الأحد, 15 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

مسلمة بن عبد الملك
-ج2-

مسلمة بن عبد الملك
-ج2-
عدد : 07-2023
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"

وبعد فتح طوانة لم يرجع مسلمة لأرض العرب وأكمل ومعه العباس غزوهما لأرض الروم ففتح مَسلمة إثنين من الحصون بجانب طوانة وفتح أيضا مدينة جرثومة وفتح ثلاثة حصون أخرى بأرض الروم هي حصن قسطنطين وحصن غزالة وحصن الأخرم وفي أنطاكية بجنوب الأناضول إجتمع الروم في جيش كبير وحاربوا مسلمة والعباس بن الوليد فهزموهم وخلال المعركة قتل المسلمون من الجيش الرومي حوالي 50 ألف جندى ثم بعدها بذات السنة ذهب مسلمة بجيشه إلى أذربيجان فعبرها إلى مدينة دربند وفتحها مرة أخرى وبعد ذلك تم تقسيم جيش المسلمين بين مسلمة بن عبد الملك والعباس بن الوليد وشن كل منهما حملة منفصلة على بلاد الروم وذلك ما بين عام 89 هجرية وعام 90 هجرية الموافقين لعام 709م وعام 710م وقد توجهت حملة العباس لمنطقة قيليقية بجنوب الأناضول شمال شرق البحر المتوسط وبعدها توجه لغرب المنطقة فغزا مدينة درولية التي تقع اليوم بقرب أسكي شهر بشمال غرب الأناضول بينما فتح مسلمة إثنين من الحصون قرب طوانة وبعدها سار للغرب ففتح مدينة نيقوميديا وهي مدينة إزميد حاليا بشمال وسط الأناضول ومدينة هرقلة بوسط جنوب الأناضول ثم غزت قواته أسكدار الواقعة شرقي مضيق البوسفور بالجزء الآسيوى من مدينة إسطنبول بتركيا حاليا وبعد شهور قليلة من فتح مدينة طوانة توجه مسلمة بن عبد الملك بجيشه نحو مدينة عمورية بوسط غرب إقليم الأناضول والتي كانت من أهم المدن البيزنطية وأكثرها قوة وتحصينا ومناعة وكان معه خلال هذه الحملة عدد كبير من القادة والأمراء الأمويين منهم عمه محمد بن مروان بن الحكم وإبن عمه محمد بن عبد العزيز بن مروان شقيق الخليفة عمر بن عبد العزيز بن مروان وعبد الله البطال وعبد الله بن الصحابي جرير بن عبد الله البجلي وعبد الرحمن بن صعصعة بن صوحان العبدى وأخذ مسلمة زوجاته وبناته معه إلى ساحة الحرب وأخذ مَن كان معه نساءهم أيضا وكانت من عادة بني أمية أن يصطحبوا نساءهم معهم إذا قرروا الغزو وكانوا يفعلون ذلك إبتغاء الجد خلال القتال بسبب غيرتهم على محارمهم من النساء وخلال السير إلى عمورية مر الجيش بمكان يقال له عقبة بغراس وهو جبل طويل يتم عبور طريق صعب من خلاله وأثناء سيرهم فيه سقط محمل إمرأة إلى أسفل الجبل فأمر مسلمة أن تنزل باقي النساء من محاملهن وأن يكملن الطريق مشيا علي الأقدام فسميت تلك العقبة عقبة النساء وعندما بلغ شمعون حاكم عمورية خبر سير العرب إليها لغزوها قام بجمع كل أهالي القرى والحصون والقلاع الصغيرة المجاورة لعمورية وأدخلهم داخل أسوارها وأغلق تلك الأسوار ثم دعا بطريرك من بطارقته يدعى ورسيب فجمع له شمعون أربعين ألف جندى من جنوده وأعطاه أربعة رايات على شكل صليب وجعل تحت كل راية عشرة آلاف جندى وأمره أن يذهب بهم ليلاقي الجيش الأموى وسار ورسيب بالجيش ولحقه شمعون بجيش قوامه ثمانون ألف جندى فوصلت الأخبار لمسلمة بن عبد الملك بحشد الجيوش لملاقاته فبدأ يهيئ جنوده للحرب ويجهزهم فرتبهم في مواضعهم وعبأهم ثم دعا عبد الله البطال فإستعمله على رأس جيش قوامه عشرة آلاف جندى وأمره أن يسبقه للقاء ورسيب وأن يتقدمه ففعل البطال وسار للقاء ورسيب ومن خلفه جيش مسلمة بن عبد الملك حتى كاد أن يصل البطال لمدينة عمورية فإستقبله ورسيب على رأس أربعين ألف من الجنود فتقارب الجيشان من بعضهم فتقاتلوا فتمكن المسلمون من قتل عدد كبير من جنود ورسيب ومن جهة أخرى هاجم ورسيب عبد الله البطال وهو لا يعرف من هو بينما كان البطال يعرف أنه قائد الروم فتحرك إليه فضربه ضربة على مقدمة خوذته فقطعت الضربة خوذته وأعلى رأسه فخر ورسيب قتيلا ثم جال عبد الله البطال في ميدان الحرب ومعه جنود المسلمين وفي النهاية حقق المسلمون النصر علي الروم .


ووصلت أخبار الهزيمة ومقتل ورسيب لشمعون وجيشه سريعا فزحف سريعا بمن معه من الفرسان والمشاة البالغ عددهم جميعا ثمانون ألف لكي يواجه جنود المسلمين وأرسل عبد الله البطال للقائد مسلمة بن عبد الملك يخبره بالنصر وقدوم شمعون فأتى مسلمة مسرعا مع جماعة من المسلمين فتقابل جيشه وجيش شمعون فتداعى الفرسان على بعضهم وتقاتلوا قتالا شديدا وكادت جنود الروم أن تقتل جند المسلمين وأن تهزمهم وفي أثناء ذلك تقدم القائد عبد الرحمن بن صعصعة بن صوحان العبدي أمام المسلمين وهو ينشد شعرا لإثارة حمية وحماس المسلمين وهجم على جنود الروم فقاتل لمدة ثم عاد مجروحا فتقدم عبد الله بن الصحابي جرير بن عبد الله البجلي وهاجم الروم بشراسة فقاتل حتى رجع مجروحا أيضا ثم تقدم محمد بن مروان بن الحكم فقاتل الروم فتحرك إليه قائد الروم شمعون بنفسه فطعنه طعنة قوية بسيفه فجرح محمد فعاد لصف الجيش المسلم بسبب جرحه فتقدم إبن أخيه محمد بن عبد العزيز بن مروان وهجم علي جند الروم فقاتل لمدة طويلة حتى رجع للجيش المسلم مجروحا أيضا وبعدما رأى مسلمة بن عبد الملك ما يحل بالمسلمين من الهزيمة ثارت ثائرته فنزل عن فرسه التي كان يمتطيها فلما رأى المسلمون ما فعل نزلوا معه من على دوابهم فتقدم مسلمة وهجم على الجيش الرومي ماشيا فلحقه جنوده فإختلط الجيشان وحمى الوطيس وإقتتلوا قتالا شديدا وإشتدت المعركة فصبر المسلمون بعضهم بعضا حتى صاح صائح من جنود الجيش الأموى قائلا أيها الأمير البشرى فقد قتل الله شمعون فلما سمعه مسلمة كبر وكبر المسلمون معه فإذا عبد الله البطال قد أقبل إلى مسلمة ومعه رأس شمعون المقطوع فألقاه بين يديه وعند ذلك وثب مسلمة وعاد إلى فرسه وإمتطاها فركب المسلمون خيولهم وهجموا على الروم الذين لحقت بهم الهزيمة وفروا من ساحة المعركة وأذعنوا بالذل والصغار ثم سارع الجيش المسلم إلى باب عمورية فدخلوها عنوة فقتلوا الجنود المقاتلين فيها وغنموا أمتعتها وأموالها وكانت غنائم عمورية تزيد على مائتي ألف مثقال من الذهب والفضة إضافة إلى الأمتعة والبغال والحمير فكتب مسلمة رسالة إلى الخليفة الوليد بن عبد الملك يخبره بالنصر وأخرج الخمس من الغنائم وأرسلها إليه وقام بتوزيع باقي الغنائم على الجيش .


وحدث في عام 89 هجرية الموافق عام 708م أن إنتفض الجراجمة أو المردة على المسلمين وهم قوم مسيحيون كانوا يعيشون في مدينة جرجومة الواقعة في جبال الأمانوس قريبا من الحدود الإسلامية البيزنطية شمالي بلاد الشام وكانوا منذ الفتح الإسلامي للشام يشكلون مصدر قلق للمسلمين إذ أحيانا كانوا يسالمون المسلمين وأحيانا أخرى ينتفضون ويساعدون الروم على المسلمين ويتجسسون لصالح الروم ويقطعون الطرق على المسلمين خصوصا الجيوش التي كانت تغزو بلاد الروم ويثيرون الفتن الداخلية وكانوا قد ساعدوا الإمبراطور جستنيان الثاني ضد المسلمين أثناء الحرب بين عبد الله بن الزبير وعبد الملك بن مروان وعندما إشتد آذاهم للمسلمين أرسل إليهم عبد الملك جيشا هزمهم وقتل قائدهم الرومي ثم قام الإمبراطور جستنيان الثاني بنقل 12 ألف شخص من الجراجمة لبلاد الروم عندما عقد إتفاقية سلام مع عبد الملك وفي العام المذكور 89 هجرية الموافق عام 708م في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك إنتفض الجراجمة مرة أخرى على المسلمين وإنضم إليهم روم من الإسكندرونة وجزيرة رودس بالبحر المتوسط فأرسل الوليد بن عبد الملك أخاه مسلمة بن عبد الملك مع جيش لإخماد فتنتهم فهزمهم وفتح مدينتهم جرجومة فإستسلموا له فتصالح معهم على أن يتركوا مدينتهم ومساكنهم ويتفرقون وينتقلون إلى أى مكان يريدونه من أرض الشام فوافقوا وقام بتخريب مدينتهم وتدميرها حتى لا يعودوا إليها ويرجعوا لخيانة المسلمين ومعاونة الروم ومساعدتهم ضد المسلمين وقطع طرق الجيوش وتهديد أمن الحدود الإسلامية فإنتقل بعضهم إلى جبل الحوار وشيح اللولون وعمق تيزين وبعضهم ذهبوا إلى حمص وكلها مناطق تقع في شمال بلاد الشام وذهب بطريركهم مع جماعة إلى أنطاكية ثم هرب منها إلى بلاد الروم وبعدها أعطى مَسلمة الجراجمة عدة إمتيازات للتقرب منهم وتأليف قلوبهم فأجرى على كل إمرئ منهم ثمانية دنانير وعلى أسرهم القوت من القمح والزيت ورفع عنهم الجزية رغم بقائهم على دينهم وفي المقابل فرض عليهم مسلمة محاربة الروم وأن يغزوا مع المسلمين إذا أرادوا مقاتلة الروم وأن ينقلوا أسلاب من يقتلونهم مبارزة إذا غزوا مع المسلمين وأن يؤخذ من أغنيائهم والمتوسطي الحال منهم نفس أموال الزكاة التي تؤخذ من المسلمين فوافقوا على كل هذه الشروط وبذلك إنتهت فتنتهم وأصبحوا إلى جانب المسلمين ولَم ينتفضوا مرة أخرى أو ينقضوا العهد وإستمر العباسيون بعد نهاية الدولة الأموية في منتصف القرن الثامن الميلادى في معاملة الجراجمة بنفس الشروط التي كان قد وضعها مسلمة بن عبد الملك لهم .

وإستمرت غزوات العرب المتتالية على أرض الروم في السنوات التالية بشكل سنوى إذ كان خلفاء بني أمية يطلقون جيوشهم كل صيف وكل شتاء من كل سنة لكي يغزوا حصون الروم ومدنهم وكانت تسمى غزوات الصيف الصوائف وغزوات الشتاء بالشواتي وكانت هذه الغزوات على الروم عادة ما يقودها أمراء بني أمية وعلي رأسهم مسلمة بن عبد الملك بن مروان الذي لم تكن تمر سنة منذ أواخر خلافة أبيه عبد الملك بن مروان وخلافة أخيه الأكبر الوليد بن عبد الملك بن مروان وأخيه سليمان بن عبد الملك بن مروان من بعده إلا وكان يغزو بلاد الروم مرة أو مرتين كل عام ومعه كان يغزو الصوائف والشواتي إخوته عبد الله بن عبد الملك بن مروان والحجاج بن عبد الملك بن مروان وهشام بن عبد الملك بن مروان وعمه محمد بن مروان بن الحكم وإبني عمه محمد بن عبد العزيز بن مروان ومروان بن محمد بن مروان وأبناء إخوته العباس بن الوليد بن عبد الملك وداوود بن سليمان بن عبد الملك وعبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك بن مروان ومعاوية بن هشام بن عبد الملك وأيوب بن سليمان بن عبد الملك وسليمان بن هشام بن عبد الملك ومسلمة بن هشام بن عبد الملك ففي العام التالي 90 هجرية الموافق عام 709م غزا مَسلمة بن عبد الملك مكان يدعى سورية يقع في أرض الروم ففتح الحصون الخمسة الموجودة فيه وفي صيف عام 91 هجرية الموافق عام 710م غزا مسلمة غزوة الصائفة بأرض الروم مع إبن أخيه عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك وبذات السنة عزل الوليد عمه محمد بن مروان عن منصب والي إمارة أرمينية وأذربيجان والجزيرة الفراتية وولى عليها أخاه مسلمة بن عبد الملك ومع توليه لهذا المنصب أصبح قائد جند قنسرين بشمال الشام فذهب مسلمة للقوقاز وغزا الخزر ففتح الكثير من مدنهم وحصونهم حتى وصل لمدينة دربند مرة أخرى ثم حارب الممالك الواقعة حول المدينة وفتح ديارهم وفي صيف عام 92 هجرية الموافق عام 711م غزا مسلمة غزوة الصائفة مع إبن أخيه عمر بن الوليد بن عبد الملك بأرض الروم ففتحوا ثلاثة من الحصون ومدينة سوسنة فقام مسلمة بإجلاء أهل سوسنة إلى بلاد الروم وهرب الروم من جيش مسلمة وعمر إلى آخر بلادهم وتوغل مسلمة بغزوته هذه في بلاد الروم حتى وصل إلى بحر مرمرة الواقع قريبا من القسطنطينية وفتح مسلمة أيضاً مدينة طريدة بأرض الروم .


وفي صيف عام 93 هجرية الموافق عام 712م أطلق الخليفة الوليد بن عبد الملك ثلاثة جيوش أموية لغزو أرض الروم أولها جيش إبنه العباس بن الوليد بن عبد الملك ففتح العباس سبسطية والمرزبانين وطرسوس بجنوب إقليم الأناضول وثانيها جيش إبنه مروان بن الوليد بن عبد الملك فغزا الروم حتى وصل مدينة خنجرة أو جانقري وتقع بوسط الأناضول شمال شرق العاصمة التركية أنقرة حاليا وفتحها وثالثها جيش مسلمة بن عبد الملك فغزا الروم من جهة ملطية بشرق إقليم الأناضول ففتح ماسة وحصن الحديد وغزالة وبرجمة وفتح أيضا غلاطية وأماسيا بوسط الأناضول وفي عام 94 هجرية الموافق عام 713م أطلق الوليد خمسة جيوش بإتجاه الروم أولها جيش إبنه العباس بن الوليد بن عبد الملك ففتح أنطالية وقارطة وأنطاكية بجنوب الأناضول شمالي البحر المتوسط وثانيها جيش إبنه الثاني عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك الذى وصل حتى غزالة وفتحها وثالثها جيش الوليد بن هشام المعيطي وكان من كبار ولاة وقادة وأمراء دولة بني أمية ففتح برج الحمام ورابعها جيش يزيد بن أبي كبشة الكندى وكان من كبار أمراء دولة بني أمية ومن رجالها المخلصين الذى وصل حتى سورية وفتحها مرة أخرى وخامسها جيش أخيه مسلمة بن عبد الملك الذى فتح مدينة صندرة شمالي بلاد الشام قرب الحدود الإسلامية البيزنطية وهي بسوريا حاليا وفي عام 95 هجرية الموافق عام 714م غزا مسلمة بلاد الروم ففتح ملطية وذهب إلى القوقاز فغزا بلاد الخزر وفتح عدة مدن وحصون خزرية وكان من ضمن المدن التي فتحها مدينة صول وجمران والبران وشروان ومدينة دربند للمرة الثالثة ولما فتح مدينة دربند هذه المرة دمرها وهدمها وأعاد بنائها بعد ذلك بتسع سنوات وفي عام 96 هجرية الموافق عام 715م غزا مَسلمة غزوة الصائفة ببلاد الروم ففتح حصن إسمه حصن عوف وغزاهم أيضا العباس بن الوليد بن عبد الملك ففتح طولس والمرزبانين وغزاهم أيضا بشر بن الخليفة الوليد غزوة الشاتية بشتاء ذلك العام وخلال غزوته هذه توفي والده الوليد وتولى الخلافة أخوه سليمان بن عبد الملك بن مروان الخلافة . .


وكان الهدف من كل الغزوات الأموية لبلاد الروم هو التمهيد لفتح العاصمة البيزنطية القسطنطينية والتي حاول الخليفة الأموى الأول معاوية بن أبي سفيان فتحها مرتين بعد أن تم حصارها الأولي عام 49 هجرية الموافق عام 669م والثانية عام 54 هجرية الموافق عام 674م لكن لم تنجح تلك المحاولتين نظرا لمناعة أسوارها ولكون الحصار لم يكن كاملا حيث كان الطريق مفتوحا نحوها من ناحية البحر فكانت تأتي لها المؤن والعتاد من ناحية البحر وفي عهد الخليفة سليمان بن عبد الملك عاود المسلمون الكرة على القسطنطينية عام 98 هجرية الموافق عام 717م حيث قام الخليفة سالف الذكر بحشد جيش برى بلغ قوامه 180 ألف جندى من أهل الشام والجزيرة الفُراتية والموصل بالإضافة إلى عدد 1800 قطعة بحرية وإتخذ من قرية مرج دابق شمالي حلب مقرا ومعسكرا له وأعطى الله عهدا أن لا ينصرف حتى يدخل جيش المسلمين القسطنطينية ومن هذا المكان قام الخليفة بتعبئة الجيش وحركه بإتجاه العاصمة البيزنطية بقيادة أخيه مسلمة بن عبد الملك فوصلها بعد أن فتح بضعة ثغور على طول الطريق وألقى أفراده أنفسهم عند أسوار القسطنطينية وحاصروها من جهة البر وتحرك في الوقت نفسه الأسطول الإسلامي الضخم بإتجاه مضيق الدردنيل وبحر مرمرة وحاصر المدينة من جهة البحر أيضا وقام مسلمة بن عبد الملك بنصب المجانيق الضخمة على امام أسوار المدينة وأخذ يضربها لكن ردته مناعة الأسوار ومهارة المهندسين الروم في ترميم ما يتهدم منها بسرعة وتوفر أدوات الدفاع لديهم كما حدث أن هبت عاصفة عاتية حطمت عددا كبيرا من السفن الإسلامية فإنتهز البيزنطيون هذه الفرصة وأحرقوا عددا كبيرا منها بالنار الإغريقية كما عجز الجيش الإسلامي من تطويق الجبهة الشمالية للعاصمة البيزنطية مما مكنها من الإتصال بسواحل البحر الأسود التي أمدتها بحاجتها من الغلال والمؤن علاوة علي حلول فصل الشتاء ففتك البرد القارس والجليد بعدد من الجنود أضف إلي ذلك مهاجمة البلغار حلفاء البيزنطيين لهم من الجانب الأوروبي للقسطنطينية بالإتفاق مع الإمبراطور الرومي ليو الثالث الإيساورى وفي وسط هذه الظروف الصعبة توفي الخليفة سليمان بن عبد الملك وخلفه إبن عمه عمر بن عبد العزيز بن مروان والذى رأى أن لا جدوى من الحصار المضروب علي القسطنطينية فأرسل كتابا إلى مسلمة بن عبد الملك يأمره بفكّ الحصار والعودة إلى دمشق ففعل الأخير ما أُمر به وكان ذلك في شهر ذي الحجة عام 99 هجرية الموافق شهر يوليو عام 718م .

وفي عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز توقفت الفتوحات حيث كان من وجهة نظر الخليفة ضرورة التفرغ في هذه المرحلة لتنظيم الأمور الداخلية للدولة وأن حفظ دماء المسلمين أولى من توسيع رقعة الدولة الإسلامية في هذه المرحلة بعد أن إتسعت رقعة الدولة في عهد أسلافه وإستلزم الأمر ضرورة إعادة تنظيم الولايات وفي الحقيقة كان الخليفة عمر بن عبد العزيز إداريا وسياسيا عظيما إضافةً إلى صلاحه وورعه وتقواه وتواضعه وعدله مع كل أفراد الرعية فعم العدل والخير بلاد المسلمين في عهده وأعاد الحقوق إلى أصحابها ورد إعتبار آل بيت الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ورد عليهم حقوقهم وأجبر ولاة الأمر على اعطاء كل ذى حقه وعزل الولاة الظالمين وإهتم بالعلم والعلماء وأمر بتدوين الحديث النبوى الشريف كما ذكرنا في السطور السابقة وبعد وفاته تولي الخلافة إبن عمه يزيد بن عبد الملك بن مروان وفي عهده حدثت فتنة كبرى في بلاد العراق تزعمها يزيد بن المهلب وفي السطور القادمة سنلقي الضوء علي هذه الفتنة وخلفياتها وحتي القضاء عليها علي يد مسلمة بن عبد الملك وكان الخليفة سليمان بن عبد الملك قد عين يزيد بن المهلب واليا علي العراق وخراسان فقام يزيد وإخوانه بجمع أهل وعشيرة الحجاج بن يوسف الثقفي إنتقاما من الحجاج وسجنهم وعذبهم أشد العذاب طيلة عهد سليمان كما أنهم أخذوا أموالهم وأملاكهم وكان ممن سجنوه وعذبوه وقتلوه محمد بن القاسم الثقفي إبن أخ الحجاج بن يوسف وصهره والذى كان قد فتح بلاد الهند وبلاد السند كما عذب عبد الملك بن المهلب شقيق يزيد الحكم بن أيوب بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي حتى الموت وفقأ عين يوسف بن عمر الثقفي إبن عم الحجاج أثناء التعذيب ثم إستطاع يوسف الهرب منهم وعلاوة علي ذلك سجن يزيد أبناء الحجاج وكان فيمن سجنهم أيضا أم الحجاج بنت محمد بن يوسف الثقفية بنت أخ الحجاج بن يوسف وأمر أخاه عبد الملك بتعذيبها وكانت زوجة يزيد بن عبد الملك وأم إبنه الوليد بن يزيد فحاول أن يجعل يزيد بن المهلب يترك زوجته فرفض فعرض عليه أن يدفع له من المال ما يشاء فرفض فهدده يزيد بن عبد الملك قائلا له أما والله لئن وليت من الأمر شيئا لأقطعن منك طابقا فقال له يزيد بن المهلب وأنا والله فلئن كان ذلك لأرمينك بمائة ألف سيف وبعدها إستطاع يزيد بن عبد الملك أن يفدى زوجته بمبلغ قدره مائة ألف دينار وحررها من السجن وفي خراسان ما أن تولى عليها يزيد بن المهلب حتى أخذ وكيع بن أبي سود فسجنه بسبب خلاف معه وسجن معه عماله وحاشيته جميعهم وعذبهم معه بعصر أقدامهم بآلة كانت تعرف بآلة الدهق ثم أخذ كل رجل إشتغل مع قتيبة بن مسلم الباهلي أثناء ولايته على خراسان فسجنهم وعذبهم وسرق أموالهم فلما إنتقده أحد الشعراء خفف التعذيب عنهم ثم أخذ عمرو بن مسلم الباهلي شقيق قتيبة فسجنه وعذبه وسرق كل ما يملك حتى أن محمد بن المهلب أخ يزيد حذره وحذر بقية إخوانه العاقبة ومن أن ينقلب عليهم الحال ثم فتح يزيد جرجان وطبرستان وفي هذه الفتوحات كسب الكثير من الغنائم فكتب لسليمان يخبره أنه جمع مبلغ ضخم من الخُمُس يقدر بستمائة ألف ألف ففرح سليمان ثم إستمر يزيد في الإستيلاء علي أموال أهل خراسان حتى أصبح معه مبالغ لا تقدر بثمن ظلما وعدوانا وقرر أن ينفصل بملك خراسان والخروج على الخليفة سليمان بن عبد الملك فكتب أهلها يحذرون سليمان منه فتحير في كيفية التصرف مع إبن المهلب وحذره رجل من أن الأموال التي مع يزيد كثيرة وبها يستطيع الخروج عليه وبدونها لن ينجح بشئ وقال له أن عليه إرسال أحد إخوته ليأخذ الأموال من يزيد غصبا عنه فحينها أرسل سليمان لأخيه مسلمة بن عبد الملك وكان حينها محاصرا العاصمة البيزنطية القسطنطينية يخبره بأمر يزيد وطلب منه أن يتصرف معه وفي هذه الأثناء توفي سليمان وتولى الخلافة عمر بن عبد العزيز بن مروان خلفا له .

ووصل خبر وفاة سليمان بن عبد الملك ليزيد بن المهلب فإنزعج وأخذ يسب سليمان وبنيه وبني مروان وأظهر طمعه في الخلافة قائلا إن معاوية بن أبي سفيان إنما كان له ولد واحد فملك الخلافة هو وإبنه بضعا وعشرين سنة وسليمان بن عبد الملك له ثلاث سنين فمتى يخرج هذا الملك منهم لا يخرج إلى يوم القيامة ولنبايعن الأطفال من ولد سليمان وكان يزيد يظن أن الخلافة بعد سليمان ستذهب لإبنه أيوب ولكنه توفي فذهبت الخلافة لإبن عمه عمر بن عبد العزيز بن مروان وكانت علاقة يزيد سيئة بالخليفة الجديد إذ كان عمر بن عبد العزيز يكرهه هو وإخوانه ويصفهم بالجبابرة وكان يحذر إبن عمه الخليفة سليمان بن عبد الملك من غدر يزيد وبالمقابل كان يزيد يتهم عمر بالرياء والنفاق ثم عرف يزيد بخلافة عمر فذهب بما معه من الأموال إلى نيسابور وبقي فيها ثم أرسل إليه عمر يطلب منه أن يبايعه فلما قرأ يزيد الرسالة عرف أن عمر سيعزله عن المنصب ثم ذهب إلى العراق وأرسل الأموال التي كانت معه إلى مكان ما في البصرة فدعاه والي العراق الجديد عدي بن أرطأة الفزارى وقال له أبا خالد إن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أمرني أن أقبض منك الأموال التي جبيتها من بلاد خراسان وجرجان وطبرستان فقال يزيد أيها الأمير إنه كان ذلك غير أني فرقته في أجناد خراسان وقويتهم به في جهاد عدوهم ولم أدخر من تلك الأموال شيئا فعلم عدى أنه يكذب فقال له دع هذا يا إبن المهلب وإخرج من هذه الأموال وإلا حملتك إلى أمير المؤمنين فيرى فيك برأيه فوافق يزيد على الذهاب للخليفة عمر بن عبد العزيز فسجنه عدى وأراد نقله لعمر ولكن أتى أشراف وأسياد خراسان يطلبون القصاص من يزيد بن المهلب ويشتكون لعدى ظلمه وما فعله بهم ثم أرسله عدى مع رجل إسمه موسى بن الوجيه الحميرى لعمر بن عبد العزيز فسأله عن الأموال فقال نعم يا أمير المؤمنين إني قد كنت من سليمان بالمكان الذى قد علمت فكتبت إليه بذلك الكتاب ليسمع به الناس وقد علمت أن سليمان لم يكن ليأخذني بما كتبت به إليه ولا كنت أخاف أن يأتيني من قبله أمر أكرهه فعلم عمر أنه يكذب وقال له يا إبن المهلب دع عنك هذا فإني ما أجد بدا من أخذك بتلك الأموال حتى تؤديها وإلا حبستك بها فإتقِ الله يا إبن المهلب‌ وأد ما قبلك فإنها حقوق المسلمين ولن يسعني تركها عليك فرفض يزيد فأمر عمر أن يربطوه بغلائل أكثر ثم سجنه وأراد عمر أن ينفيه إلى جزيرة دهلك الكبرى وهي أكبر جزر الأرخبيل الواقع في البحر الأحمر والمعروف بأرخبيل دهلك وهو عبارة عن تجمع جزر قبالة الشواطئ الأريترية قرب مدينة مصوع يضم عدد 126 جزيرة ولكن قال له شخص إن يزيد لديه 10 آلاف عبد يفدونه بحياتهم وأنه ما أن يخرج حتى يهربونه ويشعلون فتنة فأبقاه عمر بالسجن وحاول إبنه مخلد بن يزيد أن يتوسط له عند عمر وعرض على عمر أن يدفع بعضا من المبلغ لأجل أبيه فرفض عمر وحاول شخص أن يتوسط له فقال عمر هو رجل سوء قتال والحبس خير له وبقي يزيد بالسجن رافضاً إعادة المال حتى مرض عمر عام 101 هجرية الموافق عام 720م فعلم يزيد أنه سيموت فقام برشوة الحراس وتنكر وهرب بمساعدة إخوانه لأن يزيد بن عبد الملك سيأخذ الخلافة ولما هرب أرسل لعمر رسالة يقول فيها إني والله لو علمت أنك تبقى حيا ما برحت من محبسي الذى حبستني فيه أبدا ولكني لم آمن أن تهلك ويلي يزيد فيقتلني شر قتلة فقرأوا الرسالة على عمر بن العزيز وهو في دور الإحتضار في آخر رمق له فدعا على يزيد بن المهلب قائلا اللهم إن كان يزيد بن المهلب يريد بهذه الأمة شرا فإكفهم شره وإردد كيده في نحره وأحقه به وهضه فقد هاضني إنك على كل شئ قدير وذلك عليك يسير .


وبعد أن تولي يزيد بن عبد الملك الخلافة كان أول ما فعله هو البحث عن يزيد بن المهلب الهارب ولم يكن له هم إلا البحث عنه قبل أن يتسبب في فتنة ويخرج على الخلافة وقد أشار أنصار إبن المهلب عليه أن يذهب إلى الناعورة الواقعة بحلب حيث يسكن مسلمة بن عبد الملك بشكل دائم لكي يستجير ويحتمي به من أخيه الخليفة الجديد يزيد بن عبد الملك إلا أن معاوية بن يزيد بن المهلب أشار على والده أن لا يذهب لمسلمة فإقتنع يزيد بكلام إبنه وفي ذلك الوقت كان الخليفة قد بعث الكوثر بن زفر بن الحارث الكلابي وأخيه الهذيل بن زفر الكلابي ومعهما تميم بن عمير بن الحباب وعبد الرحمن بن سليم الكلبي للبحث عن إبن المهلب كل واحد منهم بشكل منفصل مع رجال فلم يلحقه أحد ما عدا أحد أبناء زفر بن الحارث الكلابي حيث إستطاع اللحاق به ولكنه تركه ولم يقترب منه وذلك لأنه يكره آل المهلب جميعهم فإنه إذا أمسك يزيد فقتله سيكون قد قتل واحد منهم فقط وهو يريد أن يهرب يزيد فيخرج على الخلافة فينضم له آل المهلب فيقتل أغلب آل المهلب عندما يهزم كبيرهم يزيد وفي نفس الوقت أرسل يزيد بن عبد الملك إلى عدى بن أرطأة والي البصرة وعبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب والي الكوفة يخبرهما بموت عمر بن عبد العزيز وتوليته الخلافة وبهرب إبن المهلب ويحذرهما منه وأمرهما بالبحث عنه كما أمر عدى أن يقبض علي إخوان يزيد بن المهلب ومواليهم وأنصارهم وشيعتهم الذين ساعدوه على الهرب حتى لا يجتمعوا ويخبئونه ويشعلوا فتنة لا داعي لها وأخذ عدي حبيب ومروان ومدرك وأبو عيينة ولما أراد سجن المفضل وعبد الملك أرسل عدى إليهما العالم الإمام الحسن البصرى ورجلين آخرين لكي ينصحونهما بتسليم أنفسهما بسهولة ولا يخرجاا على الدولة مع أخيهم يزيد فقال عبد الملك للحسن البصرى إنكم واطأتم عديا على هلاكنا وليست طاعته بواجبة علينا فكذبه الحسن البصرى فغضب عبد الملك وأخذ سيفه ليقتله وقال أتكذبني يا بن اللخناء والله لولا أن أُعير بقتلك وأنت في منزلي لضربت عنقك فإنك عبد تريد إستذلال أهل المصر بتخاشعك وقد حمقت نفسك وعدوت طورك وقدرك فهدأه المفضل وفي النهاية سجنهم عدى ثم نصحه وكيع بن أبي سود أن يقتلهم فرفض عدى ثم طلب منه أن يهدم منازل آل المهلب حتى لا يجد بها يزيد بن المهلب مخبأ فرفض فطلب منه أن يفتح بيت مال البصرة وخزائنها ليدفع للناس أموالا حتى يدافعوا عن المدينة من إبن المهلب وأتباعه فأخبره أنه لا يستطيع إستخدام بيت المال لأن الخليفة الجديد يزيد لم يعطه الإذن بالتصرف بالمال كما يشاء فحذره وكيع أنه سيقتل على يد إبن المهلب إن إستمر بالتصرف هكذا ودخل يزيد بن المهلب العراق وكان معه 100 رجل من أبناء أعمامه ومواليه فبقي في مكان إسمه القطقطانية وهناك وصله خبر وفاة عمر بن عبد العزيز وخلافة يزيد بن عبد الملك وسجن إخوانه وأنصاره وحاول عبد الحميد وعدى أن يمسكا به فلم يستطيعا ذلك ونفذ منهما حتى وصل لبيت عائلته وفي ذلك اليوم أرسل يزيد بن المهلب للخليفة يزيد بن عبد الملك رسالة يطلب فيها أن يعطيه الأمان وأن يسامحه وأرسل إبنه خالد وإبن أخيه حميد بن عبد الملك بن المهلب بالرسالة للخليفة بالعاصمة الأموية دمشق وفي ذات اليوم أرسل إلى عدى بن أرطأة يطلب منه تحرير إخوته وإخراجهم من سجنهم وكتب في رسالته إني لم أخلع ولم أرد شقاقا وقد كتبت إلى أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك أسأله أن يؤمنا فخل سبيل إخوتي لنخرج عن المصر فإن أتى كتاب أمير المؤمنين بما نحب فذاك وإلا كنت قد سلمت منا وسلمنا منك وأرسل الرسالة مع القاسم بن عبد الرحمن الهلالي وهو إبن عمته فاطمة بنت أبي صفرة فسأل عدى القاسم عن رأيه فقال له القاسم ألا يخلي سبيل إخوان يزيد حتى يسلم يزيد نفسه له فإقتنع عدى برأى القاسم وعاد القاسم ليزيد فأخبره أن عدى قد رفض حتى أن يسلم نفسه.
 
 
الصور :
تصوير لجنود بيزنطيون يطلقون النار الإغريقية على أحد السفن جانب من أسوار القسطنطينية