز التنافُس بين الجماعتين المتنافرتين جماعة لذريق وجماعة آل غيطشة ذلك أن الهيئات الحاكمة كانت قد بدأت تعيد تنظيم صفوفها للتصدى للمسلمين بعد أن تناهت إلى أسماعها الشائعات بِأن لذريق لم يقتل وفي الوقت نفسه راح أنصار آل غيطشة يعقدون الإجتماعات بدورهم في طليطلة ويتشاورون فيما بينهم لِإعلان أحدهم ملكا بدلا من لذريق المهزوم وبذل كبيرهم أخيلا الثاني جهدا كبيرا في محاولة لإقناع مجلس المدينة بالإعتراف به ملكا وسط الذعر الذى أصاب الجميع عقب الهزيمة من المسلمين لذا كان على طارق بن زياد أن يزحف بسرعة إلى عاصمة القوط قبل أن يتمكن أى طرف من الطرفين المتنازعين من السيطرة عليها مما قد يصعب على المسلمين مواجهة الموقف وكان من المعروف أن آل غيطشة قد ظلوا متوهمين بأن المسلمين لم يدخلوا الأندلس ليستقروا فيها بل لمساعدتهم على إستعادة الحكم مقابل الحصول على الغنائم ونظرا لأهمية قرطبة في إحكام السيطرة على جنوبي بلاد الأندلُس إستجاب طارق بن زياد إلى نصيحة يوليان الذى قال له قد فتحت الأندلس فخذ من أَصحابي أَدلاء ففرق معهم جيوشك وسر معهم إلى مدينة طليطلة فقسم طارق الجيش الإسلامي أربعة فرق عسكرية وبعث الفرقة الأولي وكانت تقدر بِسبعمائة فارس بِقيادة مغيث الرومي مولى عبد الملك بن مروان وأرسلهم إلى قرطبة لفتحها وعسكر مغيث الرومي في قرية شقندة على بعد ثلاثة أميال من قرطبة وأرسل الجواسيس للوقوف على أوضاعها فعلم بِأن النبلاء غادروا المدينة ولم يبق فيها سوى الضعفاء وحامية عسكرية تقدر بأربعمائة مقاتل بقيادة حاكم المدينة فزحف إليها وضرب حصارا عليها وإقتحمها ففرت حاميتها إلى كنيسة تقع في غربي المدينة وتحصنت فيها فضرب مغيث الرومي الحصار عليها وضيق على من فيها وقطع الماء عنهم وإستمرَ الحصار مدة ثلاثة أشهر ساءت خلالها أحوال المحاصرين وإضطروا إلى إخلائها والإحتماء بجبل قرطبة وما أن خرج حاكم المدينة من الكنيسة حتى شاهده مغيث الرومي فطارده وقبض عليه فلما شاهد أفراد الحامية ما حل بقائدهم إستسلموا فقتلهم مغيث الرومي وأبقى على حياة القائد لكي يسلمه إلي الخليفة أما مصير السكان الذين إحتموا بالكنيسة فتقول إحدى الروايات إن مغيث الرومي أمنهم على حياتهم وممتلكاتهم ودينهم وفي روايةً أُخرى أنه دعاهم إلى الإسلام أو الجزية فرفضوا عندئذ أضرم النار في الكنيسة فإحترقوا وسميت هذه الكنيسة بكنيسة الحرقى أو كنيسة الأسرى والتي إستمر المسيحيون في الأندلس يعظمونها لتحمل الذين كانوا فيها الحصار وشدة البلاء ولا نظن أن هذه الرواية صحيحة فليس هذا سلوك المسلمين مع سكان أي بلد فتحوها سواء في العراق أو في الشام أو في أفريقية أو في بلاد الأندلس بل كانوا يؤمنون السكان علي أرواحهم وممتلكاتهم وأموالهم ودور عبادتهم ويخيرونهم بين الدخول في الإسلام أو الجزية نظير قيام المسلمين بحمايتهم والدفاع عنهم .
وقام طارق بن زياد بإرسال الفرقة العسكرية الثانية إلي مالقة على الشاطئ الجنوبي من الأندلُس ثم بعث الفرقة الثالثة إلى إلبيرة وأمر قائدها بِأن يتابع طريقه بعد ذلك إلى مرسية ثم سار هو بالفرقة الرابعة ِفي إتجاه طليطلة وكان قد جعل في كل من الفرق العسكرية الأربعة أدلاء من أصحاب يوليان وإستطاعت الفرقة العسكرية الثانية التي توجهت إلى مالقة فتحها وجميع أعمالها فتحا يسيرا هينا بعد أن هربت حاميتها من القوط والفرنجة إلى جبال رية وإعتصموا بها ولم يجد المسلمون في مالقة يهودا وأما الفرقة العسكرية الثالثة المكلفة بالإتجاه إلي إلبيرة فقد توجهت أولا جنوبا نحو شذونة ثم إتجهت شرقا نحو غرناطة مدينة كورة إلبيرة ففتحتها أيضا فتحا هينا لأن كثيرا من أهلها كانوا يهودا وقد إستعان المسلمون بهم على ضبط المدينة وإدارتها ومساندة الحامية الإسلامية فيها وكان في الجيش الذي فتح مدينة غرناطة المجاهد ومخطط المساجد المشهور حنش بن عبد الله الصنعاني فأسس فيها مسجدا ثم سار الجيش نفسه الذي كان قد سار إلى غرناطة إلى مرسية في جنوب شرق الأندلس وكان في مرسية نبيل قوطي عرفه المسلمون بإسم تدمير بن عبدوس ويلفظ في لغته الأُم ثيوديمير أو تيودمير وكان هذا النبيل يعيش شبه مستقل في تلك المنطقة منذ أيام لذريق الذى قيل إنه قد إستخلفه على الأندلس قبيل إنطلاقه إلي معركة وادى لكة وقال له قد وقع بأَرضنا قوم لا ندرى من أَهل الأرض هم أم من السماء وإختار تدمير هذا أن يقاوم المسلمين فإنهزم أمامهم هزيمة منكرة في قرطاجنة وهي ثغر مدينة مرسية حتى كاد جيشه أن يفنى وعندئذ إنسحب بمن بقي معه إلى مدينة أوريولة وعمد إلى الحيلة فأمر النساء فنشرن شعورهن ثم أعطاهن أعواد القصب ليوهم المسلمين أنها رماح وأوقفهن على سور المدينة وأوقف معهن بقية الرجال ممسكين بأعواد القصب لكي يوهم المسلمين بأن في المدينة حماة كثيرين كما ذهب بنفسه إلى قائد جيش المسلمين متنكرا على هيئة رسول للتفاوض معهم علي أن يسلمهم المدينة صلحا فإستأمن على نفسه وما يملك من بلاد فأمنه المسلمون على ذلك كله وعقد عبد العزيز بن موسى بن نصير بينه وبين تدمير معاهدة صلح وبعد أن تسلمها تدمير فبموجبها أدخل المسلمين إلى مدينة أوريولة بجنوب شرق الأندلس فرأوا ما فيها من ضعف الحامية وأدركوا خدعة تدمير وعلموا أنه كان بإمكانهم دخول المدينة عنوة فأسفوا لما حدث ولكنهم كعادة المسلمين الذين يوفون دائما بعهودهم وفوا بالعهد لتدمير وبما كانوا قد إتفقوا عليه في كتاب الصلح المشار إليه .
وأما الفرقة العسكرية الرابعة والتي كان علي رأسها طارق بن زياد فقد عبرت نهر الوادى الكبير الذى يجرى بمقاطعة الأندلس جنوبي البلاد وتقدم نحو الشمال عبر الطريق الروماني القديم المسمى طريق حنبعل نسبة إلى القائد القرطاجي حنبعل أو هنيبعل الذى مر عبره أثناء حملته على روما خلال الحروب البونيقية التي قامت بين مدينتي روما وقرطاج من عام 264 ق.م وإستمرت 118 عاما أى حتي عام 146 ق.م ووصل أمام العاصمة القوطية طليطلة وكانت المدينة خالية ممن يحميها أو يدافع عنها حيث كانت قد فرت منها حاميتها مع كبار رجال الدولة عندما علموا بتقدم المسلمين بإتجاه مدينتهم في جو من الإرتباك من واقع عدم قدرتهم على الصمود والمقاومة فهرب حاكمها إلى مدينة خلف الجبل يقال لها ماية وكذلك كان أُسقفها سندريد قد تركها أيضا ولحق بروما كما غادرها معظم السكان بإستثناء اليهود فدخلها طارق بن زياد من دون قتال وبعد أن تعرف على أوضاعها ترك فيها حامية عسكرية وغادرها بإتجاه الشمال لتعقب فلول الفارين والهاربين فسلك الطريق نحو مدينة وادى الحجارة بوسط بلاد الأندلس وإجتاز الجبل عبر أحد ممراته ووصل إلي قرية تقع خلف الجبل على مقربة من قلعة تسمي هنارس أطلق المسلمون عليها إسم المائدة لِأنهم عثروا فيها على كنز ثمين عبارة عن أواني ذهبية مرصعة بالجواهر والأحجار الكريمة تشبه أواني الموائد التي يستعملها الملوك عادة فنسبوها إلى النبي سليمان بن داود عليهما السلام وبعد ذلك تابع المسلمون توغلهم في منطقة وادى الحجارة وفتحوا قلعة هنارس ثم عاد طارق بن زياد بجيشه إلى طليطلة لِيقضي فيها فصل الشتاء وليدرس خطة المرحلة التالية من الفتح على ضوء ما يستجد من تعليمات موسي بن نصير والي أفريقية ومع ذلك فهناك روايات تشير إلى أنه إستمر في زحفه حتى وصل إلى مدينة أماية في منطقة برغش في إقليم كنتبرية في أقصى شمال شبه الجزيرة الأيبيرية وتابع تقدمه إلى مدينة أسترقة في إقليم أشتوريس بشمال غرب الأندلس حيث إستقر بها حتى وافاه موسى بن نصير فيما بعد ويذهب بعض المؤرخين المحدثين أنه إسترسل في التقدم حتى أشرف على مدينة خيخون المطلة على خليج غسقونية أو بسكاى بشمال شرق المحيط الأطلسي قرب الحدود الأسبانية الفرنسية حاليا والواقع أنه كان من الصعب على طارق بن زياد أن يصل إلى تلك المناطق النائية عبر أراض جبلية وبِخاصة أن جيشه قد أجهده المسير الطويل والشاق وهو مثقل بالغنائم وقد أضحى فصل الشتاء على الأبواب كما أنه لم يكن قد ثبت أقدامه في الأراضي المفتوحة ولا شك في أنه أدرك أن إبتعاده عن طليطلة ربما يشجع أعداءه على إعادة تنظيم صفوفهم وإسترداد ما خسروه يضاف إلى ذلك أنه لم يكن هدفه آنذاك تعقب الفارين بعد أن حصروا أنفسهم في إقليم أشتوريس بقدر ما كان هدفه تصفية مراكز المقاومة في المناطق المفتوحة وتثبيت أقدامه فيها خشية عودتهم إلى تهديد العاصمة طليطلة لذلك كانت إقامته في طليطلة ضرورية لِتحقيق هذا الهدف وهكذا ففي أقل من سنة فتح المسلمون جنوبي شبه الجزيرة الأيبيرية ووسطها وثبتوا أقدامهم في أرض بلاد الأندلس وزلزلوا أركان المملكة القوطية المتداعية .
وبعد هذه الفتوحات تشجع طارق بن زياد على أن يكتب إلى موسى بن نصير يخبره بما حقق من إنتصارات ويخبره بِأن الطريق بات مفتوحا أمامه للولوج إلى قلب البلاد فأرسل موسى بن نصير بدوره تقريرا مفصلا إلى الخليفة الوليد بن عبد الملك في العاصمة الأموية دمشق يصف فيه الإنتصار الكبير الذى أكسب الإسلام أرضا جديدة وقال لم يكن هذَا فتحا ككغيره من الفتوح يا أَمير المؤمنين فإِن الواقعة كانت أشبه بإجتماع الحشر يوم القيامة لما قرأ الخليفة كتاب موسي بن نصير خر ساجدا شكرا لله تعالى وسمح للقادة المسلمين بمواصلة مسيرة الفتوحات ببلاد الأندلس وكان رد الفعل لنجاح طارق بن زياد في الفتوحات التي تمت ببلاد الأندلس كبيرا في شمالي قارة أفريقيا حيث توجه البربر إلى بلاد الأندلس بعد سماعهم بإنتصارات المسلمين هناك وبدأوا بالإستقرار في المناطق السهلية من البلاد لا سيما تلك التي هجرها سكانها الأصليين الذين هربوا إلى القلاع والحصون وكان موسى بن نصير يتابع تحركات طارق بن زياد العسكرية خطوة خطوة ويبدو أنه أدرك خطورة الإنتشار الواسع للقوات الإسلامية بدون تغطية عسكرية كافية وتأمين تحركاتها وخطوط مواصلاتها وإمداداتها الأمر الذى يسهل على العدو مهاجمتها من دون أن تتمكن من إتخاذ وسائل الدفاع المناسبة عن نفسها فتضيع ثمرات النصر ذلك لأن خطوط مواصلاتها بين طليطلة والجزيرة الخضراء وبلاد المغرب كانت غير آمنة حيث كانت لاتزال توجد معاقل كبرى للقوط مبعثرة على إمتداد تلك الخطوط لم تخضع للمسلمين وكانت أيضا ما زالت جماعات من القوط تحكم المدن الواقعة وراء خطوط مواصلاتهم وتنتظر الوقت المناسب للإنقضاض عليهم كما يبدو أنه قد رأى أن قائده قد إستنفذ طاقاته القتالية بعد الجهد الكبير الذى بذله وبِخاصة أن عدد جنوده لم يكن كافيا لفتح تلك البلاد الواسعة والدفاع عن الإنتصارات والمنجزات المكتسبة وأنه لا بد من دعمه بمدد عسكرى وبالفعل فقد أغرت سهولة الفتح طارق بن زياد وأطمعته في مواصلة الفتح دون أن يؤمن ظهره حتى وقع في حصار كبير من قبل القوط فبعث برسالة إستغاث فيها بالقائد موسى بن نصير طالبا منه المدد وأيضا لتعويض النقص في عدد الجنود ولتوطين ما يلزم من الرجال في المدن حديثة الفتح حتى يدافعوا عنها وكان نصها إن الأمم قد تداعت علينا من كل ناحية فالغوث الغوث وكان هذا ما توقعه موسي بن نصير وهنا قرر أن يعبر بنفسه لنصرة المسلمين بالأندلس فإستخلف إبنه عبد الله على القيروان ثم غادرها على رأس جيش يقدر بثمانية عشر ألف مقاتل معظمهم من القبائل العربية اليمنية والقيسية والشامية وضم أعدادا كبيرة من رجال قريش البارزين الذين كانوا في مناصب القيادة في القيروان إضافةً إلى الإداريين ورجال الدين وذوى الرأى والمشورة وبقية القادة المشهورين أمثال محمد بن أوس الأنصارى وحبيب بن أبي عبيدة الفهرى وعياش بن أخيل وعبد الجبار بن أبي سلمى الزهرى وإصطحب معه أيضا عددا من أولاده وكان ذلك في شهر رجب عام 93 هجرية الموافق شهر أبريل عام 712م وعبر مضيق جبل طارق وعسكر في الجزيرة الخضراء في شهر رمضان عام 93 هجرية الموافق شهر يونيو عام 712م ومكث بها عدة أيام عقد خلالها إجتماعا مع يوليان وناقش معه التطورات المستجدة وجرى تقييم حملة طارق بن زياد وزوده يوليان باِلمعلومات اللازمة عن المعاقل الهامة في المناطق التي ما زالت خارج نطاق السيطرة الإسلامية وبخاصة مدينة إشبيلية بالإضافة إلى تعريفه بأفضل الطرق التي عليه أن يسلكها وتقرر إعتماد الطريق الغربي المؤدى إلى إشبيلية وهو غير الطريق الذى سلكه طارق بن زياد وذلك بهدف غزو غربي بلاد الأندلس وإحكام السيطرة على المنطقة وبخاصةً أنها كانت مأوى معظم الفلول الهاربة من الجيش القوطي وفي ضوء ذلك قام موسي بن نصير بتوزيع المهمات العسكرية على قادته .
وقبل أن يغادر موسى بن نصير الجزيرة الخضراء أمر بوضع حجر الأساس لبناء مسجد هناك تخليدا لذكرى حملته هذه سمي بمسجد الرايات وتقدمت القوات الإسلامية على الطريق المؤدى إلى إشبيلية فأعادت إخضاع شذونة بعد أن خرج أهلها عن طاعة المسلمين فحاصرهم موسى بن نصير حتى أذعنوا من جديد كما فتحت قلعة رعوان ثم سار المسلمون إلى مدينة قرمونة بمقاطعة إشبيلية جنوب بلاد الأندلس والمشهورة بحصانتها لذا إستخدم موسى بن نصير الحيلة في فتحها فأرسل بعض الجند على هيئة المنهزمين ومعهم السلاح فأظهروا لحاميتها أنهم أصدقاء جاءوا فرارا من المسلمين فسمح لهم أفراد الحامية بالدخول وما أن حل الليل حتى هاجم هؤلاء الحراس وفتحوا أبواب المدينة للجيش الإسلامي الذى دخلها وسيطر عليها وقد أمن فتح قرمونة إقامة خط عسكرى يربط الجزيرة الخضراء بكل من شذونة وقرمونة وإستجة وقرطبة مدعما بمراكز عسكرية بالإضافة إلى سيطرة المسلمين على المراكز الدفاعية الأمامية لإشبيلية وتقدمت القوات الإسلامية بعد ذلك إلى إشبيلية التي تعد من أكبر مدن القوط بعد العاصمة طليطلة ومصدر الخطر الأكبر المباشر على القوات الإسلامية التي كانت تحت قيادة طارق بن زياد في الداخل ونقطة إلتقاء الطرق الهامة في جنوبي بلاد الأندلس لا سيما تلك التي تربط الجزيرة الخضراء بداخل البلاد وضربوا عليها حصارا مركزا إستمر بضعة أشهر دافع خلالها القوط عن مدينتهم بضراوة مما يدل على خطورة مركز القوط بها وإستعدادهم لمقاومة المسلمين ولم تسقط المدينة إلا بعد أن تلقى موسى بن نصير مساعدات من الداخل حيث قام اليهود في المدينة بدورهم المتفق عليه لمصلحة المسلمين كما أدى أُسقفها أوپاس دورا في ذلك وفرت حاميتها إلى مدينة باجة المجاورة وإنضمت إلى جموع القوط بها وقد أمن فتح إشبيلية المركز المسيطر عسكريا على جنوبي الأندلُس وحرم القوط من قطع خطوط مواصلات المسلمين وقد شكلت المدينة بفعل أهمية موقعها إحدى القواعد الدفاعية الكبرى للمسلمين في بلاد الأندلس وواصل المسلمون تقدمهم حتى ماردة الواقعة في شمال غربي بلاد الأندلس في منطقة وعرة المسالك وكانت ماردة هذه آخر العواصم القديمة الأربع للقوط بعد طليطلة وإشبيلية وقرطبة وكانت حصينةً جدا إذ أحاط بها سور منيع وإحتشدت فيها بقايا القوط وأنصار الملك السابق لذريق فمضى إليها موسى بن نصير فقاتله أهلها قتالا شديدا على نحو ميل منها أو أكثر قليلا وكان أهلُ ماردة يخرجون لقتال المسلمين نهارا ثم يلجأون إلى المدينة ليلا وفي ذات ليلة أكمن موسى الرجال والخيل في حفر كانت عبارة عن مقالع يقطع منها أهل ماردة الحجارة فلما خرج الأهالي في اليوم التالي على عادتهم لقتال المسلمين أطلق عليهم موسى الكمائن من الرجال والخيل حتى أوقع بهم هزيمةً منكرة فإنسحبوا نهائيا إلى المدينة وجعلوا يقاتلون المسلمين من وراء سورها . وضرب المسلمون الحصار على المدينة بضعة أشهر قيل إنه أطول حصار عرفه المسلمون في الأندلس ثم أمر موسى بن نصير بصنع دبابة فدب المسلمون تحتها حتى وصلوا إلى أحد أبراج المدينة وبينما كانوا ينقبون السور إصطدموا بصخرة صماء طال نقبهم إياها حتى تنبه أهل ماردة فهاجموهم فهلك جميع المسلمين الذين كانوا تحت الدبابة وشدد موسى الحصار على المدينة حتى يئس أهلها من الصمود في وجه المسلمين فهرب نفر منهم خفيةً إلى جليقية في الشمال الشرقي من شبه الجزيرة الأيبيرية ومال الذين آثروا البقاء في مدينتهم إلى طلب الصلح فأرسلوا وفدا إلى موسى بن نصير للتفاوض بشأن الإستسلام وأسفرت المفاوضات عن عقد معاهدة بين الجانبين جاء فيها ضمان المسلمين سلامة جميع الأهالي سواء الذين يفضلون البقاء في ماردة أو مغادرتها إلى مكان آخر وضمان الحرية الدينية للسكان وعدم إرغامهم على إعتناق الإسلام والحفاظ على كنائسهم من أن تهدم وتسليم الأهالي جميع ممتلكات وأموال الذين قتلوا في الحرب إلى المسلمين بالإضافة إلى تلك الخاصة بالهاربين من القوط إلى جليقية والأموال والحلي التي كانت بالكنائس ذلك لأن القوط كانوا يجعلون من الكنائس قلاعا يحاربون المسلمين من وراء جدرانها فقبل أهل ماردة بذلك ووقعوا على الإتفاق وفي يوم 1 شوال عام 94 هجرية الموافق يوم 30 يونيو عام 713م فتح سكان المدينة مدينتهم إلى المسلمين فدخلوها ونشروا راية السلام بها وبعد سقوط المدينة نظم موسى بن نصير حاميتها العسكرية من العرب والبربر من دون اللجوء إلى جاليتها اليهودية الكبيرة ولعل هذا مؤشر على أهمية المدينة من جهة وبداية السيطرة الإسلامية المركزة على مرافق البلاد من جهة أخرى وحتي ذلك الوقت ظلت فلول القوط المهزومة التي إلتجأت إلى المدن المجاورة خارج نطاق السيطرة الإسلامية فأخذت تراقب تحركات المسلمين وتنتظر الفرصة المناسبة للإنقضاض على الحاميات الإسلامية في المدن المفتوحة لإستردادها وبدأت بإشبيلية فهاجمتها وقتلت معظم أفراد حاميتها البالغ عددهم نحو ثمانين رجلا في حين غادر الباقون المدينة ولحقوا بموسى في ماردة وكانت هذه الحركة أول رد فعل قوطي ضد السيادة الإسلامية وعنوانا على شدة مقاومة القوط والخطر الذى كان سيتعرض له طارق بن زياد لولا مجئ موسى بن نصير لإنقاذ الموقف وما أن إنتهى موسى بن نصير من فتح ماردة حتى أرسل إبنه عبد العزيز على رأس قوة عسكرية إلى إشبيلية لقمع التمرد ونجح عبد العزيز في القضاء على الثورة وأعاد الأُمور إلى نصابها وحتى يطهر المنطقة المجاورة من المقاومة القوطية هاجم مدن لبلة بمقاطعة أندلوسيا جنوب أسبانيا حاليا وباجة بجنوب شرق الربتغال حاليا وأكشونبة وهي مدينة فارو بالبرتغال حاليا الواقعة على شاطئ البحر والتي كانت تهدد إشبيلية فدخلها وقضى على كل أثر للمقاومة فيها وإحتاط للأمر فترك فيها حامية عسكرية تحسبا فيما لو كرر القوط محاولتهم فإستقامت أمور هذه النواحي الغربية وإستقرت للمسلمين وعاد عبد العزيز إلى إشبيلية حيث تركه والده فيها ليقضي على ما قد يظهر في نواحيها من مقاومة وقد لفتت شدة مقاومة القوط إنتباه موسى بن نصير وحتى يدعم منجزات وإنتصارات المسلمين في بلاد الأندلس رأى ضرورة وضع المدن القوطية المفتوحة في أيدى قادة من المسلمين بدون الإعتماد على السكان المحليين أو غيرهم من الجماعات التي إنضمت إليه أثناء زحفه فعين عبد الجبار بن أبي سلمى الزهرى قائد ميسرة جيشه واليا على باجة .
ومكث موسى بن نصير في مدينة ماردة مدة شهر أراح فيها جنده قبل أن يستأنف السير إلى طليطلة وإستدعى طارق بن زياد ليقابله في الطريق وفي رواية أُخرى أن طارق علم بقدوم موسى إلى طليطلة فخرج منها لإستقباله فإنحدر منها في حوض نهر تاجة حتى لقي سيده في مكان يدعى المعرض يقع بين نهرى تاجة والتيتار وهو كورة من كور مدينة طلبيرة على بعد سبعين ميلا إلى الغرب من طليطلة وعقد الرجلان مجلسا عسكريا قيما فيه الموقف العسكرى العام وناقشا خطة المرحلة التالية من الفتح وما سيتم فتحه في المستقبل ويكاد يجمع المؤرخون العرب والمسلمون على أن لقاء موسى بطارق لم يكن وديا في البداية لأسباب مختلفة أهمها توغله في بلاد الأندلس دون تأمين كافي لتحركاته مما عرض المسلمين للتطويق والحصار قبل أن ينجده موسي على أن مراجع أخرى تشير إلى إعتراف موسى بن نصير بمكانة طارق بن زياد وفضله في فتح بلاد الأندلس حيث خاطبه قائلا لن يجازِيك الخليفة الوليد بن عبد الملك على بلائك بأكثر من أن يبيحك الأندلس فإستبحه هنيئا مريئا فقال له طارق أيها الأَمير والله لا أَرجع عن قصدى هذا ما لم أنتهي إِلى البحر المحيط أخوض فيه بفرسي وكان يقصد أنه لن يتوقف عن الجهاد والغزو قبل أن يبلغ المحيط الأطلسي من ناحية شمال شبه الجزيرة الأيبيرية فيضم كل تلك البلاد لديار الإسلام وعاد موسى وطارق إلى طليطلة وقضيا فيها شتاء عام 95 هجرية الموافق لأواخر عام 713م وبدايات عام 714م وفيها سك موسى بن نصير الدراهم والدنانير الأندلسية الأولى وكانت مضروبة باللغة العربية والألفاظ الإسلامية فجعل على إحدى وجهيها بسم الله لا إله إلا الله وحده لا إله غيره وعلى الوجه الآخر هذا الدرهم ضرب في بلاد الأندلس ثم سنة ضربه ولما حل فصل الربيع عام 95 هجرية الموافق عام 714م باشر موسى بن نصير وطارق بن زياد تنفيذ خطتهما القاضية بالسيطرة على الأقاليم الأيبيرية الشمالية الممتدة من سرقسطة في إقليم أرجون شرقا حتى ساحل جليقية على المحيط الأطلسي غربا بِهدف إقامة حاجز دفاعي يؤمن منجزات وإنتصارات المسلمين في جنوب ووسط البلاد وكان من الضرورى أن يتم ذلك عن طريق ِالقضاء على الجماعات القوطية اللاجئة إلى تلك الأقاليم وبخاصة أن المسلمين كانوا يعلمون أنها المأوى الوحيد الذي إلتجأ إليه معظم الفارين لذا كان موسى شديد الحرص على إقتحام تلك المنطقة وفتحها وكانت مدينة سرقسطة بشمال شرق بلاد الأندلس هي أول هدف للحملة فإقتربت منها القوات الإسلامية على حين غفلة من أهلها ففوجئ هؤلاء بالمسلمين يعسكرون أمام مدينتهم فدب الذعر بينهم وبعث إليهم موسى بن نصير من أمنهم وأعطاهم عهده فطابت نفوسهم وفتحوا أبواب مدينتهم للمسلمين وجالت القوات الإسلامية في نواحي إقليم سرقسطة مثل وشقة ولاردة وطركونة وبرشلونة وأقام موسى مدة في المدينة نظم خلالها أوضاعها الإدارية وأنشأ فيها مسجدا خططه التابعي حنش بن عبد الله الصنعاني مهندس المساجد في الغرب الإسلامي وبسيطرة المسلمين على إقليم سرقسطة طويت صفحة التاريخ القوطي في الأندلس ولم يبق أمام المسلمين سوى فتح إقليم جليقية الممتد إلى الغرب من سرقسطة حتى المحيط الأطلسي وهو الإقليم الذي إشتمل على أشتوريس في الوسط وكنتبرية في الشرق وفي الوقت الذى كان فيه موسى بن نصير يتأهب للزحف نحو ذلك الإقليم عاد إليه مغيث الرومي قادما من دمشق حاملا معه أمر من الخليفة إليه هو وطارق بن زياد بالتوقف فورا عن الفتوح ببلاد الأندلس والمثول بين يديه فورا بالعاصمة الأموية دمشق وربما كان ذلك خوفا من الخليفة على المسلمين من كثرة التوغل في تلك البلاد .
ورأى موسى بن نصير أن هذا الأمر والإستدعاء قد جاءا في وقت غير مناسب لأن تعقب القوط لم ينته بعد وكان موسي حريصا على فتح جليقية والقضاء نهائيا على المقاومة القوطية كما أن مغادرة المنطقة كانت تعني المغامرة بمستقبل المسلمين في بلاد الأندلس كلها لذلك تباطأ وتلكأ في الإستجابة لأوامر الخليف وتواطأ مع مبعوثه ليمهله أياما حتى ينتهي من تنفيذ خطته والدخول إلى إقليم جليقية مقابل أن يكون شريكه في أجر فتحها ويهبه موضعا في مدينة قرطبة بجميع أرضه فوافقه مغيث ورافقه في حملته على هذا الإقليم والواقع أن هذا الإتفاق مع مبعوث الخليفة دفع بِموسى أن ينشط في حملته هذه ويسرع من دون أن يضيع وقتا في حصار المدن أو التحايل على من يعصي من سكانها كما كان الشأن من قبل مما طبع حملته بطابع الشدة والقسوة والعنف المقرون بالتدمير وهو ما أشارت إليه الروايات الإسلامية الأمر الذى أدخل الجزع والفزع في قلوب السكان والذين لم يكونوا أصلا بحاجة إلى من يزيدهم ذعرا ورعبا فتسارع أعيانهم وكبارهم إلى الطاعة وطلب الأمان والصلح وقد بدأت هذه الحملة الأخيرة لموسي بن نصير ومعه طارق بن زياد بأن غادر موسى مدينة سرقسطة متوجها إلى إقليم جليقية لفتحه وإصطحب معه طارق بن زياد وسلك المسلمون طريقا يمتد من الضفة الجنوبية اليمنى لنهر إبرة والسفوح الجنوبية لجبال كنتبرية ويمر بالعديد من المدن مثل هارد وبرڤييسكا وأمالية وليون بوسط شمال بلاد الأندلس وينتهي عند مدينة أستورقة وسار طارق بن زياد على رأس قسم من الجيش كطليعة فتقدم بإتجاه مدينة أماية وفتحها ثم فتح مدينة بارد ودخل القسم الجنوبي من إقليم أشتوريس وفتح مدينته الرئيسية أستورقة ثم إقتفى موسى أثره ليؤمن ما فتحه حتى وافاه في مدينة أستورقة حسب الخطة الموضوعة سابقا إذ أشارت الروايات الإسلامية إلى نبأ تلاقيهما فيها ومنها سارا سويا لإتمام فتح أشتوريس وجليقية فإخترقا جبال كنتبرية من إحدى ممراتها ودخلا شمالي أشتوريس وسارا بمحاذاة مجرى نهر نالون وإقتحما المنطقة ثم تقدما نحو الشمال حتى أدركا حصن يسمى حصن لوغو الواقع شمالي مدينة أوبيط بشمال غرب بلاد الأندلس وفتحاه وفرت حاميته إلى مكانٍ جبلي بأقصى شمالي أشتوريس هو صخرة بلاى الواقع في جبل أوسبة الوعر في سلسلة جبال كنتبرية بأقصي شمال بلاد الأندلس وكانت توجد في أعلى هذه الصخرة مغارة أو كهف كوڤا دونكا وأقام موسي بن نصير عدة أيام في حصن لوغو قبل أن يستأنف حملته لفتح ما تبقى من الشمال الأيبيري في أقصر وقت ممكن حيث كان عليه أن يستجيب لأوامر الخليفة لذلك إستقر الرأى على أن يرسل سرية لتعقب الفارين إلى صخرة بلاى في شرقي أشتوريس ثم تواصل التوغل في هذا الإقليم وإلى ما يليه شرقا في المنطقة الشمالية لجبال كنتبرية ثم إنحدر إلى الثغر الأعلى علي الحدود بين الأندلس ومملكة نافارا بجبال البيرينيه بالقرب من شواحل المحيط الأطلسي لتوطيد أقدام المسلمين والقضاء على أى أثر للمقاومة هناك وعين طارق بن زياد على قيادتها أما هو فكان عليه إقتحام إقليم جليقية الواقع إلى الغرب من أشتوريس وتقدم طارق إلى صخرة بلاى في أقصى شمال أشتوريس وجال هناك ففتح بلادها ولاذ الأهالي بالصلح والسلم وبذل الجزية إلا أنه لم يتمكن من فتح الصخرة غير أنه فتح مدينة خيخون الأشتوريسية الواقعة على ساحل بحر كنتبرية على المحيط الأطلسي ومن هناك واصل تقدمه شرقا في بلاد البشكنش أو الباسك الواقعة في جبال البيرينيه الغربية علي الحدود بين فرنسا وأسبانيا حاليا حتى أدرك الثغر الأعلى ثانيةً ولم يفتح إقليم كنتبرية الممتد إلى الشرق من إقليم أشتوريس مباشرة بفعل أنه كان في عجلة من أمره ليلحق بموسى والذى كان في تلك الأثناء قد إقتحم جليقية وأدرك فيها مدينة تعرف أيضا بإسم لوغو وفتحها وأتاه وهو فيها رسول ثان من الخليفة الوليد بن عبد الملك يأمره بِالتوقف فورا عن الفتوح والعودة إلى دمشق بِدون أن يتيح له فرصة فتح ما تبقى من إقليم جليقية وبخاصة قسمه الجنوبي المحصور بين نهرى مينو شمالا ودويرة جنوبا .
وعند هذا الحد إضطر موسى بن نصير للإستجابة لأوامر الخليفة فغادر مسرح العمليات في الشمال بعد أن وضع فيه حاميات عسكرية وإنصرف مصطحبا طارق بن زياد عائدا إلى الجنوب فدخل طليطلة حيث أجرى فيها بعض الترتيبات الإدارية ثم غادرها إلى قرطبة فإشبيلية التي إتخذها قاعدة للمسلمين وعاصمة ولاية الأندلس التليدة وقام بتعيين إبنه عبد العزيز حاكما على بلاد الأندلس نيابة عنه وذلك قبل مغادرته إياها مع طارق بن زياد متوجهين إلي دمشق عاصمة الدولة الأموية تنفيذا لأوامر الخليفة الصادرة إليهما وأمره بمتابعة الجهاد لتوطيد الفتح وترك معه جيشا ونفرا من أنجاد المسلمين ووجوههم منهم حبيب بن أبي عبيدة الفهرى حفيد عقبة بن نافع وكانت مغادرة موسي وطارق لبلاد الأندلس في أواخر عام 95 هجرية الموافق عام 714م وإتجه إلى أفريقية ومعهُ طارق بن زياد ومغيث الرومي والغنائم والسبي فوصل إلى قصر الماء على بعد ميل من القيروان في يوم 10 من شهر ذى الحجة عام 95 هجرية الموافق يوم 25 أغسطس عام 714م وإستخلف إبنه مروان على طنجة وإبنه عبد الله على القيروان وسار إلى المشرق في شهر المحرم عام 96 هجرية الموافق شهر سبتمبر عام 714م في حاشية عظيمة وسبي غفير وغنائم كثيرة فوصل إلى العاصمة المصرية الفسطاط يوم الخميس 25 من شهر ربيع الأول عام 95 هجرية الموافق يوم 9 ديسمبر عام 714م وتابع سيره حتى وصل طبرية بفلسطين ووفد موسى ومعه طارق على الخليفة الجديد سليمان بن عبد الملك بعد وفاة الوليد وهما في الطريق إلي دمشق في شهر جمادى الأولي عام 96 هجرية الموافق شهر فبراير عام 715م وتقول الروايات العربية إن سليمان راسل موسى وهو في طبرية يطالبه بأن يتأنى في القدوم رغبة منه في أن يدخل عليه بموكب الظفر والنصر الذى جاء معه في صدر خلافته حيث كان الوليد بن عبد الملك في مرض موته إلا أن موسى رفض وجد في السير وهنا تختلف الروايات فبعضها يقول بأنه قد أدرك الوليد قبل موته بقليل والبعض يقول إنه وصل دمشق بعد أن أصبح سليمان خليفة وإنه عند قدوم موسى على سليمان أمر هذا الأخير بعزله لعدم إستجابته له عندما راسله وهو في طبرية يطلب منه التأني في الحضور وإتهمه بإختلاس أموال وسجنه وجرده من ألقابه وأغرمه ولم ينقذه سوى شفاعة عمر بن عبد العزيز ويزيد بن المهلب اللذان كانت لهما حظوة عند سليمان بن عبد الملك مذكرين إياه بالتضحيات التي قدمها إلى الإسلام والمسلمين فعفا عنه وضمه إلى مستشاريه أما طارق بن زياد فقد إنقطعت أخباره إثر وصوله إلى بلاد الشام وتضاربت أقوال المؤرخين في نهايته غير أن الراجح أنه لم يول عملا بعد ذلك ويبدو أنه آثر أن يعيش بعيدا عن الأضواء ويمضي باقي أيامه في العبادة والزهد بعيدا عن مسرح الشهرة وضجيج السياسة وصراعاتها وفي العام التالي 97 هجرية الموافق عام 716م خرج موسى بن نصير مع الخليفة سليمان بن عبد الملك لأداء فريضة الحج لكنه مات في الطريق في وادى القرى أو بمر الظهران بمحافظة العلا بالمملكة العربية السعودية حاليا قرب خيبر شمالي المدينة المنورة قبل وصولهما إلي مكة المكرمة وصلى عليه مسلمة بن عبد الملك شقيق الخليفة .
ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن موسي بن نصير يعد من التابعين وقد روى عن الصحابي تميم بن أوس الدارى وروى عنه التابعي يزيد بن مسروق اليحصبي وإلى جانب مواهبه العسكرية والإدارية فقد كان موسى بليغا في النثر والنظم كما أنه كان معروفا عنه أنه كان عاقلا كريما شجاعا ورعا تقيا لله تعالى رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيج جناته وجزاه خيرا عن الإسلام والمسلمين وأثابه الله أحسن الثواب عن ضم بلاد جديدة إلي بلاد الإسلام ونشره لدين الله في بلاد المغرب العربي وبلاد الأندلس هذا وجدير بالذكر أنه بعد مغادرة موسى بن نصير بلاد الأندلس لم يمكث إبنه عبد العزيز بن موسى طويلا في إشبيلية إذ أن مقتضيات الفتوح أجبرته على الخروج لفتح أقاليم غربي الأندلس والمناطق الواقعة في شرقي البلاد وشمالها فخرج على رأس جيش يرافقه دليل من رجال يوليان بإتجاه الأقاليم الغربية ففتح يابرة الواقعة بالقرب من العاصمة البرتغالية الحالية لشبونة ومدينة شنترين الواقعة على نهر تاجة والتي تقع شمالي لشبونة ومدينة قلمرية قرب ساحل المحيط الأطلسي بوسط البرتغال حاليا وأستورقة المجاورة لجليقية وتوقف عند حدود هذه المقاطعة الجبلية لينعطف نحو الجنوب حيث كانت لا زالت بعض المواقع الهامة خارج نطاق السيطرة الإسلامية ففتح مدن رية ومالقة وغيرها من القرى التابعة لها وسيطر على كامل مقاطعة رية بجنوب البلاد وفر معظم المدافعين القوط والإفرنج إلى الجبال للإحتماء بها وأخضع أيضا إلبيرة وترك فيها حاميةً عسكرية مشتركةً من المسلمين واليهود الذين كانوا متواجدين فيها ثم توجه نحو مرسية في الشرق ووطد الحكم الإسلامي فيها وأخضعها رسميا للإدارة الأموية ثم عمل عبد العزيز بوصية أبيه فأرسل الغزوات إلى طركونة وجرونة على الشاطئ الشمالي الشرقي وإلى بنبلونة في الشمال الشرقي وإلى أربونة على خليج ليون وبذلك إستكملت الفتوحات في عهد عبد العزيز بن موسى بن نصير ولم يبقَ خارج نطاق السيطرة الإسلامية سوى بضعة جيوب وبذلك طويت صفحة العهد القوطي نهائيا في البلاد وإفتتحت صفحة العهد الإسلامي فيها ويتفق المؤرخون والباحثون علي أن الفتح الإسلامي لبلاد الأندلُس كان خيرا على تلك البلاد إذ أنه قد إنتشلها من الفوضى والإضطرابات والتنازع السياسي وأحدث فيها ثورة إجتماعية كبرى وأحسن المسلمون معاملة أهل تلك البلاد الذين تعرضوا لِلاضطهاد في العهد القوطي ومساوئه التي كانت البلاد ترزح تحتها منذ عدة قرون ومنح المسلمون سكان البلاد الحرية الدينية وعينوا لهم قضاة منهم وحكاما محليين يقضون في النزاعات فيما بينهم ويجبون الضرائب منهم على أنه يلاحظ أن قسما كبيرا من المناطق الأيبيرية الشمالية لم يستمر خاضعا للمسلمين لفترة طويلة بِسبب عجز المسلمين عن إخضاع المناطق المنيعة التي تمركز فيها بعض القوط والإفرنج الهاربين فأصبحت نقاط إنطلاق للإستيلاء على ما جاورهم من المناطق التي خضعت للمسلمين .
|