بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
خولة بنت الأزور بن مالك بن أوس بن جذيمة بن ربيعة بن مالك بن ثعلبة بن أسد بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن نبي الله إسماعيل عليه السلام الأسدية صحابية فذة فاقت شجاعتها رجال عصرها حيث عرفت بالشجاعة والبسالة وكانت ممن شهدن الإسلام في بداياته وتركن بصمتهن فيمن حولهن وساهمن في رفع راية الإسلام وإشتهرت بحب أخيها فهي أخت الصحابي الجليل وفارس وشاعر بني أسد وهي قبيلة عظيمة من العدنانية تنسب إلى أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر كان موطنها في الجاهلية في منطقة نجد بوسط شبه الجزيرة العربية ضرار بن الأزور والذى كان ثرى المال حيث كان له ألف بعير برعاتها وصاحب جاه وسيد في قومه تهابه الأعداء لكنه ترك ماله وثروته ليلحق بالنبي عليه الصلاة والسلام ويسلم يوم الفتح هو وأخته خولة بنت الأزور وأخبر النبي بما خلف فقال له النبي ربح البيع ودعا الله ألا تغبن صفقته هذه قائلا ما غبنت صفقتك يا ضرار وهكذا ترك ضرار الدنيا ومتاعها ليعيش متعة الحق في دين الإسلام فكان نصرا للإسلام وهلاكا على الأعداء ومما يذكر عنه إنه كان من المحاربين الأشداء الأقوياء ومحبي المعارك وأنه كان رجل بألف رجل وقيل عنه إن مجرد ذكر إسمه كان كافيا ليدب الرعب في قلوب الأعداء وشارك في حروب الردة وكان علي ميمنة جيش سيف الله المسلول خالد بن الوليد الذى خرج من المدينة المنورة قاصدا طليحة بن خويلد الأسدى الذى إدعى النبوة وحالفته قبائل طئ وغطفان وفزارة وغيرهم وكانت أولي المعارك والتي عرفت بمعركة البزاخة وهي عين ماء لقبيلة طئ في منطقة نجد وإنتصر المسلمون فيها ثم توجه خالد بالجيش إلي البطاح حيث بني تميم وعلي رأسهم مالك بن نويرة والذين كانوا قد منعوا الزكاة وإنتهي الأمر بمقتله ثم كانت المعركة الكبرى مع بني حنيفة وزعيمها مسيلمة الكذاب الذى إدعى النبوة في منطقة اليمامة وإنتهت بالقضاء على ردة بني حنيفة ومقتل مسيلمة الكذاب ثم شارك ضرار بعد ذلك مع خالد بن الوليد في فتوحات بلاد العراق والمعارك التي دارت هناك وكان من أهمها معركة الكاظم ة والأبلة والمزار والولجة وأليس وأمغيشيا ثم فتح الحيرة العاصمة الثانية للفرس وفيها كلفه خالد بمحاصرة أحد حصون الحيرة الأربعة وإنتهي الأمر بإستسلامها جميعا ودخول المسلمين الحيرة في شهر ربيع الأول عام 12 هجرية ثم إنتقل معه ليشاركه في فتوحات الشام مع الصحابي الجليل أبي عبيدة بن الجراح وكان من أهم المعارك التي شارك فيها معركتي أجنادين واليرموك ثم فتح دمشق وكان قائدا لكتيبة الخيل المتحركة مع خالد بن الوليد والتي كان لها دور كبير في مساندة ميمنة وميسرة المسلمين عندما تضغط قوات الروم على إحداها وكان من بطولاته فيها أنه لما نادى عكرمة بن أبي جهل من يبايع علي الموت كان من أوائل من إستجابوا للنداء وفي معركة أجنادين هجم على جيش الروم وحده وأخذ يضرب فيهم يمنة ويسرة وفعل بهم الأفاعيل وأصاب فيهم مقتلة عظيمة ولم يستطيعوا إيقافه فكان يخرج أبطال الروم وقادتهم إليه فيتهاوون واحدا تلو الآخر وهو كالهرم الشامخ لا يتزحزح حتى إذا أراد الرجوع تبعته كتيبة كاملة من جيش الروم مكونة من عدد 30 مقاتل تحاول القضاء عليه وهنا خلع درعه من صدره ورمى الترس من يده وخلع قميصه فـزادت خفته وقوته وإنطلق إلى الكتيبة الرومية فقتل منهم عددا كبيرا وفر الباقون فأطلقوا عليه الشيطان ذو الصدر العارى ووصل بعد ذلك إلى قائد الروم وردان وعندما شاهده عرف من تلقاء نفسه أنه الشيطان عارى الصدر ودارت مبارزة قوية بينهما فإخترق رمح ضرار صدر وردان وأكمل سيفه المهمة وعاد برأس وردان إلى المسلمين وعندئذ إنطلقت من معسكر المسلمين صيحات التكبير الله أكبر الله أكبر .
وقد أوتيت خولة بنت الأزور رضي الله عنها من جمال الوجه ومضاء القلب وحسن الخلق ورباطة الجأش وثبات الأعصاب الشئ الكثير وإتصفت بأنها كانت امرأة جميلة فارعة الطول قوية البنية مع رقة ولطف وإتصفت أيضا بالذكاء والفطنة والجرأة والشجاعة والبسالة والكرامة والقوة كما أنها جمعت كل صفات الفروسية وأجادت إستخدام أسلحة عصرها من سيوف ورماح ونشأت في مدرسة الشجاعة والبطولة والبسالة وتربت على الإيمان الصادق وكانت تتمنى دائما أن تشارك الرجال في القتال وتكره أن تكون قعيدة البيت في وقت يحتاجها الميدان وبالفعل كانت من الباسلين في القتال عندما كانت تشارك في الحروب خاصة في فتوحات بلاد الشام ما لم يتح لأحد غيرها وكان لديها دهاء وإقدام ولها من المواطن الكثيرة الصالحة التي شفيت بها القلوب وتداوت بها النفوس ولديها من الفروسية ما تفوقت به على مثيلاتها ومن البطولة والشجاعة والبذل وكانت كل هذه المناقب قد جعلت النساء يحتذين بها ويستمددن قوتهن منها فكانت قدوة لكل النساء في كل زمان ومكان وقد الأوان لفتياتنا الآن أن يشمرن عن سواعدهن وينفضن الغبار عن أنفسهن ويستفقن من غفلتهن ويربين أولادهن التربية الصحيحة ولا بد من أن يصنعن جيلا واعدا جيل الأبطال وتقاتل إذا دعت الضرورة ولن تكون المسلمة كذلك إلا إذا كانت صوامة قوامة تخاف الله وتتقيه وعلاوة علي شجاعتها وفروسيتها عرف عن خولة بنت الأزور رضي الله عنها أيضا أنها كانت صاحبة لسان فصيح وقول بليغ كما أنها كانت تقرض الشعر مثل أخيها وكان في شعرها جزالة وفخر وللأسف الشديد فمع كل هذه النجومية التاريخية التي تحظى بها خولة بنت الأزور في ذاكرة التاريخ العربي فقد إدعى الكثيرون أن تلك النجومية هي لشخصية وهمية أو لشبح لا وجود له في الواقع وكان هذا الإغتيال العلني لخولة بنت الأزور الذي شهدته صفحات التاريخ الإسلامي لا يقصد شخصية خولة بنت الأزور المحاربة التي تفوقت بشجاعتها وذكائها الحربي على أقوى فرسان وقادة العصر الإسلامي حيث أنها أبهرت الجميع بقوتها بل قصد إغتيال دور المرأة المسلمة ذاتها وقطع الطريق عليها لممارسة دورها البطولي الحربي لأن ذلك كان يعني حضورا سياسيا مصاحبا للحضور العسكرى والحربي وتفوقها في الحرب يضمن لها إستحقاق الدور السياسي والسؤال الآن هل صحيح أن شخصية خولة بنت الأزور رضي الله عنها شخصية وهمية لا وجود لها كما زعم مؤرخو المسلمين الأوائل أو أن خولة بنت الأزور رضي الله عنها تعرضت لعملية إغتيال تاريخي حولتها إلى وهم حتى لا تصبح أسطورة في التاريخ الإسلامي تسير على نهجها الأُخريات فقد أنكر المؤرخ والعالم والفقيه شهاب الدين بن حجر العسقلاني في كتابه شخصية خولة بنت الأزور وقال إنه كان لضرار بن الأزور رضي الله عنه ثلاثة أخوة جميعهم ذكور وأنكر المؤرخ والأديب والكاتب أبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني وجود هذه الشخصية كما أنكر وجودها كذلك كل من المؤرخ والمحدث أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينورى والمؤرخ والعالم أبو عبد الله بن سلام الجمحي في كتابهما الشعر والشعراء وطبقات فحول الشعراء بينما نجد أن الكتب التي تم ذكر خولة بنت الأزور رضي الله عنها فيها فلا يقيم لها المؤرخون أى إعتبار بسبب إعتمادها على كتاب فتوح الشام الذى نسب للمؤرخ والعالم والحافظ أبو عبد الله محمد بن عمر الواقدى بالخطأ حيث أن مؤلفه مجهول الهوية وأن ما بني على باطل فهو باطل كما هو شائع في المنطق العربي .
وإذا أردنا تعليل الإغتيال التاريخي لشخصية خولة بنت الأزور وتحويلها إلى وهم مع العمد وسبق الإصرار فهناك العديد من الأسباب أهمها حساسية الفترة الزمنية التي ظهرت فيها خولة بنت الأزور رضي الله عنها وهي بداية الخلافة الراشدية والعصر السلفي الأول وبقاء النظرة الذكورية للمرأة سواء المترسبة من عصور الجاهلية أو النظرة الدينية المتطرفة للمرأة التي فهمت على غير وجهها الصحيح بحرمانية الإختلاط وفتنة المرأة على مستوى الصوت والشكل والإقرار بوجود شخصية خولة بنت الأزور الفارسة التي حاربت مع جيش خالد بن الوليد وقاتلت الروم بكل بسالة لفك أسر أخيها يعني السماح بالإختلاط بين النساء والرجال ويعني شرعية الدور العسكرى والحربي للمرأة في الإسلام لذا فإن إغتيال شخصية خولة بنت الأزور تاريخيا هو إنقاذ النظرة الدينية المتطرفة من دهاليز تلك الأحكام الفقهية وكان أيضا من أسباب قلة المعلومات عن خولة بنت الأزور رضي الله عنها أنها عاشت مثل غيرها من بنات البادية العربية حياة متواضعة وبسيطة لم تتيسر لها وسائل التدوين والتسجيل المتناسق والمتكامل مثلما قد يتيسر لغيرها من المشاهير وفي هذا المقام نريد التأكيد على أن هذه ليست رؤية الإسلام للمرأة بل نظرة التطرف الديني لها فليس صحيحا ما يقال إن المرأة في صدر الإسلام كانت لا تخرج أبدا إلا 3 مرات من بطن أمها إلى الدنيا ومن دار أبيها إلى الزوج ومن دار زوجها إلى القبر وقتل الخراصون الذين يدعون ظلما وزورا أن المرأة في ظل الإسلام كانت مكسورة الجناح ومهضومة الحق بل الحقيقة أن المرأة عاشت في ظل هذا الدين العظيم متمتعة بكامل حقوقها تشارك أُمتها في تحقيق آمالها وتخفيف آلامها منهن نساء فُضليات أثرين تاريخ الإسلام وكما قال الله تعالى في كتابه العزيز فَإسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰامِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۖ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰارِهِمۡ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَيِّئاتِهِمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّهُمۡ جَنَّٰاتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰارُ ثَوَابٗا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ فهذه الآية أكبر برهان يدل على التسوية التامة بين شطرى الإنسان الذكر والأنثى في ميدان الجهاد حيث كانت النساء يخرجن مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغزوات يداوين الجرحى والمصابين ويسقين الظمأى ووقت اللزوم وعند الحاجة يمسكن السيف ويشاركن في القتال كان منهم رفيدة بنت سعد الأسلمية والتي كانت تعد أول طبيبة في الإسلام وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يمنحها سهم رجل مقاتل حيث كان دورها ومساهماتها في الحروب والمعارك والغزوات لا يقل أهمية بأى حال من الأحوال عن دور الرجال المقاتلين وكانت منهن أيضا نسيبة بنت كعب الأنصارية وأم حرام بنت ملحان الأنصارية ومما يدل على أن خولة بنت الأزور كانت شخصية حقيقية ما ذكره المؤرخ إسماعيل بن كثير في كتابه البداية والنهاية أنها قاتلت في معركة اليرموك في شهر رجب عام 13 هجرية مع نساء كثيرات كانت منهم وياللعجب هند بنت عتبة التي عاندت الإسلام ووقفت أمام الرسول صلى الله عليه وسلم زمنا طويلا وكان قائد المسلمين يومذاك خالد بن الوليد قد كلفها هي ومجموعة من النساء أن يقفن خلف الجيش ومن يرونه يفر من المعركة عليهن بضرب قوائم فرسه بأعمدة الخيام وردهم إلي المعركة وفي هذه المعركة قاتلت خولة بنت الأزور ببسالة هي ونساء كثيرات وقتلن كثيرا من الروم وهذا بعض مما ورد عن الصحابية الجليلة خولة بنت الأزور ويرد مزاعم الذين يقولون إنها شخصية خيالية وليست حقيقية فنساء المسلمين كلهن مقاتلات باسلات فكانت هي الفارس الملثم الذى إحتارت صفوف المسلمين لمعرفته الذي قاتل الروم بكل شجاعة ولم يهاب العدو ودخل في صفوفهم مشتتا شملهم وكان هذا الفارس كالبرق الذى كان سباقا إلى صفوف المشركين فدخل في صفوفهم كأنه النار المحرقة وغاب وسطهم فلم يظهر إلا وسيفه ملطخ بدمائهم وعرض نفسه للهلاك في سبيل الله غير مبال لما سيحدث له وسط قلق من المسلمين عليه وأثارهم وأشعل في قلوبهم نارا حتى يعرفوا هذا المقاتل الشرس الشجاع الذي أباد الكثير من المشركين وفرقهم .
وكان من أشهر ما عرفت به خولة بنت الأزور هو موقفها البطولي الذى أنقذت فيه أخاها من الأسر حيث تنكرت في زى فارس وهرعت إلى نجدة أخيها ودب الهلع بين صفوف الروم حين رأوا بسالة هذا الفارس وأعجب المسلمون به وظنوا أنه خالد بن الوليد ثم أشرف عليهم خالد فقالوا من الفارس الذى تقدم أمامك فلقد بذل نفسه ومهجته فقال خالد والله إنني أشد إنكارا منكم له ولقد أعجبني ما ظهر منه ومن شمائله فقالوا أيها الأمير إنه منغمس في عسكر الروم يطعن يمينا وشمالا فقال خالد يا معاشر المسلمين إحملوا بأجمعكم وساعدوا المحامي عن دين الله فأطلقوا الأعنة وقوموا الأسنة وإلتصق بعضهم ببعض وخالد أمامهم ونظر إلى الفارس وتوجه إليه ليكشف عن هويته ووصل الفارس المذكور إلى جيش المسلمين فتأملوه فرأوه وقد تخضب بالدماء فصاح خالد والمسلمون لله درك من فارس بذل مهجته في سبيل الله وأظهر شجاعته على الأعداء إكشف لنا عن لثامك فمال عنهم ولم يخاطبهم وإنغمس في قتال الروم فتصايحت به الروم من كل جانب وكذلك المسلمون وقالوا أيها الرجل الكريم أميرك يخاطبك وأنت تعرض عنه إكشف عن إسمك وحسبك لتزداد تعظيما فلم يرد عليهم جوابا فلما بعد عن خالد سار إليه بنفسه وقال له ويحك لقد شغلت قلوب الناس وقلبي بفعلك من أنت فلما ألح خالد خاطبه الفارس من تحت لثامه بلسان التأنيث أيها الأمير إني لم أعرض عنك إلا حياءا منك لأنك أمير جليل وأنا من ذوات الخدور وبنات الستور وإنما حملني على ذلك أنني محرقة الكبد زائدة الكمد أنا خولة بنت الأزور أتاني خبر أسر أخي فركبت وفعلت ما فعلت وبعد أن غابت الشمس وخيم الليل بظلامه رجع كلا الفريقين الى معسكره وسارت تلك الفارسة تبحث عن أخيها وتسأل المسلمين عنه فلم تجد ما يشفى صدرها ويريح قلبها فجلست تبكى على أخيها وتقول يا إبن أمى ليت شعرى فى أية بيداء طرحوك أم بأى سنان طعنوك أم بالحسام قتلوك يا أخى لك الفداء لو أنى أراك أنقذك من أيدى الأعداء ليت شعرى أترى أنى لا أراك بعدها أبدا لقد تركت يا إبن أمى في قلب أختك جمرة لا يخمد لهيبها ليت شعرى لقد لحقت بأبيك المقتول بين يدى النبي فعليك منى السلام إلى يوم اللقاء فما إن سمعها الجيش حتى بكوا وبكى القائد خالد بن الوليد وكانت فرقة من جيش الروم قد وقعت فى أسر المسلمين بعد ان ألقت سلاحها وطلبت الأمان فلما علم بأمرها خالد طلب إدخال من فيها عليه وسألهم عن ضرار ووصفه لهم فقال رجل منهم كان مقربا الى قائدهم إنه حي لم يمت وهو أسير قائدنا وقد جعل عليه مائة فارس يحرسونه وهو الآن في طريقه الى حمص فإستدعى خالد صاحبه رافع بن عميرة دليله الذى كان خبيرا بدروب ومسالك الصحراء وقال له إنك خبير بمسالك هذه البلاد ودروبها وتعرف أى طريق يسلكه القوم بضرار وإنك لقادر على أن تسبقهم فخذ معك مائة فارس وإلحق بهم ثم عد ومعك ضرار بن الأزور ولما علمت خولة بهذا الأمر طلبت الى خالد ان يأذن لها فى الخروج معهم فتردد خالد في بادئ الأمر ثم أذن لها بعد ان أوصى بها جنده وخرج رافع في رجاله ومعهم خولة حتى وصلوا الى قرية تسمى سليمة وقد إجتازوا إليها دروبا مجهولة فسألوا أهلها عن مائة جندى من الروم فى صحبتهم أسير عربي فأكد لهم القوم إنهم لم يمروا بهم ففرح رافع وأكد لخولة أن أخاها سيأتي عما قليل وما عليها الا أن تصبر وعلى من معه أن يرقبوا الطريق جيدا وما هي إلا ساعات حتى أشرف عليهم جنود الروم ومعهم ضرار فحمل رافع بمن معه وبرز بين الصفوف فارس غامض ملثم في ثيابه السوداء وحزامه الأخضر وراح يطيح برؤوس الأعداء ويلقي الرعب في القلوب حتى إنتهت المعركة بفرار من بقي من جند الروم بعد أن تركوا ضرار رضي الله عنه حرا طليقا إذ كانت بغية كل منهم النجاة بنفسه من هذا الكرب العظيم ووقف ضرار ينظر فى دهشة وإعجاب إلى ذلك الفارس الغامض الذى إستطاع أن يفعل الأعاجيب وتفوق على أقرانه من الفرسان الشجعان وقبل أن يفيق من دهشته قفز الفارس المجهول عن جواده ليقف بين يديه فقال معجبا خولة أهذه أنت فقالت أجل أنا هي وقد أكد هذا اللقاء المهيب أن خولة بنت الازور رضي الله عنها كانت فارسة جسورة لا يشق لها غبار وأنها كانت ومازالت رمز خالد لبطولة المرأة العربية المسلمة على مر الزمان .
وشارك ضرار رضي الله عنه بعد ذلك في معركة مرج راهط وهي معركة وقعت بين الغساسنة الحلفاء العرب للدولة البيزنطية وجيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد في شهر يوليو عام 634م حيث خرج خالد بن الوليد صوب دمشق بجيش قوامه 9000 رجل على بعد 20 ميل من دمشق حيث كان هناك ممر يرتفع بمقدار 2000 قدم فوق الأراضي المحيطة وقام الغساسنة بنشر مجموعة قوية من المحاربين على الطريق من تدمر أسفل الممر لكن هذه المجموعة تناثرت في بضع دقائق بعد هجوم سريع من الفرسان المسلمين وعلى الرغم من إستمرار مقاومة الغساسنة مع تقدم المسلمين إلا أنها توقفت بعد وصول القوات الرئيسية من جيش المسلمين وهجومهم على بلدة مرج رهط لكنهم كانوا قد أـسروا ضرار بن الأزور فحزنت عليه أخته خولة حزنا شديدا وصممت على فك أسره ودارت معركة حامية الوطيس بين المسلمين والروم إنتصر فيها المسلمون وبعد جمع كمية كبيرة من الغنائم وأعداد محدودة من الأسرى توقف القتال بين الطرفين وأطلق سراح الأسرى المسلمين فعاد ضرار إلى أخته بعد نصر الله ومنته وخاضت خولة بعد ذلك مع المسلمين معركة أنطاكية حتى تم النصر فيها للمسلمين وفي إحدى المعارك مع الروم خلال فتوحات الشام وهي موقعة صحورا التي وقعت بالقرب من مدينة حمص السورية وفي أثناء القتال أسر الروم مجموعة من النساء من بينهن خولة بنت الأزور وقام الروم بحبسهن في إحدى الخيام حتي يتم بيعهن كسبايا بعد المعركة فإنتفضت خولة وأخذت تثير نخوتهن وتضرم نار الحمية في قلوبهن ولم يكن معهن من السلاح شئ وقالت للأسيرات بأن الموت بشرف أفضل من الإستسلام وحضتهن على الهجوم والهرب من الحراس فصاحت بهن يا بنات العم إن الريح مواتية وإن فرصة الخلاص لتبدو لنا مواتية فها قد حان وقت العمل وإن الموت لأشرف لنا من فضيحة تلحق بنا في آخر الزمان علينا أن نحمل حملة صادقة تذهل العدو فننجو أو نستشهد في سبيل الله خذن أعمدة الخيام والأوتاد في أيديكن ولنحمل معا على هؤلاء الحراس ولنتماسك ولنتكاتف ولا تكن بيننا ثغرة ينفذ إلينا منها أحد إشددن معي والله معنا والله أكبر فقالت إحدى الأسيرات وهي عفرة الحميرية والله ما دعوت إلا ما هو أحب إلينا مما ذكرت وإستجابت لها كل المجاهدات الأسيرات فإقتلعن الأعمدة والأوتاد من الخيام وألقت خولة على عاتقها عمودها وتتابع النساء وراءها فقالت لهن خولة لا ينفك بعضكن عن بعض وكن كالحلقة الدائرة ولا تتفرقن فيقع بكن التشتيت وأحطمن رماح القوم وإكسرن سيوفهم ثم هجمن على الحراس فبادرت خولة حارسا بالعمود الذي تحمل فأردته قتيلا وشد النساء على باقي الحراس والجند وقاتلن قتالا رهيبا وذهل الروم من المفاجأة غير المنتظرة وأخذت خولة رمحاً تقاتل به وتتقي طعنات الرماح وضربات السيوف بعمود في يسراها حتى بددت جموع الروم بمن معها من النساء البطلات وقتلن عدد 30 رجلا منهم وظلت المعركة بينهن وبين جنود الروم حتى جاء ضرار بن الأزور مع خالد بن الوليد وأنقذا النساء من أسر الروم بعد أن قتل منهم من قتل وفر من فر وعادت النساء وعلى رأسهن الفارسة المجاهدة إلى صفوف المسلمين وفي النهاية كلمة حق نقولها في حق خولة بنت الأزور رضي الله عنها وهي أنها تعد نموذجاً إنسانيا رائعا يحتذى به في الدفاع عن النفس والوطن والعقيدة فرضت نفسها بقوة وبصلابة على كل شخص حضر صولاتها وجولاتها في ميادين الفروسية وأخيرا كانت وفاة ضرار بن الأزور في منطقة غور الأردن في عام 18 هجرية في طاعون عمواس ودفن هناك بمدينة سميت بإسمه أما خولة تلك الفارسة الجسورة فقد ظلت علي إيمانها وحبها للفداء والتضحية تدافع عن دين الله رافعة راية الإسلام عالية خفاقة وعاشت رضي الله عنها تجاهد فى سبيل الله ولا تخشى في الله لومة لائم حتي آخر أيام الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه وتوفيت في عام 35 هجرية ودفنت بالبلقاء وهي حاليا محافظة تقع في الجزء الغربي من المملكة الأردنية وتكريما لها سميت عدة مدارس إبتدائية وثانوية بالأردن وفلسطين بإسمها .
|