الأحد, 15 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

أم أيمن بركة بنت ثعلبة

 أم أيمن بركة بنت ثعلبة
عدد : 09-2023
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"


أم أيمن بركة بنت ثعلبة بن عمر بن حصن بن مالك بن عمر النعمان الحبشية صحابية جليلة وهي حاضنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومربيته كان ميلادها بالحبشة وغير معلوم لنا سنة ميلادها بالتحديد ولما جاء أبرهة الحبشي إلى مكة قاصدا هدم بيت الله الحرام بعد أن كان قد بنى كنيسة باليمن سماها القليس وكان يريد أن يفد العرب لزيارتها بدلا من بيت الله الحرام وسلط الله عليه طيرا أبابيل كما جاء في القرآن الكريم في سورة الفيل وأبيد جيشه غنمتها قريش وبيعت في مكة المكرمة وكانت العبودية عادة متأصلة في المجتمع الجاهلي قبل الإسلام وكان العبيد والإماء يعاملون أسوأ أنواع المعاملة ولكن شاءت الأقدار لها أنها حظيت بمعاملة ممتازة حيث أنها بفضل الله تعالى بيعت إلى والدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم والسيدة آمنة بنت وهب وعاشت في مكة المكرمة في بيتهما وكانا يعاملانها أحسن معاملة وعندما حملت السيدة آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم إعتنت بها بركة وحدث أن خرج عبد الله من مكة متوجها إلى غزة في قافلة تجارية لقريش وفي طريق عودة القافلة وأثناء مرورها بالمدينة المنورة مرض عبد الله فقرر البقاء عند أخواله من بني النجار على أمل اللحاق بالقافلة إلى مكة عندما يشفى من مرضه فمكث عندهم شهرا ثم توفي وكان عمره 25 عاما ودفن في دار تسمى دار النابغة وهو رجل من بني عدى بن النجار وكانت زوجته آمنة آنذاك قد أتمت شهرين في حملها وترك عبد الله وراءه خمسة جمال وقطيع من الغنم وجاريته بركة الحبشية والتي بقيت إلى جوار السيدة آمنة حتى أتمت شهور الحمل وشهدت ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الواقع تعتبر السيدة بركة هي الإنسان الوحيد الذى رافق رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ ولادته وحتى وفاته وعاصرت الكثير من الأحداث الإسلامية وعندما بلغ الطفل محمد السنة السادسة من عمره وكان يعيش في مكة المكرمة مع والدته تحت رعاية جده سيد قريش عبد المطلب بن هاشم ولما وصل الرسول صلى الله عليه وسلم سن السادسة قامت والدته بزيارة المدينة المنورة وإصطحبته معها هي ومربيته بركة كي تقوم برعاية الطفل لزيارة بني النجار أخوال أبيه ولزيارة قبره لأول مرة وإرتحلوا على ظهر ناقتين ووصلوا المدينة المنورة ونزلت عند أخوال زوجها الراحل وبعد أن اقامت في المدينة لمدة شهر تقريبا كانت تزور قبر زوجها خلاله يوميا قررت السيدة آمنة العودة إلى مكة وعندما وصلوا الى مكان يسمى الأبواء على منتصف الطريق إلى مكة مرضت وأخذ المرض يشتد عليها وسهرت عليها بركة تمرضها بما كان معها من أعشاب وعقاقير ولكن صحتها كانت تزداد سوءا يوما بعد يوم حتى توفاها الله ودفنت هناك وقد ذكرت السيدة بركة أن السيدة آمنة وقعت على الأرض فحاولت رفعها وما أن رفعتها إلا وجدتها ترفع كفيها تريد أن تضم إبنها الطفل محمدا ثم أسلمت الروح فأخذت بركة تمسح رأس اليتيم محمد ثم قالت له عاوني لكي نحفر قبر أمك فساعدها في الحفر وهو يبكي وتقول بركة ثم دفناها وأمسكت بيده وهو يقول أمي أمي وسرنا في الطريق إلى مكة فلما وصلا أخذت بركة الطفل اليتيم إلى بيت جده عبد المطلب الذي سأله حينما رآه أين أمك قال ماتت فضمه إليه وقال أنت إبني وقد أحبه جده عبد المطلب حبا شديدا وكثيرا ما كان يوصي حاضنته أم أيمن قائلا لها يابركة لا تغفلي عن إبني فإني وجدته مع غلمان قريبا من السدرة وإن أهل الكتاب يزعمون أن إبني هذا نبي هذه الأمة وبعد وفاة الجد و كان النبي قد بلغ من العمر 8 سنوات إنتقلت معه إلى دار عمه أبي طالب دون غيره من الأعمام وهكذا إحتضنت السيدة بركة النبي صلى الله عليه وسلم منذ أول دقيقة في حياته ورعته رعاية الأب والأم وعوضته عن حنانهما بعد وفاة أبيه عبد الله الذى لم يره ووالدته آمنة ولما كبر وبلغ سن الخامسة والعشرين عاما وتزوج من أم المؤمنين الأولى السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها عاشت بركة معهما في بيتهما ولم تتركه أبدا وكان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يناديها يا أماه ثم ما لبث أن أعتقها وزوجها عبيد بن زيد بن الحارث الخزرجي والذى إنتقلت معه إلى المدينة المنورة وهناك مات زوجها بعد أن أنجبت له أيمن فصارت بعد ذلك تكنى بأم أيمن وفقًا للعرف العربي فعادت إلى مكة المكرمة .

وعاشت السيدة أم أيمن رضي الله عنها بعد عودتها لمكة المكرمة في كنف النبي صلى الله عليه وسلم ومع بداية الدعوة أسلمت هي وإبنها أيمن وقيل أسلمت مبكرا بعد السيدة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة ولما إشتد إيذاء المشركين بمكة للمسلمين هاجرت إلى الحبشة مع من هاجروا ثم عادت يعد فترة مع من عادوا إلى مكة المكرمة وحدث أن كان الرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم يجتمع بأصحابه في دار الأرقم بن أبي الأرقم فذهبت إليه أم أيمن فأخبرته بأمر كانت السيدة خديجة قد كلفتها به ولما إنصرفت من عند رسول الله نظر إلى أصحابه وقال لهم من منكم يريد أن يتزوج إمرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن وسكت الصحابة جميعا ولم يجب أحد منهم بشئ ذلك أن أم أيمن لم تكن إمرأة جميلة يطمع فيها الرجال فقد كانت في الخمسين من عمرها كما كانت هزيلة الجسم سوداء اللون ولكن تقدم إلى الرسول زيد بن حارثة وتزوج بها وكان زيد قد إختطف من أمه وتم بيعه في مكة المكرمة لحكيم بن حزام إبن شقيق السيدة خديجة رضي الله عنها والذى أهداه لعمته السيدة خديجة فلما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم أهدته له ليكون خادمه ثم أعتقه النبي وصار يسمى زيد بن محمد قبل أن يتم تحريم التبني في الإسلام فعاد إليه إسمه زيد بن حارثة وقد أنجبت له السيدة بركة أسامة بن زيد الذى كان يلقب بحب وإبن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وبعد أن إستقر فيها أرسل زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى مكة المكرمة ليصطحب زوجته أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي الله عنها وإبنتيه أم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهما وأم أيمن رضي الله عنها وإبنها أسامة بن زيد رضي الله عنهما ومرت الأيام وجاءت غزوة أحد في شهر شوال عام 3 هجرية وخرجت السيدة أم أيمن مع جيش المسلمين هي وبعض الصحابيات الفضليات مثل السيدة صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم والسيدة حمنة بنت جحش إبنة السيدة أميمة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم والسيدة أم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية والسيدة رفيدة بنت سعد الأسلمية الأنصارية رضي الله عنهن جميعا لسقاية الماء ومداواة الجرحى والمصابين ولما رأت فرار الرجال من المعركة بعد أن خالف الرماة أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخلوا عن مواقعهم فوق جبل الرماة فإنكشف ظهر المسلمين للمشركين وبعد أن كانت الكفة في صالح المسلمين إنقلبت لتكون في صالح المشركين فكانت تحثو التراب في وجوه الذين فروا وتقول هاك المغزل وهات سيفك ودافعت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف لما رأت الناس تفر من حوله وأبدت شجاعة منقطعة النظير وأصيبت بسهم ثم إتجهت نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم تستطلع أخباره حيث كانت قد سرت شائعة بأنه قد قتل حتى إطمأنت على سلامته فإطمأن قلبها .

وفي شهر المحرم عام 7 هجرية كانت غزوة خيبر حيث قرر الرسول صلى الله عليه وسلم الخروج لهذه الغزوة بعد أن إطمأن من ناحية أقوى أجنحة الأحزاب الثلاثة الذين تحالفوا على المسلمين في غزوة الأحزاب أو الخندق وحاصروا المدينة خلالها والتي كانت في شهر شوال عام 5 هجرية وهو قريش حيث أمن من ناحية قريش تماما بعد صلح الحديبية الذى عقد في شهر ذى القعدة عام 6 هجرية وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحاسب الجناحين الباقيين من الأحزاب اليهود وقبائل نجد حتى يتم تحقيق الأمن والسلام ويسود الهدوء في منطقة شبه الجزيرة العربية ويستريح المسلمون من الصراع الدامي المتواصل لكي يتفرغوا إلى تبليغ رسالة الله والدعوة إلي دين الله الحنيف ولما كانت مدينة خيبر والتي تقع علي بعد حوالي 70 كم شمالي المدينة هي وكرة الدس والتآمر ومركز الإستفزازات العسكرية والتحرشات وإثارة الحروب ضد المسلمين فمن ثم كانت هي الجديرة بإهتمام المسلمين وضرورة غزوها للتخلص من هذا الوكر التآمرى وكانت هذه المدينة مليئة بالحصون وكان الجديد في تلك الغزوة وما يختلف عن الغزوات السابقة هي حصون اليهود وقلاعهم التي أقاموا بها فمحاولة الهجوم عليهم تتطلب جهداً ضخما وتعبئة مناسبة ومؤونة كافية للجيش لفترة طويلة والمسلمون لا يملكون هذه الطاقات في مقابل اليهود الذى قيل عنهم وهم أهل الحصون التي لا ترام وسلاح وطعام كثير وماء متوفر يشربونه في حصونهم ولو حوصروا لسنين لكفاهم وما كان لأحد بهم من طاقة كما أن المسلمين لم يكن لهم آنذاك خبرة سابقة في قتال أهل الحصون إلا ما كان من بني قريظة يوم حربهم وفضلا عن ذلك فكان في هذه الحصون عشرة آلاف مقاتل من اليهود منهم آلاف يجيدون الرمي وكانت أيضا ممتلئة بالمال وكان اليهود يعملون بالربا مع جميع البلدان ولا ننسى أن أهل خيبر هم الذين كانوا قد حزبوا الأحزاب ضد المسلمين وأثاروا بني قريظة على الغدر والخيانة ثم أخذوا في الإتصال بالمنافقين الطابور الخامس في المجتمع الإسلامي وبقبائل غطفان وأعراب البادية وكانوا هم أنفسهم يستعدون للقتال وعاش المسلمون بسببهم محنا متواصلة إضطرتهم إلى الفتك ببعض رؤوسهم أمثال أبي رافع سلام بن أبي الحقيق وأسير بن زارم ولكن كان لابد من عمل أكبر من ذلك إزاء هؤلاء اليهود المتآمرين وما كان يمنع النبي صلى الله عليه وسلم من مجابهتهم إلا وجود عدو أكبر وأقوى وألد ألا وهو قريش وقد إختلفت تلك الغزوة عما قبلها من غزوات إذ أنها كانت أول غزوة تأتى بعد وقعة بني قريظة وصلح الحديبية لتدل بذلك على أن الدعوة الإسلامية قد دخلت مرحلة جديدة من بعد صلح الحديبية فقد وضع الرسول صلى الله عليه وسلم مبدأ هو أن نغزو أعداءنا قبل أن يغزونا ولا نسمح لهم بالإقتراب من المدينة المنورة حصن الإسلام الحصين وكانت الخطوة الأولى في هذه المرحلة هي ضرورة القضاء على هذه البؤرة التآمرية التي تهدد الإسلام والمسلمين والإستقرار والهدوء في شبه الجزيرة العربية وخرجت أم أيمن أيضا كما كان حالها في غزوة أحد تسقي العطشى وتداوى الجرحى والمصابين والتخفيف عنهم نفسيا ودفعهم إلى المزيد من التضحيات بعد الإستشفاء مع نفر من نساء المسلمين حيث قمن بتخصيص خيمة لتقديم الخدمة الطبية للمقاتلين في سبيل الله أى أنهن أقمن مستشفى ميداني بمفهوم العصر الحديث وإنتهت الغزوة بفتح حصون خيبر وتأديب اليهود الذين خانوا عهودهم مع المسلمين وهددوا أمنهم وإستقرارهم وحدد الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء المجاهدات وعلى رأسهن السيدة أم أيمن نصيبا من الغنائم إعترافا بهذا الدور الكبير .


وفي شهر جمادى الأولى عام 8 هجرية كانت غزوة مؤتة والتي كانت بين جيش المسلمين وبين جيش الغساسنة والروم وكان السبب في هذه الغزوة قيام شرحبيل بن عمرو الغساني بقتل الحارث بن عمير الأزدي مبعوث النبي صلى الله عليه وسلم والذى أرسله النبي يحمل رسالة إلى ملك بصرى بجنوب سوريا يدعوه فيها إلى الإسلام وكانت تعتبر هذه الغزوة أول غزوة يخوضها المسلمون خارج حدود الجزيرة العربية وكان قد تم حشد عدد ثلاثة آلاف مقاتل للخروج في هذه الغزوة بهدف الثأر لمبعوث الرسول صلى الله عليه وسلم حيث أن الرسل لا تقتل كما كانت تقضي التقاليد آنذاك وقبل خروج الجيش من المدينة المنورة عين الرسول صلى الله عليه وسلم قادة الجيش فقال قائد الجيش زيد بن حارثة فإن قتل فجعفر بن أبي طالب فإن قتل فعبد الله بن رواحة فإن قتل فإختاروا من شئتم وأثناء سير الجيش جاءت الأخبار بأن الغساسنة قد حشدوا جيشا قوامه 100 ألف مقاتل ودعمهم الإمبراطور البيزنطي الذين كانوا حلفاء له بجيش قوامه أيضا 100 ألف مقاتل فقرر المسلمون الدخول إلى قرية مؤتة وهي بالأردن حاليا وفيها نخيل وشجر كثيف وبذلك ضاقت جبهة المواجهة بين جيش المسلمين وجيش الغساسنة والروم وعلى ذلك فلن يستطيع جيش الغساسنة والروم مواجهة جيش المسلمين إلا بنفس عدده وصمد الثلاثة آلاف مقاتل مسلم أمام جيش الغساسنة والروم لمدة ستة أيام كاملة وفي اليوم السادس تكاثر الغساسنة على زيد بن حارثة قائد الجيش فقتلوه فتولى القيادة جعفر بن ابي طالب فتكاثروا عليه أيضا وقتلوه فتولى القيادة عبد الله بن رواحة فتكاثروا عليه أيضا وقتلوه وإختار المسلمون خالد بن الوليد قائدا عليهم وكان لم يمر على إسلامه سوى 3 اشهر فقط وإنتهت المعركة في اليوم السابع بعد قيام قائد الجيش خالد بن الوليد بإنسحاب تكتيكي ناجح وبأقل الخسائر بعد أن نفذ خطة عبقرية لهذا الإنسحاب مازالت تدرس حتى اليوم في الكليات والأكاديميات العسكرية حول العالم ومنذ ذلك اليوم أطلق عليه النبي صلى الله عليه وسلم لقب سيف الله المسلول وإستشهد في هذه الغزوة من المسلمين إثنا عشر رجلا أما الرومان فقتل منهم ثلاثة آلاف وثلاثمائة وخمسون رجل ولما بلغ السيدة أم أيمن نبأ إستشهاد زوجها الثاني زيد بن حارثة إحتسبته عند الله وصبرت على فراقه وفي نفس العام وفي شهر شوال وبعد فتح مكة شهدت أم أيمن مع إبنها ايمن يوم حنين وفي بداية هذه الغزوة كادت الهزيمة أن تلحق بالمسلمين ففر بعض الصحابة لهول الموقف وقد صور الله شدة الموقف قائلا لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ إلا أن أم أيمن هي وإبنها كانا ممن ثبتوا في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وظل أيمن يقاتل حتى إستشهد في تلك الواقعة وفيها كانت تنادى المسلمين وكانت عسراء اللسان قائلة سبت الله أقدامكم تقصد ثبت فقال لها النبي إسكتي يا أم أيمن فإنك عسراء اللسان وقام عمه العباس بن عبد المطلب بالنداء على المسلمين لكي يعودوا إلى ساحة المعركة وتمكن الرسول صلى الله عليه وسلم من بث روح الجهاد في نفوس المسلمين من جديد وقد كان أصابهم الخوف والذعر وأوشكوا على الفرار الكامل وتسجيل الهزيمة النكراء فإجتمع المسلمون ثانية وهجموا هجمة واحدة على المشركين ومضى علي بن أبي طالب إلى صاحب راية هوازن فقتله وبعد مقتله كانت الهزيمة للمشركين وهكذا كتب الله النصر لرسوله الكريم ونصره بجنود من الملائكة وإلى هذا النصر يشير القرآن الكريم في سورة التوبة بقول الله تعالى ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ وهكذا فبعد 5 أشهر من إستشهاد زيد بن حارثة رضي الله عنه زوج أم أيمن رضي الله عنها كان إستشهاد إبنها أيمن فإحتسبته أيضا عند الله وصبرت على مصابها الأليم .


ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وعلمت بهذا النبأ أجهشت أم أيمن بالبكاء مع أنها صبرت عند وفاة زوجها الأول عبيد بن زيد بن الحارث الخزرجي وصبرت أيضا عند وفاة زوجها الثاني زيد بن حارثة رضي الله عنه في غزوة مؤتة ثم صبرت للمرة الثالثة عند وفاة إبنها أيمن رضي الله عنه يوم حنين لكنها عندما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاها الصحابيان الجليلان أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما يزورانها فلما رأتهما بكت فقالا لها ما يبكيك فقالت أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صار إلى خير مما كان فيه ولكني أبكي لخبر السماء إنقطع عنا فأخذ سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر يبكيان معها ورثته بأبيات من الشعر حيث قالت عين جودى فإن بذلك للدمع شفاء فأكثرى من البكاء حين قالوا الرسول أمسى فقيدا ميتا كان ذاك كل البلاء وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وفاته قد ولى أسامة بن زيد قيادة جيش المسلمين المتوجه لتأديب القبائل العربية المتحالفة مع الروم وللثأر من قتلة أبيه وكان ذلك في شهر صفر عام 11 هجرية قبل وفاة الرسول بحوالي شهر وتأخر أسامة بالجيش لما بلغه نبأ مرض الرسول صلى الله عليه وسلم وإنتظر حتى وصل الخبر بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فلما إستخلف أبو بكر الصديق رضي الله عنه سار إلى الجرف قرب المدينة المنورة حيث كان الجيش قد إحتشد فأمر أسامةَ رضي الله عنه أن يسير بالجيش إلى الوجهة التي وجهه إليها الرسول صلى الله عليه وسلم ومشى معه أبو بكر الصديق رضي الله عنه يودعه وأسامة رضي الله عنه راكب فرسه فإستحي منه وقال يا خليفة رسول الله إما أن تركب وإما أن أنزل فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه والله لا تنزل ولا أركب وما علي أن أغبر قدمي ساعةً في سبيل الله ثم ودع أسامةَ رضي الله عنه والجيش وأوصاه بوصية جامعة تصلح أن تكون أساسا لقوانين الحرب والجهاد في كل زمان ومكان كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال له سيروا على بركة الله وإغزوا بإسم الله وقاتلوا من كفر بالله ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا شيخا كبيرا ولا إمرأة ولا طفلا ولا تقطعوا شجرة ولا تذبحوا شاة إلا للأكل ومضى أسامة رضي الله عنه إلى وجهته وأدى المهمة المطلوبة منه على خير وجه ورجع رضي الله عنه من تلك الغزوة ظافرا منتصرا وشارك بعد ذلك في حروب الردة في عهد الخليفة ابي بكر الصديق والفتوحات التي تلتها في عهد الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم جميعا وقد واظب سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر رضي الله عنهما على زيارة أم أيمن رضي الله عنها بعد ذلك في منزلها كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما إستشهد سيدنا عمر بن الخطاب في أواخر عام 23 هجرية بعد عودته من موسم الحج عندما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي وهو إمام للمسلمين في صلاة الفجر بكت أم أيمن رضي الله عنها عليه بكاءا شديدا وقالت اليوم وهى الإسلام .


وبعيدا عن جهاد السيدة أم أيمن رضي الله عنها فقد كانت راوية للحديث النبوى الشريف وكانت العلاقة بيتها وبين النبي صلى الله عليه وسلم تتسم بالألفة والمودة وكان دائما يضحك معها ويمازحها ومن ذلك أنها جاءت ذات مرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له إحملني فقال أحملك على ولَد الناقة فقالت يا رسول الله إنه لا يطيقني ولا أريده فقال لا أحملك إلا على ولد الناقة قاصدا أن يمازحها حيث كان يقصد أن الإبل كلها تلدها النوق وهي كانت تظن أنه سيحملها على جمل صغير فلن يحتمل وزنها ورسول الله يصر ويقول لا على ولد الناقة فقط وهكذا كانت العلاقة بينهما قوية جدا مثل أي أم وولدها وكانت أحيانا تجبره على أن يأكل من أكلها فقد روى أن النبي ذهب مع أنس رضي الله عنه إلى أم أيمن يزورانها فقربت له طعاما أو شرابا فإما كان صائما وإما لم يرده فجعلت تخاصمه أى تقول له كل وكانت تبكي لبكائه أيضا فقد ورد في سنن الإمام النسائي عن الإمام عبد الله بن عباس قال لما حضرت بنت صغيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فَأَخذها الرسول وضمها إلى صدره ثم وضع يده عليها فقضت وهي بين يديه فبكت أم أيمن فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم يا أم أيمن أتبكين ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندك فقالت ما لي لا أبكي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي فقال الرسول إني لست أبكي ولكنها رحمة ثم قال المؤمن بخير على كل حال تنزع نفسه من بين جنبيه وهو يحمد الله عز وجل وحيث أنها كانت عسراء اللسان كما أسلفنا فرخص لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تقول السلام فقط حيث كانت رضي الله عنها لا تستطيع قول السلام عليكم حيث كانت تقول لا سلام أو سلام لا عليكم وفضلا عن ذلك فقد كانت من ضمن من دافع عن السيدة عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك وعندما سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها قالت حاشا سمعي وبصرى أن أكون علمت أو ظننت بها قط إلا خير وأخيرا كانت وفاتها على الأرجح في أوائل خلافة الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه وصلى عليها ودفنت بالبقيع .