السبت , 21 يونيو 2025

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

الدكتور محمود رمضان يكتب عن: تطور النقود الإسلامية
(ملامح تاريخ النقد الإسلامي من الصعود إلى الهبوط)

الدكتور محمود رمضان يكتب عن: تطور  النقود الإسلامية
(ملامح تاريخ النقد الإسلامي من الصعود إلى الهبوط)
عدد : 08-2023

في صمتها اللامع تبدو نقودنا الإسلامية الأكثر فصاحة والأبلغ بياناً بين كل مصادر أو حتى وثائق دراسة تاريخناً وحضارتناً، فهي بنقوشها وكتاباتها تنطق بما كان عليه أسلافنا في غابر الزمان من مجد وعز وبما كانوا يتمتعون به من حكمة وحصافة ستظل عنواناً على إسهام إنساني عميق في الحضارة الإنسانية.

ولتاريخ العملة في وطننا العربي منعطفات مصيرية حاسمة، فتعريبها كان إيذاناً ببدء حملة التعريب التي قادها الخليفة عبد الملك بن مروان، وبسببها أصدر قاضى افتدى الدولة العثمانية فتوى شرعية بجواز محاربة دولة المماليك في مصر والشام باعتبارها دولة مارقة عن الدين لأنها تسجل آيات القرآن على عملات قد يدنسها أصحاب الملل والنحل الأخرى بحملهم إياها إلى بيوت الخلاء، وبعد أن كان الدينار الإسلامي هو العملة الدولية الأولى في إبراء وانجاز المعاملات في عالم العصور الوسطى إذا به ينهار ويتراجع وتزحف النقود الأوربية لتحتل مكانته قبل أن تزحف قوات الاستعمار الأوربي لتستولي على الأرض وتسيطر على السكان في الشرق.

إنه تاريخ نقدي حافل يبدأ بالاستعارة ليمضى إلى الاستقلال قبل أن يتحول إلى التبعية، ومن الدينار إلى الدولار تبدو الرحلة حافلة بالمفارقات، اولى المفارقات أن العرب في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، وعلى الرغم من اشتغالهم بالتجارة لم يقوموا بسك أي نقود خاصة بهم واكتفوا باستعارة نقود جيرانهم، فعرفوا دراهم فارس الفضية ودنانير بيزنطة الذهبية بالإضافة إلى عملات محدودة كان قد ضربها الحميريون ببلاد اليمن.

وعندما ظهرت الدعوة الإسلامية وانتشرت جيوش الفتح مقوضة أمامها دولة الأكاسرة من الساسانيين ومزيحة جيوش الروم من الشام ومصر ظلت دولة الإسلام تتعامل بنقود الفرس والروم عملا بالحكمة الإدارية البالغة التي اقرها الرسول صلى الله عليه وسلم بجواز التعامل بها وذلك حتى لا يحدث أي اضطراب في الأسواق أو تأثير بالسلب على معايش الناس وجاء هذا الإقرار رغما عن أن هذه النقود كانت تحمل رموزا دينية تخالف معتقدات المسلمين فعلى الدراهم الكسروية صورة لمعبد النار المجوسي على احد الوجهين فيما على الوجه الآخر صورة كسرى الفرس، بينما دنانير بيزنطة الذهبية وفلوسها النحاسية لا تحمل فقط صورة الإمبراطور البيزنطي بل وتزخر بالعدد الوفير من الصلبان.

وخلال عهود الخلفاء الراشدين اقتضت حكمتهم السياسية أن يضيفوا إلى نقودهم التي ضربت على النسقين الفارسي (أي الدراهم) والبيزنطي (الدنانير والفلوس) بعض العبارات باللغة العربية لتشير إلى عقيدة الإسلام أو إلى جواز التعامل بهذه النقود أو حتى إلى الأماكن التي سكت بها هذه النقود،

وما أن اطمئن الخليفة عبد الملك بن مروان إلى نجاح واليه الشهير (الحجاح بن يوسف الثقفي) في إخماد كل الثورات والفتن الداخلية في العراق والحجاز حتى شرع في تعريب النقود تعريباً كاملاً ليستكمل بذلك خططه في تعريب الدولة الأموية بعد أن سبق له أن قام بتعريب نخبة الحكم في الأمصار ثم تعريب الدواوين بها، وجاءت نقود عبد الملك خالية من الصور وقاصرة على نقوش كتابية تعبر كلها عن ظهور الإسلام وعقيدته وعن صراع محتدم بين الدولة الأموية وجيرانها من الروم البيزنطيين فقد سجل على احد وجهي الدينار الذهبي في ثلاثة اسطر أفقية عبارة التوحدي (لا اله إلا – الله وحده – لا شريك له) ومعها حول محيط الدينار اقتباس قرآني نصه (محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) وعلى الوجه الآخر ثلاثة أسطر متوازية هي بمثابة اقتباس من سورة الإخلاص ونصها (الله أحد الله – الصمد لم يلد – ولم يولد) وصحب هذا الاقتباس بكتابة حول محيط القطعة يشير إلى سنة ضرب الدينار، وفعل نفس الشئ تقريباً مع الدراهم الفضية مع تغييرات طفيفة باستكمال الاقتباس القرآني الأول إلى عبارة (ولو كره المشركون) مشيراً بذلك إلى عقيدة الروم في التثليث، وإكمال الاقتباس القرآني الثاني إلى (ولم يكن له كفوا احد) لإعطاء ذات المعنى.

ومنذ التعريب أصبح الدينار الإسلامي بنقوشه العملة الرئيسية في التجارة الدولية وحل بسرعة مذهلة مكان السوليدوس الذهبي البيزنطي بفضل ارتفاع عيار سبيكته وثبات وزنه بالإضافة إلى سيطرة المسلمين الحاسمة على طرق التجارة البرية والبحرية بين الشرق الأسيوي والغرب الأوروبي.

وليس أدل على مكانة النقد الإسلامي في تيسير التبادل التجاري من تلك العملات العربية التي يعثر عليها دوما في مناطق الحفر الأثري في أرجاء قارات العالم القديم ، آسيا وأوروبا وإفريقيا.

وقد كان ذلك مثار دهشة الآثاريين خاصة عندما عثروا على مثل هذه النقود في الجزر البريطانية المعروفة بعزلتها التقليدية عن أوروبا بل وفى بعض مناطق اسكندنافيا التي كان يظن أن سكانها من الفايكنج لم يلعبوا دورا يذكر في تاريخ أوربا الوسيط اللهم إلا غزواتهم المدمرة لأهل الجنوب.

لقد كشفت الكميات المعتبرة من النقود الإسلامية والتي عثر عليها في دول الشمال الاسكندينافي عن وجود علاقات تجارية منتظمة بينهم وبين العالم الإسلامي، إذ كان الفايكنج وهم من المشتغلين بالملاحة أصلا يسلكون نهر الفولجا ليلتقوا بالتجار المسلمين جنوب الروسيا عند مصابه ليبيعوا لهم الحديد والفراء والجلود والأخشاب وأيضاً ما جمعوه من رقيق، غلماناً وجواري من العناصر السلافية المنتشرة على جانبي الفولجا مقابل سلع الحضارة من أقمشة وحلى نسائية ونقود،

وإلى ابعد من ذلك فقد سجلت العديد من الوثائق الأوربية وجود العملات العربية بها كالسجلات التجارية للجمهوريات الايطالية ووثائق الكنائس الباباوية التي كانت تصر على أن تؤدى الضرائب لها بالدنانير الإسلامية دون سواها، بل أن وثيقة (الماجناكارتا) البريطانية تشير إلى الدينار الإسلامي باسم (المنقوش) وهو الاسم الذي عرف به في أوربا حتى القرن السادس الهجري، الثاني عشر الميلادي، نسبة للنقوش الكتابية الواردة على الدينار عوضاً عن الرسوم أو الصور وترد ذات التسمية أيضاً في كثير من قوائم الموجودات والكنوز التي كانت تضمها كنائس أوربا وفى بعض المقاطعات كان النبلاء الإقطاعيون يطالبون المتعاملين معهم بسداد الرسوم أو الضرائب بالمنقوش دون سواه من العملات.

ولكن اسم المنقوش سرعان اخذ في الانزواء من مصطلح أوربا مع بداية القرن 12م وذلك لانهيار وزن وعيار دنانير الشرق الإسلامي بعد سقوط مدن الشام الواحدة تلو الأخرى ومعها ما كان متداولا بها من دنانير الذهب في أيدى قوى الغزو الصليبي بالإضافة إلى ترهل دولة الفاطميين وعجزها عن الاستمرار في استقطاب تبر الذهب من بلاد التكرور أي غربي إفريقيا.

وفى خضم هذه الفوضى نجح المرابطون في أقصى المغرب في فرض سيطرتهم ليس على الشمال الإفريقي وحسب بل وعلى الشاطئ الأندلسي أيضاً، ومن ثم تحولت تجارة الذهب إلى المدن المرابطية التي أصدرت نقودها الرائعة الشهيرة بدقة السك وجمال النقوش الكتابية وارتفاع العيار

وهكذا خرج المنقوش من وثائق وسجلات أوروبا ليحل مكانه على الفور ولأمد طويل (المرابطي) ذلك اللفظ الذي بقى علماً على العملات الذهبية الجيدة في أرجاء القارة العجوز.

وكانت الدنانير المرابطية هي خاتمة رحلة طويلة من الاستقلال النقدي والصعود الحثيث الذي اتبعه هبوط مرة أخرى ليعود المسلمون إلى الاستعارة النقدية أو بالأحرى التبعية النقدية0فبعد سقوط الدولة المرابطية ومن بعدها الموحدية في شمال إفريقيا والأندلس تمزقت البلاد بين دويلات صغيرة متنازعة وفى ذات الوقت كان الشرق الإسلامي يكابد حالات من الفوضى ليس بسبب الحروب الصليبية وحسب ، ولكن أيضاً من جراء غزوات المغول واستبداد المماليك وإهدارهم لثروات البلاد في إنفاق ترفى لا طائل من ورائه حتى أن جشعهم دفعهم إلى التلاعب في أوزان وعيار الدنانير وعندئذ ضرب الغرب الأوربي ضربته، وأصدرت المدن الايطالية الناشطة في عمليات التبادل التجاري عملاتها الجديدة التي تميزت بثبات وزنها وارتفاع عيارها بالقياس إلى نقود المماليك المعاصرة لها في القرن التاسع الهجري، الخمس عشر الميلادي، وساعدها على ذلك فائضها التجاري الضخم وامتصاصها للذهب من الأسواق العربية عن طريق تخفيض التعريفة الجمركية عليه ففي حين كانت الرسوم على البضائع تصل إلى 10 % من قيمتها كان الرسم على سبائك الذهب لا يتعدى 2 % .

ومنذ مطلع القرن الثامن الهجري أصبحت العملات الذهبية المضروبة في مدينة البندقية والتي عرفت باسم الدوكات هي النقود الأكثر تداولا ليس في تجارة الشرق مع الغرب وحسب بل وحتى داخل الأسواق المحلية في مصر والشام وحوض المتوسط والى يومنا هذا لا يزال اسمها الذي عرفت به في الشرق (البندقي وتجمع على بنادقه) علماً على الذهب الجيد العيار فيشار إليه باسم (البندقي).

وحاول السلطان المملوكي الأشرف أبو النصر بارسباى مواجهة طغيان البندقي على الدنانير الإسلامية فلجأ إلى تخفيض وزن الدينار الإسلامي المعروف وهو 4.25 من الجرام ليواكب وزن الدوكات البندقية 3.49جرام وكان ذلك أول خطوات التراجع أمام زحف العملات الأوربية وما لبثت الممالك الإسلامية في الهند أن تبنت نفس الوزن ولحقت بها أيضاً الدولة العثمانية، والى أبعد من ذلك فقد صارت نقود العثمانيين تعرف باسم الفندقلي إذا ما أرادوا التدليل على جودة عيارها ووفاء وزنها وهو الاسم التركي للبندقى.

وهكذا فقد الدينار الإسلامي عرش السيادة النقدية في عالم العصور الوسطى وعادت المنطقة إلى نوع من التبعية النقدية لم تتجاوزه إلى اليوم وعزز من تراجع قوة الإصدارات الذهبية الإسلامية نجاح البرتغاليين أولاً في تحويل التجارة إلى طريق رأس الرجاء الصالح وهو ما حرم دول المنطقة الإسلامية بأسرها من عوائد رسومها الجمركية على السلع المصدرة من الشرق الأسيوي إلى أوروبا ، وزاد في الطنبور نغمة أن البرتغاليين بعد أن استقروا على الشاطئ الإفريقي عند كيب تاون شرعوا في التوغل داخل القارة السمراء إلى أن وصلوا إلى مصاب نهر السنغال وهناك حصدوا كل ما كان متوافرا من تبر بلاد السودان في غرب إفريقيا والذي كان يتجه تقليديا إلى بلاد شمال إفريقيا ومصر مع قوافل التجارة ومن ثم ضربت البرتغال أولى عملاتها الذهبية الخاصة.

وكان التحول النهائي في السيادة النقدية حاسماً بعد وصول الأسبان إلى الأمريكتين وتحويل ما بهما من ذهب وفضة لتمويل إنتاج الاسكودو الذهبي والريال الفضي فعندئذ وضعت الخاتمة الحزينة للدينار الإسلامي فذل بعد طول عز.


https://www.abou-alhool.com/arabic1/details.php?id=54353

=========
* الكاتب :
مدير مَرّكَزُ الخَلِيجَ للبُحوثِ وَالدّرَاسَاتِ التَّارِيخيَّةِ
خبير الآثار والفنون الإسلامية

* ( تبسيط الثقافات والمعارف والتاريخ والحضارة والآثار والفنون والعلوم الإنسانية وروافدها واتاحتها للمجتمعات البشرية في هذا الكون- المعرفة ليست حكراً على أحد)
(الثقافة حق للجميع -لا حَجْرَ على فِكْر)
 
 
الصور :
دينار الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان 77هـ درهم أموي ضرب دمشق 90 هـ درهم من عهد أبو العباس السفاح دينار فاطمى دينار من عهد الملكة اروى - الدولة الصليحية باليمن درهم موحدي من المغرب دينار بوزن الدوكة البندقية - باسم فتح علي شاه إيران نصف فضة عثمانية لسليمان الثاني