بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
فبعد أن إستقرت الأوضاع في مدينة سيويس ووزعت الأموال والغنائم والأرزاق بعد إستقطاع الخمس وإرساله إلي خزانة بيت المال عمد قائد المسلمين محمد بن القاسم إلى تعيين وداع بن حميد البحرى وعبد الملك بن قيس بن الجارود ممثلين عن دار الخلافة على المنطقة لنشر الأمن والأمان والرفاهية بين الرعية وبعدها وصلت رسالة من الحجاج يأمر قائده فيها بترك المنطقة والعودة إلى النيرون وعبور نهر السند لمقاتلة داهر طالبا من الله النصر لجند المسلمين مذكرا قائدهم محمد بن القاسم بأنه إذا تم له ذلك الفتح والقضاء على داهر فإن جميع المناطق ستدين بالطاعة والولاء للإسلام وجنده ويرى المؤرخون أن المسلمين توغلوا في فتوحاتهم شمالا في حوض نهر السند بدلا من أن يسعوا في القضاء على داهر المتحصن في برهمناباد وينهوا كل مقاومة قد تقف أمام الزحف الإسلامي لعدة أسباب منها صعوبة عبور نهر السند الكبير وخوف الترصد للمسلمين من قبل داهر ورجاله ومن ثم يقومون بالهجوم عليهم أثناء فترة العبور ومن ثم خشي المسلمون أن يؤخذوا على حين غرة وهم مشغولون بالعبور إضافة إلي النجاح الكبير الذى لاقاه المسلمون في زحفهم إلى الشمال وأن ذلك بلا شك سيجعل روح داهر ورجاله تضعف يوما بعد يوم كلما نجح المسلمون في توغلهم داخل أراضيه ومن الجائز أن محمد بن القاسم ربما رأى أن يتوغل حتى يجد الفرصة مواتية لعبور نهر السند ثم يعود إلي برهمناباد من الشمال فيكون بِذلك قد حصر ملكها في منطقة ضيقة تتكون من هذه المدينة وما حولها فلا يصل إليه مدد من الشمال وكان المسلمون قد ضمنوا الجنوب منها والغرب في أيديهم وبذلك يقطع أى أمل لنجاح مقاومة داهر أو هربه إن هو حاول ذلك ومهما كانت أسباب تقدم محمد بن القاسم إلى الشمال فقد جاءته حينها أوامر الحجاج وهو القائد المدبر والمخخط لفتح بلاد السند بأن يعود جنوبا إلى النيرون ثم يبدأ منها في مناجزة داهر ومن الجائز أن يكون الحجاج قد خشي من توغل المسلمين شمالا بحوض نهر السند فيأتي داهر ويهدد مؤخرة المسلمين ويقطع عليهم خط الرجعة وبعد أن قرأ محمد بن القاسم رسالة الحجاج توجه مباشرة إلى النيرون فقطع المنازل والمراحل حتى وصل إلى حصن يقع على جبل النيرون فعسكر هناك لفترة ثم توجه إلى حصن أشبهار ولما وصل إلى جواره وجده حصنا حصينا وقد صمم أهله على الحرب والقتال وحفروا خندقا حوله وجاءوا بالفلاحين والقرويين من أطراف الحصن وأدخلوهم فيه ليزداد عدد مقاتليهم وضرب المسلمون الحصار على الحصن المذكور وأمر محمد بن القاسم بقذفه بالمجانيق وإشتدت الحرب مدة أُسبوع شعر أهل الحصن بعدها بالضعف والوهن وبقوة الجيش الإسلامي فأعلنوا الإستسلام وطلبوا الأمان فأجابهم محمد بن القاسم فأعلنوا الطاعة والولاء أما الباقون الذين كانوا يساعدون المعاندين والمقاتلين فقد جاءوا بالأموال والتحف والهدايا وفتحوا أبواب الحصن فدخل جيش الإسلام المنتصر وأخذ محمد بن القاسم مفاتيح المدينة ووضعها بيد أحد أتباعه المخلصين وعين شحنة للمدينة ثم بقي مدة في الحصن وبعدها توجه إلى شواطئ نهر السند حتى وصل مدينة الراور إحدى أهم مدن إقليم السند على الجانب الغربي لنهر السند وعسكر هناك ولما نزل محمد بن القاسم بشط نهر السند قاتله جاهين صاحب حصن جزيرة بيت الذى يبدو أن داهر كان قد عينه على ولاية تلك المنطقة كونه كان من القادة الموثوقين المقربين إليه رغم أن تلك الولاية كان يحكمها بساية بن سربند وكانت وراثيةً في نسله مع حفاظه على تبعيته للراجا داهر لكن الأخير يظهر أنه أوكل حكم الولاية إلى قائده جاهين وجعله فوق بساية بغية التصدى للمسلمين أثناء عبوره لنهر السند لكن جاهين هزم على يد المسلمين ومنح محمد بن القاسم حكم ولاية بيت إلى موكه بن بساية الذى تحالف معه ضد داهر وعندما سمع داهر بمحالفة موكه لمحمد بن القاسم قام بتعيين إبنه جيسيه للسيطرة على قلعة بيت الإستراتيجية وأمره بعدم الثقة بالحاكم القديم بساية .
وخلال ذلك الوقت أرسل قائد المسلمين محمد بن القاسم أحد كبار الرجال الشاميين في جيشه مع أحد السنديين الذين إعتنقوا الإسلام ويدعى ديبلي إلى الراجا داهر لتخييره بين الإسلام والسلام أو الجزية أو الحرب فإستشار داهر وزيره سيساكر وأحد العرب العلافيين الملتحقين بخدمته ويدعى محمد العلافي فأشار عليه الأول أن يترك المسلمين يعبرون النهر حتى تنقطع عنهم طريق الإمدادات فتتناقص مؤونتهم يوما بعد يوم ويقعون لقمةً سائغة بيد جيش داهر أما العلافي فأشار بأن لا يسمح للمسلمين بالعبور كونهم قادمين للنصر أو الشهادة وإن الصواب محاصرتهم بالسفن نهرا وبالجنود برا ومصادرة ما يأتيهم من مؤن عبر الطريقين فيموت قسم كبير منهم وينسحب بعضهم الآخر ويتشتت ويتفرق ويتشرذم الباقون وعلي الرغم من ذلك قرر داهر تحدى المسلمين لإظهار قوته فإستدعى الرسول الشامي وقال له إِرجِع إِلى أَميرك وقل له إِنني قد خيرته في العبور وإننا على إستعداد لقتالكم فإذا أَراد فليعبر وإِلا فإِننا نحن العابرون بناءا على ذلك ورجع الرسولان إلى محمد بن القاسم وأخبراه بما أجاب به داهر على رسالته فكتب إلى الحجاج بن يوسف يشرح له الوضع ويطلب منه الإستشارة وبقي منتظرا حتى أتاه جواب الأخير يأمره بعبور نهر السند ومعاملة الجنود المسلمين بالرفق واللين والتعامل مع أهالي المنطقة بالحسنى كي لا يخونوه وضرورة رسم مواقع العبور على مسافة أربعة فراسخ ولما وصل خبر إستعداد المسلمين للعبور إلى مسامع داهر حتى أمر أن يجهزوا فيله الأبيض وتقدم مع وزيره وعدد من أتباعه حتى أصبح قبالة جيوش محمد بن القاسم وإختار القائد المسلم أضيق مكان للعبور في منطقة جزيرة بيت ثم أمر بِإحضار السفن وربطها مع بعضها بعضا ليصنع منها جسرا يعبر فوقه الجنود ويبدو أن موكه بن بساية ساهم بجلب سفن ومعابر خشبية إلى محمد بن القاسم مما أثار حفيظة أخيه راسل الذي كان يعارض سياسة التقارب مع المسلمين فذهب إلى معسكر داهر وأعلن طاعته وولائه له ففوض إليه ولاية جزيرة بيت وأمر جيسيه بإقتحام القلعة وخلع موكه الذى هرب إلى المسلمين للقتال معهم وذكر أنه لما جمع محمد بن القاسم السفن والمراكب وضمها إلى بعضها ليصنع منها جسرا وجمع راسل بن بساية جيشه ومعارفه من القادة وحملوا على جيش المسلمين في سبيل منعهم من ربط أجزاء الجسر وعبور النهر فأمر محمد بن القاسم بسحب جميع السفن إلى الضفة الغربية من نهر السند حتى تربط على عرضه تماما ثم تحركت السفن مرة واحدة على شكل قوس لربط الضفتين وإيصال المقاتلين المسلمين إلى الضفة الشرقية للنهر ولما وصلت طلائع السفن على مقربة من الساحل الشرقي بدأ المقاتلون المسلمون برمي السهام والرماح بكثافة غزيرة مما أدى إلى تعثر جنود راسل بن بساية في الجانب الشرقي وإصابتهم بالذعر فتفرقوا وفروا مدبرين لا يلوون على شئ مما سهل عبور الجيش الإسلامي وجوازه إلى البر الثاني ولحق بالأعداء هزيمة شنعاء وتشجع المسلمون فلاحقوهم حتى أبواب مدينة جهم وبقيت فلول الأعداء تنسحب هاربة حتى وصلت إلى جيش داهر وإنضمت إليه .
وكان داهر حتى تلك اللحظة يستخف بمحمد بن القاسم لاه عنه فصعق لما أدرك أن المسلمين أصبحوا قاب قوسين أو أدنى وأرسل إبنه جيسيه على رأس جيش من المقاتلين الأشداء على الأفيال لقتال المسلمين فلقوهم على مقربة من مدينة طلاية حيث حمل المسلمون على عساكر كوكبة جيسيه وأعملوا فيهم تقتيلا وكاد جيسيه أن يقع في قبضة المسلمين لولا أن إستعان بفيل هائج خرق به صفوفهم وفر هاربا إلى أبيه داهر ولما هزم جيسيه أرسل راسل بن بساية إلى محمد بن القاسم يطلب فيها البيعة ويعلن ولاءه فأجابه إلي طلبه وإنضم راسل إلى المسلمين وأصبح مرشدا للجيش وأشار عليهم بالنزول في مكان يدعى جيور بالقرب من مدينة الراور على مجرى مائي يسمى ددهاواه حتى يكونوا على مقربة من داهر فإعتمد محمد بن القاسم هذه المشورة وما أن بلغ داهر خبر نزول المسلمين في جيور حتى قرر القتال فقام بقضه وقضيضه راكبا فيله الأبيض وسار على رأس جيشه بفيلتهم وخيولهم ورجالهم حتى قابل الجيش الإسلامي يوم الخميس 6 رمضان عام 93 هجرية الموافق يوم 16 يونيو عام 712م فإلتحم الجمعان من بداية الصباح حتى غروب الشمس وإستمر القتال طوال الأيام الخمسة التالية أى حتى يوم الإثنين 10 رمضان عام 93 هجرية الموافق يوم 20 يونيو عام 712م وفي اليوم الأخير أحاطت ثلةٌ من خيالة المسلمين بفيل داهر الأبيض وأشعلوا النيران في هودجه فخاف الفيل وهرب إلى النهر وألقى بنفسه فيه ولم يستطع سائسه السيطرة عليه وكاد أن يغرق مع داهر ولما حاول الفيل الخروج من الماء أمطره المسلمون بوابل من السهام وفي تلك اللحظة صوب أحد الرماة المهرة من المسلمين سهمه إلى داهر فأصابه فوقع من الهودج إلى الماء وتمكن الفيل من الخروج من النهر وهجم على الموجودين على ضفته وسحق في هياجه عشرات الجنود المقاتلين من أتباع داهر وتفرق الباقون للنجاة بأنفسهم وتمكن داهر من الظهور في هذه اللحظة من الماء وتقابل وهو يسير مترنحا مع أحد المقاتلين المسلمين قال البلاذرى إنه القاسم بن ثعلبة بن عبد الله الطائي وسماه إبن دريد في كتاب الإشتقاق القشعم بن ثعلبة الطائي فرفع الأخير سيفه وضرب الراجا داهر فقتله وإستمر القتال بين المسلمين وبقايا السنديين المهزومين حتى فروا جميعا من ساحة المعركة فلاحقهم المسلمون حتى حصن الراور وكان بعض البراهمة قد تخفوا في الماء أثناء المعارك فخرجوا لما خلت الساحة من المقاتلين وأخذوا جثمان داهر وأخفوه في طيات التراب والأعشاب على شاطئ نهر السند وتذكر الروايات التاريخية أن معركة الراور لم تكن بأقل من معركة القادسية ضراوة وبسالةً من جانب الخصمين المتحاربين ولا من حيث النتائج التي تمخضت عنها المعركة من ناحية أُخرى فإن كانت معركة القادسية والتي قامت في شهر شعبان عام 15 هجرية في عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب بقيادة الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرين بالجنة قد فتحت الباب على مصراعيه لفتح بلاد فارس ودخول أهلها إلى الإسلام وإسقاط الإمبراطورية الساسانية إلي الأبد فقد جعلت معركة الراور بقيادة محمد بن القاسم الثقفي أراضي بلاد السند ممهدة أمام الفتح الإسلامي ونشر دين الإسلام في هذا الإقليم الكبير .
وبعد ذلك الإنتصار الحاسم إتجه محمد بن القاسم بجيشه إلى قلعة الراور وضرب حولها الحصار وكان في القلعة المذكورة جيسيه بن داهر بعد أن هرب مع جميع أبناء الملوك والأمراء الذين نجوا من المعركة وإعتصموا في داخل الحصن وكان مع جيسيه زوجة أبيه راني بائي وهي أخته أيضا ولما سمع المذكور بزحف المسلمين نحوه إستشار وزيره ومحمد العلافي ما إذا كان عليه التصدى للزحف أو الإنسحاب فأشارا عليه الذهاب إلى حصن برهمناباد كونه مسقط رأس داهر والأُسرة الرائية وفيه خزائن الملك القتيل وأتباعه وأمواله ولأن سكان المنطقة كانوا موالين للعائلة الحاكمة ومستعدين للقتال في صفها إذا بلغها المسلمون وهكذا وافق جيسيه على هذا الرأى وكذلك بقية الأعيان والأُمراء وإنتقلوا إلى برهمناباد وبقيت راني بائي في حصن الراور لمقاتلة المسلمين ومعها جيش تعداده خمسة عشر ألف مقاتل ووقفوا جميعا للدفاع عن المدينة حتى الموت ولما سمع محمد بن القاسم بمقاومة بائي مع جيشها تقدم بجيشه وحاصر الحصن وبدأت المجانيق ترمي الأحجار الضخمة وكذلك رماة السهام والرماح ثم عبأ محمد بن القاسم جيشه وجعله فوجين والكل يرمي الحجارة والسهام والرماح والمشاعل النفطية فإندلعت الحرائق في كل حدب وصوب وبدا لبائي أن الهزيمة واقعة لا محالة فجمعت نساء الحصن وأمرتهن بإحضار الأخشاب والقطن والحطب وأضرمن النار فيها وألقين بأنفسهن في اللهيب المشتعل وبعد ذلك فتحت أبواب الحصن ودخله محمد بن القاسم وأقام فيه ثلاثة أيام صفى خلالها أموال داهر وسلاحه وأسر العديد من جنوده وأرسل خمس هذه الغنائم كلها إلى الحجاج في العراق وأرسل معها رأس الملك السابق داهر بعدما تم العثور على جثته وبمجرد علم جيسيه بِسقوط الراور قام بكتابة عدة رسائل إلى الملوك والأمراء والأتباع بحوض نهر السند الأوسط والعلوى يحضهم على القتال والوقوف في وجه المسلمين فبعث برسائل إلى أخيه قوفي بن داهر وكان مقيما في حصن أرور وأخرى إلى إبن أخيه چچ بن دهرسيه صاحب باتيه وثالثة إلى إبن عمه دهول بن چندرا ملك بدهيه والقيقان ولما سمع محمد بن القاسم نبأ إستعداد جيسيه للقتال والحرب صمم على فتح برهمناباد فتوجه بجيشه إليها وكان في الطريق إليها حصنان هما بهرور ودهليلة فوصل أولا إلى بهرور وكان به عدد كبير من المقاتلين ولما وصل محمد بن القاسم إلى هناك حاصره مدة شهرين أبقاه فيهما تحت رحمة المجانيق والمشاعل النفطية المحترقة والمبارزات الفردية للفرسان حتى قتل جميع جنود المدينة فدخلها المسلمون وأصابوا فيها غنائم كثيرة ولما وصل خبر فتح بهرور إلى دهليلة علم أهلها أن المسلمين مصممون على فتح مدينتهم وأنه لا أمان لهم فيها ففر التجار منهم شرقا إلى بلاد الهند وبقي الرجال المقاتلون فيها للدفاع عنها ثم وصل إليها المسلمون وحاصروها مدة شهرين حتى ضاقت السبل بأهلها وقل غذائهم ومؤونتهم فأدركوا أن العون والمدد لن يأتيهم بأية حال فمال بعضهم إلى التسليم بينما هرب قسم من الأعيان في ظلام الليل فلحق المسلمون ببعضهم أثناء عبورهم أحد الأنهار وقتلوا منهم فريقا وأسروا فريقا آخر وفر فريق ثالث إلي بلاد الهند وأعطى محمد بن القاسم الأمان للذين إستسلموا من أهل المدينة ودخلها وأرسل خمس ما غنم فيها إلى دار الخلافة كالمعتاد ويروى أنه أرسل في طلب نوبة بن هرون وقيل نوبة بن داهر أحد أبناء الملك السابق وأخذ العهد عليه وعينه واليا على منطقة دهليلة بما فيها معابرها المائية وعهد له أيضا بإدارة سفنها ورأى محمد بن القاسم أن يستميل قلوب أهالي الأراضي المفتوحة حديثا أكثر فأكثر فعين وزير داهر سيساكر الذى كان ممن إستجاب لدعوة القائد المسلم للدخول في طاعته وزيرا ومستشارا لنوبة سالف الذكر .
وقد أدت السياسة الحكيمة لمحمد بن القاسم إلى سحب البساط تماما من تحت اقدام جيسيه بن داهر فحال بذلك بين الأخير وبين إتحاد سكان أواسط وأعالي وادى نهر السند تحت لوائه وقد أثمرت هذه السياسة فأخذ الناس يفدون إلى المسلمين ويعلنون خضوعهم تحت سلطة الإسلام وبذلك لم تثمر صرخات الإستنجاد وخطابات الدعوة التي وجهها جيسيه إلى حكام بلاد السند للوحدة والوقوف أمام جيش المسلمين بقيادته ولما وصل الخبر إلى جيسيه بأن جيش الإسلام خرج قاصدا برهمناباد وتبين له أن أحدا لن يستجيب لنداءاته وصيحات الإستغاثة التي أطلقها جمع ماله وعياله وأتباعه وفر من المدينة وذهب عن طريقٍ صحراوى إلى منطقة تدعى جنكن وعوراأوكايا ببلاد جترور ببلاد الهند كما إنفصل عنه محمد العلافي سالف الذكر قاصدا ملك إقليم كشمير والذى يقع شمال شرق باكستان حاليا ليكون في خدمته وترك محمد بن القاسم مدينة دهليلة وتوجه بجيشه إلى برهمناباد حتى وصل إلى نهر جلوالي شرقي المدينة المذكورة وعسكر بجنده هناك وبعث برسوله إلى المدينة عارضا على أهلها الإسلام أو الجزية أو القتال فإختاروا القتال ولما وصل المسلمون إلى أطراف برهمناباد أمر محمد بن القاسم بحفر خندقٍ عظيم حولها ثم بدأ القتال يوم السبت 1 رجب عام 94 هجرية الموافق يوم 2 أبريل عام 713م وإستمر ستة أشهر كان المحاصرون خلالها يخرجون يوميا للقتال والمبارزة قارعين الطبول مواصلين الحرب من الصباح حتى المساء ثم يعودون إلى حصنهم والمسلمون إلى خندقهم وعندما طال حصار المدينة ورأى أعيانها أن لا قوة أو إقتدار لهم على مواصلة القتال بعثوا برسول إلى محمد بن القاسم ليعطيهم الأمان فوافق على ذلك وفتح أحد أبواب المدينة وهو باب جريطرى لِيدخل الجيش الإسلامي منه لكن قسما من البرهمناباديين إنقضوا على المسلمين بمجرد دخولهم من الباب المذكور فتقاتل الطرفان لفترة قصيرة حتى إنهزم البرهمناباديون فلاذوا بالفرار عبر البوابة الشرقية للمدينة ودخل محمد بن القاسم وأعطى الأمان لكل الأهالي غير المقاتلين كما أُعطي الأمان للصناع والتجار وتقرر ترك بعض الأسرى ممن إمتشقوا السلاح ضد المسلمين بعدما تشكلت محكمة لرد المظالم ومحاكمة الذين قاتلوا الجيش الإسلامي بعد أن أمنوا أهل المدينة ويروى أن ستة آلاف من أرباب الحرب حوكموا وأُعدموا وأُفرج عن الباقين وقيل إن من قتلوا بلغوا ثمانية آلاف وفي اليوم التالي من الفتح قدم على محمد بن القاسم عدد من البراهمة مستسلمين خاضعين فأعطاهم الأمان على أنفسهم شريطة أن يجلبوا له كل من يقع في أيديهم من أتباع داهر فوافقوا وسلموه إحدى زوجات الملك السابق وجمعوا من رعاياه وأتباعه من إعتكفوا في المعابد فعاملهم محمد بن القاسم بالحسنى وترك لهم ضياعهم ودورهم وخيلهم وأموالهم وفرض عليهم الجزية إلا من إعتنق الإسلام منهم وقسمهم إلى ثلاثة أفواج حسب مستوياتهم المالية والإجتماعية فكان الفرد من الفوج الأول رفيع المستوى يدفع أربعين درهما والفوج الثاني أربعة وعشرين درهما والثالث إثني عشر درهما وبعد ذلك عمد محمد بن القاسم إلى تعيين البراهمة الذين ساعدوه كل حسب إختصاصه وإستحقاقه في المناصب وأجزل لهم العطاء ثم نودى على العوام المتضررين من الحرب والذين نهبت أموالهم أثناء القتال من الصناع والتجار والزراع وتقرر إعطاء كل منهم إثنى عشر درهما كما عيِن الدهاقنة وهم رؤساء القرى ورؤساء المنطقة جباة لأموال الدولة ليضبطوا الأموال في المدن والقرى والأرياف ثم أعطى محمد بن القاسم الأمان لعامة الناس في برهمناباد في ممارسة طقوسهم الدينية البوذية والهندوسية كما كان كل من اليهود والنصارى والمجوس يؤدون طقوسهم في البلاد المفتوحة بِبلاد العراق وفارس والشام ومصر.
وبعد أن إنتهى المسلمون من القضاء على داهر وقتله في معركة الراور وما نتج عن ذلك حيث فتحت كافة أراضي وادى السند السفلى وعلى رأسها عاصمتها الإقليمية برهمناباد كان لابد من السير شمالا على الإتجاه نفسه لفتح ارور عاصمة الهندوس الكبرى في وسط أراضي السند وهي مدينة روهرى بباكستان حاليا لأن فتحها يعني دخول تلك الأراضي من وسط مملكة داهر تحت سلطان الإسلام لذلك فقد سار محمد بن القاسم من منطقة برهمناباد بعد أن رتب إدارة المناطق المفتوحة في يوم الخميس 3 من شهر المحرم عام 95 هجرية الموافق يوم 8 أكتوبر عام 713م وإتجه بالقوات الإسلامية شمالا وجعل نهر السند علي يساره أى إلى الغرب من قواته وفي الطريق إستقبله سكان منطقة ساوندى بالترحاب والرقص والغناء الشعبيين وأعلنوا خضوعهم تحت سلطة الإسلام وتابع المسلمون زحفهم حتى وصلوا منطقة أرور التي كانت قد أصبحت دار ملك البلاد بعد مقتل داهر وإستقلال إبنه قوفي بها وبحسب الروايات التاريخية كان قوفي بن داهر قد أشاع في الأوساط الشعبية أن والده ما يزال على قيد الحياة وأنه ذهب إلى الهند ليأتي بالمدد والعون والسلاح في سبيل دفع المسلمين بعيدا ويحتمل أن قوفي المذكور أشاع ذلك لإدخال الطمأنينة والإستقرار في قلوب مقاتليه لكي يتمكنوا من صد الجيش الإسلامي أو أنه كان يؤمن بذلك فعلا ولما وصل محمد بن القاسم إلى أطراف أرور وأصبح على مسافة ميل واحد عسكر هناك وأقام السرادق وبنى مسجدا للمسلمين ودافع سكان أرور من الهندوس خاصة عن مدينتهم بروحٍ معنوية عالية نظرا لإعتقادهم بأن ملكهم آت في طريقه لإنقاذهم مما هم فيه وكانوا يصرخون كل يوم من فوق الحصن بالمسلمين ويحثوهم بأن يهربوا قبل أن يصل ملكهم فيقضي عليهم وإستمر المدافعون على ذلك الوضع ولم ينصاعوا للنداءات التي أرسلها محمد بن القاسم إليهم للإستسلام بالتي هي أحسن فأخرج لهم إحدى زوجات داهر الأسيرات لدى المسلمين وتدعى لادى فأركبها على بعير أسود وتقدم بها مع مجموعة من الفرسان الشجعان إلى الحصن ولما وصلت هناك رفعت صوتها وأعلمت أصحاب المدينة بصدق أنباء موت زوجها وتشير إحدى الروايات إلي أن الأهالي لم يصدقوا في البدايةً قول زوجة داهر ولم يقتنعوا بعكس ذلك حتى قالت لهم إحدى ساحرات المدينة إنها لم تجد أثرا لداهر بعلمها ومعارفها وسحرها مما يعني أنه ليس على الأرض وأنه قد مات وسواء صحت رواية الساحرة أم لم تصح فمن المتفق عليه أن المدافعين شرعوا بعد ذلك بقليل في فتح باب المفاوضات السلمية فقرر الأعيان من حرفيين وصناع وتجار وزراع أن الإعتماد على الملكية السابقة لم يعد ممكنا بعدما أنزل المسلمون الملوك من على عروشهم وأن الحكمة تقضي تسليم المدينة للمسلمين بعد طلب العهود والمواثيق من قائدهم ولما رأى قوفي بن داهر إجتماع كلمة الأعيان وتردد العوام في الحرب بعدما علموا بموت أبيه جمع جملة أهل بيته ورعاياه وأتباعه وهرب ليلا إلى بلاد جترور حيث أخيه جيسيه بن داهر وأرسل أهل المدينة إلى قائد المسلمين محمد بن القاسم يعلنون طاعتهم وولائهم شريطة ألا يقتل أحد منهم ولا يتعرض لبدهم أى معبدهم ومقدساتهم أحد فوافق محمد بن القاسم وقال لهم ما البد إِلا ككنائس النصارى وبيع اليهود وبيوت نار المجوس وهكذا دخل المسلمون المدينة صلحا ونصب محمد بن القاسم رواح بن أسد أحد أحفاد التابعي الأحنف بن قيس واليا على أرور وعهد بالشؤون الشرعية ودار القضاء والخطابة إلى الإمام موسى بن يعقوب بن طائي الثقفي ودعاهما إلى إستمالة الرعية ورعاية الشعب والحرص على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية كما وضع الخراج على المدينة وبنى بها مسجدا .
وبعد تسوية أوضاع مدينة ارور تركها محمد بن القاسم وتوجه إلى حصن باتيه الواقع على الطرف الجنوبي من نهر بياس وهو أحد روافد نهر السند وكان هذا الحصن القديم يحكمه كاكسة بن چندرا بن سيلائج إبن عم داهر وكان كاكسة المذكور قد شارك إلى جانب داهر في الحرب ضد المسلمين وبعد أن هزم الجيش وقتل داهر فر كاكسة إلى هذا الحصن وأقام فيه ولما وصل جيش الإسلام قريبا منه أرسل كاكسة الأموال والهدايا والرهائن والعبيد إلى محمد بن القاسم وذهب الأعيان وأكابر الحصن إليه معلنين الولاء والطاعة له فأعطاهم الأمان وقدرهم أحسن تقدير وأعلمهم أن أميرهم كاكسة وسائر أفراد أُسرة داهر آمنين مكرمين طالما أتوا إليه مستسلمين عن طواعية وإختيار وقد أتت هذه السياسة الحكيمة من جانب محمد بن القاسم ثمارها حيث شجعت كاكسة على المجئ إلى المسلمين وإعلان إستسلامه فإستقبله محمد بن القاسم ورحب به وعفا عنه يدفعه في ذلك رغبته في إستمالة قلوب السكان إلى المسلمين من جهة ولِأن كاكسة كان أحد فلاسفة بلاد الهند ومن كبار حكمائها فرغب محمد بن القاسم أن يستعين به في إدارة البلاد المفتوحة لذا عينه مستشارا وأخذ برأيه في كل صغيرة وكبيرة وعهد إليه بجباية الأموال وفوق ذلك تذكر الروايات بأن كاكسة أصبح أول من أخذ السلاح من بقية الأمراء والأعيان وكبار القادة ويحمله مقاتلا إلى جانب المسلمين وبعد أن رتب محمد بن القاسم أُمور المناطق الوسطى لوادى السند بمساعدة أهلها ومشاورتهم وعلى رأسهم كاكسة ترك حصن باتيه وعبر مياه نهر بياس سائرا بإتجاه الشمال الشرقي نحو أراضي وادى السند العليا وتحديدا صوب عاصمتها العريقة الملتان وفي الطريق حاصر المسلمون حصن إسكلندة فخرج إليهم أهله لقتالهم لكن المسلمين حملوا حملة رجل واحد وهم يكبرون ويهلِلون فهزم أصحاب الحصن وإرتدوا إلى داخله وأخذوا يرمون المقذوفات وحجارة المنجنيق على الجيش الإسلامي وإستمر الفتال الشديد 7 أيام وكان إن شقيق أمير الملتان المدعو رائي بجهرا يتولى الحصن المذكور وقد حرض الجموع وقاتل قتالا مريرا حتى نفذت المؤونة عند جيشه ولما شعر بقرب الهزيمة ترك الحصن في ليلة ظلماء وتوجه إلى حصن السكة الواقع على الجهة الجنوبية من الملتان ولما ترك بجهرا حصنه إجتمع الأعيان وأرسلوا كتابا إلى محمد بن القاسم يطلبون فيه الأمان فأجابهم ودخل الحصن حيث أمر بإعدام بعض المقاتلين وسبي آخرين وعين عتبة بن سلمة التميمي واليا على إسكلندة ثم توجه المسلمون إلى حصن السكة ولما وصل خبر وصولهم إلى أطرافه إستنفر الأهالي بقيادة رائي بجهرا وإستعدوا للقتال والمجابهة وخرجوا إلى خارج الحصن وإلتحموا في قتال شديد مع المسلمين وإستمرت المعارك الدامية قرابة 17 يوما وقتل من المسلمين قرابة 240 بين قائد وجندى لكن الغلبة كانت في النهاية للجيش الإسلامي المتفوق فإنكسر المحاصرون وهرب بجهرا عبر النهر نحو الملتان ويقول صاحب فتحنامة سند چچ نامه إن محمد بن القاسم قام بتدمير هذا الحصن ثأرا للمسلمين الذين سقطوا شهداء أثناء حصاره بعد أن أقسم أنه سيفعل ذلك فلما تمكن منه بر بقسمه .
وبعد ذلك عبر المسلمون نهر بياس نحو الملتان وهي تقع بإقليم البنجاب شمالي باكستان وتبعد عن مدينة الديبل شمالا بحوالي 966 كيلو متر حيث لجأ رائي بجهرا والذى حرض ملك المدينة راجاكندا على مناجزة المسلمين ويبدو أن الملك المذكور كان ينوى ذلك بكل الأحوال ظنا منه بأنه سيحرز نصرا عليهم ولعل بعض الأسباب التي جعلته يتخذ ذلك القرار تتمثل في حصانة أسوار الملتان وقرب هذه المملكة من حدود مملكة كشمير ووجود صلات ودية بين الطرفين حيث راسل راجاكندا الملك الكشميرى طالبا منه إرسال نجدات عسكرية ضد المسلمين الذين سيهاجمون أراضيه دون شك بمجرد إنتهائهم من أراضي الملتان ولم يتلق ملك الملتان إستجابةً من جاره الشمالي كما كان يتوقع لذلك لم ير جدوى لِلخروج من معقله الحصين لمقابلة المسلمين فأخذ يشحن قلعته بالمؤن والذخائر بما يمكنه من مقاومة حصار المسلمين مهما طال الوقت وفعلا فقد طال حصارهم له والذى ضربه محمد بن القاسم ورجاله حول قلعة الملتان المنيعة لأكثر من شهرين دون الوصول إلى النيل منها وكان محمد بن القاسم مصرا أشد الإصرار على فتح المدينة المذكورة لما لها من التقديس عند أهل بلاد السند وبلاد الهند بما يفوق أى مدينة أخرى ففيها البد العظيم الذى تهدى إليه الأموال والنذور ويأتي الناس إليه من كل فجٍ عميق وتهوى إليه الأفئدة ويحلقون رؤوسهم ولحاهم عنده فهو مدينة في مدينة وبلد في بلد فالملتان لم تكن مجرد مدينة عادية بل كانت أشبه بعاصمة دينية كبيرة لذلك إستمر محمد بن القاسم يحاصر المدينة رغم إنهمار الحجارة والرماح والسهام على الجيش الإسلامي ورغم تراجع موادهم التموينية والغذائية منها على وجه الخصوص لدرجة لجأوا معها إلى أكل الحمير حتى أن ثمن رأس الحمار إرتفع حتى بلغ 500 درهم ولما رأى راجاكندا أن عزيمة المسلمين لم تقهر وما زالوا مستمرين ومصرين على فتح المدينة خاف عاقبة الأمر وقرر الهرب فدبر له أمره ونجح في ذلك فخرج من المدينة وهرب إلى ملك كشمير دون علم المحاصرين له وقد أدى تصرف ملك الملتان هذا إلى أن بعض سكان المدينة خرجوا إلى قائد المسلمين وطلبوا منه الأمان في سبيل إعلامه بالطريقة التي يمكنه معها إقتحام المدينة وحول هذه المسألة يقول مصنف فتحنامة سند چچ نامه بأن رجل ولم يذكر إسمه خرج إلى محمد بن القاسم مستأمنا ودله إلى مكان يمكن نقبه في الناحية الشمالية من المدينة فعمد جيش المسلمين إلى نقب السور طيلة ثلاثة أيام حتى أفلحوا في خرقه وإجتاحوا الحصن فاتحين أما البلاذرى فيذكر أن ذلك الرجل الذى جاء إلى محمد بن القاسم قد دل المسلمين إلى مجرى مائي كان يدخل المدينة فيغذيها بإحتياجاتها من الشرب فغور المسلمون مجراه حتى لم يعد يصل إلى المدينة الحصينة شئ منه فأخذ منهم العطش كل مأخذ فنزلوا على حكم إبن القاسم فدخل المسلمون المدينة وأمر محمد بن القاسم بقتل مقاتلتها ووجد المسلمون في الملتان ذهبا كثيرا جمع في حوض عظيم في الجانب الشرقيِ من المدينة قيل إن طوله وصل إلى مائة ذراع وكذلك عرضه مائة ذراع وبني في وسطه معبد لصنم إله هندوسي طوله خمسون ذراعا وعرضه خمسون ذراعا وكان فيه قبو وجد فيه خمسين زيرا مليئة بالذهب وثلاثون زيرا آخر مدفونة فوق القبو المذكور وقيل إن هذه الكمية الهائلة من الذهب كانت قد جمعت عبر العصور من الحجاج الهندوس الذين كانوا يهدون أموالهم لهذا الإله وينذرون له النذور لذا سمى المسلمون الملتان بفرج بيت الذهب وقد صورها الرحالة الشريف الإدريسي بقوله وكان بها صنم يعظمه أهل الهند ويحجون إليه ِمن أَقاصي بلدانها ويتصدقون عليه بأموال جمة وحلي كثيرة وطيب وقد سميت بفرج بيت الذهب لأن محمد بِن يوسف شقيق الحجاج أَصاب كمية كبيرة من الذهب وكانت كلها في بيت واحد فسميت الملتان بفرج بيت الذهب والفرج هو الثغر وقام محمد بن القاسم بتوزيع أربع أخماس الغنائم علي الجنود وأرسل الخمس إلي خزائن دار الخلافة عن طريق البحر ثم شرع في إصلاح ما تهدم من الملتان بسبب الحرب وإبتنى فيها المساجد والمنارات ثم عين داود بن نصر بن الوليد العماني أميرا على الملتان وخريم بن عبد الملك التميمي أميرا على حصن برهمفور وعكرمة بن ريحان الشامي أميرا على سواد الملتان وأحمد بن خزيمة بن عتبة المدني واليا على حصني أشبهار وكرور وأقام محمد بن القاسم في المدينة المفتوحة لفترة من الزمن عبأ خلالها أكثر من خمسين ألف رجل مقاتل تأهبا بكامل العدة والعتاد والسلاح لمواصلة الفتوحات الإسلامية في بلاد السند .
وبعد إتمامه فتح الملتان أخذ محمد بن القاسم يستعد لفتح مملكة قنوج أعظم ممالك الهند وكانت تمتد من تخوم السند إلى البنغال فبعث أبا حكيم الشيباني على رأس جيش من عشرة آلاف فارس إلى ملك قنوج يدعوه إلى الإسلام أو الجزية أما محمد بن القاسم فقد توجه بجيشه إلى البنجاب وهي منطقة الحدود مع كشمير في سبيل تحديد وضبط تلك الحدود ولما وصل أبو حكيم الشيباني إلى البلاط القنوجي وعرض الرسالة المكلف بها على الملك رد عليه رد غير كريم حيث قال له إِرجِع إِلى أميرك وقل له عليك أن تقابلنا مرة واحدة فقط فإما أن يدخل الرعب منكم في قلوبنا أو أننا سنقضي عليكم وإذا تقابل الجيشان المتقاتلان وظهرت الشجاعة في القتال والغلبة لأحدنا عند ذلك سيحسم أمر الصلح أو الحرب ولما وصلت الرسالة إلى محمد بن القاسم جمع قادته وأكابر القوم وأعيانهم وأُمراءهم وأعلمهم بنيته متابعة الفتح والسير للقضاء على ملك قنوج والظفر به فأعلن جميع القادة والأُمراء إستعدادهم لذلك وكان الحجاج لما راجع حساب نفقات الفتوحات الكبيرة التي أنجزها محمد بن القاسم وجدها قد بلغت ستين ألف ألف درهم أي ستين مليون درهم فقال شفينا غيظنا وأدركنا ثأرنا وإزددنا ستين ألف ألف درهم ورأس داهر ولم يلبث أن توفي عام 95 هجرية الموافق عام 714م وكان محمد بن القاسم حينذاك بالملتان حينما أتاه نعي الحجاج فعاد إلى أرور التي سبق فتحها فأعطى الناس ووجه جيشا إلى البيلمان وسرشت ففتحوهما صلحا ثم أتى مدينة الكيرج في مملكة چالوكيا وهي مدينة مومباى حاليا فخرج إليه دوهر ملك تلك المنطقة فقاتله المسلمون حتى هزموه وأجبروه على الهرب وقيل إنه قتل فنزل أهل المدينة على حكم محمد بن القاسم فقتل المقاتلة وأمن أهل المدينة وبينما كان ينتقل من نصر إلى نصر جاءه خبر وفاة الخليفة الوليد بن عبد الملك وكان سنده وسند الحجاج أيضا وتولية سليمان بن عبد الملك عدو الحجاج وأسرته وذلك لأن الوليد كان قد أراد أن ينزع أخاه سليمان من ولاية العهد ويجعل بدله إبنه عبد العزيز بن الوليد فبايعه الحجاج على خلع سليمان والذى بعد توليه الخلافة قام بعزل محمد بن القاسم من إمارة بلاد السند وعين يزيد بن أبي كبشة السكسكي بدلا منه وحاول بعض أنصار إبن القاسم إغراءه بإعلان العصيان والتفرد بحكم بلاد السند البعيدة عن مركز الخلافة لكنه رفض ولم يلبث يزيد بن أبي كبشة أن قبض على محمد بن القاسم وقيده وحمله إلى العراق حيث حبس بواسط بتهمة إدعتها عليه إحدى بنات داهر بأنه حاول إغتصابها وظل في محبسه حتى مات في عام 96 هجرية الموافق عام 715م عن عمر يناهز 24 عاما ودفن بضريح يقع في مدينة النعمانية في محافظة واسط في بلاد العراق .
وبعد هذه الرحلة الطويلة مع فتوحات بلاد السند التي تمت علي يد محمد بن القاسم الثقفي تبقي لنا كلمة وهي أنه على الرغم من الجهود المضنية التي بذلها قادة ثغر السند الذين جاءوا بعد محمد بن القاسم فقد ضاع في النهاية أغلب ما فتحه المسلمون مع قائدهم محمد وعلى الرغم من دخول حكام السند جميعا في الإسلام ومعظم سكانها إستجابةً لدعوة الخليفة الأُموى عمر بن عبد العزيز بِأن لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم وبقائهم حكاما لبلادهم تحت المظلة الإسلامية فقد حارب أولئك الحكام المسلمون العرب وأخرجوهم من بلاد السند العليا والوسطى ولم يبق لهم إلا أجزاء قليلة في مناطقه السفلى بحيث إنحصر نفوذهم في معقلين فقط هما مدينتا المحفوظة والمنصورة وكان مما ساهم في إستقلال حكام تلك البلاد عن السلطة المركزية في دمشق النزاعات الداخلية التي نشبت في دار الخِلافة والتي أفضت في النهاية إلى إنهيار الدولة الأُموية وقيام الدولة العباسية على أنقاضها وفي العصر العباسي عادت كامل السند تحت جناح السلطة المركزية في العاصمة بغداد وإستمر الولاة العباسيون يحكمون السند حتى عام 240 هجرية الموافق عام 855م حيث كان عمر بن عبد العزيز الحبارى هو آخر ولاة الدولة العباسية هناك ثم إستقل بالأمر وأسس له بِتلك الديار دولة مستقلة حكمت حتى جاء الغزنويون عام 416 هجرية الموافق عام 1026م فقضوا عليهم وأصبح تاريخ بلاد السند بعد ذلك مُرتبطا بمدينة غزنة حاضرة الغزنويين ثم بتاريخ السلالات التي خلفت الغزنويين كالغوريين ومماليكهم حتى جاء المغول وأدخلوا تلك الديار تحت سلطانهم وقد إستمر أهل السند يقبلون على إعتناق الإسلام منذ فتوحات محمد بن القاسم ومن تلاه من الحكام والولاة حتى أصبح حوالي 97% من سكان المناطق التي تشكِل پاكستان المعاصرة مسلمون ويشكلون إحدى أكبر الجمهوريات المسلمة في العالم وأصبح محمد بن القاسم رمزا وطنيا لها والبطل القومي لهذه الدولة بحيث وصفه الزعيم المؤسس لدولة باكستان محمد علي جناح بأنه الپاكستاني الأول الذي وضع لبنة حركة باكستان بمجرد وطئه أرض السند التي أصبحت بوابة الإسلام إلى الهند وقد أُطلق إسمه على عدد من المعالم والمواقع المهمة في الدولة الپاكستانيَّة تكريما وتعظيما له منها على سبيل المثال ميناء قاسم الواقع في مدينة كراتشي وهو ثاني أكبر مرافئ البلاد .
|