الأحد, 28 أبريل 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

عبد الملك بن مروان
-ج1-

 عبد الملك بن مروان 
-ج1-
عدد : 08-2023
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"


عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن نبي الله إسماعيل عليه السلام وهو يلتقي مع النبي محمد صلي الله عليه وسلم في الجد الثالث عبد مناف والذى يكنى بأبي الوليد كان من كبار التابعين وهو الخليفة الخامس من خلفاء الدولة الأموية والمؤسس الثاني لها بعد مؤسسها الأول الخليفة الأموى الأول معاوية بن أبي سفيان وكان مولده في عام 26 هجرية في المدينة المنورة في بدايات خلافة الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه وهي ذات السنة التي ولد فيها ثاني خلفاء الدولة الأموية يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وكان هو أول من سمي بإسم عبد الملك في الإسلام وقيل إن أول من سمي عبد الملك وأول من سمي عبد العزيز هما إبنا مروان بن الحكم رابع خلفاء الدولة الأموية والذى بويع بالخلافة بعد موت الخليفة الأموى الثالث معاوية بن يزيد بن ابي سفيان والذى إنتقلت على يده الخلافة من البيت السفياني إلي البيت المرواني في وقت كان نفوذ الأمويين قد ضعف وعصفت الثورات والفتن والإضطرابات بالعالم الإسلامي وبايعت أغلب الأقاليم عبد الله بن الزبير خليفةً للمسلمين وإستطاع مروان بن الحكم قبل وفاته السيطرة على بلاد الشام وخرج بجيشه إلى مصر التي كانت قد بايعت عبد الله بن الزبير بن العوام ودخلها وولى إبنه عبد العزيز عليها لكنه فشل في السيطرة على بلاد الحجاز وبلاد العراق وتوفي قبل أن يكمل سنة في الخلافة أما أمه فهي عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية الأموية القرشية وجدته لأمه هي فاطمة بنت عامر الجمحي قتل أبوها يوم أحد وقد أدركت أمه عائشة حياة النبي محمد صلي الله عليه وسلم نحو سبع سنين وكان عبد الملك بن مروان ربعة من الرجال أقرب إلى القصر وكانت أسنانه مشبكة بالذهب وكان أفوه أى مفتوح الفم أبيض اللون ليس بالنحيف ولا البدين مقرون الحاجبين كبير العينين دقيق الأنف أبيض الرأس واللحية وكان في بداية حياته من العباد الزهاد المتفقهين في الدين الملازمين للمسجد النبوى الشريف التالين والحافظين للقرآن الكريم حتى قيل عنه لقد رأينا المدينة المنورة ما فيها شاب أشد تشميرا ولا أفقه ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك بن مروان بن الحكم وقال الأعمش عن أبي الزناد كان فقهاء المدينة المنورة أربعة سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير بن العوام وقبيصة بن ذؤيب وعبد الملك بن مروان قبل أن يتولى الخلافة وقال الشعبي ما جالست أحدا إلا وجدت لي الفضل عليه إلا عبد الملك بن مروان فإنني ما ذاكرته حديثا إلا زادني فيه ولا شعرا إلا زادني فيه وقد روى عبد الملك بن مروان الحديث عن أبيه مروان بن الحكم وعن معاوية بن أبي سفيان وعن الصحابة الكرام جابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدرى وأبي هريرة وإبن عمر وعن أم المؤمنين السيدة أم سلمة وعن بريرة مولاة أم المؤمنين السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق وعن جماعة من التابعين فكان ممن روى عنه الإمام محمد بن إسماعيل البخارى في كتابه الأدب المفرد والإمام الزهرى وعروة بن الزبير وجرير بن عثمان وعمرو بن الحارث وخالد بن معدان وهو من فقهاء التابعين وعبادهم ورجاء بن حيوة أحد الأعلام والذى كان يعد مستشارا أو وزيرا لعدد من خلفاء بني أمية وقال المؤرخ إسماعيل بن كثير عنه وسمع أيضا من الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان وكان يجالس الفقهاء والعلماء والصالحين والعباد والحفاظ ورواة الحديث .

وقد إشتهر عبد الملك بن مروان بأنه كان حبوبا ومرغوبا من عمومته ومن كبار بني أمية ومما يذكر أن الخليفة الأموى الأول معاوية بن أبي سفيان كان جالسا يوما ومعه عمرو بن العاص ومر بهما عبد الملك فقال معاوية يا لأدب هذا الفتى وأحسن مروءته فقال عمرو يا أمير المؤمنين إن هذا الفتى أخذ بخصال أربع وترك خصالا ثلاثا أخذ بحسن الحديث إذا تحدث وحسن الإستماع إذا حدث وحسن البشر إذا لقي وخفة المؤونة إذا خولف وترك من القول ما يعتذر منه وترك مخالطة اللئام من الناس وترك ممازحة من لا يوثق بعقله ولما بلغ عبد الملك بن مروان سن عشر سنوات شاءت الأقدار أن يشاهد أول حادث سياسي في حياته وهو حادث مقتل الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان في أواخر شهر ذي الحجة عام 35 هجرية وقد تأثر بهذا الحادث وتعلم منه أنه يجب التعامل مع المعتدين والمشاغبين ومثيرى الفتن بالقوة والحزم وكان أول منصب إداري تولاه في الدولة في عهد معاوية بن أبي سفيان حيث عينه هذا الأخير عاملا على إقليم هجر والذى كان يعتبر جزء من إقليم البحرين الممتد من نهر الفرات شمالا إلى عمان جنوبا وشارك في الجهاد على رأس حملة إلى أرض الروم عام 42 هجرية في أوائل عهد معاوية بن ابي سفيان وكان هدف معاوية من المسارعة بهذه الحملة وما بعدها إشغال المتصارعين وتهدئة الثورات وإطفاء الغضب المشتعل في العالم الإسلامي منذ مقتل الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه ثم تولى ديوان المدينة المنورة بعد وفاة الصحابي زيد بن ثابت عام 45 هجرية وكان أيضا ضمن الجيش الذي غزا أفريقية مع معاوية بن حديج عام 45 هجرية وكلفه بفتح قلعة جلولا البيزنطية في الشمال الأفريقي في عهد الخليفة الأموى الثاني يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وإستطاع أن يقتحمها ويفتحها وأن يستولي عليها وكانت علاقته بالزبيريين حينذاك تسير بشكل جيد فكان يقول عن عبد الله بن الزبير بن العوام ما على الأرض اليوم خيرا منه وكانت علاقته بأخيه مصعب بن الزبير حسنة وبعد وفاة يزيد بن معاوية عام 64 هجرية وكان مروان بن الحكم وبنوه في المدينة المنورة آنذاك فأخرجهم منها عبد الله بن الزبير فرحلوا للشام فلما وصلوها وجدوا الإنقسامات على أشدها مما جعل مروان يفكر في العودة للحجاز لمبايعة عبد الله بن الزبير حتى وصل إلى الشام عدد من قادة بني أمية البارزين كالحصين بن نمير السكوني الذي كان يحاصر إبن الزبير في مكة وعبيد الله بن زياد الذي كان في البصرة عند وفاة يزيد فإضطرب عليه الأمر فهرب إلى الشام وكان وصول هذين وأمثالهما إلى الشام نقطة تحول في تاريخ الدولة الأموية فلو تأخر وصولهما لذهب مروان لمبايعة إبن الزبير ولكنهم إستحثوا عزيمة مروان الذى قال له عبيد الله بن زياد حينما علم أنه يريد مبايعة إبن الزبير فقال قد إستحييت لك من ذلك أنت كبير قريش وسيدها تمضي إلى أبي خبيب يقصد إبن الزبير فتبايعه فقال مروان ما فات شئ وعموما فبعد وفاة يزيد بن معاوية تولي الخلافة إبنه معاوية بن يزيد الذى لم تدم فترة حكمه قبل موته عدة أشهر على قول وأربعين يوما على قول آخر وفي هذه الفترة بدأت الحركات المناوئة للأمويين تزداد وتقوى شوكتها وبدأ الإنقسام في العالم الإسلامي يستشرى ففي بلاد العراق ظهرت ثورة التوابين المطالبة بدم الإمام الشهيد الحسين بن علي رضي الله عنهما وفي بلاد الحجاز أعلن عبد الله بن الزبير بن العوام إستقلاله بالخلافة عن تبعية بني أمية وكانت هذه الأحداث الجسيمة وتسارعها محركا قويا لإجتماع كبراء وأمراء بني أمية في دمشق بعد أن أحسوا أنهم أسرى القوى القبلية المتنافسة والمتصارعة سياسيا وعسكريا فالحزب اليمني بقبيلته كلب النافذة في البلاط الأموى بزعامة حسان بن مالك الكلبي كانت متشددة بالحفاظ على إمتيازاتها في ظل الدولة الأموية وخشيت من إنتقال الخلافة إلى الحجازيين أما الحزب القيسي فقد كان مستاءا من محاربة يزيد بن معاوية لأهل المدينة المنورة وكان الضحاك بن قيس الفهرى زعيمها كان قد منحته آنذاك الأحداث السياسية بعد وفاة معاوية الثاني بن يزيد مركزا متقدما من خلال منصبه كأمير لبلاد الشام حيث أتيحت له الفرصة أن يملأ الفراغ السياسي بعد موت معاوية بن يزيد بن ابي سفيان بصورة غير رسمية كما وجد القيسيون في دعوة عبد الله بن الزبير بن العوام فرصة تمكنهم من التغلب على الكلبيين وإنتزاع القوة والسلطان من بين أيديهم وفي ظل هذه الأجواء الساخنة تفرقت كلمة الأمويين وتنافسوا على منصب الخلافة فتوزعت آراؤهم بين ثلاثة مرشحين فقد أيد حسان بن مالك الكلبي خالد بن يزيد بن معاوية ومال بعض القادة إلى تأييد مروان بن الحكم وساند فريق ثالث عمرو بن سعيد بن العاص والذى كان من سادات المسلمين ومن المشهورين بالكرم والفصاحة .


وامام هذه الأحداث إتفق كبراء وأمراء بني أمية على عقد مؤتمر في الجابية وهي منطقة تاريخية تقع جنوبي العاصمة السورية دمشق ترأسه حسان بن مالك الكلبي ليتداولوا فيمن يولونه الخلافة وكان مروان بن الحكم الأوفر حظا حيث كان الأكبر سنا والأعظم تجربة وخبرة وحنكة وإنتهى المؤتمر لمصلحته حيث إختير بإجماع الحاضرين وتمت مبايعته بالخلافة وكان ذلك في أوائل شهر ذي القعدة عام 64 هجرية وخرج الكلبيون ممن أيدوا خالد بن يزيد بترضية حيث إختير مرشحهم وليا للعهد على أن تكون الخلافة من بعده لعمرو بن سعيد وبذلك إنتقلت الخلافة في البيت الأموي من البيت السفياني إلى البيت المرواني وإستاء الضحاك بن قيس من خروج الأمر من يد عبد الله بن الزبير فغادر دمشق إلى مرج راهط القريبة من دمشق وعسكر هناك وإنضم إليه النعمان بن بشير الأنصارى الخزرجي والي حمص وزفر بن الحارث الكلابي أمير قنسرين التي تقع في هضبة حلب الجنوبية شمالي الشام فخرج مروان بن الحكم ومعه بنو أمية وأنصاره لقتال القيسيين وجرت بين الطرفين مفاوضات لتسوية الموقف وعقد صلح بين الطرفين لكنه إنهار بعد أن إستمر عشرين يوما فقط لما وصلت أنباء إستيلاء المروانيين على دمشق وإخراج عامل الضحاك منها وإعلان خلافة مروان بن الحكم فيها وفي أواخر شهر ذى القعدة عام 64 هجرية الموافق عام 684م إلتقى الجمعان في مرج راهط وإنتهت المعركة بهزيمة القيسيين وقتل زعيمهم الضحاك وهروب زفر بن الحارث الكلابي بعد المعركة إلى قرقيساء بشمال شرق سوريا قرب الحدود السورية العراقية حاليا وتحصن بها فلما جاءت خيول بني أمية فر منها إلى أرض الجزيرة ببلاد العراق وإستتب بذلك الأمر لمروان بن الحكم في الشام وفلسطين أما عن دور عبد الملك السياسي في عهد والده الخليفة مروان بن الحكم فقد تولى إمارة فلسطين ولكنه كان يبعث نائبا عنه وهو روح بن زنباع وذلك حتى يبقى في العاصمة دمشق قريبا من إدارة الدولة ولمساعدة والده هناك حيث كانت الدولة في الفترة التي تولى فيها والده الحكم محاطة بالأعداء والخصوم من الداخل والخارج وتموج في ربوعها الثورات والفتن والإضطرابات ثم تولى عبد الملك إمارة دمشق عند خروج والده لفتح مصر فبعد أن إستقر الأمر لمروان بن الحكم في الشام وفلسطين توجه نحو مصر لإستردادها من عامل عبد الله بن الزبير عبد الرحمن بن جحدم الفهرى وعندما علم إبن جحدم بقدوم مروان بدأ يستعد لقتاله فحفر خندقا حول العاصمة الفسطاط فنزل مروان في عين شمس فإضطر إبن جحدم إلى الخروج إليه فتحاربا فترة ثم رأيا أن يتصالحا حقنا للدماء فإصطلحا ودخل مروان مصر في غرة شهر جمادى الأولى عام 65 هجرية وبايع الناس مروان بن الحكم وأقام بمصر نحو شهرين ثم غادرها في أول رجب عام 65 هجرية بعد أن أعادها للحكم الأموي وولى عليها إبنه عبد العزيز بن مروان ثم عاد للشام .


وبعد عودة مروان بن الحكم إلي الشام بعث جيشا إلى المدينة المنورة بقيادة حبيش بن دلجة القيني فسار بالجيش حتى إنتهى للمدينة وعليها جابر بن الأسود بن عوف إبن أخي الصحابي عبد الرحمن بن عوف من قبل إبن الزبير فهرب جابر من المدينة وكان الحارث بن أبي ربيعة والي البصرة لإبن الزبير قد أرسل جيشا من البصرة لنصرة إبن الزبير وجعل عليه الحنيف بن السجف التيمي فلما سمع بهم حبيش سار لهم من المدينة وأرسل عبد الله بن الزبير العباس بن سهل بن سعد الساعدى إلى المدينة أميرا وأمره أن يسير في طلب جيش حبيش حتى يوافي الجند من أهل البصرة الذين عليهم الحنيف فأقبل عباس حتى لحقهم بالربذة شرقي المدينة المنورة والتي تبعد عنها مسافة 170 كم على طريق القوافل الممتد من العراق إلي المدينة المنورة فمكة المكرمة والمعروف بإسم درب زبيدة فقاتلهم حبيش ورماه يزيد بن سنان بسهم فقتله وكان مع حبيش بن دلجة يومئذ يوسف بن الحكم الثقفي وإبنه الحجاج وهما على جمل واحد وإنهزم جيش حبيش فأسر منهم العباس خمسمائة بالمدينة فقال العباس بن سهل إنزلوا على حكمي فنزلوا فقتلهم ورجعت فلول حبيش للشام ولما دخل يزيد بن سنان المدينة كان عليه ثياب بيض فإسودت مما صبوا عليه من الطيب وفي وسط هذه الأحداث توفي مروان بن الحكم في شهر رمضان عام 65 هجرية بعد حوالي 10 شهور من توليه الخلافة قضاها في معارك وحروب من أجل توطيد أركان الحكم لبني أمية وبالفعل فقد أعاد الشام وفلسطين ومصر إلي الحكم الأموى لكن القدر لم يمهله لكي يحقق هدفه بإعادة بلاد الحجاز وبلاد العراق إلى الحكم الأموى مرة أخرى وكان مروان بن الحكم قد عهد بالخلافة لإبنيه عبد الملك وعبد العزيز بعد أن أقنع الكلبيين ممن ساندوا خالد بن يزيد بعدم قدرته على التصدي لإبن الزبير معتبرا ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر الجابية من العهد لخالد بن يزيد ومن بعده لعمرو بن سعيد كان ضرورة وقد زالت الضرورة الآن وبويع إبنه الأكبرعبد الملك بن مروان بالخلافة في اليوم الذي توفي فيه والده في دمشق في شهر رمضان عام 65 هجرية حيث بايعه بنو أمية لكن الوضع كان مختلفا مع العلماء فقد بايعه بعض العلماء في الشام وكانوا قلة لا يعدون شيئا وكان هناك قسم من العلماء الذين بايعوا عبد الله بن الزبير وقسم آخر إعتزلوا حتى تجتمع الأمة على خليفة واحد وقد إختلف العلماء إختلافا كبيرا حول عبد الملك بن مروان فهناك من خرج عليه مثل عبد الرحمن بن أبي ليلى وسعيد بن جبير وهناك من إبتعد عنه وإلتزم بالبيعة كالإمام الحسن البصرى وهناك من كان قريبا منه ناصحا له كالتابعي قبيصة بن ذؤيب وإذا ما ألقينا نظرة على حال العالم الإسلامي عند تولي عبد الملك بن مروان الخلافة فسوف نجده كان منقسما بين أربع جماعات فئة الأمويين الذين يسيطرون على الشام وفلسطين ومصر وعبد الله بن الزبير بن العوام الذي كان يسيطر على الحجاز والعراق والحركة العلوية في العراق بقيادة المختار بن أبي عبيد الثقفي وجماعة الخوارج وكان أكبر مظاهر هذا الإنقسام في العالم الإسلامي وضوحا أنه في موسم حج عام 68 هجرية إرتفعت أربعة ألوية لواء الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان بن الحكم زعيم خوارج اليمامة ولواء محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بمحمد إبن الحنفية ولواء عبد الله بن الزبير ولواء نجدة بن عامر .


وكان من أول ما واجهه عبد الملك بن مروان بعد توليه الخلافة مواجهته لزفر بن الحارث الذى كان قد فر في عهد أبيه الخليفة مروان بن الحكم إلي الجزيرة ببلاد العراق وكان هذا الأخير قد جهز قبل وفاته جيشا بقيادة عبيد الله بن زياد لإخضاع زفر بن الحارث وعينه أميرا على كل ما يفتحه فلما كان في الجزيرة أتاه نعي مروان وكتاب خليفته عبد الملك بن مروان يستعمله على ما إستعمله والده ويحثه على المسير إلى العراق والذى كان إقليما يموج بالأحداث السياسية الساخنة فالكوفة كانت مركزا للمعارضة السياسية وكان أنصار العلويين يشعرون بالتقصير والذنب بعد معركة كربلاء ومقتل الإمام الحسين رضي الله عنه ومعظم أنصاره لكنهم إضطروا للتهدئة طيلة حكم الوالي عبيد الله بن زياد لكن عندما عم الإضطراب أنحاء بلاد العالم الإسلامي بعد موت يزيد بن معاوية في شهر ربيع الأول عام 64 هجرية وفرار إبن زياد أخذ أنصار الإمام الحسين بن علي يتصلون ببعضهم البعض لوضع خطة للثأر لدم الحسين رضي الله عنه وبدأوا يعقدون الإجتماعات برئاسة سليمان بن صرد الخزاعي وكان من أنصار الإمام علي رضي الله عنه لدراسة الموقف وإنتهت الإجتماعات بقولهم بأنه لا يغسل عنهم ذلك الجرم إلا قتل من قتله وغلب عليهم إسم التوابين وكان شعارهم الثأر للإمام الحسين وكتب سليمان بن صرد إلى سعد بن حذيفة بن اليمان أمير المدائن يدعوه للإنضمام لدعوتهم فإستجاب له وقبِل الدخول معه في ثورته ودعوته فزاد ذلك الأمر التوابين قوة وعزما ونشاطا ثم إنهم أرادوا إستعجال الخروج ولكن سليمان ثبطهم حتى لا ينكشف أمرهم وفي هذا الوقت أَخرج أهل الكوفة عامل إبن زياد عليهم وإستقبلوا عامل إبن الزبير حيث كان إبن الزبير قد إستفحل أمره وأصبح مسيطرا علي بلاد الحجاز والعراق وأثناء الإعداد للثورة ظهرت على مسرح الأحداث شخصية أثرت بشدة على مجرى الأحداث وهو المختار بن أبي عبيد الثقفي وكان مع إبن الزبير ولكنه ما لبث أن إختلف معه ثم خرج من مكة المكرمة متوجها للكوفة وبدأ يدعو لخلافة محمد بن الحنفية ولقبه بالمهدى وأدى ذلك لتفرق صف أنصار الحسين وصاروا فرقتين جمهورهم مع سليمان بن صرد للأخذ بثأر الحسين والباقي مع المختار ووصلت أخبار هذا الإختلاف لوالي الكوفة من قبل إبن الزبير فحذرهم من محاولة الخروج على الأمويين لكن هذا التحذير أدى لإستعجال خروج سليمان ومن معه لقتال أهل الشام وكان تاريخ خروج ثورة التوابين أثناء خلافة مروان بن الحكم في يوم 5 ربيع الثاني عام 65 هجرية من معسكرهم في النخيلة وقام والي الكوفة من قبل إبن الزبير عبد الله بن يزيد ومن معه من أشراف أهل الكوفة بلقاء سليمان وجيشه قبل خروجهم لمحاولة إقناعهم بتأجيل فكرة الخروج حتى يجتمع عندهم الناس ويكثر عددهم وتقوى جيوشهم وتؤمن لهم مؤونة كافية للحرب لأن أهل الشام خرجوا في جيش ضخم لحربهم ولكن سليمان رفض الفكرة وأصر على الخروج وبالفعل خرج جيش التوابين إلى الجزيرة للقاء أهل الشام ومروا بطريقهم على قبر الحسين وظلوا يترحمون عليه ويستغفرون له ثم واصلوا سيرهم ومر جيش التوابين ببلدة هيت على نهر الفرات ثم صعد مع النهر إلى أن وصل إلى قرقيساء وكانت هذه المدينة أبعد المناطق في اتجاه الشام التي إعترفت ببيعة إبن الزبير فخرج لهم في الطريق زفر بن الحارث وكان واليا على مدينة قرقيسياء وعرض عليه أن يقاتلوا أهل الشام على حد باب مدينته تحسبا لحدوث هزيمة فيدخلوا في أمانه وأن يتأنوا حتى تتوحد صفوفهم مع صفوف إبن الزبير لكن سليمان بن صرد رفض هذا العرض وأصر على مواصلة السير للقتال وإكتفوا بالتزود بما يحتاجون إليه من المدينة وسار جيش التوابين حتى نزل عند منطقة عين الوردة من أرض الجزيرة إلى الشمال الغربي من صفين وخطب سليمان في جيشه ووعظهم وذكرهم بالآخرة والنية الصالحة وأقبل جيش الشام وكان تعداده أربعين ألفا وكان جيش التوابين أربعة آلاف ودارت في يوم 22 من شهر جمادى الأولي عام 65 هجرية رحى حرب طاحنة إستمرت لمدة ثلاثة أيام ولكثرة جند الشام فقد أحاطوا بجيش التوابين من كل مكان ثم رشقوهم بالنبال والرماح حتى قتل قائدهم سليمان بن صرد وعدد من قادته وفي جنح الليل من اليوم الثالث للمعركة إنسحب جيش التوابين بقيادة رفاعة بن شداد إلى الكوفة .


وقد أدت هذه الثورة لظهور حركة المختار الثقفي حيث تولي أمر شيعة العراق بعد وفاة سليمان بن صرد وقد علق المؤرخ شمس الدين الذهبي على سليمان بن صرد زعيم جيش التوابين بقوله كان دينا عابدا خرج في جيش تاب رجاله إلى الله من خذلانهم الإمام الحسين الشهيد وساروا للمطالبة بدمه وسموا جيش التوابين وقال المؤرخ إسماعيل إبن كثير في وصف جيش التوابين لو كان هذا العزم والإجتماع قبل وصول الإمام الحسين إلى تلك المنزلة لكان أنفع له وأنصر من إجتماعهم لنصرته بعد أربع سنين من مقتله وكان عمر سليمان بن صرد يوم قتل 93 عاما وتبعت حركة التوابين حركة أخرى نسبت إلى المختار بن أبي عبيد الثقفي وعرفت بالمختارية وقد تميزت هذه الحركة بمناهضتها للحكم الأموى ورفع شعار التشيع العلوى وساهمت إلى حد كبير في تطور الشيعة كفرقة دينية وسياسية وكان المختار قد ظهر في ميدان السياسة عام 64 هجرية حيث توجه إلى مكة المكرمة قادما من الكوفة بعد مقتل الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما وإتصل بعبد الله بن الزبير ونسق معه العمل ضد الأمويين على أساس شروط ثلاث أن لا يقضي أمرا دونه وأن يكون أول من يأذن له وإذا إستعان به على أفضل أعماله لكن الأمور لم تكن حسنة بين الطرفين مما أدى لعودة المختار إلى الكوفة في يوم 25 من شهر رمضان عام 64 هجرية وقاد حركةً سياسية دينية للمطالبة بدم الحسين وبمناداته بالمهدية بشخص محمد بن الحنفية وأطلق عليه لقب المهدى وإستطاع المختار ضم بقايا جيش التوابين بالإضافة لبعض القبائل اليمنية ولا سيما قبيلة نخع وزعيمها إبراهيم بن الأشتر النخعي وإستطاع الإستيلاء على الكوفة بعد أن هزم جيش واليها عبد الله بن مطيع ثم راح يرسل الولاة إلى إمارات أرمينيا وأذربيجان والموصل ليحكموا بإسمه وحاول حصر إبن الزبير في الحجاز بالإستيلاء على البصرة حتى يتفرغ للجيش الأموى بالشام لكنه فشل لما إضطرت فرقته العسكرية التي أرسلها للتصدي لإبن زياد في الموصل إلي الإنسحاب رغم إنتصارها في المعركة وترتب على هذا الإنسحاب قيام إنتفاضة ضد حكمه في الكوفة من قبل الأشراف إلا أنه قمعها بسرعة ثم بدأ مهمته بالثأر من قتلة الحسين. في العاشر من شهر المحرم عام 68 هجرية حيث أرسل المختار جيشا بقيادة إبراهيم بن الأشتر النخعي لوقف زحف الجيش الأموى المرسل من قبل الخليفة عبد الملك بن مروان بن الحكم نحو العراق وإستطاع الأشتر الإنتصار على الأمويين في معركة جرت عند نهر الخازر أحد روافد نهر دجلة ونتج عنها مقتل عبيد الله بن زياد ومعه الحصين بن نمير السكوني ومع تعاظم نفوذ المختار بعد هذا الإنتصار سيطر على شمالي العراق والجزيرة ثم أعد جيشا لقتال مصعب بن الزبير عامل عبد الله بن الزبير علي العراق لإنتزاع البصرة منه لكن إنضمام قائده إبن الأشتر إلى الأشراف في البصرة أثر على قواه وعدته وأصيب بخسارة فادحة في معركة المذار مع جيش مصعب بن الزبير ولم يتمكن من الصمود داخل الكوفة بعد أن شدد مصعب الحصار عليه فخاض معركة غير متكافئة إنتهت بمقتله وإستيلاء مصعب على الكوفة .

هذا ما كان في جبهة العراق فإذا ما إنتقلنا إلي جبهة الحجاز فقد كانت الأجواء السياسية في المدينة المنورة غير مستقرة ويشوبها الكثير من المعارضة والسخط على بني أمية وكان مبتدأ الخلاف بين أهل المدينة وبني أمية عندما قام الخليفة الأموى الأول معاوية بن أبي سفيان بأخذ البيعة لإبنه يزيد فقد عارض الكثير من أبناء الصحابة هذه البيعة لإحساسهم بإنتهاء العهد الراشدى المبني على الشورى وزاد الأمر سوءا مقتل الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما في كربلاء في أوائل عم 61 هجرية وقام بعد ذلك وفد من أهل المدينة بزيارة ليزيد بن معاوية وعلى الرغم من أنهم قدموا عليه ولم يسألوه حاجة إلا قضاها إلا أنهم رجعوا المدينة ذامين له ومجمعين على خلعه وكان عبد الله بن الزبير قد أعلن خلع يزيد عندما وصل خبر مقتل الإمام الحسين إلى الحجاز وبدأ بأخذ البيعة لنفسه من الناس في مكة المكرمة كخليفة للمسلمين وبعد أن كثر الحديث في المدينة المنورة عن يزيد بن معاوية أرسل هذا الأخير الصحابي النعمان بن بشير إلى المدينة يحذرهم من وقوع الفتنة والخروج عن الطاعة ويذكرهم بالولاء والطاعة ليني أمية فأبوا عليه ثم أعلنوا خلع يزيد وبايعوا عبد الله بن حنظلة الغسيل واليا للمدينة ووثبوا على عثمان بن محمد بن أبي سفيان والي يزيد ثم حاصروا بني أمية في دار مروان بن الحكم وكان عددهم حوالي الألف شخص فلما علم يزيد بن معاوية بذلك أرسل إليهم جيشا عليه مسلم بن عقبة المرى وأوصى إن حدث له حدث فالأمير من بعده الحصين بن نمير السكوني وأقبل مسلم بن عقبة بالجيش حتى وصل إلى المدينة المنورة فأمهل أهلها ثلاثة أيام فأبوا إلا القتال وكان عليهم عبد الله بن حنظلة الغسيل الأنصارى وعبد الرحمن بن زهير بن عوف الزهرى إبن أخ الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف ومعقل بن سنان الأشجعي وعبد الله بن مطيع وكان مجئ مسلم عن طريق الحرة الشرقية ووقعت معركة بين الجيشين سميت وقعة الحرة وكانت في أواخر شهر ذي الحجة عام 63 هجرية وقتل في هذه الوقعة أكثر سادة أهل المدينة من الصحابة وأبناء الصحابة وإستحلت المدينة من قبل الجيش الأموي ثلاثة أيام وعندما إنتهى مسلم بن عقبة المرى من المدينة المنورة إتجه بجنده نحو مكة المكرمة يريد عبد الله بن الزبير وخلف على المدينة المنورة روح بن زنباع الجذامي ولم يقطع مسلم مسافة بعيدة عن المدينة المنورة حتى مات فتولى أمر الجند بعده الحصين بن النمير السكوني حسب وصية يزيد بن معاوية فسار إلى مكة المكرمة فقاومه عبد الله بن الزبير وإستمر القتال خلال شهرى المحرم وصفر عام 64 هجرية وفي أوائل شهر ربيع الأول من العام المذكور رميت الكعبة المشرفة بالمنجنيق ثم جاء لجيش الشام نبأ نعي يزيد بن معاوية في يوم 14 من شهر ربيع الأول عام 64 هجرية وعلى أثر ذلك إنصرف الجيش عائدا إلي الشام تاركا بلاد الحجاز لولاية عبد الله بن الزبير .

وبعد وفاة يزيد دان الحجاز لعبد الله بن الزبير ثم دعا لنفسه بالخلافة ثم أخذ يتوسع حتى ضم إليه بلاد المسلمين كلها إلا دمشق وجزءا من الأردن وبايعه في أول الأمر رؤوس الخوارج وكذلك بايعه المختار الثقفي وأُخرج بنو أمية من المدينة إلى الشام فإجتمعوا إلى مروان بن الحكم بعد موت معاوية بن يزيد ودُعي لإبن الحكم بالخلافة فبايعه أهل دمشق ثم توسع من دمشق فضم أرجاء بلاد الشام وفلسطين ومصر وتوفي وعبد الله بن الزبير مسيطر علي بلاد الحجاز والعراق وتولي إبنه عبد الملك بن مروان الخلافة وقد أدى زوال خطر المختار الثقفي من الميدان السياسي إلى إنحصار المنافسة آنذاك على زعامة العالم الإسلامي بين الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان وعبد الله بن الزبير وأدرك عبد الملك أن قوة إبن الزبير تكمن في العراق وأن القضاء عليه في هذا الإقليم سيؤدي حتما إلى إسقاط النظام الزبيري كاملا لذلك خرج عبد الملك على رأس جيش كبير إلى العراق وكان ذلك بعد أربع سنين من القضاء على المختار وكان بعض أمراء عبد الملك قد أشارواعليه بأن يقيم بالشام وأن يبعث إلى مصعب بن الزبير بالعراق جيشا فأبى وقال لعلي أبعث رجلا شجاعا لا رأي له أو من له رأى ولا شجاعة له وإني أجد من نفسي بصرا بالحرب وشجاعة وإن مصعبا في بيت شجاعة أبوه أشجع قريش وأخوه لا تجهل شجاعته وهو نفسه شجاع لكن لا علم له بالحرب وهو يحب الدعة والخفض ومعه من يخالفه ومعي من ينصح لي وكان على عبد الملك آنذاك إذا أراد إستعادة العراق أن ينهي إعتصام زفر بن الحارث في قرقيساء التي كان قد فر إليها وتحصن بها في عهد مروان بن الحكم وأصبح تحصنه هناك مركزا لشن الغارات في المناطق المجاورة له فسار إليه أولا في جيشه الذى كان قد جهزه لحرب مصعب بن الزبير وحاصره لكن رجال زفر أظهروا بطولة وجسارة في الدفاع عن المدينة وفيهم قال عبد الملك لا يبعد الله رجال مضر والله قتلهم لذل وإن تركهم لحسرة فلجأ عبد الملك إلى المسالمة والمهادنة وكتب إلى زفر يدعوه إلى طاعته ويحذره من الخروج عليه وبعد عدة جولات من المفاوضات أرسل إليه زفر يجيبه إلى طلبه وإشترط عليه أن يظل مخلصا لإبن الزبير فوافق عبد الملك على شرط زفر وأعطاه الأمان هو وإبنه وقائده الهذيل بن زفر وإختتم عبد الملك مصالحة زفر بأن زوج إبنه مسلمة بن عبد الملك بالرباب بنت زفر بن الحارث وحرص عبد الملك بن مروان على تحقيق التوازن بين القبائل اليمانية والقيسية وجعل من أصحابه زفر بن الحارث وإبنه الهذيل وعبد الله بن مسعود الفزارى وغيرهم من زعماء وكبراء القيسيين كما كان من أصحابه حسان بن مالك الكلبي وروح بن زنباع الجذامي ورجاء بن حيوة الكندى وغيرهم من الزعماء اليمنيين وعدل بين الفريقين في مجلسه وعدل بينهما في وظائفه فكان يختار ولاته على الأمصار من القيسية غالبا بينما يختار موظفي بلاطه من اليمانية ولما وصل عبد الملك بن مروان إلي هذه النتيجة مع زفر بن الحارث سار بجيشه حتى نزل بلدة تسمى مسكن وجعل على مقدمة جيشه أخاه محمد بن مروان وعلى ميمنته عبد الله بن يزيد بن معاوية وعلى ميسرته خالد بن يزيد بن معاوية وزحف مصعب نحو باجميرا بشمال العراق وعلى مقدمة جيشه إبراهيم بن الأشتر النخعي ثم بدأ عبد الملك يكاتب زعماء أهل العراق من جيش مصعب يعدهم ويمنيهم إذا قبلوا التخلي عن مصعب والإنضمام إليه وكان عبد الملك يسعى لإيجاد مخرج من قتال مصعب فأرسل إليه رجلا من قبيلة كلب وقال له أقرئ إبن أختك السلام وكانت أم مصعب كلبية وقل له أن يدع دعاءه إلى أخيه وأدع دعائي إلى نفسي ويجعل الأمر شورى لكن مصعب رفض عرض عبد الملك ورد عليه بقوله السيف بيننا ثم حاول عبد الملك بن مروان محاولة أخرى فأرسل إليه أخاه محمد بن مروان ليقول له إن إبن عمك يعطيك الأمان فقال مصعب إن مثلي لا ينصرف عن مثل هذا الموقف إلا غالبا أو مغلوبا ثم وقعت المعركة وأمد مصعب قائده إبراهيم بن الأشتر بعتاب بن ورقاء الرياح وهو من الذين كاتبوا عبد الملك فإستاء إبراهيم من ذلك وقال قد قلت له لا تمدني بعتاب وضربائه إنا لله وإنا إليه راجعون فإنهزم عتاب بالناس فلما إنهزم ثبت إبن الأشتر فقتل ثم تخلى أهل العراق عن مصعب حتى لم يبق معه سوى سبعة رجال وجعل يتأمل من معه فلا يجدهم يقاومون أعداءه فإستقتل وطمأن نفسه وقال لي بالحسين بن علي أسوة حين إمتنع من إلقائه يده ومن الذلة لعبيد الله بن زياد وظل يقاتل حتى قتله هذا الأخير وكان مقتله في المكان الذي دارت فيه المعركة على قصر دجيل عند دير الجاثليق في شهر جمادى الآخرة عام 72 هجرية فلما بلغ عبد الملك مقتله قال واروه فقد والله كانت الحرمة بيننا قديمة ولكن هذا الملك عقيم وبمقتل مصعب عادت العراق إلى حظيرة الدولة الأموية وعين عبد الملك بن مروان أخاه بشر بن مروان واليا عليها وقبل أن يغادرها لم يتريث كثيرا وأعد جيشا للقضاء على عبد الله بن الزبير في مكة المكرمة بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي وأسرع بإرساله إلى الحجاز لمواجهة عبد الله بن الزبير وكان سبب تعيين الحجاج دون غيره أن عبد الملك لما أراد الرجوع إلى الشام قام إليه الحجاج بن يوسف وقال يا أمير المؤمنين إني رأيت في منامي أني أخذت عبد الله بن الزبير فسلخته فإبعثني إليه وولني قتاله .