السبت , 14 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

عبد الرحمن بن الحكم

عبد الرحمن بن الحكم
عدد : 08-2023
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"


عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم ويكنى بأبي المطرف والمعروف أيضا بلقب عبد الرحمن الأوسط هو رابع أمراء الدولة الأموية في بلاد الأندلس ما بين أواخر شهر ذي الحجة عام 206 هجرية الموافق أواخر شهر مايو عام 822م وأوائل شهر ربيع الآخر عام 238 هجرية الموافق أواخر شهر سبتمبر عام 853م وكانت هذه الفترة فترة جيدة جدا في تاريخ الأندلس وتعد فترة من فترات القوة في عهد الإمارة الأموية بالأندلس والتي تأسست في تلك البلاد علي يد الأمير عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم المعروف بعبد الرحمن الداخل وأيضا بصقر قريش في تلك البلاد عام 138 هجرية الموافق عام 756م وذلك بعد سقوط الخلافة الأموية في العاصمة الأموية دمشق علي أيدى العباسيين عام 132 هجرية الموافق عام 750م وتذكره المصادر الأجنبية عادة بإسم عبد الرحمن الثاني تمييزا له عن جده عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك صقر قريش أو عبد الرحمن الداخل وعن حفيده عبد الرحمن الناصر لدين الله المعروف بعبد الرحمن الثالث ثامن أمراء الدولة الأموية بالأندلس وكان معروفا عن عبد الرحمن بن الحكم أنه كان وادعا هادئ الطبع حسن السيرة محبا للناس وقال عنه المؤرخ صلاح الدين الصفدى كان عادلا في الرعية جوادا فاضلا له نظر في العلوم العقلية وكان أيضا محبا لحياة الأبهة والثراء وعاشقا للفنون والآداب والعلوم ولذا فقد إهتم بإحتضان العديد من العلماء في المجالات المختلفة كما أنه إهتم بنواحي البناء والعمران والزراعة وكان له دور بارز في إنشاء أول أسطول بحرى حربي كبير في بلاد الأندلس فكان بذلك عصره بداية للنهضة الثقافية والحضارية التي شهدتها هذه البلاد وكان مولده بمدينة طليطلة التي تقع بوسط أسبانيا جنوب العاصمة الأسبانية مدريد أو مجريط كما سماها العرب ببلاد الأندلس في شهر شعبان عام 176 هجرية الموافق شهر نوفمبر عام 792م وأبوه هو الأمير الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية ثالث أمراء الدولة الأموية بالأندلس أما أمه فهي إمرأة تسمي حلاوة كانت على الأرجح جارية لأبيه والذى كان قد تولى الحكم عام 154 هجرية الموافق عام 771م وحتي عام 206 هجرية الموافق عام 822م أى لفترة قاربت على الإثنين وخمسين عاما تعرضت البلاد خلالها للعديد من الثورات والفتن إلا أنه إستطاع التغلب عليها كانت أعنفها ثورة الربض التي وقعت بقرطبة في يوم 13 رمضان عام 202 هجرية الموافق يوم 25 مارس عام 818م والتي قام بها سكان ربض أي ضاحية شقندة ضد حكمه وكادت أن تنهي حكمه بزعامة أحد فقهاء البربر حيث إنقض الهائجون على الحكم فحاصروه في قصره ولكن فرسانه تجمعوا حوله وأنقذوه من أيدي الثائرين ثم أحاطوا بهم من الأمام والخلف وإنقضوا عليهم وفتكوا بهم فتكا ذريعا وقبض على ثلاثمائة رجل من أهل الربض فصلبوا على صف واحد وقد علقوا بأرجلهم ورؤوسهم مدلاة إلى أسفل وأمر الحكم بعد ذلك بإجلاء جميع أهل الربض في مدة ثلاثة أيام وهدم منازلهم فخرجوا أفواجا بأهليهم وأولادهم ودمرت الربض ولم يسمح لأحد بالبناء فيها من بعد وتفرق القوم فأوى ثمانية آلاف منهم إلى مراكش ونزلوا بلدة فاس التي كان إدريس الثاني من آل علي يبنيها آنذاك عاصمة جديدة له فسمي موضع نزولهم عدوة الأندلس وسار آخرون وعددهم نحو خمسة عشر ألف نفس فبلغوا الإسكندرية فنزلوها وفي أوائل شهر ذي الحجة عام 206 هجرية مرض مرضا شديدا وإشتد المرض عليه وأدرك أنه في أيامه الأخيرة فأوصى بولاية العهد إلى إبنه عبد الرحمن ومن بعده إبنه المغيرة وأمر بأخذ البيعة لهم وتوفي بعد ذلك بأيام وبويع إبنه عبد الرحمن بن الحكم بالإمارة خلفا لوالده في يوم 27 من شهر ذى الحجة عام 206 هجرية وكان قد بلغ الثلاثين عاما من عمره .


وخلال فترة حكم عبد الرحمن بن الحكم إزدهرت الحضارة العلمية والأدبية في بلاد الأندلس حيث إنتشر العلماء في كل مجال وكان أشهر هؤلاء العلماء عباس بن فرناس رحمه الله الذى يعتبر أول من حاول الطيران في العالم فكان أول طيار فى العالم إخترق الجو حيث أراد تطيير جثمانه فكسا نفسه بالريش ومد له جناحين طار بهما في الجو مسافة بعيدة ثم سقط فأصيب فى ظهره إصابة بالغة لأنه لم يعمل له ذنبا وسبحان الله فقد كان ضحية هذه المحاولة وفضلا عن ذلك كانت له إختراعات كثيرة فقد إخترع آلة لتحديد الوقت ومثل في بيته السماء بنجومها وغيومها وبروقها ورعودها وإخترع آلة تشبه قلم الحبر ونحن قد نستصغر مثل هذا الإختراع لكن في واقع الأمر فقد كانت له أهمية كبيرة جدا في ذلك الزمن أما هذا الزمن الذى إنتشر فيه العلم والتعليم فإن الجميع يحتاجون إلى مثل هذا الذى ينسخ لهم بسرعة مثل القلم الحبر وفضلا عن ذلك كان هو أول من إخترع الزجاج من الحجارة كما إستقدم عبد الرحمن الأوسط العلماء من كل بلاد العالم الإسلامي بما فيها بغداد عاصمة العباسيين وجاءوا إلى بلاد الأندلس وعظمهم وكبرهم ورفع من قيمتهم وبدأ في عهده تأسيس مكتبة قرطبة العامرة وكان مقرها آنذاك في قصر الحكم بقرطبة والتي إزدهرت وبلغت أوج عظمتها في عهد إبنه وخليفته محمد بن عبد الرحمن بن الحكم ولقد كانت هذه المكتبة وغيرها هي المحاضن المناسبة للتراث الذى إستفاد به الأندلسيون وشغفوا به حتى كان المنطلق لإظهار علوم جديدة أكملت الإطار العام للثقافة الأندلسية وبالإضافة إلي ذلك فقد شاع التعليم في كل بلاد الأندلس ومما يذكر أن هذه المكتبة قد تطورت في عهد الأمير الحكم الثاني بن عبد الرحمن الثالث تاسع أمراء الدولة الأموية بالأندلس والمعروف بالحكم المستنصر بالله وكانت مكتبته رصيدها ثلاث مكتبات هي مكتبة القصر التي إشتملت على ما جمعه أسلافه ومكتبة أخيه محمد التي ورثها بعد وفاته ومكتبته الخاصة التي جمعها من كل حدب وصوب وأخذ الحكم في تنمية مجموعات المكتبة الجديدة حتى بلغ عددها 400 ألف مجلد حيث أنه كان شغوفا بالكتب والمكتبات وشديد الإهتمام بالعلم والعلماء فجعل كل هدفه السير بالأندلس قدما في طريق العلم والمعرفة فوجه جل إهتمامه إلى بناء وتنمية مكتبته الخاصة فنشر رجاله في كل مراكز الثقافة الإسلامية يبحثون عن النادر من الكتب والمخطوطات ويدفعون أغلى الأثمان بغية الحصول عليها بل وكانوا يصادقون تجار الكتب في كل مكان ليدلوهم على ما صدر منها وما هو بسبيله إلى الصدور وكان يحدث كثيرا أن يشتروا الكتب من مؤلفيها أو ناشريها لتصدر في بلاد الأندلس قبل أن ترى النور في بغداد أو الموصل أو البصرة أو مصر حيث كان الحكم يجد متعة في أن يكون أول قارئ لما يصدر من الأبحاث الجديدة ومما يذكر أنه عندما ضاقت غرف المكتبة بما تحويه من كتب علاوة على عدم إستيعابها للزيادة المطردة من الكتب كان من الضروري أن تنقل المكتبة من قصر الحكم بقرطبة إلى مكان آخر تم بناؤه خصيصا لهذا الغرض وتم نقل الكتب إليه وقد إستغرقت عملية النقل ستة أشهر كاملة وكان المبنى الجديد يضم عددا من الأقسام منها قاعة الكتب وهي أصل المكتبة ومركز البحث والتأليف ومركز النقل والترجمة ومركز التدقيق والمراجعة .


وغير ما تحقق في عهد عبد الرحمن الأوسط من حضارة علمية وأدبية كان إهتمامه الشديد بالحضارة العمرانية والإقتصادية حيث إزدهرت التجارة في عهده بدرجة كبيرة وكثرت الأموال حتى إن جميع المؤرخين يذكرون أنه لم يكن هناك في بلاد الأندلس ظاهرة التسول فقد كانت هذه الظاهرة منتشرة في بعض البلاد الإسلامية الأخرى أما في بلاد الأندلس فلم تعرف أصلا هذه الظاهرة أو العادة لكثرة الأموال حيث بلغ خراج الأندلس في السنة في عهده ألف ألف دينار أي مليون دينار وعلاوة علي ذلك فقد تقدمت وسائل الرى في عهد عبد الرحمن الأوسط بشكل رائع وتم رصف الشوارع وذلك في الوقت الذى كانت فيه بلاد قارة أوروبا تعيش في جهل وظلام عميق وبالإضافة إلي ذلك فقد أقام عبد الرحمن الأوسط القصور المختلفة والحدائق الغناء وجلب لها المياه من الجبال كما أقام الجسور على الأنهار وبنى العديد من المساجد في مدن الأندلس منها جامع مدينة جيان وهي تقع في جنوب الأندلس في الشمال الغربي من منطقة أندلوسيا وفضلا عن ذلك ففي عام 218 هجرية قام عبد الرحمن بإضافة بهوين في جامع قرطبة ولكنه مات قبل أن يتمها فأتمها إبنه محمد كما قام بإنشاء قنطرة تصل بين قصر الحكم وبين الجامع حتي لا يسير الحاكم في الشارع وقت توجهه للصلاة وجدير بالذكر أنه تعود قصة تأسيس هذا الجامع عندما إتخذ بنو أمية قرطبة حاضرة الخلافة الأموية في بلاد الأندلس حيث شاطر المسلمون مسيحيي قرطبة كنيستهم العظمى والتي كانت في البداية معبدا وثنيا ثم تحولت إلي كنيسة عام 572م فبنوا في شطر منها مسجدا وبقي الشطر الآخر للروم وكان ذلك في عهد مؤسس الدولة الأموية في الأندلس صقر قريش عبد الرحمن الداخل بن معاوية وحينما إزدحمت المدينة بالمسلمين وجيوشهم إشترى عبد الرحمن الداخل شطر الكنيسة المخصص للروم في مقابل أن يعيد بناء ما تم هدمه من كنائسهم وحينذاك أمر بإنشاء جامع قرطبة الكبير عام 169 هجرية الموافق عام 785م وكانت مساحته آنذاك 4875 مترا مربعا وتكلف بنا ؤه حوالي 100 ألف دينار وكان الجامع قديما يسمي بجامع الحضرة أو جامع الخليفة وفي عام 224 هجرية أصلح عبد الرحمن قنطرة مدينة سرقسطة الحجرية العابرة لنهر إيبرو وهي تقع بشمال شرق بلاد الأندلس وفي عام 230 هجرية بنى جامع آخر بمدينة إشبيلية ودعم أسوارها بعد إنتهاء هجوم الفايكنج أو النورمان كما أمر ببناء ترسانة للسفن في إشبيلية وتجهيز أسطول بحرى لمواجهة أى هجوم محتمل من قبل النورمان وعلاوة علي هذه الأعمال أسس عبد الرحمن الأوسط مدينة مرسية بجنوب شرق الأندلس على ضفاف نهر شقورة وتطل علي البحر المتوسط في عام 210 هجرية الموافق عام 825م ويوجد بها حتى يومنا هذا تمثال له في أحد أكبر ميادينها كما وسع عبد الرحمن في المعمار حتى أصبحت المنشآت والمباني الأندلسية آية في فن المعمار في عهده رحمه الله .


وقد تعرض عبد الرحمن الأوسط للعديد من الثور ات والفتن خلال فترة حكمه ومن العجيب أنه خلال عهده أن المستعربين وهم النصارى الذين ظلوا على دينهم بعد الفتح الإسلامي لبلاد الأندلس وكانت أعدادهم كبيرة جدا ودخلوا في ذمة المسلمين ولكنهم إستعربوا لسانا وثقافة وأسلوب حياة هؤلاء المستعربة ثاروا ثورات كبيرة أيام عبد الرحمن رغم ما عرف عن الرجل من تسامح وعدم تشدد معهم إضافة للرخاء والإستقرار في عهده فكانت ثوراتهم غريبة ولكن ليست بغريبة على من يعرف طبيعة العداوة بين المسلمين وأعدائهم وما تكن صدورهم تجاه المسلمين حيث لم يمض شهر واحد من توليه الحكم حتى شهد أولى الثورات على حكمه وهي ثورة الذميين في قرطبة في شهر المحرم من عام 207 هجرية الموافق شهر يونيو عام 822م التي كان سببها ظلم أحد ولاة أبيه الحكم بن هشام على إلبيرة التي تقع جنوب الجبل المعروف بنفس الإسم بمقاطعة أندلوسيا بجنوب أسبانيا فقدموا إلى قرطبة يطلبون الأموال التي كان قد ظلمهم بها هذا الوالي وألحوا في الطلب فبعث عبد الرحمن من يفرقهم ويسكتهم فلم يقبلوا فخرج إليهم جمع من الجند قاتلوهم وقتلوا منهم عددا كبيرا وفي العام نفسه حدث إقتتال بين القبائل المضرية واليمانية في تدمير بجنوب شرق بلاد الأندلس وظل هذا الإقتتال يتكرر عدة مرات لسبع سنوات كلما بعث لهم عبد الرحمن بجيش لفض القتال إنتهوا وتوقفوا عن الإقتتال ومتى قفل الجيش راجعا عادوا للقتال مرة أخرى وفي نفس العام 207 هجرية حدثت مجاعة عظيمة بعدما هاجم الجراد بلاد الأندلس فتكفل عبد الرحمن بإطعام ضعفاء ومساكين قرطبة وفي عام 211 هجرية ثار رجل يدعى طوريل في تاكرنا بجنوب بلاد الأندلس فبعث له عبد الرحمن بجيش هزمه وفي عام 216 هجرية ثار رجل يدعى هاشم الضراب في طليطلة وتجمع له مناهضو الحكم الأموى في الثغر الأوسط وهي المنطقة الفاصلة بين أراضي الدولة الأموية بالأندلس وأراضي الممالك المسيحية بشمالها فأمر عبد الرحمن واليه محمد بن رستم بمحاربتهم فإقتتلوا قتالا شديدا إنتهى بهزيمة هاشم وعدد كبير ممن معه وفي عام 220 هجرية ثار سليمان بن مرتين في ماردة بغرب بلاد الأندلس فخرج له عبد الرحمن بنفسه في جيشه وحاصره فترة قبل أن يموت سليمان في حادث لتنتهي بذلك ثورته .


وفي العام التالي 221 هجرية أخضع جيش بعثه عبد الرحمن ثورة قامت في طليطلة وفي عام 232 هجرية سير عبد الرحمن إبنه محمد إلى تطيلة بشمال بلاد الأندلس لقتال موسى بن موسى الذى ثار عليه وتحالف مع أهل البشكنس وهي المنطقة التي تقع حول الطرف الغربي من جبال البرانس على ساحل خليج غاسكونيا وتمتد على أجزاء من شمال وسط أسبانيا وجنوب غرب فرنسا حاليا فقاتله حتى طلب موسى الصلح فأجازه ثم سار محمد إلى بنبلونة بشمال بلاد الأندلس فأوقع بالبشكنس الخسائر وعاد سالما غانما إلى عاصمته قرطبة وفي نفس العام أصاب بلاد الأندلس قحط شديد أهلك الماشية وأجهد الأندلسيين وفي عام 235 هجرية عاد موسى بن موسى للعصيان والتمرد فأخرج له عبد الرحمن جيشا أعاده للطاعة وفي عام 236 هجرية ثار رجل من البربر يدعى حبيب البرنسي في جبال الجزيرة الخضراء التي تقع بمقاطعة قادس بجنوب بلاد الأندلس فبعث إليه عبد الرحمن جيشا هزمه هو وأتباعه وفر حبيب البرنسي هاربا وفي عام 237 هجرية إدعى رجل من شرق الأندلس النبوة وتأول القرآن على غير تأويله فتبعه عدد من الناس وكان من تعاليمه النهي عن قص الشعر وتقليم الأظافر فأمر بالقبض عليه وإستتابه فأبى فأمر بصلبه وأخيرا شهد نهاية عهد عبد الرحمن الأوسط وبداية عهد إبنه محمد حدثا فريدا من نوعه وذلك بإقدام جماعة من المسيحيين على تحدي سلطات ومشاعر المسلمين عن طريق سب الدين الإسلامي وسب نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم والتي كان ورائها قس مسيحي يدعى إيولوخيو الذى ألب بعض مسيحيي قرطبة وأثارهم ضد المسلمين ودون كتيبا بعنوان شهداء قرطبة جمع فيه الأحكام التي صدرت بإعدام 48 مسيحيا بعضهم من الرهبان والكهنة الكاثوليك في الأندلس في الفترة بين عام 236هجرية الموافق عام 851م وعام 244 هجرية الموافق عام 859م بتهمة سب الدين الإسلامي وسب نبيه إضافة إلى المسلمين أو أبناء التزاوج بين المسلمين والمسيحيات الذين إرتدوا عن الإسلام ومما يذكر أنه لم يرد ذكر تلك الأحداث في المصادر العربية أو حتى الأجنبية المعاصرة لتلك الفترة وكان مصدرها الوحيد هو القس إيولوخيو نفسه الذي هو أحد الثمانية وأربعين مسيحيا الذين حكم عليهم بالإعدام مما جعل الأمر برمته مثار شك .


ولم يتوقف الأمر خلال عهد عبد الرحمن الأوسط علي الثورات والفتن الداخلية بل تعرضت بلاد الأندلس لغزوات خارجية منها ما يسمى بغزوات الفايكنج أو غزوات النورمان وهم أهل إسكندنافيا في ذلك الوقت وتضم هذه البلاد الدانمارك والنرويج وفنلندا والسويد والتي كانت تعيش في همجية مطلقة وكانوا يعيشون على حرب العصابات فكانت تشن هجمات عديدة على بلاد العالم في أماكن مختلفة متفرقة فيما سمي بغزوات الفايكنج كان الهدف منها جمع المال وهدم الديار وما إلى ذلك وكان من الهجمات التي شنها الفايكنج بعد أن أبحر أسطولهم من قاعدتهم في جزيرة نورمتيه التي تقع عند مصب نهر اللوار غربي فرنسا وبدأوا حملتهم أولا علي موانئ الشاطئ الشرقي للمحيط الأطلنطي التي أعملوا فيها سلبا ونهبا حتى وصلوا إلي ميناء ومدينة لشبونة عاصمة البرتغال حاليا وإستطاعوا إحتلال المدينة في شهر ذي الحجة عام 229 هجرية الموافق شهر سبتمبر عام 844م وبقوا فيها 13 يوما حدث خلالها بعض المناوشات مع المسلمين وكتب وهب الله بن حزم عامل المدينة إلى الأمير عبد الرحمن الأوسط يخبره بالأمر وأبحر أسطول الفايكنج بعد ذلك ليغزو مدن قادس وشذونة والجزيرة الخضراء ووصلوا قرب إشبيلية مبحرين في نهر الوادي الكبير في يوم 9 من شهر المحرم عام 230 هجرية الموافق يوم 25 سبتمبر عام 844م وأقاموا قاعدة لهم في جزيرة تسمى إسلا مينر فإنطلقت قوة من المسلمين لمواجهتهم لكنهم هزموا وبعد ذلك بأيام قليلة أغار الفايكنج على إشبيلية بعد حصار قصير وقتال عنيف وكان قوام الجيش الإسكندنافي في هذه الموقعة عدد ٥٤ سفينة فدخلوا إشبيلية وأفسدوا فيها فسادا كبيرا وهذه هي طبيعة الحروب المادية بصفة عامة حيث أن كل الجيوش المادية تدخل أى بلاد فتفسد فيها إفسادا عظيما وشتان بين المسلمين في فتحهم للبلاد وبين غيرهم في معاركهم فقد دخل هؤلاء فدمروا إشبيلية تماما ونهبوا ثرواتها وهتكوا أعراض نسائها وهكذا في غيرها من البلاد كشذونة وألمارية ومرسية حتى أشاعوا الرعب فيها فجهز عبد الرحمن الأوسط رحمه الله جيوشه وأرسل إلى إشبيلية قوة بقيادة عيسى بن شهيد الحاجب كما أرسل إلى عمال المناطق المجاورة يستنفرهم لنصرة عيسى بن شهيد وإجتمعت القوات في العاصمة قرطبة وسارت حتى عسكرت في تلة بالقرب من إشبيلية وإنضمت إليها قوة من بني قسي بقيادة موسى بن موسى قادمة من الثغر الأعلى على الرغم من العداء الذى كان قائما بين موسى والأمير عبد الرحمن وقد لعبت هذه القوة دورا حاسما في القتال ودارت بين قوات المسلمين والفايكنج معارك ضارية إستمرت أكثر من مائة يوم كاملة ومن الله على المسلمين بالنصر وغرقت ٢٣ سفينة كاملة للفايكنج ثم كانت معركة طلياطة في يوم 25 صفر عام 230 هجرية الموافق 11 نوفمبر عام 844م التي كانت بمثابة المعركة الحاسمة بين المسلمين والفايكنج حيث لاحقت سفن المسلمين أسطول الفايكنج المثخن حتى غادر شبه الجزيرة الأيبيرية وعادوا إلى بلادهم خائبين وقد إستفاد عبد الرحمن الأوسط من الأخطاء التي كانت سببا في دخول الفايكنج إلى بلاد الأندلس فكان رد فعله لهذا الحدث الكبير أنه قام بإنشاء سور ضخم جدا حول إشبيلية حيث أنها تقع على نهر الوادى الكبير والذى يصب في المحيط الأطلنطي وكان من السهولة جدا أن تدخل سفن الفايكنج أو غيرها من السفن من المحيط الأطلنطي إلى إشبيلية لذلك حصنها تحصينا ظلت بعده من أقوى حصون الأندلس بصفة عامة كما قام بإنشاء أسطولين قويين جدا فجعل أحدهما في المحيط الأطلنطي والآخر في البحر الأبيض المتوسط حتى يدافع عن سواحل بلاد الأندلس الشرقية والغربية كما قام بإنشاء شبكة قوية من المراسلين لإيصال الأخبار في حالة حدوث أية غارات وكانت هذه الأساطيل تجوب البحار حتى تصل إلى أعلى حدود بلاد الأندلس في الشمال عند مملكة ليون وتصل في البحر الأبيض المتوسط إلى إيطاليا وكان من نتيجة ذلك أنه فتح جزر البليار للمرة الثانية وكان الذى فتحها للمرة الأولى هو القائد وفاتح بلاد الأندلس وأمير أفريقية موسى بن نصير رحمه الله وكان ذلك في بدايات فتوحات بلاد الأندلس ثم حدث أن سقطت جزر البليار في يد النصارى في عهد الوالي الثالث للدولة الأموية بالأندلس الحكم بن هشام لما إنحدر حال المسلمين هناك ثم أعاد من جديد عبد الرحمن الأوسط رحمه الله فتح هذه الجزر في عام 234 هجرية الموافق عام 848م بعد أن أصبحت هذه الجزر تهدد سفن المسلمين في البحر الأبيض المتوسط مما دعا الأمير عبد الرحمٰن الأوسط لتجهيز حملة بحرية كبيرة مكونة من عدد 300 سفينة لتأديب أهل تلك الجزائر عام 234 هجرية الموافق عام 848م لإعتراضهم سفن المسلمين فأرسل أهل هذه الجزائر للأمير عبد الرحمن الأوسط يطلبون الأمان ورضوا بدفع الجزية وتعهدوا بالولاء والطاعة .

وعن الصفات الشخصية لعبد الرحمن الأوسط فقد وصفه المؤرخ الأندلسي أبو مروان بن حيان القرطبي قائلا كان أشم أقنى أعين أسود العينين طويال فخم مسبل عظيم اللحية يخضبها بالحناء أما عن شخصيته فقد كان حليما جوادا له حظ من الأدب والفقه وحفظ القرآن الكريم ورواية الحديث إلا أنه كان يعشق مظاهر البذخ والفخامة ويسمو بمكانته ويحتجب عن العامة وكان قد نقش خاتمه عبد الرحمن بقضاء الله راض وقد كان عالما بشؤون الحرب والإدارة ويحسن إختيار الرجال للمناصب فكان يحشد خيرة الرجال حوله في مناصب الوزراء والقادة والولاة والقضاة وكان أول من ألزم وزرائه بالقدوم إلى قصره كل يوم للمشورة وأخذ الرأى كما مضى على سنة والده في الإستكثار من الموالي والصقالبة الذين كان قد جلبهم الجرمان كأرقاء وعبيد ببلاد الأندلس حتى بلغ عددهم خمسة آلاف مملوك كما كان يعظم من شأن رجال الدين وحظي عنده الإمام والفقيه الأندلسي يحيى بن يحيى الليثي خاصة بإيثاره فكان لا يستقضي قاض ولا يعقد عقدا ولا يمضي في الديانة أمرا إلا عن رأيه وبعد مشورته وفضلا عن ذلك كان عبد الرحمن شاعرا وأديبا له شعر معروف وعلاوة على ذلك فقد عرف عبد الرحمن بولعه بالنساء وخاصة عشقه لجاريته طروب أم ولده عبد الله هذا وقد كان لعبد الرحمن من العقِب عدد أربعون إبنا ذكرا ومن الإناث ثلاثة وأربعون بنتا وبالإضافة إلى ذلك كان عبد الرحمن معروفا بحبه لسماع المغنيين وفي بداية عهده دخل زرياب الأندلس بعد أن كان قد أخذ الإذن بالدخول من والده الأمير الحكم بن هشام قبل وفاته وهو أبو الحسن علي بن نافع الموصلي والذى كان موسيقيا ومطربا عذب الصوت قدم من بلاد العراق إلي الأندلس وكانت له إسهامات كبيرة وعديدة وبارزة في الموسيقى العربية والشرقية ولقب بزرياب لعذوبة صوته وفصاحة لسانه ولون بشرته القاتم الداكن وهو إسم طائر أسود اللون عذب الصوت يعرف بالشحرور وكان هو من إبتكر فن الذوق العام والذى يسمى اليوم بالإتيكيت والذي مثل حلقة وصل هامة في نقل مظاهر الحضارة الإسلامية والشرقية إلى بلاد الأندلس ومنها إلى قارة أوروبا والعالم أجمع وكان أيضا عبد الرحمن الأوسط شغوفا بجمع الكتب حتى أنه أرسل شاعره عباس بن ناصح إلى المشرق للبحث عن الكتب القيمة وإستنساخها وهي النواة التي تكونت منها بعد ذلك مكتبة قرطبة وفي النهاية فقد شهد عصر عبد الرحمن الأوسط بعض العلاقات الدبلوماسية مع بعض الممالك ففي عام 225 هجرية الموافق عام 839م أرسل إليه الإمبراطور البيزنطي ثيوفيلوس سفارة مودة بالهدايا فقبلها عبد الرحمن الأوسط ورد السفارة بأن بعث سفيره يحيى الغزال بالهدايا إلى العاصمة البيزنطية القسطنطينية للإمبراطور كما شهد عصر عبد الرحمن أيضا سفارة أخرى من قبل هوريك الأول ملك النورمان بطلب للصلح والمهادنة بعد غزو النورمان لغرب الأندلس والتي ردها عبد الرحمن بأن بعث سفيره يحيى الغزال أيضا إلى بلاط هوريك في رحلة عاد منها بعد عشرين شهرا وأخيرا كانت وفاة عبد الرحمن الأوسط في يوم 3 ربيع الآخر عام 238 هجرية وصلى عليه ولده محمد ودفن بقصر قرطبة وهو قصر يرجع تاريخه للعصور الوسطى ويوجد بالقرب من نهر الوادى الكبير بالقرب من كاتدرائية قرطبة وبعد الفتح الإسلامي للأندلس أعاد المسلمون بناءه وبعد تأسيس الدولة الأموية ببلاد الأندلس على يد عبد الرحمن الداخل إتخذ قرطبة عاصمة لدولته كما إتخذ هو وخلفاؤه القصر مقرا لهم وبعد وفاة عبد الرحمن الأوسط خلفه إبنه محمد والذي أكمل مسيرة أبيه في تدعيم أركان الدولة بما قام به من أعمال هامة سواء في الجانب الإدارى او العمراني أو العسكرى ويأتي في مقدمتها تطوير الأسطول البحرى الذى كان قد أسسه أبوه في بلاد الأندلس والذى كان له شأن كبير في صد الأخطار الخارجية التي أحاطت ببلاد الأندلس لكثرة الطامعين فيها وكما تعرض عبد الرحمن الأوسط للعديد من الفتن والثورات تعرض أيضا إبنه محمد للعديد من الثورات والفتن والتي ما لبثت إن أطلت برأسها في أماكن متفرقة من بلاد الأندلس وبذل الأمير محمد بن عبد الرحمن جهودا كبيرة من أجل إخماد وقمع هذه الثورات والفتن وتحقيق الإستقرار والأمن في بلاد الأندلس والتفرغ لمواجهة الأخطار والأطماع الخارجية التي كانت تحيط بالبلاد .
 
 
الصور :
درهم سك في عهد عبد الرحمن الأوسط تمثال عبد الرحمن الأوسط في مرسية جامع قرطبة أضاف إليه عبد الرحمن الأوسط بهوين عام 218 هجرية مدينة مرسية تأسست في عهد عبد الرحمن الأوسط عام 210 هجرية