الأحد, 8 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

سفانة بنت حاتم الطائي

 سفانة بنت حاتم الطائي
عدد : 09-2023
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"



سفانة بنت حاتم الطائي بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن إمرئ القيس بن عدى بن أخزم بن أبي أخزم بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طئ صحابية جليلة كانت من أفضل وأجود واشرف نساء العرب نسبا وكرما وكانت ذا عقل ووقار وفطنة وذكاء وكانت إلى جانب ذلك تتمتع بالفصاحة والبلاغة والشعر وهي إبنة حاتم الطائي سيد قبيلة طئ وهي قبيلة عربية كبرى وتعد من أعظم القبائل العربية وكانت منازلها الأولى في منطقة حائل التي تقع شمالي نجد بشمال غرب شبه الجزيرة العربية وخرجت منها إلى الشمال بعد سيل العرم وكانت قبل الإسلام على الوثنية وعلى بقية من ديانة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام وكانت لهم أصنامهم الخاصة التي يعبدونها ثم ما لبث أن تنصر البعض منهم وقد قاومت هذه القبيلة الإسلام بشدة في بداية الدعوة الإسلامية بسبب موالاتها للدولة البيزنطية وقد تمثلت في هذه القبيلة مقومات المجتمع العربي كاملة ولعل أبرزها الكرم والفروسية فكان من رجالها المشهورين في هذا المجال سيدها حاتم الطائي وكان مضرب المثل في جوده وكرمه وأفعاله النبيلة وزيد الخير الطائي بما عرف به من فروسية وشجاعة حبث كان فارسا عظيما وراميا من الطراز الأول وإشتهر بأخلاقه الحميدة وخصاله النبيلة كما أنه كان علما من أعلام الجاهلية حيث عرف عنه بأنه كان من أجمل الرجال وأتمهم خلقة وأطولهم قامة حتى إنه كان يركب الفرس فتمس رجلاه الأرض وكان قد وفد على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة مع وفد من قبيلته ليعلنوا عن إسلامهم ومبايعتهم بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعله كان الفاتح الأول في الإسلام فيما إقترحه على النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال له يا رسول الله أعطني ثلاثمائة فارس وأنا كفيل بهم بأن أغير بهم على حدود الروم وأنال منهم فأكبره النبي صلى الله عليه وسلم وأكبر همته وقال له لله درك يا زيد أي رجلٍ أنت وكان ممن إشتهر منهم في الجاهلية أيضا إياس بن قبيصة والذى كان عامل كسرى على الحيرة العاصمة الثانية للفرس التي تقع على نهر الفرات بوسط العراق وكان حاتم الطائي كما أسلفنا مضرب الأمثال في الكرم والذى غطت شهرته جميع قبائل العرب حتى صار يضرب به المثل في الجود والكرم فكان إذا وصف الكرم يقال كرم حاتمي كما كان الشخص الكريم يمدح بمقولة أكرم من حاتم وقد تناقلت الأفواه عبر الزمان قصص كرمه وجوده فكان مقصدا لكل محتاج وغوثا لكل فقير ومسكين ولا يزال تراثنا العربي يحتفظ بكثير من هذه القصص التي دلت على مكارم الأخلاق والجود والكرم التي جسدها وكان كل من يقصده لا يخرج من عنده إلا وقد أغناه وقضى حاجته حتى يقول السائل له والله لقد رأينا منك أكثر مما سمعنا يعني عن جوده وكرمه وكان حاتم الطائي دائما ما يردد قدورى بصحراءَ منصوبة وما ينبح الكلب أضيافيه وإن لم أجد لنزيلي قرى قطعت له بعضَ أطرافيه وكان يقول لزوجته بأنه لا يأكل طعاما قط دون أن يشاركه فيه ضيف فكانت كثيرا ما تلومه على إسرافه في العطاء ووهب كل ما يملك فكان يخاطبها بقوله وعاذلة هبت بليل تلومني وقد غاب عيوق الثريا فعردا تلوم على إعطائيَ المال ضلة إذا ضن بالمال البخيل وصردا وأما أم سفانة فهي النوار بنت ثرملة البخترية من بني سلامان بن ثعل وهي من النساء الشريفات وتعود أصولها إلى بلاد اليمن وعاشت في الحيرة وغير معلوم لدينا بالتحديد تاريخ ميلاد سفانة بنت حاتم الطائي رضي الله عنها لكنها تربت في بيت شريف ومن الغريب أن أباها كان يكنى بإبنته سفانة فكان يقال له أبو سفانة رغم أنه كان له ولد أكبر منها فما السر في ذلك حيث لم تعرف العرب الكنية بالبنت سوى لمن لا ولد له وكان السر في ذلك أنه كان هناك عامل مهم ومشترك بين الأب حاتم وإبنته سفانة ميزها عن بقية أبنائه وهو ما إشتهرا به من الكرم والجود فقد روى أن أباها كان يهبها كثيرا من الإبل فتهبها لكل من يسألها فلما رآها تفعل ذلك قال لها يا إبنتي لا يجدر بنا أن نجتمع على مال واحد فينفد فإما أن تمسكي وأبقى أنا على حالي أو أن أمسك وتبقين على حالك فقالت والله لا أمسك أبدا فقال لها وأنا والله لا أمسك أبدا فما الحل فقالت فلا نتجاور ثم قاسمها ماله وتباينا وإفترقا .


وكانت وفاة حاتم الطائي قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم بست سنوات وظلت إبنته سفانة على كرمها وجودها الذى ورثته عن أبيها وسارت على نفس خطاه فلما بزغ نور الدعوة الإسلامية وإنتشرت الفتوحات التي حطمت أصنام الجاهلية كان من ضمنها فتح قبيلة طئ حيث أرسل النبي صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الاخر في العام التاسع الهجرى سرية مكونة من عدد مائة وخمسين فارسا من الأنصار على مائة بعير وخمسين فرسا بقيادة الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومعه راية سوداء كان يحملها سهل بن حنيف ولواء أبيض كان يحمله جبار بن صخر السلمي وكان دليله حريث من بني أسد فحطموا صنمهم الفلس وخربوه وملأوا أيديهم من السبي والنعم والشياه ودعوهم إلى نور الإسلام وكان فِي خزانة الفلس ثلاثة دروع وثلاثة أسياف أضيفت إِلى الغنيمة وإستعمل الإمام علي رضي الله عنه على السبي الصحابي الجليل أبا قتادة الأنصارى وعلى الماشية والرثة الصحابي عبد الله بن عتيك وقسم الغنائم في الطريق بعد أن عزل منها الخمس للنبي صلى الله عليه وسلم وكان عدى بن حاتم الطائي شقيق سفانة والذى كان قد ورث زعامة القبيلة بعد وفاة أبيه وكان من أشد الناس عداءا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع بحركة السرية وكان قد إعتنق النصرانية أخذ أهله وإنتقل إِلَى الجزيرة الفراتية وقيل إِلى الشام وأقام هناك وبذلك فتح الله على يد الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجاء بلواء النصر مرفرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه سبايا طئ كان من ضمنها سفانة بنت حاتم الطائي ولما جاء النبي صلى الله عليه وسلم لكي يستعرض الأسرى والسبايا وقفت سفانة أمامه وأرادت أن تعرف ما يفعل بها لتعرف هل هو نبي حقا أم لا فعندما يختار الله نبيا فإنه بالتأكيد يكون أفضل خلقه في حينه لأنه إصطفاه عليهم وحمله رسالته فقالت له وكانت امرأة جزلة وفصيحة إمنن علي من الله عليك فقد هلك الوالد وغاب الوافد ولا تشمت بي أحياء العرب فإني بنت سيد قومي كان أبي يفك الأسير ويحمي الضعيف ويقري الضيف ويشبع الجائع ويفرج عن المكروب ويطعم الطعام ويفشي السلام ولم يرد طالب حاجة قط أنا بنت سيد العرب حاتم الطائي وهكذا فقد أوضحت عن نسبها وحسبها كما بينت موقفها والحال الذى آلت إليه بعد أن مات أبوها وبلا شك فإن سفانة لم تقل كلماتها هذه إلا بعد أن رأت سمات النبل والشهامة والنجدة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا لكان الموت أهون عليها وهي بمكانتها من إستعطاف رجل ليس بأهل للمروءة والنخوة والسماحة وقد كان ظنها في موضعه فما أن أتمت سفانة حديثها حتى قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم يا جارية هذه صفة المؤمن لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه ثم قال لأصحابه خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق وقال أيضا لهم إرحموا عزيز قوم ذل وغنيا إفتقر وعالما ضاع بين جهال وقال لها صلى الله عليه وسلم لا تعجلي بالخروج حتى تجدى من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ثم آذنيني أى أخبريني .

وأقامت سفانة بالمدينة المنورة حتى قدم ركب من قومها وكانت تريد أن تأتي أخاها عدى بالشام فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت له يا رسول الله قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ فكساها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاها نفقة وأسلمت بين يديه وبايعته وإستأذنته صلى الله عليه وسلم بالدعاء لها فدعا لها فقالت أصاب الله ببرك مواقعه ولا جعل الله لك إلى لئيم حاجة ولا سلب نعمة عن كريم قوم إلا جعلك سببا في ردها ثم خرجت مع رهط قومها حتى قدمت الشام حيث كان أخوها عدى قد إستقر به المقام فلما قدمت إلى أخيها فسألها ما ترين في هذا الرجل يقصد النبي محمد صلى الله عليه وسلم فردت عليه قائلة أرى أن نلحق به ولما سألها عما دعاها إلى قولها هذا قالت له رأيت فيه خصالا تعجبني رأيته يحب الفقير ويفك الأسير ويرحم الصغير ويعرف قدر الكبير وما رأيت أجود ولا أكرم منه فإن يكن نبيا فللسابق إليه فضله وإن يكن ملكاً فأنت أنت فدهش عندما سمع كلام أخته ولكن شيئا فشيئا بدأ يفكر وقد عزم على أمر خطير ربما سيغير مجرى حياته إلى الأبد حيث صمم على الإرتحال إلى المدينة المنورة للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم تشجعه وتحثه على ذلك كلمات أخته التي يثق كل الثقة بحنكتها وعقلها وحكمتها وفطنتها فلا يمكن أن تخطئ أخته في مثل هذه الأمور الخطيرة وقدم عدى المدينة المنورة فإستشرف له الناس وقالوا جاء عدى بن حاتم جاء عدى بن حاتم ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وكان في أبهى زينه وقد علق الصليب في رقبته فسلم على النبي فقال له النبي من الرجل فقال عدى بن حاتم فقال له النبي يا عدي بن حاتم أسلم تسلم فرد حاتم قائلا إن لي دينا فقال له النبي أنا أعلم بدينك منك وألست ترأس قومك فقال عدى بلى فقال له النبي ألست تأكل المرباع أي ربع غنائم الحرب فرد عدى قائلا بلى فقال النبي فإن ذلك لا يحل لك في دينك يقول عدى فتضعضعت لذلك ثم قال يا عدى بن حاتم أسلم تسلم فإني قد أظن أنه ما يمنعك أن تسلم خصاصة أي حاجة وفقر تراها من حولي وتوشك الظعينة أى المرأة على البعير في الهودج أن ترحل من الحيرة بغير جوار آمنة مطمئنة حتى تطوف بالبيت ولعله يا عدى إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم فهم ضعاف وأيم الله لتوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم وإن كنوز كسرى بن هرمز قد صارت إليهم وليفيضن المال أو ليفيض حتى يهم الرجل من يقبل منه ماله صدقة وبعد هذا الحوار قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنطلق بحاتم إلى بيته وبينما هما في الطريق إذ بإمرأة ضعيفة كبيرة في السن إستوقفت النبي صلى الله عليه وسلم فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها ثم قضاها لها فقال عدى في نفسه والله ما هذا بملك ثم مضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دخل بعدى بيته تناول وسادة من جلد محشوة ليفا فقذفها إليه وقال له إجلس على هذه فقال عدى بل أنت فإجلس عليها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بل أنت فجلس عدى عليها وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأرض فعجيب هذا التواضع هو سيد الخلق وحبيب الحق بيته متواضع ليس في بيته من أثاث إلا هذه الوسادة فقال عدى بن حاتم في نفسه ثانية والله ما هذا بأمر ملك .

وهنا نتوقف قليلا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد اظهرت قصة لقاءه بسفانة ثم بأخيها عدى رضي الله عنه خلقا من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وهو التواضع ولين الجانب والذى كان في النهاية من أسباب دخول كليهما في الإسلام فحينما أقبل عدى على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمل في تصوره أن النبي صلى الله عليه وسلم أحد رجلين إما نبي أو ملك فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم توقفه في الطريق إمرأة كبيرة ضعيفة مدة طويلة تكلمه في حاجة لها قال عدى في نفسه والله ما هذا بملك ثم رأى النبي صلى الله عليه وسلم يجلس أمامه على الأرض وبيته صلى الله عليه وسلم لا ينطق بشئ من مظاهر الملك والغنى حينئذ شعر عدى بخلق التواضع عند النبي صلى الله عليه وسلم فإنسلخ من ذهنه تماما عامل الملك وإستقر في تصوره عامل النبوة وهذا درس لكل من يدعو إلى الله فعليه أن يتصف ويتحلى بخلق التواضع فالتواضع وخفض الجناح ولين الجانب كانت أوصافا له صلى الله عليه وسلم تخلق بها مع الكبير والصغير والقريب والبعيد ولا يملك من يقرأ سيرته ويطلع على أخلاقه إلا أن يمتلأ قلبه بمحبته فالناس مفطورون على محبة المتواضعين وبغض المتكبرين وأخبار تواضعه صلى الله عليه وسلم كثيرة وسيرته العطرة مليئة بها وما حفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه تكبر على أحد أو فاخر بنفسه أو مكانته وفضلا عن ذلك فقد تجلت حكمة النبي صلى الله عليه وسلم عندما بين لعدى أنه على علم بدينه الذى كان يعتنقه وبمخالفته له ومن ثم تيقن عدى من نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يعلم من دينه ما لا يعلمه الناس من حوله ولما ظهر للنبي صلى الله عليه وسلم أن عديا قد أيقن بنبوته وأنه قد إقتنع بحديثه تحدث عن العوائق التي تحول بين بعض الناس وإتباع الحق حتى مع معرفتهم بأنه حق ومنها ضعف المسلمين وعدم إتساع دولتهم وما هم فيه من الفقر آنذاك فطمأنه النبي صلى الله عليه وسلم بأن الأمن سيشمل البلاد حتى تخرج المرأة من العراق إلى مكة من غير أن تحتاج إلى حماية أحد وأن دولة الفرس ستقع تحت سلطان المسلمين وأن المال سيفيض حتى لا يقبله أحد فلما زالت عن عدى هذه المعوقات أسلم وخلع زينته والصليب الذى كان في رقبته وبايع النبي صلى الله عليه وسلم وحقا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حكيما في دعوته خبيرا بأدواء النفوس ودوائها فكان يدعو كل إنسان بما يلائم علمه وفكره ومشاعره ومن ثم وجد عدى سمات النبوة في الحكمة الباهرة في حديثه صلى الله عليه وسلم كما وجدها في تواضعه .

وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم تولى الخلافة أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأطلت الفتنة برأسها وإرتدت قبائل العرب عن الإسلام وكان عدى بن حاتم من الذين ثبتوا وتمسكوا بإسلامهم ولما قرر الخليفة العظيم أبو بكر الصديق تسيير عدد 11 جيش لقمع الردة كان عدى ضمن جيش خالد بن الوليد رضي الله عنه وأمره أبو بكر أن يبدأ بقبيلة طئ قبل أن يتوجه إلى البزاخة وهي ماء لطئ بمنطقة نجد بشمال غرب شبه الجزيرة العربية لمواجهة ردة بني أسد الذين كان يتزعمهم طليحة بن خويلد الأسدى الذى كان قد إنضمت إليه فُلول قبيلتي عبس وذبيان الذين كان قد هزمهم الخليفة أبو بكر الصديق عندما قرر أن يواجه المرتدين بجيش بقيادته في بداية حروب الردة كما إنحازت إليه قبائل غطفان وسليم ومن جاورهم من أهل البادية في شرق المدينة وفي شمالها الشرقي كما حاول إستقطاب طئ للإنضمام إليه عن طريق هذا الحلف الذى كان بينهم وبين بني أسد في الجاهلية فتعجل أقوام من جديلة والغوث وهما من طئ بالإنضمام إليه فبعث الخليفة أولا عدى بن حاتم الطائي حتى يدرك قومه طئ لكي يحاول إخراجهم من التحالف مع طليحة والعودة بهم إلى طاعة الخليفة ونجح عدى في إقناع الغوث بذلك لكن كان عليهم أن يسحبوا قواتهم الموجودة في معسكر طليحة خشية أن يقتلهم أو يرتهنهم فطلبوا من عدى أن يكف خالد عنهم حتى يستخرجوهم وإستحسن خالد هذا العرض وأمهلهم ثلاثة أيام مدركا في الوقت نفسه أن من شأن ذلك أن يكسبه قوة إضافية ويضعف من قوة خصمه وطلب قوات الغوث من طليحة أن يعودوا إلى منازلهم ليساعدوه في التصدى لزحف المسلمين فسمح لهم طليحة بالعودة فإنضم بذلك خمسمائة مقاتل منهم إلى صفوف المسلمين وإرتحل خالد بعد ذلك يريد جديلة فتدخل عدى بن حاتم أيضا وأقنع الجديليين بالعودة إلى حظيرة الإسلام ويبدو أن إنضمام الغوث إلى المسلمين شكل دافعا لهؤلاء لتغيير موقفهم وإنضم خمسمائة مقاتل منهم إلى صفُوف خالد فأضحى عدد جنوده خمسة آلاف بدلا من أربعة آلاف كما إنضمت قبيلة سليم إلى صفوف المسلمين وكانت لا تزال مترددة إلى أن زحف خالد نحو بني أسد لكي يلتقي بهم في البزاخة فخشيت على نفسها فقد كانوا يعلمون قدر خالد وأنهم لا قبل لهم به وإنتصر المسلمون في معركة البزاخة وفر طليحة بن خويلد الأسدى هو وزوجته من المعركة نحو الشام وشارك عدى بن حاتم رضي الله عنه بعد ذلك مع خالد بن الوليد رضي الله عنه في باقي حروبه مع المرتدين فشارك في معركة بني تميم في البطاح مع مالك بن نويرة ومنها إلي اليمامة لمواجهة مسيلمة الكذاب والتي كانت نهاية حروب الردة وكانت في شهر شوال عام 11 هجرية .

ولما بدأت حركة الفتوحات الإسلامية في بلاد العراق في عهد الخليفة العظيم أبي بكر الصديق رضي الله عنه كان عدى بن حاتم رضي الله عنه ضمن جيش خالد بن الوليد الذى كلفه الخليفة بالبدء في فتح بلاد العراق على أن يدخلها من جنوبها بداية من الكاظمة وهي بالكويت حاليا ثم التوجه نحو الأبلة على شط العرب عند إلتقاء نهرى دجلة والفرات ثم عليه أن يأخذ طريق الضفة الغربية لنهر الفرات ويكون هدفه فتح الحيرة العاصمة الثانية للفرس وكان عدى بن حاتم قائدا لميمنة المسلمين خلال تلك الفتوحات وإستطاع جيش المسلمين خلال عام 12 هجرية أن يكتسح حوض نهر الفرات من أقصى الجنوب حتى أقصى الشمال وتملك المسلمون جميع الأراضي غرب نهر دجلة وإنتقل عدى بن حاتم بعد ذلك مع خالد بن الوليد إلى جبهة الشام وشارك في فتوحات تلك البلاد وبعد ذلك كان من أنصار الإمام علي بن أبي طالب في خلافه مع معاوية بن ابي سفيان وأخيرا كانت وفاته رضي الله عنه في الكوفة على الأرجح عام 66 هجرية عن عمر يناهز 105 عام رحمه الله رحمة واسعة وجزاه الله خيرا عن الإسلام والمسلمين وفي النهاية لا يفوتنا أن نذكر أنه من خلال هذا المقال يتبين لنا الدور الكبير الذى قامت به سفانة بنت حاتم الطائي رضي الله عنها حتى إقتنع أخوها عدى بإعتناق الإسلام وفي الحقيقة كان للعديد من النساء الصحابيات أدوار كبيرة في دخول أشقائهن وأزواجهن في الإسلام نذكر منهم الدور المشهود الذى قامت به السيدة فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها شقيقة عملاق الإسلام والخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إسلامه والذى كان إسلامه فتحا وهجرته إلي المدينة المنورة نصرا وخلافته رحمة ونذكر هنا قول الصحابي صهيب الرومي رضي الله عنه لما أسلم عمر ظهر الإسلام ودعي إليه علانية وجلس المسلمون حول البيت حلقا وطافوا به وإنتصفوا ممن غلظ عليهم وردوا عليه بعض ما يأتى به وقال أيضا الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة المشرفة حتى أسلم عمر وما زلنا أعزة منذ أسلم وأيضا فهناك مثال آخر وهي السيدة أم سليم بنت ملحان الأنصارية التي بعد وفاة زوجها الأول مالك بن النضر تقدم لها كثير من الرجال كان على رأسهم أبو طلحة الأنصارى فكان ردها عليه أما إني فيك لراغبة وما مثلك يرد ولكنك رجل كافر وأنا إمرأة مسلمة ولا يمكن لمؤمنة الزواج من مشرك وأفلا تستحي يا رجل أن تعبد خشبة من نبات الأرض نجرها حبشي وأنا لا أريد ذهبا ولا فضة أريد الإسلام فإن تسلم فذاك مهرى لا أسألك غيره وقالت ذلك بكل كبرياء فأحس أبو طلحة بالهزيمة وكان رجلا ذا مكانة وذا مال في المدينة المنورة لكن لم تردها هذه المغريات عن دينها لأنها كانت تتمتع بحلاوة الإسلام وبدفء الإيمان وثبات العقيدة وفصاحة اللسان ولما سمع أبو طلحة منها ما قالته سألها ماذا إنني فاعل فأشارت عليه بالذهاب لرسول الله صلي الله عليه وسلم فذهب إليه وكان الرسول جالسا بين أصحابه فتبسم الرسول له وقال أتانا أبو طلحة وغرة الإسلام في عينيه فجلس بجوار النبي صلي الله عليه وسلم وحكى له ما دار بينه وبين أم سليم ففهم الصحابة رضوان الله عليهم أن أم سليم إستطاعت بحنكتها وذكاءها وفصاحتها أن تدخل الإسلام إلى قلب أبي طلحه فأرسل النبي صلي الله عليه وسلم إلى أم سليم فأتت ومثلت بين يديه فأمر أبا طلحة بدفع مهرها فتقدم ونظر إليها نظرة إجلال وإحترام وأشهر إسلامه ونطق بالشهادتين فقبلت الزواج منه وبذلك كانت قصة زواجها قصة لم تتكرر في التاريخ مثلها فكانت أول إمرأة جعلت مهرها إسلام زوجها حيث صارت سببا في دخول أبي طلحة في الإسلام فحازت بذلك على الفضيلة التي وعد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله فوالله لأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم وأخيرا نختم بمثال ثالث وهو السيدة أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومية رضي الله عنها والتي كان لها الدور الكبير في إسلام زوجها عكرمة بن أبي جهل الذى صار من قادة المسلمين في حروب الردة ثم في فتوحات الشام وكان رضي الله عنه من شهداء معركة اليرموك مع الروم في شهر رجب عام 13 هجرية .