بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن ثمامة بن مطرود بن عمرو بن سعيد بن دهير بن لؤي بن ثعلبة بن مالك بن الشريد بن أبي أهون بن قاس بن دريم بن القين بن أهود بن بهراء بن عمرو بن الحاف بن قضاعة صحابي جليل من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وكان من السابقين إلى الإسلام وكان من أوائل من أظهر الإسلام بمكة المكرمة فقد روى الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه والذى كان أيضا من السابقين إلى الإسلام أنه كان أول من أظهر إسلامه في مكة المكرمة في بداية الدعوة إلى الإسلام سبعة غير رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أبو بكر الصديق وعمار بن ياسر وأبوه ياسر وأمه سمية بنت خياط وبلال بن رباح وصهيب بن سنان الرومي والمقداد بن عمرو رضي الله عنهم جميعا وأما عن وجوده في مكة فقيل إنه أصاب دما في كندة فهرب إلى مكة المكرمة وحالف الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب وكان سيدا من ساداتها هو وقيل إنه أصاب دما في قبيلته بهراء فهرب منهم إلى كندة فحالفهم ثم أصاب فيهم دما فهرب إِلى مكة وحالف الأسود بن عبد يغوث الذى تبناه فكان يدعى المقداد بن الأسود وقيل أيضا إن عمرو بن ثعلبة والده كان من شجعان قومه وكان يتمتع بجرأة عالية دفعته إلى قتل بعض أفراد بني قومه فإضطر إلى الجلاء عنهم حفاظا على نفسه من طلب الثأر فلحق بحضرموت وحالف قبيلة كندة التي كانت تحتل مكانة مرموقة بين القبائل العربية فكان يقال له الكندى وتزوج هناك إمرأة أنجبت له المقداد رضي الله عنه ولما كبر وقع بينه وبين أبي شمر بن حجر الكندى خلاف فضرب رجله بالسيف وهرب إلى مكة وهناك حالف الأسود بن عبد يغوث الذى تبناه حتى نزلت آية سورة الأحزاب إدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ومن ثم تم إبطال التبني فدعي مرة أخرى بإسمه المقداد بن عمرو وكان ميلاد المقداد على الأرجح عام 37 هجرية ولما بلغ سن الشباب تعلم الفروسية وفنون القتال وأصبح فارسا شجاعا عالي الهمة طويل الأناة كما وصف بأنه كان طيبا زاهدا رفيع الخلق وعن صفاته فقد كان رجلا طويلا كثير الشعر واسع العينين له لحية ليست بالخفيفة ولا بالكثيفة وكان له حاجبين مهيبين وكان من الفضلاء النجباء الخيار وقد أحبه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وطلب من المسلمين أن يحبوه فقد روى الترمذى وإبن ماجه عن سليمان وعبد الله إبني بريدة عن أبيهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله عز وجل أمرني بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم علي والمقداد وأبو ذر وسلمان وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أيضا أنه قال لم يكن نبي إلا أعطي سبعة نجباء وزراء ورفقاء وإِني أعطيت أربعة عشر حمزة وجعفر وأبو بكر وعمر وعلي والحسن والحسين وإبن مسعود وسلمان وعمار وحذيفة وأَبو ذر والمقداد وبلال وعن قصة إسلام المقداد بن عمرو رضي الله عنه فيروى أنه كان من المبادرين الأوائل بإعتناق الإسلام كما أسلفنا لكنه كان يكتم إسلامه عن حليفه الأسود خوفا منه على دمه خاصة أن الأسود كان أحد طواغيت قريش وأحد المعاندين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه كان يتحين الفرص للتخلص من ربقة الحلف معه والذى أصبح يشكل بالنسبة له ضربا من العبودية وشارك في الهجرة الثانية إلى الحبشة ثم عاد إلى مكة المكرمة وظل بها يتحين الفرصة للإنضمام للنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بعد هجرته إليها .
وفي السنة الأولى للهجرة جاءت الفرصة للصحابي الجليل المقداد بن عمرو رضي الله عنه في أن يلحق بركب الرسول صلى الله عليه وسلم وأن يكون واحدا من الصحابة المجاهدين المخلصين وذلك عندما بعث رسول الله صلى عليه وسلم عبيدة بن الحارث فِي سرية تعد ثاني السرايا التي أرسلها النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة إلى المدينة المنورة وكان الهدف من هذه السرايا هو إعتراض قوافل قريش التجارية المتجهة إلى الشام أو العائدة إلى مكة إضافة إلى العمل على عقد تحالفات مع القبائل المسيطرة على طرق التجارة بين مكة والشام وكانت سرية عبيدة بن الحارث وجهتها مدينة رابغ التي تقع شمالي جدة على ساحل البحر الأحمر وهي ميقات أهل مصر وكانت في شهر شوال على رأس ثمانية أشهر من الهجرة إلى المدينة المنورة وكان تعداد السرية ستين رجلا من المهاجرين ليس فيهم أنصارى وعقد لعبيدة لواء أبيض كان الذى حمله مسطح بن أثاثة إبن خالة أبي بكر الصديق ولقيت السرية أبا سفيان بن حرب وهو في مائتين من أصحابه وهو على ماء يقال له أحياء من رابغ ومن جاء من وراءهم على عشرة أميال من الجحفة وهي ميقات أهل الشام ومن جاء عن طريقهم ويقع بالقرب من مدينة رابغ ويبعد عن مكة المكرمة مسافة 183 كم وكان بين الفريقين الرمي فقط حيث لم يسلوا السيوف ولم يصطفوا للقتال وإنما كانت بينهم المناوشة إلا أن سعد بن أبي وقاص قد رمي يومئذ بسهم فكان أول سهم رمي به في الإسلام ثم إنصرف الفريقان وفي رواية ابن إسحاق أنه كان على القوم عكرمة بن أبي جهل وليس أبي سفيان وكان المقداد بن عمرو وعتبة بن غزوان رضي الله عنهما قد خرجا مع المشركين بهدف الوصول إلى المسلمين وبالفعل فقد إنحاز المقداد وعتبة إِلَى المسلمين وذهبا إلى المدينة المنورة للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبدأ كل منهما رحلته في الجهاد وآخى الرسول بين المقداد رضي الله عنه وبين الصحابي عبد الله بن رواحة الأنصارى رضي الله عنه وفي شهر رمضان في العام الثاني للهجرة كانت غزوة بدر الكبرى لتشهد ميلاد أحد فرسان الإسلام الشجعان الذين يتقدمون الصفوف ليقدموا ارواحهم لنصرة دين الحق ويروى عن إبن إسحاق أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار إلى بدر الخبر عن مسير قريش ليمنعوا عيرهم فجمع النبي صلى الله عليه وسلم من خرجوا معه وقال لهم أشيروا علي أيها الناس فقال أبو بكر الصديق فأحسن القول فكرر الرسول قوله أشيروا علي أيها الناس فقال عمر فَأَحسن فقال الرسول للمرة الثالثة أشيروا علي أيها الناس فقام المقداد بن عمرو قائلا يا رسول الله إمض لما أمرت به فنحن معك ووالله لا نقول كما قال أصحاب موسى له إذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون بل نقول إذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذى بعثك بالحق نبيا لو سرت بنا إلى برك الغمام العماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه ما تخلف منا رجل واحد يقصد لو طلبت منا أن نذهب معك إلى أبعد مكان على وجه الأرض لذهبنا معك ولنقاتلن معك عن يمينك وعن شمالك وبين يديك ومن خلفك فأشرق وجه النبي صلى الله عليه وسلم وسره ما قاله المقداد وقال له خيرا ودعا له وكان لتلك الكلمات الفاضلة التي أطلقها المقداد بن عمرو أثرها الكبير في نفوس الحشد الصالح المؤمن فإستبسلوا ومعهم المقداد رضي الله عنه في قتال المشركين يومذاك وأظهروا شجاعة نادرة ولم يكن مع المسلمين في هذا اليوم من يقاتل على فرس سوى المقداد بن عمرو والزبير بن العوام رضي الله عنهما وكانا أول من جاهدا بفرس في سبيل الله وكتب الله النصر للفئة المؤمنة وهزم المشركون شر هزيمة وقتل قادتهم وصناديدهم أبو جهل وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة بن ربيعة وعقبة بن ابي معيط .
وبعد غزوة بدر شاهد المقداد بن عمرو رضي الله عنه المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث شهد أحد والخندق وخيبر وفتح مكة وحنين وحصار الطائف وتبوك كما حضر صلح الحديبية وبيعة الرضوان وبعد وفاة النبي محمد شارك المقداد في فتوح الشام ومصر حيث حضر معركة اليرموك في شهر رجب عام 13 هجرية وإختاره قائد جيش المسلمين خالد بن الوليد ليكون القارئ فيها لسورة الأنفال بين الجنود كما إعتاد المسلمون في حروبهم ومعاركهم لبث الحماس في نفوس الجند وتذكيرا لهم بأن الله ناصر دينه ولو كره الكافرون وإستبسل جند المسلمين في تلك المعركة تحت القيادة العبقرية لعبقرى الحرب خالد بن الوليد حتي تحقق النصر للمسلمين بعد ستة أيام من القتال الشرس فكانت معركة اليرموك من أعظم المعارك الإسلامية وأبعدها أثرا في حركة الفتح الإسلامي فقد لقي جيش الروم أقوى جيوش العالم يومئذ هزيمة قاسية وفقد زهرة جنده وقد أدرك الإمبراطور البيزنطي هرقل الذى كان في حمص حجم الكارثة التي حلت به وبدولته فغادر سوريا نهائيا وقلبه ينفطر حزنا وهو يقول وداعا يا سوريا لا لقاء بعده وقد ترتب على هذا النصر العظيم أن إستقر المسلمون في بلاد الشام وإستكملوا فتح مدنه جميعا واحدة وراء الأخرى ثم واصلوا مسيرة الفتح إلى مصر والشمال الأفريقي وقد شارك أيضا المقداد بن عمرو رضي الله عنه في فتح حمص بشمال بلاد الشام عام 15هجرية وكان على رأس قبيلة بلي حيث نجح المسلمون بقيادة أبي عبيدة بن الجراح فى دخول مدينة حمص فى الشام وكانت هذه المدينة فى النصف الأول من القرن السابع الميلادى قبل الفتح الإسلامى مركزا إداريا مهما كما كانت قاعدة هرقل يدير منها العمليات العسكرية ويرسل منها الجيوش لمحاربة المسلمين فى الجنوب فبعد نجاح أبي عبيدة فى فتح بعلبك سار إلى حِمص ولما وصل إلى ضواحيها تصدت له قوة عسكرية فى جوسية على بعد ستة فراسخ منها بين جبل لبنان وجبل سنير فوجه إليها خالد بن الوليد فإشتبك مع أفرادها وهزمهم فولوا الأدبار ودخلوا المدينة وأغلقوا أبوابها وكانت حمص محاطة آنذاك بخندق يبدأ من قلعة حمص الأثرية مرورا بحى الصفصافة إلى حى باب الدريب ثم إلى حى باب تدمر ثم يتجه إلى وادى السايح شمالا فحاصر جيش المسلمين المدينة وكانت القوة المدافعة عنها تأمل فى تلقى دعم سريعٍ من جيوش الإمبراطورية لكن لم يستطع هرقل أن يرسل جيشا ليساعد أهل المدينة بسرعة ومع إشتداد برودة الجو مع دخول فصل الشتاء كان لأهل المدينة أمل أن يجبر البرد وقساوة الطقس المسلمين على التراجع لكن ذلك لم يحدث وإنقسم أهل المدينة إلى فريقين مال الأول منهما إلى التفاهم مع المسلمين بفعل قُوتهم الكبيرة التى هزمت الروم فى أكثر من معركة وعجز البيزنطيين عن إمدادهم بالمساعدة أما الفريق الثاني فقد أصر على الإستمرار فى المقاومة والصمود وطال حصار المسلمين لحمص وساءت حالة أهلها وخشوا على أنفُسهم من السبى إن فُتحت مدينتُهم عِنوة ووقع فى هذه الأثناء زلزال فى المدينة أدى إلى تدمير بعض البيوت والمنشآت وألحق أضرارا كبيرة بالسكان فى الوقت الذى تجاوز فيه المسلمون الأوضاع المناخية الأمر الذى أدى إلى التوافق بين الحامية البيزنطية والسكان إلى طلب الصلح وعرض المسلمون تسليم المدينة بدون قتال مع المحافظة على بيوت أهلها ودور العبادة وأموالهم وأراضيهم ولا زال هذا الصلح موجودا فى إحدى الكنائس الأثرية بالمدينة ويقول المسلمون إن مدينة حمص فتحت دون قتال حيث لا زال المسيحيون متواجدين فى الأحياء القديمة بالمدينة فى وادى السايح وبستان الديوان وقسم من الحميدية وإحترم المسلمون مشاعر الحمصيين إلى حد بعيد فلم يدخلوا المدينة بل نصبوا خيامهم بالقرب منها على ضفاف نهر العاصى وكتب أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المدينة المنورة يخبره بما حدث ويعلمه بأن الجيش الإسلامى سيتوجه نحو الشمال لمطاردة إمبراطور الروم هرقل .
وفي أواخر عام 18 هجرية عندما توجه عمرو بن العاص بجيشه لفتح مصر بعد أن أقنع الخليفة عمر بن الخطاب بضرورة فتحها لتأمين فتوحات المسلمين بالشام ونشر دين الله بها لاقي عمرو وجيشه صعوبات عديدة فإضطر أن يرسل إلى الخليفة عمر في المدينة المنورة يستحثه في إرسال إمدادات على وجه السرعة فوعده بذلك والواقع أن موقف عمرو كان حرجا فقد علم من خلال العيون التي بثها في المنطقة أنه لن يستطيع أن يحاصر حصن بابليون والذى يقع بمصر القديمة أو يفتحه بمن معه من الجند وبالتالي فتح مدينة منف وهي البدرشين الحالية ومن جانب آخر كان يتعذر عليه التراجع حتى لا يفت ذلك في معنويات جنوده فيقوى عليهم عدوهم غير أنه كان لديه بصيص أمل من واقع وعد الخليفة بِإمداده بالمساعدة وقد دار في غضون ذلك قتال شديد تحت أسوار قرية تسمى أُم دنين تقع إلى الشمال من حصن بابليون كانت تقع قرب ميدان رمسيس حاليا وقد إشتهرت هذه القرية بحصانتها وكان يجاورها مرفأ على النيل فيه سفن كثيرة حتى أنها كانت تعتبر ميناء قلب مصر وكانت كفة الصراع متأرجحة بين النصر والهزيمة من واقع توازن القوى بين المسلمين والبيزنطيين لكن الإمدادات تأخرت في الوصول وتضايق الجند المحاصرون لأم دنين وكاد اليأس يدب في نفوسهم ولما كان فتح أُم دنين يشكل ضرورة قصوى حتى يستفيد المسلمون من السفن الراسية في المرفأ لإجتياز النهر رأى عمرو أن يشغل جنوده بنصر آخر كسبا للوقت حتى تصل الإمدادات فقسم جنده إلى مجموعتين ترك إحداها في حصار قرية أُم دنين وقاد الأخرى بنفسه إلى مدينة عين شمس ووصلت في غضون ذلك طلائع الإمدادات وكان عمرو بن العاص قد طلب مددا من الخليفة عمر بن الخطاب قدره 8 آلاف مقاتل فأرسل له الخليفة مع إبنه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عدد 4 آلاف مقاتل بالإضافة إلي عدد أربعة من أشجع فرسان المسلمين منهم المقداد بن عمرو وكان الثلاثة الآخرون الصحابي الجليل حوارى رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام بن خويلد رضي الله عنه وعبادة بن الصامت الأنصارى ومسلمة بن مخلد الأنصارى وأرسل رسالة لعمرو بن العاص قال فيها أرسلت لك ما طلبته أربعة آلاف مقاتل علي رأس كل ألف منهم رجل بألف رجل وهكذا كان المقداد بن عمرو ممن وصفهم الخليفة عمر بن الخطاب بأنه يعادل ألف رجل وبلا شك كان لهؤلاء الأربعة دور كبير ومشهود في الأحداث التي تلت قدومهم وبوصول المدد قويت عزيمةُ جيش المسلمين وأُسقط في يد حامية أُم دنين فقل خروجهم للقاء المسلمين فإستغل عمرو هذا الإحجام وشدد حصاره على القرية حتى سقطت في يده وهزمت حاميتها الرومية شر هزيمة وفي الحقيقة فقد أظهر قائد المسلمين عمرو بن العاص مقدار حنكته العسكرية والإستراتيجية حين قسم جنده إلى عدة فرق حتى يوهم عدوه بكثرة المسلمين وجعلها تحارب في ميادين ثلاثة مع تركيزه على الهدف الرئيسي فكان لهذا صدى في إنتصاره والذى هلك بسببه كثير من جنود الروم بينما تمكن بعضهم وبعض قادتهم من الفرار واللجوء إلي حصن بابليون وتحصنوا وراءه وكان هذا الحصن يعد من أقوى الحصون حيث كان يتميز بمناعة وقوة أسواره حيث كان مبنيا بالطوب والحجر ويبلغ عرض جدرانه نحو ثمانية أقدام وإرتفاعها نحو ستين قدما كما كانت أبراجه مرتفعة وكان أيضا محاطا بالخنادق ومياه النيل وأدرك سكان الحصن وأفراد حاميته أن الحصار سوف يطول لسببين الأول هو أنه بدأ في وقت فيضان نهر النيل وإرتفاع مياهه ولذا فسيتعذر على المسلمين أن يجتازوه أو يهاجموا الحصن ولا بد لهم من الإنتظار حتى إنحسار مياه الفيضان وكان السبب الثاني هو أن مناعة الحصن ومتانة أسواره وما يحيط به من الماء وضعف وسائل الحصار سوف يشكل عائقا أمام المحاصرين من الصعب أن يجتازوه بسرعة وما غنموه من بعض آلات القتال منذ دخولهم مصر لم يكن لهم خبرة أو دراية كافية بإستعمالها أو بطرق إصلاحها إذا تعطلت لذلك إستعد الطرفان لحصار طويل وعلاوة علي ذلك فإن الحصار لم يكن محكما فقد ظل طريق الإمدادات بين الحصن وجزيرة الروضة مفتوحا لأن جيش المسلمين لم يكن قد أحكم سيطرته على الطرق المائية بعد .
ولما إنتهى فيضان النيل وغاض الماء عن الخندق حول الحصن فأضحى بمقدور المسلمين الآن أن يهاجموه وتشير بعض المصادر التاريخية إلي جهود الروم التي بذلت للدفاع عن الحصن ومقاومة الفتح الإسلامي فقد ألقوا حسك الحديد في الخندق ليعيقوا إقتحام المسلمين له وإجتيازه بدل الماء وتراشقوا مع المسلمين بالمجانيق والسهام وأتى الروم وهم على هذه الحال نبأ وفاة الإمبراطور هرقل في شهر ربيع الأول عام 20 هجرية الموافق شهر فبراير عام 641م ففت ذلك في عضدهم وإضطربوا لموته وتراجعت قدرتهم القتالية مما أعطى الفرصة للمسلمين لتشديد الحصار قبل أن يقتحموا الحصن في يوم 21 ربيع الآخر عام 20 هجرية الموافق يوم 9 أبريل عام 641م حيث رأى الزبير بن العوام خللا فى الحصن فنصب سلما وأسنده إلى الحصن وقال إنى أهب نفسى لله عز وجل فمن شاء فليتبعنى فما شعر الروم إلا والصحابي والبطل العربى المسلم الزبير بن العوام ومعه الصحابي مسلمة بن مخلد على رأس الحصن يكبران ومعهما سيفيهما فإندفع الناس على السلم وكبر الزبير فأجابه المسلمون من الخارج فظن الروم أن المسلمين قد إقتحموا الحصن فهربوا تاركين مواقعهم فنزل الزبير وأصحابه وفتحوا باب الحصن لأفراد الجيش الإسلامي فدخلوه وفي رواية أخرى أن الزبير لما إرتقى السور شعرت حامية الحصن بِذلك ففتحوا الباب لعمرو وخرجوا إليه مصالحين فقبل منهم ونزل الزبير وأصحابه عليهم وخرج على عمرو من الباب معهم وإتفق أهل الحصن مع عمرو على رد ما أخذ منهم عنوة والإبقاء على السبايا وأجروا من دخل في صلحهم من الروم والنوب أى أهل النوبة مجرى أهل مصر ويقول المؤرخ عز الدين بن الأثير أن الخليفة عمر بن الخطاب عاد ورد سبايا من لم يقاتل منهم وكان لسقوط حصن بابليون ذلك الموقع العسكرى الحصين الذي حشدت فيه أعظم طاقات البيزنطيين العسكرية في مصر التأثير الجذرى على مسار المعركة فلم يعد هناك مجال للشك بأن المبادرة قد أصبحت في أيدى المسلمين وأن أبواب السيطرة على هذه البلاد الواسعة قد فتحت أمامهم كما أن هذا السقوط كان يعد بمثابة إنهيار خط الدفاع الأول عن مصر حيث بات الطريق مفتوحا إلى الإسكندرية حاضرة وعاصمة البلاد بعد الإنتهاء من فتح حصن بابليون وطلب عمرو من الخليفة أن يأذن له بالزحف نحو الإسكندريَّة لفتحها وضمها إلى الأراضي الإسلامية وهي خطوة كان لا بد منها لإستكمال فتح مصر والحقيقة أن الخليفة لم يتأخَر في منح الإذن لقائده بالسير إلى الإسكندرية وخاصةً أنه علم أن نهر النيل سيعود بعد ثلاثة أشهر إلى مده وفيضانه وأنه من الأفضل أن يسير جيش مصر إلى الإسكندرية قبل ذلك وما لبث عمرو حين تسلم الإذن أن زحف نحو الإسكندرية وترك حامية عسكرية في حصن بابليون بِقيادة خارجة بن حذافة السهمي رضي الله عنه وكانت الإسكندرية في ذلك الوقت هي قصبة الديار المصرية وثاني حواضر الإمبراطورية البيزنطية بعد القسطنطينية وأول مدينة تجارية في العالم وأهم وأكبر موانئ البحر المتوسط وقد أدرك البيزنطيون أن سقوطها في أيدى المسلمين من شأنه أن يؤدى إلى زوال سلطانهم من مصر .
وكان المقوفس عظيم قبط مصر حينذاك متحصنا بالإسكندرية على رأس قوة عسكرية ومع حلول شهر شوال عام 20 هجرية الموافق شهر سبتمبر عام 841م كان في نيته الدخول في صلحٍ مع المسلمين بسبب عجزه عن مواجهتهم وبِخاصة أنه بدت في الأُفق السياسي ملامح إنهيار الإمبراطورية البيزنطية لكن يبدو أن أركان حربه رفضوا هذا وأصروا على المقاومة وكان عمرو بن العاص أثناء ذلك قد غادر حصن بابليون في شهر جمادى الأولى عام 20 هجرية الموافق شهر مايو عام 641م متخذا مسار الضفة اليسرى للنيل حيثُ محافظة البحيرة المعاصرة حتى لا تشكل الترع والمصارف الكثيرة المنتشرة داخل الدلتا عائقا يؤخر زحفه ويعيق تحركاته وخلال هذا الزحف لقي الكثير من المساعدات والمعاونات التي قدمها المصريون حيث أصلحوا له الطرق وأقاموا الجسور والأسواق كما أنه إصطحب معه عددا من زعمائهم ليكونوا أداة إتصال بينه وبين من يلقاهم في طريقه ولم يلق عمرو أية مقاومة على طول الطريق من حصن بابليون إلى الإسكندرية حتى بلغ قرية تسمي ترنوط تابعة لمحافظة المنوفية حاليا حيث إلتقى بالروم ودار القتال بين الفريقين وتحقق النصر للمسلمين وتابع المسلمون تقدمهم حتى وصلوا إلى نيقوس الواقعة على بعد عدة فراسخ من مدينة منوف الحالية فأسرع سكانها إلى التسليم والإذعان لكن حامية الحصن أصرت على المقاومة وكان هذا يعني أنه لم يكن هناك تنسيق بين السكان الوطنيين والحاميات البيزنطية ولعل مرد ذلك يعود إلى فقدان الثقة بين الجانبين بسبب العداء المستحكم بينهما فإصطدم عمرو بن العاص بأفراد الحامية وإنتصر عليهم ودخل نيقوس وفرت فلول المنهزمين إلى الإسكندرية وتابع المسلمون تقدمهم وإصطدموا بقوة عسكرية بيزنطية أخرى عند قرية تسمي سنطيس تقع قرب مدينة دمنهور حاليا وتغلبوا عليها وكان حصن كريون آخر سلسلة الحصون قبل الإسكندرية وكان يقع قرب مدينة كفر الدوار حاليا وقد إعتصم به ثيودور قائد الجيش البيزنطي مع حامية قوية كما تدفقت عليه الإمدادات من المناطق المجاورة وإشتبك الطرفان في عدة معارك على مدى بضعة عشر يوما كان بعضها شديدا حتى أن عمرو صلى يوما بالجيش صلاة الخوف وتمكن المسلمون أخيرا من إقتحام الحصن وتغلبوا على الحامية العسكرية فقتلوا بعض أفرادها وفر البعض الآخر إلى الإسكندرية للإحتماء بها وكان ثيودور من بين هؤلاء وطاردهم المسلمون حتى بلغوا الإسكندرية في منتصف شهر رجب عام 20 هجرية الموافق أواخر شهر يونيو عام 641م .
وكانت الإسكندرية مدينةً منيعة ذات حصون عظيمة وعسكر عمرو بجنوده بالقرب منها وكان يصحبه رؤساء المصريين الذين كانوا يقدمون الطعام للجند المسلمين والعلف لخيولهم ودوابهم كما كانوا يدلونهم إلى الطرق والمسالك المؤدية إلى المدينة وأدرك عمرو فور وصوله إلي الإسكندرية ودراسته للوضع الميداني أن المدينة حصينة إذ يحيط بها سوران محكمان ولهما عدة أبراج ويحيط بها خندق يملأُ من ماء البحر عند الضرورة للدفاع وتتألف أبوابها من ثلاث طبقات من الحديد وتوجد مجانيق فوق الأبراج ومكاحل وقد بلغ عدد جنود حاميتها بعد الإمدادات التي أرسلها الإمبراطور البيزنطي بالإضافة للجنود الذين فروا إليها من حصن بابليون 50 ألف جندى ويحميها البحر من الناحية الشمالية وهو تحت سيطرة الأُسطول البيزنطي الذى كان يمدها بالمؤن والرجال والعتاد وتحميها بحيرة مريوط من الجنوب ومن المتعذر إجتيازها وتلفها ترعة الثعبان من الغرب وبذلك لم يكن للمسلمين طريق إليها إلا من ناحية الشرق وهو الطريق الذي يصلها بحصن كريون وكانت المدينة محصنة أيضا من هذه الناحية ومع ذلك لم ييأس عمرو بن العاص ووضع خطة عسكرية ضمنت له النصر في النهاية حيث قام بتشديد الحصار على المدينة حتى يتضايق المدافعون عنها ويدب اليأس في نفوسهم فيضطرّوا للخروج للإصطدام بالمسلمين لتخفيف وطأة الحصار وهكذا يستدرجهم ويحملهم على الخروج من تحصيناتهم ثم ينقض عليهم
بناءا على هذا وقام عمرو بنقل معسكره إلى مكان بعيد عن مرمى المجانيق وإستمر الوضع على ذلك مدة شهرين لم يخرج البيزنطيون خلالهما من تحصيناتهم للقتال سوى مرة واحدة حيث خرجت قوة عسكريةٌ بيزنطية من ناحية بحيرة مريوط وإشتبكت مع قوة إسلامية ثم إرتدت إلى الحصن ولعلها كانت بمثابة قوة إستطلاع أو جس نبض ورأى عمرو أن يقوم بعمل عسكرى يشغل به جنوده إذ أن طول الإنتظار قد يؤثر على معنوياتهم القتالية ويدفعهم إلى التكاسل والخمول فشغلهم بالتناوب بالغارات على الدلتا وأبقى معظم جنوده على حصار الإسكندرية وقد نجحت الفرق العسكرية الإسلامية هذه بالسيطرة على ما تبقى من قرى وبلدات الوجه البحرى وفي الوقت نفسه إشتد الصراع بين المصريين والبيزنطيين داخل الإسكندرية وبين البيزنطيين أنفسهم داخل القسطنطينية حول العرش بعد وفاة هرقل ونتيجة لإشتداد الصراع في القسطنطينية بين أركان الحكم إنقطعت الإمدادات البيزنطية عن الإسكندرية إذ لم يعد أحد منهم مهتما بالدفاع عنها مما أثر سلبا على معنويات المدافعين عنها حيث وجدوا أنفسهم معزولين ولا سند لهم ومما زاد من مخاوفهم تمكن المسلمون من ضم قرى الدلتا وساحل البحر المتوسط الذى يعني قطع الميرة عنهم وفي ذلك الوقت كان الخليفة عمر بن الخطاب في المدينة المنورة ينتظر سماع أنباء مصر وهو أشد ما يكون إستعجالا لتلقي نبأ سقوط الإسكندرية في أيدى المسلمين ولكن هذا النبأ أبطأ عنه أشهرا فراح يبحث عن السبب وهو لم يقصر عن إمداد عمرو بما يحتاج إليه من الرجال الأشداء الذين يقدر كل منهم بألف رجل مما يكفل له النصر بإذن الله وخشي أن تكون خيرات مصر قد أغرت المسلمين فتخاذلوا وقال لِأصحابه ما أبطأُوا بفتحها إلا لما أحدثوا ثم كتب إلى عمرو يعظه ويستعجله وينبهه على أن النصر لن يكون حليف المسلمين إلا لو أخلصوا النية لله وطلب منه أن يخطب في الناس ويحضهم على قتال عدوهم ويرغبهم في الصبر والنية وأن يدعو المسلمون الله ويسألونه النصر.
وقد شكل كتاب عمر بن الخطاب عامل دفعٍ هام للمسلمين فإقتحموا حصون الإسكندرية ففتحوها بحد السيف في يوم 28 من شهر ذى القعدة عام 20 هجرية الموافق يوم 8 نوڤمبر عام 641م بعد حصار دام أربعة أشهر ونصف الشهر وفر البيزنطيون منها في كل إتجاه للنجاة بأنفسهم وأذعن سكانها من المصريين وإستبقى عمرو أهلها ولم يقتل ولم يسب أحدا وجعلهم أهل ذمة كأهل حصن بابليون وتذكر بعض الروايات أن رجلا مصريا يسمى إبن بسامة وكان على أحد أبواب المدينة قد طلب الأمان من عمرو بن العاص على نفسه وأرضه وأهل بيته على أن يفتح له باب المدينة فأجابه عمرو إلى ذلك ودخل عمرو والمسلمون من جهة القنطرة التي كان يقال لها قنطرة سليمان وتنص مراجع أُخرى أن عمرو ترك فرقة من جنده لحراسة المدينة وأسرع بقواته لتتبع الفارين برا ولكن الروم الذين هربوا عن طريق البحر رأوا أن الفرصة مواتية لإستعادة الإسكندرية فعادوا إليها وقتلوا من بها من المسلمين وعلم عمرو بذلك فعاد إلى الإسكندرية سريعا وقاتل هؤلاء الروم وأجلاهم عن المدينة وبذلك تم ضم الإسكتدرية إلى دولة الخلافة الراشدة وكان ذلك في الأول من شهر المحرم عام 21 هجرية الموافق يوم 17 سبتمبر عام 642م هذا وتنص أكثر الروايات شيوعا وهي الرواية القبطية والتي تفيد بأن الإسكندرية فتحت صلحا إذ فوض الإمبراطور قُنسطانز إلى المقوقس عقد الصلح مع المسلمين في الإسكندرية ومعه القائد ثيودور في يوم 14 سبتمبر عام 641م ثم إجتمع بعمرو بن العاص وتم توقيع عقد الصلح في يوم 8 نوڤمبر عام 641م ويقضي هذا العقد بتسليم الإسكندرية على أن يبقى المسلمون مدة أحد عشر شهرا خارجها حتى يبحر عنها البيزنطيون وأن لا يعود جيش من الروم إلى مصر أو يسعى لردها وأن يقدموا لعمرو بن العاص عدد 150 جنديا مدنيا بمثابة رهائن لضمان تنفيذ عقد الصلح وأن يكف المسلمون عن أخذ كنائس المسيحيين ولا يتدخلوا في أُمورهم بأى شكل من الأشكال وبناءا عليه خرج البيزنطيون من الإسكندرية بحرا في الأول من شهر المحرم عام 21 هجرية الموافق يوم 17 سبتمبر عام 642م فدخلها المسلمون وأعطوا الأمان لأهلها لتنتهي بذلك العمليات العسكرية وتخرج مصر نهائيا من تحت الراية البيزنطية وتدخل تحت ظل الراية الإسلامية ويبدأ فصل جديد من التاريخ في الديار المصرية وتصبح مصر ولاية إسلاميةوكان للمقداد بن عمرو دوره الكبير في كل ما ذكرناه وتم تعيين عمرو بن العاص واليا عليها والذى أحسن التعامل مع المصريين فلم يجبر أحدا علي الدخول في الإسلام ومنح الجميع حرية العقيدة وأمن الأقباط علي كنائسهم ومقدساتهم ودورهم وأموالهم وأملاكهم وأراضيهم ونفذ العديد من الإصلاحات في البلاد منها إصلاح العديد من الطرق القائمة وإنشاء عدد كبير من الطرق كما تم إقامة الجسور حول نهر النيل لحماية الأراضي من حوله من أخطار الفيضان وبالإضافة إلي ذلك قام ببناء أول عاصمة إسلامية لمصر في منطقة مصر القديمة شرقي نهر النيل وسميت الفسطاط وأنشأ بها أول مسجد جامع في مصر وفي قارة أفريقيا بأكملها والمعروف بإسمه حتى وقتنا الحاضر وكان من أثر هذه الإصلاحات أن تحسنت أحوال المصريين وزادت ثرواتهم وإطمأنوا على أرواحهم وممتلكاتهم ومستقبلهم ونعموا بالهدوء والإستقرار وإزداد التآلف بينهم وبين المسلمين مع مرور الوقت ودخل كثير منهم في الإسلام تدريجيا عن قناعة ودون أى إجبار .
وفي عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه كان المقداد بن عمرو ممن شارك في فتح جزيرة قبرص التي غزاها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه والي الشام بأمر من الخليفة في عام 28 هجرية ضمن جيش المسلمين الذى كان يضم العديد من الصحابة الكرام منهم أبو ذر الغفارى وعبادة بن الصامت وكان قد حدث في أواخر أيام الخليفة عمر بن الخطاب وأوائل عهد خليفته عثمان بن عفان رضي الله عنهما أن نزل البيزنطيون بعض المدن الشامية الساحلية وحاولوا أيضا إسترداد الإسكندرية فأدرك والي الشام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أنه لا بد من إنشاء أسطولٍ إسلامي للتصدى للخطر البيزنطي وفتح الجزر البحرية التي ينطلق منها العدو وإتخاذها فيما بعد قواعد إنطلاق لغزو العاصمة البيزنطية القسطنطينية وهو الهدف الأسمى للمسلمين ونجح معاوية في إقناع الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه بركوب البحر وسمح له بغزو قبرص على أن يحمل معه إمرأته فاختة بنت قرظة وولده حتى يعلم أن البحر هين كما صوره له وأمره بعدم إجبار الناس على الركوب معه إلا من إختار الغزو طائعا مختارا بكامل إرادته وفور حصول معاوية رضي الله عنه على موافقة الخليفة قرر إصلاح المراكب التي كان قد إستولى عليها المسلمون من البيزنطيين وتقريبها إلى ساحل حصن عكا الذي أمر بترميمه كما رمم ثغر صور وكتب معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه إلى أهل السواحل بالإستعداد لغزو جزيرة قبرص التي إختارها هدفا عسكريا أوليا لنشاط الأسطول الإسلامي بفضل وضعها الجغرافي المتميز آنذاك كقاعدة لغزو القسطنطينية وخرج معاوية على رأس حملته الأولى على جزيرة قبرص في عام 28 هجرية الموافق عام 649م وتألف الأسطول الإسلامي من 120 مركبا بقيادة عبد الله بن قيس رضي الله عنه وصادف الأسطول الإسلامي وهو في طريقه إلى قبرص بعض المراكب البيزنطية المحملة بالهدايا وقد بعث بها ملك قبرص إلى الإمبراطور البيزنطي قنسطانز الثاني فإستولى المسلمون عليها وعندما وصل الأسطول الإسلامي إلى قبرص رسا على ساحلها وأغار الجنود المسلمون على نواحيها وغنموا الكثير من الغنائم وإضطر ملك قبرص في ظل عجزه عن المقاومة إلى طلب الصلح فصالحه معاوية على أن يؤدى أهل الجزيرة جزيةً سنويةً مقدارها سبعة آلاف دينار كما يؤدون للبيزنطيين مثلها وليس للمسلمين أن يحولوا بينهم وبين ذلك وأن يمتنع المسلمون عن غزو الجزيرة ولا يقاتلون عن أهلها من أرادهم من ورائهم وعلى أن يعلم أهل الجزيرة المسلمين بتحركات البيزنطيين المعادية لهم وأن يعين المسلمون على أهل الجزيرة بطريقا منهم وفي واقع الأمر أن هذه الشروط التي فرضها معاوية رضي الله عنه على ملك قبرص كانت متواضعة ويبدو أنه رأى أن الظروف الضرورية للإستقرار في الجزيرة لم تتوفر بعد وأن الحملة لم تكن أكثر من حملة إستكشافية وإختبار لقوة البحرية الإسلامية .
وبعيدا عن ميادين الجهاد والدفاع عن الإسلام فقد تمتع الصحابي الجليل المقداد بن عمرو رضي الله عنه بمكانة عظيمة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام بتزويجه إبنة عمه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب بن هاشم رضي الله عنها والتي كانت من المهاجرات هي وأخوها الصحابي عبدالله بن الزبير بن عبد المطلب وأختها الصحابية أم حكيم بنت الزبير بن عبد المطلب وكان لها أحاديث يسيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ويروى أن الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه كان يجلس مع المقداد بن عمرو رضي الله عنه يتحدثان فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه للمقداد رضي الله عنهما ما منعك أن تتزوج فأجاب المقداد زوجني إبنتك فغضب عبد الرحمن بن عوف وأغلظ عليه القول فذهب المقداد بن عمرو رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرأى في وجهه الهم فقال له ما بك فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما قاله عبد الرحمن بن عوف فقال له النبي الكريم صلى الله عليه وسلم سأزوجك من إبنة عمي ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب فأنجبت له عبد الله وكريمة وكان المقداد رضي الله عنه زاهدا تقيا ورعا وحدث ان ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى الإمارات يوما فلما رجع سأله النبي عليه الصلاة والسلام كيف وجدت الإمارة فأجاب لقد جعلتني أنظر إلى نفسي كما لو كنت فوق الناس وهم جميعا دوني والذي بعثك بالحق لا أتأمرن على إثنين بعد اليوم أبدا وصدق المقداد رضي الله عنه في يمينه وظل مجاهدا حتى وفاته رضوان الله عليه وفضلا عن ذلك فقد حاز الصحابي الجليل المقداد بن عمرو رضي الله عنه لقب حارس رسول الله وذلك بسبب حبه الجم للإسلام ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان حريصا على سلامة النبي عليه الصلاة والسلام فكان سريع الإستجابة لأي خطب مستعدا لأى حدث يهدد الإسلام او رسول الإسلام ولم يكن تسمع في المدينة فزعة إلا ويكون المقداد بن عمرو في مثل لمح البصر واقفا على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يركب فرسه ويمسك بسيفه مستعدا لبذل حياته للدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حرص المقداد رضي الله عنه على الدفاع عن الإسلام وحمايته ليس فقط من كيد أعدائه بل ومن خطأ أصدقائه فقد خرج يوما في سرية تمكن العدو فيها من حصارهم فأصدر أمير السرية أمره بألا يرعى أحد دابته ولكن أحد المسلمين لم يحِط بالأمر خبرا فخالفه فتلقى من الأمير عقوبة أكثر مما يستحق فمر المقداد بالرجل يبكي ويصيح فسأله فأنبأه ما حدث فأخذ المقداد بيمينه ومضيا صوب الأمير وراح المقداد يناقشه حتى كشف له خطأه وقال له والآن أقده من نفسك ومكنه من القصاص وأذعن الأمير ولكن الجندي عفا وصفح وإنتشى المقداد رضي الله عنه بعظمة الموقف وبعظمة دين الإسلام الذى أفاء عليهم هذه العزة فراح يقول والله لأموتَنَّ والإسلام عزيز وعلاوة على جهاده في سبيل الله وعلى كل المناقب والفضائل العظيمة التي تمتع بها الصحابي الجليل المقداد بن عمرو رضي الله عنه فقد كان من رواة الحديث النبوى الشريف فقد روى عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وروى عنه العديد من الصحابة والتابعين منهم الإمام علي بن أبي طالب والإمام عبد الله بن عباس والصحابي عبد الله بن مسعود وجبير بن نفير وأنس بن مالك وسعيد بن العاص والسائب بن يزيد وسليمان بن يسار وعبد الرحمن بن أبي ليلى وزوجته ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب وإبنته كريمة بنت المقداد بن عمرو وأخيرا كانت وفاة الصحابي الجليل المقداد بن عمرو في عام 33 هجرية عن عمر يناهز 70 عاما في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه والذى صلى عليه ودفن بالبقيع .
|