بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
سويد بن مقرن بن عائذ بن ميجا بن هجير بن نصر بن أد المزني صحابي جليل وقائد عسكرى مسلم ينتهي نسبه ونسب قبيلته مزينة إلي نزار بن معد بن عدنان وهو من ولد نبي الله إسماعيل عليه السلام وكان سيدا في قومه قبيلة مزينة وفارسا مغوارا وقائدا متميزا سواء في الجاهلية أو في الإسلام ويشهد على ذلك جهاده في ربوع الجزيرة العربية وهو يناضل بروحه وماله يبحث عن الشهادة في سبيل الله وفضلا عن ذلك فقد كان يتصف بالحكمة والقدرة على إتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب وذلك ما جعل منه قائدا عسكريا متميزا وكانت ديار هذه القبيلة تقع قرب المدينة المنورة ولما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وكانت أخباره تصل تباعا إلي قبيلة مزينة مع الغادين والرائحين فلا تسمع القبيلة عنه إلا خيرا وفي ذات عشية وكان ذلك في السنة الثالثة أو الرابعة من الهجرة ما بين غزوة أحد والخندق جلس النعمان بن مقرن المزني سيد مزينة والشقيق الأكبر لسويد في ناديه مع إِخوته والذين كان منهم سويد وضرار ونعيم ومعقل وعقيل وسنان وعبد الله وعبد الرحمن ومشايخ قبيلته فقال لهم يا قوم واللّه ما علمنا عن محمد إِلا خيرا ولا سمعنا من دعوته إلا مرحمة وإحسانا وعدلا فما بالنا نبطئ عنه والناس إليه يسرعون ثم أتبع يقول أما أنا فقد عزمت على أن أغدو عليه إِذا أصبحت فمن شاء منكم أن يكون معي فليتجهز وكأنما مست كلماته وترا مرهفا في نفوس القوم فما أن طلع الصباح حتى وجد إخوته العشرة ومعهم أربعمائة فارس من فرسان القبيلة قد جهزوا أنفسهم للمضي مع سيدهم إلي المدينة المنورة للقاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم والدخول في دين الإسلام بيد أن النعمان قد إستحي أن يفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع هذا الجمع الحاشد دونَ أن يحمل له وللمسلمين شيئا في أيديهم لكن كانت ظروف القبيلة في ذلك الوقت لا تسمح لها بذلك نظرا لمرورها بسنة مجدبة لم تترك لها ضرعا ولا زرعا فطاف النعمان ببيته وبيوت إخوته وصحبه وجمع كل ما أبقاه لهم القحط من غنيمات وسار بقومه وساق أمامه ما جمعه من قومه كهدية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم بها عليه صلى الله عليه وسلم وأعلن هو ومن معه إِسلامهم بين يديه فإهتزت المدينة المنورة من أقصاها إِلى أقصاها فرحا بقدوم النعمان وأخوته وصحبه إِذ لم يسبق لبيت من بيوت العرب أن أسلم منه أحد عشر أخا من أب واحد ومعهم أربعمائة فارس وسر الرسول الكريم بإسلام النعمان وأخوته وصحبه أبلغ السرور وعاش النعمان بن مقرن من يومها هو وأخوته قريبين من قلب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وتقبل الله سبحانه وتعالي من القبيلة غنيماتها وأنزل في ذلك قرآنا يتلي إلي يوم القيامة فقال تعالي في سورة التوبة وَمِنَ الأعْرَابِ مَنْ يُؤمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِر وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللّهِ وَصَلَوات الرَّسُولِ ألاَ إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ في رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحيمُ وأيضا قال عنهم الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود إن للإيمان بيوتا وإن بيت آل مقرن من بيوت الإيمان .
وشهد سويد بن مقرن المزني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الخندق وما تلاها من غزوات وهي غزوة بني قريظة وخيبر وفتح مكة وحنين وحصار الطائف وتبوك ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول عام 11 هجرية وتولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة كان لسويد دوره عندما حدثت فتنة الردة في شبه الجزيرة العربية وهي الفتنة التي تفاوتت تفاصيلها من منطقة لأخرى حيث رفض قسم من القبائل مجددا تعاليم الإسلام وعادت إلى عبادة أصنامها ورفضت سلطة الخليفة الأول للمسلمين عليها وقسم آخر أراد البقاء على الإسلام ورفض سلطة الخلافة في المدينة والواجبات تجاهها فقالوا نؤدى الصلاة ولا نؤدى الزكاة وسواء أكانت الردة إرتدادا عن الإسلام أو رفضا لسلطة المدينة أو قريش كما قالوا فإن الثابت في كل الأحوال هي ثبوت صفة الردة على أغلب القبائل ولم يثبت على الإسلام إلا مكة والمدينة والطائف وأصبح المسلمون وسط بحر هائج متلاطم من أمواج الردة وقد ألهم الله تعالى الخليفة العظيم أبا بكر الصديق رأيا سديدا في قتال المرتدين فهو لم يقبل كما رأى بعض الصحابة الأخيار بأن لا يقاتل من منعوا الزكاة طالما ظلوا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويؤدون الصلاة بل أصر على ضرورة الخضوع الكامل لعاصمة الإسلام المدينة المنورة وأن يقيموا فرائض الإسلام بالكامل قائلا أينقص الدين وأنا حي أينقص الدين وأبو بكر حي والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه وقد تزامن مع ذلك أن قرر أبو بكر تلبية رغبة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بإرسال جيش أُسامة بن زيد إلى مشارف الشام لمحاربة القبائل الشامية على الطريق التجاريّ بين مكة وغزة وكان هذا الجيش معسكرا في الجرف من أرباض المدينة حين توفي النبي صلى الله عليه وسلم وبويع أبو بكر بالخلافة فتوقَّف عن الزحف ويبدو أن أُسامة كان قد أدرك حرج موقف الخليفة والمسلمين في تلك المرحلة الدقيقة التي تتطلب تجميع القوى الإسلامية وحشدها وبخاصة أن جيشه البالغ سبعمائة مقاتل ضم عدد كبير من المهاجرين والأنصار ومن كان حول المدينة من القبائل وأبدى بعض الصحابة تحفظا على إرسال هذا العدد الكبير من المقاتلين إلى خارج المدينة في ظل أجواء ثورات القبائل والمرتدين لكن الخليفة العظيم أبا بكر أبى أن يخالف وصية النبي صلى الله عليه وسلم فقال والله لا أحل عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو أَن الطير تخطفنا والسباع من حول المدينة ولو أن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين لأجهزن جيش أسامة وفي أواخر شهر ربيع الأول عام 11 هجرية قام أبو بكر بإستعراض جيش أسامة بن زيد وأمر أسامةَ رضي الله عنه أن يسير بالجيش إلى الوجهة التي وجهه إليها الرسول صلى الله عليه وسلم ومشى معه أبو بكر الصديق رضي الله عنه يودعه وأسامة رضي الله عنه راكب فرسه فإستحي منه وقال يا خليفة رسول الله إما أن تركب وإما أن أنزل فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه والله لا تنزل ولا أركب وما علي إلا أن أغبر قدمي ساعةً في سبيل الله وإستأذنه في أن يبقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه والذى كان من ضمن هذا الجيش معه في المدينة المنورة وأمره بالمسير فنفذ أسامة أمر الخليفة .
وخلت المدينة في غُضون ذلك من المدافعين عنها بإستثناء بضع مئات من المهاجرين والأنصار مما شجع المرتدين الذين تقع ديارهم قرب المدينة على مهاجمتها حيث قام طليحة بن خويلد الأسدى الذى إدعى النبوة بنشر أتباعه حولها وبدأت عدة قبائل ممن إرتدوا عن الإسلام وهي قبائل عبس وذبيان وغطفان وفزارة تتحرك تمهيدا للهجوم على المدينة وقسمت نفسها لقسمين قسم نزل بموضع يسمى ذو القصة على بعد 35 كم من المدينة من جهة الشرق على طريق نجد وقسم نزل بموضع يسمى الأبرق على بعد120 كم من المدينة وأرسلوا وفودا من عندهم إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل إلاطلاع على عورات المدينة ونقاط ضعفها متظاهرين بأن لهم طلبات لخليفة رسول الله مثل أن يضع عنهم فرض الزكاة وهم يعلمون علم اليقين أن الخليفة سيرفض وبالفعل قوبلت طلباتهم بالرفض من جانب الخليفة فعادت الوفود وقد إطلعت على عورات المدينة ونقاط ضعفها وعلمت أنها مكشوفة وليس بها من يدافع عنها وأدرك أبو بكر ذلك بفطنته الفذة فجمع الناس في المسجد وقال لهم إن الأرض كافرة أى مظلمة وقد رأى وفدهم منكم قلة وإنكم لا تدرون أليلا تؤتون أم نهارا فإستعدوا وأعدوا وأصدر قرارا إستثنائيا بأن يبيت الرجال في المسجد وهم مسلحون إستعدادا للحرب في أية لحظة وإتخذ الخليفة أبو بكر قرارا آخر فدعا علي بن ابي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وغيرهم من الصحابة الكرام وجعلهم على مداخل المدينة ولم تمض سوى ثلاث ليال حتى هجم إتحاد المرتدين ومانعي الزكاة على المدينة فصدهم علي بن أبي طالب ومن معه وهرع المسلمون للقتال يقودهم الخليفة أبو بكر بنفسه وساروا خلف الأعداء حتى منطقة تسمى ذو حسي وهناك خرج كمين للأعداء ومعهم أنحاء الإبل أى أمعاءها وقد نفخوها ثم ربطوها فصارت مثل الكرات الكبيرة ودحرجوها بأرجلهم على الأرض ففزعت إبل المسلمين منها وكانت مكيدة جديدة لم تعرفها العرب إنما أمدهم بها الفرس مما يوضح العلاقة بين قوى الكفر الخارجية والداخلية والمؤامرة الكبرى على الإسلام وظن المرتدون أنهم قد إنتصروا على المسلمين فتجمع القسمان اللذان كانا بمنطقتي ذى القصة والأبرق إستعدادا للهجوم الشامل على المدينة وفي تلك الليلة بات الخليفة العظيم أبو بكر الصديق يعبئ المسلمين وينظم الصفوف وقد قرر الهجوم فورا ومباغتة الأعداء وخرج مسرعا على رأس جيشه الصغير على الرغم من مناشدة الصحابة الكرام له وعلى رأسهم علي بن ابي طالب الذى كان ممسكا بخطام ناقته بتعيين قائد للجيش بدلا منه وأن يبقي في المدينة المنورة حتي لا يتعرض لسوء في وقت الإسلام في أشد الحاجة إليه لكنه رفض وكان على ميمنته النعمان بن مقرن المزني وعلى ميسرته أخيه عبد الله بن مقرن المزني وعلى الساقة أخوهما الثالث سويد بن مقرن المزني فردوا المرتدين على أعقابهم ثم تبعهم أبو بكر بجيشه أثناء الليل وفاجأهم في معسكرهم فما طلع الفجر إلا وقد أصبحوا على صعيد واحد دون أن يسمع لهم العدو ركزا فما شعروا إلا والمسلمون فوق رؤوسهم وقد وضعوا فيهم السيف وركبوا أكتافهم لتنزل بهم الهزيمة فولوا الأدبار وتفرق جيشهم وهربت جنودهم مولين الأدبار وبعد هذه المكيدة الحربية التي قام بها المسلمون ضد قوات المرتدين المتحالفين وثبت قبائل عبس وذبيان على من فيهم من المسلمين فقتلوهم شر قتلة وحذا حذوهم سائر القبائل العربية المرتدة فلما علم الخليفة أبو بكر بذلك حلف بأغلظ الأيمان ليقتلن من المشركين بمن قتلوا من المسلمين وزيادة وكان من نتائج هذه المعركة أن إزداد المسلمون قوة وثباتا ويعلمنا الخليفة العظيم أبو بكر الصديق من خلال هذه الأحداث أن دماء المسلمين ليست رخيصة أو مستباحة بل هي أشد حرمة من ملء الأرض من أنجاس الكفار والمشركين وأن لها طالبا ولو طال الزمان فلا يفرح أعداء الأمة كثيرا لأن الثأر قادم لا محالة .
وفي هذه الأثناء عادت حملة أُسامة بن زيد بعد سبعين يوما من خروجها وخلال طريقهم كانوا قد أوقعوا بقبائل من قضاعة إرتدت عن الإسلام كما أغار أُسامة على إبل في مؤتة وغنم غنائم كثيرة وخرج أبو بكر في جمع من المسلمين بعد أن إستخلف أُسامة بن زيد وجيشه على المدينة لينال قسطا من الراحة وأسرع هو ومن معه من المسلمين وهاجموا منطقة الأبرق وذلك بعد أن إستولوا على ذى القصة وقاتلوا من بها من المرتدين وكانت منطقة الأبرق حمى قبيلة ذبيان فأجلاهم الخليفة العظيم أبو بكر الصديق منها وجعلها حمى خيل المسلمين والجهاد في سبيل الله وفي النهاية فرت فلول قبائل عبس وذبيان وإلتحقت بمدعي النبوة طليحة بن خويلد الأسدى وهو من كان قد غرهم وأغراهم بالمسلمين من قبل وبعد هذا الإنتصارعلى قبائل المرتدين المتحالفين من قبائل عبس وذبيان وغطفان وفزارة حشد الخليفة عدد 11 لواء لتشمل كافَّة المناطق التي أعلنت ردتها وثورتها على سلطان المسلمين وكان الجيش الخامس منها بقيادة سويد بن مقرن المزني وكانت مهمته القضاء على ردة تهامة اليمن وقد وزع الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه ألويته لتشمل كافَة المناطق التي أعلنت ردتها وثورتها على سلطان المسلمين في المدينة المنورة فجعل اللواء الأول بِقيادة سيف الله المسلول خالد بن الوليد وأمره بقتال طليحة بن خُويلد الأسدى وبنو أسد فإذا فرغ منه سار لقتال مالك بن نويرة زعيم بني يربوع من تميم فإذا فرغ منه توجه لقتال مسيلمة الكذاب في اليمامة وجعل اللواء الثاني بقيادة عكرمة بن أبي جهل ووجهه لمسيلمة الكذاب لكي يثبته فلا يدعم باقي المرتدين وأمره ألا يشتبك معه في قتال حتي يصل إليه خالد بن الوليد بجيشه وجعل اللواء الثالث لشرحبيل بن حسنة وجعله مددا لعكرمة في مهمة تثبيت مسيلمة أما اللواء الرابع فجعله الخليفة للمهاجر بن أبي أمية المخزومي لقتال الأسود العنسي في اليمن ثم لقتال عمرو بن معديكرب الزبيدى وقيس بن مكشوح المرادى ورجالهما ومن بعدهم يقاتل الأشعث بن قيس الكندى وقومه ببلاد اليمن وكان اللواء الخامس كما أسلفنا لسويد بن مقرن المزني لقتال تهامة اليمن واللواء السادس للعلاء بن الحضرمي وجعله لقتال الحطم بن ضبيعة زعيم بني قيس بن ثعلبة ومرتدى البحرين وكان اللواء السابع لحذيفة بن محصن البارقي لقتال مرتدى أهل دبا وذى التاج لقيط بن مالك الأزدى والذى تنبأ في عمان واللواء الثامن لعرفجة بن هرثمة البارقي ووجهه إلى بلاد مهرة بشرق بلاد اليمن كما وجه عدد ألوية لشمال شبه الجزيرة العربية فجعل اللواء التاسع لعمرو بن العاص لقتال قضاعة والعاشر لمعن بن حاجز السلمي لقتال بني سليم ومن معهم من قبيلة هوازن والأخير كان لخالد بن سعيد بن العاص ليستبرئ مشارف الشام وقد حققت كل هذه الألوية الإنتصار على المرتدين فيما عدا لواء عكرمة بن ابي جهل الذى تعجل القتال مع مسيلمة فلحقت به الهزيمة فأرسل إليه الخليفة أبو بكر يعنفه على عجلته وكلفه بأن يتجه إلى عمان مددا لحذيفة بن محصن البارقي وأيضا لم يحقق شرحبيل بن حسنة الإنتصار على مسيلمة وأخطأ نفس خطأ عكرمة فأمره الخليفة بإنتظار جيش خالد بن الوليد والإنضمام إليه وكانت آخر معارك الردة هي معركة اليمامة مع مسيلمة الكذاب وكانت في شهر شوال عام 11 هجرية وكانت أشرس معركة في حروب الردة وحقق فيها المسلمون الإنتصار على مسيلمة وقد إستشهد في هذه المعركة ألف ومائتا شهيد منهم زيد بن الخطاب والطفيل بن عمرو وسالم مولى أبي حذيفة وأبي حذيفة بن عتبة وعبد الله بن سهيل وغيرهم كثير من كبار الصحابة كما قتل فيها مسيلمة الكذاب وكان قاتله هو وحشي بن حرب قاتل أسد الله عم النبي صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبد المطلب بعد أن رماه برمحه كما شاركه في قتله عبد الله بن زيد إبن الصحابية أم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية رضي الله عنها بالإشتراك مع أبي دجانة الأنصارى رضي الله عنه بسيفه وبذلك نجح عبد الله في الثأر لأخيه الذى كان عدو الله مسيلمة قد قتله لرفضه الإعتراف بأنه نبي .
وبعد إنتهاء حروب الردة قرر الخليفة العظيم أبو بكر الصديق البدء في فتح بلاد العراق وتحريرها من الفرس فأمر خالد بن الوليد بالمسير إلى أسفل العراق وأن يبدأ بالكاظمة وهي بالكويت حاليا ثم يأتي الأُبلّة وهي الميناء الرئيسي للفرس وتقع على شط العرب عند إلتقاء نهرى دجلة والفرات وكانت تعد الميناء الرئيسي الذى يربط العراق ببلاد الهند ولذلك كانت تمثل أهمية إستراتيجية كبرى لدى الفرس وكانت تعليمات الخليفة لخالد أن يجعل نهر الفرات على يمينه وصحراء العرب على يساره ويسير بمحاذاة نهر الفرات وتكون وجهته الحيرة التي كانت تعد العاصمة الثانية للفرس وتقع بوسط بلاد العراق وعليه ألا يغامر بعبور نهر الفرات إلى أرض السواد التي تقع بين نهرى دجلة والفرات والتي تزخر بالمجارى والمسطحات المائية بما لا يلائم القتال فيها كما أنه في حالة لا قدر الله أراد جيش المسلمين الانسحاب إلى الضفة الغربية لنهر الفرات سيكون ذلك في منتهى الصعوبة خاصة وأن الكثير من المسلمين كانوا لا يجيدون السباحة وعلى ذلك فقد يتعرضوا للغرق في نهر الفرات في حالة الانسحاب وكان سويد بن مقرن المزني ضمن القادة في جيش خالد بن الوليد والذى أرسل وهو في طريقه إلى العراق إلى هرمز حاكم العراق الفارسي يخيره بين الإسلام أو الجزية أو القتال فآثر هرمز القتال وأرسل إلى كسرى يطلب المدد فأمده كسرى بإمدادات كبيرة تحرك بها هرمز إلى الكاظمة حيث يعسكر جيش المسلمين وناور خالد بجيشه فتحرك إلى الحفير ليجد هرمز الكاظمة خاوية فلاحق هرمز جيش المسلمين إلى الحفير وسبقهم إليها ليعود خالد مجددا إلى الكاظمة وقد أراد خالد من ذلك إستغلال نقطة ضعف الجيش الفارسي وهي ثقل تسليحه مما يجعل أي تحرك للجيش مجهدا لأفراده وغضب هرمز لذلك وتحرك بجيشه نحو الكاظمة وعسكر بالقرب من موارد الماء ليمنع الماء عن المسلمين فأثار ذلك حماسة المسلمين وأمر هرمز رجاله بربط أنفسهم بالسلاسل حتى لا يفروا من أرض المعركة وليستميتوا في القتال وبدأت المعركة بالمبارزة حين طلب هرمز مبارزة خالد بن الوليد وإتفق مع بعض فرسانه أن يفتكوا بخالد إن خرج للمبارزة وعند تنفيذ خطتهم فطن القعقاع بن عمرو التميمي والذى يعد من أبرز قادة المسلمين في فتوح العراق والشام وكان بمثابة نائب القائد العام لجيش المسلمين في العراق للأمر وأدرك خالد وقتل خالد والقعقاعُ هرمز وفرسانه وبمقتل هرمز إضطربت صفوف الفرس فإستغل المسلمون الفرصة وأوقعوا بالفرس هزيمة كبيرة وإستطاع قباذ وأنوشجان قائدى جناحي الجيش الفارسي الفرار فأمر خالد بن الوليد المثنى بن حارثة الشيباني بمطاردة فلول الفرس فطاردهم المثنى حتى إنتهى إلى حصن أميرة ساسانية إسمها كامورزاد سماه العرب حصن المرأة فترك أخاه المعنى بن حارثة ليحاصره ثم واصل هو المطاردة ولما بلغت أنباء إنتصار المثنى للأميرة صالحته وتزوجت أخاه المعنى أما المثنى فقد واصل مطاردة فلول الفرس .
وبدأ خالد بن الوليد بعد هذه الجولة التحرك نحو الأبلة فإتفق مع سويد بن مقرن المزني أن يتحرك هو بنصف الجيش كانه متجه إلى الحيرة عن طريق الصحراء بينما يبقي سويد بنصف الجيش في طريقه نحو الأبلة وكان ذلك تحت عيون الفرس فتبعوا خالد نحو طريق الصحراء بمعداتهم الثقيلة وكان هدف خالد من ذلك إجهاد وإرهاق الجيش الفارسي وأثناء الليل عاد خالد سريعا بنصف الجيش الذى كان في صحبته وعند الفجر كان الجيش مستعدا لمواجهة جيش الفرس الذى عاد مرة أخرى نحو الأبلة والجند في غاية الإرهاق وإنتصر المسلمون ودخلوا الأبلة وترك خالد بن الوليد رضي الله عنه حاميات عسكرية قوية تجاه الأبلة وعلى شط العرب وفي أسفل دجلة وعين سويد بن مقرن المزني رضي الله عنه حاكما عسكريا للمنطقة على أن يتمركز في الحفير في موقع خلفي ليحمي مؤخرة الجيش الإسلامي المتقدم وعلى أن يكون بمثابة مركز إنذار لتنبيه المسلمين بأى تحرك فارسي في المنطقة وإبلاغه بها أولا بأول وهو في طريقه لإنجاز مهمته وهي الوصول إلى الحيرة وفتحها وكانت الجولة القادمة لخالد من المفترض أن تكون إلى الولجة على نهر الفرات شمالي الأبلة لكن عيونه أخبروه بوجود حشد فارسي في المزار على نهر دجلة فكان لابد من ضرب هذا الحشد أولا قبل التوجه نحو الولجة فقرر خالد بن الوليد الإسراع بعبور شط العرب وأخذ طريق نهر دجلة وإتجه شمالا نحو المزار ونلاحظ هنا أن خالد بن الوليد قد خرج عن إستراتيجية الفتح التي رسمها له الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأخذ قراره بضرب جيش الفرس المتمركز في المزار دون الرجوع للخليفة والذى كان يمنحه هذه الصلاحية طبقا للموقف في ميادين القتال وكان خالد بن الوليد بفطنته وعبقريته العسكرية قد أدرك أنه لو أخذ طريق نهر الفرات كما أمره الخليفة أبو بكر الصديق دون ضرب جيش الفرس المتمركز في المزار فسوف يمثل ذلك تهديدا خطيرا لقاعدته في الأبلة ويعرض مؤخرته لتهديد الفرس ومن ثم إتخذ قراره على وجه السرعة وخرج عن الخط الإستراتيجي للفتح حيث بدون ذلك لن يستطيع أداء واجبه الأساسي الذى رسمه له الخليفة ومالا يتم به الواجب فهو واجب وفي شهر صفر عام 12 هجرية بدأت المعركة التي سماها المسلمون بوقعة المزار بالمبارزة حيث طلب قارن بن قريانس قائد الفرس من يبارزه فخرج له معقل بن الأعشى فقتل معقل قارن ثم بارز كل من عاصم بن عمرو التميمي وعدى بن حاتم الطائي قائدا ميمنة وميسرة المسلمين أنوشجان وقباذ فقتلهما عاصم وعدى رضي الله عنهما وإنتهت المعركة بإنتصار المسلمين وقتلوا من الفرس يومئذ ثلاثين ألفا وغرق منهم الكثير في نهر دجلة كما غنم المسلمون من المعركة الكثير وأمر خالد بن الوليد بسبي أبناء المقاتلين فيما أقر المزارعين على ما في أيديهم من الأرض الزراعية على أن يؤدوا الجزية عملا بوصية الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
|