بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
فاطمة بنت عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص القرشية هي إبنة الخليفة الأموى الخامس الذى يعد من أعظم خلفاء المسلمين عبد الملك بن مروان والذى يعد المؤسس الثاني للدولة الأموية بعد مؤسسها الأول الخليفة الأموى الأول معاوية بن ابي سفيان والذى تولى الخلافة عام 65 هجرية وظل في الحكم حتى وفاته عام 86 هجرية وكان له فضل إنقاذ الخلافة الأموية من السقوط بعد حالة الإضطرابات والفتن والثورات التي أعقبت وفاة الخليفة الأموى الثالث معاوية بن يزيد الذى لم تستمر خلافته أكثر من 3 شهور على أقصى تقدير وبالتالي فهي حفيدة الخليفة الأموى الرابع مروان بن الحكم الذى تولى الخلافة لمدة قصيرة بلغت حوالي عام واحد فقط ما بين عام 64 هجرية وعام 65 هجرية والذى إنتقلت الخلافة على يديه من البيت السفياني إلى البيت المرواني وعلاوة علي ذلك كانت فاطمة بنت عبد الملك أختا غير شقيقة لعدد أربعة من الخلفاء الأمويين هم الخليفة الأموى السادس الوليد بن عبد الملك والخليفة الأموى السابع سليمان عبد الملك والخليفة الأموى التاسع يزيد بن عبد الملك والخليفة الأموى العاشر هشام بن عبد الملك وبالإضافة إلى ذلك كانت زوجة الخليفة الأموى الثامن والملقب بالخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز ولذلك فقد قال عنها الشاعر بنت الخليفة والخليفة جدها أخت الخلائف والخليفة زوجها أضف إلى ذلك أنه أيضا كان عدد 3 من الخلفاء الأمويين من أبناء أخواتها وهم الخليفة الأموى الحادى عشر الوليد بن يزيد بن عبد الملك والخليفة الأموى الثاني عشر يزيد بن الوليد بن عبد الملك والخليفة الأموى الثالث عشر إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك وأخيرا كانت إبنة عم الخليفة الأموى الرابع عشر والأخير مروان بن محمد بن مروان بن الحكم كما كان إبن عم جدها مروان بن الحكم هو الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان وجد أم زوجها هو الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب وحفيد أخيها الخليفة الأموى العاشر هشام بن عبد الملك عبد الرحمن بن معاوية المعروف بصقر قريش ونسله من بعده هم أمراء الدولة الأموية ببلاد الأندلس وهكذا كانت فاطمة بنت عبد الملك إمرأة متفردة في التاريخ نظرا لعلاقتها بكل هؤلاء الخلفاء والأمراء حيث لم يجتمع لإمرأة أخرى كل هذا النسب وكان ميلادها في قصر الخضراء وهو قصر الحكم الأموى بغوطة العاصمة الأموية دمشق وغير معلوم لدينا بالتحديد تاريخ ميلاد فاطمة بنت عبد الملك وكانت هي الإبنة الوحيدة لأمها أم المغيرة بنت خالد بن العاص والذين بلغ عددهم ست عشرة ذكرا وعدد إثنين من الإناث وكان أبوها الخليفة عبد الملك بن مروان يحبها حبا خاصا ويرعاها رعاية خاصة ودفعها إلي الفقهاء والعلماء فتعلمت القرآن الكريم والحديث والأدب والشعر فغدت إمرأة عربية أصيلة عالمة بالإضافة إلى الملك والجمال حتى قال عنها المؤرخون إنها النسيبة الحسيبة حيث كانت من أحسن وأفضل النساء وذات عقل كبير وتدين عظيم دمثة الخلق بارعة الجمال طلقة المحيا تقية ورعة متواضعة ومثابرة على الطاعة إبتغاء وجه الله تعالى والدار الآخرة حتى أضحت راوية للحديث النبوى الشريف وقد كانت ممن ذكرها الفقيه والمحدث أبو زرعة الرازى فيمن حدث ببلاد الشام من النساء وقد روى عنها عدد من العلماء والتابعين والمحدثين أمثال عطاء بن أبي رباح المكي التابعي مفتي أهل مكة المكرمة ومحدثهم وكذلك روى عنها أبو عبيدة بن عقبة بن نافع الفهرى وغيرهما .
وكان من الطبيعي عندما وصلت فاطمة بنت عبد الملك سن الزواج أن تهفو قلوب الأمراء الأمويين لخطبتها فكان كل منهم يطرق بابها خاطبا وراغبا لكن والدها الخليفة عبد الملك بن مروان تاقت نفسه لأفضلهم عقلا وأكثرهم عزا وأنبلهم خلقا وهو إبن أخيه عمر بن عبد العزيز بن مروان والذى كان قد تربى في كنفه وتحت عنايته وكان يعتبره من ضمن ولده وكان يجله ويعجب بنباهته أثناء شبابه مما جعله يقدمه على كثير من أبنائه وبعد أن توفي عبد العزيز بن مروان في أوائل عام 86 هجرية لم يتردد خليفة المسلمين في أن يعرض على إبن شقيقه وكان قد بلغ 25 عاما من عمره الأمر قائلا له قد زوجك أمير المؤمنين ببنته فاطمة فرد عليه عمر وصلك الله يا أمير المؤمنين فقد أجزيت وكفيت فأعجبه كلامه فقال بعض ولد عبد الملك هذا كلام تعلمه فقال عبد الملك يا عمر كيف نفقتك قال بين البينين قال وما هما قال قول الله والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك فواما ومنذ ذلك الوقت دخلت فاطمة مروج التاريخ من أبهى بساتينه كشجرة باسقة طيبة الريح وعظيمة الأثر فعاشت مع زوجها عيشة الرغد والحب المعطاء تجمع السكينة والألفة والمحبة بين نفسيهما لتصنع من زواجهما نموذجا جميلا في التضحية لأجل الهدف النبيل فإجتمع لها ما لم يجتمع لنساء الأرض قاطبة من العظمة والسؤدد والجاه والزواج السعيد وتوفي الخليفة عبد الملك بن مروان بن الحكم في شهر شوال عام 86 هجرية وخلفه إبنه الأكبر الوليد بن عبد الملك وعين إبن عمه عمر بن عبد العزيز في شهر ربيع الأول عام 87 هجرية واليا على المدينة المنورة فإنتقل إليها ومعه زوجته فاطمة بنت عبد الملك ورزقهما الله بإبنين إثنين هما إسحاق ويعقوب ثم أضاف إليه أيضا مكة فصار واليا على الحجاز بأكمله وفي عام 93 هجرية تم عزله عن ولاية المدينة بعدما كتب إلى الخليفة الوليد بن عبد الملك يخبره عما وصل إليه حال بلاد العراق من الظلم والضيم والضيق بسبب ظلم واليها الحجاج بن يوسف الثقفي وغشمه مما جعل الحجاج يحاول الإنتقام من عمر لاسيما وقد أصبح الحجاز ملاذا للفارين من عسف الحجاج وظلمه حيث كتب الحجاج إلى الوليد إن من قبلي من مراق أهل العراق وأهل الثقاف قد جلوا عن العراق ولجأوا إلى المدينة ومكة وإن ذلك وهن وأشار عليه بعزل عمر بتولية عثمان بن حبان وخالد بن عبد الله القسرى مكة والمدينة وكانت ميول الوليد لسياسة الحجاج واضحة حيث كان يظن بأن سياسة الشدة والعسف هي السبيل الوحيد لتوطيد أركان الدولة ومنع الفتن والثورات وهذا ما حال بينه وبين الأخذ بآراء عمر بن عبد العزيز ونصائحه وقد أثبتت الأحداث فيما بعد أن ما كان يراه عمر أفضل مما كان يسير عليه الوليد وذلك بعد أن تولي عمر بن عبد العزيز الخلافة وتطبيقه لما كان يشير به وعموما فقد خرج عمر بن عبد العزيز من المدينة المنورة وهو يبكي ومعه خادمه مزاحم فإلتفت إلى مزاحم وقال يا مزاحم نخشى أن نكون من نفت المدينة المنورة وكان يشير بذلك إلى قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم ألا إن المدينة كالكير تخرج الخبيث لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد وسار عمر حتى وصل السويداء والتي تبعد عن دمشق مسافة 100 كم جنوبا وكان له فيها بيت ومزرعة فنزل فيها فأقام مدة يرقب الأوضاع عن بعد .
وبعد مدة رأى عمر بن عبد العزيز أن مصلحة المسلمين تقتضي أن تكون إقامته في دمشق بجوار الخليفة لعله بذلك يستطيع أن يمنع ظلما أو يشارك في إحقاق حق فإنتقل إلى دمشق فأقام بها ولم يكن على وفاق تام مع الخليفة الوليد بن عبد الملك ولذلك فإن إقامته في دمشق بجوار الوليد لم تخل من مشاكل وخلافات فالوليد يعتمد في تثبيت حكمه على ولاة أقوياء قساة يهمهم إخضاع الناس بالقوة وإن رافق ذلك كثير من الظلم بينما يرى هو أن إقامة العدل بين الناس كفيل بإستقرار الملك وإئتمارهم بأمر السلطان فكان يقول الوليد بالشام والحجاج بالعراق ومحمد بن يوسف شقيق الحجاج في اليمن وعثمان بن حيان بالحجاز وقرة بن شريك في مصر لفد إمتلأت والله الأرض ظلما وجورا وطوال هذه المسيرة من دمشق فالمدينة المنورة فالسويداء فدمشق مرة أخرى كانت زوجته الوفية المخلصة فاطمة بنت عبد الملك مرافقة له ومعينة له علي تحمل الأعباء والمسؤوليات بالرأى والدعم المعنوى وكان مما حدث بين الوليد بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز أن الوليد أراد أن يخلع أخاه سليمان بن عبد الملك من ولاية العهد وأخذ يستشير أمراء بني أمية والأعيان فكان عمر بن عبد العزيز ممن رفضوا ذلك وقال إن لسليمان في رقابنا بيعة فغضب الوليد وقبض علي عمر وحبسه في غرفة مغلقة لا ضوء فيها فجاءته فاطمة بنت عبد الملك أخته وزوجة عمر وطلبت منه إطلاق سراح زوجها فلم يستجيب لها فلم تسكت الزوجة الوفية والمخلصة لزوجها ووسطت أم البنين زوجة الوليد فلان هذا الأخير وأطلق سراح عمر وقد إستمر هذا الدور الذى تؤديه فاطمة بنت عبد الملك بكل إخلاص وأمانة بعد وفاة أخيها الخليفة الوليد بن عبد الملك وتولي أخيها الثاني سليمان بن عبد الملك الخلافة وفي عهده تهيأت الفرص لعمر بن عبد العزيز بقدر كبير فظهرت آثاره في مختلف الجوانب فبمجرد تولي سليمان الخلافة قرب عمرَ وأفسح له المجال واسعا حيث قال له يا أبا حفص إنا ولينا ما قد ترى فما رأيت من مصلحة العامة فمر به وجعله وزيرا ومستشارا ملازما له في إقامته وسفره وكان سليمان بن عبد الملك يرى أنه محتاج له في كل صغيرة وكبيرة فكان يقول ما هو إلا أن يغيب عني هذا الرجل فما أجد أحدا يفقه عني وقال في موضع آخر يا أبا حفص ما إغتممت بأمر ولا أكربني أمر إلا خطرت فيه على بالي وظل عمر بن عبد العزيز قريبا من سليمان طيلة مدة خلافته يحوطه بنصحه ويشاركه مسؤولياته الجسام ولما مرض الخليفة سليمان بن عبد الملك مرض الموت إقترح عليه الفقيه التابعي والذى كان من مستشاريه الكبار رجاء بن حيوة الكندى أن يستخلف عمر بن عبد العزيز فوافقه على ذلك لكنه قال له والله لئن وليته ولم أول أحدا من ولد أبي عبد الملك لتكونن فتنة ولا يتركونه أبدا يلي عليهم إلا أن أجعل أحدهم بعده وأخي يزيد بن عبد الملك غائب على الموسم فقال له فيزيد بن عبد الملك إجعله بعده فإن ذلك مما يسكنه ويرضون به فكتب سليمان بن عبد الملك بيده بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من عبد الله سليمان بن عبد الملك أمير المؤمنين لعمر بن عبد العزيز إني وليته الخلافة من بعدى ومن بعده يزيد بن عبد الملك فإسمعوا له وأطيعوا وإتقوا الله ولا تختلفوا فيطمع فيكم وهكذا تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة في شهر صفر عام 99 هجرية وكان قد بلغ من العمر ثمانية وثلاثون عاما فإنقلبت حياته وتغير مسارها تماما وغدا وهو الشاب الذى غذى من آنية الملك إماما زاهدا تثقل مسئولية الخلافة كاهله .
وبرغم أن الخلافة قد أتت عمر بن عبد العزيز دون طلب أو سعي منه إلا أنه وقف على المنبر بمسجد دمشق وخطب في الناس فخلع ما في أعناقهم من بيعة له لكن الناس قاموا إليه وتمسكوا به خليفة عليهم فلما رأى ذلك رضي بالأمر ووقف فخطب في الناس فأوصاهم بتقوى الله وأن يطيعوه ما أطاع الله فيهم فإن عصاه فلا طاعة له عليهم وأضحت فاطمة بنت عبد الملك بين يوم وليلة زوجة الخليفة التقي الزاهد فوقفت بجواره معينة مخلصة مستشعرة مسئوليتها تجاه زوجها الذى آثر ثواب الآخرة ملتزما في ذلك بالزهد في زينة الدنيا وزخرفها وتقول زوجته فاطمة بنت عبد الملك عن ورعه وزهده والله ما كان بأكثر الناس صلاة ولا أكثرهم صياما ولكن والله ما رأيت أحدا أخوف لله من عمر لقد كان يذكر الله في فراشه فينتفض إنتفاض العصفور من شدة الخوف حتى نقول ليصبحن الناس ولا خليفة لهم وأيضا قال الفقيه والمحدث الحافظ مكحول بن عبد الله الشامي لو حلفت لصدقت ما رأيت أزهد ولا أخوف لله من الخليفة عمر بن عبد العزيز ولشدة خوفه من الله كان غزير الدمع وسريعه فقد دخل عليه رجل وبين يديه كانون فيه نار فقل عظني قال يا أمير المؤمنين ما ينفعك من دخل الجنة إذا دخلت أنت النار وما يضرك من دخل النار إذا دخلت أنت الجنة قال فبكى عمر حتى إنطفأ الكانون الذى بين يديه من دموعه وقد كان جل خوفه رحمه الله من يوم القيامة فيدعو الله ويقول اللهم إن كنت تعلم إني أخاف شيئا دون القيامة فلا تؤمن خوفي وكان يوم توليه الخلافة يوما أحدث تغيرا جذريا في مجرى حياته ذلك اليوم الذى يقول عنه عمر لقد عنيتم بأمر لو عنيت به النجوم لإنكدرت ولو عنيت به الجبال لذابت ولو عنيت به الأرض لتشققت أما تعلمون أنه ليس بين الجنة والنار منزلة وأنكم صائرون إلى إحداهما وكان من أول ما فعله عمر بن عبد العزيز بعد مبايعته بالخلافة أنه قام بإلغاء الموكب المعتاد الذى كان يتم إعداده في هذه المناسبة وركب دابته وألغى حفلات البيعة ورفض أيضا أن يمد يده إلى شئ من أموال الخزانة رغم أنه كان فيما سبق يعيش في رفاهية وإنتظرت فاطمة بنت عبد الملك زوجها بعد اعلان الخلافة ليدخل عليها وهو يبكي فتحاول فاطمة تهدئته وتسأله ماذا أصابك فهو اليوم قد أصبح خليفة المسلمين فيبكي بكاءا شديدا ويقول لها يا فاطمة لقد فكرت بالفقير الجائع والمسكين الضعيف والمظلوم المقهور وأن الله عز وجل سائلي عنهم يوم القيامة وهنا تدرك فاطمة بنت عبد الملك انها مقبلة مع زوجها خليفة المسلمين على حياة جديدة مليئة بالمسئوليات والأعباء التي فرضتها الخلافة عليهما سويا وكيف لا وأمه هي إبنة عاصم بن الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
ويعطى عمر بن عبد العزيز لزوجته الإختيار فيقول لها لا أريد أن أظلمك واخاف ألا تصبرى على ما إخترته لنفسي من ألوان العيش فلو أردت لذهبت إلى دار أبيك فتسأله فاطمة ماذا سيفعل فيرد عليها بأن الأموال التي تحت أيديهم هي من أموال المسلمين وأنه سيردها إلي بيت مال المسلمين ويقول لها أنا بادئ بنفسي فتصدق بكل ماله وإقتصر على الفتات من بيت المال وإكتفى بالقليل من الثياب البسيطة وقال لن أستبقي إلا قطعة ارض لي إشتريتها من كسبي وسأعيش منها وحدها فإن كنت لا تصبرين على الضيق بعد السعة فإلحقي بدار أبيك فقالت وما الذى حملك على هذا فيرد عليها قائلا يا فاطمة إن لي نفس تواقة ما نالت شيئا إلا إشتهت ما هو خير منه فقد إشتهيت الإمارة فلما نلتها إشتهيت الخلافة فلما نلتها إشتهيت ما هو خير منها وهو الجنة فكان رد الزوجة الصالحة المخلصة إصنع ما تراه فأنا معك وما كنت لأصاحبك في النعيم وأدعك في الضيق وأنا راضية بما ترضى به وهذا السلوك من فاطمة ومن أى رجل مؤمن أو امرأة مؤمنة أغلى من الماس والذهب والفضة وهو ما فهمته الزوجة الصالحة وهو يحتاج إلى قوة إيمان وإلى كثرة مراجعة للنفس وحساب لها وقد بدأ عمر بن عبد العزيز فأعتق الإماء والعبيد وسرح الخدم وترك القصر ورد ما كان له فيه إلى بيت المال وسكن دارا صغيرة شمال المسجد وقال لزوجته فاطمة وكان عندها جواهر ثمينة أمر لها به أبوها الخليفة عبد الملك بن مروان لم ير مثلها إختاري إما أن تردى حليك إلى بيت المال وإما أن تأذني لي في فراقك فإني أكره أن أكون أنا وأنت وهو في بيت واحد فقالت لا بل أختارك عليه وعلى أضعافه فأمر به فحمل حتى وضع في بيت مال المسلمين ومما يذكر أنه بعد وفاة زوجها عمر وإستخلف أخوها يزيد بن عبد الملك قال لها إن شئت رددته إليك فقالت لا والله لا أطيب به نفسا في حياته وأرجع فيه بعد موته وهكذا تبعت فاطمة بنت عبد الملك زوجها راضية بهذه العيشة الزهيدة أثاث قديم وثياب مرقعة وطعام قليل وهي التي لم تذق طعم هذه الحياة من قبل زواجها ولا من بعده قبل الخلافة ومما يشير إلى بساطة الحياة التي كانت فيها مع زوجها بعد الخلافة أن امرأة أعرابية من أهل العراق جاءت ذات يوم على عمر رضي الله عنه فلما صارت إلى بابه قالت هل على أمير المؤمنين من صاحب فقالوا لا إن أحببت فإدخلي فدخلت المرأة على زوجته فاطمة بنت عبد الملك وهي جالسة فبكت وقالت إنما جئت لأعمر بيتي من هذا البيت الخراب فقالت لها فاطمة والله ما خربه إلا عمارة بيوت أمثالك وأقبل عمر حتى دخل الدار فمال إلى بئر هناك فنزع الدلو فصبه على طين كان هناك ليصلح به أحد جدران المنزل وهو يكثر النظر إلى زوجته فقالت المرأة العراقية لزوجته إستتري من هذا الطيان فإني رأيته يديم النظر إليك فقالت ليس هو بالطيان هو أمير المؤمنين فبكت حتى كادت أن تهلك ثم غسل أمير المؤمنين عمر رجليه فمال إلى مصلى له فصلى ما شاء الله ثم قدم زنبيلا فيه عنب وجعل يتخير للمرأة ثم قال من أين المرأة قالت من أهل العراق فقال ما حاجتك فقالت لي خمس بنات كاسدات فجعل يبكي ويقول كاسدات ثم قال سمي الأولى فسمتها له ففرض لها وللثانية وللثالثة وللرابعة وهي تقول الحمد لله فلما بلغت إلى الخامسة شكرته فرمى القلم من يده ثم قال كنت أفرض لهن لما كنت تولين الحمد لوليه فالآن لما أوليتيني الحمد لا أكتب للخامسة مرى الأربع أن يواسين أختهن فدعت له وإنصرفت فلما قدمت بلاد العراق كان عمر بن عبد العزيز قد توفاه ألله وجاءت الأعرابية بالكتاب إلى واليه فلما نظره بكى وإشتد بكاؤه وقال رحم الله صاحب هذا الكتاب فقالت أمات قال نعم فصاحت وولولت فقال لها لا بأس عليك أنا أفرض لك والله ما أرد كتابه في شئ ما كنت لأطيعه في حياته وأعصيه بعد مماته ففرض لها .
ومما يذكر أيضا في هذا الصدد أن غلاما لعمر دخل يوما على مولاته فاطمة فغدته معها عدسا فقال كل يوم عدس قالت يا بني هذا طعام مولاك أمير المؤمنين عمر وذات يوم أتت عمة عمر بن عبد العزيز إلى إمرأته فاطمة فقالت إني أريد كلام أمير المؤمنين فقالت لها إجلسي حتى يفرغ فجلست فإذا بغلام قد أتى فأخذ سراجا فقالت لها فاطمة إن كنت تريدينه فالآن فإنه إذا كان في حوائج العامة كتب على الشمع وإذا صار إلى حاجة نفسه دعا بسراجه وكان عمر بن عبد العزيز يوما يقسم تفاحا من فئ المسلمين فجاء إبن له صغير فأخذ منها فوثب إليه عمر وأخذها منه وردها فذهب الطفل إلى أمه باكيا فلما أخبرها الخبر أرسلت بدرهمين فإشترت تفاحا وأطعمته ثم أعطت لعمر منه فقال من أين هذا فقصت عليه الخبر فقال رحمك الله لكأنما إنتزعتها من قلبي ولكني كرهت أن أضيع نفسي من الله عز وجل بتفاحة من فئ المسلمين ولما إحتضر الخليفة عمر بن عبد العزيز دخل عليه شقيق زوجته مسلمة بن عبد الملك فرآه يرتدى ثوبا مرقع فقال لفاطمة ألا تبدلي له هذا الثوب فقالت والله ما عنده ثوب غيره وقال عمر أجلسوني فأجلسوه فقال إلهي أنا الذى أمرتني فقصرت ونهيتني فعصيت ثلاثا ولكن لا إله إلا الله ثم رفع رأسه فأحد النظر فقالوا إنك لتنظر نظرا شديدا يا أمير المؤمنين فقال إني لأرى حضرة ما هم بإنس ولا جان ثم قبض من ساعته وفي رواية أخرى أنه قال لأهله إخرجوا عني فخرجوا وجلس على الباب إبن عمه وشقيق زوجته مسلمة بن عبد الملك وزوجته فاطمة بنت عبد الملك فسمعوه يقول مرحبا بهذه الوجوه التي ليست بوجوه إنس ولا جان ثم قرأ قوله تعالي من سورة القصص تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ثم هدأ الصوت فدخلوا عليه فوجدوه قد أغمض عينيه وسوى إلى القبلة وقبض وكان ذلك في شهر رجب عام 101 هجرية بعد أقل من سنتين ونصف من توليه الخلافة و كان قد بلغ من العمر حوالي 40 عاما وكانت وفاته بدير سمعان من أرض معرة النعمان ببلاد الشام وبعد وفاته جاء الفقهاء إلي زوجته فاطمة بنت عبد الملك يسألونها أخبرينا كيف كان حال عمر بينكم قالت أفعل ولو كان حيا ما فعلت والله ما كان بأكثركم صلاة ولا صياما ولكني والله ما رأيت عبدا قط كان أشد خوفا لله من عمر والله إن كان ليكون بيني وبينه لحاف فيخطر على قلبه الشئ من أمر الله فينتفض كما ينتفض طائر وقع في الماء ثم يرتفع بكاؤه حتى أقول والله لتخرجن نفسه فأطرح اللحاف عني وعنه رحمة له وأنا أقول يا ليتنا كان بيننا وبين هذه الإمارة بعد المشرقين فو الله ما رأينا سرورا منذ دخلنا فيها هذا ولم تتوقف الحياة بفاطمة بنت عبد الملك بعد وفاة زوجها الأول وإبن عمها عمر بن عبد العزيز حيث تزوجت من إبن عمها الآخر سليمان بن داود بن مروان بن الحكم بعدما إستخلفه عليها زوجها وإبن عمها عمر بن عبد العزيز عندما حضرته الوفاة فولدت له هشام بن سليمان ولكنها ما رجعت في أي عمل صالح كانت قد إرتضته قبل ذلك في عهد زوجها الأول فجزاها الله خيرا وأسكنها فسيح جناته ونسأله سبحانه أن يجعلنا من الثابتين على الحق مهما تبدلت الظروف .
|