الجمعة, 6 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

مسلمة بن عبد الملك
-ج4-

مسلمة بن عبد الملك
-ج4-
عدد : 07-2023
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"

وبعد رحيل مسلمة من القوقاز تدهور الوضع بسرعة هناك فتواجه الجراح مع أهل تلك البلاد في عدة معارك وإستطاعوا هزيمته وقتله وإبادة جيشه قرب أردبيل بشمال غرب إيران حاليا قرب الحدود الإيرانية الأذربيجانية في أوائل عام 112 هجرية الموافق أوائل عام 730م وأسروا آلاف العوائل المسلمة ومعهم أولاد ونساء الجراح وكان على رأس الجيش الخزري الذي هزم الجراح إبن ملك الخزر بارجيك والذى قام بإهانة رأس الجراح بعد قطعه وذلك بتعليقه ورفعه على رمح والطواف به بين الناس وكان جيش الجراح مكون من عدد 25 ألف جندى فقط بينما حشد الخزر 300 ألف جندى وبعدها تجرأ الخزر أكثر على أراضي المسلمين وتفاقم خطرهم وإنزعج المسلمون وفجعوا بسبب ما حدث مع الجراح وجيشه وتمكن الخزر من الوصول إلي الموصل وأمام هذه الأحداث المؤسفة بعث الخليفة هشام القائد سعيد بن عمرو الحرشي مع جيش إلى القوقاز فإستطاع هزيمتهم وإسترداد بعض المدن وحماية المدن المعرضة للخطر وحرر أسرى المسلمين من أيديهم خلال فترة بسيطة ولم يكتفِ هشام بذلك فولى أخاه مسلمة بن عبد الملك على جنوب القوقاز مرة أخرى في شهر شوال عام 112 هجرية الموافق شهر ديسمبر عام 730م وأرسله مباشرة مع جيش كبير لتسوية الأوضاع مع الخزر في القوقاز وفي أواخر العام المذكور 112 هجرية الموافق أوائل عام 731م خاض سعيد بن عمرو الحرشي معركة مع الخرز الذين كان يرأسهم الأمير بارجيك فتمكن المسلمون من قتلهم وهزيمتهم ولم ينج منهم إلا مَن هرب فأرسل رسالة للخليفة هشام بن عبد الملك يخبره بنجاح حملته وأنه هزم الخزر في عدة معارك وبعدها لحق سعيد بالجنود الهاربين مع بارجيك حتى وصل لمدينة شروان بشرق القوقاز بدولة أذربيجان حاليا فأقام سعيد بجيشه فيها ينتظر رسالة هشام وأوامره له فأتته رسالة هشام يخبره فيها أنه ولى مسلمة بن عبد الملك على أرمينية وأذربيجان وكان محتواها أما بعد فإذا ورد عليك مسلمة بن عبد الملك فسلم عليه وسلم إليه العمل وأقدم على أمير المؤمنين ليكافئك على فعلك الجميل وعندما قرأها الحرشي قال سمعا وطاعة لأمير المؤمنين وللأمير مسلمة وأقام في مكانه لا يحارب أحدا ومما يذكر أنه قبل معركته الأخيرة مع الخزر والتي حقق فيها النصر عليهم عندما إستعد لقتالهم أرسل إليه مسلمة بن عبد الملك رسالة يخبره فيها أن هشام عبد الملك ولاه ويأمره ألا يحارب الخزر حتى يصل إليه ولكن الرسالة وصلت متأخرة بعد أن كانت المعركة قد قامت وإنتهت .


وكان مسلمة بن عبد الملك قد خرج بجيشه من الشام في شهر شوال عام 112 هجرية الموافق شهر ديسمبر عام 730م ولما وصل لللقوقاز نزل في مدينة برذعة والتي تقع جنوب مدينة يفلاكس غربي مدينة باكو عاصمة أذربيجان الحالية وأرسل لسعيد يطلب منه القدوم من شروان فقال له عندما وصل يا سعيد ألم يأتكَ كتابي الذى أمرتكَ فيه أن لا تتعرض لحرب الخزر حتى أقدم عليك فلم هونت بنفسك وخاطرت بمن معك من المسلمين فتعذر سعيد بأن رسالته لم تصل إلا بعد أن هزم الخزر وقال له أصلح الله الأمير إنه لم يرد علي كتابك إلا بعد ما هزم الله الخزر وأمكن منهم ولو ورد علي كتابك قبل ذلك لما تعديت أمرك فكذبه مسلمة وغضب منه وقام بسجنه ثم ترك مسلمة برذعة وإرتحل بجيشه خلف الخزر الهاربين وكان ذلك خلال فصل الشتاء وذكر أبو جعفر الطبرى بأن ذلك حدث في ظروف بالغة الصعوبة إذ واجه البرد الشديد والأمطار والثلوج وظل سعيد الحرشي في سجن برذعة حتى علم الخليفة هشام بالأمر فغضب على أخيه مسلمة غضبا شديدا وكتب إليه يلومه علي ما فعله مع سعيد ويأمره بالتوبة وذكره بالله وأمره أن يطلب عفو الله وكان مسلمة حينها قد عبر نهر الكر وهو نهر ينبع من شمال شرق تركيا ويعبر الأراضي الجورجية وعاصمتها تبليسي وصولا إلى جمهورية أذربيجان حيث يصب في بحر قزوين إلى الجنوب من العاصمة الأذربيجانية مدينة باكو بحوالي 140 كم وإقترب مسلمة من مدينة شروان الواقعة قرب مدينة دربند وعندما قرأ الرسالة ندم على ما فعله وأرسل إلى رجاله ببرذعة يأمرهم بتحرير سعيد وإكرامه فأخرجوه من السجن وإنطلقوا به إلى الحمام فنظفوه وألبسوه ملابس أهداها إليه الخليفة هشام ين عبد الملك وأكرموه وجاءت رسالة هشام إليه يعتذر إليه بما فعل به مسلمة وتودد إليه ووعده بأن يكافئه هو وعشيرته بأكملها ثم أرسله رجال مسلمة إلى الشام فأحسن إليه هشام وأكرمه كما وعده بعدما تعامل مسلمة معه بغلظة وفظاظة وعوضه عما فعله معه وفي نفس الوقت تقدم مسلمة بجيشه يتبع آثر جيش الخزر حتى وصل لدربند فإستخلف عليها أميرا وبعد ذلك تقدم حتى وصل قلعة حيزان الواقعة في مدينة شروان وكان ذلك في عام 113 هجرية الموافق عام 731م وكان يسكن القلعة ألف جندي خزرى معهم نسائهم وأطفالهم فدعا مسلمة الألف جندى للإستسلام وطاعة المسلمين فرفضوا فإضطر لمحاربتهم فترة طويلة حتى لم يستطع أن يقدر عليهم ففرض عليهم الحصار حتى لم يعد لديهم طعام وأصابت أهل حيزان مجاعة بسبب ذلك فأرسلوا لمسلمة يطلبون منه الصلح مقابل أن يعطيهم الأمان وأن لا يقتل منهم أحد فأقسم لهم مسلمة أنه لن يقتل لا رجلا أو كلبا منهم وقبل جنود الخزر بذلك ونزلوا من قلعتهم وكانوا ألف رجل خزرى ممن قاتل المسلمين لكن مسلمة لم يف بما بوعده لهم فلما إستسلموا قتل عدد 999 من أولئك الجنود وترك جندى واحد منهم فقط وقتل كل كلب للخزر كان في القلعة ما عدا كلب واحد فقط وقد برر الإمام والمؤرخ شمس الدين الذهبي ما فعله مسلمة بن عبد الملك بقوله ورأى أن هذا سائغا له وأن الحرب خدعة ثم أمر مسلمة بهدم حصنهم فهدم حتى تم تسويته بالأرض ثم أمر بإحضار نساء الجنود وأولادهم بعدما هدم الحصن فأمر بتسكينهم في مدينة حيزان وإتخذ مسلمة لنفسه بحيزان ضياعا وسميت هذه الضياع فيما بعد بحوز حيزان .


وبعد فتح حيزان سار مسلمة بجيشه بإتجاه دربند وكان لا يدخل بلدا أو يمر بها وهو في الطريق إلا وقد تسالم معه أهلها وخرج إليه ملكها بخيله ورجله إكراما له وسار إلى أرض سوران فسأله ملكها الصلح فصالحه وصالح أهل مسقط وأهل الكر وخلال مسيره هذا صالحه ملوك جبال القوقاز وإنضموا إليه في حملته وإجتمعوا إليه بأجمعهم وأدوا إليه الخراج وساروا معه وكان من ضمن أولئك الملوك حسب المؤرخ البلاذري شروانشاه وليرانشاه وطبرسرانشاه وفيلانشاه وخرشانشاه وملك مسقط وذكر الطبري وغيره من المؤرخين أن مسلمة فرق الجيوش في بلاد الخزر وفُتحت على يديه مدائن وحصون عديدة وقتل وأسر وسبي كثير من الخزر وأحرق كثير من الخزر أنفسهم بالنار داخل مدنهم وحصونهم عندما هزموا وذكر إبن كثير أن مسلمة في عام 113 هجرية الموافق عام 731م توغل في بلاد الخزر فقتل منهم الكثير كان منهم بارجيك إبن ملك الخزر وفتح بلادا كثيرة وإستسلمت ودانت له الممالك القريبة من مدينة بلنجر وهي إحدى مدن القوقاز الهامة وكان من جملة ما حدث في العام المذكور أن مسلمة سار مع ملوك الجبال الذين إنضموا له حتى وصل لمدينة دربند فلما وصلها وجد في قلعتها الكبرى ألف رجل خزرى من أشراف وأسياد الخزر كان ملكهم قد جهزهم هناك تحسبا لأى غزو للمدينة فلم يتعرض لهم مسلمة بشئ وأكمل مسيره وتجاوز دربند حتى وصل للحصون التي حولها فلم يجد أحدا من الخزر ثم توجه إلى بلنجر فلَم يجد بها أى جنود للخزر ثم توجه إلى وبندر ثم إلى مدينة سمندر فلَم يجد فيهما أحد فسار مسلمة من سمندر لملاقاة ملك الخزر وأثناء ذلك وصلت الأخبار إلى ملك الخزر بأن مسلمة بن عبد الملك قدم إلى القوقاز لغزوهم فبدأ يجمع الناس والجنود للقاء مسلمة وإستطاع جمع جيش كبير العدد عظيم العدة وسار ملك الخزر بجيوشه لملاقاة مسلمة وذكر المؤرخ عز الدين بن الأثير أن من أسباب سير ملك الخزر لمسلمة أن إبنه كان قد قتل علي يد المسلمين قبل ذلك ولما علم مسلمة بأمرهم وبضخامة جيش الخزر القادم إليه وأنهم قادمون إليه بدون أن يتجهز قرر خداع الخزر فأمر رجاله بإشعال النيران في المعسكر حتى يظن الخزر أنهم متواجدين به وأثناء الليل وبعد صلاة العشاء إرتحل مسلمة بجيشه من معسكره سرا وترك خيامه في مكانها حتى لا ينتبه الخزر لهم وبعد أن رحل جيش مسلمة سرا سار بهم مسلمة وقام بجعل ضعفاء الجيش إلى جانبه في المقدمة وجعل الشجعان والأقوياء من جيشه في آخر الجيش حتى إذا ما لحقهم الخزر وهاجموهم مباشرة يكون أول من يقاتلهم أقوى جنوده وأسرع بجيشه وقلل من مرات توقفهم للراحة حتى وصل لدربند ثم تقدم حتى نزل في مكان يقال له باب واق فعسكر هناك بجيشه وحفر خندقا حول معسكره وحصن نفسه وجنوده بذلك الخندق والنباتات الشائكة ولحقته جيوش الخزر بأعداد كبيرة على رأسهم ملكهم الخاقان .


وجمع مسلمة حوله ملوك الجبال الذين إنضموا له وقال لهم ما الرأى في هذا العدو فقالوا له أيها الأمير أمدنا بقناديل النشاب وقدمنا أمام عسكرك وذرنا وإياهم فإن قتلنا فإلى الله والجنة وإن فتحنا فتحا فذلك الذى نريد فقال مسلمة بن عبد الملك أما إنكم قد نصحتم في المشورة فجزيتم عن الإسلام خيرا ثم قام وجهز جنوده ميمنة وميسرة وقلب وجناح وجعل ملوك الجبال على مقدمة الجيش إلى جانبه وجعلهم يحملون قناديل النشاب ثم أمر بلوائه فنصب أمامه فنظر ملك الخزر إلى ذلك اللواء فذهب إلى أشراف وأسياد جيشه وحاشيته فقال لهم إعلموا أن هذا اللواء ما نشر منذ عقد إلا في هذا اليوم فتقدموا نحوه فإن إستطعتم أن تأخذوه وتكسروه فقد ظفرتم فإخرجوا الآن وإنظروا لا ينصرفن أحد منكم إلا وقد أثر فيه أثرا محمودا فخرج أمير من أمرائهم على رأس كتيبة كبيرة بإتجاه المسلمين لكسر لواءهم وفي ذات اللحظة خرج مروان بن محمد إبن عم مسلمة على المسلمين فخطب في الجنود قائلا أيها المسلمون فداكم أبي وأمي إني أسألكم صبر ساعة وضربا بالرؤوس على القرابيس وقلة الكلام فإن كثرته فشل ولا يضربن أحد منكم بسيفه إلا الوجه واليد فوافقه المسلمون ثم تقدم مروان بن محمد وتقدم الجنود الأمويون معه نحو كتائب الجيش الخزري وإلتحم الجيشان وبدأ القتال فثارت خلال المعركة موجة غبار شديدة فلَم ير أحد مروان بن محمد وعند ذلك تقدم الأمير سليمان بن الخليفة هشام إبن أخ مسلمة إلى عمه مسلمة فقال له أيها الأمير قتل والله مروان فقال مسلمة كلا ما قتل فإسكت ثم هدأت موجة الغبار فنظر مسلمة إلى مروان بن محمد وأصحابه فوجد إبن عمه مروان بجانب الخزر يقاتلهم وقد قتل منهم جماعة كبيرة حتى إضطر لمسح سيفه الملطخ بدماء الخزر في جسم الفرس التي يمتطيها فغضب ملك الخزر مما حدث ثم أقبل على قادة جيشه وقال لهم يوبخهم أنا واقف من ورائكم أنظر إلى أفعالكم ألا تستحيون أن يفضحكم رجل واحد ثم جمع كتيبة أُخرى أكثر عددا وعدة فقال مروان بن محمد عندما رآهم أنا أفدى هذه الوجوه ثم خطب في المسلمين قائلا إعلموا أنه قد أتتكم مفاتيح الجنة ولكم ما وعدكم الله من جزيل ثوابه أنه من قتل منكم قد فاز بالثواب العظيم والجنة التي لا عدد لها وربكم لا يخلف الميعاد ثم هاجم ومن معه كتائب الخزر فقتل منهم أكثر مما قتل في المرة الأولى وجرح الكثير منهم أيضا وجعل ملك الخزر يرسل كتائب تلو الأخرى فيقوم مروان بن محمد بالتعرض لهم مع أصحابه فيقتلهم ويهزمهم حتى قتل من الخزر عدد لا يحصى ثم عاد مروان بن محمد لمعسكر المسلمين فأمر مسلمة بتجهيز الطعام وإحضاره فجلس مسلمة مع أبناء أعمامه وأقاربه من بني أمية وأشراف الجيش الأموي وبدأوا يأكلون أمام الخزر بكل إستهانة وفي الجهة الأُخرى كان ملك الخزر واقفا على فرسه مغتاظا ينظر إلى مسلمة وهو يأكل ولا يدرى ما يفعل من غضبه ثم نادى قادة جيشه وقال لهم لأقتلن نفسي اليوم شر قتلة ويلكم يا معشر الخزر أنتم عشرة أضعافهم لاهيٍ عنكم يأكل ويشرب لا يبالي بكم ولا يحفل فقال له أحدهم أيها الملك لا تغضب فإنه إذا كان غدا أرضيناك وأتيناك بصاحبهم أسيرا فتصنع به ما أحببت وفي صباح اليوم التالي جهز ملك الخزر جنوده كما كانوا في اليوم السابق ثم إختار الشجعان من جيشه فجعلهم على مقدمة الجيش ووسطه وأوصاهم أن يشتدوا في قتال المسلمين وعندما علم مسلمة بن عبد الملك بذلك قال ويلي على العلج الأقلف بعد الخزر فيجعلهم بين يديه والله لأعدن لهم خزر الغرب ثم بدأ مسلمة في تجهيز جيشه فجعل إبن عمه مروان بن محمد قائدا على ميمنة الجيش وجعل إبن أخيه سليمان بن هشام بن عبد الملك على ميسرة الجيش وجعل على وسط الجيش إبن أخيه العباس بن الوليد بن عبد الملك وعلى جناح الجيش الهذيل بن زفر بن الحارث الكلابي .


وبدأت المعركة وإلتحم الجيشان وإشتبكا في القتال وأتى إلى مسلمة رجل خزرى يريد الدخول في الإسلام وقال لمسلمة هل لك في خاقان ملك الخزر فسأله مسلمة عن مكان الملك فقال الرجل في العجلة التي قبالتك التي عليها الديباج فنادى مسلمة مروان بن محمد فأتاه فقال له مسلمة أبا عبد الله ألا ترى العجلة التي عليها الديباج فرد مروان بلى قد رأيتها فقال مسلمة فإنها عجلة الخاقان وهو قاعد فيها فقال مروان فأنا له يقصد أنه سيقتله فقال مسلمة وأنا معك أبا عبد الله فوالله لئن نحن قدرنا عليه في هذا اليوم فلقد ذهبنا بذكرها آخر الأبد فتقدم عندها سليمان بن هشام إلى عمه مسلمة وقال له أيها الأمير إسمع كلامي ولا تعجل فقال له مسلمة هاتِ ما عندك فقال سليمان الخاقان لم يقعد في العجلة إلا وقد عبأ أصحابه وأبطال الخزر عن يمينه وشماله ومن ورائه ولست آمن إن خرجت أنت ومروان أن يأمر الطراخنة فيحدق بكما فلا يتهيأ لكما الرجوع إلى عسكركما إلا بعد ذهاب الأنفس ولكن الرأى عندى أن تنتخب رجلا من أبطال عسكرك يكون قد عرفته بالبأس والشدة فتضم إليه نفرا من أبطال عسكرك الشجعان ثم تأمره بالإقدام إلى الخاقان فوافق مسلمة علي ما أشار به سليمان فدعا رجل من جنوده يدعى ثبيت النهراني كان أحد أبطال المسلمين وقال له مسلمة يا ثبيت إني قد إخترتك من بين أصحابي الفرسان لهذا الأمر الذى قد ندبتك له فإن وجدتك على ما ظننت بك في البأس والاقدام وبلغت من الأمر ما أريد بلغت في عطائك وأجزتك بعشرة آلاف درهم وعرضتك لنوال أمير المؤمنين ونوهت بإسمك وإن أنت كععت وقصرت فلله علي عهد لأصلبنك على شجرة أقدر عليها فقال له ثبيت أصلح الله الأمير مرني بما أحببت فقال مسلمة إضمم إليك ألف رجل ممن تعرفهم وتثق بهم في البأس والشجاعة ثم إحمل بهم على عسكر الخاقان فلا ترجع إلا بعد أن تهزمه أو تأخذه أسيرا إن قدرت على ذلك فرد ثبيت أصلح الله الأمير أما أخذه فلا أدرى أقدر عليه أم لا ولكن للأمير أيده الله علي أن لا أرجع أو أهزمه وأهزم أصحابه إن شاء الله ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم إختار ثبيت النهراني ألف رجل من فرسان أهل الشام ثم أخذ عليهم عهدا وأوصاهم بوصية وهي أن قال لهم إنظروا لا تقاتلون لمسلمة ولا لأمير المؤمنين هشام ولكن قاتلوا عن دين الله وجاهدوا في سبيل الله فقالوا كفيت يرحمك الله فإحمل حتى نحمل معك فسترى ما تحب إن شاء الله ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وتقدم ثبيت النهراني في هؤلاء الألف نحو ملك الخزر والذى كان في ذاك الوقت جالسا في عجلته الفخمة التي كان يقال لها الجدادة وقد فُرِشت له بأنواع الفرش وعليت بقية من ديباج وعلى رأس القبة رمانة من ذهب وتوجه ثبيت النهراني إلى العجلة فضرب القبة بسيفه ضربة خرقت الديباج ووصل السيف إلى ملك الخزر لكنه لم يصب بشئ وفزع الملك من ضربة السيف فقام مسرعا وخرج من العجلة وركب بغلا كان موجودا بجانب العجلة فإستوى عليه وهرب به بعيدا عن ميدان المعركة وبذات اللحظة هجم المسلمون على الخزر هجمة رجل واحد فهزم الخزر بسرعة وتفرقوا وهربوا إلى بلادهم وإنتصر المسلمون فجمع مسلمة بن عبد الملك غنائم الخزر وقسم أربع أخماسها بين المسلمين أما الخمس الباقي فقد أرسله إلي الخليفة هشام بن عبد الملك بالعاصمة الأموية دمشق .


وبعد الهزيمة التي لحقت بجيش الخزر وملكهم نادى مسلمة جنوده للتوجه إلى مدينة دربند أو باب الأبواب كما أطلق عليها العرب فسار بجيشه إليها وكان في قلعتها الكبرى آنذاك ألف عائلة من الأتراك الخزر ففرض عليها الحصار فترة طويلة وأقام عليها المجانيق ورمى أسوارها بالحجارة ولم ينجح في فتحها فقام برميها بحديد إتخذه على هيئة الحجارة فلم ينجح في فتحها وبعد ذلك لم يعد له حيلة في فتحها وكاد أن ينصرف ويتركها فأتاه رجل خزرى وقال له أصلح الله الأمير إن دفعت إليك هذه القلعة بمؤنة يسيرة هل ترد مالي وأهلي وولدى فقال مسلمة نعم لك ذلك فقال الرجل فإدفع إلي الساعة مائة رأس من البقر والغنم حتى أدفع إليك هذه القلعة فأمر مسلمة بإحضار ما طلبه الرجل فذهب إلى عين كان قد حفرها الملك الساساني أنو شروان بن قباذ في القرن السادس الميلادى وجعلها تصب الماء في قلعة دربند وعندما وصلها طلب من رجال مسلمة أن يحفروا بموضع معين حتى وصلوا للماء فقال لهم قدموا الآن هذه البقر والغنم فإنحروها في هذه العين ففعل الرجال ونحروا الحيوانات فجرت الدماء في العين وإختلطت بالماء الذى يجرى إلي صهاريج القلعة وطلب من مسلمة أن يرمي الجند بقايا الطعام الموجود في الحيوانات الميتة في الصهاريج وعندما تأكد الرجل من أن الدماء كلها قد أصبحت في الصهاريج أمر بقطع الماء عن الصهاريج وأجرى آبار العين إلى الوادى وفي صباح اليوم التالي إستيقظ الخزر المتحصنين بالقلعة فوجدوا أن الصهاريج قد إمتلأت بالمياه المختلطة بالدم ولم تمر إلا ليلة حتى إنبعثت الروائح الكريهة من الصهاريج والتي إمتلأت أيضا بالديدان فعطش الخزر عطشا شديدا فجاء ذلك الرجل إلى مسلمة وقال له أيها الأمير قد هلك القوم عطشا فتنح عن باب القلعة وعن طريقهم حتى يهربوا وتصير القلعة في يدك فأمر مسلمة أصحابه فتنحوا عن باب القلعة فلما حل الليل فتح الخزر الباب وخرجوا هاربين وصارت دربند في أيدي المسلمين
وبعد ذلك دخل مسلمة القلعة وعاينها وفحص حصانتها ثم أمر بتنظيف الصهاريج من بقايا الطعام والدماء ثم أجرى فيها الماء كما كان ورمم المدينة وبناها من جديد وقام بتوطين أربع وعشرين ألف جندى من أهل الشام بها وأمر بتقسيم المدينة لأربعة أرباع ربعا لأهل دمشق وربعا لأهل حمص وربعا لأهل فلسطين وربعا لسائر أهل الشام والجزيرة ثم دعا مسلمة برجل من أصحابه يقال له فرنر بن سويد الثعلبي فولاه على المدينة وأمره أن يجعل أبراج المدينة مخازن للحنطة والشعير والسلاح ثم جعل مسلمة رتبة المدينة مائة دينار وعشرة دنانير في كل سنة إضافة إلى القمح والزيت والرزق شهرا بشهر ونادى إبن عمه مروان بن محمد فإستخلفه على جميع المسلمين الموجودين في مدينة دربند وتجهز للإنصراف إلى الشام لأخيه هشام بن عبد الملك لكي يخبره بما حققه ونجاح حملته فوصل إلى الشام في شهر المحرم عام 114 هجرية الموافق شهر مارس عام 732م وقابل الخليفة والذى أصدر بعد ذلك قرارا بعزله وتولية إبن عمه مروان بن محمد وبعد هذا العام توقف مسلمة لمدة ست سنوات عن الغزو وأيضا لم يتول أى منصب سياسي أو إدارى خلال هذه الفترة ويرجح المؤرخون أن السبب في ذلك كان لأسباب صحية ومرضية لكن مسلمة عاد بعد ذلك وخرج لغزو بلاد الروم في عام 121 هجرية الموافق عام 739م وحينما خرج بالجيش سار معه أخوه الخليفة هشام بن عبد الملك يودعه وفي هذه الحملة وصل ملطية بشرق إقليم الأناضول وفتح الكثير من الحصون وكانت هذه الحملة هي الأخيرة له حيث كانت وفاته علي الأرجخ في نفس العام المذكور عن عمر يناهز 54 عاما في إحدى القرى التي عمرها وهي قرية الحانوت أو الحانوتة التابعة لمدينة حلب في شمال سوريا ودفن في قنسرين رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وعندما توفي كان أخوه الخليفة هشام بن عبد الملك يتفقد شرطته فأتاه إبن أخيه الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان فقال له وللناس يا أمير المؤمنين إن عقبى من بقي لحوق من مضى وقد أقفر بعد مسلمة الصيد لمن رمى وإختل الثغر فوهى وعلى أثر من سلف ما يمضي من خلف فعلموا أن مسلمة بن عبد الملك بن مروان قد توفاه الله فوجم أخوه الخليفة هشام بن عبد الملك والناس من الحزن ولم يقولوا شيئا .

وبعد هذه الرحلة الطويلة مع مسلمة بن عبد الملك وقيادته العديد من الفتوحات منذ عهد أبيه الخليفة الأموى الخامس عبد الملك بن مروان وحتي عهد أخيه الخليفة الأموى العاشر هشام بن عبد الملم طوال حوالي 35 عاما يبقي لنا أن نذكر أن التقليد كان عند بني أمية عدم تولي أبناء الجوارى الخلافة وذلك لعدة أسباب منها أن الناس قد لا يطيعونهم ويستخفون بهم ولا يقبلون سيادتهم عليهم كما أنهم قد لا يخضعون لهم ويتمردون عليهم وكانوا دائما يظنون أن دولتهم ستنتهي على يد خليفة من أبناء الجوارى وفعلا كان آخر ثلاثة خلفاء للدولة من أبناء الجوارى وإنتهت بالفعل على يدهم لذلك تم إستبعاد مسلمة بن عبد الملك من الترشح لولاية الخلافة منذ أن ولد بسبب أمه التي كانت إحدى جوارى أبيه الخليفة عبد الملك بن مروان ومنع منها وعلاوة علي ذلك كان مسلمة من تلقاء نفسه عازفا عن الخلافة ومن الزاهدين فيها ولا يريدها ولم يطمع فيها طوال حياته وقد حدث ذات يوم أن عرضت عليه جماعة من المسلمين أن يعلن نفسه خليفة وأن يبايعوه للخلافة فرفض وإمتنع عن شق عصا الطاعة وأن يشعل نار الفتنة بمخالفة إخوانه وكان عازفا وكارها أيضا للعمل كوالي وقال له ذات يوم رجل إنه أمير ويستطيع أن يصبح واليا على أعظم مناطق الدولة إن أراد لكنه لم يفعل هذا فسأله الرجل عن السبب فقال مسلمة يمنعني ذل الطلب ومرارة العزل وهول الخطب وقرع حلق البريد وقد تعامل مسلمة مع الدولة منفذا لأوامرها وسامعا لنصائحها ومسترشدا بتوجيهاتها ومن جانب آخر كان يعمل علي تصحيح مسار الدولة إذا رأى أن أصحابها زاغوا وأخطأوا فكان ينصح الخلفاء بما يراه لصالح الدولة ومن ثم كان مقربا من الخلفاء الأمويين الذين عاصرهم بشكل كبير ومن ثم كان دائما بمثابة الرجل الثاني في الدولة الأموية بعد الخليفة ولذلك فقد كان الخلفاء الذين عاصروه يحرصون على إبقاءه مستشارا بجانبهم يتعلمون منه ويسترشدون برأيه إلا إذا طرأ أمر مهم يهدد أمن الدولة تهديدا خطيرا فكانوا يرسلونه ليقضي على هذا الأمر الطارئ وليقمع الإضطرابات والثورات ويعيد الأمن والإستقرار لربوع الدولة الأموية سواء كان صاحب المشكلة من المسلمين أو من غيرهم كما حدث مع يزيد بن المهلب إذ لَم يكن بمقدور أي من رجال الدولة الأموية آنذاك أن ينهضوا بمهمة القضاء عليه وعلي فتنته التي هددت الدولة الأموية تهديدا كبيرا كاد أن يعصف بها وأن يقضي عليها لولا مسلمة وسنجد أن الخليفة يزيد بن عبد الملك قد إستفاد من مسلمة في وقت الشدة والحرب وفي وقت السلم أيضا فبعد أن إستقرت الأمور على يده في المشرق والعراق أعاده الخليفة يزيد لدمشق وهناك أبقاه عنده يستنصحه ويستشيره في شؤون الدولة وتصريف أمورها وكانت ثقة الخليفة يزيد بن عبد الملك بمسلمة عمياء إذ أنه كان السبب في إقناعه بإستخلاف أخيه هشام بن عبد الملك خليفة له وذلك أنه عندما إندلعت ثورة إبن المهلب لم يكن ليزيد بن عبد الملك ولي عهد يستخلفه من بعده فحاول العباس بن الوليد بن عبد الملك أن يجعل الخليفة يزيد يعطي ولاية العهد لأخيه عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك وقال له يا أمير المؤمنين إن أهل العراق أهل غدر وإرجاف وقد توجهنا محاربين والحوادث تحدث ولا نأمن أن يرجف أهل العراق ويقولوا مات أمير المؤمنين فيفت ذلك في أعضاد أهل الشام فلو عهدتَ عهد عبد العزيز بن الوليد لكان رأيا صوابا فلما وصلت الأخبار لمسلمة ذهب ليزيد وقال له يا أمير المؤمنين أيما أحب إليك ولد عبد الملك أم ولد الوليد فقال يزيد بل ولد عبد الملك فقال له مسلمة أفأخوك أحق بالخلافة أم إبن أخيك فقال يزيد إذا لم تكن في ولدى فأخي أحق بها من إبن أخي كما ذكرت فقال له مسلمة فإبنك لم يبلغ فبايع لهشام بن عبد الملك ثم بعده لإبنك الوليد ففعل الخليفة كما أشار عليه مسلمة وأوصي بالخلافة من بعده لأخيه هشام بن عبد الملك ثم لإبنه الوليد بن يزيد بن عبد الملك .

ومن حيثُ الصفات الشكلية فقد ذكر عن مسلمة أنه كان وسيما صبيحا حسن الصورة جميل الوجه ووصف بأنه كان من أجمل الناس وكان من صفاته الشكلية أيضا أنه كان أصفر الجلد لذلك كان يلقب بالجرادة الصفراء أو بجرادة مروان وهناك أيضا سبب آخر لتلقيب مسلمة بهذا اللقب وهو ضراوته في الحروب وشدة وطأته على الأعداء إذ أن الجراد إذا ما هاجم بستانا أتى عليه وخرج منه وهو فارغ لم يبق منه شيئا وأما من حيث صفات شخصيته وخصاله فإن العلماء المسلمون وصفوا مسلمة بصفات عديدة فقالوا عنه إنه كان خيرا متدينا تقيا ورعا زاهدا عطوفا شجاعا مقداما كريما جوادا فصيحا أديبا فصيحا فقيها محدثا فارسا مغوارا باسلا بطلا كرارا عالما فاضلا ذكيا سخيا سمحا نبيلا عبقريا ماكرا نابغةً خطيبا حازما شهما حليما بارع اللسان شديد البأس طيب الغراس ذا رأى وحزم وعزم وتدبير ومروءة وحكمة وأصالة عالي الهمة والنفس وأنه كان من أفاضل بني أمية خاصة وقريش عامة ومن أعظم أبناء عبد الملك بن مروان وأحقهم بالخلافة وكان مسلمة أيضا يتصف بأنه كان بعيد النظر لا يكاد يترك شاردة ولا واردة إلا ويمعن التفكير فيها بعمق وشمول وكان له قابلية على إعطاء القرار السريع الصائب بسبب ذكائه ولأنه كان حاضر البديهة وعالما مجربا لذلك كان القائد الأول في الدولة الأموية بعد قتيبة بن مسلم الباهلي فاتح بلاد ما وراء النهر وهي الجمهوريات الإسلامية السوفيتية السابقة أوزباكستان وكازاخستان وتركمانستان وطاجيكيستان وقرغيزيستان ومحمد بن القاسم الثقفي فاتح بلاد السند وكان مسلمة بمثابة المستشار الأول للخلفاء في نفس الوقت وعلاوة علي ذلك كان مسلمة ذا إرادة قوية إذا قرر أمرا وإقتنع به وكان ينفذه بحزم وإصرار وكان يتحمل المسؤولية بلا تردد أيضا ولا يحاول التملص منها أو إلقاءها على عاتق الآخرين وقد قبل مسؤوليات ضخمة في أوقات عصيبة وأثبت جدارة فائقة في تحمل أعباءها والواقع هو أنه تحمل مسؤوليات ثقيلة كان بعضها يهدد مصير الدولة بالزوال وكان متقنا لمبادئ الحروب ويطبقها بكفاءة شديدة وكان يتحلى بنفسية لا تتبدل بأى حال سواء في حالة النصر أو الإندحار وكان يتقبل النقد بصدر رحب ويصغي للناصحين الصادقين وكان يستشير أهل الرأى والفطنة في أموره ويفتح أبوابه للناس ولا يتعالى على أحد غرورا بإنتصاراته أو مكانته الرفيعة بين الحكام والمحكومين على حد سواء أما في حالة الإندحار فإنه كان يسيطر على أعصابه ولا ينهار أو يهون أو يتخاذل ولا يبدو عليه ضعف ولا تظهر عليه إستكانة بل كان يتحرك بكل وسيلة ممكنة لإنقاذ الموقف وتبديله من حال إلى حال وكان بعيد النظر ويعد لكل أمر عدته ويدخل في حسابه أسوأ الإحتمالات حتى لا يفاجأ بما لا يتوقعه من أحداث ولم يقتصر في بعد النظر على معضلاته العسكرية والإدارية فحسب بل كان بعيد النظر حتى في قضايا الدولة العليا وكان يعرف نفسيات رجاله وجنوده لأنه قضى معظم حياته بينهم ولأنه كان يخالطهم مخالطة الند للند وكان يقصده كل فرد منهم زائرا أو من أجل قضاء حاجاته لهذا كان يختار الرجل المناسب للعمل المناسب كل حسب كفاياته ومزاياه وكان يثق برجاله المرؤسين له ويثق برؤسائه من الخلفاء ويثق به رجاله ورؤساؤه بثقة مطلقة نظرا لإخلاصه وأمانته ولسجاياه الأخرى وكان يحب الخلفاء وجنوده ويحبونه فقد كان آلفا مألوفا يعمل للمصلحة العليا للدولة أكثر مما يعمل لنفسه ولمصلحته الخاصة ويسدى العون الخالص لأتباعه ويسعى لقضاء حوائجهم وكانت شخصيته قوية نافذة طغت حتى على شخصيات الخلفاء من بعد أبيه فكان لا يرد له طلب ويدخل عليهم متى شاء ويقدم لهم النصح بالحسنى ويأمر المخطئ منهم بالعودة للصواب أما أنداده وأتباعه فكانوا يهابونه من دون خوف ويخشونه من دون رهبة حيث كان يتواضع للصغير منهم ويوقر كبيرهم فكانوا لا يعصون له أمرا .

وبخصوص فقه مسلمة بن عبد الملك وروايته للحديث فلقد قابل مسلمة بعض التابعين وروى الحديث النبوى الشريف عنهم وهو يعتبر من الطبقة الرابعة من التابعين الشاميين وقد روى له الإمام البخارى حديثين في كتابه التاريخ الكبير وروى له أيضا المحدث الإمام أبو داود السجستاني حديثا في كتابه سنن أبي داود وقد وثقه الإمام إبن حبان البستي ونقل إبن حجر العسقلاني عن أبي سليمان الخطابي أن مسلمة رتبته في رواية الحديث صدوق وفي موضع آخر ذكر إبن حجر العسقلاني أن مسلمة مقبول الحديث وفي موضع غيره ذكر أنه ثقة ويصح أن يؤخذ عنه الحديث وتنقل منه الرواية وقد روى مسلمة بن عبد الملك عن إبن عمه الخليفة عمر بن عبد العزيز وروى عنه أبو واقد صالح بن محمد بن قدامة الليثي المدني وعبد الملك بن أبي عثمان ويحيى بن يحيى الغساني وعبيد الله بن قزعة الجرشي الجعفي ومعاوية بن صالح والحكم بن عمر الرعيني الحمصي وعيينة بن أبي عمران والد سفيان بن عيينة ومعاوية بن حديج وفيما يتعلق بالفقه فقد كان مسلمة يحب الفقهاء وكان يصطحبهم معه في سيره للغزو وكان من هؤلاء سالم بن الصحابي عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعا الذي كان يعد المفتي الخاص بمسلمة بن عبد الملك في حروبه وقد إجتهد مسلمة بنفسه في بعض المسائل الفقهية حيث قام بتطبيق حد على سارق لم يعهد تطبيقه مسبقا ففي إحدى المرات التي تولى فيها مسلمة بن عبد الملك موسم الحج أمسك الناس سارقا كان قد سرق قبل ذلك وعوقب ولكنه عاد وسرق مرة أخرى فأمر مسلمة بإخراجه من الحرم المكي وإعدامه حيث أنه إرتكب فعلته في الحرم المكي وبالتالي يصدق عليه قول الله تعالي ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم فسأل الناس من الفقهاء سالم والقاسم وعبيد الله أبناء عبد الله بن عمر بن الخطاب عن صحة حكم وعقاب مسلمة للسارق فقالوا أصاب السنة وإقرار العلماء الثلاثة بصحة الحكم لمسلمة في هذه المسألة يدل على أن مسلمة كان له نصيب من هذا العلم يؤهله للفتوى وتطبيق الأحكام الشرعية فكانت له آراء وإجتهادات فقهية كثيرة أيضا ذكرت في كتب الفقه والحديث وعلاوة علي كل ما سبق كان مسلمة بن عبد الملك شاعرا جزيلا ويحب الشعر كثيرا ويحفظه وغالبا ما كان يلقى في مجالسه ويتغنى به ويردده إلا أن شعر مسلمة نفسه كان قليلا بسبب إنشغاله الدائم بالغزو والفتوح وبصفة عامة لم يكن مسلمة قائدا عسكريا فذا فحسب إنما كان أيضا واسع الثقافة ضليع المعرفة ملما بعلوم ومعارف شتى وكان ضليعا في أصول اللغة العربية وملما بغريب مفرداتها وكان أيضا من الأمور التي أولاها مسلمة إهتماما خاصا موضوع العلم فقد أجل العلماء وإمتدحهم وإحترمهم وأحبهم وإرتبط بعلاقات وثيقة معهم وكان دائم السؤال عنهم ويتقصى أخبارهم ويقدم لهم الهدايا ويكرمهم ويثني عليهم ويمدحهم ويفخر بهم وبمجالستهم وفي ختام مقالنا هذا نذكر أنه أدبيا تم تناول شخصية مسلمة بن عبد الملك بن مروان في عدد من الكتب والمؤلفات منها كتاب الأمير مسلمة بن عبد الملك بن مروان للكاتب عواد مجيد الأعظمي ومسلمة بن عبد الملك دراسة تاريخية للدكتورة بدرية النبهاني وإعلاميا ظهرت شخصيته في العديد من المسلسلات منها مسلسل فارس بني مروان للمخرج السورى نجدة إسماعيل أنزور الذى طرح من خلاله سيرته وحياته منذ ولادته حتى وفاته ولعب دوره فيه الممثل الأردني نضال نجم والمسلسل الدرامي المصرى عمر بن عبد العزيز وجسد شخصيته فيه الممثل المصري مفيد عاشور ومسلسل صقر قريش ولعب دوره فيه الممثل السورى إسكندر عزيز ومسلسل الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور وجسد شخصيته فيه الممثل عبد الرحيم علاء الدين .
 
 
الصور :
موقع إقليم فريجيا الذي تقع مدينة عمورية فيه