بقلم: محمود فرحات
"لو أن طه حسين كان لايزال بيننا حيا يرزق، وسألناه: كيف تتمثل له مصر الآن؟ وكيف يراها ويصوغ هويتها في الدستور؟ فماذا تراه كان يقول؟ لا أظن أن ما كان يمكن أن يقوله طه حسين عن هوية مصر الآن يختلف عما قاله عنها من قبل، فالهوية المصرية التي تشكلت خلال سبعة آلاف عام مضت حتي الآن، لم تتغير خلال الأعوام التي مرت علي صدور كتاب طه حسين مستقبل الثقافة في مصر الذي تحدث فيه عن الثقافة المصرية، وعن منابعها ومصادرها المختلفة، وعن العقل المصري وتأثيره في المحيطين به، وتأثره بهم، وعن الهوية المصرية التي هي مصر بتاريخها العريق، ومصالحها الحيوية، وتجاربها، ومثلها العليا، وصلاتها بجيرانها، ووعيها بذاتها وبالعالم.." هذا الكلام كتبه الكاتب المصري أحمد عبد المعطى حجازي وحبيت اقتبسه لكتابة هذا المقال...
حينما نتكلم عن هويتنا المصرية تقوم الدنيا ولا تهدأ، وتجد المخاوف طريقها لقلوب الحاقدين على أمتنا المصرية، وتتزايد الاتهامات ضد المدافعين عن الهوية المصرية.. فنجد الكثير من الحجج الواهية التي يطلقها النابحون، منها أن تمسكنا بمصريتنا يعني إننا ننفي عنا كوننا مسلمين، وأن التمسك بهويتنا القومية هو مؤامرة على لغة القرآن العربية، وأن مصر هويتها عربية إسلامية فقط ولا مكان للفرعونية يا ملحدين يا عنصريين..!! وغير ذلك من الإتهامات التي لا أساس لها سوى التشدد وإنعدام البصرية.. فاسمحوا لي أن أعيد معكم فتح الجدل وطرح كل الحجج والهواجس، وإثبات أنها مجرد أوهام..
دعونا في البداية أن نضع مسلمه وهى أن كوني مصري أعتز بهويتي وثقافتي المصرية، واتمسك بجدوري الحضارية لا يمثل ذلك أي خطورة على الإسلام أو اللغة العربية..!! ولا هو من قبيل العنصرية أو الشوفينية أو الالحاد...!! إنما الإعتزاز بالوطن من الأشياء العظيمة والمرغوبة، فالإنتماء القومي لمصر وتاريخها من المحاسن التي يجب تنميتها في الأجيال القادمة..
وفي هذا كتب رفاعة الطهطاوي تحت عنوان مقدمة وطنية مصرية: "إن حب الوطن من الإيمان، ومن طبع الأحرار أحراز الحنين إلى الأوطان، ومولد الإنسان على الدوام محبوب، ومنشؤه مألوف له ومرغوب"
إن نفي مصريتي تجعلني كالشجرة بدون جدور تثبتها فالأرض، وتجعل المصريين شعب لقيط حضارياً، ويثبّت نظرية الافروسنترك القائمة على التشكيك في أصل المصريين، والتي بدأت تضرب في الآونه الأخيرة بشدة على كون المصريين المحدثين شعباً لقيطاً لا جدور حضارية له، وأن كل التاريخ المصري القديم ما هو إلا تراث للزنوج..!!
وهنا لابد نفرق بين كون مصر دولة ناطقة بالعربية، يجمعها بدول الجوار من الدول الناطقة بالعربية مثلها علاقات ود وحب وتعاون مشترك، مع إحتفاظها بهويتها وثقافتها ولسانها المصري الأصيل، وبين إن تكون مصر دولة عربية الهوية تجردت من مصريتها نهائياً وذابت في هوية أخرى، وقطعت كل صلات الود مع ماضيها وتاريخها القديم.. بل وكفرته وشيطنت كل من أراد الإنتساب له..!!
يقول الأستاذ أحمد لطفي السيد: "علينا جميعا أن نعمل من أجل مصر، ومن أجل تقوية الشخصية المصرية على أي شخصية أخرى سواء كانت عربية أو عثمانية.. أيها المصريون عليكم أنفسكم جودوا على بلادكم بالمال فأصلحوا من شأنها.."
فهو يرفض اي انتماء الا لمصر، فليس هناك ما يسمى بالهوية العربية والا الهوية الإسلامية، ويؤكد على أن الهوية للأرض وأن الهوية المصرية هي ما تجعل الأمة المصرية أمة متمايزة عن أمم المنطقة..
أما بالنسبة للفريق الذي يخشى ضياع لغة القرآن حال إستخدام اللغة المصرية كلغة ثانية، وينفي عن القوميين المصريين انتسابهم للاسلام كدين..!! فأود الرد عليهم أنه لا تعارض بين التمسك بالهوية المصرية وكوني مسلم أتحدث العربية، ولدينا العديد من نماذج الدول التي يدين شعبها بالإسلام ورغم ذلك تمسكت بهويتها ولغتها الأم في أسيا وأفريقيا.. فدولة نيجيريا مثلا دولة أفريقية يدين معظم شعبها بالاسلام وهى ناطقة بالانجليزيه ولغات محلية لكن ذلك لم يكن مدعاه لأن تكون دولة عربية، أو انتمائها للامة الإنجليزية بإعتبارها تتحدث الإنجليزية..!! ومالي دولة مسلمة تتحدث الفرنسية، كذلك دول مثل تركيا وإيران وإندونسيا هى دول اسلامية ورغم ذلك تتمسك بهويتها الثقافية ولغاتها دون أن ينفي ذلك عن مواطنيها الإسلام..
الخلاصة.. إنه لا مناص لنا من التمسك بهويتنا القومية، ولغتنا المصرية الأم، والحفاظ على تراثنا المصري الصميم من عادات وتقاليد وملابس واسلوب كلام، وغيرها من العناصر الثقافية المكونه للهوية المصرية.. وندرك ما لذلك من أهمية لبعث الأمة المصرية أمة قوية تقود المنطقة كما كانت في شتى المجالات، وما له من ضرورة للتواصل الثقافي مع تاريخنا القديم وعلوم الأجداد.. فمصر مصرية وستظل مصرية لا عربية أو غير ذلك مع حبي وتقديري لجميع جيراننا العرب..
|