بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
وفي النهاية بدأت معركة القادسية في يوم الخميس 13 شعبان عام 15 هجرية وأبلي المسلمون في هذه المعركة بلاءا حسنا وإستبسلوا فيها أيما إستبسال وواجهوا فيها فيلة الفرس المدربة علي القتال حيث كان من أهم أحداث هذه المعركة بطولات بني أسد بقيادة طليحة بن خويلد الأسدى في اليوم الأول للقتال والذى يسمي يوم أرماث حينما هاجمت الفيلة قبيلتي بجيلة وكندة وجفلت الخيل فأسرع فرسان بني أسد بالتسلل قرب أرجل الفيلة التي كانت تحمل فوق ظهورها توابيت يقف داخلها جنود الفرس ويرشقون جند المسلمين عن بعد بالسهام والنبال والرماح وقاموا بقطع الأحزمة التي تربط هذه التوابيت إلي ظهور الفيلة مما أدى إلي وقوعها وفي اليوم الثاني يوم أغواث والذى بدأ بمبارزة القعقاع بن عمرو التميمي لإثنين من قادة الفرس هما بهمان جازويه والبيرزان وتغلبه عليهما ثم ما كان منه عندما ألبس الجمال ثياب سوداء وبحيث لا يظهر منها سوى عيونها ففعلت في هذا اليوم في خيل الفرس مافعلته فيلة الفرس في خيل المسلمين في اليوم السابق ولم تظهر فيلة الفرس في هذا اليوم حيث كان يتم إصلاح الأحزمة التي قطعها المسلمون في اليوم السابق ومن بطولات اليوم الثالث الذى يسمي يوم عماس قيام القعقاع بن عمرو بالإشتراك مع أخيه عاصم بن عمرو وكذلك قيام حمال بن مالك قائد المشاة بالإشتراك مع الربيل بن عمرو بمهاجمة الفيلين الأبيض والأجرب اللذين كانا يعدا قائدا الفيلة المقاتلة ورشق عيونهما بالرماح وقطع خراطيمهما مما أدى إلي إنسحاب سلاح الفيلة من المعركة نهائيا وقد إستمر القتال في هذا اليوم طوال الليل ولذلك تسمي هذه الليلة ليلة الهرير فلم يكن يسمع فيها صوت بين المسلمين والفرس سوى صوت الهرير ثم كان النصر الساحق للمسلمين علي جيش الفرس في صباح اليوم الرابع من المعركة والذى يسمي يوم النصر أو يوم القادسية والذى قتل فيه رستم قائد الفرس والجالينوس أحد قواده الباقين أحياء كما تم مقتل حوالي 40 ألف من جند الفرس وبالإضافة إلي ذلك فقد غنم المسلمون في معركة القادسية غنائم كثيرةً كان من ضمنها رايةُ فارس الكبرى المصنوعة من جلد النمور والتي تسمي درفش كابيان ويبلغ طولها 12 ذراعا وعرضها 8 أذرع وكانت مرصعة بالياقوت واللؤلؤ وأنواع الجواهر وقد قطعت وأرسلت إلى المدينة المنورة هذا ولقد كان لعرفجة بن هرثمة وفرسان الأزد بقيادته إسهاما وافرا وجهادا عظيماً في موقعة القادسية حيث كان لكل قبيلة في الجيش أميرها ورايتها فكان عرفجة بن هرثمة صاحب راية الأزد القاطنة في العراق ويليه من قادة الأزد حميضة بن النعمان على رأس لواء كتيبة من الأزد عددهم سبعمائة وكان مجموع جنود الأزد في القادسية نحو ألف وخمسمائة وكانت الرئاسة العامة عليهم لعرفجة بن هرثمة البارقي رضي الله عنه .
وظل عرفجة بن هرثمة وقومه تحت إمرة قائد جيش المسلمين سعد بن أبي وقاص وشاركوا في جميع الفتوحات التي تلت القادسية حتى دخل المدائن عاصمة الإمبراطورية الفارسية حيث واصل المسلمون زحفهم نحو بهرسير جنوبي المدائن ففتحوها وهنا فر آخر ملوك الفرس يزدجرد الثالث هو وأهله إلي حلوان ورأى المسلمون إيوان كسرى عبر نهر دجلة فكبروا وهللوا وصاحوا قائلين هذا هو أبيض كسرى الذى وعدنا به رسول الله صلي الله عليه وسلم وقاموا بعبور نهر دجلة بخيولهم وإستولوا عليه وكبروا الله وصلي بهم سعد داخله صلاة النصر 8 ركعات متتابعات بتشهد واحد أخير وقاموا بتحويله إلي مسجد وبذلك تم فتح المدائن عاصمة الفرس وكان ذلك في شهر صفر عام 16 هجرية وفي نفس الشهر قامت معركة جلولاء بين المسلمين والفرس وجلولاء هذه عبارة عن حصن يبعد عن المدائن حوالي 100 كم إلي جهة الشمال تجمع فيه الفرس إستعدادا لمهاجمة المدائن وإستردادها وقد أحاطه الفرس بخندق وأحاطوا الخندق إلا طرقهم بحسك الحديد وهي عبارة عن مسامير مدببة وذلك لإعاقة حركة الخيل إذا هاجمت الحصن ولما بلغ ذلك سعدا فأرسل إلى عمر بن الخطاب فكتب إليه عمر أن سرح هاشم بن عتبة إلى جلولاء وإجعل على مقدمته القعقاع بن عمرو وقد إنتهى القعقاع إلى باب الحصن وإستولى عليه وحمل المسلمون علي الفرس وقتلوا منهم نحو مائة الف وجاءت الأخبار إلى سعد في المدائن بأن أهل الموصل اجتمعوا بتكريت على رجل من الروم يقال له الأنطاق فكتب سعد لعمر بن الخطاب في قضية أهل الموصل أنهم قد إجتمعوا بتكريت والتي تقع على الضفة الشرقية لنهر دجلة شمالي بغداد وجنوبي الموصل فأمره أن يعين جيشا لحربهم ويؤمر عليه عبد الله بن المعتم وأن يجعل على مقدمته ربعي بن الأفكل وعلى الميمنة الحارث بن حسان وعلي الميسرة فرات بن حيان وعلى الساقة هانئ بن قيس وعلى الفرسان عرفجة بن هرثمة وبما أن الفرسان هم القوة الأساسية في الجيوش فإن عرفجة هو القائد الذى كان له الإسهام الأوفر في ذلك المسير والفتح لتكريت والموصل فقد نزل ذلك الجيش على تكريت في جمادى الأولى عام 16 هجرية وكان عدد جنوده يقدر بخمسة آلاف مقاتل وإستغرقت عملية الزحف من المدائن إلى تكريت مدة أربعة أيام ولأن تحصينات المدينة كانت قوية جدا إذ كان يحيط بها سور عظيم يليه خندق واسع وعميق وقلعة حصينة يحيط بها سور محصن فقد فرض الجيش الإسلامي حصارا على المدينة من جميع جهاتها الجنوبية والغربية والشمالية وشدد حصارها على المناطق المقابلة لأبواب المدينة وذلك على إمتداد سورها الخارجي عند الجهة الشرقية التي كان نهر دجلة يحاذيها ودام الحصار 40 يوماً فأقبل أعيان المدينة من تغلب وإياد والنمر وكانوا يدينون بالنصرانية إلى القائد العربي عبد الله بن المعتم فسألوه لعرب المدينة السلم كما أخبروه أنهم قد إستجابوا له بإعلان الشهادة وكانوا قد أخبروه بحرج وضع الروم وصعوبة موقفهم في المدينة فإستجاب لهم شريطة أن يعاونوه على عدوه عبر حيلة إتفق معهم عليها وفي صباح اليوم التالي شد المسلمون على عدوهم وكبروا فكبر عرب ربيعة فظن الروم أن المسلمين قد أحاطوهم من الخلف فإضطربت صفوفهم وتم النصر للمسلمين وكان هذا الموقف الذى إتخذه أبناء المدينة من قبائل تغلب وإياد والنمر قد لعب دورا مباشراً في أنهاء الحصار وعجل في دخول الجيش العربي المسلم المدينة أما جيش الروم فإنهم هلكوا فيها إلا أن من فر هاربا منها فقد ورد في نص الرواية فلم يفلت من أهل الخندق إلا من أسلم من قبائل تغلب وإياد والنمر وبذلك فتحت مدينة تكريت على نحو تام وأصبحت بوابة للفتوح العربية الإسلامية بإتجاه الموصل والجزيرة الفراتية ثم باتجاه شمال العراق ثم أرسل إبن المعتم ربعي بن الأفكل وعرفجة بن هرثمة في سرية كبيرة إلى حصني نينوى وهو الحصن الشرقي والموصل وهو الحصن الغربي قبل أن تصلها أخبار هزيمة الأنطاق ففوجئوا بالسرية وخضعوا على أن يؤدوا الجزية .
وكان فتح تكريت والصلح مع أهل الموصل ونينوى في شهر جمادى الثانية عام 16 هجرية ولما بلغ الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب نبأ الإنتصار ولى عرفجة بن هرثمة على خراج أهل الموصل وظل يؤدى هذه المهمة لمدة ستة أشهر من جمادى الآخرة وحتى ذى الحجة عام 16 هجرية وبعد ذلك بعثه عمر في سبعمائة رجل إلى البصرة مددا في تمصيرها وعلى أن يترك الشؤون المالية للحارث بن حسان كما طلب من سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن يوجه عبدالله بن المعتم من الموصل إلى الكوفة تاركا مسلم بن عبد الله نائبا له على الشؤون الإدارية للموصل وذلك في شهر المحرم عام 17 هجرية وفي العام التالي 18 هجرية نقض أهل الموصل العهد الذي اعطوه لعبد الله بن المعتم وعرفجة بن هرثمة وذلك بعد أن إنسحبت معظم القوات العربية الإسلامية إلى الكوفة والبصرة وبينما كانت الجبهة الشرقية من العراق مشغولة في حرب الهرمزان في الأهواز كما سنبين في السطور القادمة كاتب عمر بن الخطاب عياض بن غنم والي الجزيرة المجاورة للموصل من ناحية الشام وأمره بتوجيه قوه إلي متمردى الموصل وفي ذلك يقول خليفة بن خياط إن عمر وجه عياضا فإفْتتحَ الموصل وخلف عتبة بن فرقد على أحد الحصنين وإفتتح الأَرض كلها عنوة غير الحصن الذى َصالحه أَهله وذلك خلال عام 18 هجرية وقال البلاذرى ولى عمر بن الخطاب عتبة بن فرقد السلمي عام 20 هجرية فقاتله أهل نينوى فأخذ حصنها وهو الشرقي عنوة وعبر دجلة فصالحه أهل الحصن الآخر عَلَى الجزية والإذن لمن أراد الجلاء في الجلاء ومن النصوص الآنفة إن صح الخبر يتضح أن عياض وعامله عتبة بن فرقد إضطرا إلى إستخدام القوة من أجل بسط السلطة والنظام على الموصل بعد تمردها وتجدر الإشارة إلى أن البلاذرى طعن في تمرد الموصل وأنها حررت مرة أخرى على يد أهل الشام بقيادة عياض بن غنم وعامله عتبة بن فرقد وقال في فتوح البلدان إن بعض الرواة قالوا إن عياضا فتح حصنا من الموصل وليس ذلك بثابت وبخصوص تمصير البصرة فقد كان هذا التمصير قد بدأ أواخر عام 16 هجرية أو أوائل عام 17 هجرية وقد إتفق إبن إسحاق والواقدى وسيف بن عمر أن تمصير البصرة والكوفة كانا تقريبا في آن واحد وكان عمر بن الخطاب قد وجه عتبة بن غزوان المازني في ثمانمائة رجل بينهم سبعون صحابيا من المدائن إلى البصرة وأمره بتمصيرها ثم أمده بسبعمائة رجل على رأسهم عرفجة كما اسلفنا وكان التمصير على ثلاث نزلات الأولى بنزول عتبة بن غزوان المازني في ثمانمائة ونزول عرفجة في سبعمائة رجل من بارق والمرحلة الثانية كانت بنزول ألفين وثمانمائة رجل من بني تميم والأزد وبني شيبان والمرحلة الثالثة كانت بتوطين سبعمائة من تميم على رأسهم سلمى بن القين وقال الواقدى في ذك كتب الخليفة عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص أن يضرب قيروانه بالكوفة وأن يبعث عتبة بن غزوان المازني إلى أرض الهند يقصد الثغر المؤدى إليها فإن له من الإسلام مكانا فدعا سعد بن أبي وقّاص عتبة بن غزوان وأخبره بكتاب عمر بن الخطاب فأجاب وخرج من الكوفة في ثمانمائة رجل فساروا حتّى نزلوا موضع البصرة فلما نزلها عتبة بن غزوان ضرب قيروانه وضرب المسلمون أخبيتهم وخيامهم وضرب عتبة بن غزوان المازني خيمة له من أكسية ثم رماهم عمر بن الخطّاب رضي الله عنه بالرجال فلما كثروا بدأوا في تمصير البصرة .
وبعد أن بدأ المسلمون يمصرون البصرة كان الجيش الإسلامي يتعرض للغارات بين الآونة والأخرى حيث كانت منطقة الأهواز تتاخم حدود البصرة وكان قد لجأ إليها الهرمزان وكان من قادة الفرس في القادسية ومن سادات فارس وعظمائها وكان قد فر إلى منطقة الأهواز بعد القادسية وأقام بها وكان يغير على ما بيد العرب وفي ذلك يقول إبن خلدون لما إنهزم الهرمزان يوم القادسية قصد خوزستان وهي قاعدة الأهواز فملكها وملك سائر الأهواز وكان أصله منهم ومن البيوتات السبعة في فارس وأقام يغير على أهل ميسان وهي منطقة بين البصرة وكسكر ودست ميسان من ثغور البصرة فأراد عتبة بن غزوان المازني أمير البصرة أن يسير له جندا وكان معه نحو ثمانمائة رجل ومع عرفجة بن هرثمة البارقي سبعمائة رجل ومع كل من حذيفة بن محصن ومجزأة بن ثور وحصين بن القعقاع وعاصم بن عمرو التميمي وسلمى بن القين أربعمائة رجل وكان جيش أهل البصرة قليل مجموعهم نحو خمسة الآف فإستمد عتبة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أمير الكوفة فأمده فخرجت جنود البصرة وأمدادهم من أهل الكوفة فإلتقت بالهرمزان بين دلث ونهر تيرى فهزمته ودحرته وتبعته حتى سوق الأهواز مما ألجأ الهرمزان لما رأى أنه لا طاقة له بالقتال إلى طلب الصلح وكان قبل ذلك قد بعث عتبة بن غزوان عرفجة بن هرثمة في كتيبة وأمره أن ياتي كسكر بتخوم ميسان من ثغر البصرة ليطهرها من جيوش العدو ويقطع الإمدادات عنهم وجاء في ترجمة عرفجة في كتاب الجامع كان عرفجة بن هرثمة من كبار القادة الفاتحين وهو الذي فتح رام هرمز وتستر في خوزستان بعد أن طهرها من جيش الفرس والواقعة على الضفة الشرقية لنهر دجلة ويتبين لنا من ذلك أن عتبة بن غزوان بعث عرفجة بن هرثمة لتطهير المنطقة المسماة كسكر فسار إليها عرفجة بفرق من الفرسان فطهرها من جيش الفرس وقطع الإمدادت عن الهرمزان وتم حصاره فتهيأ بذلك الطريق لفتح الأهواز وكان صلح الفتح الأول الذى تم بمشاركة عرفجة لإقليم خوزستان في جمادى الآخرة عام 17 هجرية وقد قبل عمر بن الخطاب الصلح مع الهرمزان والذى وافق على أن يعطي الجزية للعرب عن كل منطقة خوزستان بما فيها مدينة الأهواز وما والاها من مدن وفي ذلك يقول الطبرى ولما نزل الهرمزان رام هرمز وضاقت عليه الأهواز والمسلمون حلال فيها فيما بين يديه طلب الصلح إلى عمر فكتب عمر إلى عتبة يأمره أن يقبل منه على ما لم يفتحوا منها على رام هرمز وتستر والسوس وجندى سابور والبنيان ومهرجانقذق فأجابه إلى ذلك فأقام أمراء الأهواز على ما أسند إليهم وأقام الهرمزان على صلحة وضم عمر بن الخطاب جيش الكوفة الذي شهد فتح الأهواز إلى أهل البصرة وفي ذلك يقول أبو الربيع الأندلسي أتى البصرة مع عتبة خمسة آلاف و كانوا بالكوفة ثلاثين ألفا فألحق عمر أعدادهم بأهل البصرة حتى ساواهم بهم وحدث بعد ذلك أن نقض الهرمزان الصلح في عام 18 هجرية فهاجم أبو موسى الأشعرى إقليم خوزستان وفتحه عنوة وأخضعه كاملا لسلطان المسلمين في عام 20 هجرية وتم أسر الهرمزان وإرساله إلى الخليفة عمر بن الخطاب بالمدينة المنورة .
وفي شهر شعبان عام 17 هجرية وبعد أن كان الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص قد ظفر بالفرس وأزاح الأكاسرة في معركة القادسية والتي وقعت في شهر شعبان عام 15 هجرية وبعد الإنتصار العظيم الذى حققه المسلمون في هذه المعركة وزحفهم نحو المدائن ثم فتحها في شهر صفر عام 16 هجرية أراد أمير البحرين العلاء بن الحضرمي أن يصنع بالفرس شيئا ويحرز النصر عليهم كنصر سعد على الفرس من دون أن يفكر في مغبة المعصية وأهمية الطاعة اذ كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد نهاه ونهى غيره عن الغزو في البحر إتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه خوفا من أخطار ركوب البحر بلا كفاية خاصة وتجربة وخبرة طويلة بركوبه ولكن العلاء رضي الله عنه بعد أن إستكمل تأسيس وتجهيز أسطول بحري ندب الناس إلى بلاد فارس فأجابوه وكان معه خليد بن المنذر بن ساوى والجارود بن المعلى وسوار بن همام فأمرهم على الجند وعبرت الجنود الخليج العربي من البحرين إلى بلاد فارس وتوغلوا فاتحين إلى داخل إقليم إصطخر لكن أهل فارس تمكنوا من قطع خطوط رجعة المسلمين وبين سفنهم فقام خليد في الناس فخطبهم وهاجموا الفرس وقاتلوهم قتالا شديدا بمكان يدعي طاؤوس فقتل سوار والجارود وقتل من أهل فارس أعداد غفيرة ثم خرج المسلمون يريدون البصرة فلم يتمكنوا من الرجوع الى البحر وإضطروا بسبب تفوق الفرس الساحق أن يعسكروا ويتحصنوا وعادت بعض السفن بالنبأ إلى العلاء فبعث العلاء إلى عمر بن الخطاب بالخبر طالبا منه توجيه قوة من البصرة لإستنقاذهم فغضب عمر لأن العلاء أغزاهم في البحر وكتب إليه بعزله وكتب إلى عتبة بن غزوان والي البصرة أن العلاء بن الحضرمي خرج بجيش عبر الخليج إلى فارس وعصاني فخشيت عليهم أن لا ينصروا أن يغلبوا وينشبوا فأندب إليهم الناس وإضممهم إليك من قبل أن يجتاحوا فندب عتبة المسلمين بعد أن أخبرهم بكتاب عمر إليه في ذلك وإنتدب معهم جماعة من كبار قادة المسلمين وأمراء الجند والفرسان الأبطال المغاوير منهم عاصم بن عمرو التميمي وعرفجة بن هرثمة وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص وحذيفة بن محصن والأحنف بن قيس وغيرهم في إثني عشر ألفا وكان على الجميع أبو سبرة بن أبي رهم وأمره عتبة بإستشارة عرفجة حيث كان هو الوحيد كما أسلفنا هو الوحيد من بينهم الذى سبق له غزو فارس من البحرين بالسفن وافتتح جزيرة مما يلي بلاد فارس وبوجه عام كان عرفجة بن هرثمة البارقي من كبار القادة المستشارين في ولاية عتبة بن غزوان للبصرة منذ تمصيرها وحتى وفاة عتبة أواخر عام 17 هجرية وخرج مدد البصرة على البغال يجنبون الخيل سراعا فساروا على الساحل لا يلقون أحدا حتى إنتهوا إلى موضع الوقعة التي كانت بين المسلمين من أصحاب العلاء وبين أهل فارس بالمكان المسمى بطاؤوس وإذا خليد بن المنذر ومن معه من المسلمين محصورون قد أحاط بهم العدو من كل جانب وقد تداعت عليهم تلك الأمم من كل وجه وقد تكاملت أمداد المشركين ولم يبق إلا القتال فقدم المسلمون إليهم في وقت كانوا في أشد الحاجة إليهم فإلتقوا مع المشركين رأسا فكسر أبو سبرة المشركين كسرة عظيمة وقتل منهم مقتلة عظيمة جدا وأخذ منهم أموالا جزيلةً باهرة وإستنقذ خليدا ومن معه من المسلمين من بين أيديهم وأعز الله به الإسلام وأهله ودفع الشرك وذله ولله الحمد والمنة ثم عادوا إلى عتبة بن غزوان في البصرة وبعد عودتهم سار عتبة بن غزوان من البصرة لأداء فريضة الحج وبينما هو عائد من الحج قاصدا البصرة مات في الطريق في أواخر شهر ذى الحجة عام 17 هجرية .
وبعد وفاة عتبة بن غزوان تولى أبو موسى الأشعرى ولاية البصرة وكان عرفجة بن هرثمة البارقي من كبار القادة في ولايته وفي فتوحاته لإقليم الأهواز وتستر ورام هرمز في خوزستان وشهد معه فتح نهاوند وكان ملك الفرس كسرى يزدجرد آنذاك قد إستقر بمدينة مرو بعدما أخذ ينتقل من مدينة لأخرى بعد خروجه من عاصمته المدائن وكان يعمل على إثارة أهل فارس للدفاع عن بلادهم من أجل إستعادة ما خسروه منها واثمرت محاولاته في توحيد جهود الفرس وأهل الأهواز في سبيل صد عدوهم المشترك فأخبر قادة المسلمين في منطقة الأهواز الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بإجتماع كلمة أتباع كسرى على قتال المسلمين ونقض الصلح الذى كان قد تم مع عتبة بن غزوان في عام 17 هجرية فما كان من عمر إلا أن بعث الجيوش من الأمصار إلى الأهواز ليصد طموح يزدجرد وكتب إلى أبي موسى الأشعرى أن يبعث كذلك جندا كثيفا مع سعد بن عدى ويكون فيهم البراء بن مالك ومجزأة بن ثور وعرفجة بن هرثمة وغيرهم وكتب عمر أيضا إلى سعد بن ابي وقاص أن إبعث إلى الأهواز جندا كثيفا مع النعمان بن مقرن المزني ولينزلوا بإزاء الهرمزان ويتحققوا أمره ويكون علي الجندين أبو سبرة بن أبي رهم وإنطلق هذا الجيش العربي الإسلامي من البصرة إلى رام هرمز وهي تعد سوق الأهواز وخرج النعمان بن مقرن بأهل الكوفة إلى الأهواز ثم سار نحو الهرمزان وهو يومئذ برام هرمز فلما سمع الهرمزان بمسير النعمان إليه بادره بالقتال ورجا أن يهزمه وقد طمع في نصرة أهل فارس الذين نزلت أوائل إمدادهم بتستر فإلتقى النعمان والهرمزان فإقتتلوا قتالا شديدا وهزم الهرمزان وأخلى رام هرمز وتركها ولحق بتستر وبها جنوده من أهل فارس وأهل الجبال والأهواز ولما وصل أبو سبرة بن أبي رهم على أهل البصرة ومنهم عرفجة بن هرثمة والبراء بن مالك ومجزأة بن ثور السدوسي إلى سوق الأهواز وعلموا بأن الهرمزان لحق بمدينة تستر شمالي مدينة الأهواز قصدوها وإحتشدت حولها كافة قوات المسلمين الموجودة في تلك المنطقة ثم إستمدّ أبو سبرة عمر بن الخطاب فأمده بأبي موسى الأشعرى في جمع آخر من البصرة وجعله على أهل البصرة والنعمان بن مقرن على أهل الكوفة وإستمر أبو سبرة على الإمرة على جميع أهل الكوفة والبصرة وحاصر جيش المسلمين تستر شهورا طويلة وأكثروا فيهم القتل وزاحفهم الفرس أثناء الحصار ثمانين زحفا حتى إذا كان آخر زحف منها إشتد القتال فإنهزم الفرس ودخلوا خنادقهم ففتحها المسلمون عليهم فلاذ الفرس بالمدينة فأحاط بها المسلمون ورأى الفرس مدينتهم مطوقة بالمسلمين من جميع جوانبها ولا أمل لهم في الخلاص من هذا الطوق المحكم لذلك إنهارت معنوياتهم فخرج رجل من الفرس ليدل المسلمين على نقاط الضعف في دفاع المدينة المحاصرة فدخلها بعض المسلمين فكبروا وردد المسلمون خارجها هذا التكبير وإقتحموا أبوابها وقتلوا المدافعين عنها وأسروا الهرمزان وشدوه وثاقه وأرسله أبو سبرة إلى الخليفة عمر بن الخطاب مع وفد أنس بن مالك والأحنف بن قيس وهكذا فتح العرب مدينة تستر أعظم مدينة في منطقة خوزستان وحدث أن إنسحبت بعض القوات الفارسية منهزمة من تستر بإتجاه السوس فخرج أبو سبرة بنفسه في أثر المنهزمين إلى السوس ونزل عليها ومعه النعمان بن مقرن وأبو موسى الأشعري وعرفجة بن هرثمة وغيرهم من القادة فطوقت القوات العربية الإسلامية مدينة السوس وإستطاعوا فتحها عنوة ولكن المدافعين عنها طلبوا الصلح فأُجيبوا إلى ذلك وكان لعرفجة بن هرثمة في فتح خوزستان أحسن البلاء وقال الأديب والمؤرخ اليمني محمد عبد القادر بامطرف في الجامع كان عرفجة من كبار القادة الفاتحين وهو الذي فتح رام هرمز وتستر والسوس في خوزستان .
وبعد فتح السوس توجه جيش المسلمين إلى نهاوند حيث كان يزدجرد قد إستطاع أن يحشد جيشا فارسيا ضخما في نهاوند بشمال غرب إيران حاليا وجعل الفيرزان قائدا له وبالطبع فقد بلغ ذلك الأمر الخليفة عمر بن الخطاب فقال أشيروا على أيها الناس برجل أوله ذلك الثغر غدا قالوا أنت أفضل رأيا وأحسن مقدرة قال أشيروا علي به وإجعلوه عراقيا قالوا يا أمير المؤمنين أنت أعلم بأهل العراق وجندك قد وفدوا عليك ورأيتهم وكلمتهم فقال أما والله لأولين أمرهم رجلا ليكونن لأول الأسنة إذا لقيها غدا فقيل من يا أمير المؤمنين فقال النعمان بن مقرن فقالوا هو لها وكان النعمان يومئذ بالبصرة ومعه قواد من قواد أهل الكوفة أمدهم بهم عمر فكتب إليه عمر بالخبر وإني قد وليتك حربهم فسر من وجهك ذلك حتى تأتي مدينة ماه بشمال غرب إيران حاليا فإني قد كتبت إلى أهل الكوفة أن يوافوك بها فإذا إجتمع لك جنودك فسر إلى الفيرزان ومن تجمع إليه من الأعاجم من أهل فارس وغيرهم وإستنصروا الله وأكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله وفي نهاوند جرت الوقعة الكبرى التي أطلق عليها العرب إسم فتح الفتوح وشهد عرفجة بن هرثمة المعركة مع أبي موسى الأشعرى على رأس جيش أهل البصرة وتحت لواء النعمان بن مقرن المزني وإستشهد النعمان بن مقرن خلال هذه المعركة فأخذ الراية حذيفة بن اليمان وإنتهت المعركة بإنتصار المسلمين وإفتتحت نهاوند وكان ذلك آخر مسمار في نعش الإمبراطورية الساسانية حيث سقطت بعد هذه المعركة إلى الأيد بعد أن حكمت العراق وإيران الحالية 416 عاما وبهذه المعركة أُسدل الستار على الحياة العسكرية للقائد العسكرى الفذ عرفجة بن هرثمة رضي الله عنه حيث تحول مساره إلى الإمارة بعد عشر سنوات في ميدان الفتوحات الإسلامية حيث تم تعيينه واليا على الموصل عام 22 هجرية بامر من الخليفة عمر بن الخطاب ودامت ولايته عليها إلى أن توفي عام 34 هجرية في أواخر عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان وكانت توليته عليها حدثا تاريخيا هاما سجلته كتب التاريخ فجاء في كتاب أنساب الأشراف للمؤرخ البلاذرى ولى عمر عتبة بن فرقد الموصل عام 20 هجرية ثم عزله وولى عرفجة بن هرثمة البارقي عام 22 هجرية وقال النويرى في كتاب قول صاحب الكامل في التاريخ في سنة 22 هجرية كان فتح شهرزور فتحها عتبة إبن فرقد وكتب إلى عمر إن فتوحى قد بلغت أذربيجان فولاه إياها وولى عرفجة بن هرثمة الموصل وفي واقع الأمر فقد كان تولي عرفجة بن هرثمة إمارة الموصل نقطة تحول هامة وعظيمة في تاريخها وقد دامت ولايته عليها قرابة 13 عاما وهي مدة طويلة نسبيا تتيح لصاحبها المجال والخبرة لتحقيق الكثير من المنجزات في شتى المجالات الإدارية والعمرانية لذا فقد إقترن أمر تخطيط الموصل وتعميرها بإسم هذا الوالي القدير والذى يعد مؤسس العصر العربي الإسلامي لولاية الموصل وفي ذلك قيل إحتلت الموصل مكانة مهمة في العصر الراشدى وكانت بعد فتحها مباشرة في عام 17 هجرية قد أصبحت تابعة للكوفة وكانت عبارة عن حصن يقع على الضفة الغربية لنهر دجله وبها بعض منازل لليهود ومنازل وبيع للنصارى وكان يقيم بها أحيانا الوالي أو نائب عنه ثم أصبحت بعد ذلك ولاية منفصلة عن الكوفة وكان عرفجة بن هرثمة أول من إختطها أي جعل لها خططا وبنى بها مسجدا جامعا ودارا للإمارة تحيط بها عدة أسواق وقام بإسكان العرب فيها كل في محلة خاصة بهم فاصبحت أحد الأمصار الإسلامية المهمة وزاد عدد سكانها وأصبحت من أكبر قواعد العرب والإسلام حيث صارت مدن ومناطق شاسعة ومحددة تمتد ما بين حدود ولاية الجزيرة الفراتية شمالا وولاية الكوفة بالعراق جنوبا وبذلك كانت تكريت وكركوك والحديثة وشهرزور من ضمن توابع الموصل في ذلك الوقت وكانت قليلة النظير كبرا وعظما وكثرة خلق وسعة فهي باب العراق ومفتاح خراسان وفي نهاية مقالنا هذا لا يفوتنا أن نذكر أن الصحابي عرفجة بن هرثمة كان أحد إثنين من الولاة لم يعزلهما الخليفة الراشد عثمان بن عقان بعد توليه الخلافة في الأول من شهر المحرم عام 24 هجرية بعد مقتل عمر بن الخطاب وكان الوالي الثاني هو معاوية بن أبي سفيان والي الشام وقد شهد لهما الجميع بأن كلاهما كان ناجحا في إدارته لولايته إذ لم ينتفض عليهما أحد ولم تحدث أي فتن في هاتين الولايتين طوال مدة ولاية كل منهما عليها ويذكر لعرفجة أنه أثناء ولايته على الموصل أسلم على يديه غالبية أهل تلك البلاد من العرب المسيحين ومن الأكراد وأخيرا كانت وفاة الصحابي الجليل والقائد العسكرى الفذ عرفجة بن هرثمة في عام 34 هجرية عن عمر يناهز 64 عاما قرب نهاية عهد الخليفة عثمان بن عفان .
|