بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
وعند هذا الحد أعلن يزيد بن المهلب الحرب ولم يهتم لموضوع طلب الأمان من الخليفة وكان أخيه محمد قبل أن يدخل يزيد للبصرة قد جمع من إستطاع من أقاربهم ومواليهم حتى جمع كتيبة ضخمة من الرجال وبعد ما حدث مع عدى بدأ يزيد يجمع قبائل الأزد وقبائل ربيعة ويغدق على كل رجل يأتيه وينضم له بالمال والذهب والفضة فمال الناس إليه وأخذ يجهز جيشه وأنصاره ويشترى من الأسلحة الكثير وأحرق الأسواق وهدم الحوانيت بينما إنضم إلي عدى قليل من قبائل قيس عيلان وتميم وكان عدى لا يملك من المال إلا القليل ولا يستطيع فتح خزائن الأموال مع أنها تحت تصرفه لأن الخليفة لم يعطه الإذن بعد فكان يعطي الجنود القليلين الذين معه درهمين لكل رجل من مال كان يقترضه ويأخذه سلفا من الناس ويقول لهم خذوا هذا حتى يأتيني أمر أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك فقد كتبتُ إليه أن يطلق لي إعطاءكم من بيت المال وإن أقدمت على إعطائكم من بيت المال لم آمن لائمته وأن لا يحسب ما تأخذونه لي ثم حفر خندقا حول البصرة لئلا يدخلها يزيد بن المهلب وأرسل المسور بن عمر مع بضعة رجال فأرسل يزيد بن المهلب إليه أخاه محمد بن المهلب فهزم المسور ومن معه ولم يكن كل آل المهلب مع يزيد إذ كان إبن عمه سبرة بن نخف بن أبي صفرة يقاتل مع عدى بن أرطأة ويكره خروج يزيد بن المهلب وذهب البخترى بن معن بن المغيرة بن أبي صفرة للشام وإنضم ليزيد بن عبد الملك وبعدها أرسل يزيد بن المهلب رجل من أنصاره هو بكير الفراهيدى الأزدى ليحاصر البصرة قبله وسار إبن المهلب بعده للبصرة وقام عدى بتوزيع فرسانه بكل ناحية وإستعد للحرب وكتب للخليفة يزيد بن عبد الملك يخبره بخروج إبن المهلب على دولة الخلافة وأرسل عدى هريم بن أبي طلحة التميمي مع جنود قيس عيلان وتميم والمسور بن عمر على كتيبة أخرى وبقى هو على جنود قبيلة حنظلة وسعد فأرسل يزيد بن المهلب لملاقاتهم أخيه محمد والمشمعل الشيباني ودارس مولى أخيه حبيب على جيوش فهزموا جنود عدى ثم أرسل إبن أخيه عثمان بن المفضل بن المهلب لعدى فهزم الذين معه فهرب عدى لدار الإمارة وطلب من حبيب بن المهلب أن يجيره ويؤمنه عند أخيه يزيد إذا إنتصروا فقال لا ولا كرامة فطلب من عبد الملك وأبو عيينة ذلك فوافقا وكان عدى وأبناء المهلب لا يعرفون من إنتصر فإتفقا علي أنه إذا إرتفعت الأصوات بالخارج طلب منهم عدى الأمان وإذا إنخفضت طلب آل المهلب من عدى الأمان وفي النهاية إستولى جماعة يزيد على البصرة ففتح عثمان بن المفضل الدار وأمسك بعدى وأخرج أعمامه وأرسل ليزيد بن المهلب يخبره بالنصر فدخلها يزيد في منتصف شهر رمضان عام 101 هجرية الموافق أواخر شهر مارس عام 720م وقال كل الناس آمنون إلا عديا وموسى بن الوجيه الحميرى وكانت هناك عدواة بين موسى ويزيد لأن موسى بعهد الخليفة سليمان بن عبد الملك تزوج أخت زوجة إبن المهلب فسجنه يزيد وجلده بالسياط حتى أجبره على تطليقها لأنه لا يرى موسى كفؤا ليكون عديله وكان موسى هو الذي أخذ يزيد مقيدا إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز فلما إنتصر يزيد بالبصرة أخذ موسى وقتله ثم أمر يزيد بتقييد عدى بن أرطأة وإبنه وعدد من أصحابه وألقى القبض أيضا على أقارب وأبناء عم عدى ثم أحضروهم عنده فضحك عدى فقال له يزيد مما تضحك وتتبسم والله لقد كان ينبغي لك أن يمنعك من الضحك خلتان إحداهما الفرار من القتلة الكريمة حتى أعطيت بيدك كما تعطي الأمة الوكعاء والثانية أني أتيت بك وأنت تتل كما يتل العبد الآبق إلى أربابه وليس معك مني عقد ولا عهد فما يؤمنك مني إن أضرب عنقك فرد عدى أبا خالد إنك قد قدرت ومننت فتلك شيمتك وإن عاقبت فبما كسبت يداى مع أني أعلم أن بقائي متصل ببقائك وإن أهلكتني أنت مطلوب منه أخرى لا تغرنك نفسك يا يزيد فإنك قد رأيت جنود الله بالشام وعلمت بلاء الله عند أهله في كل موطن من مواطن أهل الغدر والنكث فتدارك أمرك وزلتك بالتوبة وإستقالة العثرة من قبل أن يرمي بك البحر بأمواجه فإن طلبت الإقالة لم تقل .
وبعد ذلك سجن يزيد بن المهلب عدى ومن معه ثم خرج كثير من أهل البصرة للكوفة لرفضهم سيطرة إبن المهلب عليها وفي اليوم التالي جمع يزيد أهل البصرة في المسجد وخطب فيهم ليمهد إعلانه للخلافة فقال يا أيها الناس إنا غضبنا لكم فإنظروا لأنفسكم رجلا يحكم فيكم بالعدل ويقسم فيكم بالسوية ويقيم فيكم الكتاب والسنة ويسير بسيرة الخلفاء الراشدين فقال الحسن البصرى كبير علماء العراق آنذاك يا عجبا من يزيد إنه بالأمس يضرب أعناق هؤلاء الذين إتبعوه تقربا إلى بني مروان حتى إذا منعوه شيئا من دنياهم وأخذوه بحق الله عليه غضب فعقد خرقا على قصب ثم نعق بأعلاج فإتبعوه وقال إني قد خالفت هؤلاء فخالفوهم ثم يدعوهم إلى كتاب الله وسيرة الخلفاء الراشدين ألا وإن من سيرة الخلفاء الراشدين أن يوضع في رجله قيد ويرد إلى محبس عمر ولا يلقي الفتنة بين الناس وقال هذا عدو الله يزيد بن المهلب كلما نعق لهم ناعق إتبعوه ثم أعلن إبن المهلب عن خلافته فأتى إليه الكثير وبايعوه على الخلافة ولقب نفسه بالقحطاني وقال إني لأرجو أن أهدم مدينة دمشق حجرا حجرا ثم ذهب وإستولى على بيت المال ووزعه على من يناصره ويبايعه ومع سيطرته على البصرة سيطر على المشرق فولى أخاه محمد بن المهلب على بلاد فارس وولى هلال بن عياض على الأحواز وولى على عمان أخاه زياد بن المهلب وعلى خراسان أخاه مدرك بن المهلب ووادع بن حميد الأزد ى على قندابيل الواقعة في الهند وأرسل واليا على البحرين وولى على شرطته عثمان بن أبي الحكم الأزدى وولى إبن أخيه المهلب بن أبي عيينة على جزيرة إبن كاوان والتي تقع بالخليج العربي بين البحرين وعمان ثم في عيد الفطر عام 101 هجرية الموافق منتصف شهر أبريل عام 720م خطب الناس فخلع يزيد بن عبد الملك وأعلن الخروج عليه رسميا وسب بني مروان بن الحكم أصحاب الدولة الأموية وسب أيضا عبد الحميد بن عبد الرحمن والي الكوفة وحرض الناس عليهم ثم أرسل رجاله إلى الخارجي الصفرى بسطام بن مرى اليشكرى الملقب بشوذب وهو قائد جماعة سميت بالخوارج الصفرية وهي فرقة من الخوارج ظهرت في بلاد المغرب وينسب الأشعرى وأبو الفتح الشهرستاني هذه الفرقة إلى زياد بن أصفر ليطلب منه مساعدته ونصرته والإنضمام إليه في خروجه على يزيد بن عبد الملك فرفض بسطام أن ينضم إليه وقال لهم لولا مكانكم من الدين لقتلتكم أتدعوني إلى نصر يزيد بن المهلب ثم جلد رجال إبن المهلب عشرين جلدة بالسوط وتركهم يذهبون وكان علماء البصرة يكرهون إبن المهلب ويحرضون الناس عليه ويطلبون منهم عدم الخروج على الأمويين وعدم مبايعة يزيد بن المهلب وكان على رأسهم الإمام الحسن البصرى الذي كان يقول عنه فاسق قاتل الناس مع هؤلاء على غير هدى وكان يقول للناس والله لو أن الناس إذا إبتلوا من قبل سلطانهم صبروا لم يلبثوا أن يفرج الله عنهم ولكنهم يفزعون إلى السيف فيكلهم الله إليه فوالله ما جاء الجازع إلى السيف بيوم خير قط وسأله يوما قاضي إسمه زيدل هل يخرج مع يزيد بن المهلب فنهاه الحسن البصرى عن هذا ولكنه ذهب وبايع يزيد فسمع الحسن بهذا فقال يأتينا أقوام فينتصحونا فننتصح لهم فيسيؤون بنا زيدل وما زيدل لعن الله زيدلا وخطب في الناس فدعا على يزيد قائلا عجبا لهذا الحمار النهاق يدعو زعما إلى كتاب الله وسنة نبيه وقد نبذها وراء ظهره اللهم أصرع إبن المهلب صرعة تجعله بها نكالا لما بين يديه وما خلفه وموعظة للمتقين يا عجبا لفاسقٍ غير برهة من دهره ينتهك المحارم يأكل معهم ما أكلوا ويقتل من قتلوا حتى إذا منع شيئا قال إني غضبان فإغضبوا فنصب قصبا عليها خرق فأتبعه رجرجة ورعاع يقول أطلب بسنة عمر إن من سنة عمر أن توضع رجلاه في القيد ثم يوضع حيث وضعه عمر وبالطبع فقد وصلت هذه التحريضات لإبن المهلب فقال يا قوم مالي وللحسن يخذل الناس عني إني لأخاف والله نفسي عليه يقصد أنه قد يقتله وقال عن الحسن البصرى أيضا والله ما أدري ما إستبقائي إياه فإنه شيخ جاهل لهممت أن أضربه حتى يموت فنصحه أخاه المفضل بعدم فعل هذا لأنه عالم أهل البصرة وسيدهم وسينقمون عليه إن تعرض له فسكت عنه .
وكان العالم قتادة بن دعامة يحرض أيضا على يزيد بن المهلب ويسبه فأمسكه يزيد وشتمه فرد عليه قتادة فقال أحد أصدقاء يزيد له دعني أبعج بطن هذا الأعمى أعمى الله قلبه كما أنه أعمى البصر والقلب فأمر يزيد رجاله بضرب قتادة فجرح من عنقه ثم ربطوا عنقه بحبل وأخرجوه فبكى فسأله الناس أتبكي يا أبا الخطاب فقال نعم مما أرى فأخذه يزيد إبن المهلب وسجنه في الأحواز فظل هناك مسجونا حتى قتل إبن المهلب وإنتهت فتنته وسأل الناس العالم محمد بن سيرين عن حكم القتال مع إبن المهلب فنهاهم عن الخروج والقتال معه وأن يعتزلوا الفتنة وذهب رجل لمكة المكرمة ليسأل الإمام والفقيه والعالم مجاهد بن جبر عما يفعل إذا أجبره إبن المهلب على القتال فقال له أن تقتل خير من أن تقتل أحدا لأجل إبن المهلب وذهب يزيد بن المهلب وإخوته عبد الملك والمفضل وأبو عيينة إلى العالم التابعي والمحدث فرقد السبخي وقالوا له يا أبا يعقوب إن بني أمية إبتزوا الناس أمورهم فلو خرجتَ سارع الناس إليك فطردهم ولَم يرد عليهم وفي المقابل كان خالد بن يزيد بن المهلب وحميد بن عبد الملك بن المهلب قد وصلا إلى دمشق وقابلا الخليفة يزيد بن عبد الملك معهما رسالة طلب الأمان فإستشار الخليفة الناس فقال الذين من القبائل العدنانية لا تؤمنه فإنه أحمق غدار وإنحاز الذين من القبائل القحطانية إلى إبن المهلب فحثوه على تأمين هذا الأخير فقرر الخليفة يزيد بن عبد الملك أن يؤمنه بشرط أن يعيش بالبصرة ولا يخرج منها لئلا تحدث فتنة ولكي يحقن دماء المسلمين وفي ذلك الوقت لم يكن الخليفة يعلم بخروج إبن المهلب عليه بالبصرة فأرسل خالد بن يزيد بن المهلب ليبشر أباه بالأمان بينما ذهب بعده حميد بن عبد الملك بن المهلب مع خالد بن عبد الله القسرى ورجل آخر لكي يسلموا رسالة الخليفة لإبن المهلب وبينما هم بالطريق إستقبلهم رجل فأخبرهم بما فعل إبن المهلب بالعراق وخروجه علي الخلافة الأموية فأمسكوا حميد بن عبد الملك بن المهلب وأرسلوه للخليفة يزيد بن عبد الملك فسجنه وأمسك والي الكوفة بخالد بن يزيد بن المهلب وأرسله للخليفة أيضا فسجنه مع حميد ثم أرسل الخليفة جنودا للكوفة وأرسل لأهلها يمدحهم على عدم خروجهم عليه وثباتهم ودعمهم للخلافة الأموية ويعدهم بأن يزيد من أعطياتهم وفي نفس الوقت سارع الخليفة يزيد بن عبد الملك بن مروان بالإستنجاد بأخيه مسلمة بن عبد الملك بن مروان للقضاء على يزيد بن المهلب وفتنته فولاه على بلاد العراق وخراسان وأمره أن يحررهما من قبضة وسيطرة يزيد بن المهلب وجمع له جيش قوامه خمسين ألف جندى من أهل الشام والجزيرة الفراتية وجعله ومعه إبن أخيه العباس بن الوليد بن عبد الملك قادة على الجيش وأرسلهم مباشرة لبلاد العراق بهدف إخماد فتنة يزيد بن المهلب وكان ذلك في عام 102 هجرية الموافق عام 720م .
وإنطلق العباس بن الوليد أولا مع عدد 20 ألف جندى إلى مدينة الحيرة فعسكر فيها وإنطلق مسلمة بعده مع عدد 30 ألف جندى إلى الأنبار شمالي الحيرة فعسكر فيها ثم إجتمع الجيش في النخيلة بالكوفة فقال مسلمة ليت هذا المزوني لا يكلفنا اِتباعه في هذا البرد ولما وصلت الأخبار لإبن المهلب قام يخطب في أنصاره قائلا يا أهل العراق إن أهل الشام قد نهضت إليكم في خمسين ألفا فهاتوا آراءكم رحمكم الله فقال له أخوه حبيب بن المهلب الرأى عندى أن تخرج من البصرة في جميع أصحابك حتى تصير إلى فارس فتنزلها ثم تأخذ بالشعاب والعقاب ثم تدنو من بلاد خراسان فتطاول القوم فتكون القلاع والحصون في يدك وأهل الجبال معك فإن سار القوم إليك قاتلتهم وإستعنت الله عليهم فقال يزيد يا أخي ليس هذا برأى أتريد أن تجعلني طائرا على رأس جبل والله ما الرأى عندى إلا مصادمة القوم لي كانت أم علي ثم كتب لأخيه محمد بن المهلب أن يأتيه من فارس فأتاه فسأله يزيد عن رأيه بأن يهرب إلى فارس فقال له محمد أقم فقاتل بأهل مصرك فقال حبيب لا تخدعن فإن أهل مصرك غير مقاتلين معك ولكن إحمل هذا المال وإخرج إلى الموصل فإدع عشيرتك بها فقال يزيد لحبيب يا أبا بسطام أردت أن تقربني من عدوى فيقاتلني في بلاده لا ولكني آت واسطا وهي مدينة كان الحجاج قد بناها بوسط بلاد العراق ثم أقرب من الكوفة وأرتاد مكانا فيه مجال للخيل وأرجو أن ينضم إلي من أهل الكوفة مثل من معي من أهل البصرة ثم جمع إبن المهلب جيشا قدره 120 ألف جندى من البصرة وواسط والأحواز وفارس ثم إستخلف أخاه مروان بن المهلب على البصرة وخرج بجيشه إلى نهر معقل قرب الكوفة وأمر أخاه مروان بن المهلب أن يستنفر الناس للحرب ويحثهم على الخروج والإنضمام له بينما أكمل الإمام الحسن البصرى حثهم على عدم فعل هذا وعدم الخوض بالفتنة فأخذ مروان أصحاب الحسن وسجنهم ليسكت فسكت فحررهم مروان ولكن عاد الحسن البصرى وخطب في الناس فقال أيها الناس إلزموا منازلكم وكفوا أيديكم وإتقوا الله ربكم لا يقتل بعضكم بعضا على دنيا زائلة وطمع فيها يسير ليست لأهلها بباقية وليس الله عنهم فيما كسبوا براض وإعلموا بأنه لم تكن فتنة قط إلا وأكثر أهلها الخطباء والشعراء والسفهاء وأهل التيه والخيلاء وليس يسلم منهم إلا الجهول الحقير والمعروف التقي فمن كان منكم تقيا فليلزم منزله وليحبس نفسه عما يتنافس فيه الناس من هذه الدنيا الدنية فسمعه مروان فقام وقال أيها الناس قد بلغني عن هذا الشيخ الضال المرائي بأنه يثبط الناس عنا ويأمرهم بخذلاننا ووالله لو أن جاره نزع من خص داره قصبة لظل أنفه يرعف دما من الغيظ عليه وينكر علينا وعلى أهل مصرنا أن نطلب بحقنا أما والله ليكفن عنا وعن ذِكرنا وعن الجمع إليه سقاط أهل الأبلة وعلوج فرات البصرة وإلا ناله منا ما يكره أو لأنحين عليه مبردا خشنا فغضب أهل البصرة وكادوا يقتلون مروان بن المهلب لأجل الحسن فقال الحسن مهلا فإني نهيتكم أن تقتلوا أنفسكم مع غيرى ولست أحب أيضا أن يقتل بعضكم بعضا لأجلي فإلزموا منازلكم فإني أكره أن يكرمني ربي بهوان مروان بن المهلب .
وكان يزيد بن المهلب قد إنطلق بجيشه إلي مدينة واسط وأخذ معه الكثير من الأسرى مثل عدى بن أرطأة الفزاري وغيره وعندما سمع جنوده أن من سيقاتلهم هو مسلمة بن عبد الملك والعباس بن الوليد بن عبد الملك إرتعبوا وخافوا منهما كثيرا فسمعهم يزيد فقام فيهم يخطب أيها الناس إني قد سمعت الناس في عسكرى هذا وقولهم بأنه قد جاء مسلمة بن عبد الملك والعباس بن الوليد وجاء أهل الشام فخبروني من مسلمة فوالله ما مسلمة عندى إلا جرادة صفراء قسطنطين بن قسطنطين ومن العباس بن الوليد فوالله ما العباس عندى إلا نسطوس بن نسطوس ومن أهل الشام فوالله ما هم إلا سبعة أسياف خمسة منها لي وإثنان علي وإنما أتاكم مسلمة والعباس في برابرة وأقباط وجرامقة وأنباط وجراجمة وأخلاط مغاربة وسقالبة زراعون وفلاحون أوباش وأخناش أليس لكم جنن كجننهم أو ليسوا بشرا يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون فلا يهولنكم أمرهم فوالله ما لقوا مثل جدكم وإني لأرجو أنهم ما جاؤوا إلا لهلاكهم وحلول النعمة بهم وليس يردعهم عن غيهم إلا الطعن في نحورهم والضرب بالمشرفية على قممهم فأعيروني سواعدكم ساعة تصطفقون بها هامهم وخراطيمهم فإنما هي غدوة أو روحة حتى يحكم الله بينكم وبين القوم الظالمين ثم ترك واسط وإستخلف عليها إبنه معاوية وترك عنده الأموال والخزائن والأسرى ثم أرسل إخوانه ليختاروا مكانا للحرب فإختاروا العقر وهي مكان يقع بين المدائن والكوفة بين نهرى دجلة والفرات فذهب إليه بجيشه وعسكر به وأتاه خوارج من الكوفة وإنضموا له وإنضم له أيضا الخوارج الإباضية وهي طائفة إسلامية سّيت نسبة إلى أكبر الدعاة إليها وهو عبد الله بن إباض التميمي والذي عاصر معاوية بن ابي سفيان وتوفي في زمن عبد الملك بن مروان وذهب والي الكوفة عبد الحميد للنخيلة وبثق الأنهار حتى لا تدخل جماعة يزيد للكوفة وأرسل جيشا تحت قيادة سند بن هانئ الهمذاني لمساعدة مسلمة والذى توجه بالجيش نحو العقر ولما إقترب أرسل يزيد بن المهلب أخاه محمد وابنه مع جيش كبير لمقاتلتهم فإستقبله العباس بن الوليد مع 4 آلاف رجل إضافة لرجال من أهل البصرة كانوا ضد يزيد إنضموا للعباس فإلتقوا وتقاتلوا فكاد أن يهزم جنود الشام بينما صبر هريم بن أبي طلحة التميمي ورجال البصرة الذين إنضموا للعباس فقال هريم لجنود الشام يا أهل الشام لا تسلمونا فتشجعوا وهجموا بقوة على جيش إبن المهلب وهجم عليهم هريم وأهل البصرة ومعهم أهل الشام فإنهزم أصحاب يزيد فطلب محمد بن المهلب من أخيه أن يرسل لمسلمة فرسان يقاتلونه فأرسل يزيد عبد الله بن حيان العبدى مع عدد 4 آلاف فارس وأرسل إليه فضيل بن هناد الأزدى مع كتيبة فرسان إضافية وأرسل أيضا رجل إسمه الفراصي مع كتيبة أخرى وأرسل أيضا سالم المنتوف مع كتيبة ثانية فأرسل لهم مَسلمة سعيد بن عمرو الحرشي مع عدد 4 آلاف جندى فإلتقوا وتقاتلوا وأعد جيش سعيد لهم كمين فقتل القائد عبد الله بن حيان وإضطرب أمر جيش يزيد فهزموا وعادوا ليزيد وأمسك سعيد بسالم المنتوف وأسره فأحضره لمسلمة فلما رآه قال سالم لمسلمة مستهزءا إستبقني لقتال الروم فقال له مسلمة يا إبن اللخناء طالما كفيناك قتال الروم وكفاناهم الله قبلك فأمر بإعدام سالم فقتل ثم إرتحل مسلمة بالجيش فعبر نهر الصراة وهو أحد أنهار بغداد القديمة حتى وصل للعقر فعسكر وحفر خندقين حول عسكره وأقام هناك لمدة 8 أيام بدون قتال .
وخلال هذه الأيام أرسل مسلمة بن عبد الملك لإبن المهلب يؤمنه على حياته هو وإخوانه الذين خرجوا معه ويطلب منه ترك الخروج والحرب حتى لا تسفك دماء المسلمين مقابل أن يوليه هو وإخوانه أى بلد ومدينة يريدونها فرفض إبن المهلب العرض ثم كتب إليه مسلمة في محاولة له يثنيه عن الخروج على الدولة وكان محتوى رسالته إنك والله ما أنت بصاحب هذا الأمر صاحب هذا الأمر مغمور موتور وأنت مشهور غير موتور ثم أراد مسلمة أن يعطيه الأمان على حياته مرة أخرى فغضب العباس بن الوليد بن عبد الملك وقال لعمه مسلمة أتؤمنه فلا يبقى أحد إلا خلع وأفسد وسفك الدماء فلم يستمع مسلمة له وأرسل ليزيد يؤمنه فرفض يزيد وفي الليلة التي كانت قبل المعركة أتى يزيد لأصحابه وقال إني قد عزمت أن أنتخب من عسكرى هذا إثنا عشر ألف رجل فأضمهم إلى محمد بن المهلب وآمره أن يكبس عسكر مسلمة بن عبد الملك ليلا فيضع فيهم السيف فإن كان ما أحب فذاك وإلا ناجزتهم غدا إن شاء الله ولا قوة إلا بالله فإني أرجو أن ينصرني الله عليهم وكان يريد بذلك الغدر بجيش مسلمة وأن يقتحم علي جنوده معسكرهم وهم نائمون فيقتلهم فرفض أصحابه وقال أحدهم إنا قد دعوناهم فليس لنا أن نمكر ولا نغدر ولا نريدهم بسوء حتى يردوا علينا ما زعموا أنهم قابلوه منا فتراجع عن قراره لأن أصحابه رفضوا تنفيذ الأمر وفي اليوم التالي 14 صفر عام 102 هجرية الموافق يوم 23 أغسطس عام 720م خرجت كتيبة فرسان من معسكر يزيد بن المهلب وكتيبة فرسان أخرى من معسكر مسلمة بن عبد الملك فتقاتلوا فسمع يزيد بن المهلب أصوات الضجيج بالخارج فسأل عنه فقالوا له الناس يقتتلون فقام ولبس درعه ثم خرج وجعل أخاه حبيب قائدا على ميمنة الجيش وأخاه المفضل قائدا على ميسرة الجيش وجعل الراية مع إبن عمه المهلب بن العلاء بن أبي صفرة وبدأت المعركة بينما جلس يزيد على كرسي عند خندق معسكره يراقبهم ومن جهة أخرى جعل مسلمة بن عبد الملك الهذيل بن زفر بن الحارث الكلابي شقيق الرباب بنت زفر الكلابية زوجة مسلمة بن عبد الملك قائدا على ميمنة الجيش وجعل القعقاع بن خليد العبسي إبن عم ولادة بنت العباس زوجة الخليفة عبد الملك بن مروان ووالدة الخليفتين الوليد وشقيقه سليمان قائدا على ميسرة الجيش .
وقبل المعركة بقليل قال سعيد بن عمرو الحرشي لمسلمة بن عبد الملك إن محمد بن المهلب كان لي ودا فلو أذنت لي فلقيته فأعطيته أمانا لعله يصرف يزيد عن رأيه فقال له مسلمة أن يذهب ويعطي كل آل المهلب الأمان فذهب وإستدعى صديقه محمد بن المهلب وعرض عليه الأمان فذهب محمد ليخبر اخاه يزيد لكنه رفض وبدأ القتال بأن تقدم حيان النبطي للمبارزة فتقدم حبيب بن المهلب لمبارزته فإنتهت المبارزة بقطع يد حيان على يد حبيب فبدأ القتال بين الجيشين ثم أمر مسلمة جنوده بأن يقوموا بحرق جسر نهر الصراة والسفن التي به فلما رأى جنود جيش يزيد ذلك كادوا أن ينهزموا وهربوا في كل ناحية فقال يزيد ما للناس فقالوا له إنهم إنهزموا بسبب حرق الجسر فقال يسب جيشه لعنهم الله رعاج نفخ فطار بئس حشو الكتيبة والعسكر كأنهم غنم شد في ناحيتها ذئب وقام هو ومجموعة من جيشه يلطمون وجوه من هرب من الجنود لكي يعودوا للقتال وخلال المعركة فقئت عين المفضل بن المهلب وتبارز سعيد بن عمرو الحرشي ومحمد بن المهلب فجرح سعيد محمد جرحا عميقا مع جبهته فعاد ينزف إلى يزيد والذى كان ينقل كرسيه من مكان لمكان حتى رأى فرس أخيه حبيب بن المهلب يمشي وحيدا فقال هذا والله فرس أبي بسطام ولا أحسبه إلا قد قتل فقام وركب فرسه وإنطلق للحرب وخلال هذه الفترة إنحاز مسلمة بجيشه إلى تلة صعدوا عليها أثناء القتال فلما رأى جند جيش يزيد مضطربين إنحدر بجيشه في إتجاه أصحاب يزيد وحمل جيش الشام على جيش العراق حملة رجل واحد وكاد أصحاب يزيد أن ينهزموا ومن جهة أخرى أتى يزيد يبحث عن مسلمة بن عبد الملك يريد قتله فرآه القحل بن عياش الكلبي أحد جنود الشام فقال لأصحابه يا أهل الشام هذا والله يزيد بن المهلب والله لأقتلنه أو يقتلني إن دونه ناسا فمن يحمل معي ليكفيني أصحابه حتى أصل إليه فرد عليه جماعة أنهم سيقاتلون الذين حول يزيد حتى لا يحمونه فيقوم القحل بمبارزة يزيد وقتله فهجموا عليهم وتقاتلوا ساعة وهاجت موجة غبار فلما إنكشف الغبار وجدوا أنه خلال هذه الساعة قتل 3 آلاف من الجيشين وكان يزيد قد قتل على يد القحل ووجدوا بجسده 30 طعنة وأيضا قتل القحل على يد يزيد فنزل الهذيل بن زفر الكلابي وقطع رأس يزيد وأثناء هذا إفتقد جيش العراق يزيد بن المهلب ولم يعرفوا مكانه ولم يعرفوا أنه قد قتل فقال لهم إبن عمه ويحكم إطلبوا محمد بن المهلب فإن فيه خلفا من يزيد إن كان يزيد قتل فبحثوا عن يزيد ولم يجدوه فألقى المهلب بن العلاء الراية وهرب من المعركة ودخل جيش الشام معسكر يزيد فأسروا 300 رجل وإنهزم أصحاب يزيد وبدأوا يهربون في كل ناحية وقتل في هذه المعركة يزيد ومحمد وحبيب وحماد أبناء المهلب بن أبي صفرة والحجاج وعبد ربه أبناء يزيد بن المهلب وحرب بن محمد بن المهلب وفي هذه الأثناء كان المفضل بن المهلب يقاتل وهو لا يعلم أن إخوانه قد قتلوا وأنهم إنهزموا فرأى جنود ربيعة بن نزار يهربون فقال لهم الكرة الكرة يا معشر ربيعة نفسي لكم الفداء إصبروا ساعة فما كنتم بكشف ولا لئام وما الفرار لكم بعادة ولا يؤتين أهل العراق من قبلكم فأتى إليه رجل وقال له ما تصنع ههنا وقد قتل يزيد وحبيب ومحمد وإنهزم الناس فهرب الذين كانوا يقاتلون معه لما سمعوه وهرب المفضل بن المهلب إلى مدينة واسط وأسر مسلمة بن عبد الملك عدد 2800 جندى من معسكر يزيد أما بقية جيش يزيد فلم يستطع الإمساك بهم لهربهم جميعهم وكتب العباس بن الوليد إلى عمه الخليفة يزيد يبشره بمقتل إبن المهلب وتفرق أنصاره .
وبعد المعركة أتى جنود جيش الشام برؤوس يزيد وإخوانه الثلاثة لمسلمة بن عبد الملك فقال أترى هؤلاء القوم قد خرجوا علينا كانوا يظنون أن الخلافة فيهم لئن كانوا ظنوا ذلك فلقد ظنوا إفكا وزورا وبهتانا وبعدما عرف معاوية بن يزيد بن المهلب ما حدث بالمعركة قام فأخذ الأسرى الذين معه وهم 83 رجلا من أهل البصرة الذين كانوا ضد إبن المهلب وكان من ضمنهم عدي بن أرطأة الفزارى فقطع رؤوسهم إنتقاما لأبيه وذهب إلى بنات وزوجات وأخوات آل المهلب ونساءهم يريد أن يقتلهن لكي لا يقعن في الأسر والسجن فأغلقن باب عليهن وهو يقول لهن أما والله لو ظفرتُ بكن ما أبقيت منكن واحدة والله أولى بالعذر ولم يستطع الوصول إليهن وهرب مروان بن المهلب من البصرة وتركها ثم وصل المفضل بن المهلب وأبناء إخوانه الهاربين من المعركة فإجتمعوا ببعض وهربوا نحو البصرة وإختبأوا بها ثم أحضر مسلمة 400 من الأسرى فعزل منهم 30 رجل من أكبر أنصار يزيد إبن المهلب وقتل الباقين وأرسل الثلاثين مع رؤوس آل المهلب إلى دمشق لأخيه الخليفة يزيد بن عبد الملك فلما وصلت الرؤوس للخليفة سجد شكرا لله ثم نظر لهم وقال إنهم أنصار يزيد بن المهلب فلقد خاب من إغتر بنصرة أمثاله وأمر بقتل الثلاثين أسيرا بالإضافة إلي 80 أسيراً آخر أرسلهم له أخوه مسلمة بن عبد الملك وكان عنده الكثير من الناس وكان من الذين عنده أحد أبناء عم يزيد بن المهلب الذين لم يخرجوا على الدولة فقال له الخليفة يزيد بن عبد الملك يا أخا الأزد ما تقول في بني عمك هؤلاء فقال يا أمير المؤمنين قوم زرعتهم الطاعة وحصدتهم الفتنة وأخذ رأس يزيد بن المهلب إلى زوجته أم الحجاج بنت محمد بن يوسف الثقفية التي كان قد عذبها يزيد بن المهلب وسجنها هي وأقاربها وقتلهم فأمسكت برأسه وبصقت في وجهه وقالت أراك شيخا أحمق تطلب الباطل ثم أمر الخليفة يزيد بن عبد الملك بأن يطوف الجنود برؤوس آل المهلب ببلاد الشام ليراها الناس ويتعظون ثم نصب الخليفة رأس يزيد بن المهلب على باب قرية توماء بغوطة دمشق ونصب رؤوس إخوانه بيمينه ويساره وببلاد االعراق علق مسلمة بن عبد الملك جثة يزيد بن المهلب وصلبها على سارية سفينة وكان قد بقي عند مسلمة من الأسرى 2800 فأرسلهم إلى واليه على الكوفة محمد بن عمرو بن الوليد بن عقبة الأموى وكان مَسلمة قد عزل عبد الحميد بن عبد الرحمن عن الكوفة وولى محمد مكانه وجاءت الأوامر من الخليفة لمسلمة يأمره بقتل الأسرى فأرسل مسلمة لمحمد يطلب قتلهم فقتل منهم محمد 180 رجل حتى وصلت رسالة من مسلمة يأمره بعدم قتلهم ثم أرسل الخليفة رؤوس إبن المهلب وإخوانه لمسلمة لينصبها لأهل البصرة الذين خرجوا معه ليتعظوا وكتب الخليفة لأخيه مسلمة بن عبد الملك يأمره بملاحقة رجال آل المهلب الهاربين ويقتلهم ولا يبقي أى أحد منهم بايع يزيد بن المهلب وخرج على الدولة وقاتل معه .
وأخبر جاسوس آل المهلب بالأمر فأخذوا نسائهم وأولادهم وأموالهم ومواليهم وحيواناتهم وأنصارهم وهربوا عبر سفينة حتى وصلوا لشاطئ مدينة كرمان بجنوب شرق إيران حاليا فنزلوا فيه ومنه ذهبوا برا هاربين لقندابيل ببلاد الهند ووصلت الأخبار لمسلمة بن عبد الملك فأرسل جيشين جيش تحت قيادة هلال بن أحوز التميمي قدره 12 ألف جندى وجيش آخر تحت قيادة مدرك بن ضب الكلبي فلما وصل آل المهلب لقندابيل قام بخيانتهم وادع بن حميد الأزدى وهو أحد أنصار يزيد بن المهلب وكان يزيد قد ولاه سابقا على قندابيل عندما إدعى الخلافة بالبصرة وأغلق أبواب المدينة بوجوههم ومنعهم من الدخول وبعدها وصل هلال بجيشه ونصب راية وعلم الدولة الأموية وصرخ من هرب فهو آمن ومن أتى هذه الراية فهو آمن إلا أن يكون من ولد المهلب أي أن من إستسلم وأتى للراية أو هرب فلن يقتل ما عدا ذرية المهلب بن أبي صفرة فتسارع الناس للراية وإستسلموا ثم تقاتل هلال مع جماعة آل المهلب وصاح معاوية بن يزيد بن المهلب بأنه هو قاتل عدى بن أرطأة فهجم رجل تميمي عليه فقتله للثأر لعدى بن أرطأة ثم وعد هلال من يقتل أى مهلبي ويأتي برأسه فله ألف درهم وخلال المعركة قتِل المفضل بن المهلب وأتوا برأسه لهلال وهو الذى أصبح سيد آل المهلب بعد قتل أخيه يزيد وقتل عبد الملك ومروان وزياد أبناء المهلب وقتل المنهال بن أبي عيينة بن المهلب وعمرو والمغيرة أبناء قبيصة بن المهلب وآسر هلال عثمان بن المفضل بن المهلب وأبي عيينة بن المهلب وعمر بن يزيد بن المهلب ولكنهم هربوا منه وألقى القبض على بقية رجال آل المهلب الذين خرجوا على الدولة وأوصى بنساء آل المهلب خيرا وقال من رفع سترا أو دخل على إمرأة فلا ذمة له وحذرهم من سرقة ما معهن أو التعرض لهن حتى إقتحم أحد جنوده بيت إمرأة من آل المهلب فإستنجدت بهلال بن أحوز فقام بقتله وإستئذنته ميسون بنت المغيرة بن المهلب بدفن جثث القتلى من قومها بعد المعركة فأعطاها الإذن بذلك ومن جهة أخرى توجه مدرك بن ضب الكلبي لمدينة كرمان فقابل مدرك بن المهلب وهو مع جماعة من أنصارهم ومؤيديهم الهاربين هناك فتقاتلوا وكان مع مدرك بن المهلب النعمان ومالك بن إبراهيم بن الأشتر النخعي ومحمد وعثمان أبناء إسحاق بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي أبناء أخ عبد الرحمن بن الأشعث وصول الجرجاني التركي مولى يزيد بن المهلب وخلال المعركة المشار إليها قتل محمد بن إسحاق والنعمان بن إبرهيم وهرب عثمان بن إسحاق لحلوان فقتله رجل هناك وأرسل رأسه لمسلمة وذهب مالك بن إبراهيم للكوفة وطلب المغفرة والأمان من مسلمة فأعطاه الأمان وتركه وأُسر صول فقتله مسلمة بالكوفة وهرب مدرك بن المهلب لقندابيل فقتله هلال بن أحوز وتمكن هلال من أسر 13 رجل من آل المهلب فأرسلهم مع رؤوس قتلاهم إلى مسلمة وهو في واسط الذي بدوره أرسلهم للخليفة بدمشق .
ولما وصل الأسرى إلي دمشق حاول الشاعر كثير عزة بن عبد الرحمن الخزاعي حث الخليفة يزيد بن عبد الملك على مسامحتهم على خروجهم فقال يزيد له يا أبا صخر هيهات أطت بك الرحم لا سبيل إلى ذاك إن الله أقاد منهم بأعمالهم الخبيثة ثم قال الخليفة للناس من يطلب آل المهلب بدم فليقم قاصدا من لديه ثأر مع آل المهلب فقام أولا يزيد بن أرطأة الفزارى أخ عدى بن أرطأة الفزارى وقال يا أمير المؤمنين قتلوا أخي وإبن أخي فقال له الخليفة خذ رجلين منهم وإقتلهما فأخذ يزيد بن أرطأة رجلين وقتلهما ثم قام بعده إبن لعبد الله بن عروة النصرى الذى قتل مع عدى بن أرطأة الفزارى فقال يا أمير المؤمنين قتلوا أبي فأخذ منهم رجلا وقتله فقام الناس حتى قتل كل الأسرى الذين أرسلهم هلال بن أحوز التميمي وكان هؤلاء الأسرى هم المعارك وعبد الله والمغيرة والفضل والمنجاب أبناء يزيد بن المهلب ودريد والحجاج أبناء أخيه حبيب بن المهلب وغسان وشبيب والفضل أبناء المفضل بن المهلب والمفضل بن قبيصة بن المهلب وبقي أبي عيينة بن المهلب وعثمان بن المفضل بن المهلب وعمر بن يزيد بن المهلب هاربين يعيشون في رتبيل بإقليم سجستان والذى يقع أغلبه حاليا في أفغانستان حتى أرسلت هند بنت المهلب إلى الخليفة يزيد تطلب الأمان لأخيها أبي عيينة فأمنه وسامحه فذهب لبلاد العراق وعاش هناك وبقي عمر بن يزيد وعثمان بن المفضل عنده حتى أصبح أسد بن عبد الله القسرى واليا على خراسان فأرسل إليهما بالأمان على حياتهما وقالت الشاعرة الحوراء بنت عروة النصرى أخت عبد الله بن عروة النصرى بعدما إنتقم الخليفة لأخيها شعرا تمتدح فيه بني أمية وبني مروان وتهجو يزيد بن المهلب وعند ذلك الحد إنتهت فتنة يزيد بن المهلب التي كادت أن تعصف بالدولة الأموية وبقي أن نذكر أنه لما أتى مسلمة بن عبد الملك ليقضي على فتنة يزيد بن المهلب كان أهل العراق قد إشتكوا له الخارجي بسطام بن مرى اليشكرى الملقب بشوذب وكان شوذب هذا قد خرج على الخليفة عمر بن عبد العزيز بالكوفة فأرسل له عمر يحاول أن يقنعه بترك الخروج وحدثت بينهما مناظرات دينية كثيرة حتى إقتنع شوذب وأرسل عمر جيش يبقى يعسكر بجانب شوذب وأتباعه حتى إذا ما بدأ شوذب يعتدي على الناس ويسفك الدماء يقومون بمحاربته ويقتلونه فبقي شوذب وجيش عمر على هذا الحال حتى آخر عهد عمر فبدأ شوذب يقطع الطريق ويعتدي على الناس وكان خطره وقوته يتفاقمان يوما بعد يوم حتى تولى يزيد الخلافة فأرسل له ثلاثة جيوش كل جيش يتكون من 2000 جندى فهزمهم وأبادهم حتى شكا العراقيون لمسلمة جرائم شوذب وخطره وقطعه للطرق فأرسل إليه سعيد بن عمرو الحرشي مع 10 آلاف جندى فقتله مع أتباعه وقضى عليهم وأراح أهل العراق منه ومن شره .
وبعد إنتهاء معركة العقر وإنتهاء فتنة يزيد بن المهلب وقتله قام الخليفة يزيد بن عبد الملك الذى كان قد ولى مَسلمة بن عبد الملك مسبقا على البصرة والكوفة بجمع كل بلاد العراق وخراسان تحت ولايته وتعتبر ولاية العراق أهم ولاية تولاها مسلمة بن عبد الملك خلال حياته لأنها يدار من خلالها الأقاليم الشرقية المتسعة للدولة الأموية وخلال ولايته على بلاد العراق ولى مسلمة عبد الرحمن بن سليم الكلبي على كل من البصرة وعمان فبقي عبد الرحمن بالبصرة وإستخلف محمد بن جابر الراسبي على عمان وولى مسلمة بن عبد الملك على شرطة البصرة عمر بن يزيد التميمي ثم أراد عبد الرحمن أن يقتل شيعة وأنصار ومن أيدوا يزيد بن المهلب بالبصرة فأرسل عمر بن يزيد لمسلمة يخبره بنوايا عبد الرحمن وكان مسلمة بعيد النظر ولا يريد تزويد الفتنة والمشكلة ويريد حقن دما المسلمين وأراد إستمالة قلوب من خرجوا مع يزيد بن المهلب فعزل عبد الرحمن وولى بدلا منه إبن عمه عبد الملك بن بشر بن مروان بن الحكم وولى النضر بن أنس بن مالك على قضاء البصرة ثم عزله وولى أخاه موسى بن أنس بن مالك وولى على الكوفة محمد بن عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط كما عزل مسلمة عبد الرحمن بن نعيم الغامدى عن ولاية خراسان وولاها سعيد بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص صهره وزوج إبنته الوحيدة وفي خراسان قام سعيد بإمساك 8 من ولاة يزيد بن المهلب الذين ولاهم على الأعمال بخراسان بسبب سرقاتهم لأموال خراسان فسجنهم وأمره مسلمة بمحاربة الخزر فحارب سعيد الخزر والأتراك والصغد في بلاد ما وراء النهر أكثر من مرة فهزمهم وإنتصر عليهم عدة مرات وجدير بالذكر أن إقتصاد بلاد العراق قد تأثر سلبيا بظروف الحرب وتأثرت خراسان أيضا بسبب التسيب الذى كان بها فلما تولي مسلمة كان ينفق أموال خراج العراق وخراسان على البلدين ويعمرهما بعدما حل بهما من خراب ودمار كما أنه كان يعمل على تأليف القلوب وتقوية الجيش ولذلك لَم يبق من الأموال شيئا ولم يرسل للخليفة يزيد شيئا من الخراج كما هي العادة فإستحى يزيد بن عبد الملك أن يطالب مسلمة بالخراج وأراد أن يعزله عن الولاية فإستحى أيضا أن يفعلها مباشرة فأرسل لمسلمة يطلب منه أن يولي نائبا عنه على بلاد العراق وأن يأتي للشام لأنه يريده فخرج مسلمة وأتى عمر بن هبيرة للعراق وبالطريق وصلت لمسلمة الأخبار أن عمر بن هبيرة عزل عماله ورجاله الذين وضعهم عن مناصبهم فعرف أن أخاه قد عزله عن ولاية العراق وولى عمر بن هبيرة مكانه فإستقبل الأمر بكل الرضا والقبول فقد كان زاهدا دائما في المناصب الإدارية محبا للجهاد والغزو في سبيل الله وكانت المدة التي قضاها مسلمة بن عبد الملك واليا علي العراق بعد مقتل يزيد بن المهلب حوالي تسعة شهور .
وبعد وفاة الخليفة يزيد بن عبد الملك وتولي الخلافة أخوه هشام بن عبد الملك في عام 105 هجرية الموافق عام 724م إستأنف مسلمة بن عبد الملك الغزو الخارجي بعدما قام هشام في منتصف عام 107 هجرية الموافق أواخر عام 725م بعزل الجراح بن عبد الله الحكمي عن إمارة أرمينية وأذربيجان وولى عليها بدلا منه أخاه مسلمة والذى توجه إليها فما كان منه إلا أن جعل الحارث بن عمرو الطائي نائبا عنه عليها وتركها وإتجه لأراضي الروم البيزنطيين في صيف تلك السنة لغزو الصائفة مع إبن أخيه معاوية بن هشام بن عبد الملك والد الأمير عبد الرحمن الداخل المعروف بصقر قريش والذى أسس فيما بعد الدولة الأموية ببلاد الأندلس حيث غزا معاوية الصائفة بحريا حتى عبر جزيرة قبرص بينما غزا مسلمة برا على رأس جيش آخر وكان معه إبن أخيه سعيد بن هشام بن عبد الملك الذى كان قائدا على جنود الشام وفي شتاء ذات العام قاد مسلمة حملة على بلاد الروم فسار من مدينة ملطية الرومية بشرق الأناضول حتى أقام على مدينة قيسارية بوسط إقليم الأناضول فغزاها وفتحها في يوم الأحد 4 رمضان عام 107 هجرية الموافق يوم 13 يناير عام 726م وفي العام التالي 108 هجرية الموافق عام 727م غزا مسلمة الصائفة في الجبهة الشرقية بينما كان عاصم بن يزيد بن عبد الملك على الجبهة الغربية وكان معاوية بن هشام بن عبد الملك وعبد الله البطال على المقدمة فإفتتح خنجرة أو جانقرى مرة أخرى وغزا أيضا معهم إبراهيم بن هشام بن عبد الملك ففتح أحد الحصون وفي صائفته هذه فتح مسلمة قيسارية ففتحها مجددا وخلال إنشغال مسلمة بغزو بلاد الروم غزا الخزر إمارة أرمينية وأذربيجان عام 109 هجرية الموافق عام 728م حتى توغلوا في أذربيجان فتوجه مسلمة لقتالهم ففرق جيشه في أذربيجان وأرمينية وغزاهم في بلادهم وأمضى الشتاء هناك وإنتصر عليهم وغنم غنائمهم وسبى بعضهم وفي العام التالي 110 هجرية الموافق عام 729م أكمل غزوه في ديارهم فسار إلى باب اللان وقاتل الخاقان ملكهم بمكان قريب من مدينة دربند وكان هذا في فصل الشتاء بغزوة تسمى غزوة الطين لأن الجيش الأموى سار في حربهم بمواضع وأماكن غرق فيها كثير من دوابهم وحيواناتهم فيها بسبب الوحل والطين وطالت هذه الغزوة أكثر من شهر وإنتهت بإنتصار مسلمة بن عبد الملك على الخزر في يوم 7 جمادى الآخرة عام 110 هجرية وخلال المعركة قاسى المسلمون شدائد وأهوال صعبة ولم تستطع هذه الحملة ردع الخزر الذين عادوا في العام التالي لغزو جنوب بلاد القوقاز وفي أوائل عام 111 هجرية الموافق أوائل عام 730م قام الخليفة هشام بن عبد الملك بعزل أخيه مسلمة عن القوقاز وأعاد الجراح الحكمي مرة ثانية واليا عليها .
|