الأحد, 8 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

مسلمة بن عبد الملك
-ج1-

مسلمة بن عبد الملك
-ج1-
عدد : 07-2023
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"

مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي الأموى أمير أُموى وقائد عسكرى ووالي وسياسي ورجل دولة ووالده هو الخليفة الأموى الخامس عبد الملك بن مروان الذى يعد من أعظم خلفاء المسلمين والمؤسس الثاني للدولة الأموية بعد مؤسسها الأول معاوية بن أبي سفيان والذى تولي الخلافة عام 65 هجرية الموافق عام 685م وحتي عام 86 هجرية الموافق عام 705م وجده هو الخليفة الأموى الرابع مروان بن الحكم والذى تولي الخلافة لمدة عام واحد فقط ما بين عام 64 هجرية الموافق عام 684م وعام 65 هجرية الموافق عام 685م وإنتقلت الخلافة الأموية علي يديه من البيت السفياني إلي البيت المرواني وإستطاع أن ينقذ الدولة الأموية من الإنهيار والسقوط خلال هذا العام بعد حالة الفوضى والإضطراب التي مرت بها الدولة بعد وفاة الخليفة الأموى الثالث معاوية بن يزيد بن أبي سفيان وفضلا عن ذلك كان مسلمة بن عبد الملك شقيقا لأربعة من الخلفاء الأمويين أولهم الخليفة الأموى السادس الوليد بن عبد الملك الذى تولي الخلافة لمدة عشر سنوات من عام 86 هجرية الموافق عام 705م وحتي عام 96 هجرية الموافق عام 715م وثانيهم الخليفة الأموى السابع سليمان بن عبد الملك الذى تولي الخلافة لمدة سنتين وثمانية شهور من شهر جمادى الآخرة عام 96 هجرية الموافق شهر فبراير عام 715م وحتي شهر صفر عام 99 هجرية الموافق شهر سبتمبر عام 717م وثالثهم الخليفة الأموى التاسع يزيد بن عبد الملك الذى تولي الخلافة لمدة 4 سنوات من عام 101 هجرية الموافق عام 720م وحتي عام 105 هجرية الموافق عام 724م وأخيرا كان رابعهم الخليفة الأموى العاشر هشام بن عبد الملك الذى تولي الخلافة لما يقرب من 20 عاما من عام 105 هجرية الموافق عام 724م وحتي عام 125 هجرية الموافق عام 743م وبالإضافة إلي ذلك كان مسلمة بن عبد الملك عم لثلاثة من الخلفاء هم الوليد بن يزيد ويزيد بن الوليد وإبراهيم بن الوليد وإبن عم للخليفة الأموى الثامن عمر بن عبد العزيز ولآخر الخلفاء الأمويين مروان بن محمد وقد برز إسم مسلمة بن عبد الملك وعرف بلقب فارس بني مروان مابين عام 96 هجرية الموافق عام 715م وعام 121 هجرية الموافق عام 738م خلال عهد أشقائه سليمان بن عبد الملك ويزيد بن عبد الملك وهشام بن عبد الملك بخوضه الكثير من المعارك والغزوات والحملات العسكرية على كل مِن الإمبراطورية الرومية البيزنطية وجماعات الخوارج ببلاد العراق وإمبراطورية الخزر التي كانت قد تأسست في شبه جزيرة القرم شمال غرب البحر الأسود والجراجمة الذين قاوموا الحكمَ الأموي فترة من الزمن إستغلالا للظروف الداخلية التي مرت بها الدولة الأموية في فترة حروبها مع الخوارج ومع عبد الله بن الزبير وإنتسبوا لمدينة جرجوما التي تقع في جبل أمانوس وموقعه بين سوريا وتركيا لكن كانت جل حروبه وأغلبها على الدولة الرومية البيزنطية وخلال فترات متفرقة من حياته تولى ولاية العديد من المناطق والمدن مثل مكة المكرمة وحلب والعراق وخراسان وتولى إمارة أرمينية وأذربيجان بمنطقة جنوب القوقاز ثلاث مرات بأوقات مختلفة .


وكان مولد مسلمة بن عبد الملك بالعاصمة الأموية دمشق في عام 66 هجرية الموافق عام 686م في عهد أبيه الخليفة الأموى الخامس عبد الملك بن مروان وكانت والدته إحدى جوارى أبيه غير معروف إسمها أو أصلها وجدته من جهة والده هي الصحابية عائشة بنت معاوية بن المغيرة الأموية القرشية ووالد جده هو الصحابي الحكم بن أبي العاص وجده الأكبر هو أمية بن عبد شمس وهو أحد أشراف وأسياد قبيلة قريش ويلتقي نسب مسلمة بنسب النبي محمد صلى الله عليه وسلم في جده الثالث عبد مناف بن قصي بن كلاب وكان لمسلمة الكثير من الأخوة والأخوات الغير أشقاء وكانوا كلهم من أبيه فقط منهم غير الخلفاء الأمويين الأربعة الذين ذكرناهم في السطور السابقة عبد الله بن عبد الملك والي مصر في عهد أبيه ومحمد بن عبد الملك والي مصر في عهد أخيه هشام بن عبد الملك والأمير والقائد العسكرى الأموى مروان الأصغر بن عبد الملك وفاطمة بنت عبد الملك التي تزوجت من إبن عمها الخليفة الأموى الثامن عمر بن عبد العزيز بن مروان الذى تولى الخلافة خلفا لإبن عمه الخليفة الأموى السابع سليمان بن عبد الملك لمدة سنتين وخمسة شهور من شهر صفر عام 99 هجرية الموافق شهر سبتمبر عام 717م وحتي شهر رجب عام 101 هجرية الموافق شهر فبراير عام 720م وتميزت خلافته بعدد من المميزات منها العدل والمساواة ورد المظالم التي كان أسلافه من أمراء بني أمية قد إرتكبوها وقام بعزل جميع الولاة الظالمين ومعاقبتهم كما أعاد العمل بالشورى ولذلك عده كثير من العلماء خامس الخلفاء الراشدين كما أنه إهتم بالعلوم الشرعية وأمر بتدوين الحديث النبوى الشريف وقد نشأ مسلمة بن عبد الملك منذ صغره في ظروف ملائمة ساعدت على تشكيل شخصيته وساهمت في إستكمال متطلباتها وقامت بإعداده ليكون رجل دولة وقائد عسكرى من الطراز الأول في المستقبل وإستطاعت صقله من كل النواحي فكريا وإداريا وسياسيا وعسكريا وليس هذا بغريب حيث كان ينتمي إلي بيت السلطة والملك وكان معظم أهله أمراء وقادة عسكريين وخلفاء وكانت ظروفهم الإدارية والعسكرية والسياسية لا تخلو من مشاكل وصعوبات وبلا شك فقد أعانت وساعدت مسلمة ليتعلم ويتدرب على الحياة السياسية والإدارية والعسكرية وكان أبوه عبد الملك بن مروان حريصا على تربية أبناءه تربية إسلامية خالصة فعهد إلى عدد من كبار العلماء مهمة تعليم وتربية أولاده وكان من ضمن أولئك المعلمون الذين أمضوا سنيناً في تنشئة وتربية وتعليم أولاده العالم والتابعي عامر الشعبي والعالم والتابعي إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي حيث أسند لهما تعليم أولاده وتأديبهم وخصوصا إسماعيل الذي أَدب وعلم أغلبية أولاده وقد إستخدم عبد الملك إسماعيل بعد أن نصحته الفقيهة التابعية هجيمة أم الدرداء وهي الزوجة الثانية للصحابي الجليل أبي الدرداء بأن إسماعيل لديه الأهلية لتعليم أولاده وكان من الذين علمهم إسماعيل من أولاد عبد الملك بن مروان مسلمة ويزيد وسعيد ومروان الأصغر ومعاوية وأيضا علم معهم إبن أخيهم الأكبر العباس بن الوليد بن عبد الملك وهكذا أتقن مسلمة علوم اللغة العربية وفنون الأدب وتدرب على ركوب الخيل والفروسية والسباحة والرمي بالنبال والضرب بالسيف والمبارزة والطعن بالرماح وتنظيم الجيوش وإدارتها وأساليبها التعبوية والسوقية كما أتقن الأساليب الإدارية للجيوش تدريبا وتسليحا وتجهيزا وتموينا وإسكانا وتنقلا وتنظيما وقيادةً واظهر في سن صغيرة كفاءة وبراعة أهلته لكسب ثقة الخلفاء الأمويين الذين عاصرهم وتولي قيادة الجيوش الأموية وعلي الرغم من أنه تميز بالعديد من الصفات وبرز في عدة ميادين ومواضع مثل السياسة والأدب والشعر وغيرها إلا أن الجانب العسكري كان الأبرز في شخصيته وهو الجانب الذى أمضى أغلبية حياته يساهم فيه .

وكانت أول ولاية تولاها مسلمة بن عبد الملك وكان حديث السن آنذاك هي ولاية مكة المكرمة وكانت في عهد والده الخليفة عبد الملك بن مروان ولم يذكر المؤرخون السنة التي تولي فيها الولاية على وجه التحديد أو المدة التي قضاها واليا علي مكة المكرمة حيث عزله أبوه وولى مكانه خالد بن عبد الله القسرى الذى أتى مكة المكرمة فجأة بينما كان مسلمة يخطب في الناس فأخرج رسالة تعيينه على مكة وقرأها على الناس فما كان من مسلمة إلا أن إمتطي فرسه وعاد للشام وقد بدأ مسلمة بن عبد الملك حياته الحربية والعسكرية في عهد أبيه أيضا الخليفة عبد الملك بن مروان وهو فتى صغير كجندى في جيش عمه محمد بن مروان الذى فتح أرمينية ومنطقة جنوب إقليم بلاد القوقاز وأعطى مسلمة الفرصة الأولى ليبدأ عمله قائدا عسكريا علي الرغم من صغر سنه حينذاك إذ إستدعاه وولاه خلال فتوحاته في القوقاز على قسم من الجيش وأمره بالذهاب لغزو بلاد الخزر شمال القوقاز لفتح مدينة باب الأبواب أو دربند وهي إحدى مدن جمهورية داغستان إحدى جمهوريات الكيان الفيدرالي الروسي حاليا وهي تقع على الساحل الغربي لبحر قزوين بالقرب من مصب نهر سامور في البحر المذكور حيث المسافة بين البحر وجبال القوقاز لا تتجاوز 3 كيلومترات فسار مسلمة بجيشه نحو هذه المدينة وكان بها 80 ألف جندى خزرى يقومون بحمايتها وما أن وصل مسلمة بالجيش إليها حتى فرض الحِصار عليها وإستمر يقاتل الجيش الخزرى لفترة طويلة لكنه لم يستطع فتح المدينة بسبب قوة أسوارها وأبوابها ومناعتها وإستمر الوضع على هدا الحال حتى أتى رجل خزرى إلى مسلمة يريد الدخول في الإسلام وقال له أيها الأمير إني قد أقبلت إليكَ راغبا في دينك وأريد الدخول في الإسلام ثم عرض عليه أن يساعده على دخول المدينة مقابل أن يعطيه مالا يعيش منه هو وأطفاله فضمن له مسلمة المال وأسلم الرجل ثم جهز مسلمة كتيبة من أقوى وأشجع جنوده مكونة من ألف رجل وأرسلهم مع الرجل في بداية الليل وسارت الكتيبة مع الرجل الخزرى فصعد بهم الجبل المطل علي المدينة من ناحية الوادى ثم نزل بهم إلى مكان من السور لا يحميه أهل المدينة ولا يخافون أن يأتيهم جنود المسلمين منه فقام الرجل بإدخال بعض أفراد الكتيبة إلى المدينة من ذاك المكان فدخلوا ورآهم الجنود الخزريون فإجتمعوا عليهم وبدأوا بالقتال وكان القتال بين الطرفين صعبا وشديدا وفي منتهي الشراسة وإستمر طيلة الليل ووصفه المؤرخ المسلم أحمد إبن أعثم الكوفي قائلا وإقتتل الناس في ليلتهم تلك قتالا شديدا حتى كاد يسمع وقع السيوف على البيض والدرق كوقع الحديد بعضه على بعض وما أن حلَ الفجر حتى رفع المسلمون أصواتهم بالتكبير والتهليل وهم في خضم القتال ثم بعدها بفترة بسيطة صاح رجل من عسكر مسلمة قائلا ألا إنه الظفر ورب الكعبة فأخذ مسلمة الجيش وتقدم لمساعدة الكتيبة في المعركة وفي ذات اللحظة فتح الجيش الخزرى بابا من أبواب مدينة دربند وخرجوا هاربين من أمام الجيش الأُموى تاركين خلفهم نساؤهم وأطفالهم والمدينة التي سقطت بأيدى المسلمين وبعد فتح المدينة أراد مسلمة بن عبد الملك هدم أسوار وأبواب المدينة لأنه أقسم على فعل ذلك حينما حاصرها فقال له أحد أصحابه معارضا للأمر أتهدم هذا السور فلعلنا نحتاج إلى هذه المدينة فيما بعد وسوف يكلفنا بناء السور مرة أخرى تكلفة باهظة ولعلنا لا نبلغ من إحكامه ما نريد أى قد يحتاج المسلمون هذه المدينة في المستقبل فيتكلف حينذاك المسلمون أموالا كثيرة لبناء السور أو لا يستطيعون بناؤه بنفس قوة السور الأول فقال له مسلمة بن عبد الملك صدقت ولكني حلفت أن أهدمه ولا بد لي من أن أبر بقسمي فقال له صاحبه إهدم بعضه وإترك بعضه فإستمع مسلمة لنصيحة صاحبه وهدم جزءا بسيطا من السور الأيمن لتبرير قسمه ونذره ثم أخذ المسلمين ورحل عن المدينة عائدا إلى عمه محمد بن مروان في أرمينية مع غنائم بلاد الخزر وبقي بعد ذلك مسلمة مع عمه محمد في بلاد القوقاز يحارب معه أهلها .

وأثناء تواجد مسلمة بن عبد الملك في جنوب القوقاز وفي أواخر أيام الخليفة عبد الملك بن مروان إجتمع الروم البيزنطيون في عاصمتهم القسطنطينية وقرروا غزو المسلمين في عقر دارهم وإسترداد بلاد الشام من المسلمين فجمعوا جيشا ضخما لأجل ذلك ولما وصلت الأخبار للخليفة عبد الملك قرر مهاجمتهم قبل أن يهجموا على الشام وردعهم عن ذلك قبل أن يغزوا الدولة الإسلامية فقام عبد الملك بجمع أهل الشام في مسجد دمشق الأعظم ثم صعد إلى المنبر وخطب بالناس قائلا أيها الناس إن العدو قد كلب عليكم وطمع فيكم وهنتم عليه لترككم العمل بطاعة الله تعالى وإستخفافكم بحق الله وتثاقلكم عن الجهاد في سبيل الله ألا وإني قد عزمت على بعثكم إلى أرض الروم فماذا عندكم من الرأي والمشورة فوافقه الناس على محاربة الروم قبل أن يحاربوا المسلمين وشاركوه الرأى وعند ذلك كتب عبد الملك بن مروان أربع رسائل منها رسالة إلى أبان بن عثمان بن عفان الأموى والي الحجاز يطلب منه أن يرسل إليه رؤساء وفُرسان مكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف وغيرها من مدن الحجاز والرسالة الثاتية لأخيه عبد العزيز بن مروان بن الحكم والي مصر يطلب منه أن يأتي إليه بنفسه مع فرسان مصر والرسالة الثالثة لعلقمة بن مرداس الخولاني والي اليمن يطلب منه أن يرسل إليه فرسان اليمن والرسالة الرابعة لوالي العراق الحجاج بن يوسف الثقفي يطلب منه أن يرسل فرسان العراق إليه ثم كتب رسالة إلى أخيه محمد بن مروان وإلى إبنه مَسلمة يطلب منهما أن يأتوا من القوقاز مع كل جنودهم فأتوا جميعا فجمعهم وقام فيهم خطيبا قائلا أيها الناس إنكم قد علمتم ما ذكر الله عز وجل في كتابه من فضل الجهاد وما وعد الله عليه من الثواب ألا وإني قد عزمت أن أغزو بكم غزوة شريفة كريمة إلى أليون صاحب الروم فإنه قد طغى وبغى وقد بلغني أنه قد جمع للمسلمين جموعا كثيرة وعزم على غزوكم ومفاجأتكم في دياركم وقد علمتُ أن الله تعالى مهلكه ومبدد شمله وجاعل دائرة السوء عليه وعلى أصحابه والله مهلكهم ومبدد شملهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وقد جمعتكم يا معشر المسلمين من كل بلد وأنتم أهل البأس والنجدة والشجاعة والشدة وإن من حق الله تعالى أن تقوموا لله سبحانه بحقه ولنبيه صلى الله عليه وسلم بنصرته وهذا إبني مسلمة وقد أمرته عليكم فإستمعوا له وأطيعوا يوفقكم الله ويرشدكم لصالح الأمور فقال الناس سمعا وطاعةً يا أمير المؤمنين وعسكر مسلمة بجيشه خارج العاصمة الأموية دمشق فخرج إليهم الخليفة عبد الملك بن مروان وبدأ بتنظيم الجيش وتعبئته وتعيين وتسمية القادة حيث وضع محمد إبن التابعي الأحنف بن قيس بن معاوية التميمي قائدا على قبيلة تميم ووضع صدقة بن اليمان الهمداني قائدا على قبيلة همدان ووضع عبد الرحمن بن صعصعة بن صوحان العبدى قائدا على قبائل ربيعة بن نزار ووضع عبد الله إبن الصحابي الجليل عدى بن حاتم الطائي قائدا على قبائل طئ وجذام ولخم وجعل الضحاك بن مزاحم الأسدى قائدا على جميع قبائل قيس عيلان وجعل أخاه محمد بن مروان قائدا على جميع بني أمية وقبيلة قريش وجعل الأصبغ بن الصحابي الأشعث بن قيس الكندى قائدا على قبيلتي كندة وغسان وجعل عبيد الله بن الصحابي الجليل عبد الله بن الخليفة عمر بن الخطاب العدوى القرشي قائدا على أشراف ورؤساء أهل الحجاز وجعل المجاهد عبد الله البطال الذى ذاع صيته في العصر الأموى قائدا على رؤساء أهل الجزيرة الفراتية والشام وجعل يزيد بن مرة القبطي المصرى قائدا على رؤساء أهل مصر وجعل الهيثم بن الأسود النخعي قائدا على رؤساء أهل الكوفة وجعل سليمان إبن الصحابي الجليل أبي موسى الأشعرى قائدا على رؤساء أهل البصرة وجعل جابر بن قيس المذحجي قائدا على رؤساء أهل اليمن وجعل عبد الله إبن الصحابي الجليل جرير بن عبد الله البجلي قائدا على رؤساء أهل الجبال وجعل التابعي رجاء بن حيوة وكان قد إتخذه الخليفة عبد الملك بن مروان مستشارا له وكان شديد الثقة به مسؤولا عن الغنائم .

وبعد ذلك قال الخليفة عبد الملك بن مروان لإبنه مسلمة يوصيه يا بني إني قد وليتك على هذا الجيش فسر بهم وأقدم على عدو الله إليون كلب الروم وإني قد ندبتك لهذا الأمر وشرفتك بهذا الجيش فجعلته لك شرفا وذكرا إلى آخر الأبد فكن يا بني بالمسلمين بارا رحيما وأميرا حليما صبورا ولا تكن عنيدا كفورا ولا مختالا فخورا وإعلم يا بني أن الروم سيلقونك بجيش كثير وجمع كبير فثق بالله تعالي وإستعن به وتوكل عليه فكفى به وليا وناصرا وإنظر يا بني لا يهولنك ما ترى من جمع الروم وكثرة عددهم فإن الله تبارك وتعالى بفضله ومنه مهلكهم وضارب وجوههم ومرعب قلوبهم ومزلزل أقدامهم ومعك يا بني بحمد الله خلق كثير فإذا عزمت على حرب عدوك فإجعل عمك محمد بن مروان بن الحكم على ميمنتك وإجعل إبن عمك محمد بن عبد العزيز بن مروان على ميسرتك وإجعل محمد بن الأحنف بن قيس على طلائعك وعبد الرحمن بن صعصعة بن صوحان على جناحك وكن أنت في القلب وإعتمد في حربك على عبد الله البطال بن عمر وأمره فليعس بالليل العسكر فإنه أمين ثقة بطل شجاع مقدام شياع وإنظر يا بني لا تكسل ولا تفشل ولا تجزع ولا تهلع فإنك إن لم تفعل ذلك وتعديت ما أوصيتك به إستوجبت من الله المقت ومن عباده البغض ومن الملائكة اللعن فإنه تعالى يقول في كتابه العزيز وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ثم خطب عبد الملك على الناس للمرة الأخيرة فقال أيها الناس المسلمون أنتم إخواني وأعواني وهذا إبني مسلمة وهو سيفي ورمحي وسهمي وقد رميت به في نحر هذا العدو وبذلت دمه ومهجته لله عز وجل ورجوت أن يقضي الله به جيش الروم فأعينوه وأعضدوه وقوموا معه وإنصروه إذا كسل وشجعوه إذا فشل وأيقظوه إذا غفا وفهموه إذا هفا فإن إستشهد فالأمير بعده محمد بن خالد بن الوليد المخزومي فإن إستشهد فالأمير بعده عمه محمد بن مروان فإن إستشهد فإبن عمه محمد بن عبد العزيز بن مروان فإن إستشهد فإختاروا من أحببتم الأفضل فالأفضل والخيار في ذلك إليكم والسلام ثم دعا عبد الملك إبنه مسلمة فعانقه وقبله بين عينيه وقال له السلام عليكَ يا ولدى وقرة عيني وثمرة فؤادى فإن نفسي تحدثني أني لا أراكَ ولا تراني بعد هذا أبدا فبكى وبكى الناس معه ثم رحل الجيش من عسكرهم بعد صلاة الجمعة وسار معهم الخليفة عبد الملك بن مروان يودعهم حتى وصلوا مسافة فرسخين من العاصمة الأموية دمشق فأقاموا يوما كاملا هناك وفي اليوم التالي ودعهم الخليفة عبد الملك وعاد لعاصمته دمشق مع أصحابه ثم سار الجيش حتى وصل لقرية مرج دابق شمالي حلب قرب الحدود بين الشام وإقليم الأناضول حيث تبدأ حدود الدولة البيزنطية فأقام مسلمة بن عبد الملك بجيشه بها بعض الوقت وخلال مسيره وإقامته بمرج دابق كان الناس يأتونه من كل بلد ومدينة يتطوعون للجهاد معه حتى جمع عددا لا يحصى من الجنود ثم سار من مرج دابق إلى أرض الروم.


وكان أول ما فتحه مسلمة بن عبد الملك خلال حملته علي بلاد الروم هو فتحه لمدينة طوانة أو تيانا وهي تقع اليوم في محافظة نيدا بمنطقة وسط الأناضول في تركيا والتي فرض الجيش الأموى الحصار عليها وحاول جنوده بأقصى ما يمكنهم تدمير جزء من أسوار المدينة وبحسب المصادر الغربية أنهم تمكنوا من فتح جزء من أحد الجدران وإحداث نقب فيه ولكنهم لم يستطيعوا دخول المدينة من خلاله ونجح جنود طوانة في صدهم وحماية المدينة وقد طال الحصار علي المدينة حتى حل فصل الشتاء فبدأت تنقص مؤونة الجيش المسلم من الطعام والشراب شيئا فشيئا حتى بدأ يفكر الجيش وقادته في الإنسحاب خاصة أنهم قد أصابتهم مجاعة فإضطروا لذبح خيولهم وأكل لحومها كما تهتكت الأبنية التي بناها المسلمون لأنفسهم في المنطقة أثناء الحصار بسبب الجليد والثلج فإضطروا أن يحفروا لأنفسهم ما يشبه الجحور في الطريق لكي يناموا فيها ليلا فأرسل مسلمة رسالة على شكل قصيدة إلى الخليفة الجديد الوليد بن عبد الملك حيث كان أبوه الخليفة عبد الملك بن مروان قد توفاه الله كما أفادنا عدد من المؤرخين بعد خروج الجيش إلي أرض الروم يشكو فيها الحال ويطلب المساعدة وكتم مسلمة على الوليد أمر أكلهم للخيول ولم يخبره به وأرسل الرسالة مع رجل من قبيلة بني فزارة الغطفانية فقام هذا الرجل بإخبار الوليد بأكل الخيول ولما حل فصل الربيع أرسل أهل طوانة رسالة يطلبون فيها النجدة إلى الإمبراطور البيزنطي جستنيان الثاني الذى كان قد عاد من منفاه وحاصر العاصمة البيزنطية القسطنطينية بجيش من البلغار والسلاف وأخذ العرش مجددا عام 86 هجرية الموافق عام 705م وعندما قرروا إرسال رسالتهم لجستنيان قاموا ليلا بإخراج الكثير من كلابهم خارج المدينة لكي يخدعوا المسلمين وقاموا بإلباس رجلين من رجالهم جلود كلاب ميتة لكي يمكنهما المرور أمام الجيش بدون أن يشك فيهما أحد فسقطت رسالة أحد الرجلين فأمر مسلمة بإحضاره فأمر الترجمان بقراءة الرسالة فإذا فيها أن أهل طوانة يطلبون العون والغوث من الإمبراطور البيزنطي وأن المسلمين ينتظرون المدد من الخليفة الوليد بن عبد الملك وإن كان جستنيان الثاني يريد مساعدتهم فعليه فعل ذلك الآن وفورا قبل أن تأتي المساعدة من أرض العرب وبعد وصول الرسالة التي حملها الرجل الذى خرج من المدينة ولم يكتشف أمره إلي الإمبراطور البيزنطي جستنيان الثاني قام بإرسال جيش على رأسه القائدين البيزنطيين المعروفين ثيوفيلاكت سَليبَس وثيودور كارتِروكس إلى طوانة لإنقاذها ووفقا لرواية المؤرخ المسلم أبي القاسم بن عساكر فإن عدد الجنود الذين أرسلهم جستنيان الثاني كانوا مائة ألف جندى معهم الأسلحة والعدة وورائهم البغال والحيوانات تحمل الأطعمة والمؤونة لأهل طوانة وتذكر المصادر البيزنطية أن الجنود الذين أرسلهم جستنيان الثاني كانوا فلاحون مسلحين ولكنهم يفتقرون للخبرة العسكرية ويرجع سبب ذلك إلى أن الجيش البيزنطي كان يخوض في ذلك الوقت معركة شديدة خسر فيها جيش جستنيان ضد البلغار وأغلب جنوده وقادته كانوا إما قتلوا أو تم أسرهم وعندما علم مسلمة بالأمر أحضر كل فارس بقي معه فرسه فجمعهم وولى عليهم إبن أخيه العباس بن الوليد بن عبد الملك وأمرهم بالذهاب لمواجهة جيش جستنيان إذا قدموا بينما بقي مسلمة على عدد من الجنود يقاتل وحده جيش طوانة أمام أسوار المدينة .


ولما وصل الجيش البيزنطي تقدم قائدهم إلى معسكر المسلمين لكي يضربه ويعسكر حوله فهجم العباس بالفرسان على مقدمة الجيش فقال له عمه مسلمة لا تفعل حتى يتاموا فإذا إنهزموا لم يكن لهم باقية ولا فئة فتلجأ منهزمتهم إلينا فقال العباس أنتركهم حتى تصير منهم ومن أهل الطوانة كالجالس بين لحيي الأسد ثم بين عسكرين ثم قام العباس وهاجمهم بمن معه من الجنود والفرسان فدعا له مسلمة اللهم إنه عصاني وأطاعك فإنصره فواجههم العباس فإقتتلوا قتالا شديدا فهزم الروم وتذكر المصادر الغربية أن الهزيمة حدثت في المعركة الثانية بينهم ووفقا للمؤرخ والكاتب والأسقف اليوناني لتيوفان المعرف فقد حدث شجار بين إثنين من قادة الجيش البيزنطي وكان قتالهم غير منظم ومنضبط فقتل الآلاف من الجنود البيزنطيين وأُسر أيضا الآلاف منهم على يد الجيش الأموى وبعد ذلك يئس أهل طوانة من تلقي أى مساعدة فبدأوا التفاوض على الإستسلام فوعدهم المسلمون بالأمان وكان حصار المدينة قد إمتد لمدة 9 شهور متواصلة رابط خلالها الجيش المسلم خارج طوانة ولم يبرح مكانه لحظة وإدعى تيوفان المعرف إن الجيش خان العهد وسبى السكان إلى ديار الخلافة وأنهم نهبوا المدينة وخربوها بينما تروى المصادر العربية المعركة مع الجيش الذى أرسله الإمبراطور بشكل مفصل أكثر إذ تقول الرواية إنه بعد أن استأذن العباس من مسلمة بأن يقاتل الجيش البيزنطي بمن معه من جنوده من أهل حمص فقاتلهم فهزموا وهرب كثير منهم فلحقهم العباس حتى قابل حاكمهم وهو جالس على بناء مستدير من الريحان يجره العجل ومعه البطارقة وأبناء ملوكهم فشد عليهم العباس فتقاتل الفريقان قتالا شديدا وقتل من المسلمين جماعة كبيرة منهم التابعي والمحدث أبو الأبيض العنسي الشامي وبقي المسلمون مع مسلمة ينتظرون الأخبار من العباس فنظروا بإتجاه الطريق ينتظرون شيئا فصاح مسلمة بهم لكي يتجهوا بأنظارهم للسماء وقال هاهنا إرفعوا أيديكم وأبصاركم إلى الله فمنه يأتي النصر والمدد وفي ذات الوقت عندما كان جيش المسلمين يهزم على يد جيش الروم مع العباس بن الوليد وبقي منه فريق ثابت كان منهم التابعي والعالِم إبن محيريز الجمحي والعباس بن الوليد بن عبد الملك فصاح العباس أين أهل القرآن الذين كانوا يريدون الجنة ويلتمسون الشهادة فقال إبن محيريز الجمحي نادهم يأتوك فنادى العباس يا أهل القرآن يا أهل القرآن ثم أقبل جميع الجنود يقاتلون فإنهزم الروم وقتل المسلمون منهم أكثر من ثلاثين ألف جندى بيزنطي وهرب الكثير منهم فلحقهم العباس فأدرك جماعة منهم لجأت إلى كنيسة كبيرة أغلق الجنود الروم أبوابها عليهم فأتى مسلمة للعباس وإجتمع الجيش المسلم فناموا الليلة عند باب الكنيسة وفي داخل الكنيسة لم يعلم من لجأوا إليها ما حل بالجيش الرومي من هزيمة نكراء ولم يعرفوا ما الذى فعله مسلمة بن عبد الملك والعباس بن الوليد بعد أن أغلقوا أبواب الكنيسة فلما حل الصباح فتح مسلمة أبواب الكنيسة رغما عنهم .


وإنتهي الأمر بأسر العباس أبناء الملوك والبطارقة فأحضرهم لمسلمة فأوقفوهم أمام باب الطوانة لكي يرى أهلها أن من أتى لنصرتهم أصبحوا أسرى في أيدى المسلمين وكان ذلك من الحرب النفسية عليهم وكان سبب الفتح وبحسب رواية أبي القاسم بن عساكر أنه لما رأى أهل الطوانة ما حدث من نصر المسلمين أرسل بطريركها رسالة لمسلمة يقول فيها قد رأينا فتح اللَّه لكم ونحن نخيركم بين أن تخلوا سبيلي وسبيل ثلاثمائة بطريق بأهالينا وأولادنا ونفتح لكم المدينة بمن فيها وبين أن نسايركم فإن عندنا من الطعام والإدام مَا يكفينا سنة يقصد أن يعطي الأمان ويترك 300 من أشرافهم مع عوائلهم فيفتحون لهم المدينة أو يسايرون المسلمين في الحصار فإن سايروا المسلمين فلا مشكلة على أهل طوانة لأن لديهم طعاما يكفي لسنة كاملة وحينها سيكون الجيش المسلم قد هلك فوافقه مسلمة بن عبد الملك وصالحه وأعطاه الأمان هو والثلثمائة بطريق وأخلي سبيلهم ففتحوا له المدينة فوجد فيها ستين ألف شخص بين طفل وبالغ ولا تذكر المصادر الإسلامية ما حدث بعدها بأهل المدينة كما لا تذكر أن وعد الأمان كان لجميع أهل المدينة بل فقط للثلثمائة بطريق بينما زعم تيوفان المعرف سبي أهل المدينة وتخريبها كما ذكرنا في السطور السابقة وهناك رواية مختلفة للفتح رواها المؤرخ أحمد بن أعثم الكوفي الذي ذكر أنه حدثت معركة بين الفريقين فتقدم أحد الجنود من أهل المدينة المنورة إسمه يعقوب بن عبد الله الأنصارى بإتجاه باب طوانة ولحق به ثلاثة من إخوانه كانوا مع الجيش فبدأوا يقاتلون أشد القتال فصاح مسلمة بالمسلمين يحرضهم على قتال الروم فإنهزموا وتراجعوا وجعل المسلمين قوم يقاتلون وقوم يحفرون ويهدمون جزء من السور فإستطاعوا إحداث نقب بالجدار فبادر يعقوب بن عبد الله الأنصارى ودخل طوانة من ذلك النقب وجعل يقاتلهم وحده فقطعت إحدى قدميه وبقي قائما على تلك الحالة يقاتلهم على قدم واحدة وبقي يقاتل حتى دخل إليه إخوانه الثلاثة الذين قاتلوا معه ثم كبروا ونادوا الجيش فدخل الجنود من النقب وفتحوا باب طوانة فهزموا المقاتلين وفتحوا المدينة ونزف يعقوب بن عبد الله حتى مات وقتل إخوانه وغنم المسلمون الكثير من الغنائم منها خيل وبغال وحمير وذهب وفضة وأثاث فاخر فجمع مسلمة بن عبد الملك هذه الغنائم فأخرج منها الخمس وقسم الباقي على المسلمين وأرسل هذا الخمس إلى الخليفة ومِن شدة المعاناة التي قاساها المسلمون في الحصار أن أحد الجنود من قبيلة قضاعة وصل إليه خبر ولادة أحد أطفاله في يوم الفتح فأخبر الجندى مسلمة بن عبد الملك بالأمر فسأله ما سميته فرد الجندى سميته الفرج لما فرج الله عنا في هذا اليوم بالفتح فقال مسلمة أحسنت وأصبت هذا الطفل هو أبو فضالة فرج بن فضالة بن النعمان بن نعيم التنوخي القضاعي الذي لما كبر تولى بيت المال في عهد الخليفة محمد المهدى العباسي وإشتهر برواية الحديث النبوى الشريف وجدير بالذكر أن هناك إختلاف بين المؤرخين حول تاريخ فتح طوانة فالبعض يقول إنه كان في عام 88 هجرية الموافق عام 707م وفي رواية أخرى أنه كان في العام التالي 89 هجرية الموافق عام 708م .
 
 
الصور :